• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    {وما النصر إلا من عند الله} ورسائل للمسلمين
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرزاق، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    الأحق بالإمامة في صلاة الجنازة
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    فضل الصبر على المدين
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    تفسير قوله تعالى: { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ...
    سعيد مصطفى دياب
  •  
    محاسن الإرث في الإسلام (خطبة)
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    تفسير: (لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنتان عن يمين ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    علامات الساعة (2)
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    ما جاء في فصل الصيف
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    أحكام التعاقد بالوكالة المستترة وآثاره: دراسة ...
    د. ياسر بن عبدالرحمن العدل
  •  
    خطبة: أم سليم ضحت بزوجها من أجل دينها (1)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    خطبة: التربية على العفة
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    حقوق الأولاد (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    التلاحم والتنظيم في صفوف القتال في سبيل الله...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أسس التفكير العقدي: مقاربة بين الوحي والعقل
    الشيخ حذيفة بن حسين القحطاني
  •  
    ابتلاء مبين وذبح عظيم (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن / عون الرحمن في تفسير القرآن
علامة باركود

تفسير قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة...}

تفسير قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا
الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 15/7/2023 ميلادي - 26/12/1444 هجري

الزيارات: 8074

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تفسير قوله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ... ﴾

 

قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ * اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾ [البقرة: 254، 255].

 

قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾.

 

قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ سبق الكلام عليه.

 

﴿ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ ﴾ الإنفاق: بذل المال، والمراد به هنا: بذل المال في طاعة الله تعالى من النفقات الواجبة كالزكاة والنفقة على من تلزم النفقة عليه من الأهل والأولاد ونحوهم، وكذا النفقات المستحبة كالصدقة والهدية ونحو ذلك، وحذف المعمول ليعم الإنفاق جميع طرق الخير.

 

﴿ مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ ﴾ «من»: تبعيضية، و«ما»: موصولة، أو مصدرية، أي: أنفقوا بعض الذي رزقناكموه، أو بعض رزقنا لكم، والرزق: العطاء.

 

ويحتمل أن تكون «من» بيانية، وعلى هذا فيجوز إنفاق جميع المال.

 

﴿ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ ﴾ «أن» والفعل «يأتي» في محل جر مضاف إليه، أي: من قبل إتيان يوم، والمراد به يوم القيامة.

 

﴿ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ ﴾ هذه الجملة المنفية في محل رفع صفة لـ«يوم».

 

قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب بالبناء على الفتح بدون تنوين: «لا بيعَ»، «ولا خلةَ» «ولا شفاعةَ»، على اعتبار «لا»: عاملة عمل «إنَّ»، لكن بالبناء على الفتح، لا بالتنوين.

 

وقرأ الباقون بالضم فيها كلها مع التنوين على اعتبار «لا» ملغاة: ﴿ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ ﴾.

 

﴿ لَا بَيْعٌ فِيهِ ﴾ «لا»: نافية، أي: لا بيع موجود أو كائن فيه.

 

والبيع: عقد المعاوضات التي يطلب بها الأرباح، ويراد به هنا- والله أعلم- ما هو أعم من ذلك وهو تبادل المنافع.

 

﴿ وَلَا خُلَّةٌ ﴾، أي: ولا خلة موجودة أو كائنة فيه، والخلة: أعلى المودة والصداقة والمحبة.

 

ومما يدل على أن الخلة أعلى المحبة أنه صلى الله عليه وسلم قال: «لو كنت متخذًا من أمتي خليلًا لاتخذت أبا بكر خليلًا»[1]، وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه: «ولكن صاحبكم خليل الله»[2].

 

بينما قال صلى الله عليه وسلم لما سئل: من أحب الناس إليك؟ قال: «عائشة»، قيل: من الرجال؟ قال: «أبوها»[3]، فاتخذ صلى الله عليه وسلم أبا بكر حبيبًا ولم يتخذه خليلًا، كما كان يقال لأسامة بن زيد رضي الله عنه: «حِب رسول الله صلى الله عليه وسلم»[4].

 

فالخلة أعلى وأخص من المحبة؛ لأنها تتخلل شغاف القلب والأعضاء.

 

قال الشاعر:

قد تخللت مسلك الروح مني
وبذا سُميَ الخليل خليلًا[5]

﴿ وَلَا شَفَاعَةٌ ﴾ أي: ولا شفاعة موجودة أو كائنة فيه. والشفاعة: الوساطة للغير بجلب نفع أو دفع ضرٍ.

 

والمراد ﴿ وَلَا شَفَاعَةٌ ﴾ لأهل الكفر مطلقًا، ولا لغيرهم إلا بعد إذن الله تعالى للشافع ورضاه عن المشفوع، كما سيأتي بيانه.

 

فانتفت في ذلك اليوم- يوم القيامة- جميع وسائل الانتفاع التي كانت بين الناس في الدنيا من المعاوضة وتبادل المنافع بينهم، أو نفع الخليل لخليله والصديق والقريب، كما قال تعالى: ﴿ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ ﴾ [المؤمنون: 101]، وقال تعالى: ﴿ يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ﴾ [عبس: 34 - 37].

 

وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴾ [لقمان: 33]، فكلٌ منشغل بنفسه، قال كعب بن زهير[6]:

وقال كل خليل كنت آمله
لا ألهينك إني عنك مشغول

كما انتفت في ذلك اليوم الشفاعة والوساطة، كما قال تعالى: ﴿ فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ ﴾ [المدثر: 48]، وكما يقول أهل النار: ﴿ فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ ﴾ [الشعراء: 100، 101]، والناس في الدنيا يتبادلون المنافع بيعًا وشراءً وغير ذلك، وينتصر بعضهم لبعض، كما قال قائلهم:

أخاك أخاك إن من لا أخا له
كساع إلى الهيجا بدون سلاح[7]

كما يشفع بعضهم لبعض فيشفع القوي للضعيف وذو الجاه لغيره وهكذا.

 

أما في ذلك اليوم، يوم القيامة، فلا بيع ولا خلة ولا شفاعة، ولا ينفع المرء في ذلك اليوم إلا العمل الصالح بإذن الله عز وجل وما كان في الله، ولله، كما قال تعالى: ﴿ الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ﴾ [الزخرف: 67]، وقال تعالى: ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الشعراء: 88، 89]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ ﴾ [سبأ: 37].

 

﴿ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ الواو: استئنافية، والكافرون جمع «كافر» والكفر: الإنكار والجحود والتكذيب.

 

﴿ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾، أي: هم الظالمون حقًا، الذين بلغوا في الظلم غايته، فالكافرون الذين أنكروا وجود الله وجحدوا ربوبيته وألوهيته وأسماءه وصفاته وشرعه ورسله، وكذبوا بذلك أو بشيء منه، ومن ذلك جحد ما أوجبه الله تعالى من النفقات كالزكاة ونحو ذلك، أو منعها على قول بعض أهل العلم.

 

﴿ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ «هم» ضمير منفصل يفيد التأكيد، و﴿ الظَّالِمُونَ ﴾ جمع «ظالم»، والظلم: النقص كما قال تعالى: ﴿ كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا ﴾ [الكهف: 33].

 

وهو أيضًا: وضع الشيء في غير موضعه على سبيل العدوان.

 

والظلم قسمان: ظلم للنفس بإقحامها الكفر والموبقات وتعريضها لعذاب الله، وظلم للغير وهو أيضًا من ظلم النفس؛ لأن وبال ذلك عليها.

 

وقد أكد عز وجل وصف الكافرين بالظلم وحصره فيهم بكون الجملة اسمية مُعَرَّفة الطرفين، وبضمير الفصل «هم»؛ وذلك لعظم ظلمهم، حيث صرفوا حق الله عز وجل الذي هو أعظم الحقوق، وهو عبادته وحده لا شريك له، صرفوا ذلك لغيره وهو سبحانه الذي خلقهم ورزقهم وعافاهم، ولهذا كان الشرك أعظم الظلم، قال تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لقمان: 13].

 

وقال صلى الله عليه وسلم، وقد سئل: أي الذنب أكبر؟ فقال: «أن تجعل لله ندًا وقد خلقك»[8].

 

وكل كفر ظلم، وليس كل ظلم كفرًا، ولهذا قال عطاء بن دينار رحمه الله: «الحمد لله الذي قال: ﴿ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ ولم يقل: «والظالمون هم الكافرون»»[9].

 

قوله تعالى: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾.

 

هذه الآية أعظم آية في كتاب الله عز وجل، وهي مشتملة على عشر جمل خبرية مستقلة، فيها إثبات عدد من صفات الله عز وجل العظيمة، منها: كمال ألوهيته ووحدانيته، وحياته وقيوميته، وعموم ملكه، وقوة سلطانه، وسعة علمه، وسعة كرسيه وقوته وقدرته وعلوه وكمال عظمته.

 

عن أُبي بن كعب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأله، فقال: «أي آية في كتاب الله أعظم؟» قال: آية الكرسي. فضرب النبيُّ صلى الله عليه وسلم على صدره وقال: «ليهنك العلم أبا المنذر»[10].

 

وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه حين وكله رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان قال: فأتاني آت فجعل يحثو من الطعام، وفيه: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي، فلا يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح»[11].

 

قوله: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾ «الله»: مبتدأ، وجملة ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾ في محل رفع خبره.

 

و«الله» علم على الرب تبارك وتعالى، وهو أصل الأعلام، وأعرف المعارف، وهو أصل أسماء الله عز وجل، وتأتي أسماء الله تعالى كلها تابعة له، كما في قوله تعالى في سورة الحشر: ﴿ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ﴾ [الحشر: 22].

 

وقد يأتي تابعًا كما في قوله تعالى في سورة إبراهيم: ﴿ الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ﴾ [إبراهيم: 1]، فلفظ الجلالة (الله) أتى بعد اسمه تعالى (الحميد)، لكنه لا يعرب صفة، وإنما يعرب بدلًا أو عطف بيان.

 

ومعنى (الله) أي: المألوه المعبود بحق محبة وتعظيمًا، أي: الذي له وحده جميع معاني الألوهية.

 

﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾ «لا»: نافية للجنس تعمل عمل «إنَّ»، تفيد العموم والاستغراق في النفي لجميع أفراده، ﴿ إِلَهَ ﴾: اسم «لا» مبني على الفتح في محل نصب، وخبرها محذوف، تقديره: حق، أي: لا إله حق إلا هو، أي: لا معبود حق سواه- سبحانه وتعالى.

 

وكل ما يعبد من دونه فهو باطل، ولا ينفع ولا يضر، كما قال تعالى: ﴿ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ ﴾ [هود: 101].

 

و﴿ الحي ﴾: خبر ثان، أو صفة للفظ الجلالة «الله»، وقيل غير ذلك.

 

و«أل» فيه للاستغراق، يدل على أنه عز وجل ذو الحياة الكاملة الدائمة الباقية أزلًا وأبدًا والتي لا يعتريها نقص، ولم يسبقها عدم، ولا يلحقها فناء أو زوال، والتي هي أصل جميع الصفات، قال تعالى: ﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا ﴾ [الفرقان: 58]، فقوله: ﴿ الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ ﴾ من الصفات المنفية التي تتضمن إثبات كمال ضدها، وهو الحياة الجامعة لكمال الأوصاف، كمال السمع والبصر والعلم والقدرة، والإرادة والقوة والرحمة والعفو والمغفرة وغيرها من الصفات الذاتية، كما قال تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [الروم: 27]، وقال تعالى: ﴿ أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ ﴾ [النمل: 60].

 

﴿ القيوم ﴾: خبر ثالث، أو صفة ثانية للفظ الجلالة «الله»، وقيل غير ذلك.

 

و﴿ القيوم ﴾: اسم من أسماء الله عز وجل، و«أل» فيه للاستغراق، يدل على أنه عز وجل ذو القيومية التامة، والدال على كمال جميع صفاته الفعلية، القائم بنفسه الغني عما سواه، المقيم لغيره من الخلق، القائم عليهم، المدبر لهم.

 

فكل المخلوقات لا قوام لها إلا به- سبحانه وتعالى- كما قال تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ ﴾ [الروم: 25]، وقال تعالى: ﴿ أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ﴾ [الرعد: 33].

 

وفي «الحي»: كمال صفاته عز وجل، وفي «القيوم»: كمال أفعاله، وفي اجتماعهما: كمال ذاته عز وجل.

 

﴿ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ﴾: تأكيد لقوله: ﴿ الحي القيوم ﴾.

 

والسِّنَةُ: النعاس، وهو مقدمة النوم، أي: لا يعتريه نعاس ﴿ وَلَا نَوْمٌ ﴾ ولا سهو ولا غفلة؛ لكمال حياته وقيوميَّته وعلمه.

 

عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس كلمات، فقال: «إن الله عز وجل لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يُرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه»[12].

 

﴿ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ﴾ «له»: جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم، ﴿ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ﴾ مبتدأ مؤخر، و«ما» في الموضوعين: اسم موصول يفيد العموم.

 

واللام في قوله: ﴿ لَهُ ﴾ مع تقديم الخبر للدلالة على الحصر والاختصاص، أي: له وحده جميع الذي في السموات والذي في الأرض، خلقًا وملكًا وتدبيرًا، وكلهم عبيده، كما قال تعالى: ﴿ إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا ﴾ [مريم: 93 - 95].

 

وفي هذا دلالة على كمال وعموم قيوميته.

 

﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ﴾ هذه الجملة مقررة لمضمون جملة: ﴿ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ﴾.

 

أي: ﴿ مَنْ ذَا الَّذِي ﴾ من الخلق، من الأنبياء والملائكة والإنس والجن وغيرهم ﴿ يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ﴾.

 

و«من»: اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ، و«ذا»: زائدة من حيث الإعراب، جيء بها لتحسين اللفظ وتأكيد المعنى، أو خبر «من» الاستفهامية.

 

﴿ الذي ﴾ اسم موصول مبني في محل رفع خبر «من»، أو بدل من «ذا».

 

والاستفهام هنا للإنكار والنفي بدليل الإثبات بعده بقوله: ﴿ إِلَّا بِإِذْنِهِ ﴾ أي: لا أحد يشفع عند الله عز وجل إلا بإذنه؛ لكمال ملكه وعظيم سلطانه، كما قال تعالى: ﴿ قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [الزمر: 44].

 

﴿ يشفع ﴾: صلة الموصول، والشفاعة في اللغة: مأخوذة من الشفع ضد الوتر؛ لأن المشفوع له بعد أن كان وترًا صار شفعًا بانضمام الشافع إليه.

 

والشفاعة في الاصطلاح: الوساطة لجلب نفع أو دفع ضرٍّ.

 

وفي الحديث: «هذا حري إن خطب أن ينكح وإن شفع أن يشفع»[13].

 

فشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في أهل الموقف أن يقضى بينهم بعدما يشتد بهم الحال من الشفاعة في دفع الضر، وشفاعته صلى الله عليه وسلم في أهل الجنة أن يدخلوها من الشفاعة في جلب النفع.

 

﴿ إِلَّا بِإِذْنِهِ ﴾ «إلا»: أداة حصر، ﴿ بِإِذْنِهِ ﴾ متعلق بمحذوف حال، أي: من ذا الذي يشفع عنده في أي حال من الأحوال إلا في حال إذنه، أي: إلا مأذونًا له، ونحو ذلك.

 

وإذن الله عز وجل قسمان: إذن كوني كما في هذه الآية، وكما في قوله تعالى: ﴿ وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 102] وقوله تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ ﴾ [آل عمران: 145].

 

وإذن شرعي، كما في قوله تعالى: ﴿ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [الشورى: 21]، وقوله تعالى: ﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ﴾ [الحج: 39].

 

والمعنى هنا: من ذا الذي يشفع عنده إلا بعد إذنه، أي: إلا بعد أن يأذن ويرخص له في الشفاعة ويبيح له ذلك؛ لعظمته سبحانه وجلاله وكبريائه، كما قال تعالى: ﴿ وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى ﴾ [النجم: 26] وقال تعالى: ﴿ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ﴾ [الأنبياء: 28].

 

حتى ولو كان الشافع سيد الخلق، وأفضل الرسل محمدًا صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا يعتذر جميع الأنبياء عن الشفاعة في أهل الموقف كل منهم يقول: نفسي، نفسي إلى أن يأتي الناس إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فيقول: «أنا لها» فيسجد تحت العرش تعظيمًا لله عز وجل، ويفتح الله عليه من المحامد والدعوات حتى يقال له: «ارفع رأسك وسل تعط واشفع تشفع».[14].

 

﴿ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ ﴾؛ كقوله تعالى في سورة طه: ﴿ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا ﴾ [طه: 110]، وقوله تعالى: ﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ ﴾ [النمل: 74].

 

قوله: ﴿ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ﴾ «ما»: اسم موصول يفيد العموم، والضمير «هم» يعود إلى ما في السموات والأرض، بتغليب العقلاء، أي: يعلم الذي بين أيديهم، أي: الحاضر والمستقبل، ﴿ وَمَا خَلْفَهُمْ ﴾ أي: ويعلم الذي خلفهم، وهو الماضي، كقوله تعالى إخبارًا عن الملائكة: ﴿ وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ﴾ [مريم: 64].

 

وقال بعض السلف: «﴿ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ﴾ ما مضى من الدنيا، ﴿ وَمَا خَلْفَهُمْ ﴾ ما بعدهم من الدنيا والآخرة».

 

فعلم الله عز وجل محيط بما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف كان يكون، محيط بالأشياء كلها في أطوارها الثلاثة؛ قبل الوجود، وبعد الوجود، وبعد العدم.

 

سُئل موسى عليه الصلاة والسلام عن القرون الأولى، فقال: ﴿ قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى ﴾ [طه: 52]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾ [طه: 98]، وقال تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا ﴾ [النساء: 126].

 

بل إن علمه عز وجل متعلق حتى بالمستحيل، كما قال تعالى عن السموات والأرض: ﴿ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ ﴾ [الأنبياء: 22]، وقال تعالى: ﴿ مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ﴾ [المؤمنون: 91].

 

والعلم في الأصل: إدراك الأشياء على ما هي عليه إدراكًا جازمًا، فمن قال مثلًا: عدد الرسل في القرآن الكريم خمسة وعشرون رسولًا، فهو عالم يعني بالنسبة لهذه المسألة.

 

ومن قال: لا أدري كم عددهم، فهذا جاهل جهلًا بسيطًا، لا يدري ويدري أنه لا يدري.

 

ومن قال: بل هم ثلاثون، فهذا جاهل جهلًا مركبًا لا يدري، ولا يدري أنه لا يدري.

 

﴿ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ ﴾ الإحاطة بالشيء معناها: معرفته والإلمام به، و«شيء»: نكرة في سياق النفي فتعم أيَّ شيء مهما قل أو صغر، قل أو كثر.

 

﴿ مِنْ عِلْمِهِ ﴾ يجوز أن يكون الضمير في ﴿ علْمِهِ ﴾ مضافًا إلى الفاعل، فالمعنى: ولا يحيطون بشيء من علم الله عز وجل، أي: من علم نفسه وذاته، وأسمائه وصفاته وأفعاله، كما قال تعالى: ﴿ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا ﴾ [طه: 110].

 

ويجوز أن يكون الضمير في «علمه» مضافًا إلى المفعول، فالمعنى: ولا يحيطون بشيء من معلوم الله عز وجل، وهو علمه عز وجل ما بين أيديهم وما خلفهم، الشامل للحاضر والمستقبل والماضي.

 

ولا مانع من حمل الآية على الوجهين، بل إن الوجه الثاني يستلزم الأول، من غير عكس، لأنهم إذا لم يحيطوا ببعض معلوماته المتعلقة بهم فعدم إحاطتهم علمًا به- سبحانه- من باب أولى.

 

﴿ إِلَّا بِمَا شَاءَ ﴾ «إلا»: أداة استثناء، «ما»: موصولة، أي: إلا بالذي شاء الله أن يعلمهم إياه ويطلعهم عليه من علم نفسه، أو من معلومه، من الأمور الشرعية والقدرية.

 

كما قالت الملائكة: ﴿ قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴾ [البقرة: 32]، وقال تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا * عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا ﴾ [الجن: 25 - 27].

 

وذلك قليل جدًّا بالنسبة لعلمه عز وجل، كما قال تعالى: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [الإسراء: 85].

 

﴿ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ﴾، و«الكرسي»: موضع قدمي الله عز وجل»، كما صح ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما وعن جمع من السلف، فعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: «الكرسي موضع القدمين، والعرش لا يقدر أحد قدره»[15].

 

وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: «الكرسي موضع القدمين، وله أطيط كأطيط الرحل»[16].

 

وكذا روي عن جمع من السلف، أن الكرسي موضع القدمين[17].

 

وهو من سعته وعظمته يسع السموات والأرض وما فيهما وما بينهما من الأفلاك والمخلوقات والعوالم.

 

ورُويَ عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما الكرسي في العرش إلا كحلقة من حديد ألقيت بين ظهراني فلاة في الأرض»[18].

 

﴿ وَلَا يَئُودُهُ ﴾، أي: ولا يثقله ولا يشق عليه، ولا يجهده.

 

﴿ حِفْظُهُمَا ﴾ أي: حفظ السموات والأرض وما فيهما وما بينهما، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ﴾ [فاطر: 41]، وقال تعالى: ﴿ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ ﴾ [الرعد: 11].

 

﴿ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾، كما قال تعالى: ﴿ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ ﴾ [الرعد: 9]؛ أي: وهو ذو العلو المطلق، علو الذات، وعلو الصفات، وعلو القدر، وعلو القهر.

 

قال السعدي[19]: «وهو العلي بذاته على جميع مخلوقاته، وهو العلي بعظمة صفاته، وهو العلي الذي قهر المخلوقات ودانت له الموجودات وخضعت له الصعاب، وذلت له الرقاب».

 

﴿ الْعَظِيمُ ﴾، أي: ذو العظمة التامة في ذاته وصفاته وسلطانه، أي: الجامع لجميع صفات العظمة والكبرياء، كما قال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل: «العز إزاري، والكبرياء ردائي، فمن ينازعني عذبته»[20].



[1] أخرجه البخاري في الصلاة، الخوخة والممر في المسجد (466)، ومسلم في فضائل الصحابة، من فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه (2382)، والترمذي في المناقب (3660) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

[2] أخرجه مسلم في الموضع السابق (2383)، والترمذي (3655)، وابن ماجه في المقدمة (93).

[3] أخرجه البخاري في المناقب (3662)، ومسلم في فضائل الصحابة، فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه (2384)، والترمذي في المناقب (3885)، من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه.

[4] أخرجه البخاري في الحدود (6788)، ومسلم في الحدود (1688)، وأبو داود في الحدود (4373)، والنسائي في قطع السارق (4899)، والترمذي في الحدود (1430)، وابن ماجه في الحدود (2547) من حديث عائشة رضي الله عنها.

[5] البيت لبشار بن برد. انظر: «ديوانه» (ص182).

[6] انظر: «ديوانه» (ص19).

[7] البيت لمسكين الدارمي. انظر: «ديوانه» (ص29).

[8] أخرجه البخاري في التفسير (4761)، ومسلم في الإيمان (86)، وأبو داود في الطلاق (2310)، والنسائي في تحريم الدم (4013)، والترمذي في التفسير (3182) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.

[9] أخرجه الطبري في «جامع البيان» (4/ 526).

[10] أخرجه مسلم في صلاة المسافرين، فضل سورة الكهف وآية الكرسي (810)، وأبو داود في الصلاة (1460).

[11] أخرجه البخاري معلقًا في فضائل القرآن (5010).

[12] أخرجه مسلم في الإيمان (179).

[13] أخرجه البخاري في النكاح (5091)، وابن ماجه في الزهد (4120)، من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه.

[14] سبق تخريجه.

[15] أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (12/ 93)، حديث (12404)، وقال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (6/ 326): «رجاله رجال الصحيح»، وأخرجه الحاكم في التفسير (2/ 282)، وقال: «صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه»، ووافقه الذهبي، وانظر «تفسير ابن كثير» (1/ 457)، وهذا هو المحفوظ والأصح عن ابن عباس رضي الله عنهما بتفسير الكرسي بموضع القدمين. وروي عنه أنه قال: «كرسيه علمه»، انظر «جامع البيان» (5/ 401)، تحقيق محمود شاكر، وشرح العقيدة الطحاوية (371).

[16] أخرجه عن أبي موسى عبد الله بن أحمد في «السنة» (588)، والطبري في «جامع البيان» (4/ 538).

[17] انظر: «جامع البيان» (4/ 538)، «تفسير ابن أبي حاتم» (2/ 491).

[18] سيأتي تخريجه.

[19] في «تيسير الكريم الرحمن» (1/ 315).

[20] أخرجه مسلم في البر والصلة (2620)، وأبو داود في اللباس (4090)، وابن ماجه في الزهد (4174) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وأخرجه مسلم أيضًا من حديث أبي سعيد رضي الله عنه.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفسير قوله تعالى: {وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون}
  • تفسير قوله تعالى: {ثم عفونا عنكم من بعد ذلك لعلكم تشكرون}
  • تفسير قوله تعالى: { ولقد أنزلنا إليك آيات بينات وما يكفر بها إلا الفاسقون }
  • تفسير قوله تعالى: {وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية....}
  • تفسير قوله تعالى: {إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس...}
  • تفسير قوله تعالى: {كتب عليكم القتال وهو كره لكم...}
  • تفسير قوله تعالى: { ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا }
  • فوائد وأحكام من قوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة... }
  • تفسير: (وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السماوات والأرض)
  • فوائد وأحكام من قوله تعالى: { إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين... }

مختارات من الشبكة

  • تفسير قوله تعالى : {يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم...}(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • البيان في تفسير القرآن - تفسير قوله تعالى (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • تفسير قوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون }(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم...}(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه...}(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة...}(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى...}(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير قوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم }(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 16/11/1446هـ - الساعة: 14:43
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب