• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن
علامة باركود

التفسير الموضوعي للقرآن الكريم: البعث والحساب

التفسير الموضوعي للقرآن: البعث والحساب
د. سمير الخال

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 15/4/2023 ميلادي - 24/9/1444 هجري

الزيارات: 6996

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

التفسير الموضوعي للقرآن الكريم: البعث والحساب

 

منذ نزول الآيات الأولى من القرآن الكريم على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، بدأت عناية المسلمين بهذا الكتاب تنمو وتزدهر، وتتطور وتتألق، إلى أن بلغت درجة النضج والكمال، ومن أوجه نمو الدرس القرآني، وتطوره، ونضجه ما نلحظه من الاهتمام المتميز للمسلمين بكتاب ربهم؛ قراءة، وتدبرًا، وعملًا بمقتضاه، وتخلُّقًا بأخلاقه، واهتداء بأخباره وتوجيهاته.

 

وفي السياق ذاته، فلقد خدم علماء المسلمين كتاب ربهم خدمة لا نظير لها في كتاب سماوي غير القرآن الكريم؛ حيث جعلوه مسرحًا لظهور ونشأة علوم خادمة له، وعلى رأسها علم التفسير؛ الذي موضوعه كلام الله المعجِز المنزل على نبينا محمد عليه السلام، من حيث الاجتهاد في البحث عن معاني الآيات القرآنية، بالنظر إلى الطابع الرباني والتشريعي لهذا الكتاب.

 

وعبر المسيرة التطورية لعلم التفسير، ظهرت مناهج متعددة للمفسرين؛ ومن أبرزها التفسير الموضوعي للقرآن الكريم؛ الذي ينحصر مجال اهتمامه في دراسة مجال أو موضوع أو قضية بشكل خاص، من خلال تتبُّع تناول الآيات القرآنية لذلك، بهدف الوصول إلى تحديد طبيعة التناول الكلي للقرآن للموضوع المدروس، تحديدًا يرمي إلى الكشف عن الخصائص الموجِّهة لهذا التناول القرآني، من خلال التقريب بين الآيات المتباعدة، وإبراز منهج القرآن في عرض القضية المدروسة إبرازًا يُجلِّي ربانية هذا الكتاب من جهة، وإعجازه للخلق من جهة ثانية، بالإضافة إلى علاقته بفعل المكلف اعتقادًا للخبر في مجال التوحيد والعقيدة، أو فعلًا للواجبات وتركًا للمحرمات في جانب الفقه وأحكام المكلَّفين، أو في مجال الأخلاق وعلاقته بمجال السلوك من جهة ثالثة.

 

ومن أبرز المواضيع التي شغلت القرآن الكريم تناولًا ودراسة قضيةُ البعث والحساب.

 

1- مفهوم البعث والحساب:

البعث والحساب مصطلح مركب من كلمتين "البعث"، و"الحساب"؛ لذلك سيتم تناول دلالتهما بمعناهما الإفرادي، من أجل تحديد دلالة المصطلح بصورته التركيبية بعد أن صار عَلَمًا على مجال معرفي مخصوص.

 

فالبعث لغة: هو الإرسال والإثارة والإحياء، واصطلاحًا: إحياء الله تعالى للموتى، ليلقى كل واحد جزاءه وحسابه.

 

والحساب لغة: العدُّ، واصطلاحًا: محاسبة الله تعالى الناس على أعمالهم، ومجازاته لهم عليها.

 

• وهكذا، فالمقصود بالبعث والحساب: يوم القيامة؛ حيث يقوم الناس كلهم من قبورهم، للقاء الله تعالى، ومجازاته لهم.

 

2- قضية البعث والحساب في القرآن الكريم:

أ‌. كثرة أسماء البعث والحساب:

إن أول ملاحظة يقف عليها المتتبع لموضوع البعث والحساب في القرآن الكريم، هو كثرة أسمائه، وسيتم عرض طائفة منها فقط؛ حتى لا تخرج هذه الورقة عن حد الاعتدال:

البعث؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ ﴾ [الحج: 5].

 

الحساب، قال تعالى حكاية عن إبراهيم عليه السلام: ﴿ رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ ﴾ [إبراهيم: 41].

 

يوم القيامة؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 174].

 

يوم النشور؛ قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ﴾ [الملك: 15].

 

يوم الخروج؛ قال تعالى: ﴿ يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ ﴾ [ق: 42].

 

يوم الجمع ويوم التغابن؛ قال تعالى: ﴿ يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ ﴾ [التغابن: 9].

 

يوم الحشر؛ قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ ﴾ [الأنفال: 36].

 

يوم الدين؛ قال تعالى حكاية عن إبراهيم عليه السلام: ﴿ وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ ﴾ [الشعراء: 82].

 

الواقعة؛ قال تعالى: ﴿ إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ ﴾ [الواقعة: 1].

 

اليوم الآخر؛ قال تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ﴾ [البقرة: 8].

 

ب‌. فائدة تعدد أسماء يوم البعث والحساب:

إن كثرة الأسماء التي أعطاها القرآن الكريم ليوم البعث تفيد أمرين:

• فأما الأمر الأول، فإنه يتعلق بالأهمية البالغة لهذا اليوم في النسق المعرفي للقرآن الكريم، وبيان ذلك تُجلِّيه قاعدة عقلية كونية مفادها "أن كثرة الأسماء تدل على شرف المسمى، أو كماله في أمر من الأمور، أمَا ترى أن كثرة أسماء الأسد دلت على كمال قوته، وكثرة أسماء القيامة دلت على كمال شدته وصعوبته، وكثرة أسماء الداهية دلت على شدة نكايتها، وكذلك كثرة أسماء الله تعالى دلت على كمال جلال عظمته، وكثرة أسماء النبي صلى الله عليه وسلم دلت على علو رتبته، وسمو درجته، وكذلك كثرة أسماء القرآن دلت على شرفه وفضيلته"[1].

 

ولذلك؛ فليس غريبًا أن تكثُرَ أسماء السيف[2] في الثقافة الإسلامية؛ ومثاله: الصمصام، البارقة، والصقيل، الحسام، والباتر والبتور والبتَّار، وغيرها، ونظير ذلك ما وضعت العرب للفَرَس من أسماء متعددة[3]؛ كالأغر، والأدهم، والكُمَيْت، والجواد، والأبلق، والخوصاء، وغيرها.

 

وهكذا، فإن لكل اسم من الأسماء المذكورة ليوم البعث والحساب سابقًا علاقةً بقضية إحياء الله للناس قصدَ حسابهم، من خلال بعض الخصائص والسمات الدلالية الذي يحملها كل اسم مما سبق، في علاقته بهذه القضية ذاتها:

• فأما تسمية هذا اليوم بالبعث والحساب؛ فلأن البعث شرط وسبب، والحساب نتيجة وغاية؛ وبيان ذلك يتضح بالنظر إلى أن حكمة الله اقتضت بعث الناس بإخراجهم من قبورهم؛ لغاية واضحة تتجلى في حسابهم بين يديه تعالى.

 

• ونظرًا لأن يوم القيامة ظرف لِما يحصل في هذا اليوم من قيام الناس وبعثهم من قبورهم، فقد سُمِّيَ كذلك بيوم القيامة، مما يشكل توافقًا تامًّا بينه وبين يوم البعث والحساب.

 

• ثم إن يوم النشور مرتبط بنشر الموتى، وظهورهم من قبورهم بعد إحيائهم يوم القيامة، وانتشارهم في أرض المحشر للحساب، وهذا يعني أن من لوازم بعث الناس يوم القيامة نشورهم وانتشارهم لحسابهم، ومجازاتهم على أعمالهم.

 

• وإذا كانت دلالة يوم الخروج ظاهرة في علاقتها بخروج الناس من قبورهم للقاء الله ومحاسبته لهم، فإنه من لوازم البعث، الذي لا يُتصوَّر إلا بإخراج الموتى من قبورهم للحساب.

 

• وأما علاقة يوم البعث والنشور بيوم الجمع والتغابن؛ فلأن من مستلزمات بعث الناس للحساب جمعهم على صعيد المحشر؛ حيث "يجمع الله الأولين والآخرين، والإنس والجن، وأهل السماء وأهل الأرض، وقيل: هو يوم يجمع الله بين كل عبد وعمله، وقيل: لأنه يُجمع فيه بين الظالم والمظلوم، وقيل: لأنه يُجمع فيه بين كل نبي وأمته، وقيل: لأنه يُجمع فيه بين ثواب أهل الطاعات وعقاب أهل المعاصي"[4]، كما أن حساب الناس في هذا اليوم يُجلِّي أسمى تجليات التغابن؛ حيث يظهر فيه جليًّا الغَبْنُ، من حيث يغبِن الكافر عن البعد عن الإيمان، ويغبن العاصي عن التفريط في الطاعة، ويغبن الطائع عن التقليل من الطاعة[5].

 

• وأما علاقة البعث والحساب بـ"يوم الدين أي يوم الجزاء على الأعمال والحساب بها"[6]،فظاهرٌ من خلال النظر إلى أن بعث الخلائق إنما واقع لغاية حسابهم ومجازاتهم على أعمالهم، في يوم الجزاء والدين.

 

• ثم إن تسمية يوم القيامة بالواقعة راجع إلى "أنها تقع عن قرب، وقيل: لكثرة ما يقع فيها من الشدائد"[7]، وهذا يدل على التماهي المطلق بين يوم البعث والحساب وبين الواقعة؛ لأن ما يقع من الأهوال إنما سببه حكمة الله الذي اقتضت بعث الناس للحساب.

 

ت‌. تنوع استدلال القرآن على البعث والحساب:

تنوعت طرق استدلال القرآن الكريم على قضية البعث والحساب بطرق؛ منها:

الاستدلال بخلق الإنسان الأول على البعث: قال تعالى: ﴿ وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ﴾ [يس: 78، 79]، فدلَّت الآيتان على استبعاد منكري البعث والجزاء لهذه القضية، استبعادًا ناتجًا عن استغرابهم من كيفية إعادة خلق الإنسان الناطق العاقل من رميم العظام البالية والمتفتتة، مع انعدام الحياة والإحساس فيها، لكن القرآن فنَّد هذه الشبهة، بتأكيده على علة ضلالهم، الناتجة عن قياسهم الفاسد لقدرة الله المطلقة بقدرة المخلوق الضعيفة، من خلال تذكيرهم ببداية خلق الإنسان العجيبة والغريبة، بالنظر إلى خلق الناطق العاقل من نطفة قذرة، التي لم تكن محلًّا للحياة أصلًا[8].

 

ونظير ذلك في القرآن الكريم قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ ﴾ [الحج: 5]؛ ولذلك "فكأنه سبحانه وتعالى قال: إن كنتم في ريب مما وعدناكم من البعث، فتذكروا في خلقتكم الأولى لتعلموا أن القادر على خلقكم أولًا قادر على خلقكم ثانيًا"[9]؛ ومن نظائر ذلك قوله تعالى: ﴿ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ﴾ [الإسراء: 51].

 

الاستدلال بخلق السماوات والأرض على بعث الناس للحساب؛ قال تعالى: ﴿ وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا * أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لَا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُورًا ﴾ [الإسراء: 98، 99]، وإذا كان الإنسان يستشكل إعادة إحيائه بعد أن يصير رفاتًا ورميمًا، فقد أجاب القرآن عن هذه الشبهة من خلال النظر إلى قدرة الله؛ فإن من قدر على خلق السماوات والأرض لم يبعد في حقه أن يقدر على إعادة إحياء الناس بأعيانهم يوم القيامة[10].

 

ونظير ذلك أيضًا قوله تعالى: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [الأحقاف: 33].

 

الاستدلال بإحياء الأرض الميتة على البعث؛ قال تعالى: ﴿ وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ * رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ ﴾ [ق: 9 - 11]، فقد دلت الآيات على عظمة الله، التي تجلَّت في إنزال الماء من السماء، وجَعْلِه سببًا في إنبات النبات وسائر المزروعات، مستدلًّا به سبحانه على البعث يوم القيامة؛ فـ"كما أحيا الله هذه الأرض الميتة، فكذلك يخرجكم أحياء بعد موتكم"[11].

 

ونظير ذلك قوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ ﴾ [فاطر: 9].

 

ث‌. فوائد نظرية ومسلكية ومنهجية:

تقرر لدينا تعدد أسماء قضية البعث والحساب، وتنوع طرق الاستدلال عليه بأشكال متنوعة، وكل ذلك لخدمة توجهات نظرية ومسلكية ومنهجية متنوعة؛ منها:

• التأكيد على قدرة الله عز وجل، وأنه سبحانه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماوات؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [يس: 82]، فقد دلَّت الآية على أن الفعل الإلهي يتعلق بأمرين: إرادة الباري، وأمره الكوني القدري.

 

• ولما كان بعث الناس يوم القيامة مندرجًا تحت إرادة الله وأمره الكوني، فهو حاصل بإذنه لا محالة؛ لِما سبق من الاستدلالات الشرعية القرآنية النقلية.

 

• ولتنويع الاستدلال على البعث، خاصة في مواجهة غير المؤمنين بالقرآن كتابًا من عند الله تعالى؛ فقد خاطبهم الله تعالى بأدلة عقلية منطقية على حقيقة البعث، بقياس النشأة الأولى، وخلق الإنسان الأول، ونزول ماء المطر، على إعادة بعث الإنسان مرة ثانية يوم القيامة؛ وذلك لأن العقل السليم يقر بأن الذي صدر منه الفعل الأول، فصدوره منه مرة أخرى عليه أهون؛ ولذلك قال تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ﴾ [الروم: 27]؛ فقد "قال مجاهد وعكرمة والضحاك: إن المعنى أن الإعادة أهون عليه - أي على الله - من البداية؛ أي: أيسر، وإن كان جميعه على الله تعالى هينًا، وقاله ابن عباس"[12].

 

• ولم يترك القرآن قضية البعث والحساب فقط ذات بعد نظري عقلي صرف، بل وجَّهها لخدمة سلوك العبد، من خلال سعيه للحسنات، وابتعاده عن السيئات؛ بُغيةَ نجاته يوم بعثه وحساب الله له؛ قال تعالى: ﴿ إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا * يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ * فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 1 - 8].

 

• وخلاصة الخلاصة، فإن مناقشة القرآن لقضية البعث والحساب كانت تهدف إلى إقناع الجاحدين لها بضرورة الإيمان بها، وتثبيت أفئدة المؤمنين بها – طبعًا - لصحة النقل والنظر معًا، بالإضافة إلى اعتبارها محركًا أساسيًّا يدفع المؤمن إلى تطبيق التكاليف الشرعية.



[1] الفيروزآبادي، أبو طاهر محمد بن يعقوب، بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز، تح: محمد علي النجار، منشورات المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - لجنة إحياء التراث الإسلامي، القاهرة، طبعة 1416هـ - 1996م، 1/ 88.

[2] وانظر: ابن منظور، محمد بن مكرم بن علي، لسان العرب، دار صادر، بيروت، ط3، 1414هـ، 12/ 347، 8/ 33، 1/ 24، 10/ 196، 4/ 37.

[3] وانظر: الفيروزآبادي، أبو طاهر محمد بن يعقوب، القاموس المحيط، تح: مكتب تحقيق التراث في مؤسسة الرسالة، بإشراف محمد نعيم العرقسوسي، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، ط8، 1426هـ - 2005م، 1/ 97، 1/ 463، 1/ 97، 1/ 223، 1/ 869، 1/ 618.

[4] القرطبي، محمد بن أحمد بن أبي بكر، الجامع لأحكام القرآن، تح: أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش، دار الكتب المصرية، القاهرة، ط2، 1384هـ-1964م، 18/ 136.

[5] المصدر السابق نفسه، 18/ 137-138، بتصرف.

[6] ابن عطية، عبدالحق بن غالب بن عبدالرحمن، المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، تح: عبدالسلام عبدالشافي محمد، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1422هـ، 1/ 71.

[7] القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، 17/ 194.

[8] الرازي، محمد بن عمر بن الحسين، مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط3، 1420هـ، 26/ 308، بتصرف.

[9] المصدر السابق نفسه، 23/ 203.

[10] المصدر السابق نفسه، 21/ 412، بتصرف.

[11] القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، 17/ 7.

[12] القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، 14/ 21.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • خواطر حول ( مؤتمر التفسير الموضوعي للقرآن الكريم ) الذي نظمته جامعة الشارقة
  • خاطرات حول التفسير الموضوعي للقرآن الكريم
  • لماذا نحتاج إلى التفسير الموضوعي في عصرنا الحديث؟

مختارات من الشبكة

  • التفسير الموضوعي للقرآن الكريم: نبوة المصطفى عليه السلام في القرآن الكريم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • صدر حديثاً (التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم) لنخبة من علماء التفسير في 10 مجلدات(مقالة - موقع الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن معاضة الشهري)
  • شرح كتاب المنهج التأصيلي لدراسة التفسير التحليلي (المحاضرة الثالثة: علاقة التفسير التحليلي بأنواع التفسير الأخرى)(مادة مرئية - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • التفسير الموضوعي للقرآن الكريم: الإنسان في القرآن(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة تفسير القرآن الكريم (إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم) (الجزء الثاني)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • كتب علوم القرآن والتفسير (2) أصول التفسير(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • التفسير بالمفهوم للقرآن الكريم - دراسة نظرية تطبيقية(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • الضابط اللغوي في التفسير العلمي للقرآن الكريم(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • تعظيم القول في التفسير وأثره في دفع القراءات المنحرفة المعاصرة للقرآن الكريم (PDF)(كتاب - موقع أ. د. إبراهيم بن صالح بن عبدالله الحميضي)
  • عرض لبعض الكتب المهمة في (التفسير العلمي للقرآن الكريم)(مقالة - موقع الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن معاضة الشهري)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب