• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    {وما النصر إلا من عند الله} ورسائل للمسلمين
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرزاق، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    الأحق بالإمامة في صلاة الجنازة
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    فضل الصبر على المدين
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    تفسير قوله تعالى: { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ...
    سعيد مصطفى دياب
  •  
    محاسن الإرث في الإسلام (خطبة)
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    تفسير: (لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنتان عن يمين ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    علامات الساعة (2)
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    ما جاء في فصل الصيف
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    أحكام التعاقد بالوكالة المستترة وآثاره: دراسة ...
    د. ياسر بن عبدالرحمن العدل
  •  
    خطبة: أم سليم ضحت بزوجها من أجل دينها (1)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    خطبة: التربية على العفة
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    حقوق الأولاد (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    التلاحم والتنظيم في صفوف القتال في سبيل الله...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أسس التفكير العقدي: مقاربة بين الوحي والعقل
    الشيخ حذيفة بن حسين القحطاني
  •  
    ابتلاء مبين وذبح عظيم (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن
علامة باركود

الصور الصادمة في آي الذكر المحكمة (2) ذكرا وليس حصرا

الصور الصادمة في آي الذكر المحكمة (2) ذكرا وليس حصرا
محمد صادق عبدالعال

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 21/8/2021 ميلادي - 12/1/1443 هجري

الزيارات: 5278

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الصور الصادمة في آي الذكر المحكمة (2)

ذكرًا وليس حصرًا


بدايةً لنتفق ونرفع الرايات بيضًا لا تخالطهن حُمرةُ الشقاق، ولا جمرة الخلاف على أن نصوص القرآن الكريم كافة بما جمعت لعموم دروب البلاغة والبيان والبديع لا يمكن أن تُوضَع مواضع النقد والمقارنة مع نصوص أرضية، مهما بلغ رُقيُّها وبيانها، أو ذاع صيت صاحبها وقيل عنه "الفَتِيق"، بل إنها لَتُستقى منها الحكمة البالغة والفكرة الرائعة، وتنثر ألوان البديع والقول الرفيع، وتُهذِّب الألفاظ وينتقى المجاز؛ فهلُمُّوا للمراتع ذات المرابع، وجددوا المساعي لاكتساب البيان، فمن لم يُرِدِ العذب للسُّقيا، فحريٌّ بريقه أن يتجرع الملح الأجاج... والله المستعان.

 

♦ في الصفحات السابقة بعد أن وفَّقنا المولى عز وجل لجليل فَهم، وإبداء رأي في معايير ومقومات إنتاج الصورة الجيدة المنتقاة من بين مترشحات صور متعددة، وبعد اصطفاء الرمز المناسب الخلَّاق، واللغة ذات المترادفات، فإنه من ثمة يأتي دور المبدع في تركيب العناصر وصفِّ المفردات لإنتاج صورة جديدة ذات دلالة تختصر الكثير من المعاني، وتدخر في مكامنها العِظَاتِ، وكان حقيقًا عليَّ وعلى كل صاحب قلمٍ أن يَرِدَ البيان لمستقره، وأن يرد موارد البلاغة في مرابعها، وأن ينجدل في مرابعها؛ فيجتني بليغ الصور وإن لم يستطع أن يأتيَ بأمثالها - ولن يستطيع - فليقتفِ آثارها... ومع بعض صور من القرآن الكريم سوف نمتثل معًا أمام البيان القرآني العظيم ودلائل الإعجاز اللغوي مع الإعجاز العلمي في اختيار الرمز المصاغة منه تلك الصور، نسأل الله توفيقًا لمحكمه، وتأسِّيًا بفرائده التي لا ينفد فيض بيانها، ولا جليل نفعها، ولقد حاولت جاهدًا أن أختار بعضًا من تلك الصور البيانية البديعة السياق والمساق، ولكن هيهات أن تُفضَّلَ واحدة على أخرى؛ فكلام الله العظيم لا يُقارَن ولا يُناقَش إلا بالتي هي أحسن، فمن رام به الريب والشك، خاب وخسِر، ومن خالط قلبه التصديق مع بعض الريب، فلْيُمْعِن فيما ساقه الله، وليرجع البصر بدل الكَرَّةِ ألف كرة، لا محالة سوف ينقلب إليه البصر خاسئًا وهو حسير.

 

♦ وقبيل الشروع في ذكر تلك الصور البلاغية القرآنية العالية - كنايةً كانت أو استعارة أو تشبيه... إلى آخره من أشكال الصورة في القرآن - يعنُّ لنا أن نسترجع معًا الخصائص الفنية للصورة القرآنية، والتي قطعت فيها أقلامُ الكتاب أشواطَ طوافٍ وقدوم وإفاضة واستفاضة، وما زال النهر العَذْبُ يجري ويسقي شطآن البلغاء من كل عذب وبديع تحار في حصر كُنْهِها العقول، وترقُّ الأفئدة وتتفتح لها الصدور المُؤْصَدة... وما انحسر يومًا إلا على المشككين والمنغلقة قلوبهم وأسماعهم عن عظيم الذكر والبيان، ولقد أقر الجهابذة أنفسهم أنهم ما حصروا للصورة في القرآن الكريم وصفًا إلا بما نما إليه علمهم، وحفَدَ إليه فهمهم الأرضي، وإن القرآن الكريم لقائم لكلِّ مدَّكِرٍ وقارئ أريب يعطيه من معانيه الدقاق، ويكفيه شرَّ كل محاق تقع فيه أقمار بيانه، وتتوارى أهلة تبيانه، ولنخلص لأهم ما يمكن الالتفاف حوله في مزايا الصورة الفنية في القرآن الكريم؛ وهي إيجازًا وليست إنجازًا:

♦ الصدق المطلق: أعلى مراتب ومطالب التصوير، فمهما بلغت روعة الصورة من بيان وتخيل، فهي من كلام الله العظيم، وفيها من الصدق والإقناع ما تقف أمام هيبة المصداقية فيها كلُّ أقلام البلغاء، لا يملكون في وصفها غير الحمد والثناء على مَن ساقها لهم؛ مَعينًا بالحق ينبض، وتشبيهًا بالواقع يُعاش كل حين، ﴿ وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ ﴾ [الإسراء: 105].

 

♦ طبيعة الترميز والتصوير: التي منها يُستقَى الرمز المصاغ لتكوين الصورة الفنية، فنلحظ جيدًا أن الرمز في كافة صور القرآن البلاغية مستمَدٌّ من الطبيعة والبيئة، وعلى الرغم من ذلك، فهو مواكب معاصر لكافة الأعْصُر والحِقب، وما ذلك على الله بعزيز، وسوف يتضح لنا ذلك جليًّا، وطبيعة استخدام الرمز تستدعي إيجاد مفرداته المتعلقة بعضها ببعض لإبانة الصورة المقنعة، أو لتكوين المفاد العام منها.

 

♦ الإعجاز اللغوي والعلمي: وكلاهما وجهان لعملة واحدة؛ وهي البلاغة القرآنية بما يتم تصنيفها بيانيًّا لصورة أو تشبيه أو استعارة إلى غير ذلك من ألوان البلاغة، فمفردات اللغة العربية أعلى بيانًا من غيرها، فضلًا عن كونها وعاء النص القرآني العظيم الذي حارت في شأن بيانه العربُ جهابذةُ البيان وصناديدُ الفصاحة، ليس هذا وحسب، بل المطابقة والمسايرة العلمية والعملية لكافة استكشافات منتجات العلم، وتصحيح الأخطاء منها، وكذلك الأسبقية لِما حفدت إليه أعلام العلماء وهم ناشطون... فكلما تنطَّع عالم ليس على ملة الإسلام أو غيره باستكشاف جديد بُهت بالقرآن الكريم قد سبق إليه، فهل من مدكر؟!

 

♦ ومن الرموز التي وفقنا الله تعالى لاختيارها من بين طيَّات المصحف الشريف ذكرًا وليست حصرًا، وما ينبغي لبشر أن يحصرها، حتى ولو خُيِّل إليه مثل ذلك، فأني لأحد أن يجمع كلمات الله؟!

 

(السراب، الرماد، الصِّرُّ، الصفوان، البحر والموج، الجمل وسَمُّ الخياط، النعيق، النار...).

 

ولنرتقِ الآن رقيَّ مَن لا يخشى السقوط، ولنرفع القبعات جثيًّا أمام غَيضٍ من فيض لصور القرآن العظيم، فنتعلم منها العظة والعبرة، ونستخلص من بين أروقتها صافيَ عطرِ الإعجاز التصويري الحق، والله المستعان:

♦ الصورة الأولى: السراب:

قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ [النور: 39].

 

وسبب نزول الآيات متاح لمن لم يعرفه بأسهل وسيلة تقنية، أو أن يكلف عينيه بالنظر في تفاسير الأعلام من المسلمين، ليجد أنها نزلت عمومًا وخصوصًا لتصبح قاعدة عامة ينطبق الحكم فيها على كل مَن عمِل عملًا، وقضية التوحيد ليست في خَلَدِهِ؛ فذهب تفسير الإمام القرطبي إلى "أنها نزلت في شيبة بن ربيعة بن عبدشمس، وذهب تفسير البغوي، والبحر المحيط إلى أنه "عتبة بن ربيعة بن أمية"، ولا اختلاف؛ فالحاصل هو أنه كان ممن يتنسكون قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، ويَلْبَس المسوح، فلما جاء الإسلام كَفَرَ ولم يَلِجْ حظيرة الإسلام، وما يعنينا من النص القرآني العظيم هو الصورة الصادمة التي لم يتعظ لأجلها ذلك الكافر، ولم تتحرك بواعث الإيمان والتنسك التي كان يدعيها قبل البعثة، فجعله الله آية تُتْلى لقيام الساعة يتوخَّى الحذرَ منها المؤمنون، وليتعلم منها غيرهم، وعلى الله قصد السبيل.

 

♦ ولننظر معًا بإمعان وانبهار لمفردات قرآنية صنعت صورة بيانية عالية الإعجاز، صادمة في تصورها وتخيلها، معبرةً في فكرتها؛ فعلماء الطبيعة والفيزياء والطبوغرافيا الذين خرجوا علينا بمسميات تلك الظاهرة من انعكاسات الضوء على بقعة أو قيعة تُحدث لمعانًا، فيخيل لعين الناظر أنه الماء... ويا حبذا لو كانت تلك العينان لظمآن، فكيف يكون الأمل في مورد وهميٍّ، وسرعان ما يذهب الإيهام وتبقى الحقيقة؟ ولقد ابتدأ المولى عز وجل الآية بالمشبه قبل أداة التشبيه للحضِّ على جعل الله أسمى مراد الخلق في أعمالهم، فقال: ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ ﴾ [النور: 39]، وربما حذفت حرف التوكيد "إن"؛ فصار خبرها ﴿ أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ ﴾ [النور: 39] شبة جملة، والله أعلم، ومرد ذلك لتفاسير الأعلام للآيات الكريمات.

 

♦ ولك أن تتأمل تلك الروعة والبديع في سياق الآيات، وتتالي المفردات بصياغة صورة مكتملة الأبعاد لم يُلْفَ فيها بعد نقصًا أو فقدًا؛ إذ إنك تتصور ذلك الكافر ومن على شاكلته يمشي يكاد يأكل الثرى من العطش، سرعان ما تبصر عيناه بارقةَ أملٍ للسقيا، فيسعى إليه سعيًا مستميتًا، رجاء الماء ولقاء الرِّي، فيجد أن تلك العينين مع ضوء الشمس والرمال اللامعة قد خدعوه جميعًا، فلم يجد غير ما قدَّم، ثم تأتي الحكمة وبيت القصيد من الآية في قوله: ﴿ وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ ﴾ [النور: 39]؛ إذ لم يكن الله في حسبانه قط!

 

♦ فالرمز هنا السراب هو تلك الظاهرة الفيزيائية النهارية، والتي عبرت عن بداوة العرب، والماء الذي هو مطلوبهم العزيز ومطلوب كل عصر، فالماء سر الحياة ولا حياة بدونه، ولقد اكتملت الصورة الرمزية بكافة مفرداتها من الكافر الموهوم، والقيعان من الأرض بعيدة المدى، والشمس الحارقة والخداع البصري، ثم الوقوف على الحقيقة الكبرى؛ وهو الله العلي العظيم المستحق لكل توحيد، والمترفع عن كل شريك، فضلًا عن استخدام العامل الزماني وقت الرمضاء كمؤثر فاعل قوي مع العامل المكاني، مع الجمع بين متباعدين، وطالب ومطلوب وهما الظمآن والماء، والله أعلى وأعلم.

 

♦ الصورة الثانية: الرماد:

قال تعالى: ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ ﴾ [إبراهيم: 18].

 

♦ والمتدبر لنزول تلك الآيات أيضًا كما هو معلوم لمن يتدبر القرآن الكريم ولا يأخذ ألفاظه ومعانيه على أنها مجرد أداء صوتي وشجون بقراءات من أصوات نَدِيَّة - يجد أن "ظاهرة السراب" في السورة التي سبقتها، ورد التصوير والتشبيه بها مرة واحدة، أما صورة الرماد، فقد ورد بعديد آيات بمترادفات مختلفة، ترمي لنفس الهدف، والدرس المطلوب فهمه واستيعابه من إخلاص النية بالعمل والقول لله، فنجد تفسير ابن كثير رحمه الله وطيب ثراه يقول - وقد أثرت النَّسْخَ مخافة الإقلال من الإبانة - فنقلت عنه نصًّا: "هذا مَثَلٌ ضربه الله تعالى لأعمال الكفار الذين عبدوا مع الله غيره، وكذبوا رسله، وبنَوا أعمالهم على غير أساس صحيح؛ فانهارت، وعُدِموها أحوج ما كانوا إليها؛ فقال تعالى: ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ ﴾ [إبراهيم: 18]؛ أي: مثل أعمال الذين كفروا يوم القيامة إذا طلبوا ثوابها من الله تعالى؛ لأنهم كانوا يحسبون أنهم على شيء، فلم يجدوا شيئًا، ولا ألفوا حاصلًا إلا كما يتحصل من الرماد إذا اشتدت به الريح العاصفة﴿ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ ﴾ [إبراهيم: 18]؛ أي: ذي ريح عاصفة قوية، فلا ﴿ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ﴾ [إبراهيم: 18] من أعمالهم التي كسبوها في الدنيا، إلا كما يقدرون على جمع هذا الرماد في هذا اليوم؛ كما قال تعالى: ﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا ﴾ [الفرقان: 23]، وقال تعالى: ﴿ مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ ﴾ [آل عمران: 117]، وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 264]، وقال في هذه الآية: ﴿ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ ﴾ [إبراهيم: 18]؛ أي: سعيهم وعملهم على غير أساس ولا استقامة، حتى فقدوا ثوابهم أحوج ما هم إليه، ﴿ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ ﴾"[1].

 

ولو نظرنا بعين ثاقبة وقلوب راجفة من تلك الرموز التي ساقها المولى عز وجل في عديد سور قرآنية، لأعيتنا تلك الرمزية التصويرية في قسوة التشبيه وسيئ النواتج... فانظر لآثار رحمة ربك حتى في تنبيه الغافلين، وذكر مواضع التلف في مكونات البيئة التي يعاصرها الناس كل يوم، وانتظار محصلة التعب والجهد إلى لا شيء يُذكَر، وقد عظَّم القرآن العظيم التشبيه والتمثيل والتصوير في شتى المواضع من تشبيه لأعمال الذين كفروا بالرماد، وبإبطال هيِّن النفع منه؛ فذكر قوله: ﴿ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ ﴾ [إبراهيم: 18].

 

♦ وما يُرتجى للرماد من نفع إذ باشرت الريح دورها؟! وما يُنتظَر من ريح إذ خالطت نسائمها الرماد؟! وإن الرماد يكسب الريح فظاظة متى خالطها، فيعمي أعين الناس فهل من مستبصر؟!

 

♦ وجمع ابن كثير رحمه الله لأكثر من آية مفادها واحد مع اختلاف مواضع التنزيل ومناسبة النزول، إلا أنه رحمه الله قد جمعها لأجل تعظيم شأن الأمر، وتقريع القلوب التي ران عليها رانُ الغفلة؛ لتُحوِّل من مساراتها الخاطئة إلى الصحيحة.

 

♦ وذكر الله لمن ينفق غير مبتغٍ وجَهه الكريم، أو رئاء الناس بصفوان - وهو الحجر الأملس - يطوله تراب أو رماد، ثم جاء الوابل أو المطر، فيمحوه ويبقى الحجر صلدًا لا ينمُّ عن شيء كان عليه.

 

♦ وأيضًا ذلكم التصوير الصادم الأليم لظاهرة جغرافية جوية بقوله تعالى: ﴿ مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ ﴾ [آل عمران: 117]، فاستخدام مفردة "الحرث" وهو الزرع مما يُرتجى نفعه ومكاسبه برغم متاعبه، والجهد المبذول لأجله، ومع ذلك الحرص على تنمية هذا الحرث وارتجاء نفعه تأتي الريح مع "الصر"، وهو شدة البرد أو الصقيع البارد الذي يحرق زهر النبات، فيقضي عليه ويذهب جهد وتعب الزُّرَّاع هباءً منثورًا، مثله كمثل النار في ناتج جورها على الأخضر واليابس.

 

♦ وعود إلى مفردة "الرماد" التي استخدمها القرآن الكريم في تشبيه أعمال الذين كفروا، والاستهانة بها، فالرماد شيء لا يُذكَر ولا يرتجى منه نفعًا؛ فما بالنا لو خالطت ذلك الرماد "ريح عاصف"، فذهبت به، واستخدام النص القرآني في تجسيم وتجسيد الصورة بمفردات فيها من الضَّعَةِ والهوان كمفردة "لا يقدرون على شيء مما كسبوا"، ومفردة: "الضلال"، ونعتها بـ"البعيد" - قطعٌ وبترٌ لكل مكابر ومناهض لعزائم الإيمان الحقة... ولقد صارت تلك الصورة البيانية الرائعة مضربًا يقتفي أثره الكتَّاب والمبدعون... وها هو الشاعر السوداني الراحل "إدريس جماع" قد اقتبس الصورة على مشقة تشبيهها وتناص فكرتها الصادمة في قصيدته قائلًا:

إﻥ حظي ﻛﺪﻗﻴﻖ ﻓﻮﻕ ﺷﻮﻙ ﻧﺜﺮﻭﻩ

ﺛﻢ ﻗﺎﻟﻮﺍ ﻟﺤﻔﺎﺓ ﻳﻮﻡ ﺭﻳﺢ ﺍﺟﻤﻌﻮﻩ

صعب الأمر عليهم قلت يا قوم اتركوه

ﺇﻥ ﻣﻦ ﺃﺷﻘﺎﻩ ﺭﺑﻲ ﻛﻴﻒ ﺃﻧﺘﻢ ﺗﺴﻌﺪوه!

 

وأبدع حين قال: "ﺇﻥ ﻣﻦ ﺃﺷﻘﺎﻩ ﺭﺑﻲ ﻛﻴﻒ ﺃﻧﺘﻢ ﺗﺴﻌﺪوه"، صدقت وسبحان الله، لأجل ذلك كانت تلك الصور التمثيلية والتشبيهات الرمزية كفيلة بأن تكون صادمة لكل معرِضٍ كفور.

 

وبعد: فإن ما استعرضتْهُ تلك الآيات الكريمات من قضية عقائدية خطيرة، وتصورات وتشبيهات صادمة مفزعة لأهل الشرك، ومن يقدمون أعمالهم وقد خلا منها وجه الله - كفيلة بأن تجعلنا - نحن المؤمنين - في أمسِّ العوز للاستعاذة بالله العظيم من أن تخالط أعمالنا شبهة الشرك بالله في فعلها؛ إذ لما نزل قوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ﴾ [المؤمنون: 60]، حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، عن مالك بن مغول، عن عبدالرحمن بن سعيد بن وهب، أن عائشة قالت: ((قلت: يا رسول الله، "الذين يأتون ما أتوا وقلوبهم وجلة"، أهم الذين يذنبون وهم مشفقون،قال: لا، ولكن الذين يصلون وهم مشفقون، ويصومون وهم مشفقون))[2]، فنسأل الله العلي القدير أن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم، اللهم آمين، وللمقال بقية بإذن الله.



[1] تفسير ابن كثير موقع تقني.

[2] تفسير الطبري، سورة المؤمنون، آية 60، موقع تقني.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الصور الصادمة في آي الذكر المحكمة (1) ذكرا وليس حصرا
  • الصور الصادمة في آي الذكر المحكمة (3) ذكرا وليس حصرا

مختارات من الشبكة

  • حضور الجن في صورة الإنس والحيوانات(مقالة - آفاق الشريعة)
  • عالم الصور والبلادة(مقالة - ملفات خاصة)
  • خصائص الجمعة وحديث "ما من دابة إلا وهي مصيخة تنتظر النفخ في الصور يوم الجمعة"(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • حكم الصور والتماثيل(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الانتحار في ضوء السنة النبوية: دراسة حديثة تحليلية (التعريف، الحكم، الصور، الأسباب، العلاج) (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • من منطلقات العلاقات الشرق والغرب (الصور النمطية)(مقالة - موقع د. علي بن إبراهيم النملة)
  • زوجي يصور نفسه ويرسل الصور للفتيات(استشارة - الاستشارات)
  • الحلول الشرعية والعملية للوقاية من النظر إلى الصور المحرمة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الصور والتماثيل المسموح بها(مقالة - آفاق الشريعة)
  • هل الصور كالتماثيل؟(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 16/11/1446هـ - الساعة: 14:43
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب