• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    ملخص من كتاب الحج (2)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    الدرس السابع عشر: آثار الذنوب على الفرد والمجتمع
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    خطبة: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    سورة الكافرون.. مشاهد.. إيجاز وإعجاز (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    من آداب المجالس (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    خطر الميثاق
    السيد مراد سلامة
  •  
    أعظم فتنة: الدجال (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    فضل معاوية والرد على الروافض
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    ما جاء في فصل الشتاء
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرحمن، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    تفسير: (فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تخريج حديث: إذا استنجى بالماء ثم فرغ، استحب له ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    اختر لنفسك
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون (خطبة) - باللغة ...
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن
علامة باركود

مقاصد سورة الروم

مقاصد سورة الروم
أحمد الجوهري عبد الجواد

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 11/5/2018 ميلادي - 25/8/1439 هجري

الزيارات: 70055

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

نور البيان في مقاصد سور القرآن

"سلسلة منبريّة ألقاها فضيلة شيخنا الدكتور عبد البديع أبو هاشم رحمه الله، جمعتها ورتبتها وحققتها ونشرتها بإذن من نجله فضيلة الشيخ محمد عبد البديع أبو هاشم".

(30) سورة الروم


الحمد لله رب العالمين، نحمده سبحانه وتعالى ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم، ويستخلف جيلاً بعد جيل وأمةً بعد أمة، يعز من يشاء ويضل ويذل من يشاء، بيده الأمر كله، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، جاءنا بالشريعة الغراء التي جمعت لنا العلوم والفنون، وضمنت لنا النهوض والحضارة والرقي، نشهد أنه بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح للأمة، وكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهادٍ حتى أتاه اليقين، صلّ يا ربنا وسلم وبارك على نبينا ورسولنا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه وتمسك بسنته إلى يوم الدين، وصلّ علينا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

أما بعد..

أيها المسلمون الكرام، فهذه عروسنا اليوم: سورة الروم، ضمن سلسلة الحديث عن مقاصد سور القرآن الكريم، لنتعرف على كل سورةٍ على حده، اسمها، ونزولها، وموضوعاتها، وهدفها، وتناسبها مع غيرها، فنجمع من خلال ذلك معرفةً شاملةً بكل سورة، ونعرف من خلال ذلك مقصد كل سورة وهدفها، والرسالة المختصرة التي يريد الله تعالى أن يبلغنا إياها فيما نحسب، ونسأل الله تعالى الهداية والتوفيق والسداد والرشاد.

 

أحبتنا الكرام سورتنا اليوم هكذا سماها ربنا ومُنزِّلها سبحانه باسم الروم[1]، وليست لها أسماء أخرى[2]، وكلمة الروم في لغة العرب من رام الشيء يرومه إذا طلبه وقصده، فيحسُن ويصلح أن أقول أريد كذا وأروم كذا وأقصد كذا وأطلب كذا، هي واحدة من هذه الألفاظ المترادفة على معنىً مشترك[3]، أما كلمة الروم فإنها كلمة على سبيل العلم والتسمية فهي اسمٌ لقومٍ من الأقوام وأمة من الأمم يقال لهم الروم والرومان وبنو الأصفر، لأنهم فعلاً من أولاد الأصفر بن روم بن عيصون بن إسحاق، هم نسل سيدنا إسحاق عليه السلام، فهم من بني إسرائيل وديانتهم الشائعة في زماننا ومنذ عهد النبوة ديانتهم النصرانية[4]، يعني هم من أهل الكتاب، ويمتازون ببياض البشرة وزرقة العينين، حبة العين في عيونهم زرقاء، وهذا خلق الله تبارك وتعالى، وفعلاً السورة سُميت على اسمهم الروم، حيث اشتملت هذه السورة دون غيرها على خبرٍ سياسي، كان الفرس والروم أُمتان كبيرتان كأمريكا وروسيا في زماننا مثلاً، وكانتا كما هي عادة البشر في الدنيا كانتا متقاتلتين، بينهما حروبٌ سجال، هؤلاء يغلبون مرة وهؤلاء يغلبون مرة، غلب الفرس والفرس أهل فارس يعبدون النار من دون الله والنار إلههم كما يزعمون[5]، غلبت الفرس الروم في حدود السنة الرابعة تقريباً بعد بعثة النبي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وقيل غير ذلك في التاريخ، فذكر الله تعالى هذا الخبر المأساوي لأن أمة الفرس مشركة غلبت أمةً عندها حظٌّ من الإيمان، تعترف بوجود الله، تزعم أنها تعبد الله وإن أشركت معه غيره، فهي خيرٌ ممن يعبد النار، وخيرٌ ممن يعبد الأصنام.. وهكذا، غلبت الفرس الروم فذكر الله هذا الخبر على سبيل المواساة لأهله من الروم أنهم غُلبوا وهُزموا في تلك الحرب في ذلك الوقت، وقدم لهم بشرى أنهم سيغلبون ولكن في مدة بضع سنين، والبضع من ثلاثة إلى تسع، وفي الواقع كانت سبع سنين، بعد سبع سنين من صدور هذه البشرى تحققت البشرى القرآنية والخبر القرآني بنصرة الروم، وانتصر الروم على الفرس[6].

 

ليست هذه هي قضية السورة وإنما هي موضوعٌ من موضوعات السورة، حدثٌ من أحداثها يستعمله الله تعالى لخدمة الإسلام والمسلمين، كما سنعلم إن شاء الله، إنما كان هذا الحدث في بداية السورة ولم يُذكر في غيرها كان سبباً مناسباً لتسمية السورة باسم الروم، وبالتالي نزلت هذه السورة – سورة الروم – في العهد المكي قبل الهجرة، ويذكر المفسرون أيضاً أنها نزلت في أواخر العهد المكي كما ذُكر في شأن سورة العنكبوت السابقة عليها، يعني كانت من أواخر ما نزل[7]، ولذلك مناسبة لأنها من أواخر ما نزل في العهد المكي وقبل الهجرة بقليل والمهاجرون سوف يخالطون النصارى واليهود أهل الكتاب في المدينة فكأن الله تعالى يمهد لهذه المواطنة، أن المسلمين القادمين عليكم يا أهل الكتاب وأنتم لاجئون في أرض يثرب، إنهم طيبون ومتعايشون ومتعاونون فرحوا يوم أن نصركم الله تعالى على الفرس، لأن نصركم نصر حق ونصر إيمان على كفر، نصر شكلٍ من أشكال التوحيد على الشرك وعلى عبادة غير الله، فيفرح المؤمن بذلك، كما ذكرت سورة العنكبوت أيضاً مهدت لمخالطة أهل الكتاب في المدينة، كما في قول الله تعالى ﴿ وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [العنكبوت: 46]، وذلك مر في الخطبة الماضية، فالسورة مكية[8].

 

أما موضوعاتها وسلسلة حديثها لو استعرضناها في المصحف نجدها استُفتحت بألف لام ميم، تلك الحروف التي عرفنا أنها للإعجاز، أي لإثبات أن هذا القرآن من عند الله، ومن شك في ذلك فهذه حروف القرآن ألفٌ ولامٌ وميمٌ ونحوها وهي حروف كلامكم ﴿ فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ ﴾ [الطور: 34]، ﴿ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ ﴾ [هود: 13]، ﴿ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ ﴾ [البقرة: 23]، فلو عجز البشر والجن والإنس عن ذلك – وهذا هو الواقع – إذاً القرآن ليس من عند الخلق إنما هو من عند الله.

 

وبعد ألف لام ميم مباشرةً تتجه السورة إلى ذكر هذا الخبر ﴿ غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ ﴾، ذكر الله تعالى هذا الخبر وأعقبه بالبشرى لأهل الكتاب أنهم سيغلبون أهل الشرك يوماً من الأيام بعد بضع سنين، وذلك ليقرر الله تعالى حقيقةً مهمة، يؤسسها في قلوب المؤمنين ويذكر بها الكافرين الجاهلين، ذلك أن النصر بين أي متقاتلٍ وآخر إنما هو من عند الله، كما ذكره الله بعد ذلك في العهد المدني ﴿ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ﴾ هذا اسمه أسلوب حصر، يعني لا يكون النصر أبداً إلا من عند الله، فقد ينصر الله ضعيفاً على قوي، وقد ينصر الله قوياً على ضعيف، ليس المعيار معيار قوة وضعف وإنما للنصر معايير أخرى وأسباب أخرى هي في ملك الله تبارك وتعالى يرفع هذا ويضع ذاك، فاليوم غُلبت الروم، غداً وبعد بضع سنين ستغلب الروم الفرس ويصيرون أهل غلبة، وذلك من تعديل الله تعالى للميزان، من جعل الله تعالى الأمور في الأرض متوازنة، كما قالها في سورة البقرة ﴿ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ ﴾ [البقرة: 251]، وفي آية ﴿ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ﴾ [الحج: 40]، فلله شأنٌ وحكمة في أن يُغلِّب هذا مرة وأن ينصر ذاك مرة، تبديل النصر من هنا إلى هناك إنما هو من عند الله.

 

ثم يقرر في النفوس أيضاً الخطوط التي يضع المسلم الناس عليها، من أولى بك؟ ومن تقدم على الآخر؟ هل كل الكفار سواء في بوتقة أو في سلة واحدة؟ لا، بل من الكفار من هو مُبعد كاليهود والمشركين والمنافقين يُبعدون أكثر، ولكن قوماً كالنصارى وهم الروم أو الرومان فهؤلاء ألين جانباً، فنفرح لفرحهم إذا انتصروا، ثم إننا لا نفرح لذواتهم أو محبةً لهم شخصياً، أو رضاً بحالهم ودينهم، وإنما نفرح لأن الله نصر الحق على الباطل، نصر شبه التوحيد على الشرك الخالص، إذاً هنا انتصارٌ للحق ولو كان في الحق بعض الغبش، بعض اللبس وبعض المزايدات والغلو، لكنه مشتملٌ على حق، أما شأن الفرس وعبادة النار فهي كفرٌ بواح وشركٌ خالص.

 

ثم تنتقل السورة إلى بيان جهل الكافرين، هذه الدروس لا يفهمها إلا مؤمن، أما الكفار وإن زعموا التقدم والرقي والحضارة والعلو وغير ذلك، فهم بنص القرآن، هم بحكم الله العليم، هم بحكم ما لا يجابي أحداً ولا يحابي أحداً ولا يجامل أحداً سبحانه وتعالى ﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ [الروم: 6، 7] يعني ظاهراً قليلاً، أي بعض ظواهر الدنيا يعلمونها، فلم يهضمهم الله حقهم، إنما بيَّن قدر علومهم أنها قليلٌ ومن ظواهر الأمور، أما بواطن الأمور فلا يعلمونها، أما غير الدنيا فلا يعلمونها، بل بعض المشاهدات لا يعلمونها، وخذا هذا عندك ﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ * يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ ﴾، جهلوا لماذا خُلقوا ﴿ أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ ﴾ [الروم: 8]، ﴿ أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ﴾ [الروم: 9]، جهلوا التاريخ وهو وقائع واقعة على الأرض ومسجلة في الكتب ومحفوظة في الأذهان ومروية على ألسنة القُصَّاص من الناس، ومع ذلك جهلوا أسباب انهيار ونهوض الأمم أمةً بعد أمة، لماذا انهارت أمة كذا قبلنا؟ ولماذا وكيف نهضت أمة كذا بعدها؟ لماذا وكيف..، هذه الأسئلة وهذا النظر في الأحداث السابقة لا يعلمونه.

 

وهكذا كثيرٌ من الأمور لا يدرون عنه شيئاً فعلومهم قليلةٌ جداً، ولذلك يبين الله لهم بعض آياته في الكون ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ﴾ [الروم: 20]، ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا ﴾، ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ﴾ [الروم: 22]، ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ ﴾ [الروم: 23]، ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا ﴾، ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ بِأَمْرِهِ ﴾، ما شاء الله، جملة كبيرة من الآيات التي تُوصِّل كل عاقل إلى معرفة أن الله تعالى وحده لا شريك لا هو الجدير بالتسبيح والتحميد ﴿ فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ * وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ ﴾ [الروم: 17، 18]، أما الشرك فعملية مقيتة، صورةٌ مذمومة لا يقبلها أحدكم أيها الناس على نفسه ﴿ ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ ﴾ [الروم: 28]، هل يُسوي أحدكم بينه وبين عبده، بينه وبين خادمه، وبينه وبين الساعي الذي يأتي له بالمشاريب، بينه وبين البواب الذي على باب البيت أو باب المكتب، هل يُسوي أحدكم بينه وبين هذا الشخص مع أنه إنسانٌ مثله في الإنسانية، ولكن اختلفت الأدوار والوظائف، ومن أجلها تُفرِّقون بين السادة والعبيد، وكم انزعج أهل مكة الكافرون حينما جاءهم الإسلام من بداية الأمر يقول إن الناس سواسية في دين الله، العبد والسيد مع حفظ كل واحد لعمله واحتفاظ كل واحد بمكانته الناس سواسية كأسنان المشط، انزعجوا جميعاً من هذا، كيف بدين يسوي بين السادة والعبيد، وكيف أنتم تسوون بين الله وبين عبيده وبين خلقه، تعبدون معه حجراً لا يسمع ولا يبصر ولا ينفع ولا يضر ولا يملك من الخير ولا الحق شيئا، كيف؟ ﴿ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ ﴾ [الروم: 28]، وصل الله بهم إلى هذه النتيجة المترتبة على هذا السؤال، وهي كما أننا لا نقبل التسوية بيننا وبين من هم أدنى منا لا نقل التسوية بين الله وبين عباده بالشرك.

 

إذاً ﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الروم: 30]، وجه الله الإنسانية وكل إنسان عاقل إلى أن يقيم أمر حياته على دين الله لأنه فطرة الله في نفوس العباد، وهو فطرة الله في أسرار وأعماق الكون، فطرة متجاوبة متعاونة في نفسي كإنسان يعيش في هذه الحياة، وفي هذه المخلوقات من حولي تتجاوب معي وتتلاءم معي حتى أعيش في الدنيا حياةً هنيئة طيبة بدين الله، وهذه الفطرة يجدها كل إنسان حتى الكافر يجدها في نفسه ساعة أن يصيبه ضر ﴿ وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ﴾ [الروم: 33] مخلصين مخبتين مقبلين، من هذا؟ إنه الله الذي يجيرك عند شدتك ويُخلصك من ضرك، فلماذا لا تعبده، ومن من الآلهة أجابك عند ضرك، أو سمعك في دعاءك، لا شيء ولا أحد، إذاً لماذا لا توحِّد ذلك الذي تدعوه فيجيبك وتستغيثه فيغيثك وتستنقذه فينقذك، إنها الفطرة حتى في نفس الكافر، وشهدت بذلك بعض الوقائع في الدنيا يضيق المقام عن ذكرها.

 

كُفار ساعة شدة، ولجؤوا إلى الله، وأحدهم قال: يا ربي لو نجيتني من هذه، وكان في البحر في دوامة ستأخذه إلى الدار الآخرة، ولكنه وجد نفسه مشدوداً إلى الله ويدعو الله إن أنجيتني من هذه سأكون لك، فإذا به - كما قال - فوجئت بأني على شاطئ البحر، كيف؟ لا أدري، لا مهارةً مني ولا شيء، وبالتالي كنت لله فأخذ يقرأ في الأديان ويستعرض هذا الدين وهذا الدين وهذا الدين، حتى جاء الدور على دين الإسلام فقرأه فوجده أحسن الكلام، وأقوم الطرق، وأعدل السبل، فآمن بالله تبارك وتعالى وكان مطرباً شهيراً فأسلم وخرج على جمهوره يوماً مفاجأة عبر التلفاز يقرأ سورة الفاتحة ويقول لهم: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته باللغة العربية، وقائع كثيرة من هذا النوع حصلت في الواقع، فطرة في نفس الإنسان تدله على ربه سبحانه وتعالى ﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ﴾.

 

ثم تبين السورة بعد ذلك أن الشرك عملٌ لا يجوز والله يا يقبله، ويتصادم مع الحياة، وأن الربا يتصادم مع الحياة، وأن الزنا يتصادم مع الحياة، لم يذكر الله كل ذلك ولكن ذكر مثالاً، ذكر الله تعالى مدى ارتباط الدنيا بالدين، أو أقيمت الدنيا على دين الله صلحت ونجحت وعلت، ولو أقيمت على غير دين الله أُفسدت وفسدت ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ﴾ [الروم: 41] لماذا؟ ﴿ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ ﴾، ومن الذي فعل هذا رتب الفساد على عدم التدين ﴿ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا ﴾ الله تبارك وتعالى هو الذي خلق الكون وهو الذي شرع الدين، إن أقام الناس دنياهم في كون الله بدين الله استقامت الحياة وتجاوبت مع بعضها وإلا ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ﴾ لماذا؟ ﴿ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ ربما يفيقون ويرجعون إلى الصواب.

 

وتمضي الآيات في بيان هذا الارتباط كما قال ﴿ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ ﴾ [الروم: 39]، هذه الآية بسبب نزولها إشارة إلى اكل أموال الناس بالباطل، وكان بعضهم يُهدي إلى الكبراء هدية على قدر حاله متواضعة لكي يحرج الكبير فيهديه هو أيضاً ولكن هديةً تليق بكبره، فيأخذ بذلك الكثير، يهادي هذا ويهادي هذا بما تيسر على قدر حاله، لا حباً ولا مودةً ولا تفاعلاً في الحياة وإنما ليستجلب منهم هدايا أكبر، فيعطي الجنيه ويأخذ العشرين جنيهاً والمائة جنيه من هنا ومن هنا فيجمع أموالاً من الناس بالحياء والحرج بالباطل، نهى الله تعالى عن هذا، وكان منها الربا المعروف الذي ظهر وحرمه الله وهو دفع مالٍ لأخذ أكثر منه على سبيل القرض، هذا حرام ومقته الله تعالى وتوعد من فعله بالحرب.

 

تنتهي السورة أحبتي الكرام بآخر موضوع فيها وهو بيان عدم استقرار الدنيا على حالٍ معينة، بيان تقلبها بأهلها حتى لا يطمئن إليها أحد، إنما يطمئن إلى الخالق سبحانه وتعالى ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ﴾ [الروم: 54]، هكذا يبين الله أن الدنيا لا تترك الناس على حال واحد، أو أن الناس في الدنيا لا يستقرون على حال واحد، إنما طبيعة هذه الحياة التقلب من قوة إلى ضعف، من ضعف إلى قوة إلى كذا، إلى مال إلى فقر إلى صحة إلى مرض إلى.. إلى، كما قال تعالى في آية أخرى ﴿ لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ ﴾، الآن أنتم فوق كان كفار مكة في العهد المكي هم أصحاب السلطة في مكة، أصحاب القوة يقهرون المسلمين ويعذبونهم، بعد سنواتٍ قليلة بعد ثلاثة عشر عاماً هاجر المسلمون إلى المدينة وهناك التقوا مع الكافرين في غزوة بدر فأعلى الله تعالى ورفع المؤمنين به وهزم وخذل وقتل المشركين ﴿ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى ﴾ [الأنفال: 17]، والدنيا مع تقلبها فهي لا تبقى بل هي سريعة جداً، بعدها مباشرةً بعد هذه الآية ﴿ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ ﴾ [الروم: 55] الساعة تقوم بسرعة، يقول النبي عليه الصلاة والسلام "الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله والنار مثل ذلك"[9]، والجنة والنار في الآخرة أقرب إلى أحدكم من رباط الحذاء، يعني ربما كان نصف القدم في الجنة اللهم آمين أو نصفها في النار والعياذ بالله رب العالمين، الآخرة قريةٌ جداً لذلك حينما يبعث المجرمون يوم القيامة ويذكرون دنياهم وما كان فيها يتخيلون أنها كانت ساعة من الساعات، لدرجة أنهم يقسمون ويحلفون، الأمر شبه يقين عندهم، ما شعروا بطول الدنيا وهي ربما بلغت مائة عام أو زادت أو نقصت قليلاً ﴿ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا ﴾ أي ما بقوا في الدنيا ﴿ غَيْرَ سَاعَةٍ ﴾، كما قال تعالى ﴿ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا ﴾ [النازعات: 46] يعني ساعة من ليل وهي العشية وقت العشاء، أو ضحاها باكورة الصباح بعد طلوع الشمس، ساعة، لماذا؟ لأنها كانت سريعة وهم لا يشعرون.

 

أرأيتم أحبتي الكرام، إذاً هذه السورة تمتد هكذا لتبين هذه الحقائق أن الله تبارك وتعالى واحد، وأن هذا الدين دينه، ولا قيام للدنيا إلا بدين الله تبارك وتعالى حتى تقوم دنيا صحيحة رشيدة حاضرة راقية سعيدة، وأن الترابط هناك واجبٌ جداً ومستقرٌ وثابت بين الدين والدنيا ولا انفصام بينهما، وأن الدنيا لا تغني شيءٌ، هي قصيرةٌ وسريعة وتنتهي بسرعة وتأتي بعدها الدار الآخرة.

 

هذه السورة أحبتنا الكرام – سورة الروم – تتناسب مع سورة العنكبوت من عدة وجوه، وترتبط هكذا كل سور القرآن وكأنها كلها سورةٌ واحدة، لأنها كلام الله الواحد، السورتان مكيتان وبالتالي موضوعهما واحد وهو تثبيت التصورات العقدية في النفس البشرية، وبُدئتا بأحرفٍ واحدة ألف لام ميم، هنا وهنا، أيضاً السورتان اشتركتا في التمهيد لمعايشة أهل الكتاب في المدينة، فتمهد المؤمنين نفسياً للقرب بعض الشيء من النصارى وعدم معاملتهم كمعاملة اليهود، وبالجملة فإن أهل الكتاب أقرب إلينا من المشركين المنكرين لكل شيء، فهناك نهانا – في العنكبوت – أن نجادل أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن, وفي سورة الروم يدعو الله المؤمنين إلى أن يفرحوا فنصرة الروم على الفرس، لأن الروم يزعمون الإيمان بالله وإن أشركوا معه غيره، أما الفرس فهم مشركون خالصون لا يعترفون بوجود الله تبارك وتعالى، الله عندهم هو النار والعياذ بالله....

 

.... مناسبة ثالثةٌ أخيرة – والتناسب أكبر من ذلك – في أواخر سورة العنكبوت امتن الله تعالى على كفار مكة أنه جعل لهم حرماً آمناً ويتخطف الناس من حولهم، فكان ينبغي أن يعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف، في أوائل سورة الروم ويقص الله قصة غَلَبة الروم كأن الله تعالى يبين قوله ويتخطف الناس من حولهم، أنتم يا أهل مكة أمنَّكم الله بوجود بيته الحرام بينما الناس حولكم كالفرس والروم مثلاً يتقاتلون عبر سنين حروباً متصلة لا تنقطع هذا يغلب مرة وذاك ينتصر مرة، بل في يثرب هناك بين قبائل العرب الأوس والخزرج وليس عندهم بيتٌ حرام ولم يكن بُني بعد المسجد النبوي وكان ذلك قبل الهجرة، فكان الأوس والخزرج قبيلتين كبيرتين جداً متقاتلتين أيضاً عبر سنين طويلة ما أطفأ نار الحرب بينهما إلا دخول الإسلام المدينة ﴿ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا ﴾ [آل عمران: 103].

 

هكذا أحبتي الكرام تم ما يسّر الله من بيان حول هذه السورة وما بقي إلا هدفها نستطلعه إن شاء الله تعالى بعد جلسة الاستراحة، سائلاً ربي سبحانه وتعالى وربكم أن يغفر لنا وأن يرحمنا وأن يعلمنا ما ينفعنا، إنه هو العليم الحكيم.

♦♦♦♦♦♦♦

 

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد فأوصيكم عباد الله بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، وأحذركم ونفسي عن عصيانه تعالى ومخالفة أمره، فهو القائل سبحانه وتعالى ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾ [فصلت: 46]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، اللهم صل على محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين، وذريته وأهل بيته، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

أما بعد..

أحبتنا الكرام، فإن هدف هذه السورة – فيما يبدو لي والله أعلم – أنه الربط أو بيان الارتباط الوثيق بين الدين والدنيا، بين الكون والحياة، فإن المسلم بدين الله تبارك وتعالى ينبغي أن يتعرف على ما حوله، بل ينبغي أن يقرأ التاريخ قبله فيعرف أسباب نهوض وانهيار الأمم السابقة عليه، وهذا تدعونا إليه السورة في أوائلها، فأنا مسلم أصلي وأصوم وأحج وكذا، وهذا مطلوبٌ مني أيضاً، لابد أن أكون على وعي بما يدور من حولي، لابد أن أعرف ومن دين الله بمن أفرح، ومن أحب، ومن أتمنى وأود، هذه الأساسات في إقامة المجتمع، بينها الإسلام في سورة عديدة وفي آيات كثيرة وهذه منها، إذاً ربط لي الله تبارك وتعالى بين واقع الحياة وما يدور فيه وبين دينه سبحانه وتعالى، هذه الحروب المستعرة في العالم وتغليب هذا على هذا إنما هو من عند الله، لماذا نصر الله ذلك الكافر على ذلك المسلم كما رأينا في بعض البلاد الإسلامية؟ لأن هذا المسلم لم يصل إلى درجة العدل التي حققها ذلك الكافر، ودولة الحق تدوم إلى قيام الساعة ودولة الظلم تنهار بعد ساعة، فالله لا يحب الظلم أبداً.

 

كذلك في قول الله تعالى ﴿ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ ﴾، كثيرٌ من الناس يتعاملون ويظنون أن هذه نقرة والدين نقرة أخرى، تصلي وتغش في الميزان، تصلي وتأكل الربا، تصلي وتفعل كذا، تصلي وتجمع مالك من حرام، تصلي وتتاجر في السجائر والمخدرات...، كيف تجمع بين أنك مسلم ذو دين وعندك هذا الخلط، نسمع راقصةً تفخر وتقول وهي مقتنعة لا تتظاهر – فيما أظن – تقول: بحمد الله قبل أن أخرج إلى المسرح دائماً لا بد أن أقرأ سورةً من القرآن، تقرأ سورة من القرآن ليوفقها الله في الرقص، ليوفقه الله في دور تمثيلي يكذب فيه وربما كان دوراً ماجناً فاسقاً فاجراً، يقرأ قرآناً أو أذكاراً قبل أن يخرج ليغني لكي يجد تيسيراً من الله، الله لا ييسر الشر لمن يحب، أما الذي يبغضه الله فهو الذي ييسر له الحرام، فعلينا أن ننتبه هذا اسمه انفصام شخصية، نرى في واقع الحياة نساءً متبرجات وإذا أُذِّن للصلاة دخلت أقرب مسجد لتصلى الفريضة، كيف تصلي وهي متبرجة؟! وربما تحمل معها ملابس للصلاة، قالتها فرنسيةٌ مسلمة امرأة فرنسية مسلمة لامرأة مصرية مسلمة رأتها بهذه الحالة، دخلت المسجد واستترت وصلت وقبل أن تخرج خلعت ملبس الصلاة وظهرت بما كانت عليه قبل الصلاة إلى التبرج، فقالت أين تذهبين؟ قالت أمشي صليت الحمد لله، قالت تذهبين هكذا؟ هل رب المسجد غير الرب خارج المسجد؟ إنه ربٌ واحد، فعلّمت الأعجميةُ العربيةَ.... فإن كنا نقدسه في المساجد فيجب تقديسه وتأليهه في كل مكان وخاصة أن الله اختصنا بشيء "وجعلت لي الأرض مسجدًا"[10] في أي مكان يصلح أن تصلي، إذاً كل الأرض مسجد، السوق مسجد، عملك مسجد، الشارع مسجد بالنسبة لنا كمسلمين، ولذلك ينبغي أن نتقي الله في كل مكان، أن نعلم أن الله ينظرنا في كل مكان كنا فيه ﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ﴾ يراكم ويعلم أحوالكم سبحانه وتعالى، لا تخفى عليه منكم خافية.

 

الربط بين الدين والدنيا لابد أن تكون السوق كالمسجد، الشارع كالمسجد، المصنع، المزرعة، البيت كالمسجد، كان سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه يصلي إماماً بالناس والمسلمين في المسجد النبوي الشريف، هو إمامهم ثم يخرج إلى السوق أحياناً كثيرة وينادي في الناس من لم يفقه بيعنا فلا يبيعنَّ في سوقنا، الذي لا يعرف نظام البيع الإسلامي لا يبع ولا يتاجر في سوقنا نحن المسلمين، لماذا؟ لألا يعلم الناس بيعاً فاسداً أو باطلاً، لألا يأكل أو يُؤكِّل الناس مالاً حراماً فيقال المسلمون في المسجد شيء وفي البيع والشراء والحياة شيء، هذه نقرة وتلك نقرة، واشتهر هذا المثال بيننا وهذا واقعٌ مرير، لا، بل ينبغي أن يكون المسلم كقطعة الذهب لا يتغير ولا يصدأ، هو ذهبٌ بين الذهب وبين الفضة ذهب، بين المعاد ذهب، بين الحجارة ذهب، في عمق التراب ذهب، في كل مكان هو ذهبٌ لا يتغير، فيربط بين دينه ودنياه.

 

كذلك الآية الواضحة جداً ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾، تُظهر هذه الرابطة، الفساد الذي يظهر يعلقه الناس على أسباب أخرى، تلك الأمراض الخطيرة التي لم يسمع بها آباؤنا وأجدادنا، يُقال فيروس كذا وفيروس كذا، تلوث كذا، ومفاعل كذا، الله تعالى يرد هذه الإصابات وهذه الأمراض إلى ما كسبت أيدي الناس، هل نحن في الأمراض مثل من قبلنا؟ لا، الأمراض عندنا أكثر، والفساد عندنا أكثر، هل أعمالنا بأيدينا، لأن العمل غالباً يكون باليد، هل أعمالنا بأيدينا كأعمال من سبقونا؟ هل قلوبنا كقلوبهم سليمة؟ هل.. وهل.. وهل، كان رجل القرآن قديماً هو قمة الناس، وكان عالم الدين هو بركة الناس، والناس يقرون له بذلك، أين رجل الدين اليوم إن صح التعبير؟ أين أهل القرآن في نفوس الناس؟ كيف ينظرون إليهم؟ تغيرت أحوال الناس وأعمال الناس وبالتالي تغيرت الدنيا من حولهم.

 

هذا هو هدف السورة – فيما يبدو لي – أن المسلم والإنسان عموماً ينبغي أن يدرك العلاقة الوثيقة بين الدين والدنيا، فما كان في الدنيا إلا ليقام فيها الدين، وما كان الدين إلا لينظم حركة الناس في الدنيا، فبينهما تجاوبٌ لا ينفصم أبداً ولا ينفك، نسأل الله تبارك وتعالى أن يبصِّرنا بذلك، وأن يحقق فينا ذلك، فيجعلنا من الذين يقيمون دنياهم بدين الله وعلى تقوى الله، ومرضاة الله.

 

اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، نسألك يا ربنا رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار، فاغفر اللهم لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلنا وما أسرفنا وما أنت أعلم به منا، اللهم أصلح لنا ديننا الذي عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير، واجعل الموت راحةً لنا من كل شر، اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، برحمتك يا أحرم الراحمين، اللهم اغفر اللهم للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميعٌ قريبٌ مجيب الدعوات ورافع الدرجات، اللهم اجعل خير أعمالنا خواتمها وخير أعمالنا أواخرها، وأوسع أرزاقنا عند كبر سننا، هون علينا يا ربنا حر الدنيا، اللهم كيِّف لنا حر الدنيا، اللهم كيِّف لنا حر الدنيا، اللهم قنا حر الآخرة، اللهم قنا حر الآخرة، اللهم قنا جهنم وحرها يا رب العالمين، بطيب الجنة ورضوانها إنك على ما تشاء قدير.

 

عباد الله ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90]، اذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم.. وأقم الصلاة.



[1] أخرج الترمذي (3194) نيَار بن مُكرَم الأسلمي قال: لما نزلت، ﴿ الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ ﴾ [الروم: 1 - 4]، فكانت فارس يوم نزلت هذه الآية قاهرين للروم، وكان المسلمون يحبون ظهور الروم عليهم؛ لأنهم وإياهم أهل كتاب، وفي ذلك قول الله: ﴿ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴾ [الروم: 4، 5]، وكانت قريش تحب ظهور فارس؛ لأنهم وإياهم ليسوا بأهل كتاب ولا إيمان ببعث، فلما أنزل الله هذه الآية خرج أبو بكر يصيح في نواحي مكة: ﴿ الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ ﴾، قال ناس من قريش لأبي بكر: فذاك بيننا وبينك، زعم صاحبك أن الروم ستغلب فارس في بضع سنين، أفلا نراهنك على ذلك؟ قال: بلى -وذلك قبل تحريم الرهان -فارتهن أبو بكر والمشركون، وتواضَعُوا الرهان، وقالوا لأبي بكر: كم تجعل البضع: ثلاث سنين إلى تسع سنين، فَسمِّ بيننا وبينك وَسَطًا ننتهي إليه. قال: فسموا بينهم ست سنين. قال: فمضت ست السنين قبل أن يظهروا، فأخذ المشركون رهن أبي بكر، فلما دخلت السنة السابعة ظهرت الروم على فارس، فعاب المسلمون على أبي بكر تسمية ست سنين، قال: لأن الله قال: ﴿ فِي بِضْعِ سِنِينَ ﴾. قال: فأسلم عند ذلك ناس كثير، وحسّنه الألباني في صحيح سنن الترمذي.

[2] انظر: الإتقان في علوم القرآن (1/ 148- 157).

[3] انظر: لسان العرب (12/ 258).

[4] انظر فتح الباري (1/ 34، 40).

[5] انظر: قصة الديانات، سليمان مظهر: (ص282).

[6] انظر: المحرر الوجيز، لابن عطيّة: (4/ 328)، تفسير القرطبي (16/ 394)، الفروسية، لابن القيم: (1/ 208).

[7] انظر: التحرير والتنوير (21/ 39).

[8] انظر: تفسير ابن كثير (6/ 297)، والإتقان في علوم القرآن (1/ 41).

[9] أخرجه البخاري: (6123).

[10] أخرجه البخاري (427)، ومسلم (810).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • نفحات قرآنية .. في سورة الروم
  • قرأت سورة الروم!
  • تفسير الزركشي لآيات من سورة الروم
  • تفسير الربع الأول من سورة الروم
  • تفسير الربع الثاني من سورة الروم
  • مقاصد سورة لقمان
  • مقاصد سورة الأحزاب
  • باب الروم وصفته ومواضعه
  • تفسير: (الم * غلبت الروم * في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون)

مختارات من الشبكة

  • مقاصد الصيام (2) مقاصد التربية (خطبة)(مقالة - ملفات خاصة)
  • مقاصد السيرة النبوية (1) مقاصد النسب الشريف للنبي صلى الله عليه وسلم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بين (مقاصد الشريعة) و(مقاصد النفوس)!(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مقاصد الشريعة الإسلامية في أحكام الأسرة والنكاح(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مقاصد العبادات في الإسلام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أنواع المقاصد باعتبار مدى الحاجة إليها(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من مقاصد الشريعة في المعاملات المالية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مقاصد الزكاة وأثرها في أحكامها الشرعية: مقصد المواساة أنموذجا (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • التحقيق المقاصدي للأعمال: نموذج تطبيقي على مقاصد تلاوة القرآن(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أنواع المقاصد باعتبار تعلقها بعموم الأمة وخصوص أفرادها(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 13/11/1446هـ - الساعة: 23:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب