• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: محدثات نهاية العام وبدايته
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    المغنم بصيام عاشوراء والمحرم (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    خطبة المسكرات والمفترات
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    تفسير: (وما كان له عليهم من سلطان إلا لنعلم من ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تحريم الخوف دون الطبيعي من غير الله تبارك وتعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    خطبة: الهجرة النبوية دروس وعبر
    مطيع الظفاري
  •  
    الصدقات تطفئ غضب الرب
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    السلام النفسي في فريضة الحج
    د. أحمد أبو اليزيد
  •  
    الذكر بالعمل الصالح (خطبة)
    الشيخ الحسين أشقرا
  •  
    الدرس السابع والعشرون: حقوق الزوجة على زوجها
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    الخيانة المذمومة (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    الإسلام كرَّم الإنسان ودعا إلى المساواة بين الناس
    الشيخ ندا أبو أحمد
  •  
    أدلة الأحكام من القرآن
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    قبسات من الإعجاز البياني للقرآن (2)
    قاسم عاشور
  •  
    التقوى
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    نار الآخرة (10) سجر النار وتسعيرها
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن
علامة باركود

المحكم والمتشابه في القرآن

د. أمين الدميري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 14/12/2016 ميلادي - 15/3/1438 هجري

الزيارات: 247615

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

المحكم والمتشابه في القرآن

 

القرآن الكريم بعضُه مُحْكَمٌ وبعضه متشابه، وقيل: كله محكم، وقيل: كله متشابه؛ قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [آل عمران: 7]، وفي سورة هود: ﴿ الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ﴾ [هود: 1]، وفي سورة الزُّمر: ﴿ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ ﴾ [الزمر: 23]؛ فالآية الأولى تقرِّر أن القرآن بعضه مُحكَم وبعضه متشابه، والثانية تقرِّر أن القرآن كله محكَم، والثالثة تقرِّر أن كله متشابه؛ فما تفسير ذلك وما تأويله؟ وهل في ذلك تعارضٌ أو اختلاف؟ وللبيان نبدأ بتعريف المحكم والمتشابه.

 

أولًا: تعريف المحكم:

ويعني الإحكام في الأمر، والحكم الواضح؛ وهو إمَّا حلال بيِّنٌ لا خلاف عليه ولا يحتمل إلا معنًى واحدًا، وإمَّا حرام بيِّنٌ لا خلاف عليه ولا يحتمل إلا معنًى واحدًا.

 

والمحكم: ما دل عليه نصٌّ محكم قطعيُّ الثُّبُوت قطعيُّ الدَّلالة؛ وهو إمَّا نصٌّ قرآنيٌّ قطعيُّ الدَّلالة؛ كقوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [النور: 4]، أو حديثٌ صحيحٌ قطعيُّ الدَّلالة؛ كالحديث المتفَق عليه: عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهَا قَالَتْ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ البِتْعِ (نبيذ العسل)، فَقَالَ: ((كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ، فَهُوَ حَرَامٌ))؛ البخاريُّ (242، 5585)، ومسلم (2001)؛ فقوله صلى الله عليه وسلم: ((كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ، فَهُوَ حَرَامٌ))، نصٌّ قطعي الثبوت قطعي الدلالة.

 

أما المتشابه: فهو ما كان ظَنِّيَّ الدلالة؛ كما في قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [المائدة: 6]؛ ففي معنى قوله تعالى: ﴿ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ﴾ [المائدة: 6]، اختلف العلماء في معنى المسح، وفي دلالة حرف الباء، وفي خفْض (كسر)، أو نصب، أو رفع "وَأَرْجُلَكُمْ"؛ قال القرطبيُّ: (قرأ نافع وابن عامر والكسائي: "وَأَرْجُلَكُمْ" بالنصب، وروى الوليد بن مسلم عن نافع أنه قرأ: "وَأَرْجُلُكُمْ" بالرفع، وهي قراءة الحسن والأعمش سليمان، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزةُ: "وَأَرْجُلِكُمْ" بالخفض، وبحسَب هذه القراءات اختلف الصحابة والتابعون)، فالنص القرآني هنا ظنيُّ الدلالة، ويحتمل أكثرَ من وجه، وترتَّبَ على ذلك أكثرُ من حُكم؛ لذا فهو من المتشابه.

 

وفي معنى المحكم والمتشابه: قال ابن كثير: (قال ابن عباس: "المحكمات: ناسخُه - وهو الحكم المؤخَّر النهائي - وحلاله وحرامه، وحدوده وأحكامه، وما يُؤمر به ويُعمل به"، وَقَالَ يَحْيَى بْنُ يَعْمَرَ: "هي الفَرَائِضُ، وَالأَمْرُ وَالنَّهْيُ، والحلال والحرام".

 

وقيل في المتشابهات: المنسوخة، والمقدَّم وَالمُؤَخَّرُ، وَالأَمْثَالُ فِيهِ وَالأَقْسَامُ، وَمَا يُؤْمَنُ بِهِ ولا يعمل به؛ رُويَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقِيلَ: هِيَ الحُرُوفُ المُقَطَّعَةُ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ؛ قَالَهُ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ، وعن مجاهد: "المتشابهات يصدِّق بعضها بَعْضًا"، وهذا إنما هو في تفسير قوله:﴿ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ ﴾ [الزمر: 23]؛ هناك ذكروا أن المتشابه: هو الكلام الذي يكون في سياق واحد، والمثاني: هو الكلام في شيئين متقابلين؛ كصفة الجنة وصفة النار، وذكر حال الأبرار وحال الفجار، ونحو ذلك، وأما ها هنا فالمتشابه: هو الذي يقابِل المُحكَم، وأحسنُ ما قيل فيه هو الذي قدَّمناه، وهو الذي نص عليه ابنُ يَسَارٍ رحمه الله حيث قال: ﴿ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ ﴾ [آل عمران: 7]؛ فيهن حُجَّةُ الرب، وعصمة العباد، ودفع الخصومِ والباطلِ، ليس لهن تصريف ولا تحريف عما وُضعن عليه، قال: والمتشابهات في الصدق، لهن تصريف وتحريف وتأويل، ابتلى الله فيهن العبادَ، كما ابتلاهم في الحلال والحرام، ألَّا يُصرفن إلى الباطل، ولا يُحرَّفن عن الحق).

 

وقال القرطبي في تفسير آية آل عمران (رقم 7): "المحكمات من آيِ القرآن: ما عُرِف تأويله، وفُهِم معناه وتفسيره؛ والمتشابه: ما لم يكن لأحد إلى علمه سبيلٌ ممَّا استأثر الله تعالى بعلمه دون خلقه؛ قال بعضهم: وذلك مثل وقت قيام الساعة، وخروج يأجوجَ ومأجوجَ، والدَّجَّال، وعيسى، ونحو الحروف المُقطَّعة في أوائل السور.

قلت: هذا أحسن ما قيل في المتشابه.

 

وقيل: القرآن كله محكم؛ لقوله تعالى: ﴿ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ﴾ [هود: 1]، وقيل: كله متشابه؛ لقوله: ﴿ كِتَابًا مُتَشَابِهًا ﴾ [الزمر: 23].

قلت: وليس هذا من معنى الآية في شيء؛ فإن قوله تعالى: ﴿ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ﴾ [هود: 1]؛ أي: في النظْم والرصف، وأنه حقٌّ من عند الله، ومعنى ﴿ كِتَابًا مُتَشَابِهًا ﴾ [الزمر: 23]؛ أي: يشبه بعضه بعضًا، ويصدِّق بعضه بعضًا، وليس المراد بقوله: "آيات محكمات وأُخَرُ متشابهات" هذا المعنى؛ وإنما المتشابه في هذه الآية من باب الاحتمال والاشتباه، من قوله: ﴿ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا ﴾ [البقرة: 70]؛ أي: التبس علينا؛ أي: يحتمل أنواعًا كثيرة من البقر، والمراد بالمحكم ما في مقابلة هذا، وهو ما لا التباسَ فيه، ولا يحتمل إلا وجهًا واحدًا.

 

وقيل: إن المتشابه ما يحتمل وُجُوهًا، ثمَّ إذا رُدَّت الوجوهُ إلى وجهٍ واحدٍ وأُبْطِل الباقي، صار المتشابه محكمًا؛ فالمحكم أبدًا أصلٌ تُردُّ إليه الفروع، والمتشابه هو الفرع.

 

وقال ابن عباس: (المحكمات هو قوله في سورة الأنعام: ﴿ قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ﴾ [الأنعام: 151] إلى ثلاثِ آيات، وقوله في بني إسرائيل (الإسراء): ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾ [الإسراء: 23])؛ قال ابن عطية: وهذا عندي مثالٌ أعطاه في المحكمات. وقال ابن مسعود وغيره: (المحكمات: النَّاسخات، والمتشابهات: المنسوخات)، وقاله قتادة والربيع والضحاك. قال النحاس: (أحسن ما قيل في المحكمات والمتشابهات: أن المحكمات ما كان قائمًا بنفسه لا يحتاج أن يُرجعَ فيه إلى غيره؛ نحو: ﴿ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 4]، ﴿ وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ ﴾ [طه: 82]، والمتشابهات نحو: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ﴾ [الزمر: 53]، يُرجع فيه إلى قوله جل وعلا: ﴿ وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ ﴾ [طه: 82]، وإلى قوله عز وجل: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ ﴾ [النساء: 48]).

قلت: ما قاله النحاس يبيِّن ما اختاره ابن عطية، وهو الجاري على وضع اللسان؛ وذلك أن المحكم اسم مفعول من أحكم، والإحكام: الإتقان، ولا شك في أن ما كان واضحَ المعنى لا إشكال فيه ولا تردُّد، إنما يكون كذلك لوضوحِ مفردات كلماته وإتقان تركيبها، ومتى اختل أحدُ الأمرين جاء التشابه والإشكال، والله أعلم.

 

وقال ابن خويز منداد: (للمشابه وجوهٌ، والذي يتعلق به الحكم ما اختلف فيه العلماء أيُّ الآيتين نسخَتِ الأخرى؛ كاختلافهم في الوصية للوارث هل نُسخت أم لم تنسخ؟)"؛ انتهى كلام القرطبي.

 

هل لمعرفة المتشابهات طريق؟ وهل لنا أن نصل إلى تأويلها؟

والجواب: أن للعلماء رأيين أو مذهبين؛ منهم من قال: لا طريق لنا إلى معرفة المتشابهات؛ فقد استأثر الله تعالى وحده بعلمها، وقال الآخَرون: قد يعلمها الراسخون في العلم.

 

وأصل الخلاف مبنيٌّ على الوقف على قوله تعالى في آية آل عمران (7): ﴿ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ﴾ [آل عمران: 7]؛ فالفريق الأول قال بالوقف اللازم، والفريق الثاني قال بعدمِه والعطفِ على ما بعده؛ وهو: ﴿ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ﴾ [آل عمران: 7]، ومما يؤيد هذا القولَ قولُ ابن عباس رضي الله عنه: (أنا ممَّن يعلم تأويله)؛ فقد دعا له النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، فقال: ((اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ))؛ رواه مسلم برقْم (2477) كتاب فضائل الصحابة، والبخاريُّ برقم (143)، وبلفظ: ((وعلِّمْه الحكمة)، وبلفظ: ((اللهم علمه الكتاب)) برقم (75) كتاب العلم.

 

وأميل إلى القول الثاني؛ لأن ذلك يفتح الباب لكل جيل أن يكتشف معانيَ جديدة وألوانًا من ألوان الإعجاز؛ فما اشتَبَهَ على جيلٍ قد لا يكون كذلك عند جيل آخرَ، ومِن خصائص القرآن الكريم أنه يخاطب كلَّ جيل بما يناسب فَهْمه وما برع فيه؛ إذ لمَّا نزل القرآن كان العرب في قمة فصاحتهم، فتحدَّاهم بالفصاحة والبلاغة حتى أعجَزَهم نظمُه وبلاغته وفصاحته، وخاطبهم على قدر عقولهم وعِلمهم؛ فعلى سبيل المثال: لمَّا تكلَّم عن دوران الأرض، والشمس، والقمر، لم يقل: والأرض تدور أو تجري؛ لأن ذلك يصطدم بعقولهم وعلمهم؛ فهم يرون أن الأرض ثابتة، وأن الشمس هي التي تتحرك، مع أن الحقيقة أن الأرض تدور وتجري في الفضاء، وكذلك الشمس، لكنه خاطبهم بما يقرُّون ويفهمون؛ فقال تعالى: ﴿ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ﴾ [يس: 38]، وفي ذات الوقت أشار إلى دوران الأرض تلميحًا وليس تصريحًا في قوله تعالى: ﴿ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ﴾ [النمل: 88]، وهل تسير الجبال من غيرِ الأرض أم هي أوتادٌ لها لا تنفصل عنها؟!

 

وفي آية تالية قال سبحانه: ﴿ لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾ [يس: 40]؛ فالليل والنهار هما ليلُ الأرض ونهارُها، فاكتفى بذكر سِباحةِ الشمس والقمر، وهما مشاهَدان، وأشار إلى سباحة الأرض بليلها ونهارها، وهذا الأُسلوب في الخطاب يسمِّيه أهل العلم "مراعاة مقتضى حال المخاطَبين"، ومِثلُه: بَدْء خطاب القرآن بقوله: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾ [العلق: 1]، ولم يقل: اقرأ بسم الله؛ فقد خاطبهم بما يقرُّون به، وهو خطاب الرُّبوبيَّة؛ فليس لهم سبيل إلى إنكاره؛ لأنهم مقرُّون بها، لكنهم منكِرون للأُلوهيَّة.

 

ومن هنا وجب على كل جيلٍ أنْ يبحث ويتدبَّر في كتاب الله تعالى؛ ليكتشف كنوزًا جديدة، وألوانًا من الإعجاز لم يصل إليها مَن قبلنا؛ خصوصًا في عصر التَّقدم العلميِّ والاكتشافات الحديثة؛ لكنْ بالشروط الشرعية والضوابط التي وضعها العلماء للتعامل مع كتاب الله؛ كأدوات التفسير، وشروط المفسر؛ من العلم بقواعد اللغة العربية، والعقيدة الصحيحة، والفقه وأصوله، وعلوم القرآن، وغير ذلك من العلوم والأدوات والشروط، والنِّية الصالحة، ومراعاة أن القرآن حاكمٌ وليس محكومًا عليه؛ فالقرآن حاكم على الكتب السابقة، وعلى اللغة، وعلى النظريات والحقائق العلميَّة، وليس العكس؛ لأنه الكتاب المحفوظ بحفظ الله تعالى، وهو حُجَّة الله على خلقه إلى يوم الدين.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • المحكم والمتشابه في الشريعة (1)
  • المحكم والمتشابه في الشريعة (2)
  • المتشابه وأنواعه والحكمة منه في القرآن
  • حمل المتشابه على المحكم

مختارات من الشبكة

  • القرآن عند الأصوليين: تعريفه وحجيته، عروبته وتواتره، المحكم والمتشابه في القرآن(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المختصر المفهوم في بيان المحكم والمتشابه عند المفسرين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • معنى المحكم والمتشابه(مقالة - موقع د. محمد منير الجنباز)
  • درس عملي في المحكم والمتشابه الاختلاط أنموذجا(مقالة - آفاق الشريعة)
  • اتباع المتشابه لتحريف المحكم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • القول المحكم العلي في تحقيق الفرائض على المذهب الحنبلي (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • التشريع المحكم في الميراث(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أثر تواصل أطراف الدعوى مع المحكم أو الخبير(مقالة - موقع د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر)
  • خلق المسلم في آيات من الكتاب المحكم (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة القول المحكم على ديباجة شرح السلم (نسخة ثانية)(مخطوط - مكتبة الألوكة)

 


تعليقات الزوار
1- I was reading the article
ABD. RAHIM BIN AWANG KECHIK - Malaysia 12-01-2022 03:47 AM

It is one of the best article in terms of providing analysis of the topic.

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • في حفل مميز.. تكريم المتفوقين من طلاب المسلمين بمقاطعة جيرونا الإسبانية
  • ندوة دولية في سراييفو تبحث تحديات وآفاق الدراسات الإسلامية المعاصرة
  • النسخة الثانية عشرة من يوم المسجد المفتوح في توومبا
  • تخريج دفعة جديدة من الحاصلين على إجازات علم التجويد بمدينة قازان
  • تخرج 220 طالبا من دارسي العلوم الإسلامية في ألبانيا
  • مسلمو سابينسكي يحتفلون بمسجدهم الجديد في سريدنيه نيرتي
  • مدينة زينيتشا تحتفل بالجيل الجديد من معلمي القرآن في حفلها الخامس عشر
  • بعد 3 سنوات أهالي كوكمور يحتفلون بإعادة افتتاح مسجدهم العريق

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 29/12/1446هـ - الساعة: 21:8
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب