• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    المحافظة على صحة السمع في السنة النبوية (PDF)
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    اختيارات ابن أبي العز الحنفي وترجيحاته الفقهية في ...
    عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد التويجري
  •  
    القيم الأخلاقية في الإسلام: أسس بناء مجتمعات ...
    محمد أبو عطية
  •  
    فوائد من حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث ...
    محفوظ أحمد السلهتي
  •  
    لم تعد البلاغة زينة لفظية "التلبية وبلاغة التواصل ...
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    البشارة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    حديث: لا نذر لابن آدم فيما لا يملك
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    خطبة: شهر ذي القعدة من الأشهر الحرم
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    تفسير سورة الكافرون
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (4)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    من مائدة الفقه: السواك
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    أهمية عمل القلب
    إبراهيم الدميجي
  •  
    أسوة حسنة (خطبة)
    أحمد بن علوان السهيمي
  •  
    إذا استنار العقل بالعلم أنار الدنيا والآخرة
    السيد مراد سلامة
  •  
    خطبة: أم سليم صبر وإيمان يذهلان القلوب (2)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    تحريم أكل ما ذبح أو أهل به لغير الله تعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / عقيدة وتوحيد
علامة باركود

الكبير المتكبر جل جلاله وتقدست أسماؤه

الكبير المتكبر جل جلاله وتقدست أسماؤه
الشيخ وحيد عبدالسلام بالي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 30/6/2024 ميلادي - 23/12/1445 هجري

الزيارات: 998

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الْكَبيرُ المتكبر جل جلاله وتقدست أسماؤه


عَنَاصِرُ الْمَوْضُوعِ:

أَوْلًا: الدِّلاَلاَتُ اللُّغَوِيَّةُ لاسْمِ (الكَبيرِ).

ثَانِيًا: الدِّلاَلاَتُ اللُّغَوِيَّةُ لاسْمِ (الُمتَكَبِّرِ).

ثَالِثًا: وُرُودُ الاسْمَينِ في القُرْآنِ الكَرِيمِ.

رَابِعًا: مَعْنَى الاسْمَينِ في حَقِّ الله تَعَالَى.

خَامِسًا: ثَمَراتُ الإِيمَانِ بهذين الاسْمَين.

 

النِّيَّاتُ الَّتِي يُمْكِنُ أَنْ يَسْتَحْضِرَهَا الُمحَاضِرُ قَبْلَ إِلْقَاءِ هَذِهِ الُمحَاضَرَةِ:

أولًا: النِّيَّاتُ العَامَّةُ:

1- يَنْوي القيامَ بتبليغِ الناسِ شَيْئًا مِنْ دِينِ الله امْتِثَالًا لقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «بلِّغُوا عَني ولَوْ آيةً»؛ رواه البخاري.

 

2- رَجَاءَ الحُصُولِ عَلَى ثَوَابِ مَجْلِسِ العِلْمِ [1].

 

3- رَجَاءَ أَنْ يَرْجِعَ مِنْ مَجْلِسِه ذلك مَغْفُورًا لَهُ [2].

 

4- يَنْوِي تَكْثِيرَ سَوَادِ المسْلِمِينَ والالتقاءَ بِعِبادِ الله المؤْمِنينَ.

 

5- يَنْوِي الاعْتِكَافَ فِي المسْجِدِ مُدةَ المحاضرة ـ عِنْدَ مَنْ يَرَى جَوَازَ ذَلِكَ مِنَ الفُقَهَاءِ ـ لَأَنَّ الاعْتِكَافَ هو الانْقِطَاعُ مُدَّةً للهِ في بيتِ الله.

 

6- رَجَاءَ الحُصُولِ عَلَى أَجْرِ الخُطُوَاتِ إلى المسْجِدِ الذي سَيُلْقِي فيه المحَاضَرَةَ [3].

 

7- رَجَاءَ الحُصُولِ عَلَى ثَوَابِ انْتِظَارِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، إذا كانَ سَيُلْقِي مُحَاضَرَتَه مثلًا مِنَ المغْرِبِ إلى العِشَاءِ، أَوْ مِنَ العَصْرِ إِلَى الَمغْرِبِ [4].

 

8- رَجَاءَ أَنْ يَهْدِي اللهُ بسببِ مُحَاضَرَتِه رَجُلًا، فَيَأْخُذَ مِثْلَ أَجْرِهِ [5].

 

9- يَنْوِي إرْشَادَ السَّائِليِنَ، وتَعْلِيمَ المحْتَاجِينَ، مِنْ خِلَالِ الرَّدِّ عَلَى أَسْئِلَةِ المسْتَفْتِينَ [6].

 

10- يَنْوِي القِيَامَ بِوَاجِبِ الأمرِ بالمعروفِ، وَالنهيِ عَنِ الُمنْكَرِ ـ بالحِكْمَةِ والموعظةِ الحسنةِ ـ إِنْ وُجِدَ مَا يَقْتَضِي ذلك.

 

11- يَنْوِي طَلَبَ النَّضْرَةِ الَمذْكُورَةِ فِي قولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «نَضَّرَ اللهُ عَبْدًا سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا وَحَفِظَهَا، ثُمَّ أَدَّاهَا إِلَى مَنْ لَمْ يَسْمَعْها»، رواه أحمدُ والتِّرْمِذِيُّ وصَحَّحَهُ الألبانيُّ في صحيحِ الجامعِ (6766).

 

ثُمَّ قَدْ يَفْتَحُ اللهُ عَلَى الُمحَاضِرِ بِنِيَّات صَالِحَةٍ أُخْرَى فَيَتَضَاعَفُ أَجْرُه لقولِ النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى»، مُتَّفَقٌ عَلَيه.

 

ثانيًا: النِّيَّاتُ الخَاصَّةُ:

1- تَنْوِي تَعْرِيفَ المسْلِمِينَ بِمَعَانِي (الكَبيرِ ـ والُمتَكَبِّرِ).

2- تَنْوِي حَثَّ المسْلِمِين عَلَى تَعْظِيمِ الله وَتَنْزِيهِهِ عَنْ كُلِّ مَا لَا يَلِيقُ بِجَلَالِهِ.

3- تَنْوِي تَحْذِيرَ المسْلِمِينَ مِنْ الكِبْرِ والتَّكَبُّرِ.

4- تَنْوِي تَحْذِيرَ المسْلِمين مِنَ الظُّلْمِ؛ لأَنَّ اللهَ قَدِيرٌ كَبِيرٌ يَنْتَقِمُ للمَظْلُومِينَ.

 

أولًا: الدِّلاَلاَتُ اللُّغَوِيَّةُ لاسْمِ (الكَبيرِ):

الكَبِيرُ في اللُّغَةِ مِنْ صِيَغِ المبَالَغَةِ، فِعْلُهُ كَبُرَ كِبَرًا وَكُبْرًا فهو كَبِيرٌ.

والكِبَرُ نَقِيضُ الصِّغَرِ كَبُرَ بالضَّمِّ يَكْبُرُ أَيْ عَظُمَ.

 

والكَبِيرُ والصَّغِيرُ مِنَ الأَسْمَاءِ الُمتَضَايِقَةِ التي تُقُالُ عِنْدَ اعْتِبَارِ بَعْضِها بِبَعْضٍ، فالشَّيْءُ قَدْ يَكُونُ صَغِيرًا فِي جَنْبِ شَيْءٍ وَكَبِيرًا فِي جَنْبِ غَيْرِهِ، وَيُسْتَعْمَلَانِ فِي الكَمِّيَّةِ المتَّصِلَةِ كالكَثِيرِ والقَلِيلِ، والمنْفَصِلَةِ كالعَدَدِ [7].

 

ويَكُونُ الكِبَرُ فِي اتِّسَاعِ الذَّاتِ وَعَظمَةِ الصِّفَاتِ نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا ﴾ [الفرقان: 52].

 

وَأَيْضًا فِي التَّعَالِي بالَمنْزِلَةِ وَالرِّفْعَةِ كَقَوْلِهِ: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُون ﴾ [الأنعام: 123].

 

والكَبِيرُ سُبْحَانَهُ هُوَ العَظِيمُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، عَظَمَتُهُ عَظَمَةٌ مَطْلَقَةٌ، وَهُوَ الَّذِي كَبُرَ وَعَلَا فِي ذَاتِهِ قَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾ [البقرة: 255].

 

رُوِيَ عَنْ عَبْدِ الله بِنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَالَ: «مَا السَّمَاوَاتِ السَّبْعُ والأَرْضُونَ السَّبْعُ فِي يَدِ الله إِلَّا كَخَرْدَلَةٍ في يَدِ أَحَدِكُمْ» [8].

 

وَهُوَ الكَبِيرُ في أَوْصَافِهِ فَلَا سَمِيَّ لَهُ ولا مَثِيلَ، ولا شَبِيهَ وَلَا نَظِيرَ، قَالَ تَعَالَى: ﴿ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ﴾ [مريم: 65].

 

وَهُوَ الكَبِيرُ فِي أَفْعَالِهِ فَعَظَمَةُ الخَلْقِ تَشْهَدُ بِكَمَالِهِ وَجَلَالِهِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿ لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [غافر: 57].

 

وَهُوَ سُبْحَانَهُ الُمتَّصِفُ بالكِبْرِيَاءِ وَمَنْ نَازَعَهُ فِي ذَلِكَ قَسَمَهُ وَعَذَّبَهُ، رَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أبي هريرةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «قَالَ اللُه تَعَالَى: العِزُّ إِزَارِي، وَالكِبْرِيَاء ردَائِي، فَمَنْ يُنَازِعُنِي عَذَّبْتُهُ» [9].

 

فَهُوَ سُبْحَانَهُ الكَبِيرُ الموْصُوفُ بالجلالِ وعِظَمِ الشَّأْنِ، وهو المنْفَرِدُ بِذَاتِهِ وصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ عَنْ كُلِّ مَنْ سِوَاهُ، فله جَمِيعُ أَنْوَاعِ العُلُوِّ المعْرُوفَةِ بَيْنَ السَّلَفِ.

 

ثانيًا: الدِّلاَلاَتُ اللُّغَوِيَّةُ لاسْمِ (الُمتكَبرِ):

المتَكَبِّرُ ذُو الكِبْرِيَاءِ وَهُوَ الَملِكُ اسْمُ فاعِلٍ للمَوْصُوفِ بالكِبْرِيَاءِ.

 

والُمتَكَبِّرُ هُوَ العَظِيمُ الُمتَعَالِي القَاهِرُ لِعُتَاةِ خَلْقِهِ، إِذَا نَازَعُوهُ العَظَمَةَ قَصَمَهُم.

 

والمتَكَبِّرُ أَيْضًا هُوَ الَّذِي تَكَبَّرَ عَنْ كُلِّ سُوءٍ، وَتَكَبَّرَ عَنْ ظُلْمِ عِبَادِهِ، وَتَكَبَّرَ عَنْ قَبُولِ الشِّرْكِ فِي العِبَادَةِ، فَلَا يَقْبَلُ مِنْهَا إلا ما كَانَ خَالِصًا لِوَجْهِهِ، رَوَى مُسْلمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ أبي هريرةَ رضي الله عنه أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ؛ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ» [10].

 

وَأَصْلُ الكِبْرِ والكِبْرِيَاءِ الامْتِنَاعُ.

 

والكبْرِيَاءُ في صِفَاتِ الله مَدْحٌ وِفِي صِفَاتِ الَمخْلُوقِينَ ذَمٌّ، فَهُوَ سُبْحَانَهُ المُتَفَرِّدُ بِالعَظَمَةِ وَالكِبْرِيَاءِ، وَكُلُّ مَنْ رَأَى العَظَمَةَ وَالعُجْبَ والكِبْرِيَاءَ لِنَفْسِهِ عَلَى الخُصُوصِ دُونَ غَيْرِهِ كَانَتْ رُؤْيَتُه خَاطِئَةً كَاذِبَةً بَاطِلَةً؛ لَأَنَّ الكِبْرِيَاءَ لا تَكُونُ إلا لله، والأَكْرَمِيَّةُ بَيْنَ العِبَادِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الأَفْضَلِيَّةِ فِي تَقْوَى الله.

 

والتَّاءُ في اسْمِ الله المتَكَبِّرِ تَاءُ التَّفَرُّدِ والتَّخَصُّصِ؛ لأَنَّ التَعاطِيَ والتَّكَلُّفَ والكِبْرَ لا يَلِيقُ بأحَدٍ مِنَ الخَلْقِ، وَإِنَّمَا سِمَةُ العَبْدِ الخُضُوعُ والتَّذَلُّلُ؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ ﴾ [الزمر: 60].

 

وَقَالَ مُوسَى: ﴿ وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ ﴾ [غافر: 27].

 

وَقَالَ سُبْحَانَهُ أَيْضًا: ﴿ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ ﴾ [غافر: 35].

 

وَعِنْدَ الترمِذِيِّ وحَسَّنَهُ الألبانيُّ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِوٍ بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يُحْشَرُ الُمتَكَبِّرُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ أَمْثَالَ الذَّرِّ فِي صُوَرِ الرِّجَالِ يَغْشَاهُمُ الذُّلُّ مِنْ كُلِّ مَكَان، فَيُسَاقُونَ إِلَى سِجْنٍ فِي جَهَنَّمَ يُسَمَّى بُولَسَ تَعْلُوهُمْ نَارُ الأَنْيَارِ ُيسْقَوْنَ مِنْ عُصَارَةِ أَهْلِ النَّارِ طِينَةَ الخَبَالِ» [11].

 

وَعِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَدْخُلُ الجَنَّة مَنْ كَانَ في قَلبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّة مِنْ كِبْرٍ»، قَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنًا، قَالَ: «إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمَالَ الْكِبْرُ بَطَرُ الحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ» [12].

 

ثالثًا: وُرُودُ الاسْمَينِ فِي القُرْآنِ الكَرِيمِ

سَمَّى اللهُ ـ نَفْسَهُ رضي الله عنهما (الُمتَكَبِّرِ) فِي آيةٍ واحِدَةٍ مِنَ القُرْآنِ الكَرِيمِ؛ فِي قَوْلِهِ: ﴿ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [الحشر: 23].

 

وَأَمَّا اسْمُهُ (الكَبِيرُ) فَقَدْ وَرَدَ فِي سِتَّةِ مَوَاضِعَ مِنَ القُرْآنِ الكَرِيمِ؛ مِنْهَا:

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ ﴾ [الرعد: 9].

 

وَقَوْلُه: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ﴾ [الحج: 62].

 

وَقَدْ جَاءَ مُقْتَرِنًا بِاسْمِهِ (العَلِيِّ) و(الُمتَعَالِ).


رابعًا: مَعْنَى الاسْمَيْنِ فِي حَقِّ الله تَعَالَى

قَالَ قَتَادَةُ: «(الُمتَكَبِّرُ) أَيْ: تَكَبَّرَ عَنْ كُلِّ شَرٍّ»[13].

 

وَقِيلَ: (الُمتَكَبِّرُ) هو الذي تَكَبَّرَ عَنْ ظُلْمِ عِبَادِهِ، وَهُوَ يَرْجِعُ إِلَى الأَوَّلِ[14].

 

وَقَالَ الخَطَّابِيُّ: «هو الُمتَعَالِي عَنْ صِفَاتِ الخَلْقِ، ويُقَالُ: هُوَ الذي يَتَكَبَّرُ عَلَى عُتَاةِ خَلْقِهِ إِذَا نَازَعُوهُ العَظَمَةَ»[15].

 

وَقَالَ القُرْطُبِيُّ: «(الُمتَكَبِّرُ) الذي تَكَبَّرَ بِرُبُوبِيَّتِهِ فَلَا شَيْءَ مِثْلُهُ، وَقِيلَ: (الُمتَكَبِّرُ) عَنْ كُلِّ سُوءٍ، الُمتَعَظِّمُ عَمَّا لَا يَلِيقُ بِهِ مِنْ صِفَاتِ الحَدَثِ وَالذَّمِّ، وَأَصْلُ الكِبْرِ والكِبْرِيَاءِ الامْتِنَاعُ وَقِلَةُ الانْقِيَادِ، قَالَ حُمَيْدٌ بْنِ ثَوْرٍ:

عفت مِثْلَ مَا يَعْفُو الفَصِيلُ فَأَصْبَحَتْ
بَهَا كِبْرِيَاءُ الصَّعْبِ وهي ذَلُولُ[16]

وَقَالَ عَبْدُ الله النَّسَفَي: «هُوَ البَلِيغُ الكِبْرِيَاءِ والعَظَمَةِ»[17].

 

وَأَمَّا مَا قَالَهُ العُلَمَاءُ في مَعْنَى اسْمِهِ (الكَبِيرِ) فَإِنَّهُ مُشَابِهٌ لِـمَا ذَكَرْنَا مِنْ مَعْنَى (الُمتَكَبَّرِ).

 

قَالَ ابنُ جَرِيرٍ: «(الكَبِيرُ) يَعْنِي العَظِيمَ الذي كُلُّ شَيْءٍ دُونَهُ ولا شَيْءَ أَعْظَمُ مِنْهُ»[18].

 

وَقَالَ الخَطَّابِيُّ: «(الكَبِيرُ) هُوَ الُموْصُوفُ بالجَلَالِ وكِبَرِ الشَّأْنِ فَصَغُرَ دُونَ جَلَالِهِ كُلُّ كَبِيرٍ، ويُقَالُ: هُوَ الَذِي كَبُرَ عَنْ شِبَهِ الَمخْلُوقِينَ» [19].

 

وعلى هذا يَكُونُ مَعْنَى (الُمتَكَبِّرِ) و(الكَبِيرِ):

1- الذي تَكَبَّرَ عَنْ كُلِّ سُوءٍ وَشَرٍّ وَظُلْمٍ.

2- الذي تَكَبَّرَ وَتَعَالَى عَنْ صِفَاتِ الخَلْقِ فَلَا شَيْءَ مِثْلُه.

3- الذي كَبُرَ وَعَظُمَ فَكُلُّ شَيْءٍ دُونَ جَلَالِهِ صَغِيرٌ وَحَقِيرٌ.

4- الذي لَهُ الكِبْرِيَاءُ في السَّمَواتِ والأَرْضِ أَيْ: السُّلْطَانُ والعَظَمَةُ.

 

خامسًا: ثَمَرَاتُ الإِيمَانِ بهذين الاسْمَينِ:

1- إنَّ اللهَ أَكْبَرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وأَكْبَرُ مِنْ أَنْ يُعْرَفَ كُنْهُ كِبْرِيَائِهِ وَعَظَمَتِهِ وَأَكْبَرُ مِنْ أَنْ نُحِيطَ بِهِ عِلْمًا، قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا ﴾ [طه: 110]، فَاللُه جَلَّتْ عَظَمَتُهُ أَكْبَرُ مَنْ أَنْ نَعْرِفَ كَيْفِيَّةَ ذَاتِهِ أَوْ صِفَاتِهِ؛ وَلِذَلِكَ نُهِينَا عَنِ التَّفَكُّرِ في الله لأَنَّنَا لَنْ نُدْرِكَ ذَلِكَ بِعُقُولِنَا الصَّغِيرَةِ القَاصِرَةِ الَمحْدُودَةِ، فَقَدْ قَالَ صلى الله عليه وسلم: «تَفَكَّرُوا في آلاءِ الله، ولا تَفَكَّرُوا فِي الله تعالى»[20].

 

وَقَدْ وَقَعَ الفَلَاسِفَةُ فِي ذَلِكَ وَحَاوَلُوا أَنْ يُدْرِكُوا كَيْفِيَّةَ وَمَاهِيَّةَ رَبِّهم بِعُقُولِهم فَتَاهُوا وَضَلُّوا ضَلَالًا بَعِيدًا، وَلَمْ يَجْنُوا سِوَى الحَيْرَةِ والتَّخَبُّطِ والتَّنَاقُضِ فيما سَطَّرُوه من الأَقْوَالِ وَالمُعْتَقَدَاتِ.

 

فَمَنْ أَرَادَ مِعْرِفَةَ رَبِّهِ وَصِفَاتِهِ فَعَلَيْهِ بِطَرِيقِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم؛ لأَنَّهُ أَعْلَمُ الخَلْقِ بالله وَصِفَاتِهِ، فَعَلَيْهِ أُنْزِلَ الكِتَابُ العَزِيزُ الذي لا تَكَادُ الآيَةُ مِنْهُ تَخْلُو مِنْ صِفَةٍ لله سُبْحَانَهُ سَوَاءً كَانَتْ ذَاتِيَّةً أَوْ فِعْلِيَّةً أَوِ اسْمًا مِنْ أَسَمَائِهِ الحُسْنَى، وَعَلَيْهِ أَيْضًا أُنْزِلَتِ السُّنْةُ الشَّارِحَةُ والمُفَصِّلَةُ للكِتَابِ، فَطَرِيقُه صلى الله عليه وسلم هُوَ الطَّرِيقُ الأَسْلَمُ وَمَنْهَجُه هُوَ الَمنْهَجُ الأَقْوَمُ، فَمَنِ اتَّبَعَهُ كَانَ مِنَ النَّاجِينَ، ولذلك بَيَّنَ فِي الحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ الفِرْقَةَ النَّاجِيَةَ هِيَ مَا كَانَ عَلَيْهِ هُوَ وأَصْحَابِهِ ـ رِضْوَانُ الله عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ ـ في المُعْتَقَدِ والعِبَادَةِ وَالسُّلُوكِ.

 

2- إِنَّ التَّكَبُّرَ لَا يَلِيقُ إِلَّا بِهِ، فَصِفَةُ السَّيِّدِ التَّكَبُّرُ والتَّرَفُّعُ، وأَمَّا العَبْدُ فَصِفَتُه التَّذَلُّلُ وَالخُشُوعُ والخُضُوعُ.

 

وَقَدْ تَوَعَّدَ اللهُ سُبْحَانَهُ الُمتَكَبِّرِينَ بِأَشَدِّ العَذَابِ يَوْمَ القِيَامَةِ قَالَ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى: ﴿ وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ ﴾ [الأحقاف: 20].

 

وَقَالَ: ﴿ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ ﴾ [الزمر: 60].

 

وَاسْتِكْبَارُهم هذا: هو رَفْضُهم الانْقِيَادَ لله ولأوامِرِه ورَفْضِهم عِبَادَةَ رَبِّهم كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ ﴾ [الصافات: 35].

 

فَرَفَضُوا الإِذْعَانَ لِكَلِمَةِ التَّوْحِيدِ، وَقَوْلُه سُبْحَانَهُ: ﴿ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْمًا مُجْرِمِينَ ﴾ [الجاثية: 31]، يُبَيِّنُ أَنَّهُمْ رَفَضُوا الحَقَّ الذِي جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ وَرَدُّوهُ وَلَمْ يَقْبَلُوهُ، وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: ﴿ قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ ﴾ [الشعراء: 111]، يُبَيِّنُ أَنَّهُمْ احْتَقَرُوا أَتْبَاعَ الرُّسُلِ لِكَوْنِهم مِنْ ضَعَفَةِ النَّاسِ وَفُقَرَائِهم فَلَمْ يَدْخُلُوا في جَمَاعَتِهم وَلَمْ يُشَارِكُوهم في الإِيمَانِ بِمَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ [21].

 

وَكَانَ الكِبْرُ سَبَبًا للطَّبْعِ عَلَى قُلُوبِهم فَلَمْ تَعُدْ تَعْرِفُ مَعْرُوفًا ولا تُنْكِرُ مُنْكَرًا، قَالَ تَعَالَى: ﴿ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ ﴾ [غافر: 35].

 

فَالحَاصِلُ أَنَّ الكِبْرَ كَانَ سَبَبًا فِي هَلَاكِ الأُمَمِ السَّابِقَةِ، بل كَانَ السَّبَبُ فِي هَلَاكِ إِبْلِيسَ عليه لَعْنَةُ الله وطَرْدِهِ مِنْ رَحْمَةِ الله أَنَّهُ أَبَى أَنْ يَسْجُدَ لِآدَمَ صلى الله عليه وسلم واسْتَكْبَرَ عَلَى أَمْرِ رَبِّهِ سُبْحَانَهُ، قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 34].

 

3- وَلَا يَكَادُ يَخْلُو طَاغِيَةٌ فِي الأَرْضِ مِنْ هَذَا الَمرَضَ العُضَالِ الذي كَثُرَتِ الآياتُ فِيهِ وَالأَحَادِيثُ الُمحَذِّرَةُ مِنْهُ وَالآمِرَةُ بالتَّوَاضُعِ، وَدَوَاؤُه أَنْ يَتَذَكَّرَ العَبْدُ دَوْمًا أَنَّه لا حَوْلَ لَهُ وَلَا قُوَّةَ إلا بِرَبِّه وأَنَّ اللهَ هُوَ الكَبِيرُ الُمتَعَال عَلَى الخَلْقِ أَجْمَعِينَ، القَادِرُ على الانْتِقَامِ مِنَ الأَقْوِيَاءِ للضُّعَفَاءِ والمَسَاكِينَ كَمَا جَاءَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ﴾ [النساء: 34]؛ أَيْ: وَالنِّسَاءُ اللاتِي تَتَخَوَّفُونَ أَنْ يَعْصِينَ أَزْوَاجَهُن فَذَكِّرُوهُنَ بالله فَإِنْ هِي رَجَعَتْ وَإِلَّا هَجَرَهَا، فَإِنْ أَقْبَلَتْ وَإِلَّا ضَرَبَها ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، فَإِذَا أَطَاعَتِ الَمرْأَةُ زَوْجَهَا فِي جَمِيعِ مَا يُرِيدُه منها مِـمَّا أَبَاحَهُ اللهُ فَلَا سَبِيلَ له عليها، وَقَوْلُهُ: ﴿ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ﴾: تَهْدِيدٌ للرِجَالِ إِذَا بَغَوا على النِّسَاءِ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ فَإِنَّ اللهَ العَلِيَّ الكَبِيرَ وَلِيُّهُنَ، وَهُوَ مُنْتَقِمٌ مِـمَّنْ ظَلَمَهُنَ وَبَغَى عَلَيْهِنَ[22].

 

فَذَكَّرَ اللهُ الرِّجَالَ بِأَنَّهُ هَوُ العَلِّيُّ الكَبِيرُ لِيُحَذِّرَهُمْ مِنَ الظُّلْمِ والتَّكَبُّرِ والطُغْيَانِ على الَمرْأَةِ الضَّعِيفَةِ.

 

4- والكِبْرُ يَمْنَعُ أَيْضًا من طَلَبِ العِلْمِ والسُّؤَالِ عَنْهُ؛ لأَنَّ الُمتَكَبِّرَ يَتَرَفَّعُ عَنِ الجُلُوسِ بَيْنَ يَدَي العَالِم لِلتَّعَلُّمِ وَيَرَى أَنْ فِي ذَلِكَ مَهَانَةً لَهُ، وَيُؤْثِرُ البَقَاءَ عَلَى الجَهْلِ فَيَجْمَعُ بَيْنَ الكِبْرِ والجَهْلِ، بَلْ قَدْ يُجَادِلُ وَيُنَاقِشُ وَيَخُوضُ فِي المسَائِلِ بِدُونِ عِلْمٍ حَتَّى لَا يُقَالَ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ فَيَصْغُرُ عِنْدَ النَّاسِ، قَالَ تَعَالَى ذِكْرُه: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ * ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ ﴾ [الحج: 8، 9]؛ أَيْ: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي الله بِغَيْرِ عِلْمٍ صَحِيحٍ ولا نَقْلٍ صَرِيحٍ بَلْ بِمُجَرَّدِ الرَّأْيِ والَهوَى وإذا دُعِيَ إِلَى الحَقِّ ثَنَى عِطْفَه أَيْ: لَوَى رَقَبَتَه مُسْتَكْبِرًا عَمَّا يُدْعَى إِلَيْهِ مِنَ الحَقِّ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾ [لقمان: 18]، فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ له في الدُّنْيَا الخِزْيَ وهو الإهَانَةُ وَالذُّلُّ لَأَنَّهُ اسْتَكْبَرَ عَنْ آيَاتِ الله فَجُوزِيَ بِنَقْيضِ قَصْدِهِ وَلَهُ فِي الآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ الُمحْرِقَةِ.

 

وَنَحْوُه قَالَ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [غافر: 56].

 

وَقَدْ ذَمَّ السَّلَفُ الكِبْرَ فِي العِلْمِ؛ فَمِنْ أَقْوَالِهم:

مَنْ أُعْجِبَ بِرَأْيِهِ ضَلَّ، وَمَنِ اسْتَغْنَى بِعَقْلِهِ زَلَّ، وَمَنْ تَكَبَّرَ عَلَى النَّاسِ ذَلَّ، وَمَنْ خَالَطَ الأَنْذَالَ حَقُرَ، وَمَنْ جَالَسَ العُلَمَاءَ وَقُرَ.

 

وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بنُ الأَشْعثِ: سَأَلْتُ الفُضَيلَ بنَ عِياضٍ عَنِ التَّوَاضُعِ فَقَالَ: «أَنْ تَخْضَعَ للحَقِّ وَتَنْقَادَ له مِمَّنْ سَمِعْتَه وَلَوْ كَانَ أَجْهَلَ النَّاسِ لَزِمَك أَنْ تَقْبَلَه مِنْهُ».

 

وَقَالَ سَعِيدٌ بْنُ جُبيرٍ: «لَا يَزَالُ الرَّجُلُ عَالمًا مَا تَعَلَّمَ فَإِذَا تَرَكَ التَّعَلُّمَ وَظَنَّ أَنَّهَ قَدِ اسْتَغْنَى واكْتَفَى بِمَا عِنْدَهُ فَهُوَ أَجْهَلُ مَا يَكُونُ».

 

وَنَبِيُّ الله مُوسَى عَلَيه الصلاةُ والسلامُ لَمْ تَمْنَعْه مَنْزِلَةُ النُّبُوَّةِ مِنْ أَنْ يَطْلُبَ العِلْمَ مِـمَّنْ هو دُونَه فَقَالَ للخَضِرِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ والسَّلَامُ: ﴿ قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا ﴾ [الكهف: 66].

 

وَلَمْ يَزَلْ عُلَمَاءُ السَّلَفِ يَسْتَفِيدُون مِنْ طَلَبَتِهم مَا ليسَ عِنْدَهُمْ، قَالَ الحُمَيْدِيُّ وَهُوَ تِلْمِيذُ الشَّافِعِيِّ: صَحِبْتُ الشَّافِعِيَّ مَنْ مَكَّةَ إِلَى مِصْرَ فَكُنْتُ أسْتَفِيدُ مِنْهُ الَمسَائِلَ وَكَانَ يَسْتَفِيدُ مِنِّي الحَدِيثَ.

 

وَقَالَ أَحْمَدُ بِنْ حَنْبلِ: قَالَ لَنَا الشَّافِعِيُّ أنَتُمْ أَعْلَمُ بِالحَدِيثِ مِنِّي فإذا صَحَّ عِنْدَكم الحَدِيثُ فَقُولُوا لَنَا حَتَى آخُذَ به.

 

وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ القَائِلِ:

لَيْسَ العَمَى طُولَ السُّؤَالِ وَإِنَّمَا
تَمَامُ العَمَى طُولُ السُّكُوتِ عَلَى الجَهلِ[23]


[1] رَوَى مسلمٌ عن أبي هريرةَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: «ما اجْتَمَعَ قَوْمٌ في بيتٍ مِنْ بِيوتِ الله، يَتْلُونَ كِتابَ الله ويَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلا نزلتْ عَليهم السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُم الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُم الملائكةُ، وَذَكَرَهُم اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ».

[2] َروَى الإمامُ أَحمدُ وصَحَّحَهُ الألبانيُّ في صحيحِ الجامعِ (5507) عن أنسِ بنِ مالكٍ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا اجْتَمَعَ قَومٌ عَلَى ذِكْرٍ، فَتَفَرَّقُوا عنه إلا قِيلَ لَهُمْ قُومُوا مَغْفُورًا لَكُم»، ومَجَالِسُ الذِّكْرِ هِيَ المجالسُ التي تُذَكِّرُ بِالله وبآياتهِ وأحكامِ شرعهِ ونحو ذلك.

[3] في الصحيحين عن أبي هريرة أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ غَدَا إلى المسْجِدِ أَوْ رَاحَ أَعَدَّ اللهُ له في الجنةِ نُزُلًا كُلَّمَا غَدَا أو رَاحَ».

وفي صحيح مُسْلِمٍ عَنْه أيضًا أَنَّ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ تَطَهَّرَ في بيتهِ ثُمَّ مَضَى إلى بيتٍ مِنْ بيوتِ الله لِيَقْضِيَ فَرِيضَةً مِنْ فَرَائِضِ الله كانتْ خُطُواتُه: إِحدَاها تَحطُّ خَطِيئَةً، والأُخْرَى تَرْفَعُ دَرجةً».

[4] رَوَى البخاريُّ ومُسْلِمٌ عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ في صَلَاةٍ مَا دَامَتِ الصَّلَاةُ تَحْبِسُه، لا يَمْنَعُه أَنْ يَنْقَلِبَ إِلى أهلهِ إلا الصلاةُ».

ورَوَى البُخَاريُّ عَنه أنَّ رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الملائكةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكم مَا دامَ في مُصَلَّاهُ الذي صَلَّى فيه، مَا لَمْ يُحْدِثْ، تَقُولُ: اللهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللهُمَّ ارْحَمْه».

[5]، (4) رَوَى البخاريُّ ومُسْلِمٌ عَنْ سَهْل بْنِ سَعْدٍ أَن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لعلي بنِ أبي طالبٍ: «فوالله لأنْ يَهْدِي اللهُ بك رَجُلًا واحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النِّعَمِ».

رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ دَعَا إلى هُدَىً كَانَ لَه مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَه، لا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهم شيئًا».

[6] رَوَى التِّرْمِذِيُّ وصحَّحَه الألبانيُّ عن أبي أمامةَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إنَّ اللهَ وملائكتَه، حتى النملةَ فِي جُحْرِها، وحتى الحوتَ في البحرِ لَيُصَلُّون عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الخيرَ»، وَصلاةُ الملائكةِ الاسْتِغْفَارُ.

[7] لسان العرب (5/125)، ومفردات ألفاظ القرآن (ص: 696).

[8] تفسير الطبري (24/25).

[9] مسلم (2620).

[10] مسلم كتاب الزهد والرقائق باب من أشرك في الله، وفي نسخة باب تحريم الرياء (4/2289) (2986).

[11] حسن: أخرجه الترمذي (2492) وقال: حسن صحيح.

[12] أخرجه مسلم (91).

[13] رواه الطبري (28/37) عنه بإسناد صحيح.

[14] انظر: الطبري (28/37)، وابن كثير (4/343).

[15] شأن الدعاء (ص: 48)، والاعتقاد (ص: 55).

[16] القرطبي (18/47)، وفتح القدير (5/208).

[17] تفسير النسفي (4/245).

[18] جامع البيان (13/75)، (17/137)، وانظر: ابن كثير (2/503)، (3/232)، والشوكاني (3/68).

[19] شأن الدعاء (ص: 66).

[20] رواه الطبراني في الأوسط، واللالكائي في السنة (2/525)، والبيهقي في الشعب (120)، وأبو نعيم في الحلية (6/66-67)، وقد حسنه الألباني / بمجموع طرقه، انظر: السلسلة الصحيحة (1788).

[21] وهذا كله يبينه حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذرةٍ مِنْ كِبْرٍ»، قَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنَةً ونَعْلُهُ حَسَنَةً، قَالَ: «إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمَالَ، الكِبْرُ بَطَرُ الحَقِّ وَغَمْطُ الناس»، رواه مسلم (91) وغيره عن عبد الله بن مسعود.

فوضح صلى الله عليه وسلم الكبر بأنه بطر الحق أي: دفعه وإنكاره تكبرًا وترفعًا وتجبرًا، وغمط الناس أي: احتقارهم وازدراؤهم.

[22] تفسير ابن كثير (2/491-492).

[23] انظر فيما سبق: جامع بيان العلم وفضله 1/171-175، وتذكرة السامع والمتكلم ص: 28-29.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • القوي - المتين جل جلاله، وتقدست أسماؤه (1)
  • القهار - القاهر جل جلاله، وتقدست أسماؤه
  • القدوس جل جلاله، وتقدست أسماؤه
  • القريب جل جلاله وتقدست أسماؤه
  • القوي المتين جل جلاله، وتقدست أسماؤه (2)
  • القيوم جل جلاله وتقدست أسماؤه
  • الكافي جل جلاله، وتقدست أسماؤه (2)
  • المبين جل جلاله وتقدست أسماؤه
  • المجيب جل جلاله وتقدست أسماؤه

مختارات من الشبكة

  • تحريم ادعاء بنوة الله أو محبته جل جلاله وتقدست أسماؤه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الوتر جل جلاله، وتقدست أسماؤه (2)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الواسع جل جلاله، وتقدست أسماؤه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الوارث جل جلاله، وتقدست أسماؤه (2)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • النور جل جلاله وتقدست أسماؤه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الناصر- النصير جل جلاله، وتقدست أسماؤه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المقدم – المؤخر جل جلاله، وتقدست أسماؤه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المهيمن جل جلاله، وتقدست أسماؤه (2)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المنان جل جلاله، وتقدست أسماؤه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الملك - المالك - المليك جل جلاله وتقدست أسماؤه(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 18/11/1446هـ - الساعة: 8:24
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب