• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: المخدرات والمسكرات
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    {وما النصر إلا من عند الله} ورسائل للمسلمين
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرزاق، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    الأحق بالإمامة في صلاة الجنازة
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    فضل الصبر على المدين
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    تفسير قوله تعالى: { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ...
    سعيد مصطفى دياب
  •  
    محاسن الإرث في الإسلام (خطبة)
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    تفسير: (لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنتان عن يمين ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    علامات الساعة (2)
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    ما جاء في فصل الصيف
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    أحكام التعاقد بالوكالة المستترة وآثاره: دراسة ...
    د. ياسر بن عبدالرحمن العدل
  •  
    خطبة: أم سليم ضحت بزوجها من أجل دينها (1)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    خطبة: التربية على العفة
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    حقوق الأولاد (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    التلاحم والتنظيم في صفوف القتال في سبيل الله...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أسس التفكير العقدي: مقاربة بين الوحي والعقل
    الشيخ حذيفة بن حسين القحطاني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / عقيدة وتوحيد
علامة باركود

العلي - الأعلى - المتعال جل جلاله، وتقدست أسماؤه

العلي - الأعلى - المتعال جل جلاله، وتقدست أسماؤه
الشيخ وحيد عبدالسلام بالي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 21/1/2024 ميلادي - 10/7/1445 هجري

الزيارات: 2358

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الْعَلِيُّ - الْأَعْلَى - الْمُتَعَالِ

جَلَّ جَلَالُهُ، وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ


الدِّلَالَاتُ اللُّغَوِيَّةُ لاِسْمِ (العَلِي):

الْعَلِيُّ فِي اللُّغَةِ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعلٍ، صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ للمَوْصُوفِ بالعُلُوِّ، فِعْلُهُ عَلا يَعْلُو عُلُوًّا.

والعُلُوُّ ارْتِفَاعُ المَكَانِ أَوِ ارْتِفَاعُ المَكَانَةِ...

 

فَمِنْ عُلُوِّ المَكَانِ: مَا وَرَدَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ زُهَيْرٍ رضي الله عنه؛ أنَّهُ قَالَ: لمَّا نَزَلَتْ: ﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ﴾ [الشعراء: 214] انْطَلَقَ نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى رَضْمَةٍ مِنْ جَبَلٍ فَعَلَا أَعْلَاهَا حَجَرًا، ثُمَّ نَادَى: «يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافَاهُ، إِنِّي نَذِيرٌ»[1]، وَعِنْدَ البُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أنسٍ رضي الله عنه مَرْفُوعًا: فَعَلَا بِهِ إِلَى الْجَبَّارِ، فَقَالَ وَهُوَ مَكَانَهُ: «يَا رَبِّ خَفِّفْ عَنَّا فَإِنَّ أمَّتِي لَا تَسْتَطِيعُ هَذَا»[2].

 

أمَّا العُلُوُّ بِمَعْنَى عُلُوِّ الرِّفْعَةِ والمَجْدِ، أَوِ الشَّرَفِ والمَكَانَةِ، فَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ ﴾ [محمد: 35].

 

وعَلَا فِي الأَرْضِ واسْتَعْلَى الرَّجُلُ: عَلَا وَتَكَبَّرَ.

 

وَالعَليَاءُ كُلُّ مَكَانٍ مُشْرِفٍ، والعَلَاءُ والعُلَا الرِّفْعَةُ وَالشَّرَفُ[3].

 

وَالعَلِيُّ فِي أَسْمَاءِ اللهِ هُوَ الَّذِي عَلَا بِذَاتِهِ فَوْقَ جَمِيعِ خَلْقِهِ، فاسْمُ اللهِ العَلِيُّ دَلَّ عَلَى عُلُوِّ الذَّاتِ وَالفَوْقِيَّةِ، وَكَثِيرٌ مِنَ الَّذِينَ شَرَحُوا الأَسْمَاءَ حَاوَلُوا بِكُلِّ سَبِيلٍ تَفْسِيرَ العُلُوِّ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ اِسْمُهُ العَلِيُّ بِعُلُوِّ المَكَانَةِ وَالمَنْزِلَةِ فَقَط، إِمَّا هَرَبًا مِنْ إِثْبَاتِ عُلُوِّ الذَّاتِ وَالفَوْقِيَّةِ أَوْ تَعْطِيلًا صَرِيحًا لَهُ.

 

وَالَّذِي عَلَيْهِ السَّلَفُ الصَّالِحُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالأَئِمَّةِ الأَجِلَّاءِ المُتَّبِعِينَ؛ أَنَّ اللهَ عز وجل عَالٍ عَلَى عَرْشِهِ بِذَاتِهِ، وَبِكَيفِيَّةٍ حَقِيقِيَّةٍ مَعْلُومَةٍ للهِ مَجْهُولَةٍ لَنَا، لَا يُنَازِعُ أَحَدٌ مِنْهُم فِي ذَلِكَ، وَلَا يَمنَعُ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ رَبِّهِ أَيْنَ هُوَ؟ وَأَدِلَّةُ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ تَشْهَدُ بِلَا لَبْسٍ أَوْ غُمُوضٍ عَلَى ذَلِكَ.

 

وَدَائِمًا مَا يَقْتَرِنُ اسْمُ اللهِ العَلِيُّ بِاسْمِهِ العَظِيمِ، وَأَيْضًا عِنْدَمَا يُذْكَرُ العَرْشُ وَالكُرْسِيُّ، فَفِي آَيَةِ الكُرْسِيِّ - أَعْظَمُ آيَةٍ فِي كِتابِ اللهِ - بَعْدَ أَنْ قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ﴾، قَالَ: ﴿ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾ [البقرة: 255].

 

ولمَّا ذَكَرَ عُلُوَّهُ فَقَالَ: ﴿ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ﴾، ذَكَرَ بَعْدَهُ العَرْشَ بِكَرَمِهِ وَسِعَتِهِ فَقَالَ: ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ﴾ [المؤمنون: 116].

 

وَلمَّا ذَكَرَ إِعْرَاضَ الخَلْقِ عَنْ عِبَادَتِهِ، أَعْلَمَ نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم فِي أَعْقَابِ ذَلِكَ؛ أَنَّهُ المَلِكُ الَّذِي لَا يَزُولُ عَنْ عَرْشِهِ بإِعْرَاضِ الرَّعِيَّةِ فِي مَمْلَكَتِهِ كَشَأْنِ المُلُوكِ مِنْ خَلْقِهِ؛ لَأَنَّهُ المُسْتَغْنِي بِذَاتِهِ المَلِكُ فِي اسْتِوَائِهِ، لَا يَفْتَقِرُ إِلَى أَحَدٍ فِي قِيَامِ مُلْكِهِ أَوِ اسْتِقْرَارِهِ، فَقَالَ لِنَبِيّهِ صلى الله عليه وسلم: ﴿ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ﴾ [التوبة: 129].

 

وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا ﴾ [الإسراء: 42]، فَلَو كَانَتْ هَذِهِ آلِهةً عَلَى الحَقِيقَةِ لَنَازَعُوا الحَقَّ فِي عَلْيَائِهِ حَتَى يَتَحَقَّقَ مُرَادُ الأَقْوَى مِنْهم وَيَعْلُو كإِلهٍ وَاحِدٍ، وَهَذَا مَعْلُومٌ بِدَلِيلِ التَّمَانُع[4]، أَوْ لَو أَنَّه اتَّخَذَهُمْ آلِهةً واصْطَفَاهُم لَطَلَبُوا قُرْبَهُ والعُلُوَّ عِنْدَه؛ لِعِلْمِهِم أَنَّه العَلِيُّ عَلَى خَلْقِهِ[5].

 

فَهَذِه الآيَاتُ وَاضِحَةٌ فِي إِثْبَاتِ عُلُوِّ الذَّاتِ وَالفَوْقِيَّةِ، وَغَيْرُهَا كَثِيرٌ، لَكِنَّ كَثِيرًا مِنَ المُفَسِّرِينَ لِاسْمِ اللهِ العَليِّ جَعَلُوهُ دَالًّا عَلَى مَعْنَيَينِ فَقَطْ مِنْ مَعَانِي العُلُوِّ، وَهُمَا: عُلُوُّ الشَّأْنِ، وَعُلُوُّ القَهْرِ، وَاسْتَبْعَدُوا المَعْنَى الثَّالِثَ وَهُوَ: عُلُوُّ الذَاتِ وَالفَوْقِيَّةِ.

 

وَالثَّابِتُ الصَّحِيحُ أَنَّ مَعَانِي العُلُوِّ عِنْدَ السَّلَفِ الصَّالِحِ ثَلَاثَةُ مَعَانٍ دَلَّتْ عَلَيهَا أَسْمَاءُ اللهِ المُشْتَقَّةُ مِنْ صِفَةِ العُلُوِّ؛ فَاسْمُ اللهِ العَلِيُّ دَلَّ عَلَى عُلُوِّ الذَّاتِ، وَاسْمُهُ الأَعْلَى دَلَّ عَلَى عُلُوِّ الشَّأْنِ، وَاسْمُهُ المُتَعَالِ دَلَّ عَلَى عُلُوِّ القَهْرِ.

 

والمُتَكَلِّمُونَ أَصْحَابُ الطَّرِيقَةِ العَقْلِيَّةِ والأَقْيِسَةِ فِي وَصْفِ الذَّاتِ الإِلَهِيَّةِ يَنْفُونَ عَنِ اللهِ عُلُوَّ الذَّاتِ وَالفَوْقِيَّةِ؛ لأَنَّهُ عِنْدَهُمْ يَدُلُّ عَلَى إِثْبَاتْ المَكَانِ للهِ، وَمَا كَانَ فِي مَكَانٍ فَهُوَ مَحْصُورٌ فِيهِ، وَلِذَلِكَ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمْ بِحَالٍ مِنَ الأَحْوَالِ أَنْ يُسْأَلَ عَنِ اللهِ بِأَيْنَ...

 

وَهَذَا مُخَالِفٌ لِصَرِيحِ السُّنَّةِ؛ فَقَدْ ثَبَتَ فِي حَدِيثِ الْجَارِيَةِ الَّذي رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ الحَكَمِ رضي الله عنه؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَها: «أَيْنَ اللهُ؟»، قَـالَتْ: فِي السَّمَـاءِ، قَـالَ: «مَـنْ أَنَا؟»، قَالَتْ: أَنْتَ رَسُـولُ اللهِ، قَـالَ: «أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ»[6].

 

وَهَذا الحَدِيثُ مَعَ وُضُوحِهِ كالشَّمْسِ فِي أَنَّ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم سَأَلَ عَنِ اللهِ بِأَيْنَ سُؤَالًا لَا لَبْسَ فِيهِ وَلَا غُمُوضَ، إِلَّا أَنَّ الكَثِيرِينَ مِنَ المُتَكَلِّمِينَ تَأْبَى أَنْفُسُهُم إِثْبَاتَهُ؛ لِأَنَّ أَيْنَ هُنَا يَتَصَوَّرُونَ مِنْها المَكَانَ الَّذِي فِي عَالَمِ الشَّهَادَةِ، وَالَّذِي يَخْضَعُ لِلأَقْيِسَةِ التَّمْثِيلِيَّةِ وَالشُّمُولِيَّةِ، أَمَّا المَكَانُ ذُو الكَيْفِيَّةِ الغَيْبِيَّةِ الَّذِي لَا يَعْلَمُ خَصَائِصَهُ إِلَّا اللهُ فَهَذَا لَا اعْتِبَارَ لَهُ عِنْدَهم، وَلِذَلِكَ فَإِنَّ عَقِيدَةَ السَّلَفِ تُفَرِّقُ بَيْنَ نَوْعَينِ مِنَ المَكَانِ:

الأَوَّلُ: مَا كَانَ مَحْصُورًا بِالمَحَاوِرِ الفَرَاغِيَّةِ المَعْرُوفَةِ فِي مُحِيطِ المَخْلُوقَاتِ المَشْهُودَةِ، وَالَّذِي يَخْضَعُ لِأحْكَامِنَا العَقْلِيَّةِ وَلِأَقْيِسَتِنَا المَنْطِقِيَّةِ، فَمَكَانُ الشَيءِ يُحَدَّدُ فِي المَقَايِيسِ الْحَدِيثَةِ بِاعْتِبَارِ ثَلَاثَةِ مَحَاوِرٍ رَئِيسِيَّةٍ مُتَعَامِدَةٍ، اِثْنَانِ يُمَثِّلَانِ المُسْتَوَى الْأُفُقِيَّ المُوَازِيَ لِسَطْحِ الأَرْضِ، والثَّالِثُ يُمَثِّلُ الارْتِفَاعَ عَنْ ذَلِكَ المُسْتَوَى، وَأَجْسَامُ الدُّنْيَا يُحَدَّدُ مَكَانُها بِمَدَى الارْتِفَاعِ فِي المِحْوَرِ الرَّأْسِيِّ عَنْ مُسْتَوَى الِمحْوَرَينِ الأُفُقِيَّيْنِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذِهِ المَقَاييسَ المَكَانِيَّةَ لَا تَصْلُحُ بِحَالٍ مَا فِي قِيَاسِ مَا هُوَ خَارِجٌ عَنْ مُحِيطِ الْعَالَمِ، فَضْلًا عَنْ قِيَاسِ الأَشْيَاءِ الدَّقِيقَةِ كَـ (الإِلكْتُرونِ) فِي دَوَرانِه حَوْلَ نَواةِ الذَّرَّةِ؛ فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ مَحَاوِرَهُ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثَةٍ بِكَثِيرٍ.

 

الثَّانِي: يُرَادُ بِهِ المَكَانُ الغَيبِيَّ الَّذِي يَخْرُجُ عَنْ مَدَارِكَنَا، وَلَا نَعْلَمُ خَصَائِصَهُ لِصُعُوبَةِ ذَلِكَ عَلَيْنَا، وَالمَكَانُ بِهَذَا الاعْتِبَارِ حَقٌّ مَوْجُودٌ، وَلَا يَخْضَعُ بِحَالٍ مِنَ الأَحْوَالِ لِمقَايِيسِ المَكَانِ فِي حِسَابَاتِ المَخْلُوقِينَ، فَلَا يُمْكِنُ للمُتَكَلِّمِينَ أَنْ يُطَبِّقُوا هَذِهِ المَقايِيسَ عَلَى مَلَكِ المَوْتِ عِنْدَمَا يَأْتِيَ لِقَبْضِ الأَرْوَاحِ؛ مَعَ أَنَّهُ مَخْلُوقٌ لَهُ ذَاتٌ وَكَيْنُونَةٌ مُنْفَصِلَةٌ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ لَا يَحجُبُه بَابٌ وَلَا جِدَارٌ، وَلَا يَمْنَعُهُ جُبٌّ أَوْ قَرَارٌ؛ كَمَا قَالَ رَبُّ العِزَّةِ وَالجَلَالِ: ﴿ أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ ﴾ [النساء: 78]، فَمَلَكُ المَوْتِ مَخْلُوقٌ، وَلَا يَخْضَعُ فِي مَكَانِهِ وَزَمَانِهِ لِمقَايِيسِنَا الَّتِي يُرِيدُونَ بِها الحُكْمَ عَلَى اِسْتِوَاءِ اللهِ عَلَى عَرْشِهِ، وَمِنْ ثَمَّ لَا يَصْلُحُ أَنْ نَمْنَعَ دَلَالَةَ الآيَاتِ وَالأَحَادِيثِ، وَنحَوَّلَ مَعْنَى اِسْمِ اللهِ العَلِي مِنْ عُلُوِّ الفَوْقِيَّةِ إِلَى عُلُوِّ الرُّتْبَةِ وَالمَنْزِلَةِ؛ بِحُجَّةِ أَنَّنَا لَوْ أَثْبَتْنَاهَا لَكَانَ الُله فِي مَكَانٍ، فَعُلُوُّ الشَّأْنِ ثَابِتٌ بِدَلَالَةِ اِسْمِهِ الأَعْلَى وَعُلُوُّ القَهْرِ ثَابِتٌ بِدَلَالَةِ اِسْمِهِ المُتَعَالِ.

 

وَالرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم لمَّا قَالَ لِلْجَارِيَةِ: «أَيْنَ اللهُ؟» عَلِمَ صلى الله عليه وسلم أَنَّ أَيْنَ للمَكَانِ، ويَعْلَمُ لَوَازِمَ قَوْلِهِ، وَلَو كَانَ فِي ذَلِكَ خَطَأٌ وَتَشْبِيهٌ وَتَجْسِيمٌ كَمَا يَدَّعِي البَعْضُ مَا سَأَلَ الْجَارِيةَ بِلَفْظٍ يَحْتَمِلُ مَعْنَاهُ الخِلَافَ وَدَواعِي الاخْتِلَافِ، والجَارِيَةُ لمَّا قَالَتْ: «اللهُ فِي السَّمَاءِ» تَعْنِي العُلُوَّ، وَشَهِدَ لَها رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالإِيمَانِ، فَلَا إِشْكَالَ عِنْدَ المُوَحّدِين العُقَلَاءِ فِي فَهْمِ حَدِيثِ الجَارِيَةِ وَقَوْلِهَا: «إِنَّ اللهَ فِي السَّمَاءِ»، وَالأَمْرُ وَاضِحٌ جَليٌّ ظَاهِرٌ، فَأَيُّ اِعْتِرَاضٍ عَلَى ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ اِعْتِرَاضٌ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.

 

وَعُلُوُّ الفَوْقِيَّةِ أَوْ عُلُوُّ الذَّاتِ، الَّذِي دَلَّ عَلَيهِ اِسْمُهُ العَلِيُّ، ثَابِتٌ عَلَى الحَقِيقَةِ بِالكِتَابِ والسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الأَنْبِيَاءِ والمُرْسَلِينَ وَأَتْبَاعِهِمْ، فَهُوَ سبحانه وتعالى مُسْتَوٍ عَلَى عَرْشِهِ، بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ، لَا شَيءَ مِنْ ذَاتِهِ فِي خَلْقِهِ، وَلَا خَلْقُهُ فِي شَيءٍ مِنْ ذَاتِهِ، وَهُوَ مِنْ فَوْقَ عَرْشِهِ يَعْلَمُ أَعْمَالَهُمْ، وَيَسْمَعُ أَقْوَالَهُمْ، وَيَرَى أَفْعَالَهُمْ، لَا تَخْفَى مِنْهُمْ خَافِيَةٌ، وَالأَدِلَّةُ فِي ذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى، وَأَجَلُّ مِنْ أَنْ تُسْتَقْصَى، والفِطْرَةُ السَّلِيمَةُ وَالنُّفُوسُ المُسْتَقِيمَةُ مَجْبُولَةٌ عَلَى الإِقْرَارِ بِذَلِكَ.

 

الدِّلَالَاتُ اللُّغَوِيَّةُ لاِسْمِ (الأَعْلَى):

الأَعْلَى فِي اللُّغَةِ أَفْعَلُ التَّفْضِيلِ، فِعْلُهُ عَلَا يَعْلُو عُلُوًّا.

 

فَالأَعْلَى هُوَ الَّذِي ارْتَفَعَ عَنْ غَيْرِهِ وَفَاقَهُ فِي وَصْفِهِ، وَهِيَ مُفَاضَلَةٌ بَينَ اِثْنَينِ أَوِ الجَمِيعِ فِي عَظَمَةِ وَصْفٍ أَوْ فِعْلٍ، أَوْ مُفَاضَلَةٍ بَينَ صَاحِبِ العُلُوِّ وَالأَعْلَى مِنْهُ، فَالأَعْلَى ذُو العُلَا وَالعَلَاءِ وَالمَعَالِي[7].

 

قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [النحل: 60].

 

وَقَالَ: ﴿ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [الروم: 27]، قَالَ الأَلُوسِيُّ: «﴿ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى ﴾؛ أَيِ: الصِّفَةُ العَجِيبَةُ الشَّأْنِ الَّتِي هِي مَثَلٌ فِي العُلُوِّ مُطْلَقًا، وَهُوَ الوُجُوبُ الذَّاتِيُّ، وَالْغِنَى المُطْلَقُ، والجُودُ الوَاسِعُ، وَالنَّزَاهَةُ عَنْ صِفَاتِ المَخْلُوقِينَ، ويَدْخُلُ فِيه عُلُوُّه تَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا»[8].

 

وَاسْمُ اللهِ الأَعْلَى دَلَّ عَلَى عُلُوِّ الشَّأْنِ، وَهُوَ أَحَدُ مَعَانِي العُلُوِّ، فَاللهُ عز وجل تَعَالَى عَنْ جَمِيعِ النَّقَائِصِ وَالعُيُوبِ المُنَافِيَةِ لإِلهِيَّتِهِ وَرُبُوبِيَّتِهِ، وَتَعَالَى فِي أَحَدِيَّتِهِ عَنِ الشَّرِيكِ وَالظَّهِيرِ وَالوَليِّ وَالنَّصِيرِ، وَتَعَالَى فِي عَظَمَتِهِ أَنْ يَشْفَعَ أَحَدٌ عِنْدَهُ دُونَ إِذْنِهِ، وَتَعَالَى فِي صَمَدِيَّتِهِ عَنِ الصَّاحِبَةِ وَالوَلَدِ، وَأَنْ يَكُونَ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، وَتَعَالَى فِي كَمَالِ حَيَاتِهِ وَقَيُّومِيَّتِهِ عَنِ السِّنَةِ وَالنَّومِ، وَتَعَالَى فِي قُدْرَتِهِ وَحِكْمَتِهِ عَنِ العَبَثِ وَالظُّلْمِ، وَتَعَالَى فِي عِلْمِهِ عَنِ الغَفْلَةِ وَالنِّسيَانِ، وَعَنْ تَرْكِ الخَلْقِ سُدًى دُونَ غَايَةٍ أَوْ اِبْتِلَاءٍ أَوْ اِمْتِحَانٍ، وَتَعَالَى فِي غِنَاهُ يُطعِمُ وَلَا يُطعَمُ، وَيَرْزُقُ وَلَا يُرْزَقُ، بَلْ هُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ، وَكُلُّ شَيءٍ إِلَيهِ فَقِيرٌ، وَكُلُّ أَمْرٍ عَلَيهِ يَسِيرٌ، لَا يَحْتَاجُ إِلَى شَيءٍ، لَيسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ، وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ، تَعَالَى فِي صِفَاتِ كَمَالِهِ، وَنُعُوتِ جَلَالِهِ عَنِ التَّعْطِيلِ وِالتَّمْثِيلِ[9].

 

وَاللهُ عز وجل يَجُوزُ فِي حَقِّهِ قِيَاسُ الأَوْلَى بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: ﴿ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [النحل: 60]، فَإِنَّهُ مِنَ المَعْلُومِ أَنَّ كُلَّ كَمَالٍ، أَوْ نَعْتٍ مَمدُوحٍ لِنَفْسِهِ لَا نَقْصَ فِيهِ يَكُونُ لِبَعضِ المَوجُودَاتِ المَخْلُوقَةِ المُحدَثَةِ، فَالرَّبُّ الخَالِقُ الصَّمَدُ القَيُّومُ هُوَ أَوْلَى بِهِ، وَكُلُّ نَقْصٍ أَوْ عَيْبٍ يَجِبُ أَنْ يُنَزَّهَ عَنْهُ بَعْضُ المَخْلُوقَاتِ المُحدَثَةِ، فَالرَّبُّ الخَالِقُ القُدُّوسُ السَّلَامُ هُوَ أَوْلَى أَنْ يُنَزَّهَ عَنْهُ[10].

 

قَالَ اِبْنُ تَيْمِيَةَ: «وَلِهَذَا كَانَتِ الطَّرِيقَةُ النَّبَوِيَّةُ السَّلَفِيَّةُ أَنْ يُسْتَعْمَلَ فِي العُلُومِ الإِلَهِيَّةِ قِيَاسُ الأَوْلَى كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى ﴾؛ إِذْ لَا يَدْخُلُ الخَالِقُ وَالمَخْلُوقُ تَحتَ قَضِيَّةٍ كُلِّيةٍ تَسْتَوِي أَفْرَادُهَا، وَلَا يَتَمَاثَلَانِ فِي شَيْءٍ مِنَ الأَشْيَاءِ، بَلْ يَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ كَمَالٍ لَا نَقْصَ فِيهِ بِوَجْهٍ ثَبَتَ لِلمَخْلُوقِ فَالخَالِقُ أَوْلَى بِهِ، وَكُلُّ نَقْصٍ وَجَبَ نَفْيُهُ عَنِ المَخْلُوقِ فَالخَالِقُ أَوْلَى بِنَفْيِهِ عَنْهُ»، فَقِيَاسُ الأَوْلَى جَائِزٌ فِي حَقِّ اللهِ وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ، أَمَّا المُحَرَّمُ المَمنُوعُ فَهُوَ قِيَاسُ التَّمْثِيلِ والشُّمُولِ.

 

الدِّلَالَاتُ اللُّغَوِيَّةُ لاِسْمِ (المُتَعَالِ):

المُتَعَالِي اِسْمُ فَاعِلٍ مِنْ تَعَالَى.

 

وَالمُتَعَالِي فِعْلُه تَعَالَى يَتَعَالَى فَهُوَ مُتَعَالٍ، وَهُوَ أَبْلَغُ مِنَ الفِعْلِ عَلَا؛ لَأَنَّ الأَلْفَاظَ لمَّا كَانَتْ أَدِلَّةَ المَعَانِي ثُمَّ زِيدَ فِيهَا شَيءٌ أَوْجَبَتْ زِيَادَةَ المَعْنَى، فَزِيَادَةُ المَبْنَى دَلِيلٌ عَلَى زِيَادَةِ المَعْنَى[11]، وَالتَّعَالِي هُوَ الارْتِفَاعُ.

 

قَالَ الأَزهَرِيُّ: «تَقُولُ العَرَبُ فِي النِّدَاءِ للرَّجُلِ تَعَالَ بِفَتْحِ اللَّامِ، وللاثنَينِ تَعَالَيَا، وَللرِّجَالِ تَعَالَوْا، وَلِلمَرْأَةِ تَعَالَيْ، وَللنِّسَاءِ تَعَالَيْنَ، وَلَا يُبَالُونَ أَينَ يَكُونُ المَدْعُوُّ فِي مَكَانٍ أَعْلَى مِنْ مَكَانِ الدَّاعِي أَوْ مَكَانٍ دُونَهُ»[12].

 

وَالمُتَعَالِي سُبْحَانَهُ هُوَ القَاهِرُ لخَلْقِهِ بِقُدْرَتِهِ التَّامَّةِ، وَأَغْلَبُ المُفَسِّرِينَ جَعَلُوا الاسْمِ دَالًّا عَلَى عُلُوِّ القَهْرِ، وَهُوَ أَحَدُ مَعَانِي العُلُوِّ، فَالمُتَعَالِي هُوَ المُسْتَعْلِي عَلَى كُلِّ شَيءٍ بِقُدْرَتِهِ.

 

قَالَ اِبْنُ كَثِيرٍ: «المُتَعَالِ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيءٍ عِلْمًا، وقَهَرَ كُلَّ شَيءٍ، فَخَضَعَتْ لَهُ الرِّقَابُ، وَدَانَ لَهُ العِبَادُ طَوعًا وَكَرهًا»[13].

 

وَقَالَ أَيْضًا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: «وَهُوَ الكَبِيرُ المُتَعَالِ؛ فَكُلُّ شَيءٍ تَحتَ قَهْرِهِ وَسْلْطَانِهِ وَعَظَمَتِهِ، لَا إِلَه إِلَّا هُوَ، وَلَا رَبَّ سِوَاهُ؛ لأَنَّهُ العَظِيمُ الَّذِي لَا أَعْظَمَ مِنْهُ».

 

فَالمُتَعَالِي سُبْحَانَهُ هُوَ الَّذِي لَيْسَ فَوْقَهُ شَيءٌ فِي قَهْرِهِ وَقُوَّتِهِ، فَلَا غَالِبَ لَهُ وَلَا مُنَازِعَ، بَلْ كُلُّ شَيءٍ تَحتَ قَهْرِهِ وَسُلْطَانِهِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ﴾ [الأنعام: 18]، وَقَدْ جَمَعَ اللهُ فِي هَذِهِ الآيَةِ بَيْنَ عُلُوِّ الذَّاتِ وَعُلُو القَهْرِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً ﴾ [الأنعام: 61]، فاِجْتِمَاعُ عُلُوِّ القَهْرِ مَعَ عُلُوِّ الفَوْقِيَّةِ يَعْنِي: أَنَّه المَلِكُ مِنْ فَوْقِ عَرْشِهِ الَّذِي عَلَا بِذَاتِهِ فَوْقَ كُلِّ شَيءٍ، وَالَّذِي قَهَرَ كُلَّ شَيءٍ، وَخَضَعَ لِجَلَالِهِ كُلُّ شَيءٍ، وَذَلَّ لِعَظَمَتِهِ وَكِبرِيَائِهِ كُلُّ شَيءٍ.

 

وُرُودُ الأَسْمَاءِ فِي القُرْآنِ الكَرِيمِ:

وَرَدَ اسْمُ (العَلِيِّ) فِي ثَمَانِيةِ مَوَاضِعَ مِنْهَا: قَولُهُ تَعَالَى: ﴿ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾ [البقرة: 255].

 

وَقَوْلُهُ: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ﴾ [الحج: 62].

 

وَقَوْلُهُ: ﴿ فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ ﴾ [غافر: 12].

وَقَوْلُهُ: ﴿ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ ﴾ [الشورى: 51].

وَأَمَّا (الأَعْلَى) فَقَدْ جَاءَ فِي قَوْلِهِ: ﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ﴾ [الأعلى: 1].

وَقَوْلُهُ: ﴿ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى ﴾ [الليل: 20].

 

وَأَمَّا (المُتَعَالِ) فَقَدْ جَاءَ مَرّةً وَاحِدَةً فِي قَوْلِهِ: ﴿ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ ﴾ [الرعد: 9].

 

مَعْنَى الأَسْمَاءِ فِي حَقِّ اللهِ تَعَالَى:

قَالَ اِبْنُ جَرِيرٍ رحمه الله: «وَأَمَّا تَأْوِيلُ قَوْلِهِ: ﴿ هُوَ الْعَلِيُّ ﴾؛ فَإِنَّهُ يَعْنِي: واللهُ العَليُّ، وَالعَلِيُّ الفَعِيلُ مِنْ قَولِكَ: عَلَا يَعْلُو عُلُوًّا، إِذَا ارْتَفَعَ، فَهُوَ عَالٍ وَعَلِيٌّ، وَالعَلِيُّ ذُو العُلُوِّ وَالارْتِفَاعِ عَلَى خَلْقِهِ بِقُدْرَتِهِ».

 

ثُمَّ قَالَ: «وَاخْتَلَفَ أَهْلُ البَحْثِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿ هُوَ الْعَلِيُّ ﴾ فَقَالَ بَعْضُهُم: يَعْنِي بِذَلِكَ: وَهُوَ العَلِيُّ عَنِ النَّظِيرِ والأَشْبَاهُ، وَأَنْكَرُوا أَنْ يَكُونَ مَعْنَى ذَلِكَ ﴿ هُوَ الْعَلِيُّ ﴾ المَكَان.

 

وَقَالُوا: غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَخْلُوَ مِنْهُ مَكَانُهُ، وَلَا مَعْنَى لِوَصْفِهِ بِعُلُوِّ المَكَانِ؛ لأنَّ ذَلِكَ وَصْفَهُ بِأَنَّهُ فِي مَكَانٍ دُونَ مَكَانٍ!!

 

وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ﴿ وَهُوَ الْعَلِيُّ ﴾ عَلَى خَلْقِهِ بارْتِفَاعِ مَكَانِهِ عَنْ أَمَاكِنَ خَلْقِهِ؛ لَأَنَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ فَوْقَ جَمِيعِ خَلْقِهِ، وَخَلْقُهُ دُونَهُ، كَمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ أَنَّهُ عَلَى العَرْشِ، فَهُوَ عَالٍ بِذَلِكَ عَلَيهِم» اهـ[14].

 

قَالَ الخَطَّابِيُّ: «(العَلِيُّ): هُوَ العَالِي القَاهِرُ، فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ، كَالقَدِيرِ وَالقَادِرِ وَالعَلِيمِ وَالعَالِمِ، وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ مِنَ العُلُوِّ الذِي هُوَ مَصْدَرُ عَلَا، يَعْلُو، فَهُوَ عَالٍ، كَقَوْلِهِ: ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ [طه: 5]، وَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ عَلَاءِ المَجدِ والشَّرَفِ، يُقَالُ مِنْهُ: عَلِيَ يَعْلَى عَلَاءً، وَيَكُونُ الذِي عَلَا وَجَلَّ أَنْ تَلحَقَه صِفَاتُ الخَلقِ أَوْ تُكَيِّفَهُ أَوْهَامُهُم» اهـ[15].

 

وَقَالَ البَغَوِيُّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ ﴾: «العَالِي عَلَى كُلِّ شَيءٍ»[16].

 

وَقَالَ اِبْنُ كَثِيرٍ: «وَقَوْلُهُ: ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ﴾ [الحج: 62]، كَمَا قَالَ: ﴿ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾ [البقرة: 255].

 

وَقَالَ: ﴿ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ ﴾ [الرعد: 9]، فَكُلُّ شَيءٍ تَحتَ قَهْرِهِ وَسُلْطَانِهِ وَعَظَمَتِهِ، لَا إِلَه إِلَّا هُوَ، وَلَا رَبَّ سِوَاهُ؛ لأنّهُ العَظِيمُ الذِي لَا أَعْظَمَ مِنْهُ، العَلِيُّ الذِي لَا أَعْلَى مِنْهُ، الكَبِيرُ الذِي لَا أَكْبَرَ مِنْهُ، تَعَالَى وَتَقَدَّسَ وَتَنَزَّهَ عز وجل عَمَّا يَقُولُ الظَالِمُونَ المُعْتَدُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا» اهـ[17].

 

وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بْنُ خُزَيمَةَ رحمه الله: «وَقَالَ جَلَّ وَعَلَا: ﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ﴾ [الأعلى: 1]، فَالأَعْلَى مَفْهُومٌ فِي اللُّغَةِ أَنَّهُ أَعْلَى كُلِّ شَيءٍ، وَفَوقَ كُلِّ شَيءٍ، وَاللهُ قَدْ وَصَفَ نَفْسَهُ فِي غَيرِ مَوْضِعٍ مِنْ تَنْزِيلِهِ وَوحْيِهِ، وَأَعْلَمَنَا أَنَّهُ العَلِيُّ العَظِيمُ، أَفَلَيسَ العَلِيُّ - يَا ذَوِي الحِجَى - مَا يَكُونُ عَالِيًا، لَا كَمَا تَزْعُمُ المُعَطِّلَةُ الجَهْمِيَّةُ أَنَّهُ أَعْلَى وَأَسْفَلُ وَوَسَطُ وَمَعَ كُلِّ شَيءٍ، وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ مِنْ أَرْضٍ وَسَمَاءٍ، وَفِي أَجْوَافِ جَمِيعِ الحَيَوَانِ، وَلَو تَدَبَّرُوا الآيةَ مِنْ كِتَابِ اللهِ وَوَفَّقَهُمُ اللهُ لِفَهْمِهَا لَعَقِلُوا أنَّهُم جُهَّالٌ لَا يَفْهَمُونَ مَا يَقُولُونَ، وَبَانَ لَهُمْ جَهْلُ أَنفُسِهِم وَخَطَأَ مَقَالَتِهِمْ.

 

قَالَ اللهُ تَعَالَى لمَّا سَأَلَهُ مُوسَى؛ أَنْ يُرْيَهُ يَنْظُرَ إِلَيهِ قَالَ: ﴿ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ ﴾ [الأعراف: 143] إِلَى قَولِهِ: ﴿ فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا ﴾، أَفَلَيْسَ العِلْمُ مُحِيطًا - يَا ذَوِي الأَلْبَابِ - أَنَّ اللهَ عز وجل لَو كَانَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ، وَمَعَ كُلِّ بَشَرٍ وَخَلْقٍ - كَمَا زَعَمَتِ المُعَطِّلَةُ - لَكَانَ مُتَجَلِّيًا لِكُلِّ شَيءٍ، وَكَذَلِكَ جَمِيعُ مَا فِي الأَرْضِ لَوْ كَانَ مُتَجَلِّيًا لِجَمِيعِ أَرْضِهِ سَهْلِهَا وَوَعْرِهَا، وَجِبَالِهَا، بَرَارِيهَا وَمَفَاوِزِهَا، مُدُنِهَا وَقُرَاهَا، وَعِمَارَتِها وَخَرَابِها، وَجَمِيعُ مَا فِيهَا مِنْ نَبَاتٍ وَبِنَاءٍ، لَجَعَلَهَا دَكًّا كَمَا جَعَلَ اللهُ الجَبَلَ الذِي تَجَلَّى لَه دَكًّا، قَالَ تَعَالَى: ﴿ فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا ﴾» اهـ[18].

 

وَقَالَ شَيْخُ الإِسْلَامِ اِبْنُ تَيمِيَةَ رحمه الله: «وَهُوَ سُبْحَانَهُ وَصَفَ نَفْسَهُ بِالعُلُوِّ، وَهُوَ مِنْ صِفَاتِ المَدحِ لَهُ بِذَلِكَ والتَعْظِيمِ؛ لأَنَّهُ مِنْ صِفَاتِ الكَمَالِ، كَمَا مَدَحَ نَفْسَهُ بِأَنَّهُ العَظِيمُ وَالعَلِيمُ وَالقَدِيرُ وَالعَزِيزُ وَالحَلِيمُ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ الحَيُّ القَيُّومُ، وَنَحْو ذَلِكَ مِنْ مَعَانِي أَسْمَائِهِ الحُسْنَى، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يتَّصِفَ بِأَضْدَادِ هَذِهِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُوصَفَ بِضِدِّ الحَيَاةِ وَالقَيُّومِيَّةِ وَالقُدرَةِ، مِثْلُ المَوتِ وَالنَّومِ وَالجَهْلِ وَالعَجْزِ وَاللُّغُوبِ، وَلَا بِضِدِّ العِزَّةِ وَهُوَ الذُلُّ، وَلَا بِضِدِّ الحِكْمَةِ وَهُوَ السَّفَهُ.

 

فَكَذَلِكَ لَا يُوصَفُ بِضِدِّ العُلُوِّ وَهُوَ السُّفُولُ، وَلَا بِضِدِّ العَظِيمِ وَهُوَ الحَقِيرُ، بَلْ هُوَ سُبْحَانَهُ مُنَزَّهٌ عَنْ هَذِهِ النَّقَائِصِ المُنَافِيةِ لِصِفَاتِ الكَمَالِ الثَّابِتَةِ لَهُ، فَثُبُوتُ الكَمَالِ لَهُ يَنْفِي اتِّصَافَهُ بِأَضْدَادِهَا وَهِي النَّقَائِصُ» اهـ[19].

 

وَقَالَ اِبْنُ القَيِّمِ رحمه الله:

هَذَا وَمِنْ تَوحِيدِهِمْ إِثْبَاتُ أَوْ
صَافِ الكَمَالِ لِرَبِّنا الرَّحمَنِ
كَعُلُوِّهِ سُبْحَانَهُ فَوقَ السَّمَا
وَاتِ العُلى بَلْ فَوقَ كُلِّ مَكَانِ
فَهُوَ العَلِيُّ بِذَاتِهِ سُبْحَانَهُ
إِذْ يَسْتَحِيلُ خِلافُ ذَا ببيانِ
وَهُوَ الَّذِي حَقًّا عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى
قَدْ قَامَ بالتَّدْبِيرِ لِلأَكْوَانِ

 

وَقَالَ:

وَهُوَ العَلِيُّ فَكُلُّ أَنْوَاعِ العُلُ
وِّ لَهُ فَثَابِتَةٌ بِلَا نُكْرَانِ[20]

وَقَالَ السَّعْدِيُّ: «(العَلِيُّ الأَعْلَى): وَهُوَ الذِي لَهُ العُلُوُّ المُطْلَقُ مِنْ جَمِيعِ الوُجُوهِ: عُلُوُّ الذَّاتِ، وَعُلُوُّ القَدْرِ وَالصِّفَاتِ، وَعُلُوُّ القَهْرِ، فَهُوَ الَّذِي عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى، وَعَلَى المُلْكِ احْتَوَى، وَبِجَمِيعِ صِفَاتِ العَظَمَةِ وَالكِبْرِيَاءِ وَالجَلَالِ وَالجَمَالِ وَغَايَةِ الكَمَالِ اتَّصَفَ، وَإِلَيهِ فِيهَا المُنْتَهَى» اهـ[21].

 

إِذَن فَجَمِيعُ مَعَانِي العُلُوِّ ثَابِتَةٌ لَهُ سبحانه وتعالى، كَمَا قَرّرَ ذَلِكَ اِبْنُ القَيِّمِ فِي نُونِيَّتِهِ بِقَوْلِهِ آَنِفًا:

وَهُوَ العَلِيُّ فَكُلُّ أَنْوَاعِ العُلُ
وِّ لَهُ فَثَابِتَةٌ بِلَا نُكْرَانِ

ثَمَرَاتُ الإِيمَانِ بِهَذِهِ الأَسْمَاءِ:

1- إِثْبَاتُ العُلُوِّ المُطْلَقِ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ بِكُلِّ مَعَانِيهِ، دُونَ أَنْ نُعَطِّلَ أَوْ نُؤَوِّلَ شَيْئًا، ونُثْبِتَ شَيْئًا؛ لأنَّ ذَلِكَ تَحَكُّمٌ لَمْ يَأْذَنِ اللهُ بِهِ.

 

أَوَّلًا: تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الأَسْمَاءُ إِثْبَاتَ عُلُوِّ ذَاتِ رَبِّنَا سُبْحَانَهُ، وَأَنَّهُ عَالٍ عَلَى كُلِّ شَيءٍ، وَفَوقَ كُلِّ شَيءٍ، وَلَا شَيءَ فَوقَهُ، بَلْ هُوَ فَوقَ العَرْشِ كَمَا أَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِنَفْسِهِ.

 

وَهَذَا اعْتِقَادُ سَلَفِ الأُمَّةِ، وَمَنْ تَبِعَهُم بإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، مِنْ عُلَمَاءِ الحَدِيثِ وَالتَّفْسِيرِ وَالفِقْهِ وَالأُصُولِ وَالسِّيرَةِ وَالتَّارِيخِ وَالعَرَبِيَّةِ وَالأَدَبِ وَغَيرِهِم[22].

 

وَسَنُحَاوِلُ باختِصَارِ ذِكْرَ مَا يَدُلُّ عَلَى عُلُوِّ ذَاتِهِ سبحانه وتعالى مِنْ آيَاتِ الكِتَابِ، وَالأَحَادِيثِ الشَّرِيفَةِ.

 

الآيَاتُ الدَّالَّةُ عَلَى العُلُوِّ:

فَمِنْ آيَاتِ الكِتَابِ:

1- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ﴾ [الأعراف: 54].

 

وَقَدْ ذُكِرَ الاستِوَاءُ فِي سِتِّ آيَاتٍ أُخَرَ فِي سُورَةِ [ يونس: 3 ]، [ الرعد: 2 ]، [ طه: 5 ]، [ الفرقان: 59 ]، [ السجدة: 4 ]، [ الحديد: 4].

 

2- بيَّنَ تَعَالَى فِي آياتٍ كَثِيرةٍ أنَّ الرُّوحَ - وَهُوَ جِبْرِيلُ عليه السلام - وَالمَلَائِكَةُ مِنْهُ تَتَنَزَّلُ، وَإِليهِ تَعْرُجُ وَتَصْعَدُ.

 

مِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ * تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ﴾ [المعارج: 3، 4].

 

وَقَوْلُهُ عَنْ لَيلَةِ القَدْرِ: ﴿ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ﴾ [القدر: 4].

 

وَمَعْلُومٌ أنَّ التَّنَزُّلَ لَا يَكُونُ إلا مِنَ العُلُوِّ.

 

3- وَأَخْبَرَ تَعَالَى أنَّهُ يُنَزِّلُ مَلائِكَتَهُ بَالْوَحِي وَالكِتَابِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، قَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ ﴾ [النحل: 2].

 

وَقَالَ: ﴿ وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ ﴾ [الشعراء: 192 - 194].

 

4- أَنَّ الأَعمَالَ الصَّالِحَةَ وَالكَلَامَ الطيِّبَ إِليهِ يَصْعَدَانِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ﴾ [فاطر: 10].

 

قَالَ الدَّارِمِيُّ: «فَإِلَى مَنْ تُرْفَعُ الأعمَالُ، وَاللهُ - بِزَعْمِكُم الكَاذِبِ - مَعَ العَامِلِ بِنَفْسِهِ فِي بَيتِهِ وَمَسْجِدِهِ وَمُنْقَلَبِهِ وَمَثْوَاهُ؟!! تَعَالَى اللهُ عَمَّا يَقُولُون عُلُوًّا كَبِيرًا» اهـ[23].

 

5- قَوْلُهُ تَعَالَى مُخَاطِبًا المَسِيحَ عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: ﴿ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ [آل عمران: 55].

 

وَقَوْلُهُ: ﴿ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ ﴾ [النساء: 157، 158].

 

6- أَخبَرَ تَعَالَى عَنْ تَنْزِيلِهِ لِآيَاتِ الكِتَابِ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ؛ مِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ * مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ ﴾ [آل عمران: 3، 4].

 

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا ﴾ [الكهف: 1].

وَقَوْلُهُ: ﴿ حم * تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ [فصلت: 1، 2].

وَقَوْلُهُ: ﴿ سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ﴾ [النور: 1].

وَقوْلُهُ: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ﴾ [القدر: 1].

 

قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ رحمه الله: «فَظَاهِرُ القُرْآنِ وَبَاطِنُهُ يَدُلُّ عَلَى مَا وَصَفْنَا مِنْ ذَلِكَ، نَسْتَغْنِي فِيهِ بالتَّنْزِيلِ عَنِ التَّفْسِيرِ، وَيَعْرِفُهُ العَامَّةُ وَالخَاصَّةُ، فَلَيسَ مِنْهُ لِمُتَأَوِّلٍ تَأَوُّلٌ، إِلَّا لِمُكَذِّبٍ بِهِ فِي نَفْسِهِ مُستَتِرٍ بالتَّأْوِيلِ.

 

وَيْلَكُم!! إِجمَاعٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعينَ وَجَمِيعِ الأُمَّةِ، مِنْ تَفْسِيرِ القُرْآنِ وَالفَرَائِضِ وَالحُدُودِ وَالأَحْكَامِ: نَزَلَتْ آيَةُ كَذَا فِي كَذَا، وَنَزَلَتْ آيَةُ كَذَا فِي كَذَا، وَنَزَلَتْ سُورَةُ كَذَا فِي مَكَانِ كَذَا، وَلَا نَسْمَعُ أَحَدًا يَقُولُ: طَلَعَتْ مِنْ تَحْتِ الأَرْضِ، وَلَا جَاءَتْ مِنْ أَمَامٍ وَلَا مِنْ خَلفٍ، وَلكِنْ كُلُّهُ: نَزَلتْ مِنْ فَوقٍ، وَمَا يُصْنَعُ بِالتَّنْزِيلِ مَنْ هُوَ بِنَفْسِهِ فِي كُلِّ مَكَانٍ؟

 

إِنَّمَا يَكُونُ شِبْهُ مُنَاوَلَةٍ لَا تَنْزِيلًا مِنْ فَوقِ السَّمَاءِ مَعَ جِبْرِيلَ، إِذْ يَقُولُ سبحانه وتعالى: ﴿ قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ ﴾ [النحل: 102]، والرَّبُّ - بِزَعْمِكُم الكَاذِبِ - فِي البَيْتِ مَعَهُ وَجِبْرِيلُ يَأْتِيهِ مِنْ خَارِجِ، هَذَا وَاضِحٌ، وَلَكِنَّكُمْ تُغَالِطُونَ.

 

فَمَنْ لَمْ يَقْصِدْ بِإِيمَانِهِ وَعِبَادَتِهِ إِلَى اللهِ الذِي اسْتَوى عَلَى العَرْشِ فَوقَ سَمَاوَاتِهِ، وَبَانَ مِنْ خَلْقِهِ، فَإِنَّمَا يَعْبُدُ غَيرَ اللهِ وَلَا يَدرِي أَيْنَ اللهُ» اهـ[24].

 

7- قَوْلُ اللهِ تَعَالَى عَنْ فِرْعَونَ: ﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى ﴾ [غافر: 36، 37]، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ فِرْعَونَ كَانَ يُرِيدُ الاِطِّلَاعَ إِلَى اللهِ تَعَالَى فِي السَّمَاءِ، وَذَلِكَ أَنَّ مُوسَى وَغَيرَهُ مِنَ الأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيهِم أَجْمَعِينَ كَانُوا يَدْعُونَهُم إِلَى اللهِ بِذَلِكَ.

 

الأحَادِيثُ التِي تَدُلُّ عَلَى العُلُوِّ:

1- حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ بْنِ الحَكَمِ السُّلَمِيِّ رضي الله عنه قَالَ: وَكَانَ لِي جَارِيَةٌ تَرْعَى غَنَمًا لِي قِبَل (أُحُدٍ والجوَّانيَّة)، فَاطَّلَعتُ ذَاتَ يَومٍ فإِذَا الذئبُ قَد ذَهَبَ بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِهَا، وَأَنا رَجُلٌ مِنْ بَنَي آدَمَ، آسَفُ كَمَا يَأْسَفُونَ، لَكِنِّي صَكَكْتُها صَكَّةً، فَأَتَيتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَعَظَّمَ ذَلِكَ عَليَّ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَفَلا أَعْتِقُهَا؟ قَالَ: «ائتِنِي بها»، فَأْتَيتُه بِها، فَقَالَ لَها: «أَينَ اللهُ؟»، قَالَتْ: فِي السَّمَاءِ، قَالَ: «مَنْ أَنَا؟»، قَالَتْ: أَنتَ رَسُولُ اللهِ، قَالَ: «أَعْتِقْهَا فإِنَّها مُؤمِنَةٌ»[25].

 

قَالَ أَبُو سَعيدٍ الدَّارِمِيُّ: «فَفِي حَدِيثِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم هَذَا، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا لَمْ يَعْلمْ أَنَّ اللهَ عز وجل فِي السَّمَاءِ دُونَ الأَرْضِ فَلَيسَ بِمُؤمِنٍ، وَلَو كَانَ عَبْدًا فَأُعتِقَ لَمْ يَجُزْ فِي رَقَبةٍ مُؤْمِنَةٍ، إِذْ لَا يَعْلَمُ أَنَّ اللهَ فِي السَّمَاءِ» اهـ[26].

 

2- الأَحَادِيثُ الكَثِيرَةُ فِي مِعْرَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي لَيلَةِ الإِسرَاءِ وَالمِعْرَاجِ، وَقَد تَوَاتَرَت[27] وَأَجْمَعَ عَلَيهَا سَلَفُ الأُمَّةِ وَأَئِمَّتُهَا.

 

3- حَدِيثُ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيُّ رضي الله عنه قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ فَقَالَ: «إِنَّ اللهَ لَا يَنَامُ، وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ، يَخْفِضُ القِسْطَ وَيَرْفَعُه، يُرْفَعُ إِليهِ عَمَلُ اللَّيل قَبْلَ النَّهَارِ، وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ اللَّيلِ...»[28].

 

4- حَدِيثُ أَبِي هُرَيرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «يَتَعَاقَبُونَ فِيكُم مَلَائِكَةٌ بِاللَّيلِ، وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الفَجْرِ وَصَلَاةِ العَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُم، فَيَسأَلُهم رَبُّهُم - وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِم -: كَيفَ تَرَكْتُم عِبَادِي؟ فَيَقُولُون: تَرَكْنَاهُم وَهُمْ يُصَلُّون وَأَتَينَاهُم وَهُم يُصَلُّون»[29].

 

5- حَدِيثُ أَبِي هُرَيرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «وَالذِي نَفْسِي بِيَدِه مَا مِنْ رَجُلٍ يَدعُو امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهَا، فَتَأْبَى عَليهِ، إِلَّا كَانَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ سَاخِطًا عَليهَا حَتَى يَرْضَى عَنْهَا»[30].

 

6- حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ: بَعَثَ عَليُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِذَهَبةٍ فِي أَدِيمٍ مَقْرُوظٍ لَمْ تُحَصَّلْ مِنْ تُرَابِهَا، قَالَ فَقَسَمَهَا... وَفِيهِ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «أَلَا تَأْمَنُونِي وَأَنَا أَمِينُ مَنْ فِي السَّمَاءِ يَأْتِينِي خَبرُ السَّمَاءِ صَبَاحًا وَمَسَاءً؟»[31].

 

7- حَدِيثُ أَنَسٍ أَنَّ زَيْنَبَ كَانَتْ تَفْخَرُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَقُولُ: «زَوَّجَكُنَّ أَهَالِيكُنَّ، وَزَوَجَنِي اللهُ تَعَالَى مِنْ فَوقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ، وَفِي رِوَايةٍ: وَكَانَتْ تَقُولُ: «إِنَّ اللهَ أَنْكَحَنِي فِي السَّمَاءِ»[32]، وَغَيْرُهَا مِنْ الأَحَادِيثِ.

 

أَقْوَالُ السَّلَفِ فِي إِثْبَاتِ أَنَّ اللهَ فَوْقَ العَرْشِ:

هُنَا مَا يَتَيَّسرُ:

1- قَالَ الشَّيخُ أَبُو نَصْرٍ السِّجَزِيُّ[33] فِي كِتَابِ الإِبَانَةِ لَهُ:

«وأَئِمَّتُنَا كَسُفْيَانَ الثَّورِيِّ، وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيَنَةَ، وَحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، وَحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ المُبَارَكِ، وَفُضَيلٍ بْنِ عِيَاضٍ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الحَنْظَلِيِّ: مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ بِذَاتِهِ فَوْقَ العَرْشِ، وَأَنَّ عِلْمَهُ بِكُلِّ مَكَانٍ، وَأَنَّهُ يُرَى يَومَ القِيَامَةِ بِالأَبصَارِ، وَأَنَّهُ يَنْزِلُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا...»[34].

 

2- قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ المُبَارَكِ وَسَأَلَهُ عَليُّ بْنُ الحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ: «كَيفَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَعْرِفَ رَبَّنَا عز وجل؟ قَالَ: «عَلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ عَلَى عَرْشِهِ، وَلَا نَقُولُ كَمَا تَقُولُ الجَهْمِيَّةُ: أَنَّهُ هَا هُنَا عَلَى الأَرْضِ»[35].

 

3- وَقِيلَ لِيَزِيدَ بْنِ هَارُونَ: مَنَ الجَهْمِيَةُ؟ فَقَالَ: «مَنْ زَعَمَ أَنَّ الرَّحمَنَ عَلَى العَرْشِ اِسْتَوَى عَلَى خِلَافِ مَا يَقِرُّ فِي قُلُوبِ العَامَّةِ فَهُوَ جَهْمِيٌّ»[36].

 

4- وَقَالَ الحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ الأصْبَهَانِيُّ فِي العَقِيدَةِ المَشْهُورَةِ عَنْهُ: «طَرِيقَتُنَا طَرِيقَةُ المُتَّبِعِينَ للكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجمَاعِ الأُمَّةِ، فَمَا اعْتَقَدُوه اعْتَقَدْنَاهُ، فِمِمَّا اعْتَقَدُوه: أَنَّ الأَحَادِيثَ التِي ثَبَتَتْ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي العَرْشِ وَاسْتِوَاءِ اللهِ عَلَيْهِ يَقُولُونَ بِهَا وَيُثْبتُونَها، مِنْ غَيرِ تَكْييفٍ وَلَا تَمْثِيلٍ وَلَا تَشْبِيهٍ، وَأَنَّ اللهَ بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ، وَالخَلْقُ بَائِنُونَ مِنْه، لَا يَحِلُّ فِيهِم وَلَا يَمْتَزِجُ بِهِم، وَهُوَ مُستَوٍ عَلَى عَرْشِهِ فِي سَمَائِهِ دُونَ أَرْضِهِ»[37].

 

5- وَقَالَ الشَّيْخُ نَصْرُ بْنُ إِبرَاهِيمَ المَقْدِسِيُّ[38] فِي كِتَابِهِ: الحُجَّةُ عَلَى تَارِكِ المَحَجَّةِ: «إِنْ قَالَ قَائِلٌ: قَدْ ذَكَرتَ مَا يَجِبُ عَلَى أَهْلِ الإِسْلَامِ مِنَ اتِّبَاعِ كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ وَمَا أَجْمَعَ عَلَيهِ الأَئِمَّةُ العُلَمَاءُ، وَالأَخَذِ بِمَا عَلَيهِ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ: فَاذْكُرْ مَذَهَبَهُم، وَمَا أَجْمَعُوا عَليهِ مِنَ اِعْتِقَادِهِم، وَمَا يَلْزَمُنَا مِنَ المَصِيرِ إِليهِ مِنْ إِجمَاعِهِم؟

 

فَالجَوَابُ: أَنَّ الذِي أَدْرَكْتُ عَليهِ أَهْلَ العِلْمِ وَمَنْ لَقِيتُهُم وَأَخَذْتُ عَنْهُم، وَمَنْ بَلَغَنِي قَوْلُهُ مِنْ غَيرِهِم - فَذَكَرَ جُمَلَ اِعتِقَادِ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَفِيهِ -: وَأَنَّ اللهَ مُسْتَوٍ عَلَى عَرْشِهِ، بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ، كَمَا قَالَ فِي كِتَابِه، أَحَاطَ بِكُلِّ شَيءٍ عِلْمًا، وَأَحْصَى كُلَّ شَيءٍ عَدَدًا»[39].

 

6- وَقَالَ اِبْنُ عَبْدِ البَرِّ فِي كِتَابِهِ التَّمْهِيدُ، بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ حَدِيثَ «يَنْزِلُ رَبُنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيلَةٍ إِلى السَّمَاءِ الدُّنْيَا...»:

«وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اللهَ عز وجل فِي السَّمَاءِ عَلَى العَرْشِ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاواتٍ، كَمَا قَالَتِ الجَمَاعَةُ، وَهُوَ مِنْ حُجَّتِهِم عَلَى المُعْتَزِلَةِ وَالجَهْمِيَّةِ فِي قَوْلِهِم: إِنَّ اللهَ عز وجل فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَلَيْسَ عَلَى العَرْشِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا قَالَهُ أَهْلُ الحَقِّ فِي ذَلِكَ قَولُ اللهِ عز وجل: ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ [طه: 5]، وَقَوْلُهُ...»، وَذَكَرَ آيَاتِ الاِسْتِوَاءِ.

 

ثُمَّ قَالَ: «وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: ﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ﴾ [الأعلى: 1]، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾ [البقرة: 255]، و ﴿ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ ﴾ [الرعد: 9]، و ﴿ رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ ﴾ [غافر: 15]، و ﴿ يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ﴾ [النحل: 50]، وَالجَهْمِيُّ يَزْعُمُ أَنَّهُ أَسْفَلُ».

 

قَالَ: «وَأَمَّا قَوْلُهُ سبحانه وتعالى: ﴿ أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ ﴾ [الملك: 16]، فَمَعْنَاهُ مَنْ عَلَى السَّمَاءِ، يَعْنِي عَلَى العَرْشِ، وَقَدْ يَكُونُ فِي بِمَعْنَى عَلَى، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ﴾ [التوبة: 2]، أَيْ: عَلَى الأَرْضِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ ﴾ [طه: 71]، وَهَذَا كُلُّهُ يُعَضِّدُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ ﴾ [المعارج: 4]، وَمَا كَانَ مِثْلَهُ مِمَّا تَلَوْنَا مِنَ الآيَاتِ فِي هَذَا البَابِ.

 

وَهَذِهِ الآَيَاتُ كُلُّها وَاضِحَاتٌ فِي إِبْطَالِ قَوْلِ المُعْتَزِلَةِ، وَأَمَّا اِدِّعَاؤُهُم المَجَازَ فِي الاسْتِوَاءِ وَقَوْلُهم فِي تَأْوِيلِ اسْتَوَى: اِسْتَوْلَى، فَلَا مَعْنَى لَهُ؛ لأنَّهُ غَيرُ ظَاهِرٍ فِي اللُّغَةِ، وَمَعْنَى الاسْتِيلَاءِ فِي اللُّغَةِ: المُغَالَبَةُ، وَاللهُ لَا يُغَالِبُهُ وَلَا يَعْلُوهُ أَحَدٌ، وَهُوَ الوَاحِدُ الصَّمَدُ، وَمِنْ حَقِّ الكَلَامِ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى حَقِيقَتِهِ، حَتَى تَتَّفِقَ الأُمَّةُ أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ المَجَازُ؛ إِذْ لَا سَبِيلَ إِلَى اتِّبَاعِ مَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا مِنْ رَبِّنَا إِلَّا عَلَى ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يُوَجَّهُ كَلَامُ اللهِ عز وجل إِلَى الأَشْهَرِ وَالأَظْهَرِ مِنْ وُجُوهِهِ، مَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ مَا يَجِبُ لَهُ التَّسْلِيمُ.

 

وَلَو سَاغَ ادِّعَاءُ المَجَازِ لِكُلِّ مُدَّعٍ مَا ثَبَتَ شَيءٌ مِنَ العِبَارَاتِ، وَجَلَّ اللهُ عز وجل عَنْ أَنْ يُخَاطِبَ إِلَّا بِمَا تَفْهَمُهُ العَرَبُ فِي مَعْهُودِ مُخَاطَبَاتِهَا مِمَّا يَصِحُّ مَعْنَاهُ عِنْدَ السَّامِعِينَ، وَالاِسْتِوَاءُ مَعْلُومٌ فِي اللُّغَةِ وَمَفْهُومٌ، وَهُوَ العُلُوُّ وَالارْتِفَاعُ عَلَى الشَّيءِ وَالاسْتِقْرَارُ وَالتَّمَكُّنُ فِيهِ.

 

قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ اسْتَوَى ﴾؛ قَالَ: «عَلَا، قَالَ: وَتَقُولُ العَرَبُ: اسْتَوَيْتُ فَوْقَ الدَّابَّةِ وَاسْتَوَيْتُ فَوْقَ البَيْتِ، وَقَالَ غَيرُه: اِسْتَوى أَيْ: انْتَهَى شَبَابُهُ وَاسْتَقَرَّ فَلَمْ يَكُنْ فِي شَبَابِهِ مَزِيدٌ».

 

قَالَ أَبُو عُمَرَ: «الاِسْتِوَاءُ الاسْتِقْرَارُ في العُلُوِّ، وَبِهَذَا خَاطَبَنَا اللهُ عز وجل وَقَالَ: ﴿ لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ ﴾ [الزخرف: 13].

 

وَقَالَ: ﴿ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ ﴾ [هود: 44].

وَقَالَ: ﴿ فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ ﴾ [المؤمنون: 28].

 

وَقَالَ الشَّاعِرُ:

فَأَوْرَدْتُهُم مَاءً بِفَيْفَاءَ[40]قَفِرَةٍ
وَقَدْ حَلَّقَ النَّجْمُ اليَّمَانِيُّ فَاسْتَوَى

وَهَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَأَوَّلَ فِيهِ أَحَدٌ اسْتَوْلَى؛ لأَنَّ النَّجْمَ لَا يَسْتَوْلِي».

 

قَالَ: «وَمِنَ الحُجَّةِ أَيْضًا فِي أَنَّهُ عز وجل عَلَى العَرْشِ فَوْقَ السَّمَاواتِ السَّبِعِ أَنَّ المُوَحِّدِينَ أَجْمَعِينَ، مِنَ العَرَبِ والعَجَمِ، إِذَا كَرَبَهُم أَمْرٌ، أَوْ نَزَلَتْ بِهِم شِدَّةٌ رَفَعُوا وُجُوهَهَم إِلَى السَّمَاءِ يَسْتَغِيثُونَ رَبَّهُم تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَهَذَا أَشْهَرُ وَأَعْرَفُ عِنْدَ الخَاصَّةِ وَالعَامَّةِ مِنْ أَنْ يُحْتَاجَ فِيهِ إِلَى أَكْثَرِ مِنْ حِكَايَتِهِ؛ لأَنَّهُ اضْطِرَارٌ لَمْ يُؤَنِّبْهُم عَليهِ أَحَدٌ، وَلَا أَنْكَرَهُ عَلَيهِم مُسْلِمٌ» اهـ[41].

 

7- وَقَالَ شَيْخُ الإِسْلَامِ اِبْنُ تَيْمِيَةَ رحمه الله بَعْدَ أَنْ نَقَلَ جُمْلَةً مِنْ أَقْوَالِ سَلَفِ الأُمَّةِ وَعُلَمَائِهَا:

«وَنَقْلُ أَقْوَالِ السَّلَفِ مِنَ القُرُونِ الثَّلَاثةِ، وَمَنْ نَقَلَ أَقْوَالَهُمْ فِي إِثْبَاتِ أَنَّ اللهَ فَوْقَ العَرْشِ يَطُولُ، وَلَا يَتَّسِعُ لَهُ هَذَا المَوْضِعُ، وَلَكِنْ نَبَّهْنَا عَلَيهِ» اهـ[42].

 

النِّزَاعُ فِي هَذِهِ المَسْأَلَةِ مُحَرَّمٌ:

وَالنِّزَاعُ فِي إِثْبَاتِ العُلُوِّ للرَّبِ سُبْحَانَهُ لَا يَجُوزُ؛ لأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ المَسَائِلِ التِي يَجُوزُ الاجْتِهَادُ فِيهَا، بَلْ يَجِبُ التَّوَقُّفُ عِنْدَ النُّصُوصِ الشَّرْعِيَّةِ الوَارِدَةِ فِيهَا.

 

قَالَ شَيْخُ الإِسْلَامِ: «وَلَمْ يَكُنْ هَذَا عِنْدَهُم مِنْ جِنْسِ مَسَائِلِ النِّزَاعِ الَّتِي يَسُوغُ فِيهَا الاِجْتِهَادُ، بَلْ وَلَا كَانَ هَذَا عِنْدَهُم مِنْ جِنْسِ مَسَائِلِ أَهْلِ البِدَعِ المَشْهُورِينَ فِي الأُمَّةِ: كَالخَوَارِجِ وَالشِّيعَةِ[43] وَالقَدَرِيَّةِ وَالمُرْجِئَةِ، بَلْ كَانَ إِنْكَارُ هَذَا عِنْدَهُم أَعْظَمَ مِنْ هَذَا كُلِّه، وَكَلَامُهُم فِي ذَلِكَ مَشْهُورٌ مُتَوَاتِرٌ.

 

وَلِهَذَا قَالَ المُلَقَّبُ بإِمَامِ الأَئِمَّةِ أَبُو بَكرٍ بْنُ خُزَيْمَةَ فِيمَا رَوَاهُ عَنْهُ الْحَاكِمُ: «مَنْ لَمْ يَقُلْ: إِنَّ اللهَ فَوْقَ سَمَاوَاتِهِ عَلَى عَرْشِهِ بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ وَجَبَ أَنْ يُسْتَتَابَ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا ضُرِبَتْ عُنُقُه، ثُمَّ أُلْقِيَ عَلَى مَزْبَلَةٍ لِئَلَّا يَتَأَذَّى بَنَتَنِ رِيحِهِ أَهْلُ الْقِبلَةِ وَلَا أَهْلُ الذِّمَّةِ» اهـ[44].

 

قُلْتُ: وَتَكْفِيرُ السَّلَفِ لَهُمْ، مَنْقُولٌ فِي كُتُبِ السُّنَّةِ وَالْعَقَائِدِ بِالْأَسَانِيدِ الصَّحِيحَةِ:

1- فَقَدْ قَالَ الْحَسَنُ بْنُ عِيسَى مَوْلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ المُبَارَكِ: كَانَ اِبْنُ المُبَارَكِ يَقُولُ: الجَهْمِيَّةُ كُفَّارٌ[45].

 

2- وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ عِيسَى: «الْجَهْمِيَّةُ! وَمَنْ يَشُكُّ فِي كُفْرِ الْجَهْمِيَّةِ»[46].

 

3- وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ: «الْجَهْمِيَّةُ يُسْتَتَابُونَ، فَإِنْ تَابُوا وَإِلَّا ضُرِبَتْ أَعْنَاقُهُم»[47].

 

4- وَقَالَ إِسْحَاقُ الْبَهْلُولِ لِأَنَسٍ بْنِ عِيَاضٍ بْنِ ضَمْرَةَ: «أُصَلِّي خَلْفَ الْجَهْمِيَّةِ؟ قَالَ: لَا، ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [آل عمران: 85]»[48].

 

وَفِيمَا ذَكَرْنَا كِفَايَةٌ لِمَنْ هَدَاهُ اللهُ وَأَلْهَمَهُ رُشْدَهُ، وَأَمَّا مَنْ أَرَادَ اللهُ فِتْنَتَهُ فَلَا حِيلَةَ فِيهِ، بَلْ لَا يزِيدُهُ كَثْرَةُ الأَدِلَّةِ إِلَّا حِيرَةً وَضَلَالًا، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا ﴾ [المائدة: 64].

 

وَقَالَ: ﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا ﴾ [الإسراء: 82].

 

وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.

 

المَعَانِي الإِيمَانِيَّةُ:

فَمَنْ شَهِدَ مَشْهَدَ عُلُوِّ اللهِ عَلَى خَلْقِهِ وَفَوْقِيَّتَهُ لِعبَادِهِ وَاسْتَوائِهُ عَلَى عَرْشِهِ، كَمَا أَخْبَرَ بِهِ أَعْرَفُ الْخَلْقِ وَأَعْلَمُهُم بِهِ الصَّادِقُ المَصْدُوقُ، وَتَعَبَّدَ بِمُقْتَضَى هَذِهِ الصِّفَةِ بِحَيثُ يَصِيرُ لِقَلْبِهِ صَمَدٌ يَعْرُجُ الْقَلْبُ إِلَيْهِ مُنَاجِيًا لَهُ مُطْرِقًا وَاقِفًا بَيْنَ يَدَيْهِ وُقُوفَ الْعَبْدِ الذَّلِيلِ بَيْنَ يَدَيِ المَلِكِ الْعَزِيزِ، فَيَشْعُرُ بِأَنَّ كَلَامَهُ وَعَمَلَهُ صَاعِدٌ إِلَيْهِ مَعْرُوضٌ عَلَيْهِ مَعَ أَوْفَى خَاصَّتِهِ وَأَوْلِيَائِهِ، فَيَسْتَحِي أَنْ يَصْعَدَ إِلَيْهِ مِنْ كَلَامِهِ مَا يُخْزِيهِ وَيَفْضَحُهُ هُنَاكَ، وَيَشْهَدُ نُزُولَ الأَمْرِ وَالمَرَاسِيمِ الْإِلَهِيَّةِ إِلَى أَقْطَارِ الْعَوَالِمِ كُلَّ وَقْتٍ بِأَنْوَاعِ التَّدْبِيرِ وَالتصَرُّفِ - مِنَ الإِمَاتَةِ وَالإِحْيَاءِ وَالتَّوْلِيَةِ وَالْعَزْلِ وَالْخَفْضِ وَالرَّفْعِ وَالْعَطَاءِ وَالمَنْعِ وَكَشْفِ الْبَلَاءِ وَإِرْسَالِهِ وَتَقَلُّبِ الدُّوَلِ وَمُدَاوَلَةِ الْأيَّامِ بَيْنَ النَّاسِ - وغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ فِي المَمْلَكِةِ الَّتِي لَا يَتَصَرَّفُ فِيهَا سِوَاهُ، فَمَرَاسِمُهُ نَافِذَةٌ فِيهَا كَمَا يَشَاءُ: ﴿ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ﴾ [السجدة: 5]، فَمَنْ أَعْطَى هَذَا المَشْهَدَ حَقَّهُ مَعْرِفَةً وَعُبُودِيَّةً اِسْتَغْنَى بِهِ[49].

 

الرَّدُّ عَلَى مَنْ نَفَى صِفَةَ الْعُلُوِّ:

إِنَّ تَعْطِيلَ ذَاتِهِ المُقَدَّسَةِ عَنْ وَصْفِهَا بِذَلِكَ، وَجَعْلَ ذَلِكَ مُجَرَّدَ أَمْرٍ مَعْنَوِيٍّ، يَقْتَضِي سَلْبَ ذَلِكَ عَنْهُ بِالكُلِّيَّةِ، وَلَا سِيَّمَا عِنْدَ الْجَهْمِيَّةِ النُّفَاةِ لِصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ؛ فَإِنَّهُ عِنْدَهُم لَا تَقُومُ بِهِ صِفَةٌ ثُبُوتِيَّةٌ يَسِتَحِقُّ بِهَا أَنْ يَكُونَ أَعْظَمَ مِنْ غَيْرِهِ، وَأَكْبَرَ مِنْهُ وَفَوْقَهُ وَأَعْلَى مِنْهُ؛ فَإِنَّهُم لَا يَجْعَلُونَ ذَلِكَ عَائِدًا إِلَى ذَاتِهِ لَأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ عِنْدَهُم التَّجْسِيمُ، فَلَيْسَتْ ذَاتُهُ عِنْدَهُم مَوْصُوفَةً بِكِبَرٍ وَلَا عَظَمَةٍ وَلَا عُلُوٍّ وَلَا فَوْقِيَّةٍ، وَلَيْسَ لَهُ عِنْدَهُم صِفَةٌ ثُبُوتِيَّةٌ تَكُونُ عَظَمَتُهُ وَفَوْقِيَّتُهُ وَعُلُوُّه لِأَجْلِهَا، فَإِنَّ إِثْبَاتَ الصِّفَاتِ عِنْدَهُم يَسْتَلْزِمُ التَّرْكِيبَ، وَلَا لَهُ فِعْلٌ يَقُومُ بِهِ يَكُونُ بِهِ أَعْظَمَ وَأَكْبَرَ مِنْ غَيْرِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ عِنْدَهُم حُلُولَ الْحَوَادِثِ وَقِيَامَهَا بِهِ، فَلَا حَقِيقَةَ عِنْدَهُم لِكَوْنِهِ أَكْبَرَ وَأَعْظَمَ وَأَجَلَّ مِنْ غَيْرِهِ إِلَّا مَا يَرْجِعُ إِلَى مُجَرَّدِ السَّلْبِ وَالنَّفْيِ وَالْعَدَمِ، مِثْلَ كَوْنِهِ لَا دَاخِلَ الْعَالَمِ وَلَا خَارِجُه، وَلَا يَفْعَلُ لِحكْمَةٍ وَلَا مَصْلَحَةٍ، وَلَا لَهُ وَجْهٌ وَلَا يَدَانِ، وَلَا يَنْزِلُ كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا، وَلَا هُوَ مُسْتَوٍ عَلَى عَرْشِهِ، وَلَا يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِفَصْلِ الْقَضَاءِ، وَلَا يَرَاهُ المُؤْمِنُونَ فِي الْجَنَّةِ، وَلَا يُكَلِّمُهُم، وَلَا كَلَّمَ مُوسَى فِي الدُّنْيَا وَلَا أَحَدًا مِنَ الخَلْقِ، وَلَا يُشَارُ إِلَيْهِ بِالأَصَابِعِ، وَلَا يُرْفَعُ إِلَيْهِ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ، وَلَا تَعْرُجُ المَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ، وَلَا عَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَيْهِ وَلَا دَنَا مِنْهُ حَتَى كَانَ قَابَ قَوْسَينِ أَوْ أَدْنَى، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ النَّفْيِ وَالسَّلْبِ الَّذِي يَفِرُّونَ عَنْهُ بِنَفْيِ التَّشْبِيهِ وَالتَّجْسِيمِ وَالتَّرْكِيبِ، فيُوهِمُونَ السَّامِعَ أَنَّ إِثْبَاتَ ذَلِكَ تَشْبِيهٌ وَتَجْسِيمٌ ثُمَّ يَنْفُونَهُ عَنْهُ، وَحَقِيقَةُ ذَلِكَ نَفْيُ ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ فَهَذَا حَقِيقَةُ كَوْنِهُ أَكْبَرَ مِنْ كُلِّ شَيءٍ وَأَعْظَمَ مِنْهُ وَفَوْقَهُ وَعَالِيًا عَلَيْهِ عِنْدَهُم، وَحَقِيقَةُ ذَلِكَ نَفْيُِ هَذَا عَنْهُ وَجَعْلُ كُلِّ شَيءٍ أَكْبَرَ مِنْهُ لِأَنَّ مَا لَا ذَاتَ لَهُ وَلَا صِفَةَ وَلَا فِعْلَ فَكُلُّ ذَاتٍ لَها صِفَةٌ أَكْبَرُ مِنْهُ فَالقَوْمُ كَبَّرُوه وَعَظَّمُوه وَنَزَّهُوهُ فِي الْحَقِيقَةِ عَنْ وُجُودِهِ فَضْلًا عَنْ صِفَاتِ كَمَالِهِ وَأَفْعَالِهِ[50].



[1] مسلم في الإيمان، باب في قوله تعالى: ﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ﴾ (1/ 193) (207).

والرضمة صخور عظام بعضها فوق بعض، انظر لسان العرب (12/ 245).

[2] البخاري في التوحيد، باب قوله: ﴿ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ﴾ (6/ 2731) (7079).

[3] لسان العرب (15/ 84)، وكتاب العين (2/ 245).

[4] دليل التَّمانُع دليل مشهور بين المتكلِّمين، وهو حقٌّ في إثبات توحيد الرُّبوبية، انظر: لمع الأدلة في قواعد أهل السُّنَّة (ص: 99)، والغُنية في أصول الدِّين (ص: 67)، وشرح العقيدة الطحاوية (ص: 87).

[5] انظر: تفسير ابن جرير (15/ 91)، والدُّرُّ المنثور (5/ 288)، وتفسير الواحدي (2/ 635).

[6] مسلم في كتاب المساجد، باب: تحريم الكلام في الصلاة (1/ 381) (537).

[7] لسان العرب (15/ 85).

[8] روح المعاني (14/ 170)، وزاد المسير لابن الجوزي (4/ 459)، وتذكرة الأريب في تفسير الغريب (1/ 72).

[9] انظر في هذا المعنى معارج القبول (1/ 144).

[10] العقيدة الأصفهانية (ص: 74)، والفرقان بين الحق والباطل لابن تيمية (13/ 164).

[11] الخصائص لأبي الفتح عثمان بن جنِّي (3/ 268).

[12] لسان العرب (15/ 90)، ومفردات ألفاظ القرآن (ص 582)، واشتقاق أسماء الله للزجاج (ص 162).

[13] تفسير القرآن العظيم (2/ 504).

[14] جامع البيان (3/ 9)، وكلامه يدلُّ على أنَّه يختار علوَّ المكان لله سبحانه، فقد ذكره أولًا تفسيرًا للآية، ثمَّ ذكر الاختلاف فيه، وممَّا يقوِّي ذلك أنَّه ذكر هذا التفسير للاسم في مواضع أُخَر ولم يذكر غيره، انظر: (17/ 137)، (24/ 6، 28).

[15] شأن الدعاء (ص 66).

[16] تفسير البغوي (5/ 26).

[17] التفسير (3/ 232).

[18] كتاب التوحيد (ص: 112).

[19] مجموع الفتاوى (16/ 97 - 98).

[20] النونية (2/ 213 - 214).

[21] تيسير الكريم الرحمن (5/ 300).

[22] انظر النقول الكثيرة التي نقلها الذهبي رحمه الله في العُلوِّ، وابن القيِّم رحمه الله في اجتماع الجيوش الإسلامية عن علماء الأمَّة في هذه المسألة.

[23] الرَّدُّ على الجَهْميَّة (ص: 53).

[24] الرد على الجهمية (ص: 55).

[25] رواه أحمد (5/ 448)، ومسلم (1/ 537).

[26] الرد على الجهمية (ص: 39).

[27] ذكر ذلك ابن القيِّم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص: 29).

[28] رواه أحمد (4/ 405)، ومسلم (1/ 179).

[29] رواه البخاري (2/ 555)، (6/ 3223)، (13/ 7429، 7486)، ومسلم (1/ 632).

[30] رواه مسلم (2/ 1436 - 121).

[31] رواه البخاري (8/ 67)، ومسلم (2/ 742) مطوَّلًا.

[32] رواه البخاري (13/ 7420، 7421).

[33] هو عبد الله بن سعيد بن حاتم الوائلي الحافظ، كان قيِّمًا بالأصول والفروع، له تصانيف حسان منها الإبانة، المنتظم (8/ 310).

[34] نقض تأسيس الجهمية (2/ 38).

[35] أخرجه عبد الله في السُّنَّة (22، 598) وإسناده صحيح.

[36] أخرجه أبو داود في مسائله (268 - 269)، وعبد الله في السُّنَّة (54)، وذكره البخاري في خلْق أفعال العباد (63)، وسندُه حسَن إن شاء الله، وذكره الذهبي في العلوِّ (مختصر العلو ـ ص: 167)، وقال: (يَقِر) مخفَّف، و (العامَّة)؛ مراده: جمهور الأمَّة وأهل العِلم، والذي وقر في قلوبهم مِن الآية، هو ما دلَّ عليه الخطاب مع يَقينهم بأن المستوي ليس كمثله شيء، هذا الذي وقر في فطرهم السليمة، وأذهانهم الصحيحة، ولو كان له معنى وراء ذلك لتفوَّهوا به ولَمَا أهملوه، ولو تأوَّل أحدٌ منهم الاستواء لتوفَّرت الهمم على نقله، ولو نُقل لاشتُهر، فإن كان في بعض جهلة الأغبياء مَن يَفهم مِن الاستواء ما يُوجب نقصًا أو قياسًا للشاهد على الغائب، وللمخلوق على الخالق فهذا نادر، فمَن نطق بذلك زُجِر وعلِّم، وما أظن أن أحدًا مِن العامَّة يقر في نفسه ذلك، والله أعلم» اهـ.

وقال شيخ الإسلام ما معناه: أن الناس جميعًا بفطرهم السليمة يتوجَّهون عند الدُّعاء إلى العلوِّ لا إلى اليمين ولا إلى الشمال، وهذه فطرة الله التي فطر الناس عليها، حتى يأتيهم مَن يجهِّمهم وينقلهم إلى التعطيل، انظر: اجتماع الجيوش (ص: 84).

[37] تلبيس الجهمية لابن تيمية (2/ 40).

[38] هو العلَّامة المحدِّث أبو الفتح نصر بن إبراهيم بن نصر المقدسي، صاحب التصانيف، قال ابن عساكر: كان رحمه الله على طريقة واحدة من الزهد والتنزُّه عن الدُّنيا والتقشُّف، توفي في المحرم سنة تسعين وأربعمائة، وكتابه الحجة ذكر فيه أصول الدِّين على قواعد أهل الحديث والسُّنَّة، السير (19/ 136)، والأعلام (8/ 20).

[39] تلبيس الجهمية (2/ 41).

[40] فيفاء: بوزن صحراء ومعناها.

[41] التمهيد (7/ 129 - 134).

[42] تلبيس الجهمية (2/ 41).

[43] يعني: المتقدِّمين منهم، كما نبَّه عليه محقِّق الكتاب.

[44] تلبيس الجهمية (2/ 41 - 42).

[45] أخرجه عبد الله في السُّنَّة (15) عنه، وإسناده صحيح، الحسن: هو أبو علي النيسابوري ثقة من رجال مسلم.

[46] أخرجه عبد الله في السُّنَّة (16) عنه.

[47] المصدر السابق (48)، وإسناده صحيح.

[48] المصدر السابق (72)، وإسناده حسَن، ابن بهلول صدوق، وأنس ثقة من رجال الستة.

[49] طريق الهجرتين (ص: 78).

[50] الصواعق المرسلة (1/ 1379).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الشافي جل جلاله، وتقدست أسماؤه
  • العليم - العالم - العلام جل جلاله، وتقدست أسماؤه
  • الشهيد جل جلاله، وتقدست أسماؤه
  • الصمد جل جلاله، وتقدست أسماؤه
  • الغني جل جلاله وتقدست أسماؤه
  • السلام جل جلاله، وتقدست أسماؤه
  • المجيد جل جلاله، وتقدست أسماؤه (1)
  • المحيط جل جلاله، وتقدست أسماؤه
  • المعطي جل جلاله، وتقدست أسماؤه (1)

مختارات من الشبكة

  • معاني أسماء الله الحسنى ومقتضاها (العلي - الأعلى - المتعال)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فتح العلي المتعال في بيان حقوق الأطفال (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة منحة العلي المتعال في بيان ما يثبت به الهلال(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • معاني أسماء الله الحسنى { الحي، القيوم، العلي، الأعلى، المتعالي }(مقالة - آفاق الشريعة)
  • اسم الله (العلي) واسم الله (العظيم)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أسماء الله الحسنى وصفاته العلى (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أسماء الله الحسنى وصفاته العلى وظهور أثرها في زمن الأوبئة (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • إن الله ليضحك ويرضى، وله الأسماء الحسنى، والصفات العلى (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • تحرير المقال فيما اقتبسه الشمس من الجلال، عليهما رحمة الكبير المتعال(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • لفت النظر إلى الأخذ بالكتاب وسنة سيد البشر لصالح بن حسين العلي المنتفقي العراقي(مقالة - ثقافة ومعرفة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 16/11/1446هـ - الساعة: 14:43
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب