• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    المنة ببلوع عشر ذي الحجة (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    أهمية التعلم وفضل طلب العلم
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    حديث: رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، ...
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    حقوق المسنين (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة النصر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    المرأة في الإسلام: حقوقها ودورها في بناء المجتمع
    محمد أبو عطية
  •  
    مفهوم الفضيلة لغة واصطلاحا
    د. أحمد خضر حسنين الحسن
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (7)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    خطبة أحداث الحياة
    الشيخ إسماعيل بن عبدالرحمن الرسيني
  •  
    {هماز مشاء بنميم}
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    الإيمان بالقرآن أصل من أصول الإيمان
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أسباب اختلاف نسخ «صحيح البخاري»
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    خطبة: اشتداد المحن بداية الفرج
    يحيى سليمان العقيلي
  •  
    خطبة: إن الله لا يحب المسرفين
    عبدالعزيز أبو يوسف
  •  
    فضل عشر ذي الحجة (خطبة)
    أ. د. إبراهيم بن صالح بن عبدالله
  •  
    فصلٌ: فيما إذا جُهل حاله هل ذُكر عليه اسم الله أم ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / روافد / موضوعات فكرية
علامة باركود

الزيادة السكانية في مصر

الزيادة السكانية في مصر
الشيخ طه محمد الساكت

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 4/5/2014 ميلادي - 4/7/1435 هجري

الزيارات: 17541

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الزيادة السكانية في مصر


كَثُر الحديث والكلام حول مشكلة زيادة السكان في جمهورية مصر العربية، وكان الكلام من المسؤولين عن شؤون الشعب في مصر، وقبلها كان الحديث عن نَفْس المشكلة يأخذ طابَعًا جِديًّا وصارخًا، وسموا هذه المشكلة بأسماء كثيرة ومُتعدِّدة، فمنهم مَن سمَّاها تنظيمَ النسلِ، ومنهم مَن سماها تحديدَ النسل، ومنهم من قال: إنها تنظيم الأسرة، ومنهم من قال: إنها الانفجار السكاني، وكل هذه الأسماء لمسمى واحد، غير أن لفظ تحديد النسل منعه علماؤنا وحرَّموه؛ لأنه يحمل نوعًا من التدخل في إرادة الله؛ لأن الإنسان يقف ضد الإرادة الإلهية، مُعلِنًا الاكتفاءَ بواحد أو باثنين أو بثلاثة، وهذا في نظرهم منتهى السخاء والتكرم بإعالة ثلاثة، ومعهم الوالدان، فتكون الأسرة مكوَّنة من خمسة أفراد، ثم ينظر إليها نظرة خاطئة حاملة على الكُفْر، فيقول: ومَن أين آتي بالطعام لهؤلاء جميعًا، ومن أين أكسو هؤلاء جميعًا؟ ونسوا أن النطفة حين تُوضَع من الرجل في رَحِم المرأة ينادي مَلَك موكَّل بها فيقول: يا رب، هل هي مُخلَّقة أم غير مُخلَّقة؟ فإذا كانت مُخلَّقة، كتب لها أربعة أشياء: عمرها، ورزقها, وعملها، وشقي أم سعيد، وإذًا فرزقها قد كُتِب لهذه النسمة في بطن الأم، ولم تَبرُز إلى الدنيا وقبل أن ترى النورَ، وذلك كما رأيت يكون قبل الوقوع على أرض هذه البقعة، ونحن قد اتجهنا اتجاهًا خاطئًا إلى التقليل من الإنجاب بحجة الطعام والشراب، والسكن والمواصلات والمدرسة، والرعاية الصحية، والخِدْمات الاجتماعية، وكل ذلك في نظر المسؤولين ثقيل حمْلُه على حكومة تَدعَم رغيف العيش والسلع الضرورية، وتُسهِم بقسط وافر في التعليم الذي يُكلِّف الميزانية الأموال الباهظة التي تُعَد بعشرات الملايين، وكذلك الصحة الوقائية والعلاجية، وكذلك النقل العام والخِدْمات السلكية واللاسلكية والصرف الصحي... إلخ ما يتذرَّع به المسؤولون من تبرير للقيام بالحملة الدعائية للتنظيم والتحديد، ورصدت له مئات الملايين لبثِّ الرعب في قلوب المنجبين، أو اللفظ الجديد: الترشيد الاستهلاكي، سواء في السلع أو المياه أو غير ذلك، وبلغ من هذه الجهات (المسؤولة) أنها رفضت الإعانة في الحالة الاجتماعية لما يَزيد على الثلاثة الأولاد، بل هدَّدت بأن الزائد على ثلاثة لا يتعلَّم إلا بالمصروفات ولا يُعالَج إلا بالمصروفات، وبلغ من أحد المتحمسين لفكرة الحد من زيادة النسل أنه كان قد رُزِق بثلاثة من الأولاد (ذكران وأنثى)، وشَبُّوا عن الطوق وكانوا في التعليم العالي، وأراد الاكتفاءَ بذلك فحمل زوجتَه على أن تعمل عملية استئصال لنصف الرَّحم؛ حتى لا تُنجِب، وكفى ما عندنا من ذرية، وكان هذا الرجل يعمل مهندسًا في جهة من جهات الجمهورية (مصر)، وتَقابَل مع أحد شيوخ الأزهر، وتعمَّد أن يسأله عن التنظيم أو التحديد، فأجابه فضيلة الشيخ بأن التحديد حرام، فانهال عليه هذا المهندس باللائمة والعيب على هؤلاء العلماء الذين يعكفون على الورق الأصفر الذي وقف عند حد والدنيا من حولهم تتطوَّر وتتقدَّم حضاريًّا، وكل يوم يطلع علينا بشيء جديد، وأنتم معشر العلماء واقفون جامدون؛ لم تُطوِّروا معلوماتكم، ولم تُغيِّروا من أسلوبكم! وبعد أن أفرغ ما في جعبته من ملام على الشيوخ وفتاواهم، قال الشيخ: هل عاهَدتَّ مَلَك الموت ألا يزور البيتَ ثم يخرج بنهاية حياة واحد من هؤلاء الأولاد؟ فسكت السيد المهندس قليلاً، وكأن القول قد أيقظه من سُبات عميق كان ينام فيه، فكفَّ عن الكلام وانصرف، ثم بعد مدة، وكان أولاده الثلاثة في المرحلة العالية من التعليم: أحدهم في كلية الطب، وقد قارب الانتهاء من دراسته، والثاني في وسط المرحلة العالية، والبنت في كلية الحقوق، وصادف أن مَرِض الابن الأكبر بمرض لم يُجْدِ معه علاج ولا دواء، فذهب مسلِمًا الرُّوح لخالقها، وانتقل إلى الدار الآخرة، ثم بعد مدة ليست بالطويلة مرض أخوه بنفس المرض، ولم ينفع معه التمريض ولا التداوي، فذهب مأسوفًا عليه؛ لينام حيث نام أخوه، وبعده لَحِقت بهما الابنة، ووجد السيد المهندس (وكان برتبة كبيرة) في مكان عمله، وجد نفسه خاليًا من الأولاد، وهدَّدته زوجته، وتوعَّدته بأنه إن تزوَّج أو حاول التزوُّج لا بد وأن تقتله بالسم، وتبث حوله العيون، وقالت له: أنتَ الذي حملتني (كارهة) على استئصال نِصْف الرحم، ولو تركتني كنت قد عوَّضتُك عما فقدتَه من الذرية، والعجيب أن هذا المهندس في حالة من العيش رغدة، فقد كان ميسور الحال يستطيع الإنفاق على ضِعْف هذا العدد بل أضعافه، فما كان منه إلا أن ترك عمله وأطلق لحيته، وأمسك بمسبحة ولَزِم المساجدَ، وقال: لا داعي للكَدِّ والنصَب ثم في النهاية تكون تركتي وما أُوفِّره من تعبي سيكون مآله ونهايته إلى أولاد أخي، ولا داعي للمزيد من التعب وتوفير المال وكفانا ما نحن فيه وما في أيدينا.

 

ثم لقد أخبرَني طبيب يقول: إننا قد ولَّدنا امرأة بالطريقة القيصرية، فوجدنا جنينًا خارج الرَّحِم وجنينًا داخل الرحم، وبينهما لولب لمنع الحمل، ولقد قرأنا في الصحف أن سيدة إنجليزية قد استأصلت رحمها، ثم حملت وتربَّى الجنين في داخلها، كيف تَمَّ ذلك؟ لا أدري، هذا خبر نشرتْه الأهرام!

 

حالة ثالثة: قابلني عامل لا أعرفه، وكانت المقابلة من قبيل المصادفة، ودار بيني وبينه حديث تطرَّق إلى تنظيم النسل، فأقسم لي يمينًا أن زوجته تَحرِص على تناول أقراص منع الحمل في أيام الطهر وأيام الطمث (الدورة الشهرية)، ومع كل ذلك حملت.

 

ومع كل هذا نرى المسؤولين يُجنِّدون وسائلَ الإعلام كلها (من الشاشة الصغيرة، إلى المذياع، إلى الصحف، إلى تجنيد بعض المحاضرين الذين يطلبون من الأزواج والزوجات أن يَكُفوا عن الإنجاب وكذلك المستشفيات؛ حتى إنها توزِّع أقراص المنع بالمجان وتركِّب اللولب بالمجان؛ تشجيعًا لمن يطلب، هذا خطٌّ تسير في تنفيذه وترشيده حكومتُنا والمسؤولون عن التنظيم.

 

وهناك خط آخر مضاد تمامًا ونقيض الخط الأول تُشجِّعه الحكومة وتهيئ له سبيلَه، ألا وهو ما تُسمِّيه حكومتنا الثروة البشرية، ويَقصِدون بها الأعدادَ الهائلة التي تَنزح للهجرة المؤقتة والإعارة للبلاد المتخلِّفة والمتعطِّشة إلى الثقافة والخبرة؛ كي تلحق بركب الحضارة، وهي البلاد المُنتِجة للبترول، وقد أخذت أكثر من 80% من المهاجرين، ثم أستراليا وكندا والولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا وفرنسا وإنجلترا وغيرها من الدول التي ينزح إليها أبناؤنا للعِلْم والاستفادة، ثم العمل هناك حيث الدُّخول الوفيرة والمال الكثير، وتُسهِّل حكومتنا لهم سُبُلَ الخروج، ولقد كان المعار للبلاد العربية لا يُباح له المُكْث خارج جمهوريتنا أكثر من أربع سنين بإجازة بدون مرتب، ثم اجتمعت لجنة بالحزب الوطني برئاسة حسني مبارك، وكان وقتها نائبًا لرئيس الجمهورية، وقرَّروا أن الحدَّ الأدنى للإعارة أربع سنين بعد أن كانت تلك المدة الحد الأعلى؛ وذلك لأن تحويلات مدخرات أولئك كانت تزيد أرقامها وأعدادها على دخل البلاد من السياحة وقناة السويس مجتمعتين، وكل خط من هذين يُناقِض الآخر تمام المناقضة، وإذًا فنحن بين عاملين هامين، فهل نُطاوِع خطًّا يقف بنا عند حدٍّ ترضى عنه الجهات المسؤولة من التحديد والتنظيم، أم نَسلُك الخط الثاني، ونُطلِق النسلَ لطبيعته باعتبار أن الكثرة البشرية ثروة تَدُرُّ على الدولة عائدًا هي في أشد الحاجة إليه؟

 

وطالعتنا الأهرام بخبر من ألمانيا الغربية، وفي الخبر أن مُدرِّسي المدارس في ألمانيا يَشكون البطالة؛ نظرًا لقلة التلاميذ واختزال الفصول؛ مما أدَّى إلى فائض في المدرسين، وأنا أرى أن قلة النسل في الدول المتقدِّمة يستتبِع كذلك تخفيضًا في عدد العمال في جميع المصانع، فمصانع الغزل والنسج سوف تُقلِّل إنتاجها لقلة تصريف ما عندها ولقلة عدد المستهلكين، وكذلك سائر المؤسسات، فعمال مصانع السيارات وعمال التلفونات وعمال النقل وعمال مصانع الأغذية المحفوظة، وعامة فالإنتاج سوف لا يكون كما هو الآن؛ نظرًا لانخفاض عدد السكان (المستهلكين) لهذه السلع.

 

ومَن نظر إلى هذه المشكلة السكانيَّة على أنها مشكلة نسي في خضمِّ هذه الحياة أن الله قد تَكفَّل بأرزاق العباد تفضُّلاً منه، وألزم بهذا الرزق نفسه؛ فقال سبحانه: ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا ﴾ [هود: 6]، ومعنى "على الله" أنه ألزم نفسه برزقها، وكتبه على نفسه تفضُّلاً منه، والله سبحانه لا يُخلِف وعدَه؛ إذ يقول في آية أخرى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾ [الذاريات: 56 - 58] صدق الله العظيم، وإذًا فهو عهد من الله برزق العباد سجَّله في كتابه الكريم: ﴿ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ﴾ [التوبة: 111]؟! ويقول المصطفى صلى الله عليه وسلم في حديث طويل: ((إن الأمين جبريل نفث في رُوعي أنه لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها وأجلها))، ومعنى ذلك أن رزق النسمة موجود مدة وجودها حية على وجه الأرض، ولن تخرج من دنيانا ولها رزق في الدنيا، وصدق الله إذ يقول: ﴿ وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ * وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ * وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ * وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ ﴾ [الحجر: 19 - 22].

 

حدث مرة أن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسًا في بيته يأكل تمرًا، فأتى عليها، حتى إذا بقيت واحدة رفعها إلى فمه، فحضر سائل يسأل شيئًا فأعطاها إياه، وقال صلوات الله وسلامه عليه: ((أما أنك لو لم تأتِها لأتتْك))، فلو لم تكن هذه التمرة من رزقه، لما سعى إليها ولما وصل إلى سيدنا محمد يسأله قبل أن يتناولها، ولو تأخَّر عن الحضور عن ذلك، لأخَّرها الله - سبحانه وتعالى - عن سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم؛ لأنها لم تكن من رزقه، وتَحضُرني حكاية عن سيدنا موسى - على نبينا وعليه الصلاة والسلام - أنه حينما غاب عن أهله في دعوة فرعون لتوحيد ربه وعبادته، فكَّر في أهله، ومن يحصل لهم رزقهم، فأمره الله - سبحانه وتعالى - أن يضرب بعصاه حجرًا كان أمامه فضربه، فانشقَّ الحجرُ عن حجر آخر فأمره أن يضربه، فضربه فانفلق عن حجر آخر - ثالث - فأمره بضربه، فضربه فانفلق الحجرُ عن دودة حيَّة، وفي فمها أثر الطعام وبجانبها قطرة من ماء، ولسان الحال يقول: مَن رزَق هذه الدودة في الحجر من داخل الحجر من داخل حجر، يرزق مَن دبَّ على وجه الأرض، فالدودة وهي في ظُلْمة داخل ظلمة داخل ظلمة، وجد بفمها القوت، وبجانبها الماء، وهي في ظلمات ثلاث، أفلا يَقدِر مَن فَعل ذلك أن يرزق مَن يَدِب على وجه الأرض؟! سبحانه جل شأنه!

 

ورسولنا صلى الله عليه وسلم بُعِث في بقعة من الأرض جرداء - جزيرة العرب - شبه الجزيرة العربية، وهي جرداء قاحلة، يعيش أهلها على ما تَدُره عليهم التجارة؛ استجابة لدعوة أبي الأنبياء سيدنا إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - حينما أسكن ابنَه - الرضيع - إسماعيل وأمه هاجر في هذه البقعة، ثم توجَّه بالدعاء لخالقه قائلاً: ﴿ رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ﴾ [إبراهيم: 37]، فاستجاب الله لدعائه، وجعل مكة ممرًّا تِجاريًّا بين اليمن والشام، ثم جعلها مركزًا عامًّا لجميع المسلمين (قِبْلةً وحجًّا)، فجرى الرزق وتفجَّر الماء، وسعد الناس، وبُعِث الرسول صلوات الله عليه وجاء بشرع هو خاتم الشرائع، ودين هو خاتم الأديان وخيرها، وافترض على المسلمين فيما افترض الزكاة، وبذا نجده قد حارَب الفقرَ في بلاد الفقر، وشجَّع العمل وحضَّ عليه حينما جاءه مَن يسأل طعامًا، فقال له: ((هل عندك في بيتك شيء؟))، قال: نعم، وأحضر شيئًا من بيته هو كلُّ ما عنده، فعرَضه للبيع بدرهمين واشتراه أحد الصحابة بدرهمين، فقال: ((خذ واشترِ لأهلك طعامًا بدرهم، واشترِ بالآخر قَدُومًا وحبلاً))، ثم قال له: ((لا أرينك خمسة عشر، واذهب إلى الجبل واحتَطِب))، ففعل الرجل وصار يَحتطِب من الجبل، ويبيعه في مكة، ثم جاءه وهو في غنى عن السؤال، وعندئذٍ قال الرسول الكريم: ((لأن يأخذ أحدكم حبله على ظهره فيَحتطِب خيرٌ مَن أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه))، أو كما قال النبي الكريم.

 

ولكن الذين نشؤوا نشأة مادية صِرْفة تركوا الجانبَ الرباني، واتَّجهوا إلى المادة يتحدَّثون عنها، فكلما زاد المال في أيديهم زاد شوقُهم إلى الاستزادة منه، وصدق رسول الله حين قال: ((لو كان لابن آدم واديان من ذهب، لتمنَّى أن يكون له ثالث))، ولست أدري ماذا يحمل الناس على الجري وراء المادة والاستزادة منها؟ وتركوا ما كلَّفهم الله به؛ تركوا عبادة ربهم، واتجهوا لما تَكفَّل الله به، فتركهم لأنفسهم؛ فخسروا بذلك رعاية الله لهم وحِفْظه إياهم، واستكثروا من المال وعما قريب سيرحلون ويتركونه، وكما يقول الإمام علي في شأن الموتى حين يُحمَل الميت إلى القبر، يترك كل شيء؛ فلا عقار نقَل، ولا مالَ حمل، ويشتد عجبُك ممن يظلمون الناس ويسرقون أموالهم ويختلسون أموال الشعب أو يَغتصِبونه أو يستولون عليه بغير وجه حق، ثم يرحلون، وعن هذا المال يُسألون، يُنعَّم به أبناؤهم، وتُعذَّب عليه أبدانهم، جمعوه من حرام، ليُسعِدوا به ورثة؛ إن كانوا صالحين وعرفوا حقَّ الله فيه، فلهم ثواب ما أنفقوا، وأجر ما قدَّموا، وإن حاربوا به مولاهم وعصوه واستعملوا هذا المال سلاحًا لمخالفة المولى ومحاربته، كان الإثم على السابقين، الذين جمعوا لهم من المال ما أعانهم على الفِسْق والفجور، ويوم القيامة يدخل الأبناء والزوجة الذين أخرجوا زكاة مالهم يدخلون جنات النعيم، ويدخل هو نارًا تشوي جلدَه وتَحرِق جسده، وتطل له زوجته من شرفات الجنة وتقول له: هذا يوم التغابن سعدنا بما شقيتَ به.

 

ولننظر إلى من كان منا قريبًا - شاه إيران - الذي ملك عشرين ألف مليون - كما قيل - فما أغنى عنه مالُه، ولا نفعته قوته، طُرِد من بلده ولفظته بلاد الدنيا، ومات غريبًا وقَدِم على مولاه وليس معه من ماله شيء، وأفضى إلى ما قدَّم، وغيره ممن عاشوا بيننا، تصرَّفوا في الناس تصرُّف القادرين المخلَّدين فباغتتهم المنيَّة، ولم تنفع فيهم إسعافات، ولم ينفعهم الطب، ولم يرحمهم مَلَك الموت، فقَدِموا إلى ربهم، ويوم القيامة يَقدُمون فُرادى يَفِر منهم أبناؤهم وأهلوهم، وصدق الله إذ يقول: ﴿ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ ﴾ [الأنعام: 94]... إلخ، وصدق الشافعي حين يقول:

تَرْجو النجاةَ ولم تَسْلُك طريقتها
إن السفينة لا تجري على اليَبَسِ
ركوبك النَّعشَ يُنسيك الركوبَ على
ما كنت تَرْكَب من بغل ومن فرس
يوم القيامة لا مالٌ ولا ولد
وضمةُ القبر تُنسي ليلةَ العُرسِ

 

ونعى الله على بني إسرائيل مخالفتَهم لكتابهم؛ فقال سبحانه: ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ ﴾ [المائدة: 66]، ويقول سبحانه: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [الأعراف: 96]، والحل الأمثل - في نظري - أن يرجع الناس إلى ربهم، وأن يَلتزِموا دينه؛ فهو خالق الخَلْق، ويعلم حاجتَهم وما يُصلِحهم، فشرع لهم شرعًا يفيدهم ويُغنيهم، وسخَّر لهم ما في السموات وما في الأرض جميعًا منه، ولن يُغيِّر الله حالَنا إلى الأحسن إلا إذا غيرنا ما في داخلنا ولجأنا إلى بابه، ولُذنا بجنابه، فداوِموا قَرْعَ باب ربكم يُفرِّج عنكم ما أنتم فيه، وكُفُّوا أيديكم عن المال العام، فلو ترَك كبارُنا اغتصابَ الشقق، لوجد شبابنا بيتًا يؤويه، ولو كفَّ كبارنا عن مال الشعب، لسعد كل أفراد الشعب بالدخول العالية، ولو أصلح الناس حالهم، لأصلح الله لهم حال ولاتهم، فرسولنا صلى الله عليه وسلم يقول: ((كيفما تكونوا يولَّ عليكم))، وصدق الله إذ يقول: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا ﴾ [الأنفال: 53]... إلخ، وقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الرعد: 11]، ويقول - جل شأنه -: ﴿ وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا ﴾ [الإسراء: 16]، وتَحضُرني حكاية رجل من الملتزمين بعبادة ربهم، الواثقين فيما عنده، كان هذا الرجل قد خلا بيتُه من الطعام، فقالت له امرأته: اخرج إلى العمل لتُحصِّل شيئًا يتبلَّغ به عيالنا، فذهب إلى سوق العمالة فجاء أصحاب العمل، وأخذ كلُّ واحد منهم ما يحتاجه، وبقي هذا الرجل لم يجد مَن يأخذه، فقال: والله لأعملنَّ مع ربي، وذهب إلى شاطئ النهر فاغتَسَل وصلى لربه طول يومه، وفي آخر النهار رجع إلى بيته، فسألته زوجته عن الأجر، فقال لها: إن سيدي ادَّخر لي الأجر إلى الغد، فلما كان الغد ذهب إلى سوق العمل، فلم يأخذه أحد، فقال: والله لأعملنَّ مع ربي، وذهب إلى شاطئ النهر فاغتسل ودخل في عبادة ربه طول يومه، فلما كان آخر النهار رجع إلى بيته، وسألته زوجته عن أجره، فقال لها: إن سيدي ادَّخر لي الأجر إلى الغد، فتطاولت عليه بلسانها، وعلا عليه صوتُها، فلما كان الغد ذهب إلى سوق العمالة فأخذ أصحاب العمل كفايتهم وتركوه، فقال: والله لأعملنَّ مع ربي، وذهب إلى شاطئ النهر، فاغتسل وأقام يومه في عبادة ربه، فلما كان آخر النهار ذهب إلى بيته متثاقلاً مخافة أن يسمع ما سمعه بالأمس، حتى إذا كان قرب داره شمَّ رائحة الطعام تفوح من بيته ما بين طعام يُطهى ولحم يشوى، ولم يُصدِّق أنه بيته، فرجع إلى أول الشارع فوجده الذي فيه بيته، وذهب إلى البيت فسمع العيالَ وربَّة البيت في سرور وضحك، فطرق الباب فخرجت له زوجته حاسرة عن ذراعيها وهي مسرورة ضاحكة فاستطلعها الخبر، فقالت له: إن رسول سيدك قد أتى بدقيق وسمن ولحم وقال لي: قولي لزوجك يزيدنا في العمل نزيده في الأجر، فانظر يا أخي إلى رجل لم يَفقِد الثقة بالله، ولم يترك الصبر على ما هو فيه، بل لاذ بجناب مولاه وداوم قَرْع بابه، فبعث الله إليه رزقَه، ولقد خالطت رجلاً من حملة القرآن الكريم وكان مكفوف البصر يقرأ القرآن بصوت جميل، وكان فقيرًا يتعيَّش من القراءة في المنازل وإحياء الليالي بقراءة القرآن، وجاء عليه شهر رمضان وكان عادة الموسرين يأخذون أمثاله ليسهر رمضان بتلاوة القرآن، ويعطيه شيئًا من المال يُتَّفق عليه فيما بينهم، فأتى عليه رمضان في سنة، فقال: سأسهر رمضان عند ربي، وكان له واحد من إخوانه يعمل خادمًا في مسجد، فكانوا بعد الفراغ من صلاة القيام يجلسون فيتدارسون القرآن، يقرأ الواحد منهم حزبًا من القرآن، ويُعيده عليه الآخَر، يخبرني هذا الرجل بأن الله أرسل له في هذا الشهر أكثر مما كان يأخذ لو سهر ﴿ وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ ﴾ [إبراهيم: 20].

 

وأُكرِّر القول: لو أن الناس رجعوا إلى دينهم والتزموا بالإخلاص له، لفارقهم الجشع، وزهدوا في هذه الدنيا، واتجهوا إلى تحصيل ما ينفعهم في أخراهم.

 

ثم لا تنسَ أن الولد هو امتداد لحياة أبيه؛ يحمل اسمه، ويمد في حياته (فالذِّكر للمرء عمر ثان) كما يقول شاعرنا العظيم، وكثرة الأولاد - ذكورًا أو إناثًا - إنما هم زيادة عمل لأبويهم، فكل واحد منهم إذا دعا لأبويه بعد موتهما، وترحَّم عليهما، رفع من درجاتهما...

 

وإذا رُزق العبد عددًا من الأولاد ودعا له كل واحد منهم دعوة، تجمَّعت له دعوات متعدِّدة تَرفَع درجاته عند ربه، خاصة وأنه قد حبس عن اقتراف السيئات؛ ولذلك يَسألون عن سبب رفع درجاتهم، فيقال لهم: من دعاء أبنائكم لكم.

 

وليحفظ كلٌّ منا قولَ الله تعالى: ﴿ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ﴾ [الأعراف: 172].





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الزيادة السكانية.. قاطرة للتنمية
  • الضغط السكاني

مختارات من الشبكة

  • الزيادة في مجمهرة عدي بن زيد العبادي(مقالة - حضارة الكلمة)
  • الكثافة السكانية الإسلامية في الهند حتى 2011(مقالة - المترجمات)
  • الهند: ارتفاع الكثافة السكانية المسلمة بولاية أسام إلى 34.2%(مقالة - المسلمون في العالم)
  • ألمانيا: ارتفاع كبير في الكثافة السكانية للمسلمين(مقالة - المسلمون في العالم)
  • الهند: المسلمون الأكثر نموا من حيث الكثافة السكانية(مقالة - المسلمون في العالم)
  • الهجرة والمشكلة السكانية(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • نيجيريا: تجدد التوتر بين المسلمين والنصارى عن تشكيل الأغلبية السكانية(مقالة - المسلمون في العالم)
  • مستقبل الإسلام في أوروبا ( الكثافة السكانية الإسلامية )(مقالة - المترجمات)
  • أحكام سجود السهو (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الشك في الزيادة في التشهد الأخير(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن حمود الفريح)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 25/11/1446هـ - الساعة: 8:19
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب