• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / أخلاق ودعوة
علامة باركود

أسباب الاختلاف بين المسلمين

أسباب الاختلاف بين المسلمين
د. بليل عبدالكريم

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 1/11/2012 ميلادي - 16/12/1433 هجري

الزيارات: 121624

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

أسباب الاختلاف بين المسلمين


حينما يَبْزغ نجم أي أمة، وتأخذ في صعود مقامات القوة والتحضر - تدرج الأمة مدارج النشأة والتكوين، فتستنفذ طاقات أفرادها: فرادى وجماعات، فنجدها "وقد استفزت أحسن ما في أفرادها من الإمكانات، والمواهب، والقدرات، في كافة المجالات السلوكية والاجتماعية والعلمية.


كما نجدها كذلك - وقد أماتت ما بين أفرادها من نزعات هدَّامة - تخرج بها عن طريقها المرسوم؛ فنجدها تشق طريقها بقوة وبسرعة؛ حتى تظهر على مسرح الحياة قوية فتية، لا مجال للضعف والتفرق بين أبنائها، ثم لا تلبث أن تصل إلى طور الاستقرار والتوسع، الذي غالبًا ما يصحبه الغنى بعد الفقر، والترف بعد الخشونة، والحضارة بعد البداوة، فتستبدل شيئًا فشيئًا بمشاعر القوة والاندفاع، مشاعر الترف والتنعم، ويبدأ أفرادها في الانشغال بما بين أنفسهم، بدلاً من الانشغال بمن هم خارج كِيانهم من أعداء متربصين.


فقد أُمِّنت حدودهم، وتوسعت رقعتهم، فإذا حدث ذلك وابتدع صاحب هوى بدعة، اتبعه عليها فريق، فيتعادون ويتخاصمون، ثم يتنافرون ويتحاربون"[1].


وقيام الأمة الإسلامية لم يُخْشَ عليه الفقر، بل أن تُبْسَط الدنيا لأفرادها؛ كما بسطت لمن قبلهم، فتُهلِكهم كما أهلكت من قبلهم، وسر الله في العلم قيام الحضارة الحاضنة له، والحضارة هي مبلغ العلم والمال، والحضر من تجمع البشر، وتطور عمران الحجر.


وأس قيام الجدل: الترف المادي، ثم الترف الفكري، فحين تتشبَّع العلوم، وتتشعب الفنون، وتبحث كل شاردة وواردة، تميل النفوس للطرائف واللطائف، ثم للغرائب وكل مخالف، وكلما بعُد الزمن عن عصر النبوة، خفت نور المشكاة الربانية، و قل من يُحيي السنن ليضيء الدروب، إلا ونشب الخلاف، فما نسي قوم حظًّا مما ذكِّروا به من وحي ربهم؛ إلا وقامت بينهم العداوة والبغضاء، فيتسع الرقع على الراقع، ويكثر الشقاق، ويتشعب الخلاف، ويتداعى الناس على الأدعياء، ولو قام فيهم من يزعم النبوة، لزحف معه رهط منهم.


وتوسع المعايش، وتنوع الأعراف والأعراق، في مدار الحضارة الممتدة الأطراف - يكثر مشاغلها ومشاكلها، وتتعدد نوازلها، وتتكاثر قضايا الناس ومسائلهم.


واختلاف الزمان والمكان، وتبدل الأحوال: من فقر وشظف، إلى غنى وترف، ومن مشاكلة طائفة من الناس، إلى قضايا أمم، يورد التنوع في الحلول، والاختلاف في الفتاوى، وهذا خاضع للمفتي والمستفتي، وزمان ومكان الفتوى، فتكثر الأقوال وتتنوع الآراء، وكلها ناشب عن أمور اقتضتها طبيعة اجتماع الناس، وطبيعة الإنسان المختلفة التركيب بين الواحد والآخر.


ولاختلاف المسلمين فيما بينهم دواع كثيرة، نحصر بعضها فيما يلي:

أ- العصبية:

كان عرب الجاهلية على قبيلين عظيمين: قحطاني وعدناني، والعدناني على فرقين: رَبَعِي ومُضَري، كلٌّ حربٌ على الآخر لا يسالمه، وقتال عليه لا يهادنه، وعراك معه لا يساكنه؛ حتى إذ طلع فجر الإسلام، سكنت نعرات الجاهلية، وتركها المسلمون لنَتَنِها، واستبدلت برابطة القبيلة ما هو أسمى منها، ألا وهي أخوة الإسلام، ومعيار العلا هو التقى.

 

غير أن قومًا خَمدت فيهم تلكم النعرات الجاهلية حينًا من الدهر، وما أن ولى عهد النبوة، حتى طلعت بقرنها مع مسيلمة الكذاب - كذاب ربيعة - أيام الردة، ثم أطفِئت نارها، غير أنه كثُر رمادها، فاشتعل أُوَارها بعد الخلافة الراشدة.

 

وكان للفِرَق نعرات قبلية عصبية صاغت أفكارًا بلبوس ديني، ومن ذلكم الخوارج، فجلهم من بني ربيعة، وعلي - رضي الله عنه - والأمويون من مُضَر.

 

والرافضة الباطنية معظمهم فرس، وطوائف أُخر منهم مثلهم؛ كالبابكية، والمخرمية؛ وغيرها.

 

ب- اختلاف الأمزجة:

اختلاف نفسيات وطبائع البشر، وتنوع محدداتهم النفسية ما بين ليِّن هيِّن، وما بين قاسٍ غليظ الطبع، وما بين متوسط بين هذا وذاك - يخالف بين سلوكهم وتصوراتهم.

 

والمتأمل في حركة "التفرق" التي حصلت في الأمة الإسلامية، والناظر في سمات الفرق، كحركات الغلو والتكفير وغيرها في القديم والحديث - يجد أن النفسية "الغالية" هي نفسية مهيأة ابتداءً إلى تقبل "الغلو".

 

فبدايتها مع البعد النفسي، ثم تتكلف في تأصيل غلوها بتلفيقات فكرية؛ حتى تطمئن أن طريقها صحيح.

 

فالخوارج قديمًا - أو حاليًّا - يمتازون بالجفاء في المعاملة، حتى قبل اعتناقهم للآراء الخارجية، فخوارج العصر الأول استهوتهم فكرة البراءة من عثمان، وعلي، وبني أمية؛ حتى احتلت أفهامهم، وملَكت عليهم عقولهم، وسدت كل باب للمراجعة، فمن تبرأ من عثمان، وعلي وطلحة، والزبير؛ سلكوه في جمعهم، وأضافوه لعدهم، وتسامحوا في مبادئ أخر، كانت حال التدقيق أخطر من البراءة تلك.

 

ولما خرج عبدالله بن الزبير على الأمويين، ناصروه، فلما علموا أنه لا يتبرأ من أبيه، ومَن تبرؤوا هم منه، نابذوه.

 

وشهدوا لعمر بن عبدالعزيز بالحكم الراشد، والعدل في الرعية، لكن حال بينهم وبين القبول بالطاعة له البراءة.

 

هذا علنًا، أما في قرار أنفسهم، فقد حال بينهم وبين أولئك الصحابة والأمويين من قريش، عصبيتهم القبلية، التي لا يرضون بغيرها، ولا يقبلون إلا من هو منهم عرقًا لا دينًا.


والأول منهم كانوا من أهل البادية في فقر مُدقع، وشدة وبلاء قبل الإسلام وبعده؛ لبعدهم عن القرى والحضر، فلم تتحسن أوضاعهم كثيرًا، وأصاب الإسلام شَغاف قلوبهم، مع سذاجة في التفكير، وضيق في التصور، وبُعد عن العلوم، وعادتهم عدم الولاء لرأس دولة، فهم بدو رُحَّل، كل واحد رئيس دولة نفسه، وإن تجمَّعوا جعلوا الرئيس رؤوسًا، ولا طاعة للإمام الواحد.


فميزة الأعراب في الجاهلية أن لكل قبيل رأسًا، وتجميعهم تحت لواء واحد كان من المحال، والأعراب أشد كفرًا ونفاقًا، وهم إن أسلموا لم يؤمنوا، وغالب من ارتد في حروب الردة، كانوا من الأعراب، وخاصة من اليمن، وهم من القبائل الرَّبَعِية المعادية للمُضَرِية التي منها قريش، ومن تبع أدعياء النبوة؛ لا تصديقًا بهم، بل عصبتهم لقبائلهم.


وزهد الخوارج لا عن غنًى، بل عن فقر، فليس صبر امتثالٍ، بل اضطرار، وطباع سارت عليها حياتهم، فصارت عليها بداوتهم، فحوَّلوها دينًا لزامًا؛ لذا لا تجد فيهم التكلف في تحمُّل قسوة المعاش؛ لأن طباعهم اعتادت قسوة العيش وضنك الحياة، فتولدت لهم طباع خشنة، وعقول قاسية، وانفعالات متهورة مندفعة، قل من تجده فيهم ذو لينفي المعاملة، وتفهُّم.


وعلى نقيضهم المرجئة، نبتوا في ترف حضائر العراق، بين المدنية والعيشة الهنية، لا يدرون ضنك العيش، جلهم من أهل الترف، طباعهم بين اللين ودونه، عاشروا أقوامًا وثقافات، وجاوروا طوائف وديانات، فتشابه الأمر عليهم، وكثر فيهم تشقيق الكلام، وتتبع متشابه القرآن، فتراهم قل فيهم التعبد، وهالهم تكفير من ثبت كفره، لرقة في الدين تغلب بعضهم، وتورع زائد لدى طائفة منهم، ونفاق مندس بين فرس عشروا هذا المعتقد في نِحَلهم، فغلب عليهم التحلل من الأحكام، نقيض الخوارج الذين سيماهم الغلو في العبادات، وسيم المرجئة رقة الدين.


فاستحواذ الأفكار قد يكون له عامل وراثي وتربوي، والفرد من طبعه أن يكره كل ما تعلق بما آلمه مما مضى، من كلام أو صور أو روائح؛ لأن تذكُّرها يستحضر وجع ذلك الألم، وطبائعه النفسية تجعله يتقبل من الأفكار ما يرتاح لها نفسيًّا.


لذا كان من القواعد العامة أن متبع السنة يبحث عن الدليل، ثم يعتقد، أما المبتدع فهو يعتقد ثم يبحث له عن دليل يكسب ما يهوى شرعية دينية.


فأفكار الخوارج لها قبول نفسي كبير عند ذوي الأخلاق الضيقة، والنفوس الخشنة الطباع، وإن بعض من هدى الله لا يعتقدها، ولكن يجد في نفسه شيئًا مما يوافق هواه وطبعه، إلا أنه يقدم ما أتى به نبيه على ما يهوى هو.


والمرجئة تجدهم يتهافتون على نصوص الرحمة، وسعتها ومغفرته، ويملؤون الحديث بالرجاء، ويتناسون الوعيد، وعندهم الله -تعالى- غافر الذنب، ويغلق القوس قبل شديد الطول؛ لذا تجد من يميل لهذا الفكر من أهل الترف، وأهل الحضر، والكسالى وضعاف النفوس، ذوي السلوكيات المضطربة، ومرتعهم كان في مدن العراق، ومنها نبت الإرجاء، ومرتع ضنك العيش، وقساوة الطبع بادية الصحراء، وأعراب الحجاز واليمن، ومنها نبت الخروج.


وقس على ذلك الكثير من الفرق، والآراء، والعقائد، فالشيعة: كثير من آرائهم أصلها فارسي بتنوع عقائد أهل الفرس، حتى عقيدة الإمام المعصوم هي من صلب معتقداتهم في "كسرى الفرس"، والمتصوفة تاريخيًّا منشأهم بالبصرة بمناطق تجاور طوائف نصرانية رهبانية، وأهل الكلام أساطينهم ليسوا عربًا، بل من عجم العراق، وأرض العراق أهلها أهل فراق، وتشقيق للكلام، ولطبعهم كثُرت المسائل واختلافهم على علمائهم، وطينة العراق بها تداخُل حضارات وامتزاج معتقدات، فناسب الكلام جذورهم الوراثية، وبيئتهم الاجتماعية، وقابليتهم النفسية، وأساليبهم الفكرية.


ت- طلب الملك:

طلب السلطان مما ابتلي به المسلمون بعد ثانـي الخلفاء، وإن كان هذا الأمر عامًّا في تجمُّعات البشر أجمعين، والأمم والأقوام كلها، غير أن قوة إيمان الصحابة وتحكيمهم للنصوص قبل هوى النفوس، درأ عنهم فتن زوابع عراك التيوس، لاعتلاء الرؤوس، وهذا ما لم يكن بعد مقتل الخليفة عثمان - رضي الله عنه - فصاغت الحزازات السياسية نعرات عرقية، تحلست بشعارات عقدية، وتترَّست بنداءات إيمانية؛ فأنبتت أولى الفرق في الأمة الإسلامية، الخوارج، ثم الشيعة، ثم صحبها دوافع الخلاف البشرية العامة؛ من عصبية، وتعصب، وتقليد لقول الطائفة، وتفاوت المدارك، والأمزجة، والرغبات، فصنعت آراءً في قضايا ساعتها، وطرحت مسائل تستشكلها أيام تكوُّنها، ثم تتجمع مقالاتها، وتتنسق مقولاتها، لتنسج نسقًا فكريًّا، يضطرها لتبنِّي منهج، يورد كل ما يتدفق فيها إلى واديها العقدي، ويستقر على قواعدها، وما خالفها فهو زبد يذهب جفاءً عن أوعيتها.

 

وهنا يشتد الخلاف، ويقوى النزاع الفكري والعقدي، وكل يكف الضربات عن حزبه، فتقوى أدلة الخصوم، ويكثر البحث عن الثغرات، وتتقوى أدلة الهجوم، وتستجلب الدلالات، وتبتكر المناهج، والمسالك، والمقدمات.


ث- المصطلحات المجملة:

هي ما حوى في دلالاته المفاهيم الهلامية غير المنضبطة، وما احتوى في لازمه - لا مطابقة - محظورًا شرعيًّا، أو نقيضًا لما اصطلح عليه، فظاهر لفظه غير باطن معناه، كأنما وجد لخاصته دون غيرهم، فيتشابه مع غيره من المفردات، ويغايرها في الدلالة، فيلبس الحق بالباطل، ويدلس الخطأ بالصواب، وعدم تحديدها يكون سببًا في وقوع الخلاف والشقاق، والتداخل الدلالي؛ لأن عملية انتقال المفهوم من الاستعمال التخصصي "الاصطلاحي" ومجال الجماعة العلمية إلى مخاطبة عموم الناس - يَكتَنِفها شيء من الخطورة؛ حيث يأخذ اللفظ الواحد معاني شتى، طبقًا لمستويات الخطاب وجمهوره، وبدلاً من عمليات الوضع المنظم، التي كان ينبغي أن تتم داخل الجماعة المخاطبة؛ لتحقيق هدف توصيل المعلومات، وقيام العلم بدوره، ترى عملية أخرى تسمى "الخط المفهومي"، وهي أن يفسر كل مخاطب المصطلح الواصل إليه عبر الصحافة وأخواتها من وسائل الاتصال تفسيرًا عشوائيًّا، فيصبح للمصطلح الواحد أكثر من مفهوم، وحينئذ تظهر المشاحنة والمنازعة، وهذا يسبب الخطأ في الاستعمال؛ طبقًا للخطأ الحاصل في ذهن المستعمل؛ لذا فهو يحمل في طياته تلبيسًا خطيرًا"[2].

 

وكثير من النزاع سببه الإجمال، والمعاني المشتبهة، ليست في الكتاب والسنة، ولا اتفق السلف على نفيها أو إثباتها، فهذه ليس على أحد أن يوافق من نفاها أو أثبتها؛ حتى يستفسر عن مراده، فإن أراد بها معنى يوافق خبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- أقرَّ به، وإن أراد بها معنى يخالف خبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- أنكره.


ثم التعبير عن تلك المعاني، إن كان في ألفاظه اشتباه أو إجمال، عبَّر بغيرها، أو بيَّن مراده بها، بحيث يحصل تعريف الحق بالوجه الشرعي.

 

فإن كثيرًا من نزاع الناس سببه ألفاظ مجملة مبتدعة، ومعان مشتبهة، حتى تجد الرجلين يتخاصمان، ويتعاديان على إطلاق ألفاظ ونفيها، ولو سئل كل منهما عن معنى ما قاله، لم يتصوَّره، فضلاً عن أن يعرف دليله، ولو عَرَف دليله؛ لم يلزم أن من خالفه يكون مخطئًا، بل يكون في قوله نوع من الصواب، وقد يكون هذا مصيبًا من وجه، وهذا مصيبًا من وجه، وقد يكون الصواب في قول ثالث[3].


فأصل ضلال بني آدم من الألفاظ المجملة والمعاني المشتبهة، ولا سيما إذا صادفت أذهانًا متخبطة، فكيف إذا انضاف إلى ذلك هوى وتعصُّب[4].

 

وفي الأمة الإسلامية شاعت المصطلحات بين المبتدعة؛ لغالب أمرهم المخالف للأصل، فكان كلامهم محدث، نحت من مادة فاسدة كالفلسفة، أو اشتق من معالم الدين، وأُلبس من المفاهيم ما يلحقه بباطله الأول.

 

وبين ظهراني المسلمين فرق شاع بينهم الإجمال في الكلام، ووضعهم لما يتصالحون عليه دون غيرهم؛ حتى لا تُدرك حقيقة كلامهم، وهم:

• الشيعة: خاصة الباطنية، فقد ألبسوا عقائد مجوسية فارسية ألفاظًا عربية إسلامية، وما وقعوا على أصل دين، إلا قلبوه لما يبغون من الكفر والزندقة، بدعوى أن للوحي ظاهرًا لعامة الناس، وباطنًا لأئمتهم وخاصتهم، فيسمون الأشياء بغير مسمياتها، فنصبوا للمسلمين الحبائل، وبغوا لهم الغوائل، ولبسوا الحق بالباطل، ومكر أولئك يبور، وجعلوا لكل آية من كتاب الله تفسيرًا، ولكل حديث تأويلاً، وزخرف الأقوال، وضرب الأمثال، وجعل لآي القرآن شكلاً يوازيه، ومثلاً يضاهيه، فمعنى الصلاة والزكاة عندهم: محمد، وعلي، فمن تولاهما؛ فقد أقام الصلاة، وآتى الزكاة.

 

والخمر والميسر اللذين نهى الله قربهما، هما: أبو بكر وعمر، لمخالفتهما عليًّا.

 

ومعنى دخول الجنة أن يذهب الداعي "الإسماعيلي" بالمدعو الجديد إلى زوجته ليبيت معها، فإذا خرج المخدوع "المدعو" من عندها - زوجة الداعي - تسامع به أهل هذه الدعوة الملعونة، فلا يبقى منهم أحد إلا وبات مع زوجة المخدوع "المدعو"؛ كما فعل هو مع زوجة الداعي.."[5].

 

• أهل التصوف: كان التصوف في مراحله الأولى قد أكثر فيه من استخدام المصطلحات المجملة التي تحمل حقًّا وباطلاً: كالسماع، والخلوة، والشهود، والإشراق، والكشف، والأوراد والمحبة، والسلوك، والاتصال والانفصال، والمسامرة، والمكالمة، والخاصة، وخاصة الخاصة - فجاء من تلا ممن تعلق بتلك المصطلحات، وزاد عليها أمورًا، وتوسع فيها بمفاهيم، حولت الدين شطحًا وردحًا، والمشايخ آلهةً، وقبورهم مزارات.

 

وفي تلك المصطلحات حق وباطل، ومنها ما هو حق بكلام أهل التصوف المتقدمين، باطل بما توسع فيه أتباعهم من المتأخرين.

 

يقول ابن القيم:

"فإياك، ثم إياك والألفاظ المجملة المشتبهة، التي وقع اصطلاح القوم عليها؛ فإنها أصل البلاء، فإذا سمع ضعيف المعرفة والعلم بالله - تعالى لفظ -: اتصال، وانفصال، ومسامرة، ومكالمة، وأنه لا وجود في الحقيقة إلا وجود الله، وأن وجود الكائنات خيال ووَهْم، وهم بمنزلة وجود الظل القائم بغيره؛ فاسمع منه ما يملأ الآذان من حلول، واتحاد، وشطحات.

 

والعارفون من القوم أطلقوا هذه الألفاظ ونحوها، وأرادوا بها معاني صحيحة في أنفسهم؛ فخلط الغالطون في فهم ما أرادوه، ونسبوه إلى إلحادهم وكفرهم، واتخذوا كلماتهم المتشابهة ترسًا لهم وجُنة"[6].

 

• أهل الكلام: فقد راموا الرد على أهل الفلسفة وملل الكفر، فحاكوا اصطلاحاتهم، ونحتوا مفرداتهم، غير أنهم حملوها مذاهب لم تكن قبلهم، بل بعضها مفاهيمها فلسفية، لم يزيدوا عن تعريبها شيئًا، غير أنهم حشروها في العقائد حشرًا، حتى يكاد المبتدئ يتوهم أن القرآن نزل بها؛ لكثرة إيرادها على أنها من أصول الدين ومبادئه، كالجوهر الفرد، والعرض، والقدم والحدوث، والجسم، والحد، وغيرها.

 

فصار الوافد من اليونان يزاحم ما جرى على لسان السلف من بيان، حتى اختزلها ثم أقصاها، فلا تجد في آثار أهل الكلام المتأخرين أثرًا لكلام الصحابة، ولا آثار السلف، بل ونادرًا ما تمر بك آية أو حديث.

 

"فالمصطلحات الوافدة، يمكن أن تزاحم المصطلحات الأصلية للأمة، والمفاهيم الأصلية في شتى مناحي حياتها، لتحاول ترحيلها من الساحة العلمية والثقافية الإسلامية شيئًا فشيئًا، تمهيدًا لترحيل ما تعبر عنه من معتقد، أو فكر، أو خلق أصيل"[7].

 

وهذه الاصطلاحات المجملة أحدثت لَبْسًا في فَهم أصول الدين، وخلطت حقًّا بباطل، وأحدثت حالة من الرهاب من مصطلحات الحادثة، لما تفرز من تداخل دلالي، واضطراب عرفي للغة المتداولة، حتى إن بعضها كان يحوي: كفرًا لفظيًّا، وبدعًا من القول، وشططًا من الفهم؛ فيقع الخلاف على غير أرضية مستوية، فكلا المخالفين يريد من كلامه ما يعيه هو لا خصمه.

 

والباطنية يقحمون باطلهم في معتقد المسلمين بمجمل القول، وهم من رام متشابه الكلام، وتعتيم البيان بحبكه بإجمال، إنما يبغي هدم أصل الإسلام، وكلهم تجاذبوا فيها بأزِمَّة الضلال.

 

ج- امتزاج الديانات:

الناس كأسراب القطا؛ يتبع بعضهم بعضًا، وينقل الجار عن جواره، وتجاور أهل الملل يعدي فيهم النحل، فيوهن الحزازات النفسية، ويضعف الحساسية العقدية، فيبعث التساهل في التقليد، والتهاون في المواكبة، والإعجاب بالعادات، فتتسرب أفكار وسلوكيات، وعادات وطقوس، تتطور لتصبح دينًا له دلائل وأنصار.

 

والأمر قد يأخذ مراحل بين أجيال، فلا يدري اللاحق معتقد السابق، فقط أنه وُلِد فورث هذا الأمر، ووجد آباءه على أمة، وهو على آثارهم مقتدٍ، فيعلق بالقلب، ويلصق بالعقل، فتخرج له المشروعية، وتنحت له المستندات الدينية، والبراهين العقلية.

 

وكثير ممن أسلم من أفراد الأمم، كان استسلامه مصحوبًا بقلة علم، ومنهم مَن نشأ في قرى وبوادي لا يقربها علم ولا معرفة، وبعضهم جلب موروثاته الدينية، وألبسها لبوس الإسلام، كما كاد المنافقون بظاهر الإسلام وباطن كفرهم، وكل أولئك أدخل في الدين ما ليس منه، وحشره، وجعل له مسميات إسلامية، واقتنص له الآيات والأحاديث، حتى اختلط على الناشئ في ذاك، أن يميز الخبيث من الطيب، بل اختلط على بعض العلماء أنفسهم، فمرت إلى عقائدِ فرقٍ إسلامية، نظرياتٌ مجوسية، ونصرانية، ويهودية، ووثنية، يونانية، وهندية، وهذه ظاهرة بشرية مست كل الديانات السابقة.

 

وبيئة امتزاج الديانات: العراق وخراسان، فقد كانت تعج بالفرق، والملل، والنحل، والفلسفات، وهي أرض حاضنة لتفريخ غرائب التصورات، وعجب الطقوس والمعتقدات، فترى شُبَه الصابئة تدخل على نظريات الإسماعيلية في نشأة الكون من الأفلاك، ونظرية الفيض والصدور.


والنظريات المزدكية الإباحية الشيوعية تسري مع الباطنية من قَرَامطة، وعُبَيدية، ومخرمية، وبابكية، ونُصَيرية.


ونظريات التناسخ، والحلول، والاتحاد، تمر لبعض فلاسفة الصوفية، وعقائد الثنوية المجوسية تتسرب لبعض أقوال المعتزلة.


ورهبنة نصرانية تتمكن من جملة من زهاد الصوفية، والأفلاطونية المحدثة تطلع صوفية فلسفية، وأفكار يهودية عن الوصي، والنبي، وعرش الملك، والنبوة، تتغلغل في الرافضة:

• فقالت اليهود: لا يكون الملك إلا في آل داود، وقالت الرافضة: لا يكون الملك إلا في آل علي بن أبي طالب.


• وقالت اليهود: لا جهاد حتى يخرج المسيح المنتظر، وينادي منادٍ من السماء، وقالت الرافضة: لا جهاد حتى يخرج المهدي، وينزل من السماء.


• ولا ترى اليهود بالطلاق الثلاث، وكذا الرافضة.


• واليهود تبغض جبريل، وتقول: إنه عدوهم من الملائكة، وكذا الرافضة تزعم أنه أخطأ في الرسالة لمحمد، وكانت لعلي.


"ولاشك في أن الأنساق الدينية التوحيدية قد تفاعلت فيما بينها، كما تفاعلت مع الحضارات الأخرى؛ فقد مثل علم الكلام عند المسلمين والعقلانية الإسلامية، محاولة من جانب الفكر الإسلامي؛ للاستجابة لتحدٍّ حضاري طرحه فكر الآخر "الفكر الفلسفي اليوناني".


وفي عملية الاستجابة، تم تبني مقولات مفاهيمية وفلسفية من النسق الآخر.


ولكن مثل هذه العناصر الجديدة ظلت دائمًا على مستوى الخطاب والمصطلح، وتم استيعابها وهضمها تمامًا بحيث أصبحت جزءًا من الكل.


أما ما يتنافى مع جوهر النسق الديني، فقد أصبح هامشيًّا، وغير مؤثر، أو رُفِض تمامًا[8].


وما لحق بالمسلمين لحق بغيرهم ممن هو قبلهم، أو ممن عاصرهم، فكثير من الطوائف اليهودية والنصرانية، أخذ بلبها علو شأن الحضارة الإسلامية، فغيرت شيئًا من معتقداها، بل ومن مناهج تفكيرها، ونشأت فرق وطوائف نصرانية ويهودية في ظل الحكم الإسلامي، تخالف ما كان عليه أسلافها، كتأثر يهود الأندلس بفلسفة ابن رشد، وتأثر المقاطعات النصرانية المجاورة للأندلس بعقيدة التوحيد الهادم للتثليث، وبشرية عيسى، وانتفاء الوسيط بين الله وعباده، وهؤلاء كانوا بمقاطعات فرنسية، صدر بحقهم الإبادة الجماعية من قبل الفاتيكان ضمن حملات محاكم التفتيش.


ونموذج التأثر والتأثير، حروب الإفرنج بين النصارى ومسلمي الشام ومصر، فقد انتقلت عقيدة الجهاد والقتال المقدس، لتسمى الحروب بعض ثلاث قرون من اندلاعها بالحروب الصليبية، وضعفت مهابة وسلطة البابا الروحية، لما رأى النصارى من عقيدة التوحيد، ونفي الوسائط بين الرب وعباده لدى المسلمين.


ح- إقحام الفلسفة:

بين الفلسفة والدين خصام قديم، وإن حاول بعض الفلاسفة التلفيق، غير أن ذاك عقيم، فانتفاء الفاصل بين المقدس والمدنس لدى الفلاسفة، واعتراض الوحي بالموروث المعرفي البشري، ومحاكمة مفهوم النص بمفهوم الشخص، وعرض ما استنبطه العقل من الشهود، كمقابل لما استنبطه من وحي المعبود - جعل توازن الأرضية الحوارية مضطربًا، خاصة والفلاسفة رفعوا مقامهم لمقام التشريع دون المرجعية الدينية؛ أي: حكيم مقابل نبي، ومقامهما سواء، وإن كان الأول بملكة، والثاني بواسطة.

 

وهذه الفلسفة التي اشتد أُوَارُها عهد اليونان، وحلَّت محل الأديان، خاضت في الشائع، والمسكوت عنه، وتكلَّمت عن دبيب النملة، وخلْق الكون جملة، وبَنَت نظريات عبر قرون عن: الأكوان وأصلها، والنفس وتركيبها، والمجتمع وتداخله، والآلهة، والشهادة والغيب، والخلق والموت، والسياسة والعلوم، وصنعت لها مناهج، وأرست لها منطقًا يحكم الصادق من الكاذب، وصنعة يُدرى بها الخطأ من الصائب، وبحثًا في ما لا طاقة للعقل بالوصول إليه، غير أن جرأة ذويها كانت تنتهي بتخمينات، هي أقرب للتفاهة من الخزعبلات، فارقها عن الجنون أن صيغت بنظام، وعبر عنها بحسن الكلام، ورُكبت بمنطق، وعُرضت بنسق، ولو مسح اسم قائلها، لفطن لها قارئها أن هذه أساطير الأولين.


تلك الفلسفة جلبة للمسلمين، ففتن بمنطقها قوم، وولع بأصحابها آخرون، حد تقديم خرافاتهم على النص البين، بل والمقارنة للمقاربة بين فلسفة اليونان ووحي القرآن، وكانت من دواعي نشر الشقاق وكثرة الفراق، بدعاوى حرية الرأي والتفكير، فكان العلم قطرة أفاضها الجهَّال، ولو سكتوا لقل السجال، فهي مسعر خلاف، ووليدة ترف فكري، لا بحث علمي، فماجت الساحة الإسلامية بالدخن والدخيل، وكانت منبتةً لفرق وطوائف، وشر مستطير، وظهرت مناهج تسلَّحت بمنطق أرسطو، على أنه القانون العاصم، ونهج الصواب القائم.


فطلع قرن القدرية، واشتد عود بعض المتكلِّمة والفلاسفة، فتوكَّؤوا على المسكوت عنه من الكلام، وهشوا على آثار خير الأنام، ولهم في ذاك مآرب أخر في لد الخصام، فشاع صيت القدرية، وعلا صوت الجبرية، وفشا تميُّع المرجئة، وأشهرت أقوال، لم يعلم لها أصل في الإسلام، وافترقت الأمة طرائق قددًا، أحزابًا وشيعًا، كل حزب بما لديهم فرحون، فظهر بين علماء المسلمين من تكلم في المادة، وما وراء الطبيعة، ومن جارى فلاسفة اليونان، وقال بالعقول العشرة، ومن تجرأ؛ وخاصة في مسائل ليس في استطاعة العقل البشري أن يصل إلى رأي ثابت فيه، أو حقيقة مقررة؛ مثل: قدرة العبد، وإثبات صفات الله ونفيها، كما بين المسلمين من نزع منزع السفسطائية في الشك"[9].


وطائفة من أهل الكلام ورثت أهل منطق اليونان، و"أكثره احتمال وهمي"[10].


وما نقلت الفلسفة إلى العربية؛ حتى خاض فيها الإسلاميون، يبغون الرد على الفلاسفة فيما خالفوا به الشريعة، فخلطوا بالكلام كثيرًا من الفلسفة، حتى كاد لا يتميز عن الفلسفة[11]، لولا اشتماله على السمعيات، والمعتزلة هم أول من خلط علم الكلام بالفلسفة[12].


خ- المؤامرات الخارجية:

تكمُن في المنافقين من أهل الديانات الناقمة على المسلمين أن دان لهم الأمر، وصارت لهم الدولة، بعد أن كان العرب أحقر الناس عندهم، ورأس المؤامرات اليهود والمجوس، وأس المكر مقالة الباطن والتأويل، فمن اليهود طلع قرن عبدالله بن سبأ، وكانت الرافضة، ومن المجوس بليت الأمة بفرقة إلى يوم القيامة، وظهرت الشيعة، وكلاهما خاض بنظرية؛ ما ندب بها ظهر أمة إلا تفشى فيه وباء التلاعب بالدين، وهي القول بالباطن، والذي خفف قوم من حدته بالقول بالتأويل، والحقيقة، والمجاز.

 

ومقالة الباطن طابق عليها نقلة المقالات قاطبة، أن هذه الدعوة لم يفتتحها منتسب إلى ملة، ولا معتقد نحلة، معتضد بنبوة، فإن مساقها ينقاد للانسلال من الدين، كما يسحب الخيط من العجين، فالباطنية يظهرون ما لا يبطنون، ظاهر للعامة من غيرهم، وباطن خاصة بهم[13].


وهذه فلسفة ذات قدم، أصحابها جامعهم طلب الانفلات من ربقة التكاليف والأعراف، وهي أس النظرية العلمانية "اللادين"؛ أي: الشريعة دثار، وإسقاط التكاليف شعار.


وهي دين الباطينة، وفلاسفة المتصوفة، وعمدة أهل التأويل، ومناط مقالة تعارض العقل والنقل.


ومبدؤها القول بأن المراد غير المصرح، فيستجلب التأويل لبلوغ مفهوم الدليل، ثم قيل بقسمة الشريعة والحقيقة، والظاهر والباطن، ولعمرك تلك قسمة ضِيزَى.


وكلٌّ يركب ظهر المجاز، يزعم أن منطوق النص غير مراد، وحقيقة التنزيل غير ما قيل، فيتجاوز إلى حقيقته المرادة بآلة التأويل.


والواقع أن استعمال وجوه التأويل الكثيرة، يمكن أن ترد إلى أشياع الأفلاطونية الحديثة، وبخاصة "فيلون اليهودي"، و"أوريجانوس النصراني"، وهذا المزيج ملفق من فلسفة "فيثاغورس"، و"أفلاطون"، و"أرسطو"، وأضيف إليه شيء من الفلسفة الهندية"[14].


وبسب هذه الفلسفة ظهر عند اليهود الطائفة القبالية، للتأويل الخفي الباطني للتوراة، ثم ظهر أحفادهم من عبدالله بن سبأ، وميمون القداح ليدخل التأويل الباطني للمسلمين.


والتأويل هو إحدى الوسائل الرئيسة التي اتخذتها الحركات الباطنية لجعل عقائدها شرعيةً، فكان بالنسبة لهم أداةً صالحة لإيهام العامة أن آراءها متفقة مع نصوص الوحي[15].


غير أن المؤثر الخارجي لا يعدو هبَّات ريح على جمر دفين، والطفيليات لا تنبت في غير العفن، والبدع لا تربو حيث لا يخفت صوت السُّنن، وما سكت العلماء إلا وتصدر الدَّهْماء، والله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم؛ فالداء لا يدوم مع مناعة، بل يتفشى مع قبول المحل، وأرض العراق مَنْبَت تشقيق الكلام، وبيئة كثرة الجدال، ومرعى للفلسفات والخرافات، وعجب القول، وغرائب الطقوس، وجمهرة أساطين الفرق من طينتها، وندر العرب في رؤوس النحل إلا في الخوارج، وهذا طبع الأعراب، أن لا رأس لهم، وعصب دمهم فوَّار، وهم ألد في الخصام، وسيماهم الجفاء، وهم أبعد عن الوئام.


والطبال لا يقرع للصم، والناعق لا يصرخ للبُهْم، بل وافق المنادي هوى بالمنادى، وبليت أجيال أن لم تدر من دينها غير ما تربَّت عليه من أهلها.


فلا خارج ورد، ولا داخل استورد، بل بأسهم بينهم، وفكرهم فرَّقهم، ورضوا أن يكونوا مع الخوالف، وعلم الله أمرهم فثبَّطهم، ولو كانوا في أهل الحق ما زادوهم إلا خبالاً، وأبى الله إلا أن يميز الخبيث من الطيب: فمنهم سابق بالخيرات، ومنهم مقتصد، وآخر مقسط، وغيره قاسط، ولو شاء الله ما اختلفوا، ولكن ليقضي أمرًا كان مفعولاً، فهدى الله الذين آمنوا إلى ما اختلفوا فيه، ويذر أولئك في غيهم يمرحون.



[1] مقدمة في أسباب اختلاف المسلمين وتفرقهم؛ محمد العبده، طارق عبدالحليم، دار الأرقم، الكويت، ط"2"، 1986، ص39.

[2] دراسة المفاهيم من زاوية فلسفية؛ صلاح إسماعيل، مجلة إسلامية المعرفة، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، واشطنن العدد:8، 1997، ص 20.

[3] مجموع الفتاوى؛ ابن تيمية، ج12، ص114.

[4] الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة؛ ابن القيم، ج3، ص927.

[5] كشف أسرار الباطنية وأخبار القرامطة؛ الحامدي. دار الفكر العربي: القاهرة. ط" "، د.ت، ص12.

[6] مدارج السالكين؛ ابن القيم، ج3، ص158.

[7] منهجية التفكير العلمي في القرآن الكريم؛ خليل بن عبدالله الحدري، دار عالم الفوائد: مكة المكرمة، ط"1"، 2005، ص 242.

[8] موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية؛ عبدالوهاب المسيري، دار الشروق: القاهرة. "ط"، 1999، ج13، ص7.

[9] التنبيه على الأسباب التي أوجبت اختلاف المسلمين؛ ابن السيد البطليوسي، ص7.

[10]إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين؛ محمد بن محمد الحسيني الزبيدي، دار الفكر: بيروت. "ط"، د ت، ج 2، ص 51.

[11] المقدمة؛ عبدالرحمن بن محمد بن خلدون، مكتبة لبنان: بيروت. ط" "، 1999، ص466.

[12] الملل والنحل؛ لأبي الفتح محمد بن عبدالكريم بن أبي أحمد الشهرستاني، دار المعرفة: بيروت، ط"3"، 1993، ج 1، ص 32.

[13] ممن أفردوا مصنفات في الرد على الباطنية من القدامى:

• أبوعبدالله بن رزام؛ الرد على الإسماعيلية.

• سعد بن محمد أبو عثمان العثماني القيرواني النحوي؛ الرد على الملحدين.

• أبو بكر الباقلاني؛ كشف الأسرار وهتك الأستار.

• ابن سعيد الإصطخري المعتزلي؛ كتب ردًّا على الباطنية أهداه للخليفة العباسي القادر.

• إسماعيل بن أحمد البسي المعتزلي؛ كشف أسرار الباطنية.

• ثابت بن أسلم النحوي الشيعي: له مصنف فضح فيه أسرار الدعوة الإسماعيلية وقبائحها، فاختطفوه إلى مصر؛ حيث صلبوه في حدود عام 460هـ.

• أبو الحسين الملطي؛ التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع.

• محمد بن مالك بن أبي الفضائل الحمادي اليماني؛ كشف أسرار الباطنية وأخبار القرامطة.

وهذا المصنَّف ذو أهمية بالغة وانفراد عن غيره، إذ صاحبه من فقهاء السنة الذين عاشروا الباطنية عن قرب، فقد اندس بينهم، واطلع على خبايا دعواهم، وأسرار حيلهم، وخبث أساليبهم، وعلِم يقين أخبارهم، ثم ألف الرد عليهم، ففَقِه مكنون صدورهم وباطن عقيدتهم، وليس سامع كمن رأى.

[14] تاريخ الفكر العربي إلى أيام ابن خلدون؛ عمر فروخ، دار العلم للملايين: بيروت، ط"4"، 1983، ص131.

[15] الحركات الباطنية في العلم الإسلامي؛ محمد أحمد الخطيب، مكتبة الأقصى: الرياض، ط" "، 1986، ص30.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • فضل الاجتماع وخطر الاختلاف
  • ذم الفرقة والاختلاف في الكتاب والسنة (WORD)
  • الاختلاف بين السابقين واللاحقين
  • أسباب الاختلاف بين الناس
  • السماحة
  • أهم الأسباب في اختلاف الفقهاء
  • أسباب الاختلاف في التفسير
  • خاطرة حول قول الله تعالى: {واختلاف ألسنتكم وألوانكم}
  • سنة الاختلاف
  • تعدد الآراء
  • رأي العلماء في الاختلاف
  • أضواء على أسباب الاختلاف

مختارات من الشبكة

  • الأسباب والمسببات(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أسباب التخفيف في التكاليف الشرعية(مقالة - موقع أ. د. علي أبو البصل)
  • أسباب الإعاقة البصرية(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • ما أهم أسباب ضعف المسلمين اليوم؟ وما العلاج؟ (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أسباب تفرق المسلمين(مقالة - موقع د. أمين بن عبدالله الشقاوي)
  • من أسباب نصرة المسلمين (غزوة بدر نموذجا)(مقالة - ملفات خاصة)
  • أسباب ضعف المسلمين أمام عدوهم(كتاب ناطق - المكتبة الناطقة)
  • أسباب تفرق المسلمين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • صدقة السر سبب من أسباب حب الله لك(مقالة - آفاق الشريعة)
  • صدقة السر سبب من أسباب رضى الله عنك(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب