• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / أخلاق ودعوة
علامة باركود

ثمر الخاطر

عبدالعزيز بن سريان العصيمي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 4/12/2008 ميلادي - 5/12/1429 هجري

الزيارات: 8867

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الوسطية في النصح

 

إن التواصي والتناصح حق من حقوق المسلمين فيما بينهم، يجب أداؤه لما فيه صلاح للإسلام والمسلمين، عملاً بما جاء في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عن أبي رقية تميم بن أوس الداري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " الدين النصيحة. قلنا لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله وللأمة المسلمين وعامتهم ".

 

ولكن - وللأسف الشديد - أن الناس قد انقسموا في فهم هذا التوجيه النبوي الكريم إلى ثلاث شعب، فأما فريقين فمفترقين تمامًا، متنافرين متناحرين بينهما، يدعون الفهم، وأنى لهم وقد أحاط بهم السقم في عقولهم وقلوبهم، وهما فريق الغلاة، وفريق الجفاة.

 

فأما الأول منهما، فيغلي في نفسه حتى يغلوا على غيره، أيما غلو في استكبار وعلو ، فالفضيحة عندهم نصيحة، والغيبة والنميمة آية وسنة كريمة، والبحث عن الهفوات والزلات جمع للأحجار الكريمة، وتصيد الأخطاء نقد هادف وبناء.

 

والفريق الآخر: جفاة عن النصح تمامًا، فهمم يهملونه بالكلية، فلا يؤدوا حق النصيحة الذي أوجبه الله عليهم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كلاً بحسب علمه واستطاعته، فبسببهم تعم المنكرات بين العباد، ويظهر الفساد في البلاد، من غير توجيه ولا إرشاد، حتى يحق عليها القول من رب العباد، ﴿ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا ﴾ [الإسراء، 16].

وهؤلاء وأشباههم وقعوا في فعل أسلافهمممن قال الله فيهم: ﴿ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾ [المائدة: 78، 79].

 

وكفى بها رادعًا وزاجرًا للمعرضين تمامًا عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

 

والصواب والحق والعدل من يسلك الطريق الوسط بين الغالي والجافي، فهو ليس مع الغلاة، ولا مع الجفاة، فريق وسط في كل شأنه، يعطي كل ذي حق حقه، وهؤلاء هم أهل العلم والإيمان من السلف والخلف.

 

ومنهج الإسلام في كل شيء وسط بين الإفراط والتفريط، قال الله تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ﴾ [البقرة: 143].

 

فالوسطية مطلب شرعي يجب الأخذ به في جميع مناحي الحياة حتى لا نقع في إحدى السوءتين، إما الإفراط أو التفريط.

 

فمن احتاج من إخواننا إلى النصح أهدينا إليه النصيحة بقدر ما يحتاج إليها مراعين في ذلك شروطها وآدابها من الإخلاص لله، والعلم، والتجرد من حظوظ النفس عند البحث عن الحق، والحرص على حفظ المكانة العلمية والاجتماعية للمنصوح بعيدًا عن النوايا الخبيثة لإسقاطه من أعين الناس ونزع الثقة منه.

 

وكذلك من الآداب في النصح عدم استخدام الغلظة والعنف في الأقوال والأفعال التي قد تتسبب في جرح المشاعر وإيغال الصدور بالحقد والبغضاء.

 

والوسطية منهج واضح بين لا يزيغ عنه إلاّ هالك في غلوه أو جفاءه، فأما الهالك في غلوه فلشبهة في عقله أو شهوة في نفسه.

 

فأما الشبهة فهي أن تصيد الأخطاء عندهم نقد بناء، لاحرج فيه ولا عليهم منه لومة لائم، وذلك ظنهم الذي أرداهم فأصبحوا خاسرين نادمين منشقين على بعضهم.

 

ومثل هذه الشبهة الهزيلة البين عورها قد علقت وعشعشت في عقول أصحابها ردحًا من الزمن حتى أصابها العفن وأفرزت لهم المحن والفتن.

 

فمن المحن والفتن التي جلبتها عليهم قلوبهم السقيمة أنهم نصبوا أنفسهم قضاة على نوايا الناس وتصرفاتهم، فيقولون رجمًا بالغيب وعملاً بالريب أنهم ما قصدوا إلاّ كذا وكذا، من غير دليل ولا برهان إلاّ اتباع الهوى والشيطان، فيحكمون لهذا بالنجاة وعلى ذاك بالهلاك، وهذا بالصواب وذاك بالضلال.

 

وأيضًا جعلوا من أنفسهم رجال زمانهم في الجرح والتعديل، وأهل لنقد وتصحيح كلام العلماء والرد عليهم كما زعموا كذبًا وحسدا ً من عند أنفسهم، وكان الواجب عليهم أن ينشغلوا بعيوب أنفسهم عن عيوب غيرهم لإصلاحها ونجاتها في الدنيا والآخرة، والتوبة مما هم عليه من الردود الرديئة والألفاظ البذيئة، ومن النشرات الخبيثة التي تكتب باسم الدين النصيحة، والدفاع عن الحق والعقيدة، ولكن الأمر في حقيقته غيبة ونميمة منكرة، يجب على من وقع فيها التوبة والاستحلال منها، وعلى من سمعها الإنكار على الفاعل، والذب عن الغافل.

 

عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا، فقال رجل: يا رسول الله أنصره إذا كان مظلومًا، أرأيت إن كان ظالمًا كيف أنصره؟

قال: تحجزه - أو تمنعه - من الظلم فإن ذلك نصره " رواه البخاري.

 

وقال الحافظ ابن عساكر - رحمه الله - في كتابه (تبيين كذب المفتري): (واعلم - يا أخي - وفقنا الله وإياك لمرضاته، وجعلنا ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته، أن لحوم العلماء مسمومة، وعادة الله في هتك منتقصيهم معلومة).

إن التوجيه الصحيح في كيفية التعامل مع الأخطاء، هو أنك إذا قرأت أو سمعت من عالم أو داعية، أو أي أحد من الناس فاعرض قوله أو فعله على الكتاب والسنة، فإن وافق فخذ به لأنه حق والحق أحق أن يتبع، وإن خالف فخذ بالكتاب وما صح من السنة، ودع عنك قوله وفعله المخالف للحق لا لهواك وشهوتك، لأنه ما من أحد إلاّ ويؤخذ منه ويرد إلاّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم إياك بعد ذلك أن تنال من عرض ذلك العالم أو الداعية، ونكران فضلهم وجميلهم، وما عندهم من الحق بقصد التشفي لما في الصدور، والتشهير بهم من أجل إسقاطهم ونزع الثقة منهم، وشن غارات الانتقام للذات منهم، بتضخيم أخطائهم، ونشرها في الورى.

 

وهذا من النقد الآثم والخارج عن منهج الوسطية في النصح ليس من أخلاق السلف.

 

وكذلك الإعراض عن هذا وحده لا يكفي، فلا جفاء ولا غلو، بل يجب عليك أن تقوم بواجب المناصحة، كأن تكتب له رسالة فيها بيان للحق بعبارات مهذبة ولطيفة، مبنية على حسن الظن بهم، والاعتذار لهم مما وقعوا فيه من هفوة أو زلة.

 

ولنا في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسوة حسنة في التعامل مع الأخطاء، وذلك كما في القصة التي رواها البخاري ومسلم في الصحيحين عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال في قصة حاطب بن أبي بلتعة - رضي الله عنه -: دعني يا رسول الله أضرب عنقه، إنه قد خان الله ورسوله والمؤمنون} فقال له الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو يعلمه ويوجهه والأمة من بعده أن خطأ المجتهد قد لا ينقص من قدر فاعله عند الله: ((يا عمر، وما يدريك؛ لعل الله قد اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة، أو قد غفرت لكم)).

 

فدمعت عينا عمر - رضي الله عنه - وقال: (الله ورسوله أعلم).

فمن هذه القصة نتعلم دروسًا منها أننا لسنا معصومين من الخطأ، وأن خطأ الإخوان يطوى ولا يروى، ويُستر فلا يُنشر، ويغمر في بحر حسناته فلا يُظهر، لأنه ما من عالم أو داعية - قديما أو حديثا - إلاّ وقد أُخذ عليه مأخذ، ولو كان الحال أن من أخطأ يترك جملة وتفصيلا فلا يؤخذ منه الحق، لم نجد في زماننا هذا من نأخذ منه العلم ولا من يدلنا على الخير ويعظنا من الشر، ونتعلم أيضًا أن نلتمس لإخواننا العذر في ما وقعوا فيه، ولو كان الخطأ له تسع وتسعون محملاً للشر ومحملاً واحدًا للخير لوجب علينا أن نحمله على هذا المحمل الوحيد وإن أبت نفوسنا وشهواتنا.

 

فأقول أما يسعنا ما وسع عمر - رضي الله عنه - بأن تدمع عيوننا، ونستغفر الله لنا ولإخواننا؟؟!!

فهذه نصيحتي لكل من خرج عن منهج الوسطية، غلوًا أو جفاءً، بأن يعود إلى رشده فمهلاً مهلاً، ورفقًا بإخوانكم.

 

هذا وما أريد إلاّ الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلاّ بالله عليه توكلت وإليه أنيب.

 

وصلى الله على نبينا محمد وعلى أله وصحبه وسلم.

 

تدنيس الألقاب والواجبات الشريفة:

إن فئامًا من الناس يحملون أفكارًا منحرفة، وبدع وضلالات، وانحراف عن الصراط المستقيم، وفي المقابل نراهم يرفعون شعارات براقة وعبارات شريفة أصلها ثابت في الكتاب والسنة، وأكلها زبد جفاء لا ينفع الناس.

 

فإذا تأملنا واقع هؤلاء بالنظر إلى ما يدعونه وينتسبون إليه وجدنا تلك الألقاب بريئة من أفعالهم المنكرة، ووجدناهم أيضًا لصوص اغتصاب الألقاب، فلا تبني ولا انتساب في ديننا إلى غير أبينا.

 

فمن أمثلة الانتساب وامتهان الألقاب والواجبات الشريفة (حزب الله - سلفي - شيعي - تبليغي - الجهاد - إخواني - الوسطية - رجعي).

 

إن هذه الألقاب - كما أسلفنا - شريفة في معانيها ودلالاتها النبيلة بيد أن الانتساب إلى أحدها ليس هوى ولا دعوى يدعيها من أراد ذلك، وإنما تتطلب منه التحقيق والعمل، تحقيقًا لكل ما تحمله من صفات شرعية، وعمل لكافة الواجبات الشرعية التي يتطلبها الانتساب إلى هذه الألقاب.

 

فمع هذه الألقاب الشريفة وكيف حصل لها التدنيس والاغتصاب على أيدي مدعيها ونبدأ بلقب (حزب الله):

لقد ذكر الله - عز وجل - هذا اللقب الشريف في كتابه العزيز ممتدحًا أهله بالفلاح في قوله - تبارك وتعالى -: ﴿ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [المجادلة: 22].

 

فيا ترى من هم المعنيون والمنعوتون بهذا اللقب الشريف بنسبته إلى الله؟!

هل هم أدعياؤه في هذا الزمن وغيره عبر وسائل الإعلام المختلفة؟

 

أم أنهم هم المؤمنون حقًا المنعوتون بصفات الخير والمستحقين لها في هذه الآية وغيرها من كتابه الكريم؟

 

الجواب الموفق عن هذا وبدون أدنى شك هو أن المعنيون بهذا اللقب الشريف والوسام النزيه هم أهل الإيمان بالله واليوم الآخر صدقًا وحقًا، وأما أدعياؤه فلا أبعد من أن يكونوا هم الحزب الآخر.

 

يقول الشيخ السعدي (رحمه الله) في تفسيره لهذه الآية: " وأما من يزعم أنه يؤمن بالله واليوم الآخر، وهو مع ذلك موادٌّ لأعداء الله، محب لمن نبذ الإيمان وراء ظهره، فإن هذا إيمان زعميٌّ لا حقيقة له، فإن كل أمر لا بد له من برهان يصدقه، فمجرد الدعوى لا تفيد شيئًا، ولا يصدق صاحبها".

 

ومن الألقاب التي تعرضت للامتهان على أيدي مدعيها ظلمًا وزورًا لقب (السلفي، أو الأثري):

ومن المعلوم أن السلف يقصد بهم أولئك النخبة من الحقبة الماضية من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان وافتفى أثرهم، وقضى نحبه على ذلك.

 

ولا شك أن سلفنا الصالح هم مفخرة الإسلام والمسلمين إلى يوم الدين، والانتساب لهم مع صدق الاقتداء بهم في كل ما هو حق وشرع شرف لصاحبة وحق له أن يعتز به عند أهل الكفر والبدع والعقائد الفاسدة، وليس له ذلك عند أهل التوحيد والإيمان.

 

فمن ادعى هذا اللقب بلا حقيقة ولا برهان فقد امتهن (السلفية) وجعلها مطية يرتحلها متى شاء ليحمل عليها مقاصده وأهدافه الدنية، وإن المتأمل لحال الأدعياء - ونعوذ بالله من حالهم - فلا تجد لهم علمًا نافعًا حصلوه، ولا مشروعًا لخدمة الدين قدموه، ولا دعوة لضال أهدوه، ولا معروفًا أمروا به ولا منكرا أنكروه، وإنما التحذير والتنفير من أبواب البر والخير.

 

فهؤلاء ومع هذا الصنيع المنكر أرادوا أن يكون لمنهجهم رواجًا، فعمدوا إلى كسائه لباس السلفية، ومنح أنفسهم لقب (السلفي) حتى يظن أن كل ما هم عليه من الصنيع الباطل هو صورة طبق الأصل لما كان علي السلف الصالح رضي الله عنهم.

 

فبهذه الممارسة المشينة وجدوا رواجًا لهم في سوق السفهاء والجهلة، وهي محاولة جادة منهم لتفريق الصف وزعزعت أركانه، وأيضًا محاولة الاصطفاف مع الطابور الخامس إن لم يكونوا قد اصطفوا.

 

فهذه هي السلفية التي كان عليها الصحابة والتابعون لهم بإحسان؟؟ أم أنها بحق خلوفية لا سلفية!!.

 

ومن الألقاب الممتهنة والمدنسة بأصحابها لقب (شيعي):

قال ابن منظور في (اللسان) تحت مادة: شيع: " شيعت فلانًا اتبعته، وشايعه تابعه وقواه، وشيعه خرج معه عند رحيله ليودعه.

 

وقال الراغب الأصفهاني في المفردات: الشيعة هم من يتقوى بهم الإنسان وينتشرون عنه، قال تعالى: ﴿ وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ ﴾ [الصافات: 83]، وقوله: ﴿ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ ﴾ [القصص: 15].

 

إذًا من خلال هذه المعاني اللغوية يتبين لنا أن لفظة (الشيعة) يقصد بها الأتباع والنصرة، فتقول: شيعة فلان أي أتباعه في طريقته وأنصاره عليها.

 

وقال الفيروزآبادي في قاموسه: "وقد غلب هذا الاسم على كل من يتولى عليًا وأهل بيته، حتى صار اسما لهم خاصاً".

 

فإذا كان هذا المعنى الصحيح من وراء هذا اللقب الشريف، فإننا أولى به من أدعيائه فنحن على هذا المعنى أتباع وأنصار لأهل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وهذا ما تمليه علينا عقيدتنا الإسلامية، بأن نوالي ونحب ونجل الصالح منهم، ولكن أدعياؤه من هم؟ و ما هي حقيقتهم؟؟

 

أليسوا هم الروافض - شر من وطئ الحصى - الذين رفضوا إمامة الإمامين والشيخين أبي بكر وعمر بن الخطاب رضي الله عنهم.؟؟! أليسوا هم قتلة آل البيت ومن أحبهم؟؟!

 

بلى وربي ومن غيرهم، فإذا كانوا كذلك أفلا يكون هذا ادعاء وتدنيس لشرف هذا اللقب من هذه الشرذمة؟؟!

 

ومن الواجبات الشريفة واجب (التبليغ):

وردت لفظة (البلاغ) وأنها مهمة الأنبياء والرسل - عليهم الصلاة والسلام - لأقوامهم في تبليغ الرسالة إليهم في أكثر من عشر آيات بينات من كتابه الكريم، قال تعالى: ﴿ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ﴾ [النحل: 35]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ﴾ [النور: 54] [العنكبوت: 18].

 

وإلى غير ذلك من الآيات الكريمات، وأما السنة المطهرة فنجد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حث على البلاغ فقال: {بلغوا عني ولو آية} رواه البخاري.

 

فإذا كان البلاغ مهمة الأنبياء والرسل - عليهم الصلاة والسلام - السابقين ووصية الحبيب - صلى الله عليه وسلم - من بعدهم لنا، فإنه يتعين علينا أن نقتدي بالرسل - عليهم الصلاة والسلام - ونعمل بوصية الحبيب - صلى الله عليه وسلم - وهي تبليغ الدين وأحكامه وشرائعه إلى من لم تبلغه الدعوة إلى الإسلام بمادتها الأصلية (القرآن، وصحيح السنة، وأقوال السلف الصالح).

 

ومن الواجبات التي لم تسلم من الامتهان واجب (لجهاد في سبيل الله):

فالجهاد أمر من الله - عز وجل -، وأمره سبحانه نافذ وماض إلى يوم القيامة وإن رغمت أنوف حالت بينه أو حاولت ذلك، فما دامت الآيات تتلى فيه من القرآن المحفوظ من الله إلى يوم القيامة فبقاؤه ومشروعيته كذلك.

 

ومن المعلوم بأن الله قد أنزل في أمر الجهاد في سبيله أكثر من عشرين موضعًا من كتابه العزيز ما بين آمر به ومرغب فيه , ومبينًا لفضله بين سائر الأعمال الصالحة.

 

فالجهاد في سبيل الله حبل الله المتين وذروة سنام هذا الدين، وما حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه الأخيار إلاّ جهادًا في سبيل الله لإعلاء كلمته ونشر رسالته.

 

والشهيد أجره عند ربه عظيم ومنزلته في الجنة عالية مع النبيين والصديقين، ولقد تمنى النبي - صلى الله عليه وسلم - الشهادة في سبيل الله في أكثر من موضع، وذلك لما يجده الشهيد عند ربه من المنزلة والفضل العظيم الذي لا يخفى على كل مسلم.

 

ومن الأوصاف التي نالتها ألسنة السفهاء الوصف الرباني لهذه الأمة (لوسطية):

فالوسطية هي منهج أهل السنة والجماعة، وهو المنهج المرتضى والمسلك القويم، فنحن لسنا جفاة ولا غلاة وإنما أمة وسط؛ قال الله تعالى: ﴿ وكذلك جعلناكم أمة وسطًا... ﴾ [البقرة، 143].

 

إن منهج الوسط ليس شعارًا ولا دعوى يدعيها من أراد ذلك فحسب، بل لا بد من أن تكون لكل دعوة برهان ودليل من الكتاب والسنة الصحيحة تؤيد هذا الإدعاء، وإلاّ فلا قيمة له، لأننا رأينا في زماننا هذا من ينادي بالانهزامية والتنازل عن القيم والتشكيك في المسلمات من الدين، ومناصرة فكرة التقريب بين ديننا الحق والأديان المحرفة، وتمييع قضايا الأمة، ثم يقدمها للجماهير باسم الوسطية، وأن ما عداها غلو وتطرف وسلوك مرفوض.

 

فهؤلاء الأدعياء ومن شاكلهم هم معول هدم للوسطية، ويسيئون لها شعروا بذلك أم لم يشعروا، بل هو امتهان للوسطية وحرب عليها.

 

ومن الأوصاف أيضًا (رجعي):

وخلاصة مفهوم هذا الوصف بأن المسلم مأمور في كل ما يعرض له من أمر الأمن أو الخوف بالرجوع إلى الكتاب والسنة وإلى أولي الأمر وفهم العلماء للأدلة في ذلك الأمر، عملاً بقوله تعالى: ﴿ .........فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ﴾ [النساء: 59].

 

وقوله تعالى: ﴿ وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [النساء: 83].

 

فالمنافقون في هذا الزمان لا يرضون بالتحاكم إلى الكتاب وصحيح السنة وفتاوى العلماء الراسخون في العلم، ويسمون هذا تخلف ورجعية، ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا ﴾ [النساء: 61].

 

فالذي يريدونه لنا هو الرجوع والميل العظيم إلى ما تمليه عليهم شياطين الجن والإنس، وما تشتهيه الأنفس المريضة من اتباع الشهوات، والميل عن الصراط المستقيم، و.يقول الله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 27].

 

بل إن قاعدة الحلال والحرام عندهم هي تحكيم الشهوة، فإن رغب الناس في الخمر والزنا والربا، ثم أعقبوه بالإلحاح والطلب، فما كان هناك ثمة مانع من اقترافه مجاهرة، وترك التشدد في إنكاره.

 

فأقسم بالله ووالله وتالله لو اجتمعت رغبات الناس في تقبل الربا والزنا واللواط والخمر وكل حرام ما أصبح حلالاً يومًا من الأيام، ولا عذرًا في النهي عنه.

 

وخلاصة القول في هذا أن جريمة امتهان الأوصاف والواجبات تمت على أيدي أدعيائها وأعدائها، فأصبحت بسببهم شبهة أو عارًا يرمي به المسلم أخاه.

 

وختامًا:

كفوا عن هذا الهراء والافتراء أيها الأدعياء والأعداء أو هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين.

 

والحمد لله رب العالمين.

(إن شاء الله)

 

أدبٌ مع الله:

إن الأدب أيًا كان نوعه - قولا أو فعلا - خلق عظيم، ووصف نبيل، ويعلوا كلما علا شأن المتأدب معه، ويزداد علوًا وعزًا وشرفًا إذا كان مع الله - عز وجل - وهو أحق من تؤدب معه، والحديث عن الأدب مع الله حديث يشرح الصدر، ويهذب النفس ويزكيها، ويسموا بها إلى معالي الأمور، فلقد كان أكثر الناس وأكملهم أدبًا مع ربهم هم الأ نبياء والرسل- عليهم الصلاة والسلام- كيف لا وهم أكرم الخلق وأتقاهم لله؛ قال الله تعالى ممتدحًا خُلق نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -: ﴿ وإنك لعلى خلق عظيم ﴾ [القلم: 4].

 

بل وحثنا - سبحانه وتعالى - على الاقتداء به في هذا الخلق العظيم في أقواله وأعماله، وعبادته لربه فقال: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾[الأحزاب: 21].

 

فمن الأدب مع الله - عز وجل - قولك: (إن شاء الله) عندما تخبر عن أمر تنوي فعله مستقبلاً عملاً بقوله تعالى: ﴿ وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ﴾ [الكهف: 23، 24].

 

يقول الشيخ السعدي - رحمه الله -: "فنهى الله أن يقول العبد في الأمور المستقبلة ﴿ إني فاعل ذلك غدًا ﴾ من دون أن يقرنه بمشيئة الله، وذلك لما فيه من المحذور وهو الكلام على الغيوب المستقبلية، التي لا يدري العبد هل يفعلها أم لا؟ وفيه رد الفعل إلى مشيئة العبد استقلالاً وذلك محذور ومحظور، لأن المشيئة كلها لله، ولما في ذكر مشيئة الله من تيسير الأمور وحصول البركة فيها ".

 

ومما يدل أهمية هذا الأدب وعلو شأنه هو أن الله - سبحانه وتعالى - قد استثنى في كلامه فقال: ﴿ لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ...... ﴾ [الفتح: 27].

 

قال ثعلب - رحمه الله -:" إن الله استثنى فيما يعلم، ليستثني الخلق فيما لا يعلمون ".

 

وقال سيد قطب - رحمه الله - " ولكن الله - سبحانه - يؤدب المؤمنين بأدب الإيمان، فالدخول واقع حتم، لأن الله أخبر به.... إنه أدب يلقيه الله في روع المؤمنين ليستقر منهم في أعماق الضمير والشعور " (في ظلال القرآن، ج 6 - 3330).

 

وقيل: أن الحكمة من استثناء الله - عز وجل - هو أنه سبحانه علم أنه يموت بعض الذين كانوا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديبية.

 

ومما يدل على أهمية الاستثناء في تيسير الأمور وحصول مراد العبد منها ما ذكره الله لنا حكاية عن بني إسرائيل لما طلب منهم موسى - عليه السلام - أن يذبحوا بقرة امتثالاً لأمر الله - عز وجل - فإنهم لو لم يستثنوا لم يهتدوا إليها.

 

قال الله - تعالى -: ﴿ قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 70].

 

فمن نماذج الأدب مع الله في الاستثناء لأنبيائه وعباده الصالحين، قول إسماعيل - عليه السلام - لأبيه عندما عرض عليه أمر ذبحه: ﴿ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ﴾ [الصافات: 102].

 

قال سيد قطب - رحمه الله -: " ثم هو الأدب مع الله ومعرفة حدود قدرته، وطاقته في الاحتمال، والاستعانة بربه على ضعفه، ونسبة الفضل إليه في إعانته على التضحية ومساعدته على الطاعة، ولم يأخذها شجاعة ولم يأخذها بطولة، ولم يأخذها اندفاعًا إلى الخطر دون مبالاة، ولم يظهر لنفسه ظلا ً ولا حجمًا، وإنما أرجع الفضل كله لله إن هو أعانه على ما يطلب إليه، وأصبره على ما يراد به، فيا للأدب مع الله، ويا لروعة الإيمان، ويا لنبل الطاعة، ويا لعظمة التسليم " (في ظلال القرآن، ج 5: 2995).

 

وقال أهل العلم: " إن إسماعيل - عليه السلام - لما استثنى وفقه الله للصبر " ومن أمثلة الأدب في الاستثناء قول موسى - عليه السلام - للخضر ﴿ ستجدني إن شاء الله صابرًا... ﴾.

 

فموسى - عليه السلام - عزم على الصبر مع الخضر، وعلق ذلك بمشية الله قبل أن يرى الممتحن به، والعزم على فعل الشيء ليس بمنزلة فعله ولا وحصوله، فهو لم يدّع حصوله في نفسه قبل أن يرى ما الذي سيمتحن به، ولذا موسى لما رأى ذلك الممتحن العظيم لم يصبر على ذلك، فهو لم يخرج على مشيئة الله له.

 

ومن نماذج الأدب مع الله في الاستثناء - أيضًا - قول يوسف - عليه السلام - " إن شاء الله آمنين " وذلك لما رأى أبويه وإخوته قد دخلوا عليه في ملكه آمنين بأمن الله قال تعالى: ﴿ فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ ﴾ [يوسف: 99].

 

ومن النماذج التي تأدب فيها الصالحون مع ربهم في الاستثناء قول صاحب مدين (الشيخ الكبير) لموسى - عليه السلام - بعدما عرض عليه أن يكون أجيرًا عنده كما في قوله تعالى: ﴿ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [القصص: 27].

 

قال سيد: - رحمه الله - " وهو أدب جميل في التحدث عن النفس وفي جانب الله، فهو لا يزكي نفسه، ولا يجزم بأنه من الصالحين، ولكن يرجوا أن يكون كذلك، ويكل الأمر في هذا لمشيئة الله " (في ظلال القرآن، ج 5:2688).

 

إن مشيئة الله نافذة مطلقة ومثبتة، ومشيئة العبد تابعة تحت مشيئة الله، ولن تنفذ مشيئة العبد إلاّ بمشيئة الله، قال تعالى: ﴿ وما تشاؤون إلاّ أن يشاء الله رب العالمين ﴾ [التكوير، 29].

 

قال السعدي - رحمه الله - " فإن مشيئة الله نافذة عامة لا يخرج عنها حادث قليل ولا كثير، ففيها رد على القدرية الذين لا يدخلون أفعال العبد تحت مشيئة الله، والجبرية الذين يزعمون أنه ليس للعبد مشيئة ولا فعل حقيقة، وإنما مجبور على أفعاله، فأثبت الله للعبد مشيئة حقيقة، وفعلاً وجعل ذلك تابعًا لمشيئته " تيسير الرحمن، 831.

 

فلما كان هذا الأدب مع الله يجلب الخير للعبد من تيسير أموره، وعدم تأخرها، وحصول البركة فيها، فإن تركه نسيانًا قد يتسبب في تأخير ما تنوي فعله مستقبلاً، وهذا ما حصل للنبي - صلى الله عليه وسلم - حينما سألته اليهود عن خبر الفتية، فقال أخبركم غدًا، ولم يقل إن شاء الله، فاحتبس الوحي عنه حتى شق عليه، فأنزل الله هذه الآية يأمره بالاستثناء في مثل هذا، ولو نسيه يستثني عندما يذكره.

 

قال الله تعالى: ﴿ وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ.... ﴾ [الكهف: 23، 24].

 

قال الشوكاني - رحمه الله - " أي إذا نسيت الاستثناء فقل إن شاء الله، سواء كانت المدة قليلة أو كثيرة " (فتح القدير، ج 3: 345).

 

وقد يكون في تركه نسيانًا عدم تحقيق الفعل أو لا يتم له حصول الفائدة منه، ومثل هذا حدث لنبي الله سليمان - عليه السلام - عندما ترك الاستثناء ومضى في فعله.

 

عن أبي هريرة - رضي الله - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((قال سليمان بن داوود: لأطوفن الليلة على سبعين امرأة - وفي رواية - تسعين تلد كل امرأة منهن غلامًا يقاتل في سبيل الله، فقال الملك: قل إن شاء الله، فلم يقل إن شاء الله، فطاف عليهن فلم يلد منهن إلاّ امرأة واحدة نصف إنسان، قال: - صلى الله عليه وسلم - والذي نفسي بيده لو قال: إن شاء الله؛ لم يحنث وكان دركًا لحاجته)) رواه البخاري ومسلم.

 

فالواجب على من عزم أن يفعل أمرا مستقبلاًً أن يقول إن شاء الله قبل أن يقدم على ذلك، تأدبًا مع الله، وامتثالاً لأمره، واقتداء بأنبيائه وعباده الصالحون.

 

سدد الله الخطى وبارك في الجهود، وهدى إلى الصواب من القول والعلم والعمل.

 

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

فتنة استبطاء النصر:

في خضم هذه الأحداث التي مازلنا نعاني الأمرين من تبعاتها الوخيمة، ونقاسي آلامها الجسيمة، مع أنها ليست الأولى في مصابها، ولن تكون الأخيرة من أعدائنا، فتاريخ الصراع بين البشر سجل مفتوح لمن تأمل فيه واعتبر، فهو مليء بمثل هذه الأحداث، بل وأعظم منها فداحة وخطب، ولكن أين منا المتأمل والناظر المعتبر؟

 

إن الله - عز وجل - لما خلق الخير والشر، شاءت قدرته - سبحانه - بأن يخلق الصراع بينهما الذي تدور رحاه إلى قيام الساعة، فلا عجب أن ما يجري اليوم هو سنة ربانية من سنن الله التي مضت، قال تعالى: ﴿ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾ [آل عمران: 137].

 

إن المتأمل في حال كثير من الناس - إلاّ من رحم الله - وهم يرتقبون وعد الله لنصر الإسلام والمسلمين قد افتتنوا من حيث لا يشعرون ووقعوا فيها من حيث لا يعلمون، فتراهم فريقين متناقضين فالأول قانط في القيام بدوره، وعن أي عمل تراه منقطع، والآخر متحمس فيه مندفع، والموفق من توسط في ذلك فتفاءل بعلم، وعمل بحكمة، وصبر على عزم، ومن الفتنة وقي وسلم.

 

نعم إن الخطب عظيم، والمصاب جسيم، فلا تكاد أن تسمع إلاّ أخبارًا مفزعة، ولا ترى إلاّ صورًا بشعة، ومشاهد مروعة في واقع مرير كثر فيه النحيب ولا مجيب، ولكن وعد الله لا يخيب بالنصر والفرج القريب، فلا يأس ولا قنوط منه ولا تكذيب.

 

فمن وعد الله لعباده والذي أوجبه على نفسه قول الله - تعالى - ﴿ وكان حقًا علينا نصر المؤمنين ﴾ الروم، 47.

 

ووعده - سبحانه -: ﴿ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ﴾ [غافر: 51].

 

ووعده - سبحانه - ﴿ وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ﴾ [الصافات: 171 - 173].

 

ذلك وعد الله ولن يخلف الله وعده، ومنجزه لعباده ولو بعد حين.

 

وفي وسط هذا العالم المتلاطم من كل جانب يقف الفريق الأول قانطا لا يحرك ساكنًا، عاجزا عن كل شيء حتى يديه لا يستطيع رفعها إلى الله بالدعاء والقنوت ليلاً ونهارًا.

 

فأما القانطون فأولئك سقطوا في فتنة الاستبطاء واليأس، وباتت تدور أعينهم من هول ما يتعرض له إخوانهم المسلمين من شتى ألوان العذاب، وأصناف الأذى من سخرية وضرب وتنكيل، وسلب واحتلال لممتلكاتهم، وقتل للأبرياء على مرأى ومسمع من العالم أجمع، وفوق هذا لا يرى بريق أمل من الفرج العاجل، فيحمله هذا الواقع الأليم على ترك دوره في نصرة الدين بالحكمة، فيظل في دوامة اليأس واستبطاء النصر، وما ذاك إلا من ضعف الإيمان، وتسلط الشيطان، وقلة التدبر لآيات الكتاب المبين.

 

وأما الفريق الآخر من المتربصين للنصر، فهو تربص غير منضبط، فلا يرى للنصر إلا طريقًا واحدا، وهو الاندفاع والحماس نحو العدو للتنكيل به وأخذ الثأر بالنار، ولا شك أن هذا طريق شرعي له أدلته التي تؤيده في حين وتمنعه في حين آخر، وليس الأمر على دوام الإطلاق كما يظن هذا الفريق الذي جرّ بحماسه على الأمة الإسلامية ويلات ونكبات، وحروب ما أعدت وما استعدت لها.

 

ولكي نسلم من هذا المسلكين المرفوضين من استبطاء النصر والقنوط من أسبابه، ومن الاندفاع والحماس غير المنضبط نحوه من غير تأمل في أدلته أو تفكر في السنن الكونية والشرعية له، علينا أن نؤمن إيمانا كاملا بأن موعود الله بالنصر والظفر للإسلام والمسلمين متحقق لا محالة، لأنه مهما طال ليل القهر فلابد أن يعقبه فجر النصر، وعلينا أن نتيقن أن مقتضى حصول اليسر لا بد وأن يسبقه عسر، قال تعالى : ﴿ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴾ [الشرح: 5، 6].

 

وكذلك - أيضا - علينا أن نعلم أن من أمارات نزول النصر حلول ساعة الصفر، قال تعالى: ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ﴾ [البقرة: 214]، وقوله تعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ﴾ [يوسف: 110].

 

والواجب علينا أن نتفاعل مع مصاب الأمة، لأنه من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم، وأن نتفاءل بأن هذه الأحداث لا تعدو سوى مبشرات وإرهاصات بأن المستقبل للإسلام والمسلمين بدليل آيات الكتاب المبين المنزل من رب العالمين، وأن نتواصى بالصبر ولا نستعجل قطف الثمر؛ قال تعالى: ﴿ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ... ﴾  [الأحقاف: 35].

 

ولنعلم أن الأرض أرض الله، والدين دين الله، والعباد عباد الله ولن يضيعهم ربهم فالنصر قادم، رأيناه أم لم نره، ولكن هل من مشمر لنيل شرف المساهمة في تحقيقه؛ قال الله تعالى: ﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴾ [التوبة: 32].

 

هذا وحسبي ما قلت وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

مات الداعية ولم تمت الدعوة:

الحمد لله الذي تفرد بالديمومة والبقاء، والصلاة والسلام عل إمام المتقين وقدوة الأولياء، نبينا محمد وعلى آله وصحبه الأتقياء، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم البعث والجزاء.

 

وبعد:

فما كاد الجرح الغائر يلتئم، ويخف المصاب والألم، الذي أصاب الأمة الإسلامية إثر وفاة الكوكبة الغراء من كبار العلماء في زمننا حتى فجع العالم الإسلامي قاطبة من أقصاه إلى أدناه برحيل العالم الرباني والشيخ المجاهد: محمد بن صالح العثيمين، رحمه الله وجزاه خير الجزاء عن الإسلام والمسلمين؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا ﴾ [آل عمران: 145].

 

لقد اقتضت حكمة المولى - تبارك وتعالى - أن ينفرد - سبحانه - بالديمومة والبقاء، ولما سواه بالزوال والفناء، فله ما أخذ وله ما أبقى، وكل شيء عنده بأجل مسمى.

 

نعم مات الداعية ولكن لم ولن تمت الدعوة حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.

 

قال سيد قطب (رحمه الله): " إن البشر إلى فناء والعقيدة إلى بقاء، ومنهج الله للحياة مستقل في ذاته عن الذين يحملونه ويؤدونه إلى الناس من الرسل والدعاة على مدار التاريخ.

 

إن الدعوة أقدم من الداعية، وهي أكبر من الداعية، وأبقى من الداعية، فدعاتها يجيئون ويذهبون، وتبقى هي على الأجيال والقرون، ويبقى أتباعها موصولين بمصدرها الأول الذي أرسل به الرسل هو باق - سبحانه - يتوجه إليه المؤمنون، وما يجوز أن ينقلب أحد منهم على عقبيه ويرتد عن هدى الله، والله حي لا يموت " (في ظلال في القرآن، 1: 485).

 

إن هذا الدين يحتاج إلى رجال أقوياء مخلصين، ذو همم عالية ونفوس تبذل الغالي والنفيس في سبيل تبليغه، متكبدين كل المشاق والصعاب غير مبالين بطول الطريق وتخاذل الصديق وقت الكرب والضيق.

 

ثم ليعلم كل واحد منا أن هذا الدين لم يقم إلا على أكتاف أولئك الرجال الأوفياء الذين صبروا على الابتلاء، وأرخصوا في سبيله الدماء، فرضي الله عنهم وأجزل لهم المثوبة والجزاء على ما قدموه من تضحية وفداء.

 

ومن أمثال أولئك الرجال الأوفياء الذين حفظ الله بهم الدين شيخنا العالم المجاهد والداعية المحتسب: محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله.

 

فلقد عرف لسماحته - رحمه الله - الدور الأسبق والقدح المعلق، في خدمة هذا الدين من خلال دروسه وفتاويه ومؤلفاته المتنوعة، والسير على النهج القويم بلا كلل ولا ملل طوال حياته، حتى ختمها بالوصية بتدبر القرآن وتعليمه، ونشر دين الله في مشارق الأرض ومغاربها، فأين نحن من هذا الهم؟؟!

 

نعم مات الداعية بعدما وفقه الله لأداء دوره والإعذار إلى ربه، وهذا يعني أن الحمل قد زاد، فلنعد له الزاد، ونكون له على أتم استعداد، لحمل الرسالة وأداء الأمانة، عملا بقوله تعالى: ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [يوسف: 108].

 

ولنا قبل هذا أسوة حسنة في إمام الدعاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصحابته - رضي الله عنهم - الذين تتلمذوا على يد هذا الداعية المربي لهم، فكانوا خير دعاة حملوا رسالته من بعده إلى أنحاء الأرض المعمورة، وتحملوا عبء نشر الدعوة من بدايتها فعاشوا حماة لها حتى بلغت مشارق الأرض ومغاربها.

 

فهل يا دعاتنا من مشمر ليقوم كل واحد بدوره كلاً على حسب طاقته؟؟!

ما ضر السحاب نبح الكلاب:

إن لنا في حكم وأمثال السابقين دروسًا وعبر، فهم قد لخصوا لنا تجاربهم وصراعهم مع الحياة في عبارات موجزة يفهمها الذكي ولا يستفيد منها البليد.

 

ومن تلك الأمثال التي ألفيتها تحوي فوائد جمة، ومنافع للأمة، ولا يدركها إلا عالي الهمة، ما نحن بصدده الآن وهو (ما ضر السحاب نبح الكلاب)، فمع الوقفات.

 

الوقفة الأولى:

السحاب لونه أبيض ظاهره كباطنه، لا يحمل في جوفه نجاسة، بل الخير وأينما وقع نفع، وفي المقابل ذلك الكلب - أعزكم الله - فلونه في الغالب أسود، وظاهره شر من باطنه، يحمل في جوفه السم والنجاسة، فإذا فتح فاه خرج السم، وتقاطرت النجاسة تلو النجاسة، وإذا استعمل يده حرث بها شرًا، فمزق وفرق بين الشقيق والصديق.

 

الوقفة الثانية:

السحاب مكانه العلو والارتفاع، والسير بالخير لنفع العباد والبلاد، ولا يعانق إلا القمم، وأما الكلب - أعزكم الله - فمكانه الأودية والشعاب التي ينبح فيها ولا يبرح عنها، ولا يعانق إلا الجيف والرمم، وإذا تولى سعى في الأرض ليهلك الحرث والنسل، والله لا يحب الفساد.

 

الوقفة الثالثة:

السحاب محط أنظار الناس، فإذا رأوه استبشروا خيرا، وودوا لو دنا منهم، وحط في ديارهم، ولربما كان يوما صيحة نذير من العليم الخبير، وأما الكلب - أكرمكم الله - فلا يتوقعون منه إلا الشر والفتك بماشيتهم، فإذا رأوه كرهوه، وإذا دنا منهم طردوه، فإن أبى رجموه، ولربما كان كلب متعة كحراسة أو صيد، فينفع تارة ويضر تارات أخرى.

 

الوقفة الرابعة:

تشرف السحاب يومًا بأن خاطبه أحد الخلفاء - هارون الرشيد - بقوله: "أمطري حيث شئت فإن خراجك سوف يأتيني"؛ بل مما زاده تشريفًا ومنزلة أن الله ذكره في كتابه العزيز ضمن الآيات الكونية التي تستحق التدبر والتفكر من أولي العقول النيرة، قال تعالى: ﴿ ... وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 164].

 

وفي المقابل ذلك الكلب - أكرمكم الله - اسمه عار وشتيمة لا يرضى بها عاقل، ولا يتنبه لها كل أحمق غافل، وحياته سوء على السواء، فمن النظافة يفر وعلى الجيف يقر، وضرب الله به مثل السوء فقال الله تعالى: ﴿ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ * سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ ﴾ [الأعراف: 176، 177].

 

الوقفة الخامسة:

قطرات السحاب إذا وقعت عليك بركة، فقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتعرض للمطر ويقول: (هذا حديث عهد بربه)، وأما الكلب فقطراته نجسة، فقد حذرنا منها النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعًا أولاهن بالتراب} رواه مسلم.

 

الوقفة السادسة:

إذا رأى الكلب السحاب فما الذي يحدث؟!

 

من الطبعي أن الكلب سوف يغضب لأنه لم يحظ بشيء مما حظيت به السحابة من المكانة والنزاهة، فيظل ينبح حتى ينبح صوته، والسحابة تسير إلى الأمام في صمت وهدوء من غير أن يمسها أذى الكلب، وأنى له ذلك؟!!

 

وبعد هذه الوقفات القصيرات يؤسفنا - أشد الأسف - أن من الناس الشر طبعه، والوشاية مطيته، ولمز الدين وأهله فاكهته، و حرب الفضيلة ونشر الرذيلة أمنيته، والفساد ثمرته، فساء هذا وأشباهه أن يضرب فيهم مثل السوء؛ قال الله تعالى ((....... ﴿ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾[الأعراف: 176]

 

وفي المقابل وبلا مقابل أن من الناس من همه نشر الخير، وحراسة الأعراض والفضيلة عمله، ونصرة الدين حلمه وأمله، فيسير في علو وهمة إلى طريق القمة، في صبر واحتساب، كسير السحاب لا يبالي بنبح الكلاب.

 

خمسون فائدة من حياة الطفيل رضي الله عنه:

الطفيل بن عمرو الدوسي، سيد قبيلة دوس في الجاهلية، وشريف من أشراف العرب المرموقين، وواحد من المروءات المعدودين... لا ينزل له قدر عن نار، ولا يوصد له باب أمام طارق... وهو إلى ذلك أديب أريب لبيب، وشاعر من مرهف الحس، رقيق الشعور بصير بحلو البيان ومره، حيث تفعل فيه الكلمة فعل السحر.

 

1- مجتمع جاهلي يحمل هذه الصفات الرشيدة، والخصال الحميدة (المروءة، والكرم، والنجدة، والنباهة والفطنة، وغيرها) فمن باب أولى أن يتخلق بها المسلم - وخاصة الدعاة يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إن من خياركم أحسنكم أخلاقا) متفق عليه.

 

2- للفصاحة والبلاغة أثر بليغ، وخطر كبير على العقل، إذ الكلام البليغ الذي يسلب اللب يفعل في الإنسان فعل السحر، كما أخبر بذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله: (إن من البيان لسحرًا) رواه البخاري.

 

ومثل هذا البيان يستخدمه أهل البدع والباطل في بث شبههم وتضليل الناس عن الحقائق بتنميق الكلمات وزخرفتها غرورًا.

 

غادر الطفيل منازل قومه في تهامة - السهل الساحلي المحاذي للبحر الأحمر - متوجها إلى مكة، ورحى الصراع دائرة بين الرسول - صلى الله عليه وسلم - وكفار قريش، كل يريد أن يكسب لنفسه الأنصار، ويجتذب لحزبه الأعوان... فالرسول - صلى الله عليه وسلم - يدعو إلى ربه وسلاحه الإيمان والحق، وكفار قريش يقومون دعوته بكل سلاح، ويصدون الناس بكل وسيلة.

 

3- سنة الله في الكون أن الصراع قائم بين الحق والباطل، والخير والشر إلى قيام الساعة، فالذي نصر الحق في ذلك الزمان قادر على أن ينصره اليوم وإلى قيام الساعة، فمتى نعقل هذا؟! ونخلع عن أنفسنا ثوب الذل، وننفض غبار اليأس والقنوط الذي خرج إلينا من أفواه المثبطين، وننطلق بدعوتنا إلى الناس كافة بكل أمان وسلام، وكلنا ثقة بالله في أن ينصرنا عملا بقول الله تعالى: ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ﴾ [يوسف: 108].

 

4- هذا دأب أعداء الله - ولا عجب - فهم اليوم يقاومون هذا الدين وأهله بكل ما يملكون من وسائل وجهد ومن سلاح وجند، فهاهي أمم الكفر قد تكالبت وتحالفت على أمتنا فما ذا قدمنا لنصرة الإسلام والمسلمين؟!!

 

ووجد الطفيل نفسه يدخل هذه المعركة على غير أهبة، ويخوض غمارها عن غير قصد... فهو لم يقدم إلى مكة لهذا الغرض، ولا خطر له أمر محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقريش قبل ذلك على بال، ومن هنا كانت للطفيل بن عمرو الدوسي مع هذا الصراع حكاية لا تنسى، فلنستمع إليها، فإنها من غرائب القصص. حدّث الطفيل فقال: قدمت مكة، فما إن رآني سادة قريش حتى أقبلوا علي فرحبوا بي أكرم ترحيب، وأنزلوني فيهم أعز منزل.

 

5- مبادرة أهل الباطل ومسارعتهم في صد الناس عن دين الله، وذلك حينما بادر قريش الطفيل بالحفاوة والتكريم من أول وهلة، واستغلوا هذه المناسبة، فلم يدعوا للنبي - صلى الله عليه وسلم - فرصة لدعوته أو الحديث معه.

 

6- إكرام أهل المكانة وإنزالهم على قدر منازلهم من أخلاق الإسلام، وطريق لدعوتهم والتأثير عليهم.

ثم اجتمع إلي سادتهم وكبراؤهم وقالوا: يا طفيل، إنك قد قدمت بلادنا، وهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي قد أفسد علينا أمرنا ومزق شملنا، وشتت جماعتنا، ونخشى أن يحل بك وبزعامتك في قومك ما قد حل بنا، فلا تكلم الرجل، ولا تسمعن منه شيئًا، فإن له قولا يفرق بين الولد وأبيه، وبين الزوجة وزجها.

 

7- من وسائل حرب الدين التي يستخدمها أعدائنا هي تشويه صورة الإسلام وأهله، بإلصاق التهم فيهم ووصفهم بأوصاف هم والدين منها براء، كقولهم: (إرهابي، متطرف، الإسلام دين قتل وعنف، وغيرها).

 

8- التحذير والتنفير من الكلام مع دعاتنا المخلصين أو السماع لهم أو قراءة كتبهم، ورميهم بالتهم الجائرة كقولهم: (ضال، مبتدع، وغيرها من مقولات السوء) طريق يسلكه - اليوم - من قد علق في قلبه مرض الشبهة والحسد والانتقام للذات.

 

قال الطفيل: فوالله ما زالوا بي يقصون علي من غرائب أخباره، ويخوفونني على نفسي وقومي بعجائب أفعاله، فأجمعت أمري على أن لا أكلمه، أو أسمع منه شيئًا..

 

فلما غدوت إلى المسجد للطواف بالكعبة، والتبرك بأصنامها التي كنا إليها نحج، وإياها نعظم، حشوت أذني قطنًا خوفًا من أن يلامس سمعي شيئًا من قول محمد. - صلى الله عليه وسلم - أثر وخطورة الاستماع إلى الشبه، لأنها خطافة للقلوب، فليحذر المسلم من كلام أهل البدع والأهواء، لأن فيه ضرر على الدين.

 

9- بيان فضل الإسلام، ونعمة الله علينا بأن حمانا من الشرك به ومن عبادة الأصنام، وجعلنا موحدين له على الفطرة.

 

10- اتخذ الطفيل - رضي الله عنه - أسباب حسية من أجل ألاّ يلامس سمعه شيء من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -، ذلك بوضع القطن على أذنيه خوفًا على دينه الباطل، ونحن أولى بأن نحرص على ديننا وألاّ يلامس سمعنا شيء مما حرمه الله علينا كالغناء والغيبة وغيرها.

 

لكني ما إن دخلت المسجد حتى وجدته قائمًا يصلي عند الكعبة صلاة غير صلاتنا، ويتعبد عبادة غير عبادتنا فأسرني منظره، وهزتني عبادته، ووجدت نفسي أدنو منه على غير قصد مني حتى أصبحت قريبا منه... وأبى الله إلا أن يصل إلى سمعي بعض ما يقول، فسمعت كلاما حسنًا، وقلت في نفسي: ثكلتك أمك يا طفيل، إنك رجل لبيب شاعر، وما يخفى عليك الحسن من القبيح، فما يمنعك أن تسمع من الرجل ما يقول، فإن كان الذي يأتي به حسنًا قبلته، وإن كان قبيحًا تركته.

 

11- إقامة شعائر الدين من أقوى أساليب الدعوة التي تؤثر في الناس، ويؤيد ذلك قصص من أسلموا بمجرد رؤيتهم صفوف الصلاة، وأدآء مناسك الحج.

 

12- تحكيم العقل في تمحيص ما يرد من شبه أو إشاعات ومحاسبة النفس تقود إلى الخير وقبول الحق، بخلاف إعارة العقل للغير.

 

قال الطفيل: (رحمه الله) " ثم مكثت حتى انصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بيته، فتبعته حتى دخل داره، فدخلت عليه، فقلت: يا محمد، إن قومك قد قالوا لي كذا وكذا وكذا، فوالله ما برحوا يخوفونني من أمرك، حتى سددت أذني بقطن لئلا أسمع قولك، ثم أبى الله إلا أن يسمعني شيئا منه، فوجدته حسنا فاعرض علي أمرك.

 

13- وجوب البحث عن الحق، وإن كلفك ذلك أن تذهب وتدخل على من يعلمك ويرشدك إلى الصواب، بدلا من التقليد الأعمى أو التعصب لقول فلان أو الجماعة الفلانية، فالحق ليس حكرًا على أحد، ويجب قبوله من صاحبه كائن من كان.

 

14- أهمية التثبت من الأخبار، وذلك بالرجوع إلى مصدره، أو إلى ثقة صادق أمين.

 

15- أهمية العدل والإنصاف، والبعد عن حظوظ النفس ومن الكبر والحسد عند الحكم بين الناس أو تحكيم أقوالهم وأفعالهم.

 

فعرض علي أمره، وقرأ لي سورة الإخلاص والفلق، فوالله ما قولا أحسن من قوله، ولا رأيت أمرا أعدل من أمره، عند ذلك بسطت يدي له، وشهدت أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، ودخلت في الإسلام.

 

16- أثر القرآن الكريم على النفس، وقوة وقعه على القلب، فهو مصدر نور وهداية للبشرية، فما أثره علينا في أخلاقنا وعباداتنا؟! بل وأين نحن من تدبره؟!

 

17- رجاحة عقل الطفيل وذلك حينما حكم عقله، فاختار وما احتار في قبول الإسلام ونبذ الكفر، ولهذا نجد أن الصحابة دخلوا في الإسلام عن تحكيم للعقل وقناعة تامة بهذا الطريق، ولذا صبروا وثبتوا علي وأما عدم تحكيم العقل يؤدي بصاحبه إلى الخسران، قال تعالى: ﴿ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾ [الملك: 10].

 

قال الطفيل: ثم أقمت في مكة زمنا تعلمت فيه أمور الإسلام، وحفظت فيه ما تيسر لي من القرآن، ولما عزمت على العودة إلى قومي قلت: يا رسول الله، إني امرؤ مطاع في عشيرتي، وأنا راجع إليهم وداعيهم إلى الإسلام، فادع الله أن يجعل لي آية تكون لي عونا فيما أدعوهم إليه، فقال - صلى الله عليه وسلم -: (اللهم اجعل له آية)).

 

18- خطورة حفظ القرآن وطلب العلم الشرعي لتكون زادًا للداعية في دعوته على هدى وبصيرة، وكذلك في عبادته لربه.

 

19- طلب العون والمساعدة من الله - عز وجل - ثم من العالم أو المربي وذلك عند الشروع في عمل دعوي.

 

20- توظيف الطاقات واستغلالها في خدمة الإسلام، فالطفيل سيد مطاع في قومه، فأراد أن يوظفها في صالح الدعوة لدين الله.

 

فخرجت إلى قومي حتى إذا كنت في موضع مشرف على منازلهم، وقع نور فيما بين عيني مثل المصباح، فقلت: اللهم اجعله في غير وجهي، أخشى أن يظنوا أنها عقوبة من الله وقعت في وجهي لمفارقة دينهم.. فتحول النور في رأس سوطي، فجعل الناس يتراءون ذلك النور في سوطي كالقنديل المعلق، وأنا أهبط عليهم من الثنية.

 

21- صدق نبوة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - بأن استجاب الله له دعائه، وأيد الطفيل بالنور.

 

22- على الداعية أن يبتعد عما قد يتسبب في ريبته عند الناس أو يؤثر على قبول دعوته.

فلما نزلت أتاني أبي - وكان شيخًا كبيرًا - فقلت: إليك عني، فلست منك ولست مني، فقال: ولم يا بني؟!! قلت: لقد أسلمت وتابعت محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: أي بني ديني دينك، فقلت: اذهب فاغتسل وطهر ثيابك، ثم تعال حتى أعلمك ما علمت، فذهب فاغتسل وطهر ثيابه، ثم جاء فعرضت عليه الإسلام فأسلم، ثم جاءت زوجتي فقلت: فرق بيني وبينك الإسلام، فقد أسلمت وتابعت محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: فديني دينك، فقلت: فاذهبي فتطهري من ماء ذي الشرى - وذو الشرى صنم لدوس حوله ماء يهبط من الجبل فقالت: بأبي أنت وأمي أما تخشى على الصبية شيئا من ذي الشرى؟! فقلت: تبًا لك ولذي الشرى..... اذهبي واغتسلي هناك بعيدًا عن الناس، وأنا ضامن ألاّ يفعل هذا الحجر شيئًا، فذهبت فاغتسلت ثم جاءت فعرضت عليها الإسلام فأسلمت.

 

23- أولى الناس بدعوتك وشفقتك عليهم هم الوالدين، لما لهما عليك من حقوق عظيمة ثم دعوة الأقرب فالأقرب لقوله تعالى: ﴿ وأنذر عشيرتك الأقربين ﴾ [الشعراء: 214].

 

24- تحقيق قاعدة الولاء والبراء في الإسلام كما قال تعالى: ﴿ لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ.... ﴾ [المجادلة: 22].

 

ثم دعوت دوسًا فأبطئوا علي إلاّ أبا هريرة، فقد كان أسرع الناس إسلاما، ثم جئت رسول - صلى الله عليه وسلم - ومعي أبو هريرة، فقال لي النبي - صلى الله عليه وسلم -: ما وراءك يا طفيل؟ فقلت: قلوب عليها أكنة وكفر شديد..لقد غلب على دوس الفسوق والعصيان، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتوضأ وصلى ورفع يده إلى السماء، قال أبو هريرة (رضي الله عنه): فلما رأيته كذلك خفت أن يدعوا على قومي فيهلكوا.. فقلت: وا قوماه، لكن الرسول - صلى الله عليه وسلم - جعل يقول: ((اللهم اهد دوسًا، اللهم اهد دوسًا، اللهم اهد دوسا)).

ثم التفت إلى الطفيل وقال: ارجع إلى قومك وارفق بهم وادعهم إلى الإسلام.

 

25- سرعة الاستجابة عند الصحابة سمة بارزة في حياتهم عند سماع الأمر والنهي في الدين، فهذا أبو هريرة (رضي الله عنه) كان من أسرع قومه إسلاما، فلنسارع في فعل الخيرات، وترك المنكرات.

 

26- على الداعية أن لا ينس اللجوء إلى الله - عز وجل - وسؤاله العون والهداية لمن يدعوهم، فرب دعوة صالحة يفتح الله بها مغاليق القلوب.

 

27- شفقة النبي - صلى الله عليه وسلم - على أمته، لأنه الرحمة المهداه للبشرية، قال تعالى ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107]، فعلى الداعية أن يكون شفيقا رفيقا في دعوته.

 

28- يجب الحذر من الدعاء على الناس بالسوء أو الظلم، وإنما يدعو لهم بالهداية، كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - مع قبيلة دوس.

 

29- على الداعية أن يرفق بمن يدعوهم، وهذا ما أوصى به النبي - صلى الله عليه وسلم - الطفيل قائلا: ( ارجع إلى قومك وارفق بهم وادعهم إلى الإسلام).

 

30- تأدب الصحابه مع نبيهم ومعلمهم - صلى الله عليه وسلم -، فهذا أبو هريرة - رضي الله عنه - لما رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - رفع يديه إلى السماء لم يعترض عليه، ويقول: لا تدع على قومي، وإنما قال بصوت مشفق: (وا قوماه.... وا قوماه).

 

31- للدعاء أثر عظيم، وشأن عجيب، فلماذا لا يكون زادًا لنا في دعوتنا، فنستجلب به الخير لنا وندفع عنا به الشر.

قال الطفيل: (رضي الله عنه) فلم أزل بأرض دوس أدعوهم إلى الإسلام حتى هاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة، ومضت بدر وأحد والخندق، فقدمت علىالنبي - صلى الله عليه وسلم - ومعي ثمانون بيتًا أسلموا وحسن إسلامهم فسُرّ بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأسهم لنا مع المسلمين من غنائم خيبر فقلنا: يا رسول الله اجعلنا ميمنتك في كل غزوة تغزوها، واجعل شعارنا مبرور.

 

32- على الداعية أن يتحلى بخلق الصبر والأناة، فهذا الطفيل مكث في قومه يدعوهم كل هذه المدة، فلم يستعجل قطف الثمار، شعاره (حب الخير للغير).

 

33- على الداعية أن يتألف قلوب من يدعوهم، ولو بشيء من عرض الدنيا، كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - مع دوس في غنائم خيبر، ومع مسلمة الفتح يوم حنين.

 

قال الطفيل: ثم لم أزل مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى فتح الله عليه مكة، فقلت: يا رسول الله ابعثني إلى (ذي الكفين) صنم عمرو بن حممة، حتى أحرقه... فأذن له النبي - صلى الله عليه وسلم -، فسار إلى الصنم في سرية من قومه.

 

34- أهمية الاستئذان في الأعمال الدعوية، يعطي العمل طابع منظم بعيدًا عن الارتجالية التي قد تتسبب في فشله أو منعه.

35- حرقة الطفيل على قومه إذ لم يسلموا حتى فتح مكة، ولم ييئس حتى كتب الله إسلامهم جميعا على يده. حنكة النبي - صلى الله عليه وسلم - وحسن تدبيره إذ أرسل مع الطفيل سرية من قومه ليكون الشاهد عليهم من أهلهم وعشيرتهم، وبذلك تقوى حجة الطفيل على قومه، ولكي لا يتعرضوا للقتل.

 

فلما بلغه، وهم بإحراقه اجتمع حوله النساء والرجال والأطفال يتربصون به الشر وينتظرون أن تصعقه صاعقة إن هو نال (ذا الكفين) بضر، لكن الطفيل أقبل على الصنم على مشهد من عباده، وجعل يضرم في فؤاده النار وهو يرتجز:

يا ذا الكفين لست من عبادكا

ميلادنا   أقدم   من   ميلادكا

إني حشوت النار في فؤادكا

 

36- من صميم عقيدة المؤمن التوكل على الله، إذ لا ينفع ولا يضر إلا الله.

 

37- جواز الرجز بالقول الحسن، كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعله عند حفر الخندق وبناء المسجد.

وما إن التهمت النار الصنم حتى التهم معها ما تبقى من الشرك في قبيلة دوس، فأسلم القوم وحسن إسلامهم.

 

فظل الطفيل بن عمرو الدوسي - رضي الله عنه - بعد ذلك ملازمًا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى قبض النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى جوار ربه.

 

38- قطع الصلة بالماضي، فما إن احتراق الصنم احترق معه كل شرك وضلال ومعتقد فاسد، فلم يبق في نفوسهم شيئا من الماضي، وإنما دخلوا في الإسلام بجدية وحسن سلامهم.

 

39- صدق المحبة للمربي والمعلم الأول والحرص على ملازمته والتأدب معه.

 

40- اليأس لا يصنع شيئا، فهذا الطفيل مازال يدعو قومه مرارا حتى كتب الله على يده إسلامهم جميعًا.

 

41- فضل الدعوة وعظم ثواب من قام بها، فهذا الطفيل - رضي الله عنه - أسلم على يده قومه أجمع بما فيهم أبو هريرة - رضي الله عنه - فكل حسناتهم في ميزان حسنات الطفيل لا ينقص من أجورهم شيء.

 

ولما آلت الخلافة من بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الصديق وضع الطفيل نفسه وسيفه وولده في طاعة خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولما نشبت حروب الردة نفر الطفيل في طليعةجيش المسلمين لحرب مسيلمة الكذاب ومعه ابنه عمرو.

 

42- حق ولاة الأمر علينا السمع والطاعة، لذا يجب تربية أبنائنا على السمع والطاعة لهم بالمعروف، فهذا الطفيل لم يتوقف عن البذل للدين بل جعل نفسه وسيفه وولده تحت طاعة ولي أمر المسلمين، وخدمة لهذا الدين.

 

43- فضل الجهاد والاستشهاد في سبيل الله وسرعة المبادرة إليه والثبات على ذلك.

 

44- وفي طريقه إلى اليمامة رأى رؤيا، فقال لأصحابه: إني رأيت رؤيا فعبروها لي، فقالوا: وما رأيت؟ قال: رأيت أن رأسي قد حلق، وأن طائرا خرج من فمي، وأن امرأة أدخلتني في بطنها، وأن ابني عمروا يطلبني حثيثا، لكنه حيل بيني وبينه. فقالوا: خيرا، فقال: أما أنا فقد أولتها: أما حلق رأسي فذلك أنه يقطع،وأما الطائر الذي خرج من فمي فهي روحي، وأما المرأة التي أدخلتني في بطنها فهي الأرض تحفر لي فأدفن في جوفها، وإني لأرجو أن أقتل شهيدا، وأما طلب ابني لي فهو يعني أنه يطلب الشهادة التي سأحظى بها - إذا أذن الله - لكنه يدركها فيما بعد، وفي معركة اليمامة أبلى الصحابي الجليل الطفيل أعظم بلاء حتى خر صريعا على أرض المعركة.

 

45- رؤيا الصالحين بشرى عاجلة لهم من الله، ولمن رؤية له.

 

46- جواز طلب تأويل الرؤى وتعبيرها ممن لديه علم بالتأويل.

وأما ابنه عمرو فما زال يقاتل حتى أثخنته الجراح وقطعت كفه اليمنى، فعاد إلى المدينة مخلفا على أرض اليمامة أباه ويده، وفي خلافة عمر بن الخطاب، دخل عليه عمرو بن الطفيل، أتي للفاروق بطعام والناس جلوس عنده، فدعا القوم إلى طعامه، فتنحى عمرو عنه، فقال له الفاروق: مالك؟! لعلك تأخرت خجلاً من يدك . قال: أجل يا أمير المؤمنين. قال عمر: والله لا أذوق الطعام حتى تخلطه بيدك المقطوعة، والله ما في القوم أحد بعضه في الجنة إلا أنت (يريد يده).

 

ظل حلم الشهادة يلوح لعمرو منذ فارق أباه، فلما كانت معركة اليرموك بادر إليها عمرو مع المبادرين، وما زال يقاتل حتى أدرك الشهادة التي مناه بها أباه.رحم الله الطفيل الدوسي، فهو الشهيد وأبو الشهيد.

 

47- الهمة العالية عند عمرو - رضي الله عنه - والتي غرسها فيه أباه فهو منذ فارق أباه وهو يتمنى الاستشهاد في سبيل الله واللحاق بأبيه في الجنة، فما أعظمها من أمنية ومنافسة بين الولد وأباه.

 

48- وجوب إكرام أهل الجهاد في سبيل الله، كما فعل ذلك الخليفة الراشد: عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - مع عمرو بن الطفيل - رضي الله عنهما -.

 

49- قرا ءة سير الصالحين، والنظر فيها بتأمل واستخلاص الحكم والأحكام، والفوائد   والعبر منها سبيل للتأسي بها، وشحذ للهمم للارتقاء بها إلى القمم.

 

تلك إشارات عابرة، وكلمات قاصرة من سيرة هذا الصحابي الجليل لتكون نبراسًا لنا في طريق حياتنا التربوية والدعوية، والله أسأل أن ينفع بها، ويجعل ذلك خالصًا لوجهه الكريم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

 

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

والحمد لله رب العالمين.

 

الخاتمة:

وختامًا نسأل الله - عز وجل - لنا ولكم حسن الختام، وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم وأن يتقبلها منا، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

 

كان هذا آخر صيد الخاطر، سقته زادًا للمسافر، ووصلا للهاجر، وسلوة للصابر، ودلالة للحائر، وعونا للشاكر.

 

أخي الحبيب:

خذ ما فيها من صواب، ودع عنك ما قلبك منه مرتاب، ثم إياك أن تتشمت أو تغتاب، فكلنا ذوو خطأ وصواب، وما يضر السحاب نبح الكلاب.

 

تم الكلام، والصلاة على خير الأنام، وعلى آله وصحبه ما غرد الحمام.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • جبر الخاطر يقيك المخاطر

مختارات من الشبكة

  • ثمر الخاطر (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • جوزيات: خواطر من صيد الخاطر لتركي عبد الله الميمان(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • نزهة الخاطر بعبادة جبر الخواطر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مواعظ ورقائق من صيد الخاطر للإمام ابن الجوزي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • نبض الخاطر (7)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • نبض الخاطر: (الخير عادة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • نبض الخاطر (4)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • نبض الخاطر (3)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • نبض الخاطر (2)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • نبض الخاطر (1)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب