• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    سورة الكافرون.. مشاهد.. إيجاز وإعجاز (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    من آداب المجالس (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    خطر الميثاق
    السيد مراد سلامة
  •  
    أعظم فتنة: الدجال (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    فضل معاوية والرد على الروافض
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    ما جاء في فصل الشتاء
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرحمن، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    تفسير: (فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تخريج حديث: إذا استنجى بالماء ثم فرغ، استحب له ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    اختر لنفسك
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون (خطبة) - باللغة ...
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / فقه وأصوله
علامة باركود

الركن الأول من أركان الصلاة .. النية

أركان الصلاة (2)
د. سالم جمال الهنداوي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 19/10/2013 ميلادي - 14/12/1434 هجري

الزيارات: 81799

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الركن الأول من أركان الصلاة .. النية

أركان الصلاة [2]


الركن الأول: النية

النيةُ ركن الصلاة وقاعدتها، وهي محتومة باتفاق العلماء؛ فالنيةُ من قَبيل الإرادات والقُصود، وتتعلق بما يجري في الحال أو في الاستقبال؛ فما تعلَّق بالحال، فهو القصد تحقيقًا، وما يتعلق بالاستقبال فهو الذي يسمى عزمًا، ولا يتصور تعلُّق النية بماضٍ قطعًا [1].

 

أولاً: تعريف النية والأصل فيها:

تعريف النية:

النية: مشددة، وحُكي فيها التخفيف، يقال: نويت نِيَّةً ونواة، وأنويت كنويت، حكاها الزجَّاج في فعل وأفعل، وانْتَوَيْتُ كذلك، حكاها الجوهري، وهي في اللغة: القصدُ، وهو عزم القلب على الشيء.


وفي الشرع: العزم على فعل الشيء تقربًا إلى الله تعالى [2].

 

وقيل: قصدُ الشيءِ مقترنًا بفعله[3].

 

والنية: عزمُ القلب على عمل من الأعمال فرض أو غيره[4].

 

والأصل فيها: الكتاب والسنَّة والإجماع.


أولاً: الكتاب:

قال -تعالى-: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ﴾ [البينة: 5]، قال الماوردي: والإخلاص في كلامهم النيَّة[5]، والإخلاص عملُ القلب، وهو النية، وإرادة الله وحده دون غيره[6].

 

ثانيًا: السنَّة:

عن عمرَ بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّاتِ، وإنَّما لكُلِّ امرئٍ ما نَوَى...)) [7] الحديث، ولفظ مسلم: ((إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّةِ، وإنَّما لامرئٍ ما نوى...)) [8] الحديث.

 

ثالثًا: الإجماع:

قال ابن المنذر - رحمه الله -: أجمَع كلُّ مَن نحفظ عنه من أهل العلم على أن الصلاةَ لا تُجزئ إلا بالنية[9].

 

وقال ابن قدامة - رحمه الله -: ولا نعلم خلافًا بين الأمَّة في وجوب النية للصلاة، وأن الصلاةَ لا تنعقد إلا بها[10].

 

وقال الإمام النووي - رحمه الله -: ونقل ابن المنذر في كتابه (الأشراف)، وكتاب (الإجماع)، والشيخ أبو حامد الإسفراييني، والقاضي أبو الطيب، وصاحب (الشامل)، ومحمد بن يحيى، وآخرون: إجماعَ العلماء على أن الصلاةَ لا تصح إلا بالنية[11].

 

ما ورَد من الآثار في النية:

قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: أفضلُ الأعمال أداءُ ما افترض الله تعالى والوَرَع عما حرَّم الله تعالى وصِدق النيَّة فيما عند الله تعالى.


وكتَب سالم بن عبدالله إلى عمر بن عبدالعزيز - رضي الله عنه -: اعلَمْ أن عون الله -تعالى- للعبد على قدر النية؛ فمن تمَّت نيتُه تم عون الله له، وإن نقَصت نقَص بقدره.


وقال بعض السلف: رُبَّ عملٍ صغير تعظِّمه النيةُ، ورُبَّ عمل كبير تصغِّره النية.


وقال داود الطائي - رحمه الله -: البَرُّ همتُه التقوى، فلو تعلقت جميع جوارحه بالدنيا لردته نيته يومًا إلى نية صالحة، وكذلك الجاهل بعكس ذلك.


وقال الثوري - رحمه الله -: كانوا يتعلمون النية للعمل كما تتعلمون العمل.


وقال بعض العلماء: اطلُبِ النيةَ للعمل قبل العمل، وما دمت تنوي الخير فأنت بخير[12].

 

ثانيًا: المقصود من النية

قال الحافظ السيوطي - رحمه الله -:

المقصود الأهم منها:

1- تمييز العبادات من العادات.

2- وتمييز رُتَب العبادات بعضها من بعض.


كالوضوء والغسل، يتردد بين التنظُّف والتبرُّد، والعبادة، والإمساك عن المفطرات قد يكون للحمية والتداوي، أو لعدم الحاجة إليه، والجلوس في المسجد، قد يكون للاستراحة، ودفع المالِ للغير، قد يكون هبةً أو وصلة لغرض دنيوي، وقد يكون قُربة؛ كالزكاة، والصدقة، والكفارة، والذبح قد يكون بقصد الأكل، وقد يكون للتقرب بإراقة الدماء؛ فشرعت النية لتمييز القُرَب من غيرها، وكل من الوضوء والغسل والصلاة والصوم ونحوها قد يكون فرضًا ونذرًا ونفلاً، والتيمم قد يكون عن الحدث أو الجنابة، وصورته واحدة، فشرعت لتمييز رُتَب العبادات بعضها من بعض[13].

 

وقال إمام الحرمين - رحمه الله -: ومما يتعلق بكيفية النية: تمييز الأداء عن القضاء، وهذا أصلٌ متفق عليه.


والسبب فيه: أن التعيين إنما يجب للتمييز، وللعبادات رُتب ودرجاتٌ عند الله، فليجرِّد العابدِ قصدَه في كل عبادة معينة؛ ليتحقق تقرُّبه بالعبادة المخصوصة[14].

 

ثالثًا: محل النية

قال ابن أبي الخير العمراني - رحمه الله -: محلها القلب؛ لأن النية الإخلاص، ولا يكون الإخلاص إلا بالقلب، فإن نوى بقلبه وتلفَّظ بلسانه، فقد أتى بالأكمل، وإن تلفَّظ بلسانه ولم ينوِ بقلبه لم يجزه، وإن نوى بقلبه ولم يتلفَّظ بلسانه أجزأه.


ومن أصحابنا مَن قال: لا يجزئه؛ لأن الشافعي قال: (وليس الصلاة كالحج؛ لأن الصلاةَ في أولها نُطق واجب).


وهذا غلط؛ لأن النية هي القصد، وقد وجد منه ذلك، وما قاله الشافعي فإنما أراد به: النُّطق بالتكبير، لا بالنية[15].

 

وقال الإمام الماوردي - رحمه الله -:

محل النية القلب؛ ولذلك سُمِّيت به؛ لأنها تفعل بأنأى عضو في الجسد، وهو القلب، وإذا كان ذلك كذلك فله ثلاثة أحوال:


أحدها: أن ينوي بقلبه، وبلفظ بلسانه، فهذا يجزئه، وهو أكمل أحواله.


والحال الثانية: أن يلفظ بلسانه ولا ينوي بقلبه، فهذا لا يجزئه؛ لأن محل النية الاعتقادُ بالقلب، كما أن محل القراءة الذِّكر باللسان، فلما كان لو عدل بالقراءة عن ذِكر اللسان إلى الاعتقاد بالقلب لم يجزه، وجَب إذا عدل بالنية عن اعتقاد القلب إلى ذِكر اللسان لا يجزئه؛ لعدوله بكل واحد منهما عن جارحته.


والحال الثالثة: أن ينوي بقلبه ولا يتلفظ بلسانه، فمذهب الشافعي يجزئه، وقال أبو عبدالله الزبيري - من أصحابنا -: لا يجزئه حتى يتلفظ بلسانه، تعلقًا بأن الشافعي قال في كتاب (المناسك): ولا يلزمه إذا أحرَم بقلبه أن يذكُرَه بلسانه، وليس كالصلاة التي لا تصح إلا بالنطق.


فتأول ذلك على وجوب النطق في النية، وهذا فاسد، وإنما أراد وجوبَ النطق بالتكبير، ثم مما يوضح فساد هذا القول حجاجًا: أن النيةَ من أعمال القلب، فلم تفتقر إلى غيره من الجوارح، كما أن القراءة لما كانت من أعمال اللسانِ لم تفتقر إلى غيره من الجوارح[16].


وقال الخطيب الشربيني - رحمه الله -: والنية بالقلب بالإجماع؛ لأنها القصد، فلا يكفي النطق مع غفلة القلب بالإجماع، وفي سائر الأبواب كذلك.


ولا يضر النطق بخلاف ما في القلب، كأن قصَد الصبحَ وسبَق لسانُه إلى الظهر، ويندب النطق بالمنويِّ قبيل التكبير؛ ليساعد اللسان القلب، ولأنه أبعد عن الوسواس [17].

 

رابعًا: شروط النية

الشرط الأول: الإسلام:

ومن ثم لم تصحَّ العبادات من الكافر.

 

الشرط الثاني: التمييز:

فلا تصح عبادة صبي لا يميز، ولا مجنون، وخرج عن ذلك: الطفل يوضِّئه الولي للطواف حيث يُحرِم عنه، والمجنونة يغسلها الزوج عن الحيض وينوي على الأصح.


الشرط الثالث: العلم بالمَنْويِّ:

قال البغوي وغيره: فمَن جهِل فرضية الوضوء أو الصلاة لم يصحَّ منه فعلها، وكذا لو علم أن بعض الصلاة فرض ولم يعلم فرضية التي شرع فيها، وإن علم الفرضية وجهل الأركان، فإن اعتقد الكل سنَّة، أو البعض فرضًا، والبعض سنة، ولم يميزها لم تصحَّ قطعًا، أو الكل فرضًا، فوجهان: أصحهما الصحة؛ لأنه ليس فيه أكثر من أنه أدى سنَّة باعتقاد الفرض، وذلك لا يؤثر.


وقال الغزالي: الذي لا يميز الفرائض من السنن تصح عبادته، بشرط ألا يقصد التنفُّل بما هو فرض، فإن قصده لم يعتدَّ به، وإن غفَل عن التفصيل فنيةُ الجملة كافية، واختاره في (الروضة).


قال الإسنوي: وغير الوضوء والصلاة في معناهما، وقال في الخادم: الظاهر أنه لا يشترط ذلك في الحج، ويفارق الصلاة، فإنه لا يشترط فيه تعيين المنويِّ، بل ينعقد مطلقًا ويصرفه بخلاف الصلاة، ويمكن تعلُّم الأحكام بعد الإحرام بخلاف الصلاة، ولا يشترط العلم بالفرضية؛ لأنه لو نوى النفل انصرف إلى الفرض.


الشرط الرابع: ألا يأتي بمُنافٍ: فلو ارتدَّ في أثناء الصلاة أو الصوم أو الحج أو التيمم بطَل، أو الوضوء أو الغسل لم يبطلا؛ لأن أفعالهما غير مرتبطة ببعضها، ولكن لا يحسب المغسول في زمن الردة، ولو ارتدَّ بعد الفراغ، فالأصح أنه لا يبطل الوضوء والغُسل، ويبطل التيمم لضعفه، ولو وقع ذلك بعد فراغ الصلاة أو الصوم أو الحج أو أداء الزكاة لم يجب عليه الإعادةُ [18].

 

خامسًا: وقت النية

قال النووي - رحمه الله -: قال الشافعي - رحمه الله - في (المختصر): (وإذا أحرم نوى صلاته في حال التكبير لا بعده ولا قبله)، ونقل الغزالي وغيره النص بعبارة أخرى، فقالوا: قال الشافعي: (ينوي مع التكبيرِ لا قبله ولا بعده).


قال أصحابنا: يشترط مقارنة النية مع ابتداءِ التكبير.


وفي كيفية المقارنة وجهان: أحدهما: يجب أن يبتدئ النية بالقلبِ مع ابتداء التكبير باللسان، ويفرغ منها مع فراغه منه، وأصحهما لا يجب، بل لا يجوز؛ لئلا يخلوَ أول التكبير عن تمام النية، فعلى هذا وجهان:

أحدهما: وهو قول أبي منصور بن مهران شيخ أبي بكر الأودني: يجب أن يقدم النية على أول التكبير بشيءٍ يسير؛ لئلا يتأخر أولها عن أول التكبير.


والثاني: وهو الصحيح عند الأكثرين: لا يجب ذلك، بل الاعتبارُ بالمقارنة.


وسواء قدم أم لم يقدم، ويجب استصحابُ النية إلى انقضاء التكبير على الصحيح، وفيه وجه ضعيف أنه لا يجب.


واختار إمام الحرمين والغزالي في (البسيط) وغيره: أنه لا يجب التدقيق المذكورفي تحقيق مقارنة النية، وأنه تكفي المقارنة العُرفية العامية، بحيث يعد مستحضرًا لصلاته غير غافل عنها، اقتداءً بالأولينَ في تسامحهم في ذلك، وهذا الذي اختاراه هو المختار، والله أعلم[19].

 

سادسًا: كيفية النية

إن كانت الصلاة فرضًا: فلا بد أن ينوي أنها الظهر، أو العصر؛ لتتميز عن غيرها.


وهل يجبُ عليه أن ينوي: أنها فريضة عليه؟ فيه وجهان:

أحدهما - وهو قول أبي إسحاق، واختيار الشيخ أبي حامد -: أنه يجب عليه ذلك؛ ليتميز عن ظُهر الصبي، وظُهر من صلَّى وحده، ثم أدرك جماعة يصلون فصلاها معهم.


والثاني - وهو قول أبي علي بن أبي هريرة، وأبي حنيفة -: أنه لا يجب عليه ذلك؛ لأنها لا تكون على هذا إلا فرضًا؛ ولأن الصبي إذا صلى صلاة الوقت في أول الوقت، ثم بلغ في آخره، أجزأه عند الشافعي، وإن لم ينوِ الفريضة؛ ولأن الشافعي قال: (إذا صلَّى وحده، ثم أعادها في جماعة، إن الله يحتسب له بأيتهما شاء)، وهذا يدل على أن نية الفرض لا تجب عليه.


وهل يلزمه نية أعداد الركعات، ونية استقبال القبلة؟ فيه وجهان، حكاهما في (الإبانة)، والصحيح: لا يلزمُه.


وهل يلزمه أن ينوي: لله؟ فيه وجهان: أحدهما: لا يلزمه؛ لأن الصلاةَ لا تكون إلا لله.


الثاني: يلزمه؛ ليتميز عن الصلاةِ اللغوية التي هي الدعاء[20].

 

وقال النووي - رحمه الله -: أما الفريضة، فيجبُ فيها قصد أمرينِ بلا خلاف.

أحدهما: فعل الصلاة، لتمتاز عن سائر الأفعال، ولا يكفي إحضارُ نفس الصلاة بالبال، غافلاً عن الفعل.


والثاني: تعيين الصلاة المأتيِّ بها، ولا تجزئه نية فريضة الوقت عن نية الظُّهر أو العصر على الأصح؛ لأن الفائتة التي يتذكرها تشاركها في كونها فريضة الوقت.


ولا تصح الظُّهر بنية الجمعة على الصحيح الصواب.


ولا تصح الجمعة بنية مطلَق الظهر، ولا تصح بنية الظهر المقصورة إن قلنا: إنها صلاة بحيالها، وإن قلنا: ظُهرٌ مقصورة صحت[21].

 

وقال إمام الحرمين - رحمه الله -: فأول ما يُعتنَى به: التعيينُ، ولا بد منه في الصلاة، فليميِّز الناوي الظُّهرَ عن العصر وغيرِه من الصلوات.

 

وأما التعرض لفرضية الظهر، فقد اختلف أصحابنا فيه: فمنهم من لم يشترط، واكتفى بالتعيين؛ فإن النية إذا تعلَّقت بالظهر، فالظُّهر لا يكون إلا فرضًا، ومنهم من شرط التعرض للفرضية؛ فإن المرء قد ينوي الظهر فيقع نفلاً، بأن كان أقامه في انفراده، ثم يدرك جماعةً، فيقيمها مرة أخرى.


وقد ذكر العراقيون في ذلك تقسيمًا، فقالوا: من العبادات ما لا يُشترط فيه التعرض للفرضية وجهًا واحدًا، كالزكاة، فإذا نواها من لزمته ولم يتعرض للفرضية في النيَّة أجزأته؛ فإن اسم الزكاة لا يطلق إلا على المفروض، وما يتطوع المرء به يسمى صدقة، فإن أجرى ذكرَ الصدقة، فلا بد من تقييدها بالفرضية، وكذلك الكفارة إن جرت في الذكر، كفت عن الفرضية، وإن نوى الإعتاق، فلا بد من تقييده بالفرضية، التي تحل محلَّ الكفارة.


والحجُّ والعمرة والطهارة فلا حاجة إلى تقييدها بالفرضية أصلاً، والصلاة والصوم، إذا عُيِّنا - فجرى ذِكر الظهر، أو صوم رمضان - ففي اشتراط ذكر الفرض الخلافُ الذي ذكرناه.


وإذا نوى الناوي الصلاةَ وعيَّنها، فهل يُشترط إضافتها إلى المعبود بها، مثل أن يقول: فريضة الله أو لله؟ ذكر صاحب (التلخيص) أن ذلك لا بدَّ منه، وبه تتميز العبادةُ عن العادة، ومن أصحابنا من ساعده على اشتراط ذلك، ومنهم من رأى ذلك مستحبًّا، من جهة أن العبادات لا تكون إلا لله، فذِكْرُها يغني عن إضافتها.


ومما يتعلق بكيفية النية: تمييز الأداء عن القضاء: وهذا أصل متفق عليه، والسبب فيه أن التعيين إنما يجب للتمييز، وللعبادات رُتب ودرجاتٌ عند الله، فليجرِّد العابد قصدَه في كل عبادة معينة؛ ليتحقق تقرُّبه بالعبادة المخصوصة، وإذا كان التعيين لهذا، فرُتبة إقامةِ الفرض في وقته تخالف رتبةَ تدارك الفائت، فلا بد من التعرض للتمييز، ثم قال قائلون من أئمتنا: ينبغي أن يجري ذكر فريضة الوقت، وبهذا يقع التمييز.


وكان شيخي يحكي عن القفال أنه يكفي أن يذكر الأداء.


ومن اعتقد مثلَ هذا في الاختلاف، فليس على بصيرة في الإحاطة بالغرض، فإن الذي يُجريه الناوي معاني الألفاظ، والمقصودُ العلمُ بالصفات، فإذا حصلت العلوم بحقائق صفات المنويِّ، فهو الغرض، ثم يقع تجريد القصد إلى ما أحاط العلم به، وإذا لاح أن الغرض هذا، فالتنافس في الصلوات، وتخيُّل الخلاف فيها لا معنى له.


ومما كان يذكره شيخي: أن أصل النية أن يربط الناوي قصده بفعله، ويُخْطِر بباله أني أؤدي الصلاة، أو أقيمها؛ فإنه لو ذكر الصلاة وصفاتها، ولم يعلِّق قصده بفعله لها، لم يكن ناويًا.


وهذا في حُكم اللغوِ عندي؛ فإنه إذا ثبت أن النية قصده، ومن ضرورة القصد أن يتعلق بالفعل، فإن وُجد القصدُ فمتعلقه فعل الصلاة لا محالة، ولا ينقسم الأمر فيه - تصورًا - حتى يحتاج فيه إلى تفصيل، وإن لم يتعلقِ القصدُ بالفعل، فالقصد إذًا غير واقع، وإذا لم يقع القصد، فلا نيَّة[22].

 

مسائل تتعلق بالنية:

لو عقَّب النية بقوله: (إن شاء الله) بقلبه أو لسانه:

إن قصد به التبرُّك ووقوع الفعل بمشيئة الله -تعالى- لم يضرَّه، وإن قصد به التعليق أو الشك لم يصحَّ، ذكره الرافعي.


ولو صلى الظهر والعصر ثم تيقَّن أنه ترك النية في إحداهما وجهل عينها، لزِمه إعادتهما جميعًا.


الحُكم إذا دخل في الصلاة بنية مترددة بين إتمامها وقطعها:

قال ابن قدامة - رحمه الله -: وإذا دخل في الصلاة بنية مترددة بين إتمامها وقطعها، لم تصحَّ؛ لأن النية عزم جازم، ومع التردد لا يحصل الجزم، وإن تلبَّس بها بنية صحيحة، ثم نوى قطعها، والخروج منها، بطَلت، وبهذا قال الشافعي.


وقال أبو حنيفة: لا تبطُل بذلك؛ لأنها عبادة صح دخوله فيها، فلم تفسد بنية الخروج منها كالحج.


ولنا: أنه قطع حُكم النية قبل إتمام صلاته، ففسدت، كما لو سلَّم ينوي الخروج منها؛ ولأن النية شرط في جميع الصلاة، وقد قطعها بما حدث، ففسدت لذهاب شرطها وفارقت الحج؛ فإنه لا يخرج منه بمحظوراته ولا بمفسداته بخلاف الصلاة.


فأما إن تردد في قطعها، فقال ابن حامد: لا تبطل؛ لأنه دخل فيها بنية متيقنة، فلا تزول بالشك والتردد، كسائر العبادات، وقال القاضي: يحتمل أن تبطل، وهو مذهب الشافعي؛ لأن استدامة النية شرط مع التردد لا يكون مستديمًا لها، فأشبه ما لو نوى قطعها[23].

 

وقال الخطيب الشربيني - رحمه الله -: لو نوى الخروج من الصلاة أو تردَّد في أن يخرج أو يستمر، بطَلت بخلاف الوضوء والاعتكاف والحج والصوم؛ لأنها أضيق بابًا من الأربعة، فكان تأثيرُها باختلاف النية أشدَّ.


فالعبادة في قطع النية أضرُبٌ:

الأول: الإيمان والصلاة يبطلان بنية الخروج، وبالتردد.


الثاني: الحج والعمرة لا يبطلان بهما.


الثالث: الصوم والاعتكاف الأصح أنهما لا يبطلان.


الرابع: الوضوء لا يبطُل بنية الخروج بعد الفراغ على المذهب، ولا بالتردد فيه قطعًا، ولا أثر للوساوس الطارقة للفكر بلا اختيار بأن وقع في فكره أنه لو تردد في الصلاة كيف يكون الحال، فقد يقع مثله في الإيمان بالله - تعالى.


ولو علق الخروج من الصلاة بحصول شيء: بطلت في الحال، ولو لم يقطع بحصوله، كتعليقه بدخول شخص، وفارق ذلك ما لو نوى في الركعة الأولى أن يفعل في الثانية فعلاً مبطلاً للصلاة كتكلُّم وأكل؛ حيث لا تبطل في الحال بأنه هنا ليس بجازمٍ وهناك جازم، والمحرَّم عليه إنما هو فعل المنافي للصلاة ولم يأتِ به.


ولو شك هل أتى بتمام النية أو لا، أو هل نوى ظهرًا أو عصرًا: فإن تذكر بعد طول زمان أو بعد إتيانه بركن ولو قوليًّا كالقراءة، بطَلت صلاته؛ لانقطاع نظمها، وندرة مثل ذلك في الأولى، ولتقصيره بترك التوقف إلى التذكر في الثانية، وإن كان جاهلاً إذ كان من حقه ألا يأتي به ويتوقف عن الإتيان به، بخلاف من زاد في صلاته ركنًا ناسيًا؛ إذ لا حيلة في النسيان، ذكره في (المجموع)، وبعض الركن القولي فيما ذكر ككله.


ومحله: إذا طال زمن الشك أو لم يعد ما قرأه فيه، وألحق البغوي في فتاواه قراءة السورة فيما ذكر بقراءة الفاتحة، وفيها عن الأصحاب: أنه لو ظن أنه في صلاة أخرى فأتم عليه، صحَّت صلاته، فإن تذكر قبل طول الزمان وإتيانه بركن، لم تبطُلْ؛ لكثرة عروض مثل ذلك[24].

 

نية مَن عليه فوائت:

لا يشترط أن ينوي ظُهر يوم كذا، بل يكفيه نية الظهر أو العصر، والنفل ذو الوقت أو ذو السبب كالفرض في اشتراط قصد فعل الصلاة وتعيينها، كصلاة الكسوف وراتبة العشاء[25].

 

وقال العمراني - رحمه الله -: وإذا أراد أن يصليَ الفائتة فهل تلزمه نية القضاء؟ فيه وجهان، وحكاهما الشيخ أبو حامد قولين.

أحدهما - قاله في القديم -: (أنه لا بد من نية القضاء؛ ليتميز عن صلاة الوقت).


والثاني - وهو قول القاضي أبي الطيب -: أنه لا يفتقر إلى نية القضاء؛ لأن الشافعي نص فيمن صلى يوم الغيم، وبان أنه صلى بعد الوقت: (أنه يجزئه)، ونص في الأسير إذا تحرى فوافق صومه ما بعد رمضان: (أنه يجزئه)، وكذلك لو اعتقد أن وقت الصلاة قد فات، فنوى القضاء، ثم بان أن الوقت باقٍ أجزأه، فبان: أن نية القضاء ليست بواجبة.


قال ابن الصباغ: ويمكن أن يجاب القاضي عن هذا، فيقال له: ها هنا نوى صلاة وقت بعينه، وهو ظهر هذا اليوم، فكيف وقعت أجزأه؛ لأنه قد عين وقت وجوبها، كمن نوى صلاة أمس فاتته، فإنه يجزئه وإن لم ينوِ القضاء، وإنما يتصور الخلاف فيمن عليه فائتة الظهر، فصلى في وقت الظهر، ينوي: صلاة الظهر الفريضة، فإن هذه الصلاة تقع بحكم الوقت.


وإذا كان نسي أنه صلى فصلى ثانيًا، ينوي الظهر الفريضة، فيجيء على ما حكاه الشيخ أبو حامد عن القديم: أنه لا يجزئه عن القضاء، ويقع نافلة، وعلى قول القاضي يجزئه.


ولا يشبه هذا ما ذكره الشافعي لما مضى، ويلزم القاضي أن يقول: في رجل صلى قبل الظهر صلاة الظهر، يعتقد أن الوقت قد دخل ولم يكن دخل: إنها تجزئه عن فائتة الظهر.


وأما مَن صلى في غير وقت الظهر ونوى الظهر الفريضة، وهو عالم بالوقت، فلا بد أن يكون عالِمًا بسبب الوجوب، وهو فوت الظهر في وقتها، فقد تضمنت نيته القضاء، ومثل ما صورته في الصلاة لا يتصور في الصوم؛ لأنه لا يقضيه إلا في غير زمانه، فإذا نواه في غير رمضان فقد تضمنت نيته القضاء [26].

 

النية لأكثر من صلاة فائتة:

قال في (الأم): (ولو فاتته الظهر والعصر، فدخل في الصلاة ينويهما جميعًا لم تجزئه)؛ لأن التعيين واجب، وتشريكه بين الصلاتين يمنَع وقوعها لإحداهما.

 

قال: ولو دخل بنية إحداهما ثم شك فلم يدرِ أيتهما نوى لم يجزئه هذا عن إحداهما، حتى يتيقن أيتهما نوى.

 

دليلنا: أنه نوى صلاتين مختلفتين، فلم تصحَّ، كما لو نوى الفرض والجنازة، ذكره أبو المحاسن[27].

 

وقال الشافعي - رحمه الله -: إن أدرك الإمام في العصر وقد فاتته الظهر فنوى بصلاته الظهر كانت له ظهرًا، ويصلي بعدها العصر، وأحب إليَّ من هذا كله ألا يأتمَّ رجل إلا في صلاة مفروضة يبتدئانها معًا، وتكون نيتهما في صلاة واحدة[28].

 

الحكم إذا أحرم بفريضة ثم نوى نقلها إلى فريضة أخرى:

قال ابن قدامة - رحمه الله -: وإذا أحرم بفريضة، ثم نوى نقلها إلى فريضة أخرى بطَلت الأولى؛ لأنه قطَع نيتها، ولم تصحَّ الثانية؛ لأنه لم ينوِها من أولها.


فإن نقلها إلى نفلٍ لغير غرض، فقال القاضي: لا يصح، رواية واحدة؛ لما ذكرناه، وقال في (الجامع): يخرج على روايتين، وقال أبو الخطاب: يكره، ويصح؛ لأن النفل يدخُل في نية الفرض، بدليل ما لو أحرَم بفرض فبان أنه لم يدخُل وقتُه، وصحة نقلها إذا كان لغرض، وللشافعي قولان كالوجهين.


فأما إن نقلها لغرضٍ صحيح، مثل من أحرم بها منفردًا، فحضرت جماعة، فجعلها نفلاً ليصلي فرضه في جماعة، فقال أبو الخطاب: تصحُّ من غير كراهة، وقال القاضي: فيه روايتان: إحداهما: لا يصح؛ لأنه لم ينوِ النفلَ من أولها.


والثانية: يصح؛ لأنه لفائدة، وهي تأديةُ فرضه في الجماعة مضاعفة للثواب، بخلاف مَن نقلها لغير غرض، فإنه أبطل عمله لغير سبب ولا فائدة[29].

 

وقال ابن أبي الخير العمراني - رحمه الله -: وإن دخل صلاة الظهر ثم صرَفها إلى العصر: فالبغداديون من أصحابنا قالوا: يبطل الظهر؛ لأنه قطَع نيته، ولا تصح له العصر؛ لأنه لم ينوِها عند الإحرام.


وقال المسعودي في (الإبانة): لا تصح له الظهر والعصر، وهل تصح له نفلاً؟ فيه قولان.


وإن صرف الظهر إلى النفل: قال أصحابنا البغداديون: فإن الظهر لا يصح له؛ لأنه قطع نيته.


وهل يصح له النفل؟ فيه قولان.

أحدهما: لا يصح له، كما لا تصح العصر إذا انتقل إليه من الظهر.


والثاني: يصح؛ لأن نية الفرض تتضمن النفل؛ ولهذا لو أحرم بالظهر قبل وقته وهو يظن أن الوقت قد دخل أنها تنعقد له نافلة[30].

 

وقال الإمام النووي - رحمه الله -: متى دخل في فريضة ثم صرَف نيته إلى فريضة أخرى أو نافلة: بطَلت التي كان فيها، ولم يحصل التي نواها بلا خلاف؛ لما ذكره[31].


وفي انقلابها نافلة خلاف، قال أصحابنا: من أتى بما ينافي الفريضة دون النفلية في أول فريضة أو أثنائها: بطل فرضه.


هل تبقى صلاته نفلاً أم تبطل؟ فيه قولان، اختلف في الأصح منهما بحسب الصور، فمنها إذا قلب ظُهره إلى عصر، أو إلى نفلٍ بلا سبب، أو وجَد المصلي قاعدًا خفَّةً في صلاته، وقدَر على القيام فلم يقُمْ، أو أحرم القادر على القيام في الفرض قاعدًا: فالأظهر في هذه المسائل بطلان الصلاة.


ومنها: لو أحرم بالظهر قبل الزوال: فإن كان عالِمًا بحقيقة الحال فالأصح البطلان؛ لأنه متلاعب، وإن جهل وظن دخول الوقت فالصحيح انعقادها نفلاً، وبه قطع المصنف والأكثرون.


ومنها: لو وجد المسبوق الإمام راكعًا فأتى بتكبيرة الإحرام أو بعضها في الركوع: لا ينعقد فرضًا بلا خلاف، فإن كان عالِمًا بتحريمه فالأصح بطلانها، والثاني: تنعقد نفلاً وإن لم يعلم تحريمها، فالأصح انعقادها نفلاً، وهو المنصوص في (الأم)، وبه قطع الشيخ أبو حامد، والقاضي أبو الطيب في تعليقيهما.


ومنها: لو أحرم بفريضة منفردًا، ثم أقيمت جماعة فسلم من ركعتين ليدركها، الأصح صحتها، والثاني: تبطل.


ومنها: لو شرعوا في صلاة الجمعة في وقتها، ثم خرج الوقت وهم فيها: فالمذهب أنهم يتمونها ظهرًا وتجزيهم، وقطع بهذا المصنف والعراقيون.


وعند الخراسانيين قولان: أصحهما هذا، والثاني: لا تجزيهم عن الظُّهر، بل يجب استئناف الظُّهر، فعلى هذا هل ينقلب نفلاً أم تبطل؟ فيه القولان، أصحهما تنقلب نفلاً[32].

 

الحكم في اختلاف نية الإمام والمأموم:

قال الإمام الجويني - رحمه الله -: اختلاف نية الإمام والمأموم في الصلاة لا يمنع القدوة عندنا، فيجوز أن يقتدي قاضٍ بمؤدٍّ، ومؤدٍّ بقاضٍ، ومتنفلٌ بمفترض، ومفترضٌ بمتنفل، والخلاف مشهور مع أبي حنيفة.

 

ومعتمد المذهب: أن الاقتداء متابعةٌ في ظاهر الأفعال، والغرض منه أن يربط المقتدي فعلَه بفعل إمامه، حتى لا يتكاسل ولا يتجوَّز في صلاته، وإلا فكل مصلٍّ لنفسه، والنيات ضمائر القلوب، فلا يتصور الاطلاع عليها حتى يفرض اقتداء بها.

 

ونحن وإن لم نراعِ في صحة القدوة في سائر الصلوات اتفاقَ النيَّات، فلا بد من رعاية كيفية الصلاة في ظاهر الأفعال، والقول في ذلك ينقسم:

فإن كانت صلاة الإمام في وضعها مخالفة لصلاة المأموم، مثل أن يكون الإمام في صلاة الجنازة، أو الخسوف، والمأموم في صلاة من الصلوات المعهودة، فالأصح أن الاقتداء باطلٌ؛ لأن المتابعة لا بد منها في الأفعال ظاهرًا، وذلك متعذِّر غير ممكن، وأبعَدَ بعض أصحابنا فجوَّز الاقتداء.

 

فإن منعنا فلا كلام، وإن جوَّزنا، فتفريعه أن نقول: إذا اقتدى بإمام في صلاة الجنازة، فيبقى قائمًا ما دام إمامه في الصلاة، فإذا سلم انفرد المقتدي بنفسه، فيركع ويجري على ترتيب صلاته، ولا يوافق الإمامَ في تكبيرات صلاة الجنازة، والأذكارِ المتخللة بينها، ولا يقدح ذلك في القدوة المعتبرة في ظاهر الأفعال؛ فإن المقتديَ بالإمام في صلاة العيد لو لم يكبِّرِ التكبيرات الزائدة وكان الإمام يأتي بها، فلا تنقطع القدوة بهذا السبب.

 

وإذا اقتدى في صلاة معهودة بمن يصلي صلاة الخسوف - والتفريع على الوجه الضعيف في تصحيح القدوة - فإذا ركع الإمام، ركع المقتدي، ثم الإمام يرفع رأسه، ويركع ركوعًا آخر، والمقتدي يستقر في الركوع الأول حتى يعود إليه الإمام، ثم يرتفع معه إذا رفع رأسه من الركوع الثاني، ولا يرتفع عن الركوع الأول، ثم ينتظره واقفًا حتى يركع ركوعًا آخر، ويرتفع؛ لأنه لو فعل كان مطولاً ركنًا قصيرًا، وإذا انتظر راكعًا، فالركوع ركن طويل يقبل التطويل، ولم يَصِرْ أحد من أصحابنا إلى أنه يوافق إمامه فيركع ركوعين، وإن كان المأموم قد يأتي بأفعال لا تحسب له بسبب الاقتداء.

 

والسبب في ذلك في صلاة الخسوف: أن نظم صلاة الخسوف يخالف نظم الصلاة التي تَلَبَّس المقتدي بها، وإن كان المقتدي يوافق إمامه إذا كان مسبوقًا في أفعالٍ لا تحسب، فتلك الأفعال موجودة في صلاة المقتدي على الجملة، فهذا إذا كانت صلاة الإمام مخالفة في وصفها لصلاة المأموم.

 

فأما إذا لم تكن الصلاتان مختلفتين في الوضع، ولكن كانتا مختلفتين في عدد الركعات، نُظِر: فإن كان عدد ركعات صلاة المقتدي أكثر، فالقدوة تصح بلا خلاف، كمن يقتدي في قضاء صلاة العشاء بمن يصلي الصبح، فهذا صحيح، فيصلي مع الإمام ركعتين، فإذا سلم الإمام قام المقتدي إلى بقية صلاته، وإنما صح ذلك؛ لأن من سبقه إمامُه في صلاة رباعية بركعتين، فاقتدى به في بقية صلاته، فصورة صلاته تكون بمثابة اقتداء من يصلي العشاء بمن يصلي الصبح.

 

فأما إذا كان عدد ركعات صلاة المأموم أقل: ففي صحة القدوة على ظاهر المذهب قولان في هذه الصورة:

أحدهما: الصحة، وهو الظاهر الذي قطع به الصيدلاني، ووجهُه اعتبارُه بالصورة قبيل هذه، فإذا توافقت الصلاتان في النظم، فينبغي ألا يؤثر تفاوتُ عدد الركعات، كما لو كان عدد ركعات صلاة المأموم أكثر.

 

والقول الثاني: أنه لا تصح القدوة بخلاف الصورة الأولى؛ فإن في الصورة الأولى لا يفارق إمامه، والإمام متمادٍ في صلاته، بل الإمام يفارقُه، وهو يقوم إلى بقية صلاته، كفعل المسبوق، بخلاف صورة القولين على ما سنبين في التفريع.

 

فإن صححنا القدوة - على الأصح - فنفرع صورًا، فنقول: إن كان المقتدي في الصبح قضاءً أم أداءً، والإمام في صلاة رباعية، فيصلي ركعتين مع الإمام، ويجلس معه للتشهد، ثم الإمام يقوم إلى الثالثة، والمقتدي لا يقوم معه أصلاً، وهو بالخيار: إن شاء تحلل عن صلاته، وفارق إمامه، ولا يضره ذلك؛ لأنه معذور بمفارقته، وإن شاء بقي جالسًا، وانتظر الإمام، حتى يصلي ركعتين، ويجلس، ويسلم، فيسلم معه [33].

 

وقال الشافعي - رحمه الله -: (وأحَبُّ إليَّ من هذا كله: ألا يأتمَّ رجل إلا في صلاة مفروضة يبتدئانها معًا، وتكون نيتهما في صلاة واحدة)[34].



[1] انظر: نهاية المطلب في دراية المذهب للإمام الجويني 2/112.

[2] شمس الدين البعلي: المطلع على ألفاظ المقنع (88)، المحقق: محمود الأرناؤوط، وياسين محمود الخطيب، الناشر: مكتبة السوادي للتوزيع، الطبعة: الطبعة الأولى 1423هـ - 2003م.

[3] الخطيب الشربيني: الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع (1/38).

[4] محمد بن أحمد بن الأزهري: الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي (24)، المحقق: مسعد عبدالحميد السعدني، الناشر: دار الطلائع.

[5] الماوردي: الحاوي الكبير (2/91).

[6] ابن قدامة: المغني (1/336).

[7] أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب: كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (1/6)، حديث رقم: (1)، من حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه.

[8] أخرجه مسلم في صحيحه، في كتاب: الإمارة، باب قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنما الأعمال بالنية))، وأنه يدخُل فيه الغزوُ وغيرُه من الأعمال (3/1515)، حديث رقم: (1907)، من حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه.

[9] ابن المنذر: الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف (3/71)، تحقيق: أبي حماد صغير أحمد بن محمد حنيف، الناشر: دار طيبة - الرياض - السعودية، الطبعة الأولى، 1405 هـ، 1985م.

[10] ابن قدامة: المغني (1/336).

[11] النووي: المجموع شرح المهذَّب (3/276).

[12] أبو حامد الغزالي: إحياء علوم الدين (4/365)، ط/ دار المعرفة - بيروت.

[13] انظر: جلال الدين السيوطي: الأشباه والنظائر (12)، ط/ دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1411هـ - 1990م، والخطيب الشربيني: الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع (1/38).

[14] الجويني: نهاية المطلب في دراية المذهب (2/118).

[15] ابن أبي الخير العمراني: البيان في مذهب الإمام الشافعي (2/160)، تحقيق: قاسم محمد النوري، الناشر: دار المنهاج - جدة، الطبعة الأولى، 1421 هـ - 2000 م، وانظر: المجموع للنووي (3/277).

[16] الماوردي: الحاوي الكبير (2/91، 92).

[17] الخطيب الشربيني: الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع (1/129).

[18] انظر: الأشباه والنظائر للسيوطي (35-38)، والإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع للخطيب الشربيني (1/38).

[19] النووي: المجموع شرح المهذب (3/277، 278)، وانظر: نهاية المطلب في دراية المذهب للجويني (2/113-117)، والحاوي الكبير للماوردي (2/92، 93).

[20] انظر: البيان في مذهب الإمام الشافعي للعمراني (2/161، 162).

[21] النووي: روضة الطالبين وعمدة المفتين (1/226).

[22] الجويني: نهاية المطلب في دراية المذهب (2/117-119).

[23] انظر: ابن قدامة: المغني (1/337)، البهوتي: شرح منتهى الإرادات (1/175، 176)، ط/ عالم الكتب، الطبعة الأولى، 1414هـ - 1993م.

[24] الخطيب الشربيني: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج (1/347).

[25] الخطيب الشربيني: الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع (1/129).

[26] ابن أبي الخير العمراني: البيان في مذهب الإمام الشافعي (2/162، 163).

[27] ابن أبي الخير العمراني: البيان في مذهب الإمام الشافعي (2/163).

[28] الإمام الشافعي: الأم (1/201)، ط/ دار المعرفة - بيروت، طبعة: 1410هـ/1990م.

[29] ابن قدامة: المغني (1/338، 339).

[30] ابن أبي الخير العمراني: البيان في مذهب الإمام الشافعي (2/166).

[31] يقصد الشيرازي، وهو قوله: "فإن دخل في الظهر ثم صرَف النية إلى العصر، بطَل الظهر؛ لأنه قطَع نيته، ولم تصحَّ العصر؛ لأنه لم ينوِه عند الإحرام"؛ اهـ.

[32] انظر: المجموع للنووي (3/286-289).

[33] انظر: نهاية المطلب في دراية المذهب للإمام الجويني (2/373-375).

[34] انظر: الأم للإمام الشافعي 1/201.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • مقدمة في أركان الصلاة
  • الركن الثاني من أركان الصلاة .. القيام مع القدرة
  • الركن الثالث من أركان الصلاة .. تكبيرة الإحرام
  • الركن الرابع من أركان الصلاة .. قراءة الفاتحة
  • الركن الخامس من أركان الصلاة .. الركوع
  • أركان الصلاة
  • الركن السادس من أركان الصلاة .. الطمأنينة في الركوع
  • شرح أركان الصلاة
  • من ترك ركنا من أركان الصلاة ناسيا
  • التلفظ بالنية في الصلاة
  • ما هي أركان الصلاة؟
  • الركن الثالث: الإيمان بكتب الله

مختارات من الشبكة

  • الإيمان بالرسل.. الركن الرابع من أركان الإيمان(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الركن الثالث من أركان الإيمان: الإيمان بالكتب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الركن الخامس من أركان الإيمان(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الركن الثالث من أركان الإسلام(محاضرة - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • الركن الخامس من أركان الإسلام(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • الركن الخامس من أركان الإسلام (حلقة مرئية)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • وقفات رمضانية (3) الموسم الرابع(مقالة - ملفات خاصة)
  • من أركان الدعوة: الداعي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حكم من ترك أو نسي ركنا من أركان الصلاة (mp3)(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • ترك ركن من أركان الصلاة سهوا(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن حمود الفريح)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 13/11/1446هـ - الساعة: 23:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب