آداب السفر (7)

آداب السفر (7)

(30) الذكر إذا نزل منزلاً:

فإذا نزل المسافرُ في أي مكان لراحةٍ أو لطعام أو لغير ذلك، فعليه بهذا التوجيه النبوي الوارد في هذا الحديث:

عن خولةَ بنتِ حكيم أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من نزل منزلاً ثم قال: أعوذ بكلماتِ الله التامَّات من شرِّ ما خلق، لم يضرَّه شيء حتى يرتحلَ من منزله ذلك))[1].

(31) الذكر عند السَّحر:

فإذا جنَّ على المسافرِ وقتُ السَّحرِ، أتى بهذا الذِّكرِ الوارد في الحديث الآتي:

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أسحر يقول: ((سمَّع سامعٌ بحمدِ الله، وحسنِ بلائه علينا، ربَّنا صاحِبنا، وأفضل علينا، عائذًا بالله من النَّار))[2]، وفي رواية: "يقول ذلك ثلاث مرات يرفعُ بها صوتَه".

ومعنى ((سمَّع))؛ أي: بلَّغ سامعُ قولي هذا لغيرِه، وقيل ((سَمِعَ)): ومعناه شهد شاهد.

وورد في بعض الرِّوايات أنه كان يقولُ ذلك إذا بدا له الفجر، ولعلَّه - والله أعلم - كان يقولهفي آخر وقت السحر وهو عند بُدوِّ الفجر.

قال الخطَّابي - رحمه الله -:

"وحقيقته: ليسمع السامع، ويشهد الشاهد على حمدِنا لله -تعالى- على نعمه وحسن بلائه؛ أي: كرمه وإنعامه"[3].

((ربَّنا صاحِبْنا، وأفضِلْ علينا))؛ أي: احفظْنا، واكلأنا، وأفضلْ علينا بجزيلِ نعمتك، واصرف عنَّا كلَّ مكروه.

((عائذًا بالله من النَّار))؛ أي: أقولُ هذا حالَ استعاذتي واستجارتي من النَّار.

(32) ما يقوله المسافر إذا عثرتْ دابتُه:

عن أبي المليح عن رجلٍ قال: كنت رديفَ النبي - صلى الله عليه وسلم - فعثرت دابتُه، فقلت: تعِس الشيطان، فقال: ((لا تقل تعسَ الشيطان؛ فإنَّك إذا قلتَ ذلك، تعاظمَ حتى يكون مثل البيت، ويقول: بقوتي، ولكن قل: بسم الله، فإنك إذا قلت ذلك، تصاغَرَ حتى يكون مثل الذُّباب))[4].

قلت: ويدخل هذا المعنى في وسائلِ المواصلات الحديثة، إذا أصابها عطبٌ أو خلل، أو تعثرت لأيِّ سبب ما، فالسنةُ أن يقولَ: بسم الله.

(33) الدعاء إذا رأى قرية يريد دخولها:

عن عطاء بن أبي مروان، عن أبيه: أنَّ كعبًا حلف بالذي فلق البحر لموسى - عليه السلام - أنَّ صهيبًا حدثه أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يرَ قريةً يريد دخولها إلا قال حين يراها: ((اللهم ربَّ السموات السبع وما أظللنَ، ورب الأرَضين السبع وما أقْللن، وربَّ الشياطين وما أضللن، ورب الرياح وما ذَرَيْن، فأنا أسألك خيرَ هذه القرية وخير أهلها، وأعوذُ بك من شرِّها وشر أهلها، وشر ما فيها))[5].

ويُروى أنه كان يقول: ((اللهم بارك لنا فيها - ثلاثَ مرات - اللهم ارزقنا جَنَاها، وحبِّبْنا إلى أهلِها، وحبب صالحي أهلِها إلينا))[6].

(34) إذا خاف ناسًا وغيرهم:

السنة في ذلك أن يقولَ ما رواه أبو موسى الأشعري - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا خاف قومًا قال: ((اللهم إنَّا نجعلُك في نحورِهم، ونعوذُ بك من شرورِهم))[7].

وعليه أن يدعوَ كذلك بأدعيةِ الكرب.

(35) اغتنام الوقت في الذكر والطاعة:

فعلى المسافرِ أن يكثرَ من تلاوةِ القرآن وتدبره، وكثرة ذكر الله - عز وجل - والتفكر في آلاء الله وآياته في الخلق، وينبغي له كذلك الإحسانُ إلى من معه من الرُّفقاء، فهذه الأعمالُ الصالحة تكون سببًا أن ترافقَك الملائكة؛ فعن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما من راكبٍ يخلو في مسيرِه بالله وذكرِه إلا كان رِدْفَه ملَكٌ، ولا يخلو بِشِعْرٍ إلا كان رِدْفَه شيطانٌ))[8].

فانظر - رحمك الله - إلى هذا الفارقِ بين من يحرص على الطاعة في سفرِه بذكر الله، وبين من يحرصُ على معصيته، ومن هذا الباب، فإنه عندما يديرُ تسجيلَ السيارة على تلاوةِ قرآن، ومحاضرات مفيدة صحبته الملائكة، وأمَّا من يديره على أغانٍ وموسيقا، صحِبه الشيطان.

وكذلك الحال إذا نزل في مكانٍ ما، ترك أثرًا طيبًا في مكانه بقدرِ ما يستطيع؛ فعن أنس - رضي الله عنه - قال: "كنَّا إذا نزلنا منزلاً لا نسبِّحُ حتى نحلَّ الرِّحال"[9].

ومعنى "نسبح": نصلي نافلة، فهم إذا نزلوا منزلاً حلوا رحالَهم أولاً، ثم صلَّوا، وهذا عملٌ طيب صالح يتركونه في أماكنِهم.

قلتُ: ومما يستأنسُ به في هذا المعنى ما ثبت في الحديثِ عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من اضطجع مضجعًا لم يذكر الله فيه، كان عليه تِرَةٌ يوم القيامة، ومن مشى ممشًى لم يذكر الله فيه، كان عليه تِرَةً يوم القيامة))[10].

ومعنى ((ترة)): حسرة وندامة.

وعن أبي الدرداءِ - رضي الله عنه - أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ثلاثةٌ يحبُّهم الله - عز وجل - ويضحكُ إليهم: الذي إذا انكشفت فئةٌ قاتل وراءها بنفسِه لله - عز وجل - فإمَّا أن يُقتل وإمَّا أن ينصرَه الله ويكفيه، فيقول الله:

انظروا إلى عبدي: كيف صبَّر لي نفسه؟

والذي له امرأة حسناء، وفراش لين حسن، فيقوم من الليل، فيقول: يذرُ شهوتَه، فيذكرني ويناجيني، ولو شاء رقد.

والذي يكون في سفر، وكان معه ركب، فسهروا ونصبوا، ثم هجعوا، فقام من السَّحرِ في سراء وضراء))[11]؛ أي: قام يصلي لله - عز وجل.

(36) وعليه أن يكثرَ من الدُّعاء:

يستحب للمسافرِ أن يكثرَ من الدُّعاءِ له ولوالديه ولأصحابه في السَّفر؛ لما صحَّ في الحديثِ عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ثلاثُ دعوات مستجابات لا شكَّ فيهنَّ: دعوة المظلوم؛ ودعوة المسافر، ودعوة الوالد لولده))[12].

ويزدادُ الاستحبابُ إذا كان سفرُه في طاعة؛ كحجٍّ أو عمرة، فإنَّ هذه من الأعمالِ الصَّالحة التي يُرجى بفعلها قبول الدعاء.

(37) وأن يحافظ على الطَّهارة والصَّلاة في وقتها:

قال النووي - رحمه الله -: "ينبغي له المحافظةُ على الطَّهارة، وعلى الصَّلاةِ في أوقاتها، وقد يسَّر الله -تعالى- بما جوَّزه من التيممِ والجَمْع والقصر"[13].