• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    فوائد وأحكام من قوله تعالى: { إذ قال الله يا عيسى ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
  •  
    نعمة الماء (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    تدبر خواتيم سورة البقرة
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    تحريم الإهلال لغير الله تبارك وتعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    مشاهد عجيبة حصلت لي!
    أ. د. عبدالله بن ضيف الله الرحيلي
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (2)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    الدرس السابع عشر: آثار الذنوب على الفرد والمجتمع
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    خطبة: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    سورة الكافرون.. مشاهد.. إيجاز وإعجاز (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    من آداب المجالس (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    خطر الميثاق
    السيد مراد سلامة
  •  
    أعظم فتنة: الدجال (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    فضل معاوية والرد على الروافض
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    ما جاء في فصل الشتاء
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرحمن، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / فقه وأصوله
علامة باركود

العاقدان أو العاقد الفرد في الفقه الإسلامي (1)

العاقدان أو العاقد الفرد في الفقه الإسلامي (1)
د. عباس حسني محمد

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 20/2/2012 ميلادي - 27/3/1433 هجري

الزيارات: 32053

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

العقد في الفقه الإسلامي

دراسة مقارنة بالقانون الوضعي تكشف تفصيلاً عن تفوق التشريع الإسلامي

 

الباب الثاني

أركان العقد[1]

 

الفصل الثاني

الركن الثاني للعقد: العاقدان أو العاقد الفرد

 

المبحث الأول

العاقدان أو العاقد الفرد في الفقه الإسلامي

77 – تمهيد:

لما كان العاقدان أو العاقد يلزم نفسه بموجب العقد أمام الغير سواء أكان هذا الغير طرفاً في العقد أم كان أجنبياً عن العقد في حالة العقد بالإرادة المنفردة فلما كان ذلك كذلك فإنه كان من الضروري حماية العاقد من آثار تصرفاته إذا كانت إرادته غير صحيحة بسبب صغر السن أو إذا شاب هذه الإرادة عيب من عيوب الرضا كالغلط أو التدليس أو الإكراه وقد بين الله تعالى في كتابه العزيز أن الإنسان لا يستطيع أن يتصرف في ماله إلا إذا كان ذا إرادة صحيحة وهو لا يكون كذلك إلا إذا بلغ سن النكاح رشيداً قال تعالى: ﴿ وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ﴾ [النساء: 6]، ومن ثم فإننا سندرس في هذا المبحث - بإذن الله تعالى - الأهلية وعيوب الرضا والولاية.

 

المطلب الأول

أهلية العاقدين أو العاقد الفرد

78 – تعريف الأهلية:

الأهلية في اللغة هي الصلاحية، يقال فلان أهل لهذا العمل أي صالح له وجدير به[2] وأما الأهلية في الاصطلاح الفقهي فهي تنقسم إلى أهلية وجوب وأهلية أداء.

 

79 – أهليه الوجوب:

هي صلاحية الشخص لوجوب الحقوق المشروعة له أو عليه وهي وصف يصير به الإنسان أهلاً لما له وما عليه[3] فالصلاحية لوجوب الحقوق المشروعة للشخص معناها صلاحية الشخص لإلزام غيره (برضاه)[4]، والصلاحية لوجوب الحقوق المشروعة على الشخص معناها صلاحيته للالتزام قبل غيره وأهلية الوجوب تثبت للشخص كاملة بشقيها (الإلزام والالتزام) إذا انفصل عن أمه حياً، وأما الجنين في بطن أمه فله أهليه وجوب ناقصة تقتصر على شق الإلزام وحده فهو قابل لأن تثبت له الحقوق دون أن تثبت عليه، وأهليه الوجوب تتعلق بذمه الإنسان، والذمة اصطلاح فقهي يتعلق بكل إنسان يولد حياً في وصف يصير به الإنسان أخلاً لماله وما عليه أي هي وصف يجعل كل إنسان يتمتع بأهلية وجوب كاملة. وأصل الذمة في اللغة: العهد ويقول فخر الإسلام البزدوي: [والذمة نفس لها عهد وأن الآدمي لا يخلق إلا وله هذا العهد، أي لا يخلق إلا وهو أهل للإيجاب والاستيجاب بناء على العهد الذي جرى بين الرب والعبد كما تشير إليه الآيات الكريمات: ﴿ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ ﴾ [الأعراف: 172]، ﴿ وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ ﴾ [الإسراء: 13]، ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ﴾ [الأحزاب: 72 ]، فقد ثبت للناس بسبب هذا العهد ذمة كانوا بها أهلاً للوجوب][5].

 

وعلى ذلك فأهلية الوجوب تكون كاملة لكل إنسان ولد حياً فكل إنسان سواء أكان صبياً غير مميز أم مجنوناً أم معتوهاً له أهلية وجوب كاملة بصرف النظر عن قدرة هؤلاء على التصرف في أموالهم. لأن الذي يتصرف عنهم هم أوليائهم ومن ثم فإن ذمة هؤلاء صالحة لقبول كل الالتزامات المرتبة على التصرفات التي يقوم بها أوليائهم وتكون صحيحة شرعاً ومن ثم فإن الحقوق التي تجب في مال القاصر ويدخل في ذلك المهر المترتب على عقد الزواج القاصر وفي جملة كل الالتزامات المالية التي تنشأ بأسباب يتولاها الولي أو الوصي وإذا بلغ القاصر قبل الوفاء بهذه الالتزامات فإنه يلزم بالوفاء بها.

 

وهذا الحكم يصدق أيضاً على عديم أهلية الأداء مثل الصبي غير المميز والمجنون ويثبت في ذمة هؤلاء ضمان ما يتلقونه من أموال لأن ذمة هؤلاء صالحة لوجوب كل ما هو من الحقوق المالية المستحقة للغير لأن عديم أهلية الأداء يعتبر كامل أهلية الوجوب ما دام قد ولد حياً وإذا قَتل الطفل أو المجنون فإنه لا يقتص منه ولكن يتحمل في مالة دية القتيل إذا لم يكن له عاقلة ولم يلتزم به بيت المال[6] وهذا معنى قول الفقهاء (عمد الطفل أو المجنون خطأ) وإلى جانب ذلك تصح عقود ناقص الأهلية (كالصبي المميز) إذا كانت نافعة له نفعاً محضاً مثل قبول الهبة أو الوصية ويثبت في ذمتهم ما بعد من مئونة المال فيجب في أموالهم الخراج والعشر لأن الخراج شرع أصلاً مئونة لحماية الأموال والأنفس والأعراض، وإذا كانت العقود ضارة ضرراً محضاً فهي لا تصح أبداً وأما العقود الدائرة بين النفع والضرر كالبيع والشراء والإجازة وما أشبه ذلك فهي تعتبر باطلة عند الشافعية وموقوفة على إجازة الولي أو الوصي عند الجمهور[7] وأما الصبي المأذون له بالتجارة فتصح تصرفاته الدائرة بين النفع والضرر في حدود ما أذن له به.

 

80– أهلية الوجوب والذمة لغير الآدمي: الشخص الاعتباري أو الحكمي:

أجمع الفقهاء على أن أهلية الوجوب والذمة لا تثبتان لغير الآدمي كالبهائم والدواب وبالتالي لا تصح الهبة لها أنها تمليك وهي ليست أهلاً للتملك كما لا يصح أن يوصى لها ولا أن يوقف عليها ولكن تصح هذه التصرفات لصالح مالكها للإنفاق عليها[8] هذا وقد افترضت الشريعة – في بعض الأحيان – أهلية الوجوب لغير الإنسان كبيت المال فهو وارث من لا وارث له ويجب فيه نفقة الفقراء الذين لا يوجد لهم من تجب علهم نفقتهم وغير ذلك من التكاليف المالية الواجبة في بيت المال وقد أجاز الفقهاء من المذاهب الأربعة للإمام أن يستدين على بيت المال عند الحاجة إذا ما خلا من المال وهذا كله لا يستقيم إلا إذا اعترفنا لبيت المال بذمة خاصة به[9] وقد صرح الفقهاء بعدة أحكام بشأن الوقف لا يمكن تخريجها إلا إذا افترضنا للوقف ذمة منفصلة عن ذمة الموقوف عليهم وعن ذمة ناظر الوقف فمع أن الإجارة تنفسخ بموت المستأجر أو المؤجر عند الحنفية إلا أنه إذا مات ناظر الوقف أو عزل وكان قد أجر أعيان الوقف فلا يبطل الإجارة وهذا لا يتأتى إلا على أن المؤجر ليس هو الناظر وإنما هو الوقف الذي يمثله الناظر[10] وقد علل الحنفية هذا بقولهم: [لا تبطل الإجارة لأن الإجارة وقعت للموقوف فلا تبطل بموت العاقد كما لا تبطل بموت الوكيل في الإجارة][11] فالحنفية يصرحون بأن المؤجر هنا هو الموقوف أي الوقف وأن الناظر مجرد وكيل ومقتضى هذا أن الوقف له شخصية حكمية أو اعتبارية مستقلة عن شخصية الناظر وكذلك عن شخصية الموقوف عليهم لأن موت هؤلاء لا يؤثر على إجارة الوقف بلا خلاف. هذا ويلاحظ أن الشافعية في اعترافهم بالشخصية الحكمية أو الاعتبارية أظهر من الحنفية الذين يصرحون بأن الوقف لا ذمة له[12] ومع ذلك فهم يثبتون له إحكاماً (كما أسلفنا) لا تصح إلا مع ثبوت الذمة للوقف وأما الشافعية فهم يصرحون بالذمة للمسجد فيقولون: [إن الوصية للمسجد صحيحة وأن أريد بها تمليكه][13] وعللوا ذلك [بأن المسجد في منزلة حر يملك][14] وقالوا أيضاً: [إن المملوك للمسجد بشراء يصح بيعه مطلقاً][15] وهذا ليس له من معنى إلا أن المسجد له ذمة مالية مستقلة فهو يملك بعقد الشراء الذي يباشره عنه ناظره ومن ذلك أيضاً ما ذكره الشيخ زكريا الأنصاري: [ ولو كان للمسجد شقص من أرض مشتركة مملوكة له بشراء أو هبة ليصرف في عمارته ثم باع شريكه نصيبه في تلك الأرض فللقيم على المسجد أن يشفع ويأخذ حصة الشريك بالشفعة إن رأى ذلك مصلحة كما لو لبيت المال شريك في أرض فباع شريكه نصيبه فيها فللإمام الأخذ بالشفعة إن رآه مصلحة][16] فهذه الأقوال للشافعية تصرح بأن كلاً من المسجد وبيت المال يملك أي لكل منهما ذمة خاصة به وعلى ذلك يمكن إثبات الذمة (والشخصية الحكمية) لجميع المؤسسات التي يرى ولى الأمر إضفاء صفة الشخصية الحكمية أو الاعتبارية عليها فيدخل في ذلك الشركات والمستشفيات والجامعات وغير ذلك وهذا هو الحكم عند المالكية أيضاً إلا أنهم في بعض كتبهم[17]– مثل الحنفية – ينفون أهلية الملك عن المسجد وقصدهم من هذا هو الأهلية الحقيقة لأن الأهلية أو الشخصية الحقيقة لا تثبت إلا للشخص الآدمي وحده وهم يقصدون من إثبات الأهلية رغم ذلك للمسجد وبيت المال الأهلية للملك الحكمية أي الشخصية الحكمية أو الاعتبارية وهم ينصون على ذلك في كتبهم فقد جاء في منح الجليل: [للسلطان باعتباره ناظر بيت المال أن يأخذ بالشفعة إذا كان لبيت المال شقص بسبب ميراث مثلاً عندما يبيع الشريك][18] ويتضح من هذا الكلام أن بيت المال يملك بالميراث ويملك بغيره وأن له أن يطالب بتملك العقار بالشفعة وفي منح الجليل أيضاً: [سئل ابن زرب عمن تصدق أو وهب لمسجد بعينه هل يجبر على إخراجها وإنفاذها (أي الهبة أو الصدقة) فقال: يجبر كمتصدق على رجل بعينه][19].

 

ويقول الزرقاني أيضاً أن الوقف أهل للتملك حقيقة كزيد والفقراء أو حكماً كقنطرة أو مسجد][20] هذا وقد أجاز الحنابلة الوصية للمسجد وقالوا إنه لا يشترط في تمامها قبول الناظر عليه[21]، هذا وقد أجاز الفقهاء الوصية والوقف على من لم يخلق وأبقوا ذمة المتوفى مشغولة بالدين إذا كان له مال، وجوزوا الوصية والوقف على الفقراء والمساجد والمستشفيات والجهات وأثبتوا الإرث للجنين متى تحقق أو غلب على الظن وجوده في بطن أمه عند موت المورث وهذه الأحكام كلها لا تقوم إلا على أساس أهلية الوجوب والذمة الحكميتين وهو ما يقابل في الاصطلاح الحديث الشخص الاعتباري أو الحكمي.

 

هذا والأقوى من ذلك كله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أشار إلى التفرقة بين شخصية الدولة وشخصية الموظف الذي يمثلها في حديث ابن اللتبية المعروف والذي قال فيه صلى الله عليه وسلم: ((ما بال عامل أبعثه فيقول هذا لكم وهذا أهدي لي أفلا قعد في بيت أبيه أو في بيت أمه حتى ينظر أيهدى إليه أم لا والذي نفس محمد بيده لا ينال أحد منكم منها شيئاً إلا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه))[22] فهذا الحديث الصحيح يفيد بأن الهدية المعطاة للموظف بمناسبة وظيفته تؤول إلى الدولة ولا يستحقها وهذا يلزم منه أن تكون شخصية الموظف مختلفة ومستقلة عن شخصية الدولة التي يمثلها أو يمثل سلطة من سلطاتها، وصفته باعتباره ممثلاً للدولة أو لإحدى سلطاتها تغلب صفته الشخصية فيما يتعلق بالأموال التي يأخذها بمناسبة وظيفته، وهذا يقتضي الاعتراف للدولة وما يتفرع عنها من سلطات عامة بالشخصية الحكمية أو الاعتبارية فهذه هي دلالة الحديث المذكور بطريق الإشارة.

 

81 – أهلية الأداء:

هي صلاحية الشخص المكلف لصدور الفعل منه على وجه يعتد به شرعاً[23] أو هي صلاحية الشخص لممارسة حقوقه والتزاماته المخولة له طبقاً لأهلية الوجوب الثابتة، فأهلية الأداء هي قابلية الشخص لأن يتصرف بنفسه في مباشرة الحقوق والالتزامات التي ترتبت على تمتعه بأهلية الوجوب.

 

وتعتبر أهلية الوجوب أثر من آثار الذمة اللصيقة بكل إنسان حي، وأما أهلية الأداء فهي أثر من آثار العقل الذي يمنح الشخص القدرة على التمييز والرشد في الأمور الذي هو مناط القدرة على التصرف قال تعالى: ﴿ وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ﴾ [النساء 6].

 

82 – مراتب أهلية الأداء:

أولاً: أهلية الأداء المعدومة:

وهي تكون في حالة انعدام التمييز كالمجنون والصبي غير المميز وتصرفاتهما باطلة لا يعتد بها بالإجماع.

 

أهلية الأداء الناقصة:

وهي تثبت لكل شخص بلغ السابعة من عمره بشرط أن يكون مميزاً ويستمر على ذلك حتى بلوغ الحلم، والعقود بالنسبة إلى الصبي المميز (ناقص الأهلية) ثلاثة أقسام:

القسم الأول: العقود النافعة نفعاً محضاً كقبول الهبة والوصية فهي تنعقد صحيحة نافذة بعبارته دون حاجة إلى إي إذن وهذا بالإجماع.

 

القسم الثاني: العقود الضارة ضرراً محضاً وهي لا تنعقد أصلاً (كما في حالة عديم الأهلية) بالإجماع أيضاً وهذا مثل أن يقرض الصبي المميز غيره مالاً أو يهبه شيئاً أو يضمن غيره في دين.

 

القسم الثالث: العقود الدائرة بين النفع والضرر كالبيع والشراء والإجارة وما يقاس عليها فهذه اختلف فيها الفقهاء فذهب الحنفية والمالكية وأحمد في رواية[24] إلى أن هذه العقود تكون صحيحة غير نافذة أي موقوفة على إجازة الولي أو الوصي إذا لم يكن قد أذن له فيها من قبل لأن الإجارة اللاحقة كالإذن السابق، ويرى الشافعية والحنابلة في رواية أخرى أن العقد يكون باطلاً[25].

 

ثالثاً: أهلية الأداء الكاملة:

إذا بلغ الصبي الحلم عاقلاً رشيداً ثبتت له أهلية الأداء كاملة ودفعت إليه أمواله وزالت عنه الولاية أو الوصاية من غير توقف على إذن أو حكم من القاضي[26] ويقال مثل ذلك في حالة الصبية إذا بلغت المحيض، ولم تحدد الشريعة سناً معينة للبلوغ لأن هذا أمر يختلف باختلاف الأماكن والمناخ، ولكن إذا تأخر البلوغ واكتمل العقل والرشد فإن المكلف يتمتع بأهلية أداء كاملة لأن البلوغ مظنة لاكتمال العقل فإذا اكتمل فعلاً ولم يحصل البلوغ مع وصول المكلف إلى السن التي يحصل فيها البلوغ عادة (مع مراعاة اختلاف المكان والمناخ) فيعتبر بالغاً حكماً وقد اختلف الفقهاء في تحديد السن التي يعتبر فيها بالغاً حكماً ولو لم يبلغ حقيقة وقد ذهب كثير من الفقهاء إلى تحديد هذه السن ببلوغ خمس عشرة سنة للغلام أو الجارية وهذا هو رأى الشافعي وأحمد وصاحبي أبي حنفية[27] وعند أبي حنفية[28] سن البلوغ سبع عشرة سنة للجارية وثماني عشرة سنة للغلام، وعند مالك[29] سبع عشرة سنه لهما وما دام الشارع لم يحدد سناً معينة لمظنة البلوغ فإن هذا الأمر متروك تحديده لولي الأمر يستهدى فيه بالعرف الجاري وبظروف المكان والمناخ.

 

83 – عوارض الأهلية: العوارض التي تعدم الأهلية:

عوارض الأهلية عامة هي الأمور التي تعترض أهلية الأداء فتعدمها أو تنقصها، فالتي تعدمها هي الجنون والعته وقد عرف بعض الفقهاء الجنون بأنه: [آفة تحل بالدماغ فتبعث على الإقدام على ما يضاد العقل من غير ضعف في أعضائه ويسقط به كل العبادات المحتملة للسقوط كالصلاة والصوم ولا تسقط عنه ضمان المتلفات][30] فالجنون يعدم الأهلية فيصبح الشخص كالصبي غير المميز تصرفاته كلها باطلة والعته آفة أقل من الجنون فهي تجعل صاحبها يتصرف تارة كالمجنون ويتصرف تارة أخرى كالصبي المميز ولذلك نجد غالبية الفقهاء يعتبرون المعتوه كالصبي المميز وذهب فقهاء آخرون إلى اعتباره في حكم المجنون إذا كانت تصرفاته تدل على ذهاب عقله وإلا فإنه يعتبر كالصبي المميز إذا كانت تصرفاته تدل على بعض العقل[31].

 

84 – العوارض التي تجعل الأهلية ناقصة:

هذه العوارض متعددة وهي: السفه، والغفلة، واستغراق الدين، ومرض الموت ونبين كلاً منها فيما يلي:

 

85 – السفه:

السفه خفة تعتري الشخص فتحمله على العمل باختياره على خلاف موجب العقل رغم وجوده [32]، وهذا لا ينافي الأهلية إلا بالنسبة إلى التصرفات المالية فقط، فالسفيه يعتبر كامل الأهلية بالنسبة إلى تكليفه بالعبادات جميعها، وهو مؤاخذ على كل ما يرتكبه من جنايات كما أن وقفه ووصيته وزواجه وطلاقه صحيح، ولكن نظراً لعدم إحسانه في تدبير المال وتبذيره على خلاف مقتضى الشرع والعقل أجاز جمهور الفقهاء – ماعدا أبا حنفية وزفر والنخعي – الحجر عليه لمنعه من التصرف في ماله وأما أبو حنفية – ومن نحا نحوه – فهو يرى أنه لا يجوز الحجر على الحر البالغ إذا بلغ مبلغ الرجال ببلوغ الخامسة والعشرين ولو كان أفسق الفساق.

 

وللسفه حالان:

الأولى: أن يبلغ الشخص سفيهاً.

 

والثاني: أن يبلغ الشخص رشيداً ويتولى أمر نفسه ثم يصيبه السفه بعد ذلك. وقد اتفق العلماء على أن السفيه لا يعطى له ماله بل يمنع منه ومن التصرف فيه عملاً بقول تعالى: ﴿ وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ ﴾ [النساء: 5]، وقد اتفق أبو حنفية مع سائر الأئمة في عدم دفع المال إلى السفيه في الحالة الأولى، ولكن روى عنه روايتان بالنسبة إلى تصرفات السفيه وعقوده ففي رواية أن هذه التصرفات لا تصح أيضاً، وفي رواية أخرى أنها تصح وإنما يمنع فقط من تسلم أمواله، ولكن إذا بلغ الخامسة والعشرين لا ينفع فيه زجر ولا تأديب وقد روى عن أبي حنفية أنه قال بشأن السفيه: [إذا بلغ الخامسة والعشرين احتمل أن يكون جداً فأنا أستحي أن أحجر عليه][33] فالأصل عند الإمام أبي حنفية أن السفه ليس سبباً في نقص الأهلية سواء أبلغ سفيهاً أم بلغ رشيداً ثم أصابه السفه بعد ذلك.

 

وقد استدل لمذهب أبي حنفية بشأن السفيه بما يأتي:

أولاً: عموم الآيات الواردة بشأن العقود والعهود مثل قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ﴾ [المائدة: 1]، وقوله تعالى: ﴿ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا ﴾ [الإسراء: 34]، فالخطاب عام لكل المسلمين، ولا ريب أن المبذرين والسفهاء داخلون في عموم المؤمنين من غير خلاف بين علماء المسلمين فهم مطالبون بالوفاء بعقودهم وعدم النكث في عهودهم فهذه نصوص صريحة قاطعة في دلالتها ولا يجوز تخصيصها إلا بنصوص في قوتها ومن ثم فإن عقود المبذر لماله يجب الوفاء بها فلا يصح الحجر عليه وأهليته كاملة.

 

ثانياً: يستدل لمذهب أبي حنفية أيضاً بما رواه قتادة عن أنس بن مالك [أن رجلاً (حبان بن منقذ) كان يبتاع وفي عقدته ضعف فأتى به أهله نبي الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا نبي الله احجر على فلان فإنه يبتاع وفي عقدته ضعف فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم فنهاه عن البيع فقال: يا نبي الله إني لا أصبر عن البيع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن بعت فقل ها، وها ولا خلابة ولك الخيار ثلاثاً))[34] فاستدلوا هنا بامتناع النبي صلى الله عليه وسلم عن الحجر عليه رغم ضعفه وأنه كان يغبن في البياعات (وهذا من السفه أو الغفلة) فيستدل بذلك على عدم جواز الحجر على السفيه.

 

ثالثاً: أن السفيه باتفاق الفقهاء غير محجور من عقد الزواج بمهر المثل وغير محجور من الطلاق وهذا دليل على كمال الأهلية ومن وجهة أخرى فإن إقرار السفيه بما يوجب حداً أو قصاصاً جائز ويحد ويقتص منه بمقتضى هذا الإقرار بإجماع الفقهاء[35] فكيف يسوغ أن ينفذ عقده في الزواج وإقراره في الحد والقصاص ولا ينفذ عقده فيما يتعلق بماله.

 

رابعاً: أن الله تعالى كرم الإنسان قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ﴾ [الإسراء: 70]، والحجر على السفيه فيه إهدار لهذه الكرامة في نظر أبي حنيفة رحمه الله. وذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة معهم أبو يوسف ومحمد (صاحبا أبي حنيفة) إلى أن السفيه في الحالين يحجر عليه[36] ويأخذ السفيه عند الجمهور في تصرفاته حكم الصبي المميز إلا في العقود التي لا يؤثر فيها الهزل وهي الزواج والطلاق والرجعة ولكن لا يجوز أن يزيد في نكاحه عن مهر المثل وعند الشافعي لا يصح نكاح السفيه بغير إذن وليه وأجاز الفقهاء وقف السفيه عن نفسه ومن بعدها على ذريته وكذا وصيته في حدود الثلث لأن هذه التصرفات فيها حفظ لماله وهي تنفعه في آخرته.

 

واستدل الجمهور على جواز الحجر على السفيه بما يأتي[37]:

أولاً: قوله تعالى: ﴿ فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ ﴾ [البقرة: 282]، وبقوله تعالى: ﴿ وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا ﴾ [النساء: 5]، وقد دلت آية النساء على أن السفيه لا يسلم إليه ماله وليس له التصرف في ماله وإنما يتولى وليه الأنفاق على طعامه وكسائه وهذا يدل على أنه محجور عليه لسفهه ودلت آية البقرة على أن السفيه لا يتولى إبرام عقوده بنفسه وإنما يتولى ذلك عنه وليه.

 

هذا وقد اعترض أبو حنفية[38] على هذا الاستدلال بأن المراد من السفهاء في آية النساء هم الصغار لأن (أل) هي للعهد والمذكور هم اليتامى فهم صغار وكذلك المراد بالسفهاء في آية البقرة ولا دليل يعين أنهم المبذرون.

 

والواقع أن هذا الاعتراض من أبي حنيفة ضعيف للغاية لأن الآيتين صريحتان في الحجر على السفيه ولا مجال لتأويلهما.

 

ثانياً: ما روى من أن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب أتى الزبير بن العوام فقال: إني ابتعت بيعاً ثم إن علياً يريد أن يحجر عليَّ فقال الزبير: فإني شريكك في البيع فأتى عليٌّ عثمان بن عفان فسأله أن يحجر على ابن أخيه عبد الله بن جعفر فقال الزبير: أنا شريكه في البيع فقال عثمان: كيف أحجر على رجل شريكه الزبير. فدل هذا على أن الحجر على السفيه أمر مسلم به عند الصحابة وهو من الشرع وإلا ما طلبه الإمام علي لابن أخيه ولم ينكر أحد من الصحابة طلبه ولم ينكره الزبير ولا عثمان وإن كان كلاهما قد رأى أن عبد الله لا يستحق حجراً وتصرف الزبير وعثمان يؤكدان جواز الحجر وروى أيضاً أن عائشة بلغها أن عبد الله بن الزبير قال عنها وقد باعت بعض رباعها فقال: لتنتهين وإلا حجرت عليها فقالت: لله عليّ أن لا أكلمه أبداً فهذا يدل على أن ابن الزبير وعائشة قد رأيا جواز الحجر على السفيه.

 

ثالثاً: أن الحكمة من الحجر على السفينة واضحة وقد أشار إليها القرآن الكريم في آية النساء آنفة الذكر، والسفيه لا يضر نفسه فقط بل يضر زوجه وأودلاه ولذلك يجب حمايته وحماية أسرته من سفهه لذلك فإن رأى الجمهور (في نظري) هو الأصح وأدلة الجمهور أقوى من حجج أبي حنيفة سواء من حيث النصوص أو الاعتبار. وهذا وقد اختلف الفقهاء في وقت ابتداء الحجر على السفيه فذهب مالك والشافعي والحنابلة وأبو يوسف إلى أن الحجر لا يبدأ إلا من تاريخ حكم القاضي عليه بالسفه أي أن عقوده قبل ذلك صحيحة[39] وذهب محمد بن الحسن إلى أن الحجر على السفيه يكون قبل حكم القاضي بمجرد تبذيره[40].

 

86 – الغفلة:

ذو الغفلة قريب من السفيه لأنه يغبن في المعاملات بسبب سهولة خداع الآخرين له فهو يشبه السفيه في الأحكام ويعبر عنه – أحيانا – بالضعيف أي ضعيف الرأي في التعامل مع الناس وقد قال الله تعالى: ﴿ فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ ﴾ [البقرة: 282 ]، فالسفيه ضعيف الإرادة فهو يبذر في ماله وذو الغفلة ضعيف الإدراك في المعاملات والنتيجة واحدة وهي الخسارة في المال ولذا فإن حكم ذي الغفلة هو حكم السفيه والخلاف الفقهي فيهما واحد.

 

87 – استغراق الدين:

وهو أن يمتنع المدين بدين مستغرق لماله عن سداد دين مستحق عليه ويرى مالك والشافعي وأحمد وصاحبا أبي حنفية أنه يجوز الحجر عليه، ويرى أبو حنيفة أنه لا يجوز الحجر عليه، وإنما يحبسه الحاكم إذا ثبتت قدرته ومطله حتى يقضى دينه[41].

 

وتقع تصرفات المدين باطلة قبل صدور حكم قاضي بالحجر عليه عند مالك لأن الحجر يتم لمصلحه الدائنين من غير توقف على قضاء فيصح لهم إبطال أي تصرف له لأن حق الغرماء قد تعلق بماله[42] وعند الشافعي وأحمد وصاحبي أبي حنفية لا يمنع من التصرف إلا من وقت الحكم الصادر بالحجر عليه. واختلف المجيزون للحجر في تكييف تصرفات المدين بعد الحجر عليه فذهب الشافعي في قول وصاحبا أبي حنيفة إلى أن هذه التصرفات (سواء أكانت تبرعاً أم محاباة في معاوضة) صحيحة غير نافذة أي موقوفة على إجازة جميع الغرماء وذهب مالك والحنابلة وفي قول آخر للشافعي إلى أن هذه التصرفات غبر صحيحة أي تقع باطلة.

 

وأما أموال المحجور عليه التي اكتسبها بعد الحجر فهي لا تخضع للتفليسة فهو يتصرف فيها كيف شاء ما دام لم يقع عليها الحجر[43] وهذا بخلاف الصبي المميز والسفيه، وذلك أن المدين المحجور عليه هو أصلا كامل الأهلية وإنما منع التصرف في أمواله لمصلحة الغير وهم الغرماء، وأما الصبي ومن في حكمه فهو ممنوع لمصلحة نفسه.

 

وإذا كان عند المدين ما يزيد على ديونه ولكن الدائنين توقعوا أن يحاول تهريب أمواله إلى غيره بطريق الإقرار له مثلاً أو البيع الصوري فإنه يحق لهم الحجر عليه ليبطلوا تصرفاته ويكون الحجر بحكم قضائي اتفاقاً[44].

 

88 – مرض الموت:

المريض مرض الموت هو الذي يصيبه مرض مخوف أي يغلب فيه الهلاك ويظل على هذه الحالة حتى يصيبه الموت، وكل من يوجد في حالة – غير المرض – يغلب فيها الهلاك فهو يعتبر في حكم المريض مرض الموت وذلك كمن يوجد في سفينة تشرف على الغرق ثم يغرق فعلاً.

 

وعقود المريض مرض الموت وتصرفاته إذا كانت بعوض وليس محاباة فهي صحيحة نافذة سواء أكانت لوارث أم كانت لغير وارث وهذا عند جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة وصاحبي أبي حنفية[45] وهذا هو الحكم أيضاً حتى لو زاد تصرفه في ماله على أكثر من الثلث لأن مقابل المال المتصرف فيه قد وجد بدون محاباة ولذلك فإنه يشترط أن يكون التصرف حقيقاً وليس صورياً ويختلف أبو حنفية مع سائر الأئمة في هذه المسالة لأنه لا يجيز عقود المعاوضات حتى لو كانت بغير محاباة لأنه يذهب إلى أن حق الورثة يتعلق بأعيان التركة ولذا فإنه لا يجوز للمريض مرض الموت أن يتصرف ولو بغير محاباة وأما صاحباه (أبو يوسف ومحمد) فإنهما يذهبان إلى أن حق الورثة يتعلق بقيمة التركة وماليتها فقط فما دام العقد معاوضة وليس فيه محاباة فإنه يكون صحيحاً نافذاً[46] وهذا هو رأى الجمهور وإذا كان التصرف بعوض صورياً فهو يلحق بالتبرعات المنجزة كما يلحق بها أيضاً التصرف بعوض إذا كان فيه محاباة والتبرعات المنجزة هي الهبة المقبوضة والصدقة والوقف والإبراء من الدين والعتق والعفو عن الجناية الموجبة للمال، وهي تأخذ حكم الوصية ما دامت قد صدرت في مرض الموت.

 

وقد اختلف الفقهاء في حكم الوصية فيما زاد على ثلث التركة إذا كانت لأجنبي والوصية إذا كانت لوارث: فذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة إلى أن الوصية في كلتا الحالتين تكون صحيحة غير نافذة أي موقوفة على إجازة الورثة في الحالة الأولى وعلى إجازة بقية الورثة في الحالة الثانية[47]. وذهب بعض الحنابلة وفي قول آخر للشافعي أن الوصية في مرض الموت تكون باطلة فإن أراد الورثة تصحيح هذه العقود فإن عليهم أن ينشئوها من جديد فإذا كان العقد هبة فهو يفتقر إلى شروط الهبة من اللفظ والقبول والقبض كالهبة المبتدأة[48].

 

وحجة الجمهور أن تحديد الوصية لأجنبي بالثلث ومنع الوصية للوارث إنما روعي فيه حق الورثة والأصل في ذلك بالنسبة إلى الوصية إلى الأجنبي قول النبي صلى الله عليه وسلم لسعد حين قال: أوصي بمالي كله؟ قال: ((لا)) فبالثلثين؟ قال: ((لا)) قال فبالنصف؟ قال: ((لا)) قال: ((فبالثلث)) قال: ((الثلث والثلث كثير))[49] وقوله عليه الصلاة والسلام: ((إن الله تصدق عليكم بثلث مالكم عند مماتكم))[50] فالباقي حق خاص للورثة ومن ملك حقاً ملك التنازل عنه ولذلك فإن إجازتهم للوصية لأجنبي فيما زاد عن الثلث هو التنازل عن حقهم في هذا الزائد، وأما الأصل في عدم جواز الوصية للوارث فهو ما روى عن أبي أمامه الباهلي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث)) وهذا يدل على أنه حق للورثة فلهم أن يجيزوا واحتج المعارضون [رواية لأحمد وقول للشافعي] بظاهر قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا وصية لوارث))[51] فهذا يدل بظاهره على بطلان الوصية وكذلك حديث سعد بن أبي وقاص في مقدار الوصية يدل بظاهره على أن ما زاد على الثلث باطل والأصح - في نظري – هو رأي الجمهور لأن الرسول صلى الله عليه وسلام عندما نهى عن الوصية للوارث وعن الزيادة على الثلث في الوصية لأجنبي إنما كان هذا لحق الورثة بلا خلاف وصاحب الحق الخاص يملك - ولا ريب - التنازل عنه لمن يشاء وقد روى الخبر (لا وصية لوارث) وفيه (إلا أن يجيز الورثة) واحتج ابن قدامة بهذه الزيادة قائلاً: [والاستثناء من النفي إثبات فيكون ذلك دليلاً على صحة الوصية عند الإجازة ولو خلا من الاستثناء كان معناه لا وصية نافذة أو لازمة أو ما أشبه هذا أو يقدر فيه ولا وصية لوارث عند عدم الإجازة من غيره من الورثة ][52] وهذا الذي ذكره ابن قدامة استدلال صحيح وقوى ولذلك فإني أرجح هنا رأي الجمهور.

 

وإذا كان المريض مرض الموت له دائنون فديونهم مقدمة على الوصية[53] وعلى حق الورثة من باب أولى فإذا كانت التركة مستغرقة بالديون فحق الدائنين أن تسلم قيمتها لهم وعلى هذا فإن تصرفات المريض وعقوده التي ليس فيها غبن أو محاباة تعتبر صحيحة ولا يستطيع الدائنون أن ينقضوها لأن هذه التصرفات لم تمس القيمة المالية للتركة والتي تعلق بها حق الدائنين وأما التصرفات التي فيها محاباة أو غبن أو تبرع بأي صورة من الصور فإنها لا تنفذ في حقهم إلا إذا أجازوها، وأما تصرفات المريض فيما يتعلق بمنافع أعيانه فكلها صحيحة بالنسبة إلى الفترة التي يعيشها قبل وفاته فلا يتعلق بها حق الدائنين ولا حق الورثة إذ حقهم يتعلق بها بعد الوفاة، ومن جهة أخرى فإن المنافع ليست عند الحنفية فهي لا تورث، والتصرفات في المنافع تبطل عند الحنفية من تلقاء نفسها بوفاة المتصرف ولكنها صحيحة عن الفترة قبل الوفاء[54].



[1] الركن في اللغة هو الجانب القوى الذي يمسكه وهو عند جمهور الفقهاء ما لابد منه لتصور العقد ووجوده سواء أكان جزءاً من ماهيته أم خارجاً عنها وعلى هذا فأركان العقد عند الجمهور (ما عدا الحنفية) هي العاقد ومحل العقد وصيغة العقد وأما عند الحنفية فركن العقد هو ما كان جزءاً من ماهية الشيء فقط فالركن عندهم هو صيغة العقد التي تتكون من الإيجاب والقبول أو الإيجاب وحده إذا كان العقد بالإرادة المنفردة.

[2] ترتيب القاموس المحيط على طريقة المصباح المنير، وأساس البلاغة.

[3] كشف الأسرار على البزدوي 4 / 1357 وما بعدها.

[4] أو برضا وليه إن كان صغيراً أو بموجب النص الشرعي كالإرث مثلاً.

[5] كشف الأسرار على البزدوي 4 / 1357 وما بعدها.

[6] هذا عند غالبية الفقهاء ما عدا ابن حزم.

[7] وهذا سيفصل فيما بعد إن شاء الله تعالى.

[8] يراجع في هذا حاشية ابن عابدين 5 / 469، ونهاية المحتاج 5 / 361 والمغني لا بن قدامة (الوصية).

[9] انظر الفتاوى الهندية 1 / 191.

[10] حاشية ابن عابدين 5 / 47 وما بعدها.

[11] الفتاوى الخانية للأوزجندي 3 / 334 مطبوع بهامش الفتاوى الهندية.

[12] حاشية ابن عابدين 5 / 470.

[13] نهاية لمحتاج للرملي 3 /116.

[14] نهاية المحتاج للرملي 3 /116.

[15] نهاية المحتاج للرملي 5 / 370.

[16] أسنى المطالب على شرح روض الطالب للشيخ زكريا الأنصاري.

[17] انظر منح الجليل للشيخ عليش 4 / 114.

[18] منح الجليل للشيخ عليش 3 / 584.

[19] منح الجليل للشيخ عليش 4 / 114.

[20] شرح عبد الباقي الزرقاني على خليل.

[21] كشاف القناع للبهوتي ص 502.

[22] رواه البخاري، كتاب الأحكام الباب 24 ومسلم كتاب الإمارة 0

[23] انظر علم أصول الفقه للشيخ عبد الوهاب خلاف ص 149 وما بعدها 0

[24] المبسوط للسرخسي 24 / 182، البدائع 5 / 148، بداية المجتهد لا بن رشد 2 / 41، كشاف القناع 3 / 157.

[25] مغني المحتاج للشربيني 2 / 15، المغني لا بن قدامة 4 / 205.

[26] المبسوط للسرخسي 24 / 161، المغني 4 / 456.

[27] شرح المنهاج للمحلي 2 / 155 وما بعدها، المغني لا بن قدامة 4 / 459، وما بعدها.

[28] البدائع 7 / 172.

[29] شرح الزرقاني على خليل 6 / 112 وما بعدها.

[30] شرح المنار لابن ملك ص 950.

[31] شرح المنار ص 950.

[32] التوضيح التلويح 2 / 281، كشف 4 / 1486.

[33] كشف الأسرار 4 / 1490، شرح المنار ص 989، بدائع الصنائع 7 / 171.

[34] أخرجه أحمد وأصحاب السنن وقد رد في الصحيحين عن عبد الله بن عمر، البخاري في كتاب البيوع باب 48، ومسلم كتاب البيوع.

[35] تكلمة فتح القدير 7 / 314 وبلغة السالك للصاوي 2 / 130 ونهاية المحتاج 4 / 370، والمغني لابن قدامة 4 / 521.

[36] شرح الزرقاني 5 / 294 وما بعدها، بداية المجتهد 2 / 279 وما بعدها، مغني المحتاج 1 / 168 وما بعدها، نهاية المحتاج 4 / 356، المعني لا بن قدامة 4 / 505 وما بعدها.

[37] انظر المراجع السابقة للمالكية والشافعية والحنابلة.

[38] انظر المبسوط للسرخسي 24 / 161، تبيين الحقائق للزيلعي 5 / 193.

[39] بلغة السالك 2 / 138، مغني المحتاج للشربيني 2 / 170، المغني لابن قدامة 4 / 519 كشف الأسرار 4 / 1494.

[40] كشف الأسرار 4 / 1494.

[41] كشف الأسرار 4 / 1494.

[42] بداية المجتهد لا بن رشد 2 / 284 وما بعدها، مقدمات ابن رشد 2 / 200 وما بعدها.

[43] يراجع في ذلك كله مقدمات ابن رشد 2 / 200 وما بعدها، حاشية ابن عابدين 5 / 89 وما بعدها، التوضيح والتلويح 3 / 220 – 222، شرح المنهاج للجلال المحلي 2 / 186، 2 / 299 وما بعدها، المغني لابن قدامة 4 / 485 وما بعدها.

[44] المغني لابن قدامة 4 / 485 وما بعدها والمراجع السابقة.

[45] شرح الزرقاني على خليل 5 / 304، وما بعدها، شرح المنهاج للجلال 3 / 156 وما بعدها، المغني لابن قدامة 6 / 138 وما بعدها، حاشية ابن عابدين 4 / 462 وما بعدها.

[46] كشف الأسرار 4 /1431.

[47] حاشية ابن عابدين 4 / 462 وما بعدها، جواهر الإكليل للآبي شرح مختصر خليل 2 / 318 وما بعدها، شرح المنهاج للجلال المحلي 3 / 161، المغني لابن قدامة 6 / 6 وما بعدها.

[48] انظر المغني لابن قدامة 6 / 6.

[49] أخرجه البخاري ومسلم: البخاري كتاب الوصايا البابين 2، 3، ومسلم كتاب الوصية الأحاديث 5، 7، 8، 10.

[50] سنن ابن ماجه كتاب الوصايا باب / 5، مسند أحمد حـ 6 / 441.

[51] أخرجه ابن ماجه كتاب الوصايا باب ما جاء في الوصية للوارث، وذكر في جامع الأصول أن إسناده صحيح 11 / 633، وأخرجه الترمذي عن عمر بن خارجة وقال: حسن صحيح (في الوصايا باب ما جاء لا وصية لوارث).

[52] نقلاً عن المغني لابن قدامة 6 / 6.

[53] روى عن علي رضي الله عنه: [أن رسول الله صلى الله عليه وسم قضى بالدين قبل الوصية وأنتم تقرؤون الوصية قبل الدين] أخرجه الترمذي في الوصايا باب ما جاء يبدأ بالدين قبل الوصية، وإسناده ضعيف ولكن حكمه مجمع عليه.

[54] البدائع للكاساني 8 / 224 وما بعدها.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • صيغة العقد في الفقه الإسلامي (1)
  • صيغة العقد في الفقه الإسلامي (2)
  • صيغة العقد في الفقه الإسلامي (3)
  • العاقدان أو العاقد الفرد في الفقه الإسلامي (2)
  • العاقدان أو العاقد الفرد في الفقه الإسلامي (3)

مختارات من الشبكة

  • من أركان عقد الصرف: العاقدان(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من أركان البيع .. العاقدان(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مدى حرية العاقد في إنشاء العقود في الفقه الإسلامي (4)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مدى حرية العاقد في إنشاء العقود في الفقه الإسلامي (3)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مدى حرية العاقد في إنشاء العقود في الفقه الإسلامي (2)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مدى حرية العاقد في إنشاء العقود في الفقه الإسلامي (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خصائص ومميزات علم أصول الفقه: الخصيصة (3) علم أصول الفقه علم إسلامي خالص(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المقدمات في أصول الفقه: دراسة تأصيلية لمبادئ علم أصول الفقه (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • خصائص ومميزات علم أصول الفقه: الخصيصة (1) علم أصول الفقه يجمع بين العقل والنقل (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • حقيقة مفهوم الفقه وأثرها في تدريس علم الفقه(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 13/11/1446هـ - الساعة: 23:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب