آداب المريض وزيارته (5/ 15)

آداب المريض وزيارته (5/ 15)

(9) من الآداب، إذا دخل على المريض قال: "لا بأس طَهورٌ إن شاء الله":

عند زيارتك للمريض: ابدأ بالسَّلام، ثم ادْعُ له بهذا الدُّعاء: ((لا بأس، طَهورٌ إن شاء الله))؛ وذلك لما ثبتَ في الحديث عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما أنَّ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم دخل على أعرابِي يعوده، قال: وكان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم إذا دخل على مريضٍ يعوده، قال له: ((لا بأس، طَهورٌ إن شاء الله..))[1]؛ الحديث.

وينبغي للمريض أن يتلقَّى الموعظة بالقبول، ويُحْسِن جوابَ مَن يُذكِّره بذلك، ولا يكن مثل هذا الأعرابيِّ؛ فإنه أجاب النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم بكلامٍ لا يليق، ويدلُّ على تسخُّطِه، حيث قال: لا، بل هي حُمّى تفور، على شيخٍ كبير، تزيره القبور، فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((فنعَم إذًا)).

ومعنى "تُزيره" مِن أزاره؛ إذا حَمَله على الزيارة بغير اختياره، ومقصوده: أنَّها - يعني الحُمَّى - تحمله إلى قبره.

(10) ويقعد عند رأسه:

إنْ أمكنَه ذلك؛ لأنَّ فيه إيناسًا للمريض، ولأنَّ ذلك يكون أسهلَ عليه في وضع يده على المريض، والدُّعاء له بالرُّقْية الشرعية كما سيأتي.

وأما دليل القعود عند رأسه:

فقد تقدَّم أن النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم عندما عاد الغلام اليهوديَّ، قعد عند رأسه، لكن قد لا يتيسَّر له ذلك؛ لكثرةِ العُوَّاد مثلاً، أو لِضيق المكان، أو لغير ذلك، فلا بأس أن يجلس في أيِّ مكان.

(11) سؤال المريض عن حاله:

وذلك لما ثبت في الحديث عن أنسٍ رضي الله عنه قال: دخل النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم على شابٍّ وهو في الموت، فقال: ((كيف تجِدُك؟)) قال: أرجو الله يا رسول الله، وأخاف ذنوبي، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلَّم: ((لا يجتمعان في قلب عبدٍ في مثل هذا الموطن، إلاَّ أعطاه الله ما يَرجوه، وأمَّنَه مِمَّا يخاف))[2].

تنبيه:

يسنُّ للمريض إذا سأله العائد عن حاله أن يقول خيرًا؛ كأنْ يحمدَ الله، أو أنَّه يرجو رحمة الله، ويخاف ذنوبَه، ونحو ذلك، ولا يقول كلامًا فيه تسخُّط وضجَر واعتراضٌ على قدَرِ الله، وسيأتي مزيدٌ لهذا - إن شاء الله تعالى - عن بيان: آداب المريض.

(12) ويبشِّر المريض بثواب المرض:

فعن أمِّ العلاء رضي الله عنها قالت: عادني رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأنا مريضة، فقال: ((أبشري يا أمَّ العلاء؛ فإنَّ مرض المسلم يُذهب الله به خطاياه، كما تُذهب النار خبثَ الذَّهب والفضة))[3].

وعن أبي هُريرة رضي الله عنه عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه عاد مريضًا - ومعه أبو هريرة - مِن وعكٍ كان به، فقال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((أبشِر؛ فإنَّ الله يقول: هي ناري أسلِّطها على عبدي المؤمن في الدُّنيا، لتكون حظَّه من النَّار في الآخرة))[4].

ومعنى أنَّ الحُمَّى حظُّ المؤمن من النار؛ أي: إنَّ الله عزَّ وجلَّ يسلِّطها على عبده المؤمن في الدنيا؛ ليكون ذلك نجاةً له من عذاب النار؛ فهي فكاكه إنْ كان عليه ما يوجب دخولَ النار.

وذلك من رحمة الله بعباده المؤمنين.

(13) الثناء على المريض بمحاسن عمله:

يُسنُّ للعائد أن يُذكِّر المريض بمحاسن عمَلِه، وبما أعدَّه الله من ثوابٍ لِهذه الأعمال؛ وذلك ليذهب عنه خوفه، وليحسن الظن بربِّه، ففي "صحيح البخاري": عن المسور بن مخرمة رضي الله عنه قال: "لَمَّا طُعِن عمر جعل يألَم، فقال له ابنُ عبَّاس رضي الله عنهما وكأنَّه يجزِّعه -: يا أمير المؤمنين، ولئنْ كان ذلك؛ لقد صَحِبتَ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فأحسنتَ صحبته، ثم فارقتَه وهو عنك راضٍ، ثم صبحتَ أبا بكرٍ فأحسَنْت صحبته، ثم فارقته وهو عنك راضٍ، ثم صحبت صحبتَهم فأحسنتَ صحبتهم، ولئن فارقتَهم لَتُفارقنَّهم وهم عنك راضون..."؛ الحديث[5].

ومعنى "يجزِّعه"؛ أيْ: يزيل عنه الجزع، وذلك مثل قوله تعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ ﴾ [سبأ: 23]؛ أيْ: أُزِيل عنهم الفزَع.

واعلم - رحمك الله -: أنه لم يكن جزع عمر رضي الله عنه خوفًا من الموت، ولكنَّ جزَعَه فيما يفكِّر فيه لأجل الأمَّة؛ لذلك أجابه عمر بقوله: "وأمَّا ما ترى من جزعي، فهو من أجلك وأَجْل أصحابك، والله لو أنَّ لي طِلاعَ الأرض ذهبًا، لافتديتُ به من عذاب الله - عزَّ وجلَّ - قبل أن أراه".

ومعنى "طِلاع الأرض"؛ أيْ: مِلئَها.

وفي "صحيح البخاري" أيضًا أنَّ عمر - رضي الله عنه - لما احتُمِل إلى بيته بعدما طعنَه أبو لؤلؤة المجوسيُّ: "...وجاء رجلٌ شابٌّ فقال: أبشِرْ يا أمير المؤمنين بِبُشرى الله لك، مِن صحبةِ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وقدَمٍ في الإسلام ما قد عَلِمتَ، ثم وليتَ فعدَلْت، ثم شهادة، قال عمر: وددتُ أنَّ ذلك كَفَافٌ لا عليَّ ولا لي..."؛ الحديث[6].

وفي "صحيح مسلم": عن أبي شماسة قال: "حُضِر عمرُو بن العاص وهو في سياقة الموت يبكي طويلاً، وحوَّل وجهه إلى الجدار، فجعل ابنُه يقول: يا أبتاه، ألَمْ يُبشِّرْك رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم بكذا، ألم يبشرك رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بكذا؟"[7].

وفي "صحيح البخاري": عن القاسم بن أبي بكر أن عائشة - رضي الله عنها - اشتكَت، فجاء ابنُ عبَّاس - رضي الله عنهما - فقال: "يا أمَّ المؤمنين، تَقْدمين على فرَطِ صِدْق؛ على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وعلى أبي بَكْر"[8].

ومعنى: "اشتكت": أيْ مَرِضَت، و"الفرَط" هو الذي يَسبق القوم؛ ليعدَّ لهم السِّقاء، والمقصود أنَّها تَقْدم على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وعلى أبي بكر - رضي الله عنه.