• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / فقه وأصوله
علامة باركود

صيغة العقد في الفقه الإسلامي (3)

د. عباس حسني محمد

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 5/2/2012 ميلادي - 12/3/1433 هجري

الزيارات: 56141

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

العقد في الفقه الإسلامي

دراسة مقارنة بالقانون الوضعي تكشف تفصيلاً عن تفوق التشريع الإسلامي

 

الباب الثاني

أركان العقد[1]

 

الفصل الأول

الركن الأول: صيغة العقد

 

المبحث الثاني

الركن الأول للعقد في القانون: التراضي

65– تمهيد – بيان أركان العقد في القانون[2] وطريقة تناولها في هذا البحث:

يقرر شراح القانون أن العقد يقوم على توافق إرادتين على الأقل ويجب أن تتجه إرادة المتعاقد إلى غاية مشروعة فالعقد عندهم له ركنان: التراضي والسبب وأما المحل (المعقود عليه في الفقه الإسلامي) فهو عندهم ركن في الالتزام لا في العقد، وأهمية المحل تظهر بصفة خاصة في الالتزام الناشئ من العقد لأن محل الالتزام غير التعاقدي يتولى القانون تعيينه ولذلك فإن شرطه محدده في القانون، أما محل الالتزام في العقد فإن المتعاقدين هما اللذان يقومان بتعيينه فيجب عليهما أن يلتزما بالشروط التي يتطلبها القانون في المحل[3].

 

وأما العاقدان فإنه لا ينظر إليهما إلا من خلال إرادة كل منهما أي من خلال التراضي أو صيغة العقد فالبحث بشأنهما تابع لبحث ركن التراضي هذا وقد سبق أن رأينا أن الحنفية يذهبون إلى أن ركن العقد هو صيغة العقد التي يتكون منها الإيجاب والقبول أو الإيجاب وحده إذا كان العقد بالإرادة المنفردة ولكن الحنفية يبحثون أيضاً في الأمور الأخرى التي ليست ركناً عندهم لأنها خارجة عن ماهية العقد ولكن لا يتصور العقد بدونها وهذه الأمور هي العاقدان والمعقود عليه ولما كانت دراسة القانون في هذا البحث تابعة لدراسة الفقه الإسلامي فإننا سنقتصر في بحث ركن التراضي في القانون في هذا البحث على الجزء المقابل للركن الأول للعقد الإسلامي وهو الإيجاب والقبول وأما باقي أجزاء التراضي[4] في القانون فسنبحثها إن شاء الله تعالى مع ما يقابلها في الفقه حتى يسهل علينا المقارنة تحقيقاً للغرض المنشود من دراسة القانون وهو إبراز تفوق التشريع الإسلامي على القوانين الوضعية إحقاقاً للحق.

 

66 – المقصود بالتراضي:

يقصد بالتراضي – في القانون – تطابق إرادتين تتجهان لإحداث أثر قانوني معين هو إنشاء التزام معين. فالأثر القانوني لتطابق الإرادتين لا بد أن يكون إنشاء التزام معين فلا بد إذن من التعرف على الالتزام عند القانونيين.

 

67 – المقصود بالالتزام وتطوره في القانون:

نشأت فكرة الالتزام في القانون الروماني على أساس أنها رابطة قانونية أي يحميهما القانون تنشأ بين الدائن والمدين، وقد تطورت هذه الرابطة في القانون الروماني فنشأت في البداية على أنها سلطة تعطي للدائن على جسم مدينه لا على ماله وكان هذا هو الذي يميز بين ما يعرف بالحق العيني وما يعرف بالحق الشخصي في القانون الروماني فالحق العيني سلطة تعطى للشخص على شيء مثل سلطة مالك الدابة على دابته والحق الشخصي هو سلطة تعطى للشخص على شخص آخر أي سلطة الدائن على مدينه وكانت هذه السلطة واسعة يدخل فيها حق إعدام المدين وحق استرقاقه وحق التصرف فيه بسبب امتناعه عن سداد ديونه ثم خفف القانون من هذه السلطة فجعلها مقصورة على التنفيذ المدني بحبس المدين ولم يعرف القانون الروماني مبدأ الاقتصار على التنفيذ على مال المدين إلا بعد تطور طويل مرير ضج فيه العامة من سوء معاملة الدائنين لهم[5] وبعد هذا التطور أصبح الالتزام عند الرومان رابطة شخصية فيما بين الدائن والمدين وهو في الوقت نفسه يمثل عنصراً مالياً باعتباره حقاً لذمة الدائن وديناً في ذمة المدين ولكن هذا العنصر كان ضئيل الشأن في القانون الروماني وبذلك افترق الحق العيني – في القانون الرماني – عن الحق الشخصي فأصبح الأول سلطة للشخص على شيء مثل حق الملكية وأصبح الحق الشخصي رابطة بين شخصين: الدائن والمدين.

 

هذا وقد تأرجح الالتزام بين المذهبين: مذهب يغلب الجانب الشخصي له على الجانب المادي أي يعتبر أن الأمر الجوهري في الالتزام أنه رابطة شخصية فيما بين الدائن والمدين وهذا هو مذهب القانون الروماني والقانون الفرنسي القديم. والمذهب الثاني هو المذهب الذي يغلب الجانب المادي للالتزام أي يعتبر أن الأمر الجوهري في الالتزام هو أنه يمثل عنصراً مالياً وهو محل الالتزام الذي ثبت في ذمة المدين بصرف النظر عن شخصية الدائن.

 

وبناء على ما تقدم فقد عرف أنصار المذهب الشخصي الالتزام بأنه رابطة أو علاقة قانونية ما بين شخصين بمقتضاها يكون لأحدهما وهو الدائن الحق في تقاضي شيء معين من الآخر وهو المدين[6] وأما الالتزام طبقاً لأنصار المذهب المادي فهو حق مالي ترتب في ذمة المدين بصرف النظر عن شخصية الدائن وإلى جانب هذين المذهبين ظهر في الوقت الحالي مذهب وسط جمع بين النظرة الشخصية والنظرية المادية للالتزام وقد أخذ بهذا المذهب الوسط القانون المدني المصري الحالي الصادر في عام سنه 1949.

 

ويحسن قبل أن نفصل مسلك القانون المدني المصري الحالي أن نوضح الآثار التي تترتب على كل من المذهب الشخصي للالتزام والمذهب المادي له.

 

فأما الآثار التي تترتب على المذهب الشخصي فهي أن الالتزام الناشئ عن العقد يقوم على الإرادة المشتركة للطرفين ومن ثم فلا بد أن تكون الإرادة حرة مختارة لا غلط يشوبها ولا تدليس ولا أكراه يعيبها ولا استغلال.

 

وأما الآثار التي ترتب على المذهب المادي فهي السماح بنشؤء الالتزام بإرادة منفردة بدون دائن فيستند الالتزام إلى المدين وحده مثل التزام الواعد بجائزة والتزام من يوقع السند لحامله وانتقال الالتزام عن طريق الحوالة الدين بحالته رغم تغير المدين فهذه الالتزامات ما كانت لتنشأ لو اقتصرنا على اعتبار الالتزام رابطة بين شخصين فهذه الالتزامات لا تصح إلا إذا اعتبرنا الالتزام بمحله أي جعلنا لمحل الالتزام قيمة أصلية بصرف النظر عن الرابطة بين الشخصين. هذا وقد جاء القانون المدني المصري الحالي جامعاً بين آثار النظرة الشخصية والنظرة المادية للالتزام فاعتبر أنه توسط بين المذهبين[7] وبناء على هذا المذهب يعرف بعض شراح القانون الالتزام بأنه [حالة قانونية يرتبط بمقتضاها شخص معين بنقل حق عيني أو القيام بعمل أو بالامتناع عن عمل][8].

 

68 – مقارنة بين الالتزام في الفقه الإسلامي والالتزام في القانون:

لقد سبق ورأينا[9] أن الالتزام نادر الاستعمال في الفقه الإسلامي فالفقهاء يستخدمون كلمة الحق سواء في جانب المدين أو في جانب الدائن فيقولون هذا حق له وهذا حق عليه، واللفظ النادر الاستعمال في الفقه يرجع فيه إلى معناه في اللغة لأن هذه الندرة تنفي عنه المعنى الاصطلاحي والالتزام لغة معناه الثبوت والوجوب، والحق في اللغة له عدة معان ترجع كلها إلى الثبوت والوجوب. ويلاحظ أن الالتزام يختلف عن الإلزام، فالالتزام معناه أن يوجب الإنسان أمراً على نفسه بإرادته، والإلزام معناه إيجاب أمر على إنسان بغير إرادته وهذا يكون بإلزام الشارع للمكلف، ولكن الالتزام في الاصطلاح القانوني يشمل الحالتين معاً أي سواء أكان إيجاب الأمر على الإنسان اختيارياً كما في العقد أم إجبارياً كما في الالتزام الناشئ عن القانون مباشرة.

 

هذا ويرى شراح القانون أن المعقود عليه في العقد وهو المحل إنما هو محل الالتزام الناشئ عن العقد وليس محل العقد. فمحل الالتزام هو الشيء الذي يلتزم المتعاقد بالقيام به وقد سبق أن رأينا أن الالتزام إما أن ينصب على القيام بعمل أو الامتناع عن عمل أو نقل حق عيني ويرى شراح القانون أنه لما كان الالتزام بنقل حق عيني هو في حقيقته التزام بعمل ولما كان الأصل في هذا الالتزام أن يتم تنفيذه بمجرد نشوئه فقد صار من المألوف أن يقال إن محل الالتزام بنقل حق عيني هو هذا الحق ذاته فإذا كان الحق العيني حق ملكية امتزج بالشيء المملوك وأصبح شيئاً واحداً فصار الالتزام بنقل الملكية محله هو الشيء ذاته الذي تنتقل ملكيته[10].

 

هذا ومما يجب أن يلاحظ أن الفقهاء لم يستعملوا كلمة محل العقد فهذا استعمال علماء الشريعة المعاصرين وأما الفقهاء فقد استخدموا اصطلاح المعقود عليه ففي البدائع يقول الكاساني بخصوص عقدا البيع: [ وأما الذي يرجع إلى المعقود عليه فأنواع][11] وجاء في نهاية المحتاج بخصوص البيع: [وقد رتبها على هذا الترتيب مبتدئا منها بالكلام على الأركان وهي عاقد ومعقود عليه وصيغة][12] – فالمعقود عليه ركن في العقد عند المالكية والشافعية والحنابلة وهو عند الحنفية لا يتصور العقد بدونه وإن كان ليس ركناً لأن الركن في اصطلاحهم لا بد أن يكون من ماهية الشيء، وماهية العقد هي الصيغة فقط وأما الركن عند الأئمة الثلاثة الآخرين فهو ما لا يتصور الشيء بدونه سواء أكان داخلاً في الماهية أم خارجاً عنها ويتضح مما تقدم أن الالتزام الناشئ عن العقد في القانون وهو الذي يشتمل على المحل يقابل المعقود عليه الذي يعتبر ركناً في العقد عند المالكية والشافعية والحنابلة وأما عند الحنفية فهو لا يتصور العقد بدونه ولكنه ليس ركناً لأن الركن عند الحنفية لا بد أن يكون من ماهية الشيء.

 

وفي الفقه الإسلامي يترتب على كل عقد حكم خاص به بأمر الشارع فحكم عقد البيع هو نقل ملكية كل من الشيء المبيع والثمن وحكم عقد الإجارة نقل ملكية كل من المنفعة والأجرة ولكل عقد حقوق تتعلق بحكمه فهي تمثل مجموع الالتزامات والمطالبات التي تؤكد حكم العقد وتنفيذه[13] مثل الالتزام بتسليم المبيع وأداء الثمن بضمان خلو المعقود عليه من العيوب وهكذا ويلاحظ هنا أن الفقه الإسلامي لم يستعمل اصطلاح الالتزامات وإنما اكتفى باصطلاح الحقوق أي حقوق العقد وهي حقوق ملزمة وعبر عن الإلزام بالإجبار وفي هذا يقول ابن قدامة: [وإن اختلفا في التسليم فقال البائع لا أسلم المبيع حتى أقبض الثمن وقال المشتري لا أسلم الثمن حتى أقبض المبيع والثمن في الذمة أجبر البائع على تسليم المبيع ثم  أجبر المشتري على تسليم الثمن... وقال أبو حنفية ومالك: يجبر المشتري على تسليم الثمن لأن للبائع حبس المبيع على تسليم الثمن ومن استحق ذلك لم يكن عليه التسليم قبل الاستيفاء كالرهن][14] فهذا خلاف بين الفقهاء في مدى الحق في الحبس وهو لا يهمنا الآن ولكن الذي يهمنا هو تعبير الفقهاء عن التزام البائع بتسليم الشيء المبيع بالإجبار وكذلك عن التزام المشتري بتسليم الثمن، والإجبار هو الإلزام ولكن الفقهاء كما ذكرنا من قبل درجوا على التعبير بالحق بدلاً من الالتزام، ويلاحظ أيضاً أن الفقهاء قد يعبرون عن هذه الحقوق بهذا التعبير (شروط مقتضى العقد) ومقتضى العقد هو حكمه وشروط مقتضى العقد هي حقوق العقد إذا اشترطها المتعاقدان من باب التأكيد لأن شرطها كعدمها إذ أنها لازمة بموجب العقد وفي هذا يقول ابن قدامة: [والشروط تنقسم إلى أربعة أقسام أحدها: ما هو من مقتضى العقد كاشتراط التسليم وخيار المجلس والتقابض في الحال فهذا وجوده كعدمه لا يفيد حكماً ولا يؤثر في العقد][15] ومن هذا نجد أن الفقهاء يعبرون عن حكم العقد بمقتضاه ويعبرون عن حقوق العقد شروط مقتضى العقد إذا اشتراط المتعاقدان هذه الشروط التي هي أصلاً من مقتضى العقد أي تابعة لحكمه فلا حاجة لاشتراطها وهنا تبرز دقة الفقه الإسلامي في تصور العقد وفي تعبيره عن هذا التصور على حين أن القانون وقع في خلط بين الأثر الأصلي المترتب على العقد بقوة القانون «وهو يقابل حكم العقد بقوة الشرع» وبين الالتزامات المترتبة على العقد وهي آثار تابعة للأثر الأصلي ونضرب مثالاً لذلك بعقد البيع في القانون المدني المصري فإن المادة 418 منه تنص على الآتي: [ البيع عقد يلتزم به البائع أن ينقل للمشتري ملكية شيء أو حقاً مالياً آخر في مقابل ثمن نقدي] فالقانون وقع في خلط معيب للغاية لأنه تكلم عن حكم العقد وهو الأثر الأصلي الذي يترتب على العقد وكأنه لم يقع بعد فنقل ملكية المبيع إلى المشتري ونقل ملكية الثمن إلى البائع يتم بمجرد العقد وأما ما يلتزم به المتعاقدان فهو تنفيذ ما يترتب على هذا الأثر أو الحكم.

 

ولكن يجب أن يلاحظ هنا أن نص المادة 418 مدني لا يمكن فهمه على حقيقته إلا من خلال نص المادة 304 مدني (الواردة  ضمن باب آثار الالتزام) فقد نصت هذه المادة على الآتي: [الالتزام بنقل الملكية أو أي حق عيني آخر ينقل من تلقاء نفسه هذا الحق إذا كان محل الالتزام شيئاً معيناً بالذات يملكه الملتزم وذلك دون إخلال بالقواعد المتعلقة بالتسجيل].

 

وطبقا لهذا النص الوارد في آثار الالتزام بصفة عامة فإن نص المادة 418 مدني يفيد بأن الالتزام بنقل الملكية الناشئ عن عقد البيع ينفذ فوراً بمجرد العقد بقوة القانون أي أن حكم عقد  البيع – أصلاً – هو نقل الملكية فور العقد فما الداعي إذن إلى ذكر هذا الالتزام بنقل الملكية ما دامت الملكية تنتقل فور العقد؟ يجيب على هذا السؤال شراح القانون بقولهم: [ويلاحظ أن التقنين الجديد سار على النظرية التقليدية من أن نقل الملكية يسبقه التزام بنقلها وهذا الالتزام يتم تنفيذه من تلقاء نفسه فتنتقل الملكية إلى الدائن بحكم القانون وينقضي الالتزام بنقل الملكية بمجرد نشوئه وهذا الوضع بقية تخلفت عن تقاليد القانون الروماني والقانون الفرنسي القديم حيث كانت الملكية لا تنتقل بالعقد[16].

 

هذا ولقد تفطن بعض شراح القانون  إلى هذا التناقض ومن هؤلاء [bonnecase بونكاز فقد قرر أنه لا يوجد اليوم ما يمنع من القول بأن العقد ذاته ينقل الملكية دون افتراض التزام موهوم يسبق نقل الملكية وينقضي بمجرد أن ينشأ][17].

 

ومن هذا يتضح لنا أن الفقه الإسلامي قد عبر بدقة عن آثار العقد في الوقت الذي كان فيه القانون الروماني لا يعرف التصور الصحيح للعقد وهو لم يعرفه أبداً بل إن القوانين الأوروبية التي نشأت عن القانون الروماني لم تعرف هذا التصور الصحيح وقد ظهر في العصر الحديث من شراح القانون من ينادي بالتصور الصحيح للعقد طبقاً لما سبق إليه الفقه الإسلامي فقد نقل السنهوري عن بونكاز – كما أسلفنا أن العقد ذاته ينقل الملكية – وهذا هو ما يعبر عنه الفقه بأن حكم عقد البيع هو نقل الملكية دون ذكر أي التزام في هذا الشأن لأن النقل يتم بأمر الشارع أي بقوة النص الشرعي وأما الالتزام الناشئ عن العقد فهو الالتزام بتسليم الشيء المبيع والالتزام بتسليم الثمن ولذلك فإنه ليس صحيحاً ما يذهب إليه شراح القانون من أن البائع يلتزم بنقل حق عيني فهذا تعبير فاسد باعتراف شراح القانون أنفسهم وهو من مخلفات القانون الروماني البالية فالبائع ملتزم بتسليم الشيء المبيع والمشتري ملتزم بتسليم الثمن وهذا هو ما عبر عنه الفقهاء بدقة بأنه حقوق العقد التي تؤكد حكمه وهو نقل الملكية. ومن ثم فإنه ليس صحيحاً ما يذهب إليه شراح القانون من أن المحل (المعقود عليه) إنما هو محل في الالتزام الناشئ عن العقد فالصحيح أن المعقود عليه هو محل العقد ذاته وأما الالتزام فمحله هو القيام بتنفيذ متطلبات حكم العقد أي تسليم محل العقد ومن هذا يتضح لنا أن الفقه الإسلامي جاء دقيقاً في تعبيراته وأن القانون الوضعي –  في أرقى صوره المعاصرة – لا يزال إلى الآن بعيداً عن الدقة بسبب خضوعه للبقايا البالية التي ورثها عن القانون الروماني.

 

69 - توافق الإرادتين: الإيجاب والقبول:

لا بد حتى يتم التراضي في القانون أن يصدر إيجاب من أي من المتعاقدين يعقبه قبول مطابق له من المتعاقد الآخر – والقانون كما قدمنا لا يعرف العقد بالإرادة المفردة. هذا وقد يصدر الإيجاب مع تعيين موعد للقبول وفي هذه الحالة يلتزم الموجب بالبقاء على إيجابه إلى أن ينقضي هذا الموعد وقد يستخلص الميعاد من ظروف الحال أو من طبيعة التعامل (م 93 مدني مصري) ومثال استخلاص الميعاد من طبيعة التعامل أن يعرض الموجب آلة يملكها للبيع تحت شرط التجربة فهذا الإيجاب يتضمن أنه يقصد الارتباط بإيجابه طوال المدة اللازمة للتجربة.. وعلى هذا يبقى إيجاب الموجب ملزماً له طوال المدة المقررة صراحة أو ضمناً ما لم يرفض الموجب له الإيجاب فيسقط.

 

وإذا صدر الإيجاب بدون تحديد مدة (صراحة أو ضمناً) فإنه يكون غير ملزم لصاحبه أي يكون للموجب أن يعدل عنه قبل انفضاض مجلس العقد وإذا ظل مصراً عليه فإنه يسقط بانفضاض مجلس العقد، وعلى هذا إذا لم يوجد ما يدل على أن الموجب قد عدل عن إيجابه وصدر القبول قبل أن ينفض مجلس العقد فإن العقد يتم (م 94 مدني مصري). ويلاحظ هنا أن القانون المدني المصري قد أخذ بقاعدة مجلس العقد عن الفقه الإسلامي ذلك أن القوانين الوضعية الحديثة والقديمة لا تعرف مجلس العقد بالمعنى الدقيق الذي عرفه الفقه الإسلامي فالقوانين الحديثة وهي التي نظمت تفاصيل الإيجاب والقبول تنص على أن القبول لا بد أن يصدر فوراً بمجرد صدور الإيجاب[18] أي أن الإيجاب لا يكاد يقوم حتى يسقط[19] وهي في الوقت نفسه لا تعرف خيار المجلس ويقرر واضع مشروع القانون المدني المصري (السنهوري) أن القانون هنا قد استفاد من المذهب الحنفي الذي لم يأخذ بخيار المجلس ولكنه أجاز للموجب أن يؤخر قبوله إلى ما قبل انفضاض مجلس العقد، وقد أخذ القانون المصري هنا في  تحديد مجلس العقد بما ذهب إليه أبو حنفية[20] ومن نحا نحوه من أن المجلس قد ينفض قبل التفرق بالأبدان إذا انشغل أحد العاقدين بأمر آخر غير العقد ففي هذه الحالة ينفض المجلس.

 

هذا ولا بد أن يطابق القبول الإيجاب أي يكون القابل متفقاً كل الاتفاق مع الموجب في جميع المسائل التي تناولها الإيجاب فإذا اختلف عنه زيادة أو نقصاً أو تعديلاً فإن هذا القبول يعتبر في الحقيقة رفضاً يتضمن إيجاباً جديداً (م 96 مدني مصري) ولكن القانون المصري نص أيضاً على أنه إذا اتفق الطرفان على جميع المسائل الجوهرية في العقد واحتفظا بمسائل تفصيلية يتفقان عليها فيما بعد ولم يشترطا أن العقد لا يتم عند عدم الاتفاق عليها اعتبر العقد قد تم وإذا قام خلاف على المسائل التي لم يتم الاتفاق  عليها فإن المحكمة تقضي فيها طبقاً لطبيعة المعاملة ولأحكام القانون والعرف والعدالة] (م 95 مدني مصري) ولكن يشترط هنا الاتفاق على المسائل الجوهرية في العقد أي أركانه كاملة على الأقل ففي عقد الإيجار لا بد من التراضي على العين المؤجرة والأجرة والمدة ولكن قد يسكتان عن تحديد من الذي يتحمل بضريبة الخفر وأجرة الحارس أو اشتراك المياه وقد أباح لهما القانون أن يبرما العقد مع إرجاء النظر في هذه الأمور التفصيلية غير المؤثرة فإذا قام – بعد إبرام العقد – خلاف حول هذه الأمور الثانوية فإن القاضي هنا يفصل في هذه الأمور مسترشداً في ذلك بطبيعة المعاملة وأحكام القانون والعرف والعدالة والقاضي هنا يبحث عن نية المتعاقدين في ضوء هذه الأصول فإذا تبين للقاضي أن نيتهما لم تنصرف إلى تمام العقد بدون الاتفاق على هذه المسائل المسكوت عنها فإنه يتحتم على القاضي في هذه الحالة أن يقضي بعدم تمام العقد.

 

70– التعبير عن الإرادة الصريح والتعبير الضمني:

نص القانون المصري على أن [1- التعبير عن الإرادة يكون باللفظ وبالكتابة وبالإشارة المتداولة عرفاً كما يكون باتخاذ موقف لا تدع ظروف الحال شكاً في دلالته على حقيقة المقصود 2- ويجوز أن يكون التعبير عن الإرادة ضمنياً إذا لم ينص القانون أو يتفق الطرفان على أن يكون صريحاً] (م 90) وقد اعتبر القانون من أنواع التعبير الصريح اتخاذ أي موقف لا تدع ظروف الحال شكاً في دلالته على حقيقة المقصود وضرب المشروع التمهيدي[21] للقانون مثالاً لذلك عرض البضائع مع بيان ثمنها إيجاباً فهذا من قبيل التعبير الصريح لأنه لا يتحمل تأويلاً، ومن هنا أيضاً وقوف عربات الركوب ونحوها في الأماكن المعدة لذلك فهذا إيجاب صريح معروض على الجمهور ومنه أيضاً وضع آلة ميكانيكية لتأدية عمل معين كميزان أو آلة لبيع الحلوى أو لتوزيع طوابع البريد فكل هذا يعتبر تعبيراً صريحاً[22] ويلاحظ أن هذه الأمثلة تسمى في الفقه الإسلامي التعاقد بالتعاطي وقد جوزها جمهور الفقهاء[23] على أساس أن الفعل يقوم مقام اللفظ.

 

ويكون التعبير عن الإرادة ضمنياً:[24] [إذا كان المظهر الذي اتخذه المتعاقد ليس في ذاته موضوعاً للكشف عن الإرادة ولكنه مع ذلك يمكن تفسيره دون أن يفترض وجود هذه الإرادة مثال ذلك أن يتصرف شخص في شيء ليس له ولكن عرض عليه أن يشتريه فذلك دليل على أنه قبل الشراء إذ يتصرف تصرف المالك، وكالموعود بالبيع يرتب حقاً على العين الموعود ببيعها وكالدائن يسلم سند الدين للمدين فهذا دليل على أنه أراد انقضاء الدين ما لم يثبت عكس ذلك، وكالمستأجر يبقى في العين المؤجرة بعد نهاية الإيجار ويصدر منه عمل يفهم على أنه يراد به تحديد الإيجار كالوكيل يقبل الوكالة تنفيذها].

 

71 – تأرجح القوانين الوضعية بين الإرادة الباطنة والإرادة الظاهرة:

الأصل أن إرادة المتعاقد الظاهرة وهي التعبير الصادر منه لا تختلف عن إرادته الباطنة وهي النية التي في صدره ولا يعلمها إلا الله تعالى. وإذا لم يحصل اختلاف بين العبارة والنية أو بين الإرادة الظاهرة والإرادة الباطنة فلا إشكال في الأمر فسيان الأخذ بالإرادة الظاهرة أو الإرادة الباطنة ما دامت الاثنتان متطابقتان ولكن قد تختلف الإرادتان كما إذا وقع شخص على عقد مطبوع يتضمن شرطاً كان لا يقبله لو فطن له، وكمن يخطىء في التوصية على شراء أثاث منزلي بطريق التأشير على بيان مطبوع يقدمه له البائع فيؤشر خطأ على أثاث غرفة نوم وهو يريد أثاث غرفة الطعام وفي هذه الحالة تجد أن القوانين اللاتينية (أي التي ورثت القانون الروماني) تأخذ بمبدأ تغليب الإرادة الباطنة على الإرادة الظاهرة ولكن القانون الألماني الحديث (سنة 1904) يغلب الإرادة الظاهرة على الإرادة الباطنة وهو في هذا متأثر ولا ريب بشراح القانون الألماني الذين نادوا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي بتغليب الإرادة الظاهرة على الإرادة الباطنة[25] هذا وتقوم نظرية الإرادة الباطنة على أساس أن التعبير عن الإرادة ليس إلا قرينة عليها قابلة لإثبات العكس فإذا قام دليل خارج عن العبارة على أن هذه العبارة تتعارض مع ما في النفس أي مع الإرادة الباطنة فالعبرة بالباطنة دون الظاهرة، وإذا تعذر الوصول إلى معرفة الإرادة الباطنة عن طريق الجزم فعلى القاضي أن يتوصل إلى معرفة الإرادة الباطنة عن طريق الافتراض فالإرادة الباطنة إما حقيقية وإما افتراضية أو حكمية وأما نظرية الإرادة الظاهرة فهي تقوم على أساس أن التعبير الخارجي عن الإرادة هو الأصل فيجب الوقوف عنده فالأصل في ظل هذه النظرية أن لا يجوز لشخص أن يدعى أنه أضمر خلاف ما أظهر فالعبارة الظاهرة دليل على الإرادة الباطنة لا يقبل إثبات العكس[26] هذا وقد وقف القانون المدني المصري موقفاً وسطاً بين القوانين اللاتينية والقوانين الجرمانية، فهو يأخذ بالإرادة الباطنة وبالإرادة الظاهرة معاً إذ هو يغلب الإرادة الظاهرة في بعض الأحيان ويغلب الإرادة الباطنة في أحوال  أخرى ففي تكوين العقد ينص القانون (في المادة 91) على  أن [التعبير عن الإرادة ينتج أثره في الوقت الذي يتصل فيه بعلم من وجه إليه] ويترتب على تطبيق هذا النص العام على أن من وجه إليه الإيجاب فقبله ثم عدل ولكن القبول وصل إلى علم الموجب قبل أن يصل إليه العدول فهو يرتبط بالعقد لا على أساس إرادته الحقيقية التي عدل عنها بل على أساس إرادته الظاهرة وهي وحدها التي اقترن بها الإيجاب وتنص المادة (92) على أنه [ إذا مات من صدر منه التعبير عن الإرادة أو فقد أهليته قبل أن ينتج التعبير أثره فإن ذلك لا يمنع من ترتب هذا الأثر عند اتصال التعبير بعلم من وجه إليه] ولا يستقيم هذا الحكم على أساس الإرادة الباطنة لأن هذه الإرادة تموت بموت صاحبها وتزول بفقده لأهليته فهو يقوم على أساس الإرادة الظاهرة التي انفصلت عن صاحبها فأصبحت مستقلة عنه وتبقى حتى بعد موته أو بعد فقده لأهليته[27] وينص القانون المصري (م 120) على أن غلط أحد المتعاقدين لا يكون سبباً في إبطال العقد إلا إذا كان المتعاقد الآخر قد وقع في الغلط ذاته أو كان على علم به أو كان من السهل عليه أن يتبينه فعلى هذا لا يستطيع المتعاقد الذي يدعي الوقوع في الغلط أن يحتج بإرادته الباطنة (الحقيقية) إلا إذا أثبت أن المتعاقد الآخر قد وقع في الغلط ذاته أو كان على علم بوقوع المدعي في هذا الغلط أو لم يعلم به ولكنه كان من السهل عليه أن يتبينه فإذا لم يثبت ذلك فإن العقد يكون صحيحاً على أساس الإرادة الظاهرة التي اطمأن إليها المتعاقد الآخر ولم يكن من السهل عليه أن يتبين الإرادة الباطنة لمن تعاقد معه.

 

وينص القانون أيضاً (م 126) على أنه إذا صدر التدليس من غير المتعاقدين فليس للمتعاقد المدلس عليه أن يطلب إبطال العقد ما لم يثبت أن المتعاقد الآخر كان يعلم أو كان من المفروض حتماً أن يعلم بهذا التدليس. وينص أيضاً (م 128) على مثل ذلك في حالة صدور الإكراه من غير المتعاقدين وفي هذه الحالات يكون العقد صحيحاً على أساس الإرادة الظاهرة التي اعتمد عليها المتعاقد الآخر الذي لم يعلم بالتدليس أو الإكراه وليس على أساس الإرادة الحقيقية للمتعاقد الأول لأن هذه الإرادة قد أفسدها التدليس أو الإكراه[28] وفي تفسير العقد تنص المادة 150 مدني مصري على أنه: [إذا كانت عبارة العقد واضحة فلا يجوز الانحراف عنها من طريق تفسيرها للتعرف على إرادة المتعاقدين] ومعنى ذلك أنه إذا كانت العبارة واضحة فلا يجوز البحث عن الإرادة الباطنة وهذا تغليب للإرادة الظاهرة ولكن إذا كانت عبارة العقد غير واضحة فقد نصت (م 150/2) على أنه [ إذا كان هناك محل لتفسير العقد فيجب البحث عن النية المشتركة للمتعاقدين دون الوقوف عند المعنى الحرفي للألفاظ مع الاستهداء في ذلك بطبيعة التعامل وبما ينبغي أن يتوافر من أمانة وثقة بين المتعاقدين وفقاً للعرف في المعاملات] فهنا يأخذ القانون بالإرادة الباطنة ولكن يضع معايير موضوعية للوصول إلى معرفة هذه الإرادة الباطنة، ومن هذا يتضح أن القانون المدني المصري قد ابتعد عن القانون الفرنسي (ذي الأصل الروماني) وسار مع القوانين اللاتينية الحديثة نحو الإرادة الظاهرة مع احتفاظه في الوقت نفسه بالإرادة الباطنة في بعض الأحوال ولذلك فهو ما يزال يخالف القانون الألماني والقوانين الجرمانية الأخرى التي تعتبر الإرادة الظاهرة الداخلية وهو دليل لا يقبل إثبات العكس إلا إذا ثبت أن هذه الإرادة الظاهرة ليس لها وجود حقيقي ومثال ذلك أن تكون الإرادة المكتوبة لا وجود لها لأنها مزورة.

 

72 – تأثر القوانين الحديثة بالفقه الإسلامي فيما يتعلق بالإرادة الباطنة والإرادة الظاهرة:

سبق أن ذكرنا[29] أن فقهاء الإسلام اختلفوا في مسألة تغليب النية على العبارة أو العكس وقد تزعم الإمام الشافعي قاعدة تغليب العبارة على النية أي الإرادة الظاهرة على الإرادة الباطنة فهو يجعل الإرادة الظاهرة دليلاً على الإرادة الباطنة لا يقبل إثبات العكس بأية قرينة منفصلة عن العبارة فلا يمكن إثبات النية عنده إلا عن طريق العبارة ذاتها. وقد رأينا القانون الألماني الحديث الصادر سنة 1904 قد أخذ بالقاعدة التي نادى بها الإمام الشافعي تماماً منذ أكثر من ألف سنة والحنفية قريبون من الشافعية في هذا الأمر وذهب المالكية والحنابلة إلى الأخذ بالنية أي بالإرادة الباطنة مع وضع معايير موضوعية للوصول إلى معرفة هذه الإرادة[30] ونجد هذا واضحاً في المسألة التي أوردها الخرقي من الحنابلة وهي [بيع العصير ممن يتخذه خمراً باطل] وفي هذه المسألة يقول ابن قدامة: [ إذا ثبت هذا فإنه يحرم البيع ويبطل إذا علم البائع قصد المشتري ذلك إما بقوله وإما بقرائن مختصة به تدل على ذلك][31] ومن هذا نجد أن ابن قدامه يصرح بأن النية أو الإرادة الباطنة يمكن إثباتها - عن طريق العبارة – بقرائن منفصلة عن العبارة تدل على ذلك ويوضح ابن قدامة هذه القرائن قائلاً [وهكذا الحكم في كل ما يقصد به الحرام كبيع السلاح لأهل الحرب أو لقطاع الطريق أو في الفتنة وبيع الأمة للغناء أو إجارتها كذلك أو إجارة داره لبيع الخمر فيها أو لتتخذ كنيسة أو بيت نار][32] فبيع السلاح لأهل الحرب أو لقطاع الطريق أو في الفتنة فهذه كلها قرائن ومعايير موضوعية تجعل من المفروض على البائع أن يعلم بالقصد غير المشروع للمشتري فيبطل بذلك العقد بهذه القرائن المنفصلة عن العبارة.

 

هذا وقد جاء كلام المالكية متفقاً مع ما ذكره ابن قدامة ففي حاشية الدسوقي يقول: [ قوله كبيع جارية لأهل الفساد) أو بيع أرض لتتخذ كنسية أو خمارة والخشبة لمن يتخذها صليباً والعنب لمن يعصره خمراً والنحاس لمن يتخذه ناقوساً وكذا يمنع أن يباع للحربيين آله الحرب من سلاح أو كراع أو سرج وكل ما يتقون به في الحرب][33] فإذا رجعنا إلى شراح القانون في هذه المسألة نجد أنهم يصرحون بأن هناك نظريتين للسبب في القانون وهما نظرية السبب التقليدية المتأثرة بالقانون الروماني ونظرية السبب الحديثة التي ظهرت في القوانين الحديثة مثل القانون المدني المصري.

 

فالسبب طبقاً للنظرية التقليدية هو الغرض المباشر المقصود في العقد ففي العقود الملزمة للجانبين سبب التزام كل من المتعاقدين هو التزام المتعاقد الآخر وفي العقود الملزمة لجانب واحد (إذا كانت عينية كالقرض والعارية مثلاً) سبب التزام المتعاقد (المقرض مثلاً) هو تسليمه الشيء محل التعاقد فالنظرية التقليدية (الرومانية الأصل) لا شأن لها بالباعث على التعاقد[34].

 

وأما السبب في النظرية الحديثة فهو الباعث الدافع إلى التعاقد فإذا الباعث على التعاقد غير مشروع فإنه يبطل العقد إذا كان معلوماً من الطرف الآخر[35] ويلاحظ أن هذا السبب في النظرية القانونية الحديثة هو ما ذكره المالكية والحنابلة بعينه في حالة ما إذا كان القصد من العقد غير مشروع واشترطوا أن يكون معلوماً للعاقد الآخر.

 

وفي رأيي أن هذا التحول الذي ظهر في القوانين الحديثة هو من مظاهر التأثر بالفقه الإسلامي الذي أحاط بدول أوروبا من المغرب ومن المشرق فمن جهة المغرب تأثر علماء القانون بالفقه المالكي الذي ساد في بلاد الأندلس قروناً عديدة وظهر إلى جانبه الفقه الشافعي أيضاً ومن جهة المشرق نجد أن الفقه الحنفي ساد في الدولة العثمانية ونحن لا نشك في أن شرح القانون قد استفادوا كثيراً من الفقه الإسلامي وعرفوه عن طريق بلاد الأندلس غرباً والدول العثمانية شرقاً وكانت النتيجة على سبيل المثال هذا التشابه العجيب بين ما ذكره الدسوقي في حاشيته وابن قدامة في المغني وبين ما يقوله شراح القانون الآن عن نظرية السبب الحديثة وهو بمعنى الباعث على التعاقد وهي مرتبطة ولا ريب بفكرتي الإرادة الباطنة والإرادة الظاهرة. وقد أخذت القوانين الجرمانية بمذهب الإمام الشافعي (والحنفية) في الإرادة الظاهرة وأخذت القوانين اللاتينية الحديثة بمذهب المالكية والحنابلة في التعرف على الإرادة الباطنة عن طريق معايير موضوعية في صورة قرائن منفصلة عن العبارة.

 

هذا ويلاحظ أن شراح القانون يعزون ظهور فكرة السبب الحديثة (بمعنى الباعث) إلى القضاء الفرنسي الذي تأثر بآراء رجال الكنيسة في السبب وفي ذلك يقول السنهوري: [ هذا هو عمل الفقهاء من رجال الكنيسة إليه وحده يعود الفضل الأكبر في إيجاد النظرية الصحيحة للسبب وقد تبع رجال الكنيسة في نظريتهم هذه بعض الفقهاء المدنيين من أمثال لوازيل وديمولان فقالوا بالإرادة وحدها مصدراً لتكوين العقد واصلين في هذا ما بين الإرادة والسبب وجاعلين للسبب المعنى الذي فهمه فقهاء الكنيسة][36] ومما يلاحظ على هذا الاتجاه أن القوانين الأوروبية الحديثة ظهرت بعد أن انتهى تماماً سلطان الكنيسة وبعد أن نادى المفكرون في أوروبا بفصل الدين عن الدنيا، ومن جهة أخرى فإن القول بوجود فقهاء كنسيين محل نظر لأن النصرانية جاءت بمواعظ دينية، وقد حرف رجال الكنيسة ما أنزلة الله تعالى على المسيح عليه السلام فزعموا أن التجارة تتعارض مع الدين ومع تقوى الله عز وجل وزعمت الكنيسة أن الابتعاد عن الزواج هو الطريق الأمثل للوصول إلى الله تعالى وحاربت العلوم التجريبية أي التي تعتمد على المشاهدة والتجربة والبحث في الأرض والكون بصفة عامة واعتبرت هذا مروقاً من الدين[37] وبذلك فصل الدين عن الدنيا فمن غير المعقول أن يتأثر القضاء الفرنسي في القرن التاسع عشر بالكنيسة بعد فصلها تماماً عن الدنيا ويلاحظ فوق ما تقدم أن شراح القانون نادوا بالمعايير الموضوعية التي نادى بها الفقه الإسلامي للتعرف على الإرادة الباطنة كما رأينا وهذه المعايير لا تعرفها الكنيسة.

 

ومن هذا يتضح أن القوانين الحديثة تأثرت تأثراً واضحاً بما جاء به الفقه الإسلامي منذ ألف عام من أحكام تتعلق بتحديد عبارة العقد وكيفية التعرف على النية المختفية وراء العبارة وقد ظهر هذا جلياً في نظرية السبب بمعنى الباعث في القوانين الحديثة وفي الغلط الذي يقع فيه المتعاقد والتدليس والإكراه، وفي تفسير عبارتي العقد الواضحة[38] وغير الواضحة هذا وليس غريباً أن يتأثر القانون الألماني بالمذهبين الحنفي والشافعي وأن تتأثر القوانين اللاتينية الحديثة بالمذهب المالكي، وذلك أن المذهب الحنفي هو السائد إلى الآن في تركيا ويليه المذهب الشافعي واتصال تركيا بألمانيا معروف[39] وأما المذهب المالكي فهو المذهب الذي ساد في بلاد الأندلس (أسبانيا الآن) عدة قرون وهي البلاد التي تدور في الفلك اللاتيني.

 

73 – تحديد الوقت الذي ينتج فيه التعبير عن الإرادة أثره:

تنص المادة 91 من القانون المدني المصري الحديث – الذي يعتبر نموذجاً للقوانين الحديثة على الآتي: [ينتج التعبير عن الإرادة أثره في الوقت الذي يتصل فيه بعلم من وجه إليه ويعتبر وصول التعبير قرينة على العلم به ما لم يقم الدليل على عكس ذلك].

 

فلا بد – لكي يتم العقد – أن يعلم الموجب بقبول القابل فلا يكفي علم القابل بالإيجاب وقبوله بل لا بد من أن يعلم الموجب أيضاً بهذا القبول وتبدو أهميه هذه القاعدة بالنسبة إلى التعاقد بالمراسلة بين غائبين، لأنه في حالة التعاقد بين الحاضرين في مجلس واحد فإن كلاً من الموجب والقابل يسمع كلام الآخر وقت صدوره وقد قطع القانون المصري الحديث في هذه المسألة.

 

وقد جاء القانون المدني السوري الحديث مخالفاً لهذه القاعدة إذ أنه جعل التعاقد فيما بين الغائبين (بالمراسلة) يتم في المكان الذي صدر فيه القبول لا في المكان الذي علم فيه الموجب بالقبول.

 

هذا وقد نص القانون المصري في المادة 92 منه على أنه: [إذا مات من صدر منه التعبير عن الإرادة أو فقد أهليته قبل أن ينتج التعبير أثره فإن ذلك لا يمنع من ترتب هذا الأثر عند اتصال التعبير بعلم من وجه إليه هذا ما لم يتبين العكس من التعبير أو من طبيعة التعامل] وهذا حكم مستحدث إذ أن القضاء المصري في ظل القانون المدني القديم: (الصادر في القرن الميلادي الماضي) كان يجري على أن موت العاقد أو فقده لأهليته قبل أن تنتج الإرادة أثرها يستتبع سقوط الإرادة[40] ولكن القانون المدني الحديث استحدث هذا الحكم الذي جعل الإرادة تبقى بعد موت صاحبها القابل أو فقده لأهليته وذلك بعد أن يكون القبول قد صدر منه فعلاً قبل موته ثم مات قبل أن يصل هذا القبول إلى علم الموجب، وبناء على ذلك فإنه: [ يجب على ورثة القابل في هذه الحالة (وعلى القيم في حالة فقد الأهلية) وقد تم العقد أن يقوموا بتنفيذه في الحدود التي تلتزم بها الورثة بعقود مورثهم وغني عن البيان أن العقد لا يتم في المثل المتقدم إذا تبين من الإيجاب أو من طبيعة التعامل أن شخص القابل هو محل اعتبار][41] ويكون شخص القابل محل الاعتبار إذا كان مهندساً مثلاً أو طبيباً والعقد يتطلب استخدام خبرته الهندسية أو الطبية ويجب أن يلاحظ أن هذا الحكم يقتصر على حالة موت القابل (أو فقده لأهليته) بعد صدور القبول منه وقبل علم الموجب به ولكن إذا كان الموت أو فقده الأهلية قد لحق بالموجب قبل وصول القبول إلى علمه فإن العقد لن يتم ما دام القانون اشترط لتمام العقد أن يصل التعبير عن الإرادة (قبولاً أو إيجاباً) إلى علم من وجه إليه ففي حالة موت الموجب قبل أن يصل إلى  علمه القبول فإن العقد لن يتم وأما في حالة موت القابل قبل أن يصل القبول إلى علم الموجب فإن القبول سيصل إلى علم الموجب وقد جعل القانون في هذه الحالة لإرادة القابل وجوداً حكمياً رغم موته.

 

74 – تحديد وقت تمام العقد بالمرسلة بين غائبين:

حدد القانون المدني المصري الحديث هذا الوقت تطبيقاً للقاعدة آنفة الذكر (م 91) وهي أن التعبير عن الإرادة ينتج أثره في الوقت الذي يتصل فيه بعلم من وجه إليه فنصت المادة 97 على الآتي: [ 1- يعتبر التعاقد بين الغائبين قد تم في المكان وفي الزمان اللذين يعلم فيهما الموجب بالقبول ما لم يوجد اتفاق أو نص قانوني يقضي بغير ذلك 2- ويفترض أن الموجب قد علم بالقبول في المكان والزمان اللذين وصل القبول إليه فيهما هذا القبول] فالأصل هو علم الموجب بالقبول ويعتبر وصول القبول إليه قرينة على علمه به ولكنها قرينة بسيطة قابلة لإثبات العكس من الموجب، وهذا النص من جهة أخرى ليس أمراً فهو مفسر لإرادة المتعاقدين، يدل على ذلك ما جاء بالمادة «ما لم يوجد اتفاق أو نص قانوني يدل على غير ذلك» أي يجوز للمتعاقدين أن يتفقا على تحديد مكان وزمان لإتمام العقد غير مجلس علم الموجب بالقبول.

 

وبذلك يكون القانون المصري الحديث قد اختار مذهب العلم بالقبول لتمام العقد، هذا وقد تأرجحت، القوانين المختلفة بين أربعة مذاهب:

 

1- مذهب إعلان القبول أي مجرد إعلان القابل قبوله للإيجاب.

 

2- مذهب تصدير القبول أي قيام القابل بتصدير القبول فعلاً إلى الموجب بإرسال رسول أو برقية أو خطاب بالبريد.

 

3- مذهب تسليم القبول: أي تسليم القبول للموجب بصرف النظر عن علمه به أو عدم علمه.

 

4- مذهب العلم بالقبول.

 

وقد أخذ كل من القانون الألماني والقانون الأسباني والقانون الإيطالي بمذهب العلم بالقبول.

 

وأخذ قانون الالتزامات السويسري بمذهب تصدير القبول وأخذ القانون السوري بمذهب إعلان القبول.

 

75 – مقارنة بين وقت تمام العقد بالمراسلة في الفقه الإسلامي وبين وقته في القانون ومدى تأثر القوانين في أوروبا بالفقه الإسلامي في هذا الشأن:

سبق أن رأينا أن جمهور الفقهاء يذهبون إلى أن العبرة بتاريخ ومكان إعلان القبول[42] ولكننا وجدنا نقولاً للحنفية تفيد بالآتي: [شرط سماع كل من المتعاقدين عبارة الآخر حقيقة أو حكماً.. لأن الكتاب كالخطاب][43] أي أنهم يأخذون بمذهب العلم بالقبول، ومن هذا يتضح أن الفقه الإسلامي سبق جميع القوانين بأكثر من ألف عام في تحديد وقت تمام العقد بين غائبين، والواقع أن ما ذكره الفقه الإسلامي في هذا الشأن هو أساس جميع النظريات المتعددة التي ظهرت في القوانين الوضعية في أوروبا فيما يتعلق بتحديد وقت تمام العقد بالمراسلة بين غائبين فالفقه الإسلامي جاء بالفكرتين الرئيستين لهذه المسألة – وهما فكرة إعلان القبول وفكرة العلم بالقبول وقد لاحظ شراح القانون هذه الرئاسة لهاتين الفكرتين وفي هذا يقول السنهوري: [والواقع أن المذهبين الرئيسيين هما مذهب إعلان القبول ومذهب العلم بالقبول وما عداهما فمتفرع عنهما ويرد إليهما][44] وذلك لأن إعلان القبول يتفرع عنه تصديره والعلم بالقبول يتفرع عنه وصوله قبل العلم به ومما يجب أن يلاحظ هنا أنه حينما قال الفقه الإسلامي بإعلان القبول والعلم بالقبول منذ أكثر من أربعة عشر قرناً لم يكن القانون الروماني (وهو أرقى قانون وضعي في ذلك الوقت) يعرف شيئاً عن هذه الأمور بل إن فكرة العقد نفسها كانت مضطربة للغاية عند علماء القانون في ذلك الوقت وفي هذا يقول شفيق شحاتة في كتابه عن القانون الروماني: [على أن هذا كله لا يفيد أن العقد كان في العصر الذهبي للقانون الروماني عبارة عن توافق ما بين إرادتين... ويبدو أن العقد في لغة فقهاء هذا العصر هو كل عمل قانوني يترتب عليه أثر ولذلك فإن تصوير العقد على أنه توافق ما بين إرادتين تصوير بعيد عن أذهان فقهاء الرومان فالعقد هو ذلك العمل الذي يأتيه الشخص فيلتزم بموجبه وقد يكون هذا العمل هو عبارة عن تلفظه ببعض الألفاظ المقررة كما قد يكون عبارة عن كتابة خطية صادرة منه أو عبارة عن تسلميه لأشياء متى كان هذا التسليم قد أخل بالتوازن المالي ما بين ذمته المالية وذمة الطرف الآخر وفي هذا التصوير لا ينظر إلى واقعة اتصال الإيجاب بالقبول وإلى واقعة التراضي ولكن ينظر إلى كل طرف من طرفي العقد على حده فينشأ الالتزام في ذمة كل منهما بسبب العمل الذي أدى إليه][45].

 

ومن هذا يتضح لنا أن القوانين في أوروبا لا بد أن تكون قد استفادت من الفقه الإسلامي في تحديد وقت تمام العقد لأن القانون الروماني وهو المصدر الأصلي للقوانين الأوروبية فقير ومعدم من هذه الناحية. وقد سبق أن بينت مدى اتصال أوروبا بالفقه المالكي ثم الشافعي غرباً عن طريق الأندلس وبالفقه الحنفي ثم الشافعي شرقاً عن طريق تركيا.

 

76 – القانون المدني المصري يصرح بأخذ فكرة مجلس العقد عن الشريعة الإسلامية:

لم تعرف القوانين الأوروبية (ولا الروماني من باب أولى) تلك الفكرة الدقيقة المحكمة المتعلقة بمجلس العقد والتي صاغها الفقه الإسلامي أخذاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولذلك لجأ واضعو القانون المدني المصري إلى الشريعة الإسلامية للأخذ بفكرة مجلس العقد وصرحوا بذلك فجاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي: [إن الإيجاب إذا وجه لشخص حاضر وجب أن يقبله من فوره وينزل الإيجاب الصادر من شخص إلى آخر بالتلفون أو بأية وسيلة مماثلة منزلة الإيجاب الصادر إلى شخص حاضر وقد أخذ المشروع في هذه الصورة عن المذهب الحنفي قاعدة حكيمة وتنص على أن العقد يتم ولو لم يحصل القبول فوراً إذا لم يصدر قبل افتراق المتعاقدين ما يفيد عدول الموجب عن إيجابه في الفترة التي تقع بين الإيجاب والقبول وقد رؤى من المفيد أن يأخذ المشروع في هذه الحدود بنظرية الشريعة الإسلامية في اتحاد مجلس العقد][46] وأما القوانين الأوروبية الحديثة فهي لا تعرف مجلس العقد بالمعنى المعروف في الفقه الإسلامي ولذلك تشترط صدور القبول فور صدور الإيجاب حتى يمكن أن يتم العقد وهذا تصور قانوني معيب للغاية لأنه يوقع الناس في ضيق وحرج بالغبن لأن المرء إذا أراد أن يبرم عقداً عليه أن يسارع بالقبول وقد يعرض نفسه إلى خسارة بالغة إذا تهور في القبول أو قد تضيع منه الصفقة إذا تأنى وتأخر في القبول.

 

ويلاحظ هنا أن الدكتور السنهوري (وهو واضع مشروع القانون المصري) ذكر الآتي: [ أما المذهب المالكي فيشترط الفورية كالمذهب الشافعي ويمنع خيار المجلس كالمذهب الحنفي وهذا هو مذهب القوانين الحديثة (كالقانون السويسري والقانون الألماني) ولم يختره القانون الجديد لما ينطوي عليه من ضيق وحرج ][47] وما ذكره د/ السنهوري عن المذهب المالكي غير صحيح بالنسبة إلى الفورية لأن المالكية يصرحون بعدم اشتراط الفورية:

 

جاء في حاشية الدسوقي ما يأتي: [ولا يضر في البيع الفصل بين الإيجاب والقبول إلا أن يخرجا عن البيع إلى غيره عرفاً][48] هذا ويرجع الفضل في معرف مجلس العقد إلى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الصحيح فقد روى عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم «إذا تبايع المتبايعان فكل مهما بالخيار من بيعه ما لم يتفرقا...» [متفق عليه] وبهذا بين الرسول لله صلى الله عليه وسلم أن مجلس العقد يظل قائماً حتى يتفرق المتعاقدين وظاهر الحديث أن التفرق يكون بالأبدان ولكن بعض الفقهاء توسعوا وذكروا أن انفضاض المجلس يمكن أن يكون بالقول قبل فرق الأبدان إذا انشغل أحدهما أو كلاهما عن العقد بأمر آخر.

 

هذا وقد سبق وبينا[49] أن تحديد مجلس العقد بالتفرق بالأبدان هو الأصح ومن أقوى الأدلة على ذلك أن ابن عمر وهو راوي النص كان إذا بايع رجلاً فأراد ألا يقيله قام فمشى هنيهة ثم رجع. وسبق أن ذكرنا أيضاً أن الشافعية والحنابلة وقفوا عند حد التفرق بالأبدان في تحديد مجلس العقد وأن الحنفية والمالكية توسعوا في هذا الأمر فقالوا بأن المجلس قد ينفض بالانشغال عن العقد قبل التفرق بالأبدان. والذي يهمنا هنا هو أن نبين أن بعض القوانين الحديثة (مثل القانون المصري) أخذت عن الشريعة الإسلامية فكرة مجلس العقد التي لا تعرفها القوانين الأوروبية الحديثة (فضلاً عن القديمة من باب أولى) إلى يومنا هذا.



[1] الركن في اللغة هو الجانب القوى الذي يمسكه وهو عند جمهور الفقهاء ما لابد منه لتصور العقد ووجوده سواء أكان جزءاً من ماهيته أم خارجاً عنها وعلى هذا فأركان العقد عند الجمهور (ما عدا الحنفية) هي العاقد ومحل العقد وصيغة العقد وأما عند الحنفية فركن العقد هو ما كان جزءاً من ماهية الشيء فقط فالركن عندهم هو صيغة العقد التي تتكون من الإيجاب والقبول أو الإيجاب وحده إذا كان العقد بالإرادة المنفردة.

[2] يراجع الوسيط للسنهوري 1 / 170.

[3] نقلاً بتصرف قليل عن الوسيط للسنهوري 1 / 170.

[4] أي العاقدان لأن إرادتيهما تمثلان صحة التراضي في القانون.

[5] يراجع في هذا الوسيط للسنهوري 1 / 106 وما بعدها ونظرية الالتزامات لشفيق شحاتة ص 55 وما بعدها.

[6] تعريف الشارح الفرنسي بلا نيول نقلاً عن الوسيط للسنهوري 1 / 107.

[7] انظر الوسيط للسنهوري 1 / ص 81 وما بعدها، ص 106 وما بعدها وص 111.

[8] السنهوري في وسيطه 1 / 114.

[9] انظر ما سبق بند 3 من هذا البحث:

http://www.alukah.net/Sharia/0/33366

[10] نقلاً عن الوسيط للسنهوري 1 / 375.

[11] البدائع 5 / 138.

[12] نهاية المحتاج 3 / 374.

[13] جاء في البدائع: [ وقال الشافعي رحمه الله لا يرجع شيء من الحقوق إلى الوكيل وإنما يرجع إلى الموكل ألا ترى أن حكم تصرف الوكيل يقع للموكل فكذا حقوقه لأن الحقوق تابعة للحكم والحكم هو المتبوع.. ولنا أن الوكيل هو العاقد حقيقة فكانت حقوق العقد  راجعة إليه.. إلا أن الشرع أثبت أصل الحكم للموكل لأن الوكيل إنما فعله بأمره وإنابته... فكان إثبات أصل الحكم للموكل وإثبات توابعه (حقوق العقد) للوكيل وضع الشيء في موضعه] البدائع 6 / 33، 34 وجاء في المغني: [ وإذا اشترى الوكيل لموكله شيئاً بإذنه انتقل الملك (الحكم) من البائع إلى الموكل ولم يدخل في ملك الوكيل وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنفية يدخل في ملك الوكيل ثم ينتقل إلى الموكل لأن حقوق العقد تتعلق بالوكيل... ولنا: أنه قبل عقداً لغيره صح له فوجب أن ينتقل الملك إليه كالأب والوصي وكما لو تزوج له 0 وقولهم إن حقوق العقد تتعلق به غير مسلم] المغني لابن قدامة 5 / 141، 142، فالفقهاء يقصدون من حكم عقد البيع انتقال الملكية ومن حقوق العقد الالتزامات الملصقة بتنفيذ الحكم مثل تسليم وأداء الثمن.

[14] المغني لابن قدامة 4 / 218، 219.

[15] المغني لابن قدامة 4 / 249.

[16] نقلاً عن الوسيط للسنهوري 2 / 770 ولا نريد أن تدخل الآن في تفاصيل الاختلاف بين المنقول والعقار إذ أن القانون يشترط لانتقال ملكية العقار القيام بإجراءات الشهر العقاري فهذه مسألة أخرى سنتعرض لها إن شاء الله تعالى في حينها وإنما الذي يهمنا هنا هو اعتراف شراح القانون بأن حكم عقد البيع – أصلاً – وهو نقل ملكية الشيء المبيع وأن التعبير بالالتزام بنقل الملكية لم يقصد به إلا مراعاة الأحكام البالية الموروثة عن القانون الروماني ولذلك حاولوا معالجة هذه التقاليد البالية عن طريق القول بأن الالتزام بنقل الملكية يتم تنفيذه من تلقاء نفسه دون حاجة إلى أي إجراء آخر وهذه مغالطة واضحة.

[17] نقلاً عن الوسيط للسنهوري 2 / 770 هامش (2).

[18] مادة 4 من قانون الالتزامات السويسري، م 147 / 1 من القانون الألماني (الوسيط للسنهوري 1 / 214).

[19] في هذا المعنى انظر الوسيط للسنهوري 1 / 214.

[20] يراجع بند 60 من هذا البحث.

[21] 134 م من المشروع التمهيدي وقد  حذفت لعدم الحاجة إليها 0

[22] الوسيط للسنهوري 1 / 176.

[23] يراجع بند 51 من هذا البحث:

http://www.alukah.net/Sharia/0/36732/

[24] نقلاً عن الوسيط للسنهوري 1 / 176، 177.

[25] يراجع في هذا الوسيط للسنهوري 1 / 179 وما بعدها.

[26] يراجع في هذا كله الوسيط للسنهوري 1 / 83 وما بعدها، 179 وما بعدها.

[27] نقلاً عن الوسيط 1 / 83، 84 0

[28] الوسيط 1 / 84 0

[29] يراجع بند 46:

http://www.alukah.net/Sharia/0/36732/

[30] انظر المغني لابن  قدامة جـ 4 ص 245.

[31] المغني لابن قدامة 4 / 246 0

[32] المغني لابن قدامة 4 / 246 0

[33] حاشية الدسوقي على الشرح الكبير لدر دير 3 / 7.

[34] يراجع في هذا الوسيط للسنهوري 1 / 438 وما بعدها 0

[35] يراجع في هذا الوسيط للسنهوري 1 / 473.

[36] الوسيط للسنهوري 1 / 428 0

[37] وقد فوجئ الناس بأن أولئك الكنسيون الذين نهوا عن الزواج يرتكبون أقبح الفواحش داخل الأديرة والكنائس وأنهم مع زعمهم بأن التجارة تتعارض مع التقوى – قاموا هم أنفسهم بالتجارة بالآخرة لصالح دنياهم فظهرت صكوك الغفران الشهيرة في أوروبا وقد قام البابا ليو العاشر في القرن السادس عشر الميلادي ببيع أراضي في الجنة لمن يدفع أكثر فثار مارتن لوثر الألماني ونادى بالمذهب البروتستنتي الذي ظهر كرد فعل لتناقضات الكنيسة وجاءت الثورة الفرنسية في أواخر القرن الثامن عشر غير عابئة بالدين وتنادي بالحرية والإخاء والمساواة ونادى المفكرون في أوروبا بحصر الدين داخل الكنيسة وتنحيته تماماً عن الحياة.

[38] راجع ما سبق بند 71.

[39] يوجد قطار سكة جديد يصل مباشرة بين اسطنبول وألمانيا ويعرف بقطار الشرق السريع، والجالية التركية في ألمانيا كبيرة منذ فترة طويلة.

[40] وكانت المادة 50 من القانون المدني المصري الأهلي (72 من القانون المختلط) القديم تطبق هذا المبدأ في عقد الهبة فتنص على أنه [ تبطل الهبة بموت الواهب أو بفقد أهليته للتصرف قبل قبول الموهوب له ].

[41] نقلاً عن الوسيط للسنهوري 1 / 187 0

[42] يراجع بند 49 من هذا البحث:

http://www.alukah.net/Sharia/0/36732/

[43] حاشية يعقوب على شرح الوقاية (مخطوط) ص 51 ويراجع حاشية ابن عابدين 3 / 21 مجمع الأنهر 1 / 320 وقد ذكرنا  أقوالهم ببند 49 السابق.

[44] الوسيط للسنهوري 1 / 243.

[45] نقلاً عن كتاب نظرية الالتزامات في القانون الروماني لشفيق شحاتة ص 75.

[46] يراجع مجموع الأعمال التحضيرية للمشروع التمهيدي للقانون المصري الحديث 2 / 42.

[47] نقلاً عن الوسيط للسنهوري 1 / 215 هامش 1.

[48] حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 2 / 5 وانظر أيضاً مواهب الجليل 4 / 240 ويراجع أيضاً بندي 56، 57 من هذا البحث.:

http://www.alukah.net/Sharia/0/37358

[49] يراجع ما سبق من بند 59 إلى بند 64 من هذا البحث:

http://www.alukah.net/Sharia/0/37358/





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • صيغة العقد في الفقه الإسلامي (1)
  • صيغة العقد في الفقه الإسلامي (2)
  • العاقدان أو العاقد الفرد في الفقه الإسلامي (1)
  • من أركان عقد الصرف: العاقدان

مختارات من الشبكة

  • حقيقة العقد في الفقه الإسلامي والقانون(مقالة - آفاق الشريعة)
  • نظر المحكمة في دعوى نص العقد فيها على التحكيم دون موافقة طرفي العقد على نظرها(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن محمد بن سعد آل خنين)
  • حكم اشتراط عقد تبرع في عقد تبرع (صيغة القروض المتبادلة)(مقالة - موقع د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري)
  • تكييف عقد المقاولة في الفقه بحسب التزام المقاول(مقالة - موقع أ. د. محمد جبر الألفي)
  • العقد الباطل والعقد الفاسد(مقالة - آفاق الشريعة)
  • العقد في الفقه الإسلامي (دراسة مقارنة) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • العقد في الفقه الإسلامي (دارسة مقارنة) (PDF)(كتاب - آفاق الشريعة)
  • ضابط: حقوق العقد تتعلق بالموكل(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تكييف العقد المطبوع مسبقا(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أوصاف عقد الزواج(مقالة - موقع أ. د. علي أبو البصل)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب