• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / فقه وأصوله
علامة باركود

الربا وليد اليهود

الشيخ عبدالرحمن بن محمد الدوسري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 29/3/2011 ميلادي - 23/4/1432 هجري

الزيارات: 51930

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الربا وليد اليهود

 

عن عبدالله بن مسعود - رضي الله عنهما - قال: ((لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آكل الربا وموكله))، وفي رواية الترمذي وأبي داود: ((وشاهديه وكاتبه))[1].

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ليأتين على الناس زمانٌ، لا يبقى أحدٌ إلا أكل الرِّبا، فمن لم يأكل أصابه مِن بخاره))[2].

 

الربا يعني الزيادة[3]: وهو عبارة عن إعطاء الدراهم ونحوها لتؤخذ مضاعفة في وقت آخر، فما يؤخذ مِنَ الزيادة على رأس المال لا مقابل له من عين ولا عمل سوى الإمهال المندوب، ثم إن هذه الزيادة لا تعطى بالرضا الاختياري القلبي الصحيح، وإنما تُعطى بالكُره والاضْطرار.

والنقد وضعه الله ميزانًا لتقدير أثمان الأشياء التي ينتفع بها الناس في معاشهم، وتبادُل مصالحهم، فإذا تحوَّل هذا وصار النقدُ مقْصودًا بالاستغلال، انعكست القضية، وأدتْ إلى انتزاع الثروة من أيدي أكثر الناس، وحصرها في أيدي المرابين، وعندها تنشأ طبقيَّة غير متوازنة، يمتص الواجد فيها دم المحتاج وجهده.

 

ولهذا لعن الرسول - صلى الله عليه وسلم - الربا؛ لأنه طريقة ووسيلة للظلم والإثراء، ولعن كذلك المتعاملين به؛ لأنه استغلال لضرورة إنسان من قِبَل إنسان آخر، وفيه مخالفة صريحة لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((المسلمُ أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه[4]، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرَّج عن مسلم كربة، فرج الله عنه كربة مِن كُرَب يَوْم القيامة))[5].

فالربا أنانية، وجشع، وقهر، وهمجيَّة وتخلُّف، ومنبت ضغائن وحقد، وكراهية تهدم العرى الاجتماعية والروابط الإنسانية، وتضعف المروءة، بل وتقتلها.

 

والربا الملعون مِن أقدم عصوره وليد اليهود، وقد فشا في الجاهلية الأولى بسبب مُجاوَرة اليهود ومِن عَدْوَاهم، كما تفشَّى في الجاهليات العصرية الآن بسبب سيطرة اليهود على البنوك والاقتصاد العالمي، مع ما يبثونه من تحبيبه وتزيينه بشتَّى الدعايات، وواسطة عملائهم من النصارى المستشرقين، والعرب المتفرنجين، وما أعظم حكمة الله - سبحانه وتعالى - حيث ابتدأ موضوع الربا بذكر سوء مصير أهله، فقال: ﴿ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ﴾ [البقرة:275].

وهذا التشبيه الشنيع منطبق على المرابين، في حياتهم، وبعد مماتهم عند قيامهم من قبورهم، يوم يقوم الناس لربِّ العالمين؛ أما في الدنيا فكما قال ابن عطية في تفسيره: المراد تشبيه المرابي في الدنيا بالمتخبط المصروع "المجنون".

 

والسبب في تشبيه المرابي بهذه الحالة: أن الشيطان يدعو إلى طلب الملذات، وعبادة المادة والشهوات، والانصراف عن الله، فهذا هو المراد بمسِّ الشيطان، والمرابي له أكبر نصيب من ذلك، ومن كان هكذا كان في أموره متَخَبِّطًا؛ لأنَّ الشيطان يجره إلى حالات مختلفة، فهذا هو الخبط الحاصل له من الشيطان؛ لإفراطه في حبها وتهالُكه عليها، فإذا مات على ذلك بعث عليه.

نعم، إنَّ المُرابي يُبعَث يوم القيامة على ما عاش عليه في الدنيا، لا يقوم إلا كما يقوم الذي يتَخبَّطه الشيطان من المسِّ؛ لأنَّ الخبط الذي كان طبيعةً له في الدنيا بسبب حب المال، أورثه الخبط في الآخرة، وأَوْقَعه في ذلك الحجاب عن الله، وما حصل هذا للمرابين إلا بسبب افترائهم على الله؛ لأنهم ﴿ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا ﴾ [البقرة:275]، بقياسهم الفاسد، حيث قاسوا بيع ما يساوي عشرة بأحد عشر من الثياب، على إعطاء عشرة دراهم بأحد عشر؛ من حصول التراضي في الجميع، وقضاء الحاجة في الجميع، فحكموا بإباحة الربا على هذا القياس الشيطاني الفاسد، غافلين أو متغافلين عن الحكمة في إباحة البيع وعظيم فوائده للمجتمعات؛ ولهذا قال سبحانه: ﴿ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا ﴾ [البقرة:275]؛ وذلك لاختلافهما في الصورة والنتيجة، فإن البيع معاوضة بين شيئين، بخلاف الربا الذي يأكلونه، فإنه زيادة يُريدونها عن دَينهم عند تأخير الأجل لا يقابلها شيء، وما يؤخذ بغير مقابل فهو منَ الباطل المحرَّم، ولو كانا متساويين لما اختلف حُكمهما عند الله أحكم الحاكِمين.

فكل ما فيه معاوضة صحيحة خالية من أكل أموال الناس بالباطل، فهو بيع صحيح، وأما الزيادة التي يأخذها صاحب المال لأجل التأخير في الأجل، فهي ظُلم وربًا؛ لأنه لا معاوضة فيها ولا مقابل.

 

ولنضرب مثلاً تقريبيًّا تتَّضح فيه الحكمة والفائدة من إباحة البيع وتحريم الربا من الله العليم الحكيم، فنفرض تاجرين؛ تاجرًا استورد بمليون جنيه نوعًا أو أنواعًا من المال للتجارة، كم ينتفع بهذا الاستيراد من الجهات والمجتمعات، ينتفع أولاً المكاتب أو الشركات التي أعدت نفسها واسطة لمثل هذا العقد، مما يسمى في اللغة الأجنبية الداخلية (قومسيون)، وينتفع العمال والصناع في بلد التصدير؛ من النجارين الذين يشدون صناديق البضائع، والعمال الذين يقومون بالتعبئة لذلك أو للأكياس، كما ينتفع بذلك صاحب الأخشاب، وبائعو الأكياس، وبائعو المسامير والحديد والخيوط وغير ذلك، ثم ينتفع أهل السفن للشحن، والعمال الذي يقومون بتحميل تلك الأموال، كل هذا في ميناء التصدير والتحميل، مع نشاط الحركة التجارية في ذلك الميناء بشراء هذه الأموال المصدرة.

 

ثم يأتي دور ميناء التنزيل، التي هي بلد الاستيراد، حيث تزيد تلك الأموال فيها، فينتفع الحمالون والعمال في هذا الميناء، وشركات النقل والتنزيل، وأصحاب المخازن المستأجرة لتخزين هذه الأموال، كما ينتفع الناقلون لها من الميناء إلى المخازن، وإلى البلاد التي توزع فيها تلك الأموال من أصحاب السيارات والعمال، وينتفع الدلالون، ويربح الباعةُ الصِّغارُ الذين يتوزعون تلك الأموال، ولا تزال حركة البلاد منتعشة بذلك الاستيراد الواحد، فكيف إذا نافسه مئات الاستيرادات، وتربح البنوك أيضًا في كلٍّ من ميناء التصدير والاستيراد، إلى غير ذلك من المنافع التي جلبتها حركة تاجر واحد.

وفي مقابلة هذا التَّاجر الذي استعمل مالَه في البيع والشراء، تاجِرٌ آخَر مُرابٍ أعطى الْمِليون التِي عنده صرَّافًا آخَر برِبْح معلوم، جرَّ النَّفع المضمون إلى نفسه، وأركسَ أخاه في الرِّبا، ولم ينتفع الناسُ منهما شيئًا، لا داخل البلاد ولا خارِجَها، فما أبعد الفرق بينهما!

ولو فرَضْنا أيضًا: أنَّ التاجر المُشار إليه استورَد حِنْطة، فكم ينتفع بِها أهل بلدِه؛ مِن حَمَّال، وصاحب مَخْزن، وطحَّان، وخبَّاز، ودلاَّل، وموزِّع، إلى غير ذلك مِمَّا تستبين حكمة الله تعالى من إباحة البيع وتحريم الرِّبا!

وفي إباحة البيع الحرِّ فوائِدُ عظيمة للمجتمع خيرٌ من المذهب اليهودي الذي هو (التَّأميم) القاضي على المنافسة التِّجارية، والحاصر المنفعة للدَّولة المتسلِّطة التي تستولي على أموال شعبها بِحُجَّة الاستغلال؛ لينحصر عندها ولَها، بل لِيُقاسي شعْبُها أفظع أنواع الاستغلال.

 

وهذا مِن مكر اليهود بالأُمم، وتوزيعها إلى معسكرَيْن متناحرَيْن؛ لِتَتذوَّق الشعوب أقْسَى ويلات البُؤْس والإرهاب، وهم يَلْعبون على الحَبْلين، ورؤساء التأميم يتمتَّعون بما لا يتمتع به أحد من الملوك في سالف الأزمان وحاضرها؛ يتمتَّعون بأنواع القصور البَرِّية والبحريَّة البلورية، التي هي تحت البحر يسفح عليها ماؤه، والبُحَيرات التي قلَبُوها إلى حَمَّامات ساخنة، والجسور التي تَصِل القصور البَرِّية بالبحريَّة البلورية، والجسور الأخرى التي تصلها بالبحيرات الحمَّامية، مِمَّا لم يَعْرِف التاريخ له مثيلاً.

 

فأين هم مِن دعوى الاشتراكيَّة الكاذبة، والتكافُل المكذوب؟ هذا زيادة على أرصِدَتِهم الضَّخمة في البنوك الخارجية، فهؤلاء قد أبرزَتْهم اليهوديَّةُ العالَميَّة؛ ليكونوا أفظع من صنوف الْمُرابين، ووجود مثل هؤلاء يُعدُّ من بعض عقوبات الله على البشريَّة الْمُعرِضة عن هدْيِه، والشَّاردة عن صراطِه، كما قال تعالى: ﴿ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ ﴾ [المائدة:49].

 

ودين الله الإسلام هو دينٌ وسط في جَميع المجالات والشُّؤون؛ ففي المجال الاقتصاديِّ لا شبيه له بين الأنظمة المعاصرة؛ إذْ هو وسَطٌ بين طُغْيان الرَّأسمالية، وجحيم الشُّيوعية، وظُلْمِ الاشتراكية، فهو يَحْترم الملكيَّة الفردية، ويحرِّم الاعتداء عليها بالتأميم، أو أيِّ نوع من أنواع الضُّغوط التي تشلُّ الحركة التجارية وتقتل المنافسة؛ لأنَّ المِلْك الخاصَّ يَحْمِل صاحبه على مزيدٍ من العناية والإبداع في مَجال اختصاصه، ويُحارب مِن أنظمة الرَّأسمالية الغَبْنَ والاحتكار بِمَعناه الصحيح، وأخْذَ الرِّبا الذي هو من خصائصها.

 

ولْيَعلم القارئُ والسامع: أنَّ الدولة الأوربية قِبْلة المُتَفرنِجين المُحبِّذين للرِّبا والزَّاعمين إفكًا وزورًا أنَّه مناط العزَّة والقوة التي حُرِمَها المسلون لتحريمهم الرِّبا (لِيَعلمْ كلٌّ من هؤلاء) أنَّ الحافز للدُّول الأوربية على تعاطي الرِّبا هو ثلاثة أمور:

أحدها: عنادهم للكنيسة التي يحرِّم رجالُها الرِّبا، وهم يتعاطونه سرًّا، وأمْرُهم مفضوح.

ثانيها: ظهور الثَّورة الصناعية ونَجاحُها؛ مِمَّا أحدث عندهم تَمرُّدًا على دينهم كله.

ثالثها: جعله وسيلة لاستعمار الشعوب المتخلِّفة، وإذلال المسلمين فيها؛ لأنَّهم يُقْرِضونَهم بالفوائد التصاعدية التي تتضخَّم وتتضاعف حتى يَعْجزوا عنها، فيضطرُّوا إلى الاستزادة من ذلك حتَّى يرهنوا موانِئَهم، ووارداتِهم، ويستَوْلوا على مَرافقهم إلى الاحتلال النِّهائي، كما حصل في إفريقيَّة، وغيرها.

فهذه بعض النتائج السيِّئة للرِّبا الذي حرَّمه الإسلام، ونجد من أبنائه المحسوبين عليه مَن يُشِيد بالْخُبثاء المستعمِرين المستغلِّين، ويُطالبنا بتقليدهم في إباحة الرِّبا، فرُحْماك اللَّهم رُحْماك من عمَى البصيرة!

 

وقد شدد في تحريم الرِّبا؛ لأنه يقتل كلَّ مشاعر الشفقة في صاحبه على إخوانه، فالْمُرابي لا يتردَّد في تجريد الْمَدين من كلِّ ما يملك، ولأنَّ الرِّبا يسبِّب العداوة بين الأفراد، ويُفْقِدهم التَّعاون فيما بينهم، ثم هو يُكْسِب صاحبه البطالة، ويثبِّطه عن القيام بالأعمال النافعة، فيُصْبح كالطُّفيلي الذي يعيش من كَدْح غيره.

وأيضًا: فالرِّبا جالِبٌ لِبُؤس خَلْق كثير وشقائِهم وتعاسَتِهم على حساب أفراد قليلين يَسْعدون بشقاء هؤلاء، وينعمون بِبُؤسهم، فالإسلام يَرْمي من تحريمه إلى الحيلولة دون المُحاباة لرأس المال على حساب الجمهور الكادح، والسَّعي إلى تحقيق المساواة بين أفراد الأُمَّة بالمشاركة في الرِّبح والإنتاج، بدلاً من تَحْقيق ربح مضمون لأفراد قليلين فقط.

 

وقد قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ﴾ [آل عمران:130 - 131].

فهذه مع الآيات القريبة التي تتناول الرِّبا من سورة البقرة، تنصُّ بكلِّ جلاء وصراحة على تحريم الرِّبا تحريمًا قاطعًا، وبيانِ ما فيه من ظلم شديد بقوله تعالى: ﴿ فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [البقرة:275].

 

هذا تَبْيين منه سبحانه في خِتام أوَّل آية من آيات الرِّبا: أنَّ من بلَغَه تحريم الله له، وأثَّرَت فيه موعظة القرآن فانتهى عن مزاولة الرِّبا، واجتنَبَه فورًا بدون تراخٍ ولا تردُّد؛ خشيةً من الله، وانتهاءً عمَّا حرَّمه، فإن الله لا يُؤاخِذُه بما عمل قبل بلوغه التحريم وانْزِجاره عنه، ولا يكلِّفه ردَّ ما أخَذَه من الرِّبا إلى أربابه، بل يَكْتفي منه بالاِنْزِجار بعد البلاغ ﴿ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ ﴾ يَحْكم فيه بعدله أو بفضله، ومِن عدله سبحانه: أنْ لا يُؤاخذ على ما عمله قبل الإبلاغ بالتحريم، ولكن العبارة تُشعِر بأمرين:

أحدهما: التخويف من عدم الإخلاص بالانزجار، أو من حصول التحرُّج فيه؛ لأنَّ الواجب على المسلم ألاَّ يكون في صدره حرَجٌ مِمَّا قضاه الله في تشريعه، بل يسلِّم تسليمًا.

ثانيهما: الإشعار لآكل الرِّبا عند بلوغ التَّحريم بأنَّ إباحة أكْلِه ما سلف هي للضَّرورة، وأن الأفضل له أن يَرُدَّ ما أخذه قبل التحريم إلى أربابه إنْ لَم يتعسَّر عليه ذلك، فقوله تعالى: ﴿ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ ﴾ يَحْمِل التخويف والإشعار معًا؛ لِيَربط قلب المؤمن بالله، ويَمْلأَه من خشيته.

وقد صرَّح سبحانه بأشدِّ أنواع الوعيد على مَن أكل الرِّبا بعد بلوغ النَّهي عنه، حيث قال: ﴿ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾.

يعني: ومن عاد إلى أكل الرِّبا بعد تحريمه والنَّهي عنه، فأولئك من البُعَداء عن الله، وعن الاتِّعاظ بمواعظ وحيه، والانزجار عن نواهيه، وهو - سبحانه - لا ينهاهم إلاَّ عمَّا يضرُّهم في مجتمعهم وأفرادهم، فمَن لم يقف عند حدود الله ويَنْزجرْ عن نواهيه، بل أصرَّ بعد النهي على ما كان عليه من أكل الرِّبا ﴿ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ﴾ قد حصر الله مصيرهم فيها؛ لأنَّهم لا يستحقُّون إلا دار العقوبة الدائمة المؤْلِمة والهوان، و﴿ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ لَيْسوا منها بِمُخرجين.

وليس في هذا ما يدلُّ على مذهب الخوارج[6] ونَحْوِهم مِمَّن يرى تَخْليد أهل الكبائر في النار؛ لأنَّ خلود هؤلاء ليس لِمُجرد ذنبهم بأكل الرِّبا، ولكن لتمرُّدهم وإصرارهم؛ فإنَّ الإصرار على المعصية يُدْخِل صاحبه في الإشراك ويَجْعله من عباد الْهَوى، لا من عبيد الله.

 

فهذه الآية كقوله تعالى: ﴿ بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [البقرة:81].

وكقوله: ﴿ ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ ﴾ [الروم:10].

 

فلا يأكل الرِّبا بعد بلوغ تَحْريمه الشديد والوعيد عليه، إلاَّ غيْرُ مؤمنٍ إيمانًا حقيقيًّا، وإنَّما إيمانه صوري، كالإيمان الذي تريده الجهميَّة[7] من الناس، ويريده أفراخ الجهميَّة من المُرْجِئة[8] والأشعريَّة[9]، ونَحْوهم، مِمَّن يزعم أنَّ الإيمان التصديقُ أو المعرفة.

فالإيمان على هذا التعريف يدخل فيه إبليسُ وأكثرُ مِلَل الكُفَّار.

والحق أن الإيمان لا يُكتَفَى منه بأكثر من هذا، فكيف بِهذا؟ إنه لا يكتفى من الإيمان بالتَّسليم الإجمالي بالدِّين الذي نشأ فيه المرء، أو نُسِب إليه، ولا بِمُجاراة أهله، وعدم معارضتهم فيما هم عليه.

 

كل هذا لا يكفي لصحَّة الإيمان، أو حصول حقيقته المطلوبة، فالإيمان على هذا النحو هو إيمان صوريٌّ لا حقيقة له، بل إيمانُ العجائز خيرٌ منه بكثير، وإنَّما الإيمان الصحيح المطلوب هو ما قرَّره علماء السَّلَف من أنه عقد بالْجَنان، وقول باللِّسان، وعملٌ بالأركان، يزيد بالطَّاعة وينقص بالعصيان، حتَّى يتلاشى وينعدم بالإصرار التامِّ على المعاصي.

فالإيمان عبارة عن معرفة صحيحة بحقيقة الدِّين، متمكِّنة في القلب عن إخلاص ويقين، وأن يكون متمكِّنًا في العقل بالبرهان، ومؤثِّرًا في النَّفس بصِدْق الإذعان، وحاكمًا على الإرادة المصرفة للجوارح والأحاسيس، بحيث يكون صاحِبُه خاضعًا لأمر الله في كلِّ دقيق وجليل.

 

فالذي تقرعه سياط الموعظة الإلهيَّة في تحريم الرِّبا، والتشديد في أمره تشديدًا منقطع النَّظير، ثُم يصرُّ مستكبِرًا كأن لم يسمعها، ويعود إلى أكل الرِّبا، فهذا دليل على عدم إيمانه وإيقانه، فلا عجب أنْ كان من الخالدين في النار، والعياذ بالله! وذلك أن الرِّبا ليس من المعاصي التي تُنسى أو تُغلَب النَّفس عليها بِخفَّة الجهالة والطَّيش، كالحِدَّة وثورة الشهوة، أو يقع صاحبها في غمرة النسيان، كالغيبة والنَّظرة ونحوها، وإنما هو معصية عظيمة لا يرتكبه صاحبُه إلاَّ عن عمْد، وسَبْق إصرار، وعدم مبالاة، وقلَّة إيمان يعصمه من أكله وقربانه، وينجِّيه من الخلود في النار، وإنَّما إيمانه إيمان صوري لا يحمله على تفضيل حُبِّ الله وطاعته على حب المادَّة واللذة.

وقد ورد الحديث الصَّحيح عن النبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله لا ينظر إلى صُوَرِكم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم))[10].

وقد أضرَّت الأفكار بعقائِدَ كثير من النَّاس، بحيث تَجِد بعضَهم يقول: إنِّي لا أُصلِّي، ولكنِّي لا أكذب ولا أزني... وأنا مسلمٌ أشهد أنْ لا إله إلا الله، وبعضهم يقول: أنا لا أُصلِّي ولا أصوم، ولكنِّي لا أُعامل بالرِّبا، وبعضهم يقول: أنا مُصِرٌّ على أكل الرِّبا، ولكنِّي مسلم أعترف بالإسلام.

 

فما هذه المهازل الناشئة عن مذهب جَهْم وذيوله؟ ألَم يعلم تاركُ الصلاة والصيامِ ونحوه أنه متعرِّضٌ للوعيد الشديد، بل مَحْكوم عليه بالكفر؛ للإصرار على الذنوب؟ ألم يعرف المعترف بإصراره على أكل الرِّبا أنَّ إصراره يُدْخِله في الشِّرك الموجب للخُلود في النَّار، وأنه لا ينفعه الاعتراف بالإسلام، ولا بِحُرمة الرِّبا، ما دام مصرًّا على أخذه متأسِّيًا باليهود؟ فهل يعترف بالملزم، أن يُنكر الوعيد، أو لا ينكره ولكن يبقى على إصراره، فيكون مِمَّن آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض؟ فإنَّ الله اعتبَر من عمل ببعضٍ وترك البعضَ الآخر قد آمن ببعض الكتاب وكفَر ببعض كما هو منصوصُ وحْيِه المبارك[11].

 

ومن عجيب أمر العُصاة أنَّهم يفترون على الله، أو يَحْتالون عليه، فتارك الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر يفتري على الله؛ مبَرِّرًا لسكوته على الباطل بقوله: "أنا في عافية"! ومَن أعطاك صكَّ العافية يا تارك الأمر بالمعروف؟ أعطاك الله إيَّاه؟ أم إبليس الذي يَعِدُ أصحابه ويُمنِّيهم وما يعدهم إلاَّ غرورًا؟ طبعًا: إنه إبليس؛ لأنَّ الله لم يَقُل في تَنْزيله: "والعصر إن الإنسان لفي عافية"، بل قال: ﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾ [العصر: 2].

 

والْمُرابي يفتري الكذب على الله؛ زاعمًا أنَّ البيع مثل الرِّبا؛ ليجمع بين المختلفين المتضادَّيْن، فكذَّب الله المرابين مبيِّنًا إباحة البيع الذي يستلزم العمل والمهارة، وارتفاع الرُّوح المعنويَّة في الفرد، وحصول الانتعاش الاجتماعي بين الأقطار، كما أسلَفْنا ضَرْب المثل التقريبِيِّ له، ﴿ وَحَرَّمَ الرِّبَا ﴾ [البقرة: 275]؛ لأنه يؤدِّي إلى وجود طبقة متفرِّقة مستبدَّة، لا تعمل شيئًا، وتتضخَّم الأموال بين يدَيْها تضخُّمًا لا يقوم على الجهد، ولا ينشأ من العمل، بل أهله شبيهون بالْمُقامرين في بعض الأحوال.

 

ولْنَعُد إلى قوله تعالى: ﴿ يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ﴾ [البقرة: 275]، وما قاله الزَّمَخشريُّ في "الكشَّاف" من أنَّ تَخبُّط الشيطان من زَعَمات العرب[12]، وتبعه البيضاويُّ تقليدًا، والواجب عليه ردُّه لا تأييده، ولكن الله قيَّض للحقِّ أنصارًا، فنذكر قول بعضهم: قال صاحب "الانتصار": "معنى قول "الكشَّاف": مِن زعَمات العرب؛ أيْ: كذباتهم وزخارفهم التي لا حقيقة لها، وهذا القول على الحقيقة من تَخبُّط الشيطان بالقدَريَّة من زعماتهم المردودة بقواطع الشَّرع، ثم ساق ما ورد في ذلك من الأحاديث والآثار، وقال بعده: واعتقاد السَّلَف، وأهل السُّنة، أنَّ هذه أمورٌ على حقائقها، واقعة كما أخبَر الشَّرع عنها، وإنَّما القدَريَّة خُصَماء العلانية، فلا جرم أنَّهم ينكرون كثيرًا مِمَّا يَزْعمونه مُخالفًا لقواعدهم؛ من ذلك: السِّحر، وخبطة الشَّيطان، ومعظم أحوال الجنِّ، وإن اعترفوا بشيءٍ من ذلك، فعلى غَيْر الوجه الذي يعترف به أهل السُّنة، وينبئ عنه ظاهر الشرع، في خبط طويل لَهم".

وقال الشيخ سعد الدين التَّفتازانِيُّ في شرح "المقاصد": "وبالجملة فالقول بوجود الملائكة والجنِّ والشياطين مِمَّا انعقد عليه إجْماع الآراء، ونطق به كلام الله وكلام الأنبياء".

 

وقال: "الجنُّ أجسام لطيفة هوائيَّة، تتشكَّل بأشكال مُختلفة، ويَظْهر منها أحوالٌ عجيبة، والشياطين أجسام ناريَّة، شأنُها إلقاء الناس في الفساد والغواية، ولِكَون الهواء والنار في غاية اللطافة والتشفيف كانت الملائكة والجنُّ فوق حاسَّة البصر، إلا إذا اكتسبوا من الممتزجات".

قال العلاَّمة البقاعيُّ بعد نقْلِه ما ذكَرْنا: وقد ورد في كثير من الأحاديث عنه - صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّ الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم))[13]، وورد أنَّه - صلى الله عليه وسلم - أخرج الصَّارع من الجِنِّ من جوف المصروع في صورة كلب ونحو ذلك[14].

وفي كتب الله المتقدِّمة ما لا يُحصى من ذلك، وأمَّا مُشاهدة المصروع يُخْبِر بالمغيبات، وهو مصروع غائب الحسِّ، وربَّما كان ملقى في النار وهو لا يحترق، وربَّما ارتفع في الهواء بغير رافع، فكثير جدًّا لا يُحصى مشاهدوه... إلى غير ذلك من الأمور الموجبة للقَطْع: أنَّ ذلك من الْجِنِّ والشياطين.

 

وهأنا أذكر في ذلك من أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - ما فيه مقنع لمن تدبَّره، والله الموفِّق:

روى الدَّارمي في أوائل "مُسنده" - بِسَند حسن - عن ابن عبَّاس - رضي الله عنهما -: "أنَّ امرأة جاءت بابْنٍ لَها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله، إنَّ ابنِي به جنون، وإنَّه يأخذه عند غَدائنا وعَشائنا، فيخبث[15] علينا، فمسَح رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - صدره ودعا، فثَعَّ ثعَّة[16]، وخرَج من صدره مثلُ الجَرْو[17] الأسود فسعَى"[18].

وللدَّارمي أيضًا، وعبْدِ بن حُميد بسند حسن أيضًا، عن جابر - رضي الله عنه - قال: "خرجت مع النبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - في سفر، فركبنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بيننا - صلى الله عليه وسلم - كأنَّما على رؤوسنا الطيرُ تظلُّنا، فعرضت له امرأة معها صَبِي لها، فقالت: يا رسول الله، ابني هذا يأخذه الشيطان كلَّ يوم ثلاث مرار، فتناول الصبي فجعله بينه وبين مُقدَّم الرَّحل، ثم قال: ((اخسأ عَدُوَّ الله، أنا رسول الله)) ثلاثًا، فدفَعه إليها"[19].

 

وأخرجه الطبرانِيُّ من وجه آخر، وبيَّن أن السفر غزوة ذات الرقاع، وأنَّ ذلك كان من حرَّة راقم، قال جابر: فلما قضينا سفرنا مرَرْنا بذلك المكان، فعرضَتْ لنا المرأة ومعها صبيُّها، ومعها كبشان تسوقهما، فقالت: يا رسول الله، اقْبَل منِّي هديتي، فو الذي بعثك بالحقِّ ما عاد إليه بَعْد، فقال: خذوا منها واحدًا، ورُدُّوا عليها الآخَر[20]، ورواه البغَوِيُّ في "شرح السُّنة" عن يعلى بن مُرَّة - رضي الله عنه - ثم ساق البقاعي ما جاء في الإنجيل، قال: "وذلك كثير جدًّا"، يعني ما وقع للمسيح - عليه السَّلام - من إخراج الشياطين والأرواح الخبيثة من المُبْتلَيْن بذلك، وبعد أن ساق ذلك قال: "وإنَّما كتبْتُ هذا مع كون ما نُقِل عن نبيِّنا - صلى الله عليه وسلم - كافيًا؛ لأنَّه لا يدفع أن يكون فيه إيناسٌ له، ومصادقة تزيد في الإيمان".

 

وقد أجاد بيانَ تسلُّطِ الأرواح الخبيثة الإمامُ شَمْسُ الدِّين ابن القيِّم في كتابه "زاد المعاد"[21]، وذكَر علاج نفْعِها، فلْيَرجع إليه اللَّبيب المستزيد في ذِكْره هَدْيه - صلى الله عليه وسلم - في علاج المصروع من ذلك الكتاب، كما أبان أنَّ الصَّرَع نوعان: حقيقي ووَهمي، سببه الأخلاط الرديئة، وفصَّلَ جميع ذلك - رحمه الله.

ولَمَّا كان الرِّبا يتنافى مع تعاليم الإسلام التي تحضُّ على المعاونة الصَّادقة، والمساعدة لمن يحتاجها، قال فيه: ﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ﴾ [البقرة: 276].

وقد فسَّروا المَحْق بما يقتضيه معناه من المحق الحسِّي، والمحق المعنوي، حسَبَما تقتضيه حكمةُ الله وإرادته، فالله - سبحانه - يَمْحق مالَ الْمُرابي، ويجعل عاقبته الإفلاس، إمَّا بإهلاك المال الذي جَمَعه من الرِّبا، وإمَّا بإذهاب برَكَتِه، وإذا أزال اللهُ بركةَ الشَّيء لَم يبق له وجود.

 

وقد اشتهر هذا المَحْق الذي قرَّرَه الله حتَّى عرَفَه العامَّة، فإنَّهم يَذْكرون دائمًا ما يَحْفظونه من أخبار أكَلَة الرِّبا الذين ذهبَتْ أموالُهم، وخربت بيوتُهم، فالمَحْق الذي قرَّره الله لازِمٌ لَهم في الدُّنيا والآخرة، بحيث لا ينتفعون بِما يُنْفِقونه من هذا المال السُّحت[22] خبيثِ الأصل، بل يَمْحَق الله آثاره، فلا يكون لهم ثواب ينتفعون به في الدار الآخرة، وهم أحوج ما يكونون إليه.

وقد روى الإمام أحمد وابن ماجَهْ والحاكِمُ وابن جرير عن ابن مسعود - رضي الله عنه -: "إن الرِّبا وإن كثر، فعاقبته إلى قُلٍّ"[23].

وليس المَحْق المعنويُّ مقصورًا على إزالة البَرَكة من مال الْمُرابي، بل من المَحْق المعنويِّ: سُوء سُمْعته، وعداوة الناس له، وما يُصاب به في نفسه من الوساوس وغيرها.

 

أمَّا عداوة الناس، فمَنْشؤها قسوة قلبه على المُحتاجين، فيصبح عدوًّا لهم، فهو عدوُّ المحتاجين، وبغيض المُعْوِزين، وقد تَؤُول تلك العداوة والبغضاء إلى مفاسد وأضرار، واعتداء على الأموال والأنفس والثَّمرات، كما ظهر أثر ذلك في الأُمَم التي فشا فيها الرِّبا، حيث قام الفقراء فيها يعادون الأغنياء، ويتألَّبون عليهم، حتَّى صارت هذه المسألة من أعقد المسائل عندهم.

وأمَّا ما يُصاب به في نفسه من الوساوس والأوهام، فهو أمر لا يعرفه إلاَّ المراقب لعباد المال، والمتتبِّع لأخبارهم، فمنهم مَن يشغله المال عن طعامه وشرابه، ومنهم مَن يشغله عن أهله وأولاده، حتى يكون مَحرومًا من نَيْل شهوته ولذَّة فراشه، حتى يقصِّر في حقِّ نفسه وحقوق أهله تقصيرًا هائلاً، ومنهم من يحمله حبُّ المال على ارتكاب المخاطر حتَّى يهلك في سبيله، زيادة على الأحزان والهموم.

وبالجملة: فالمَحْق حاصِلٌ للمُرابين، كما قرَّره الله وقَضاه بِجَميع أنواعه الحسِّية والمعنوية، والمَحْق في اللُّغَة: مَحْو الشيء والذَّهاب به بأيِّ نوع يريده الله الذي كتَبَه على المرابين قُساةِ القلوب، الذين لا يَرْحَمون مُحتاجًا، ولا يُمْهِلون مُعْسرًا إلاَّ بزيادة مال يأخذونه عليهم ربًا.

 

فهذا الرِّبا لا يَرْبو عند الله، بل كتب الله على أهله المَحْق زيادة على النَّقص، وذلك معاملة مِن الله سبحانه لهم بِنَقيض قصْدِهم وفعلهم؛ وذلك أنَّ حُكْم المال في دين الله ليس ملكًا لصاحبه، وإنَّما هو في الحقيقة وديعة عنده، وهو كالموظَّف لِخَير الجماعة، فليس له أن يتحيَّن ساعاتِ احتياجهم فيأخذ منهم أكثر مِمَّا أعطاهم، فإنَّ النِّظام الاقتصادي إذا قام على الرِّبا فإنَّما يفتح بابًا للكسل وللاحتكار، ولتحكُّم ذي المال فيمن لا مال عنده.

أمَّا إذا زال الرِّبا، فكلُّ رؤوس الأموال تعمل في أنواع التِّجارة من الاستيراد، والمضاربة، والمساقاة، والمزارعة، وسائر أنواع الشركات، فتنفيذ تحريم الرِّبا وقطع دابره معناه رفع السُّدود عن الدَّم الذي يجري في الشرايين، وفتح صحيح لأبواب المعاملات الأخرى على مصاريعها.

فما أعظم الإسلام، وأسْمَى حكمته؛ إذْ حرَّم الرِّبا تحريمًا قاطعًا، وقضى ربُّ الإسلام على صاحب الرِّبا بالْمَحق!

ولما كان الإسلامُ هو دينَ الرُّسل أجمعين، كان الرِّبا مُحرَّمًا في شريعة موسى وعيسى، حتى إنَّه ورد في بعض الأناجيل عن عيسى أنَّ الْمُرابي إذا مات لا يستحقُّ التكفين، ولكن النصارى عاملوا بالرِّبا؛ للأسباب التي ذكرناها سابقًا.

 

أما اليهود، فهم أُمَّة الإفك والبهتان، والإثم والعدوان، وأكل السُّحت، فقد شجَّع بعضُهم بعضًا على أكل الرِّبا بافترائهم على الله، حيث زعَموا أنَّ تَحْريم الرِّبا على اليهود من اليهوديِّ فقط، وأنَّه ليس عليهم حرج في (الجونيم)؛ يعني: غير اليهود.

وقد أخبرنا الله عنهم في القرآن: ﴿ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [آل عمران:75].

وقد صاروا منهومين في أكل الرِّبا على أبشع الصُّوَر، وسرَتْ عَدْواهم إلى العرَب، حتَّى صار الرِّبا في الجاهلية عند الجميع نوعًا من السُّلطان على النَّفس، حتى قلَّدوا غيرهم في استرقاق الْمَدِين العاجز.

وقد حدَثَ أنَّ أبا لَهَب لم يذهب مع المشركين إلى غزوة (بدر)[24]، وأرسل بدَلَه العاص بن هشام؛ لأنَّه كان مدينًا له يحقُّ له أن يتصرَّف في نفسه؛ ولِهَذا قال له: اذهب، فحارِبْ، وأنا أجلس في البيت، فذهب المدين المسكين وحارب في تلك الغزوة بدلاً عنه؛ يعني: بدلاً عن المرابي المدلَّل.

وهكذا كان اليهود داء وبيلاً على الإنسانية في نشر الرِّبا، وكلِّ رذيلة، وتحريم الربا بجميع أنواعه هو من مَحاسن دين الله.

وقد شدَّد الله في تَحريمه أعظم تشديد، كما ستأتي الآيات في ذلك، وأجْمعَتِ الأُمَّة على تحريمه في صدر القرون، حتى أصبح معلومًا من الدِّين بالضرورة، فمستَحِلُّه كافر مرتدٌّ تَجْري عليه أحكام المرتدِّين.

 

ومع الأسف أن يقرِّر عقلاء العالم من المسلمين والكفار: أن الرِّبا هو سرُّ شقاء العالَم المعاصر، وأنه سبب الحروب، وأنه تَجِب مُحاربته بكلِّ لون من ألوانه، وفي كلِّ حالة من أحواله، ثُم نرى مع هذا بعضَ علماء أمصار المسلمين يقوم بتحليل نوعٍ أو أنواع من الرِّبا، كربا الفَضْل المشهور تحريمه، كالذي يسمَّى (صندوق التَّوفير) وغيره، بِحُجَّة سهولة الرِّبح تارة - وقد حقَّق رجال الاقتصاد تضخُّمَه وأنَّ رِبْحه ليس بسهل - وتارة أن الرِّبا قد عمَّتْ به البلوى، وارتبطَتْ به مصالِحُ الناس ومنافعهم، وهذا ليس بصحيح، فإنَّه في وقت تحريم الرِّبا قد ارتبطت به مصالح الناس الجاهليِّين، فهل ترك الله تَحْريم الرِّبا لارتباط مصالحهم به، وكذلك الخمر بعده قد عمَّت بِها البلوى، وارتبطت به مصالح الجاهليين والمسلمين أيضًا؛ لقوة التجارة به، فهل ترك الله تحريم الخمر من أجْل ذلك؟ حاشا لله، يجب أن يكون الدِّين مُهَيمنًا على كل شيء، وأن لا يخضع لأيِّ ضغط من ضغوط الجاهلية قديمها وحديثها، وإلاَّ فما قيمة الدين وما فائدته؟!

 

وفي الوقت الذي نجد فيه بعض بلاد الكفر وطواغيت الكفر يحرِّمون الرِّبا، نجد من أدعياء العلم في الإسلام، أو من العلماء الذين استرخصوا أنفسهم للمغرضين يُبِيح أكل الرِّبا بالشُّبهات السابقة، أو يستدلُّ بقوله تعالى: ﴿ لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً ﴾ [آل عمران: 130]، زاعمًا أنَّ تَحريمه مقيَّدٌ بالأضعاف المضاعفة.

وهذه الآية لا تصلح للاستشهاد قطعًا؛ لأنَّ الشارع أوَّلاً: عوَّدَنا التدرُّج في التحريم كما حصل في الخمر، وثانيًا: أنَّه أراد أن يشنِّع بِها على نوع من أنواع الرِّبا كان شائعًا في الجاهلية، ولا يريد أن يقول: إنَّ الرِّبا إذا لم يكن أضعافًا مضاعفة فهو حلال.

 

فيجب على المسلم أن يقف عند حدود الله، بِضَمِّ وحيه إلى بعض جميعًا، ولا يقتضب بعض النصوص اقتضابًا؛ ليستنتج منها ما يَهْواه، ويهدر باقي النُّصوص، بل عليه أن يقرأ الآية المَكِّية أوَّلاً، وهي الَّتِي في سورة الرُّوم: ﴿ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ ﴾ [الروم: 39]، ثم يقرأ ما شنَّع الله به على اليهود بقوله: ﴿ وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ ﴾ [النساء: 161]؛ ليعلم أنَّ الذين يعملون عمل اليهود يَمْقتهم الله كما مقَتَ اليهود.

ثم ليقرن هاتَيْن الآيتين بقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً ﴾ [آل عمران: 130]، وينظر معها في الآيات التي في سورة البقرة: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 278 - 279].

 

وليتدبَّر هل وراء النهي عن بقايا الرِّبا شيء؟ ثم ليتدبَّر آخر نص في الموضوع: وهو قوله سبحانه: ﴿ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ ﴾، هل وراءه شيء؟ ثم لْيُمعن في قوله تعالى: ﴿ فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾، وقد قرأ حَمْزة وعاصم من رواية ابن عياش ﴿ فَآذِنُوا ﴾ بِمَدِّ الألف، من الإيذان الذي هو الإعلام؛ أيْ: فليُعلِم بعضُكم بعضًا بأنَّكم في حالة حرب مع الله ورسوله؛ فهل بعد هذا شيءٌ يقبل التأويل؟

 

يجب على المسلمين أن يضعوا جَميع هذه النصوص بعضَها بجانب بعض، ثم يُفسِّروا النُّصوص بعضها ببعض، لا أن يشردوا ببعض النُّصوص عن بعضها؛ لِيَلتمسوا الحلول من أبواب لا تصلح للحلول، ثم يريدون أن يُخْضِعوا آيات الله لحوادث الكون، أو لضغوط الجاهلية الحديثة؛ إذِ الواجب عليهم أن يُخضعوا الحوادثَ لدين الله، ويكونوا أقوياء أمام الغَزْو الجاهلي؛ حتَّى تتلاشى الضُّغوط أمام صمودهم، وأن يقوموا بتأديب الْمُخالف للشَّريعة، ولا يسمحوا لمن يتَلاعب بالنُّصوص، فيسلكوا مَسْلَك اليهود الذين ﴿ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ﴾ [المائدة:13].

 

وأن يلتفتوا إلى السُّنة النبوية التي تفسِّر القرآن، فقد روى البخاري عن أبي سعيد الخدري، وأبي هريرة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استعمل رجلاً على خيبر فجاءهم بتمر فقال: ((أكلُّ تَمْر خيبر هكذا؟))، قال: إنَّا لنَأْخذ الصَّاع من هذا بالصاعين، والصاعين بالثلاثة، فقال: ((لا تفعل، بِعِ الجمع بالدَّراهم[25]، ثم ابتغ بالدارهم جَنيبًا))، وقال في "الميزان"[26] مثل ذلك[27].

وذلك حتى ينفي مسألة الرِّبا بكل مطعوم أو موزون، فأين هذا من القرض التِّجاري؟ قال مَجْد الدِّين أبو البركات في كتابه "المنتقى" بعد سياقه لِهَذا الحديث: "وهو حُجَّة في جريان الرِّبا في الموزونات كلها؛ لأن قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((في الميزان))؛ أيْ: في الموزون، وإلاَّ فنفس الميزان ليس من أموال الربا"[28].

 

وروى البخاري ومسلم عن أبي سعيد، قال: قال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تبيعوا الذَّهَب بالذهب إلاَّ مثلاً بِمِثْل، ولا تشفعوا[29] بعضها على بعض، ولا تبيعوا الوَرِق بالورق إلا مثلاً بمثل، ولا تشفعوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا منها غائبًا بِنَاجِز))[30].

ورواية الإمام أحمد والبخاري: ((الذَّهب بالذهب، والفِضَّة بالفضة، والبُرُّ بالبُرِّ، والشَّعير بالشعير، والتَّمر بالتمر، والْمِلْح بالملح، مثلاً بِمِثْل، يدًا بيد، فمَن زاد أو استزاد فقد أرْبَى، الآخذ والمعطي فيه سواء))[31].

 

وروى البخاريُّ ومسلمٌ عن أبي بكرة قال: "نَهى النبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عن الفضة بالفضة، والذهب بالذهب، إلاَّ سواء بسواء، وأمرنا أن نشتري الفِضَّة بالذهب كيف شِئْنا، ونشتري الذهب بالفضة كيف شئنا"[32].

قال مجد الدين في كتابه "المنتقى": وفيه دليلٌ على جواز الذهب بالفضة مجازفة[33].

 

وعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((الذهب بالورق ربًا إلاَّ هاءَ وهاءَ، والبُرُّ بالبر ربًا إلا هاءَ وهاء، والشعير بالشعير ربًا إلا هاءَ وهاء، والتمر بالتمر ربًا إلاَّ هاء وهاء))[34]؛ متَّفق عليه؛ يعني: عند البخاري ومسلم.

وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إلا هاء وهاء))؛ يعني يدًا بيد، بِحَيث يحصل التَّقابض في الحال لا يتأخَّر منه شيء، فما تأخَّر فهو باطل؛ لأنَّه ربًا.

وروى الإمام أحمد ومسلم عن عُبَادة بن الصَّامت عن النبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الذَّهَب بالذهب، والفِضَّة بالفضة، والبُرُّ بالبر، والشَّعير بالشعير، والتَّمر بالتمر، والْمِلح بالمِلح، مثلاً بِمِثل، سواءً بسواء، يدًا بيد، فإذا اختلفَتْ هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم، إذا كان يدًا بيد))[35].

قال المجد: "وهو صريح في كون الشعير والبُرِّ جِنْسَيْن"[36].

وروى الإمام مسلم والنَّسائيُّ عن جابر قال: "نَهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الصُّبْرة من التمر - لا يُعْلَم كيلها - بالكيل المسمَّى من التمر"[37].

وبوَّب المَجْد على هذا الحديث في أنَّ الجهل بالتساوي كالعلم بالتَّفاضل، وقال بعد إيراده: "وهو يدلُّ بِمَفهومه على أنَّه لو باعها بِجِنس غير التمر لَجاز"[38].

وروى الإمام مسلم والنسائي وأبو داود عن فَضالة بن عبيد قال: اشتريتُ قلادة يوم خيْبَر باثْنَي عشر دينارًا فيها ذهب وخرَز، ففصلتها فوجدتُ فيها أكثرَ من اثنَيْ عشر دينارًا، فذكرتُ ذلك للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((لا تُباعُ حتى تفصل))؛ ورواه الترمذي أيضًا وصحَّحه[39].

 

وقد رُوي هذا الحديث في طرق كثيرة جدًّا، وعلى وجوه مُختلفة في جنس القلادة وثَمنِها، وقد ساقها الحافظ ابن حجر في كتابه: "التلخيص"، واختار جوابًا عن هذا الاختلاف أنه لا يوجب للحديث ضعفًا، بل المقصود من الاستدلال مَحفوظ، لا اختلاف فيه، وهو النهي عن بيع ما لَم يفصل، وأمَّا جنسها وقَدْر ثَمنِها فلا يتعلَّق به في هذا الحال ما يوجب الحكم على الحديث بالاضطراب[40].

قلتُ: ولا يشكُّ في صحة هذا الحديث من أصله، وقال الخطَّابِيُّ: في هذا نَهْي عن بيع الذَّهب بالذهب مع أحَدِهِما شيء غير الذهب.

 

ومِمَّن قال بفساد هذا البيع: شُرَيح، وابن سيرين، والنَّخَعيُّ، وإليه ذهب الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وسواء عندهم كان الذهب الذي هو الثمن أكثر من الذهب الذي مع السلعة أو أقل.

وقال أبو حنيفة: إن كان الثمن مِمَّا في السلعة من الذهب جاز، وإن كان مثْلَه أو أقلَّ منه لم يَجُز.

وذهب مالكٌ إلى نَحوٍ من هذا في القلة والكثرة، إلاَّ أنه حدَّد الكثرة بالثُّلثَيْن، والقلَّة بالثُّلث؛ اهـ.

وذهب إلى جوازه الشيخ ابن تيميَّة وتلميذه ابن القيِّم في "إعلام الموقِّعين"، حيثُ ساق جُملة أدلَّة على جواز بيع ما يُتَّخذ من الذهب والفضة للحِلْية مُتفاضلاً، جاعِلين الزائد في مقابل صَنْعة الصِّياغة.

 

وقد أطال الكلامَ في هذه المسألة، وبسطَ أدلتها الشيخُ السيِّد نعمان الألوسيُّ في كتابه "جلاء العينَيْن"، فلْيُرجع إليه.

وروى البخاريُّ ومسلمٌ عن ابن عمر قال: "نَهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الْمُزابنة: أن يبيع الرجل ثَمَر حائطه إن كان نَخْلاً بتمْرٍ كيلاً، وإن كان كَرْمًا أن يبيعه بزبيب كيلاً، وإن كان زرعًا أن يبيعه بكيل طعام، نَهى عن ذلك كلِّه"[41].

وفي رواية أخرى لِمُسلم: "وعن كلِّ ثَمَر بِخَرْصه[42]" [43].

وعن سعْد بن أبي وقَّاص: "سَمِعت النبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يُسأل عن اشتراء التَّمر بالرُّطَب، فقال لِمَن حوله: ((أينقص الرُّطَب إذا يَبِس؟)) قالوا: نعم، فنَهى عن ذلك"؛ رواه الخمسة، وصحَّحه الترمذي[44].

قال الأصوليُّون: هذا السُّؤال منه - صلى الله عليه وسلم - سؤالٌ على وجه التَّقرير، وليس من باب الاستفهام؛ إذِ المفهوم لكلِّ عاقل أن الرُّطَب ينقص إذا يبس.

 

وعن سهل بن أبي حثَمَة قال: نَهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع التَّمر بالتمر، ورخَّص في العرايا[45] أن تُشترى بِخَرصها[46] - يأكلها أهلُها رُطَبًا - اتَّفق على إخراجه البخاريُّ ومسلم، وفي لفظٍ لَهما: نَهى عن بيع التمر بالتمر وقال: ((ذلك الرِّبا، تلك المزابنة))[47]، إلا أنه رخص في بيع العَرِيَّة: النَّخلة والنَّخلتين، يأخذها أهل البيت بِخَرْصها"[48].

 

وقد روى الإمام أحمد والبخاريُّ ومسلم عدَّة أحاديث غير هذَيْن في الترخيص في بيع العرايا؛ لِضَرورة الإعسار، وقد اقتصَرْت من الأحاديث على ما أوردتُه؛ خشية الإطالة، وقد تركتُ مثل ما ذكرتُه من الأحاديث الصحيحة الصريحة في تحريم الربا من كلِّ وجه وبأيِّ طريقة، وأنَّ المصطفى - صلى الله عليه وسلم - قد سدَّ جَميع منافذ الرِّبا، حتَّى إنَّه نهى عن بيع اللَّحم بالْحَيوان[49].

 

ولَم تفرِّق النُّصوص الشرعية بين قليل الرِّبا وكثيره؛ لأنَّ القليل يَجْلب الكثير، كما في تَحْريم القليل من الخمر؛ لإِفْضائه إلى الكثير، وكذلك لم تفرِّق النُّصوص الشرعية بين الرِّبا الذي يكون للاستهلاك، وبين الرِّبا الذي يكون للاستثمار والإنتاج، وهو الذي يَدْعو إليه المُنْحَرفون في هذا الزَّمان مِمَّن قلَّدوا الطواغيت الذين يعملون على تَحْوير الإسلام باسْم التطوير، ومُسايرة الأوضاع، ومراعاة المصالِح، فإنَّه توجد جَمعيَّات أنشأَتْها (أمريكا) وغيْرُها بأَسْماء مُختلفة، والغرض واحد، هو تطوير الإسلام، وتغييره، وتَحْريفه عن مواضعه، وقد برز منها واشتهَر ما يُسمَّى (جماعة الشَّرق الأوسط)، التي يَجْتمع فيها لفيفٌ متنوِّع من جَميع الجمعيَّات الأخرى، وفيها من الرُّهبان والمُبَشِّرين والدكاترة العلمانيِّين المُلْحدين، وبعض المستشرقين، يطوفون أنْحاء العالَم؛ لِهَذا الغرض، كما أن مهمَّة الكتلة الشُّيوعية تطوير الإسلام تطويرًا (بلشفيًّا) وفق أغراضهم، فجميع الكُتَل الكافرة من شرقٍ وغربٍ أعداءٌ للإسلام، مُغْرِضون به، فمِن العار والشَّنار على المنتسبين للعلم والدِّين أن يكونوا مِن كَسْب هذه الكتلة، أو تلك الكتلة؛ لأنَّهم يسبغون على مَن جاراهم بِتَحليل ما يُحرِّمه الإسلام ألقابَ الْمَدح من التَّحرير والتطوُّر، وغزارة الفهم والعبقرية، ونحو ذلك ما يُغْري قليلي الإخلاص على مُساراتِهم فيما يريدون.

 

ونعود إلى هَتْك شبهة ذوي الأدمغة المكسوبة لأعداء الدِّين، من تَفْريقهم بين الرِّبا الذي للاستهلاك، والرِّبا الذي للاستثمار والإنتاج، فنقول:

أوَّلاً: إنَّ هذا التفريق استدراكٌ على الله، وتنديدٌ بحِكْمته، وعدم اعتراف بِسَعة علمِه وإحاطته؛ لأنَّ الله الذي يعلم ما كان وما سيكون، وما لو كان كيف يكون، لا يَخْفى عليه الفرق بين الرِّبا للاستهلاك، والرِّبا للإنتاج، بل يعلم ما تُخْفيه الضَّمائر، فَضْلاً عن النتيجة الحاصلة مِن ربا الإنتاج فيما يزعمون، فما دام الله لم يفرِّق بين هذا وهذا، فلا يَجُوز للمُؤْمن بالله أن يُفَرِّق بينهما خُضوعًا لِمَا تُمْليه الجمعيات السِّرِّية، والْحَركات الْهدَّامة المتنوِّعة في الإسلام.

ثانيًا: إنَّ البنوك والمصارف التي تُشِيع نظام الرِّبا في بلادنا، لا تُفَرِّق بين العميل المستهْلِك والعميل المنتج، ولا تقيم وزنًا لِنَوع حاجتهم، وإنَّما تَحْتاط لنفسها بالرَّهن أو الضَّمان، دون مُبالاة بِما يستغلُّ فيه المال المأخوذ منهم، فالذين يتحكَّمون في نظام الرِّبا لا يُبالون بِهذا أو هذا، فكيف يَنْضبط ما يريدون إباحتَه مِمَّا يريدون تَحريمه، فأصبح قولُهم ضربًا من المغالطة في عالِم الاقتصاد، مع أنَّه افْتراءٌ على الله واستدراكٌ عليه، والعياذ بالله.

 

فهلاَّ يستحيي العلماءُ من إباحة ما تُحرِّمه النازيَّة والشُّيوعية، يجب عليهم الوقوف عند حدود الله، والتكيُّف بِوَحْيه الكريم، لا تَكْييفه حسب أهوائهم، وأن يَلْتمسوا الحقَّ، فتحريم الرِّبا من ضروريَّات الاقتصاد الصَّحيح، لو لم يَرِدْ به دينُ الله لقَضى به العقل الصَّريح، ولكنَّها الْهَزيمة النَّفسية؛ بل الهزيمة العقليَّة، وإلاَّ فكيف يُقال - بعد قوله تعالى: ﴿ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة:279]: إن هناك ربا استغلال، وربا استهلاك؟!

 

ما هذه الجَرْأة على الله بالاِسْتدراك عليه؟ هل عِلْمُه قاصر؟ أو حكمتُه غير نافذة؟ وكيف يُقْحِم أحدُهم الضَّرورةَ في حُكْم الرِّبا؟ والضَّرورة ليس لَها شأن ولا مَجال في ذلك؛ لأنَّ الضَّرورة لا تَخْرج عمَّا صوَّرها النبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أن يجيء الصَّبوح - أكلة الصَّباح - والغبوق - الوقت الذي يُؤْكَل به في الْمَساء - ولا تَجِد ما تأكله[50]، يعني: أن تَمُرَّ عليك أربعٌ وعشرون ساعةً لا تَجِد ما تأكله، فهل يوجد معْنَى هذه الضَّرورة التي تُبيح المَحظور، خصوصًا في الرِّبا؟

فالواجب على المسلمين الوقوفُ عند نصوص القرآن، والْخُضوع لأحكامه، وتنظيم اقتصادِهم على أساسه، وإلاَّ فما قيمة إسلامهم بين الأُمَم؟

 

وقد جاء رجلٌ إلى الإمام مالكٍ، فقال له: يا أبا عبدِالله، إنِّي رأيت رجلاً سكران يتَعاقر، يُريد أن يأخذ القمر، فقلتُ: امرأتي طالق إنْ كان يدخل جوفَ ابن آدم أشرُّ من الخمر، فقال الإمام: ارجع حتَّى أنظر في مسألتك، فأتاه الرجل من الغد، فقال له الإمام: ارجع حتى أنظر في مسألتك، فرجع الرَّجل مرة أخرى، ثم عاد إليه، فقال له الإمام: "امرأتُك طالق؛ لأنَّنِي تصفَّحْتُ كتاب الله وسُنَّةَ نبيِّه، فلَم أرَ شيئًا أشرَّ من الرِّبا؛ لأنَّ الله تعالى آذَنَ فيه بالْحَرب"، يُشير إلى قوله تعالى في أهل الرِّبا: ﴿ فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ [البقرة: 279].

أمَّا فائدة ما يسمَّى (بِصُندوق التوفير) الذي كثرت الدعاية له والسعاية، وحصل على فَتْوى مِن المنهزمين، فهو حرامٌ كغيره، حتَّى إنَّ لجنة الفتوى التابعة لِمَشيخة الأزهر قرَّرَت تحريمه قطعيًّا.

حيث تقول فتواهم: "إنَّ أَخْذ فائدة من رأس المال الْمُودَع في صندوق التَّوفير، أو في أحد المصارف - مُحَرَّم؛ لأنَّه من الرِّبا المُحرَّم بالكتاب والسُّنَّة والإجماع".

 

وتوضيح ذلك أنَّ الإسلام يوجب أن يَشْترك رأسُ المال والعمل في الرِّبح والخسارة؛ لأنَّ دَفْع أحد الطَّرَفين فائدةً ثابتة معناه أنَّ رأس المال يربح دائمًا، حتَّى ولو كان الطَّرَف الثاني حظُّه الخسارة، فنظام الإسلام يوجب أن تقوم البنوك، وشركات التأمين، وصناديق التوفير على أسُسٍ تعاونيَّة، تستغلُّ أموالها في مشروعات منتجة قابلة للرِّبح والخسارة، بل صابرة على الخسارة، وليس لها فائدة ثابتة، بل تتحمَّل الرِّبح والخسارة، ويكون الاقتصاد الإسلاميُّ قائمًا على الرَّحْمة والعدل، بالقرض الحسَن[51]، أو بالْمُضاربة[52]، أو بشركة العنان[53]، أو شركة الوجوه[54]، أو شركة الأبدان[55] أو الدَّواب، أو شركة المفاوضة[56]، أو المساقاة[57]، أو المزارعة[58]، ونَحْوها من الأعمال التي يتَساوى فيها صاحب المال مع العامل في تحَمُّل الخسارة، وإن كان نصيبه من الرِّبح أكثر، إلاَّ أنَّ رِبْحَه ليس ربحًا مضمونًا مُحتَّمًا كالرِّبا، والعياذ بالله.

 

وقد يتعلَّلون لإِباحة أرباح صندوق التَّوفير بأنَّها قليلة، وهذا تعليل فاسد؛ لاسْتواء قليل الرِّبا بكثيره، بل أثبتَتِ التَّجارب كذب مزاعمِهم؛ فإنَّ صندوق التوفير أصبحَ بِفَوائده من أفحش أنواع الرِّبا، إلاَّ أنَّه مستور؛ لأنَّ صندوق التوفير يُعْطِي المودع ما يقارب 3% ثلاثة بالمائة، وإدارة الصندوق تعطي المبالغ المتجمِّعة عنده لأحد البنوك بنسبة ربويَّة أكثر، قد تكون أربعة في المائة، والبنك الذي يأخذ هذه المبالغ من إدارة التوفير يعطيها للمقترضين بنسبة أكثر، قد تكون سبعة في المائة، والذي يأخذها يُعْطِيها المُحتاجين بنسبة مِن عشرة بالمائة إلى ضِعْفِها، ولا يستطيع القضاء أن يتَتبَّع جَميع هذه الحالات الرِّبويَّة، فأصبح صندوقُ التوفير أداةً ملعونة لِتَضاعُف الرِّبا ووَفْرته.

 

والعجب أنْ لا يكتفي المهزومون في هذا الباب بقول الله تعالى: ﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا ﴾ [البقرة: 276]، كما مرَّ توضحيه، فهل هم لا يصدِّقون بِهَذا الوعيد المقرَّر؟ أم هم في غمرة ساهون؟



[1] أخرجه الإمام مسلم برقم: (1597) في المساقاة، باب: لعن آكل الربا وموكله، والإمام أحمد في "المسند"، (1/ 393)، وأبو داود في البيوع، باب: في آكل الربا وموكله، والترمذي برقم: (1216) في البيوع، باب: ما جاء في آكل الربا، وابن ماجه برقم: (2277) في التجارات، باب: التغليظ في الربا.

[2] أخرجه أبو داود برقم: (3331) في البيوع، باب: في اجتناب الشبهات، والنسائي: (7/ 243) في البيوع، باب: اجتناب الشبهات في الكسب، وفي سند الحديث انقطاع؛ لأنه من رواية الحسن عن أبي هريرة، والحسن لم يسمع منه.

وروى نحو الحديث البخاري: (4/ 253) في البيوع، باب: من لم يبال.. من حديث أبي هريرة مرفوعًا بلفظ: ((يأتي على الناس زمان لا يُبالي المرء ما أخذ منه أمن الحلال أم من الحرام)).

[3] هذا هو معنى الربا في اللغة، أما في الشريعة فمعناه: الزيادة على أصل المال من غير بيع.

[4] ((لا يسلمه)): أسلم فلان فلانًا: إذا لم يَحمِه من عدوه وألقاه إلى التهلكة.

[5] أخرجه البخاري: (5/ 70) في المظالم، باب: لا يظلم المسلم المسلمَ ولا يسلمه، ومسلم برقم: (2580) في البر والصلة، باب: تحريم الظلم، وأبو داود برقم: (4893) في الأدب، باب: المؤاخاة، والترمذي برقم: (1426) في الحدود، باب: ما جاء في الستر على المسلم، وعند الجميع من حديث عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما.

[6] الخوارج: هم كلُّ مَن خرج على الإمام الحقِّ الذي اتَّفَقت الجماعة عليه، سواء كان الخروج أيَّام الصَّحابة أو كان بعدهم على التابعين بإحسان والأئمة في كلِّ زمان.

وهم الذين خرجوا على الإمام عليٍّ - رضي الله عنه - يوم صفِّين، وهم الذين كان أوَّلَهم ذو الْخُويصرة، وآخِرَهم ذو الثُّديَّة، وهم الذين قال فيهم النبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : ((تحقر صلاة أحدِكم في جنب صلاتِهم، وصوم أحدكم في جنب صيامهم، ولكن لا يُجاوز إيمانُهم تراقِيَهم))، وهم المارِقَة الذين قال النبي - صلى الله عليه وسلم - فيهم: ((سيخرج من ضِئْضِئ هذا الرَّجل قومٌ يَمْرقون من الدِّين كما يَمْرُق السَّهم من الرميَّة)).

ومن أبرز أفكارهم الضالَّة قولُهم بانْحِراف عثمان - رضي الله عنه - بآخر خلافته، واستوجبوا له القتْلَ أو العزل.

وقولهم بأنَّ مرتكب الكبيرة كافرٌ ما لم يَتُب عنها، ولهم طريق في مصدر التشريع الثاني (السُّنَّة) يختلف تمامًا عن مذهب أهل السُّنة والجماعة.

وكِبَار فرقهم ستَّة: الأزارِقَة والنجدات والصفرية والعجارِدَة والإباضيَّة والثَّعالبة، والباقون فروعٌ لَهم، وعلى الرَّغم من انْدِثار هذه الفِرَق الضالَّة، فمِمَّا يُؤْسَف له جدًّا: أن نجد اليوم من جاء لِيُجدِّد تلك الأفكار الضالَّة، ويُعيد مأساة الخوارج، فلنَتَّق الله، ولنتذكَّر قول الرسول الأعظم - صلى الله عليه وسلم - : ((من قال لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدُهُما)).

[7] الجهميَّة: هم أصحاب جَهْم بن صَفْوان الذي أظهر نَفْيَ الصِّفات والتعطيل؛ آخذًا ذلك عن الجَعْد بن درهم الذي ضحَّى به خالد القسريُّ يوم الأضحى، ومما انفرد به جهم قوله: إن الجنة والنار تَفْنَيان، وإنَّ الإيمان هو المعرفة فقط، وإن الإنسان مَجْبور، وإن ما تُنْسب إليه من الأفعال فهو على سبيل المجاز فقط، وقد قتَلَه سالِمُ بن أحوز بِمَرو في آخِر مُلْك بني أمية.

[8] المُرْجِئة: نشَأَتْ هذه الفرقة في وسَطٍ كثُر الكلام فيه حول مُرْتَكِب الكبيرة: أهو مؤمن أم غير مؤمن؟ وفي هذا الوسط جهَرَت هذه الفرقة بأنه لا يضر مع الإيمان ذنب، كما لا ينفع مع الكفر طاعة، وقالوا: إنَّ الإيمان إقرارٌ وتصديق، واعتقاد ومعرفة، فلا يضرُّ مع هذه الحقائق معصية؛ إذْ عندهم الإيمان منفصل عن العمل.

هذا، والمرجئة أصناف أربعة: مرجئة الخوارج، ومرجئة القدَريَّة، ومرجئة الجَبْرية، والمرجئة الخالصة.

[9] الأشعرية: هي فرقة من الفرق الضالَّة، وهي خليطٌ من مذاهِبَ عدَّة فرق ضالة كالمعتزلة والكلابيَّة والجهميَّة، وتنتسب هذه الفرقة إلى أبي الحسن الأشعري الذي تتلمَذَ على أبي علي الجُبَّائي، وأخذ عنه أصول المعتزلة، ولازمه ما يقرب من أربعين عامًا، ثم انتقل إلى طريقة عبدالله بن سعيد بن كلاب، وهي أقرب إلى مذهب أهل السُّنَّة من طريقة المعتزلة (الأشعرية) التي تُخالف أهل السُّنة في كثيرٍ من الفروع والأصول، والعجيب في الأمر أنَّ الذين ينتسبون إلى الأشعري من المتأخِّرين ليسوا على طريقِه، وإنَّما هم على مذهبه القديم الذي رجع عنه وأظهر فساده، وقد أكثر علماءُ السُّنة تُوفِّي البخاري عام 256 هـ، وأبو الحسن الأشعري عام 324 أو بعدها؛ فليُنظر ذلك؛ إلا أن يقصد الرد على المبتدعة عمومًا فلتراجع العبارة وشيخ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله - في الردِّ على أباطيلهم وبِخاصَّة في تأويل النُّصوص.

[10] أخرجه الإمام مسلم، برقم: (2564) في البِرِّ والصلة، باب: تحريم ظلم المسلم، وخذله، واحتقاره، والإمام أحمد في "المسند"، (2/ 285)، وابن ماجه، برقم: (4143) في الزهد، باب: القناعة، وهو عند الجميع من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه.

[11] يُشير بذلك إلى قوله - تبارك وتعالى - من الآية: (85) من سورة البقرة: ﴿ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة: 85].

[12] من زَعَمات العرب؛ أيْ: من أكاذيبهم وأقوالِهم المردودة.

[13] جزء من حديث طويل أخرجه البخاري: (4/ 240) في الاعتكاف، باب: زيارة المرأة زوجَها في اعتكافه، ومسلم برقم (2174) في السَّلام، باب بيان أنَّه يستحبُّ لمن رُئِي خاليًا بامرأة وكانت زوجتَه أو مَحْرمًا له، أن يقول: "هذه فلانة"؛ ليدفع ظنَّ السوء به، وأبو داود برقم: (4719) في السنة، باب: في ذراري المشركين.

[14] ما ورد أنه - صلى الله عليه وسلم - أخرج الصارع من الجنِّ من جوف المصروع في صورة كلب أو نحو ذلك -  فضعيف لا يعتدُّ به، وسوف يأتي تخريجه بعد قليل - إن شاء الله تعالى.

[15] فيخبث علينا؛ أيْ: يجعل أمرنا على الطعام فاسدًا رديئًا مكروهًا.

[16] فثعَّ؛ أيْ: قاء.

[17] الجرو: هو ابن الكلب.

[18] أخرجه الدارمي في "سننه" (1/ 11 - 12)، والإمام أحمد في "المسند"، (1/ 254)، وسند الحديث: ضعيفٌ؛ فيه فرقد السَّبَخي، وهو ابن يعقوب السَّبَخِي، وهو: صَدُوق، ليِّن الحديث، كثير الخطأ، كما ذكر الحافظ ابن حجَر في "التقريب": (5384)، وقال الإمام عنه: رجل صالح، ليس بقويٍّ في الحديث، لم يكن صاحِبَ حديث، وقال أيضًا: يروي عن مُرَّة منكرات؛ انظر: "هامش المسند"، لأحمد محمد شاكر: (1/ 159)، وقد أشار إلى ضعف الحديث شيخنا الألبانِيُّ - حفظه الله - في "مشكاة المصابيح"، (3/ 1665).

[19] أخرجه الدارمي في "سننه" في المقدمة، باب: ما أكرم الله به نبيه من إيمان الشجر به والبهائم والجن، برقم: (17)، (1/ 23) وإسناده ضعيف، فيه:

1 - إسْماعيل بن عبدالملك الأسدي، قال ابن حجر: صدوقٌ، كثير الوهم، برقم: (465)، كما في "التقريب".

2 - أبو الزبير: محمد بن مسلم بن تدرس المكِّي: صدوق، إلاَّ أنه يدلِّس، كما في "التقريب"، برقم: (6291)، ولَم يصرِّح بالسماع.

ولِمَزيد معرفة واطِّلاع عن الحديث ودرجته، والكلام حول الجنِّ ودخوله في الإنس، راجع كتابنا "صحيح معجزات رسول الله - صلى الله عليه وسلم"، والحديث ذكره الهيثمي في "مَجْمع الزوائد" (9/ 10).

[20] أشار إليه الهيثمي في "مَجْمع الزوائد"، (9/ 11 - 12) وقال فيه: عبدالحكيم بن سفيان، ذكره ابنُ أبي حاتم، ولم يَجْرحه أحدٌ، وبقية رجاله: ثقات.

[21] راجع كلام ابن القيم في "زاد المعاد": (4/ 66 - 71).

[22] السُّحْت: ما خبث وقبح من المكاسب؛ كالرِّبا، والرشوة، ونحوهما.

[23] إسناده صحيح موقوفًا ومرفوعًا، رواه الإمام أحمد في "المسند"، (1/ 395)، وابن ماجه برقم: (2299) في التجارات، باب: التغليظ في الربا، والحاكم في "المستدْرَك"، (2/ 37) وصححه ووافقه الذهبي، وذكره الحافظ في الفتح: (8/ 204)، وابن كثير: (1/ 487)، والسيوطي في الدر المنثور: (1/ 365).

[24] تخلُّف أبي لَهَب بن عبدالمطلب عن "بدْر" صحيح، ذكرَتْه معظم كتب السِّيرة النبوية المُعْتَمَدة.

[25] الجَمْع: تَمْر مُختلط من أنواع متفرِّقة من التُّمور، وليس مرغوبًا فيه؛ لِمَا فيه من الاختلاط، وما يخلط إلاَّ لرداءته، فإنَّه متَى كان نوعًا جيِّدًا أُفْرِد على حِدَتِه؛ ليرغب فيه.

قال الهرويُّ: كلُّ لون من النَّخل لا يُعْرف اسْمُه فهو جَمْع.

[26] وقال في الميزان؛ أيْ: قال في الموزون قولاً مثل القول الذي قاله في المكيل، من أنَّ غير الجيِّد يُباع ثم يُشترى بثمنه الجيِّد، ولا يُؤخذ جيِّدٌ برديء مع تفاوُتِهما في الوزن، واتِّحادهما في الجنس.

[27] أخرجه البخاري: (4/ 333) في البيوع، باب: إذا أراد بيع تَمْر بتمر خير منه، ومسلم برقم: (1593) في المساقاة، باب: بيع الطعام مثلاً بمثل، و"الموطَّأ": (2/ 623) في البيوع، باب: ما يكره من بيع التمر، والنَّسائي: (7/ 271) في البيوع ، باب بيع التمر بالتمر مُتفاضلاً.

[28] انظر قول مجد الدين أبي البركات في "نَيْل الأوطار، شرح منتقى الأخبار": (5/ 304) باب: ما يجري فيه الرِّبا.

[29] لا تشفعوا؛ أيْ: لا تزيدوا، ولا تفضلوا أحدهما على الآخر.

[30] بناجز: الناجز: المعجل الحاضر.

[31] أخرجه البخاري: (4/ 264) في البيوع، باب: بيع الفضة بالفضة، وباب بيع الدينار بالدينار نَساءً، ومسلم برقم: (1594، 1595، 1596) في المساقاة، باب: بيع الطعام مثلاً بمثل، و"الموطَّأ": (2/ 632) في البيوع، باب: بيع الذهب بالفضة، والإمام أحمد في "المسند"، (3/ 49 - 50).

[32] أخرجه البخاري: (4/ 319) في البيوع، باب: بيع الذهب بالورق يدًا بيد، ومسلم برقم: (1590) في الْمُساقاة، باب: النَّهي عن بيع الوَرِق بالذهب دينًا، والنسائي: (7/ 280) في البيوع، باب: بيع الفضة بالذهب، وبيع الذهب بالفضة.

[33] انظر قول العلامة مجد الدين أبي البركات في "نيل الأوطار، شرح منتقى الأخبار"، (5/ 300).

[34] أخرجه البخاري: (4/ 291) في البيوع، باب: ما يذكر في بيع الطعام والْحُكْرة، وباب: بيع التمر بالتمر، وباب: بيع الشعير بالشعير، ومسلم برقم: (1586) في المساقاة، باب: الصرف وبيع الذهب بالوَرِق نقدًا، ومالك في "الموطَّأ": (2/ 636) في البيوع، باب: ما جاء في الصرف، وأبو داود، برقم: (3348) في البيوع، باب: في الصرف، والترمذيُّ، برقم: (1243) في البيوع، باب ما جاء في الصَّرف، والنسائي: (7/ 273) في البيوع، باب: بيع التمر بالتمر، وابن ماجه، برقم: (2259) في التجارات، باب: صرف الذهب بالورق.

[35] أخرجه الإمام مسلم، برقم: (1587) في المساقاة، باب: الصرف وبيع الذهب بالورق نقدًا، والإمام أحمد في "المسند"، (5/ 320)، وأبو داود، برقم: (3349) في البيوع، باب: في الصرف، والترمذي، برقم (1240) في البيوع، باب ما جاء أن الحنطة بالحنطة مثلاً بمثل، والنسائي: (7/ 274) في البيوع، باب: بيع البُرِّ بالبُر وبيع الشعير بالشعير، وابن ماجه، برقم: (2254) في التجارات، باب: الصرف وما لا يجوز متفاضلاً يدًا بيد.

[36] انظر قول المجد أبي البركات في "نيل الأوطار"، (5/ 300).

[37] أخرجه مسلم برقم: (1530) في البيوع، باب: تحريم بيع الصُّبْرة، والنسائي: (7/ 269) في البيوع، باب: بيع الصُّبْرة من التمر.

والصُّبْرة هي الكومة من الطعام؛ يقال: اشترى الطعام صُبْرة؛ أيْ: جزافًا بلا كيل أو وزن.

[38] انظر قول المجد في "نَيْل الأوطار"، (5/ 304).

[39] أخرجه مسلم برقم: (1591) في المساقاة، باب: بيع القلادة فيها خرز وذهب، وأبو داود برقم: (3351) في البيوع، باب: في حلية السيف تباع بالدراهم، والترمذي برقم: (1255) في البيوع، باب: ما جاء في شراء القلادة وفيها ذهب وخرز، والنسائي: (7/ 279) في البيوع، باب: بيع القلادة فيها الخرز والذهب بالذهب.

[40] راجع كلام الحافظ ابن حجر في "تلخيص الحبير"، (3/ 9) في كتاب البيوع، باب الربا برقم: (1141).

[41] أخرجه البخاري: (4/ 321) في البيوع، باب: بيع الْمُزابنَة، ومسلم برقم: (1542) في البيوع، باب: تحريم بيع الرُّطَب بالتمر إلاَّ في العَرايا، ومالك في "الموطَّأ" (2/ 624) في البيوع، باب: ما جاء في المزابنة والْمُحاقلة، وأبو داود برقم: (3361) في البيوع، باب: في المزابنة، والتِّرمذي برقم: (1300) في البيوع، باب: ما جاء في العرايا والرُّخصة، والنسائي: (7/ 266) في البيوع، باب: بيع الكرم بالزبيب.

[42] الْخرص: بفتح الخاء وكسرها، والفتح أشهر، والخرص هو: التَّحزير والتقدير للشيء بالظَّن، يقال: خَرَص النَّخل والكَرْم، حزَرَ ما عليه من الرُّطَب تَمرًا، ومن العنب زبيبًا.

[43] هذه الرِّواية لمسلم برقم: (1539) في البيوع، باب: تحريم بيع الرطب بالتمر إلا في العرايا.

[44] أخرجه الإمام مالك في "الموطأ"، (2/ 624) في البيوع، باب: ما يكره من بيع التمر، وأبو داود برقم: (3359) في البيوع، باب: في التمر بالتمر، والترمذي برقم: (2225) في البيوع، باب: في النهي عن الْمُحاقلة والمزابنة، والنسائي: (7/ 269) في البيوع، باب اشتراء التمر بالرُّطَب، وابن ماجه برقم: (2264) في التجارات، باب: بيع الرطب بالتمر، وقال الترمذي: حسن صحيح.

هذا، وقد صحَّحه أيضًا ابنُ خزيمة وابن حبان والحاكم.

[45] العرايا: جمع، مفردها: عَرِيَّة وهي: أن يبيع ثَمر نَخَلات معلومة بعد بُدُوِّ الصَّلاح فيها خرصًا، بالتَّمر بالموضوع على وجه الأرض كيلاً، استثناها الشَّرع من الْمُزابنة بالجواز، وسُمِّيَت عرية؛ لأنَّها عَرِيَت من جُمْلة التحريم.

[46] الخرص: هو حزر وتخمين الثَّمَرة وتقديرها.

[47] المزابنة: أصلها من الزَّبْن، وهو الدفع، كأنَّ كل واحد من الْمُتبايعَيْن يَزْبِن صاحِبَه عن حقِّه؛ أيْ: يدفعه، وهو بيع الثمر في رؤوس النخل بالتمر.

[48] أخرجه البخاري: (5/ 293) في البيوع، باب: بيع الثمر على رؤوس النَّخل بالذَّهب والفضة، ومسلم برقم: (1540) في البيوع، باب: تحريم بيع الرُّطَب بالتمر، إلاَّ في العرايا، وأبو داود برقم: (3363) في البيوع، باب: في بيع العرايا، والترمذي برقم: (1303) في البيوع، باب: ما جاء في العرايا والرخصة في ذلك، والنسائي: (7/ 268) في البيوع، باب: بيع العرايا والرطب.

[49] حديث النَّهي عن بيع اللَّحم بالحيوان رواه الإمام مالك في "الموطَّأ"، (2/ 655) وهو من مراسيل سعيد بن المسيب، قال ابن عبدالبَرِّ: لا أعلمه يتَّصل من وجْه ثابت، وقال البغويُّ في "شرح السُّنة": (8/ 77): حديث ابن المسيب وإن كان مرسلاً، لكنَّه يتقوَّى بِعَمَل الصحابة، وقد حسَّن الشيخُ الألبانِيُّ هذا المرسل في "الإرواء": (5/ 198).

هذا، وقد اختلف أهل العلم في بيع اللحم بالحيوان، فذهب جماعة من الصحابة إلى التحريم، وذهب جماعة إلى إباحتِه.

[50] يشير بذلك إلى ما ورد عنه - صلى الله عليه وسلم - في حديث أبي واقد الليثي: قلتُ: يا رسول الله، إنَّا بأرض تُصيبنا مَخمصةٌ، فما يحلُّ لنا في الميتة؟ فقال: ((إذا لم تَصْطَبِحوا ولم تغتبقوا ولم تَحْتفئوا بِها بقلاً، فشأنكم بها)).

والحديث عند الإمام أحمد في "المسند"، (5/ 218)، وفي "مَجْمع الزوائد"، (5/ 53)، وقال: أخرجه الطبراني، ورجاله ثقات.

[51] القرض: هو المال الذي يعطيه المُقْرِض للمقترض؛ لِيَردَّ مثله إليه عند قدرته عليه، وهو قربة يتقرَّب بِها إلى الله سبحانه؛ لما فيه من الرَّأفة بالناس والرَّحْمة بهم، وتيسير أمورهم، وتفريج كُرَبِهم.

[52] المضاربة هي: أن يدفع شخص مالَه إلى إنسان؛ ليَتَّجِر فيه، ويكون الرِّبح بينهما بحسب ما يتَّفِقان عليه.

[53] شركة العنان: هي أن يشترك اثنان في مالٍ لَهُما على أن يَتَّجِرا فيه، والرِّبْح بينهما، ولا يشترط فيها المساواة في المال ولا في التصرُّف ولا في الرِّبح، فإنْ كان ثَمَّة خسارة فتكون بنِسْبة رأس المال.

[54] شركة الوجوه: هي أن يشتري اثنان فأكثر من الناس دون أن يكون لهم رأسُ مال؛ اعتمادًا على جاهِهم وثقة التُّجَّار بِهم، على أن تكون الشركة بينهم في الرِّبح، فهي شركة على الذِّمَم من غير صَنْعة ولا مال، والرِّبح يكون بينهما على قَدْرِ نصيب كلٍّ منهما في الملك حسب شروطهم.

[55] شركة الأبدان: هي أن يَتَّفِق اثنان على أن يشتركا فيما يتمَلَّكان بأبدانِهما من الْمُباح؛ كالاحتشاش، والاحتطاب، والاصطياد، والمعدن، والتلصُّص على دار الحرب وسلب من يَقْتلان بِها.

[56] شركة المفاوضة: هي التعاقد بين اثنين أو أكثر على الاشتراك في عمل، بِحَيث يُفَوِّض كلٌّ إلى صاحبه: شراءً أو بيعًا في الذِّمَّة، ومضاربة وتوكيلاً ومسافرة في المال وارتِهَانًا، بشرط التساوي في المال والتصرُّف والدَّيْن.

[57] الْمُساقاة: وهي دَفْع شجر لِمَن يقوم بِمَصالحه بِجُزء من ثَمره، بشرط كون الشجر معلومًا للمالك والعامل برؤيةٍ أو وَصْف، وأن يكون للشَّجر ثَمر يُؤْكَل.

[58] الْمُزارعة: هي إعطاء الأرض لِمَن يزرعها على أن يكون له نصيبٌ مِمَّا يخرج منها، كالنِّصف أو الثُّلث أو الأكثر من ذلك، أو الأدنَى، حسب ما يَتَّفِقان عليه.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • حكم التحيل على الربا
  • انج من البيع المحرم وعقوبة الربا
  • الربا في ضوء الكتاب والسنة
  • تأملات في آيات الربا في كتاب الله
  • آكلو الربا
  • التحذير من الربا
  • لماذا حرم الله الربا؟
  • دراسة في "لماذا حرم الله الربا؟"
  • الربا في دار الحرب
  • في التحذير من التعامل بالربا
  • أحكام الربا (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • حديث: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • الربا في العصر الحاضر(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن صالح القصيِّر)
  • حديث: الربا ثلاثة وسبعون بابا(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • خلاصة القول في الربا(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الربا ( أقسامه وخطره والفرق بين البيع والربا )(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مناقشة ما ورد عن ابن عباس بأن الربا خاص بربا النسيئة(مقالة - موقع الشيخ محمد بن صالح الشاوي)
  • براءة الشافعية ومن وافقهم من القول بعدم جريان الربا في النقود الورقية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • عقد التأمين في الفقه الإسلامي والقانون المقارن (5)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من أقوال السلف في الربا(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الأربعون حديثا في تحريم وخطر الربا (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب