• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    علامات الساعة (1)
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    تفسير: (يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان ...
    تفسير القرآن الكريم
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / فقه وأصوله
علامة باركود

الحيل والمخارج الشرعية

الحيل والمخارج الشرعية
د. مرضي بن مشوح العنزي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 1/8/2017 ميلادي - 8/11/1438 هجري

الزيارات: 146305

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الحيل والمخارج الشرعية


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فالحيل في اللغة: جمع حيلة وتطلق على "الحذق وجودة النظر والقدرة على دقة التصرف"[1].

والمخارج في اللغة: جمع مخرج، وهو موضع الخروج، ويراد به النفاذ من الشيء والخلوص منه[2].

 

والحيل والمخارج في الاصطلاح بمعنى واحد؛ قال ابن نجيم: "واختلف مشايخنا رحمهم الله تعالى في التعبير عن ذلك؛ فاختار كثير التعبير بكتاب الحيل، واختار كثير كتاب المخارج"[3]. مما يدل على ترادفهما في المعنى، إلا أن اصطلاح الحيل غُلّب إطلاقه على الجانب الممنوع منها، والمخارج غُلّب إطلاقها على الجانب المشروع منها؛ قال ابن تيمية عن الحيل: "صارت في عرف الفقهاء إذا أطلقت قصد بها الحيل التي يستحل بها المحارم"[4]. والسبب في ذلك نفور الناس من مصطلح الحيل؛ قال ابن القيم: "ونسميه وجوه المخارج من المضائق، ولا نسميه بالحيل التي ينفر الناس من اسمها"[5].

 

وعلى ذلك نجد أن تعريف الحيلة يختلف عند العلماء بحسب الزاوية التي ينظر منها العالم إلى الحيلة، فاختلفت أنظارهم إلى ثلاث اتجاهات:

الاتجاه الأول: النظر إلى الحيلة من جانبها الممنوع، ومن ذلك تعريف الحيل: بـ"أن يُظهر عقدًا مباحًا يريد به محرمًا؛ مخادعةً وتوسلًا إلى فعل ما حرم الله، واستباحة محظوراته، أو إسقاط واجب، أو دفع حق، ونحو ذلك"[6].

 

الاتجاه الثاني: النظر إلى الحيلة من جانبها المشروع المخارج الشرعية، ومن ذلك تعريف الحيل: بـ"جمع حيلة وهي الحذق وجودة النظر والمراد بها هنا ما يكون مخلصًا شرعيًا لمن ابتلي بحادثة دينية ولكون المخلص من ذلك لا يدرك إلا بالحذق وجودة النظر أطلق عليه لفظ الحيلة"[7].

 

الاتجاه الثالث: النظر إلى الحيلة من جانبيها الممنوع والمشروع، ومن ذلك تعريف الحيل: بـ"جمع حيلة وهي ما يتوصل به إلى مقصود بطريق خفي"[8]، أو تعريفها بقول الشاطبي: "التحيل بوجه سائغ مشروع في الظاهر أو غير سائغ على إسقاط حكم أو قلبه إلى حكم آخر، بحيث لا يسقط أو لا ينقلب إلا مع تلك الواسطة، فتفعل ليتوصل بها إلى ذلك الغرض المقصود، مع العلم بكونها لم تشرع له"[9].

 

وهذا الاختلاف في تعريف الحيلة أدى إلى الاختلاف في حكمها، وأفضل اتجاه في تعريف الحيلة هو الاتجاه الأخير الذي عرف الحيلة بالنظر إلى جانبيها المشروع والممنوع؛ فالحيلة تشتمل على الحيل المشروعة أو المخارج الشرعية، وتشتمل على الحيل الممنوعة، والتعريف لابد أن يكون جامعًا لهما.

 

المطلب الثاني: أقسام الحيل

تنقسم الحيل ثلاثة أقسام: حيل محرمة، وحيل جائزة، وحيل مختلف فيها، قال الحجوي: "فالحيل ثلاثة أقسام: ملغاة بالاتفاق...وغير ملغاة اتفاقًا... والثالث ما لم يتبين بدليل قطعي إلحاقه بالأول ولا بالثاني، وفيه اضطربت أنظار النظار، وهو محل التنازع"[10].

 

وهناك اتجاهان سلكهما العلماء في تقسيمهم للحيل، الاتجاه الأول: تقسيمها بالنظر إلى المقصد الذي تحققه الحيلة، والاتجاه الثاني: تقسيمها بالنظر إلى المقصد وإلى الوسيلة الموصلة إلى هذه المقصد.

 

الاتجاه الأول: أقسام الحيل باعتبار المقصد.

وهذا الاتجاه سار عليه الشاطبي، وابن عاشور[11]، فالحيل تنقسم عندهما ثلاثة أقسام:

القسم الأول: الحيل الجائزة: ذكر الشاطبي أن الحيل الجائزة هي التي لا تهدم أصلًا شرعيًا، ولا تناقض مصلحة شهد الشرع باعتبارها؛ مثل النطق بكلمة الكفر إكراهًا[12]، ثم قال:"إن هذا مأذون فيه؛ لكونه مصلحة دنيوية لا مفسدة فيها بإطلاق، لا في الدنيا ولا في الآخرة"[13].

 

أما ابن عاشور فقد ذكر نوعين من أنواع الحيل التي تدخل في الحيل الجائزة:

النوع الأول: الحيلة التي تعطل أمرًا مشروعًا على وجه ينقل إلى مشروع آخر، مثل التجارة بالمال المتجمع خشية أن تنقصه الزكاة، فانتقل من الزكاة المشروعة إلى التجارة المشروعة[14]، ثم قال:"وهذا النوع على الجملة جائز؛ لأنه ما انتقل من حكم إلا إلى حكم، وما فوت مقصدًا إلا وقد حصل مقصدًا آخر"[15].

 

النوع الثاني: الحيلة التي تعطل أمرًا مشروعًا على وجه يسلك به أمرًا مشروعًا هو أخف عليه من المنتقل منه؛ كمن أنشأ سفرًا في رمضان قاصدًا الفطر؛ لشدة الصيام عليه في الحر، متنقلًا منه إلى قضائه في وقت أرفق به[16]، وقد ذكر الدكتور عيسى الخلوفي أن هذا النوع الثاني الذي ذكره ابن عاشور ليس من جنس الحيل الفقهية، بل بابه الرخص الشرعية؛ لأنه سلك سبيلًا مشروعًا ابتداءً[17]، وهذا الكلام فيه نظر؛ لأن من سلك سبيلًا مشروعًا ليغير حكمًا مشروعًا إلى حكم آخر يعد متحايلًا على المقصد بهذا السبيل الذي سلكه، ولعل السبب الذي جعل الدكتور الخلوفي يعد هذا النوع من قبيل الرخص لا الحيل الفقهية، أن ابن عاشور ذكر من أمثلة هذا النوع المسح على الخفين، فمن مسح انتقل من حكم مشروع إلى حكم مشروع أخف عليه[18]، وهذا المثال في الحقيقة يدخل في باب الرخص الشرعية، وليس في باب الحيل الفقهية، والفرق بين الرخص الشرعية وبين هذا النوع من الحيل، أن الرخص الشرعية فيها دليل من الشارع على جواز سلوك هذه السبيل للانتقال من حكم شرعي إلى حكم شرعي أخف منه، أما الحيل الفقهية فلا يوجد دليل ينص على جواز سلوك هذا السبيل لتغيير الحكم الذي يريد الانتقال منه.

 

القسم الثاني: الحيل المحرمة: ذكر الشاطبي أن الحيل الباطلة هي التي تهدم أصلًا شرعيًا وتناقض مصلحةً شرعيةً مثل حيل المنافقين، وحيل المرائين[19]، ثم قال:"فإنه غير مأذون فيه؛ لكونه مفسدة أخروية بإطلاق، والمصالح والمفاسد الأخروية مقدمة في الاعتبار على المصالح والمفاسد الدنيوية باتفاق؛ إذ لا يصح اعتبار مصلحة دنيوية تخل بمصالح الآخرة، فمعلوم أن ما يخل بمصالح الآخرة غير موافق لمقصود الشارع، فكان باطلا"[20].

 

أما ابن عاشور فذكر نوعين من أنواع الحيل التي تدخل في الحيل المحرمة:

النوع الأول: الحيلة التي تفوت مقصدًا شرعيًا ولا تعوضه بمقصد شرعي آخر؛ مثل من وهب ماله قبل مضي الحول بيوم لئلا يعطي زكاته، واسترجعه من الموهوب له من غد[21]، ثم قال:"وهذا النوع لا ينبغي الشك في ذمه وبطلانه"[22].

 

النوع الثاني: الحيلة التي لا تنافي مقصد الشارع أو تعين على تحصيل مقصده، لكن فيها إضاعة حق لآخر أو مفسدة أخرى؛ مثل تزوج المرأة المبتوتة قاصدًا أن يحللها لمن بتها[23]، "فإن فعله جار على الشرع في الظاهر وخادم للمقصد الشرعي من الترغيب في المراجعة، وفي توافر الشرط وهو أن تنكح زوجًا غيره، إلا أنه جرى لعن فاعله على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم"[24].

 

القسم الثالث: الحيل المختلف فيها: ذكر الشاطبي أن الحيل المختلف فيها هي التي لا يتبين للشارع فيها مقصد يتفق على أنه مقصود له، ولا ظهر أنها على خلاف المصلحة التي وضعت لها الشريعة، وذكر أنها محل الإشكال، وفيها اضطربت أنظار النظار[25].

 

أما ابن عاشور فذكر نوعًا واحدًا من أنواع الحيل المختلف فيها، وهو التحيل في أعمال ليست مشتملة على معان عظيمة مقصودة للشارع، وفي التحيل فيها تحقيق لمماثل مقصد الشارع من تلك الأعمال، مثل التحيل في الأيمان التي لا يتعلق بها حق للغير كمن حلف ألا يلبس ثوبًا، فإن البر بيمينه هو الحكم الشرعي، والمقصد هو تعظيم اسم الله، فيتحيل على هذا اليمين بوجه يشبه البر فيحصل مقصود الشارع من تهيب اسم الله[26]، ثم قال:"وللعلماء في هذا النوع مجال من الاجتهاد؛ ولذلك كثر الخلاف بين العلماء في صوره وفروعه"[27].

 

هذه هي أقسام الحيل بالنظر إلى المقصد الذي تحققه، ذكر الشاطبي لها ثلاثة أقسام، وذكر ابن عاشور خمسة أنواع، كلها تعود إلى هذه الأقسام الثلاثة، فنوعان يدخلان في القسم الأول، ونوعان في القسم الثاني، ونوع في القسم الثالث.

 

الاتجاه الثاني: أقسام الحيل باعتبار المقصد والوسيلة.

وهذا الاتجاه سار عليه ابن تيمية وابن القيم[28]، فالحيل عندهم تنقسم قسمين:

القسم الأول: حيل مقصدها شرعي، ويقسم هذا القسم باعتبار الوسائل المفضية إليه ثلاثة أنواع:

النوع الأول: أن تكون الوسيلة محرمة، والمقصود بها مشروعًا؛ مثل من كان له حق عند آخر، فيجحده، فيقيم شاهدي زور ليتوصل لحقه[29]، وقد رأى ابن القيم أن فاعله يأثم على الوسيلة دون المقصد[30]، أما ابن تيمية فيرى أن ذلك محرم كله؛ لأنه إنما يتوصل إليه بكذب منه[31]. وهذا النوع محل خلاف بين الفقهاء؛ وذلك بالنظر لمفسدة الوسيلة المحرمة مقابل مصلحة المقصد المشروع، ومنه مسألة الظفر بالحق فقد منعها قوم، وأجازها آخرون، وأجازها ابن القيم إذا كان سبب الحق فيها ظاهرًا[32].

 

النوع الثاني: أن تكون الوسيلة مشروعة، والمقصود بها مشروعًا،"وهذه هي الأسباب التي نصبها الشارع مفضية إلى مسبباتها،كالبيع والإجارة والمساقاة والمزارعة والوكالة"[33].


وهذا النوع لا يعد من الحيل عند الفقهاء، لأن الحيل فيها مهارة وحذق للتوصل إلى المقصود بالأسباب الخفية[34]. فالبيع والإجارة أسباب ظاهرة للوصول لمقصود الملك المشروع.

 

النوع الثالث: أن تكون الوسيلة مشروعة، لكنها لم توضع لهذا المقصد، فيتخذها المتحيل وسيلة إلى هذا المقصد المشروع،" فهي في الفعال كالتعريض الجائز في المقال"[35].

وهذا النوع جائز عند الفقهاء، ويعد من المخارج الشرعية؛ فالوسيلة مشروعة، والمقصود مشروعًا[36].

 

القسم الثاني: حيل مقصدها غير شرعي، ويقسم هذا القسم باعتبار الوسائل المفضية إليه ثلاثة أنواع:

النوع الأول: أن تكون الوسيلة محرمة، والمقصود بها محرمًا؛ كالبائع إذا أراد فسخ البيع، فيحتال على ذلك أنه كان محجورًا عليه وقت العقد[37]. وهذا النوع محرم بالاتفاق[38].

 

النوع الثاني: أن تكون الوسيلة مباحة، والمقصود بها محرمًا، كالسفر لقطع الطريق[39].

وهذا النوع محرم سدًا للذريعة، ولا يعد عند الفقهاء من الحيل الفقهية؛ فالحيلة فيها مهارة وحذق وخفاء لتغيير الأحكام، أما هذه الوسيلة فليس فيها مقصد لتغيير حكم، وهي ظاهرة للتوصل للمقصود المحرم، وليس فيها أي خفاء.

 

النوع الثالث: أن تكون الوسيلة لم توضع للإفضاء إلى المحرم، فيتخذها المتحيل طريقًا إلى الحرام، كمن ينكح امرأة ليحللها لزوجها الأول بعد التطليقة الثالثة[40].

 

وأكثر كلام الفقهاء عن الحيل إنما يقصدون به هذا النوع منها؛ قال ابن تيمية:"وهذا القسم هو الذي كثر فيه تصرف المحتالين ممن ينتسب إلى الفتوى وهو أكثر ما قصدنا الكلام فيه"[41]. وقال ابن القيم:"وهذا معترك الكلام في هذا الباب، وهو الذي قصدنا الكلام فيه بالقصد الأول"[42].

 

هذه هي أقسام الحيل بالنظر إلى المقصد والوسيلة، فهي تنقسم قسمين باعتبار مقصدها، ثم يتفرع كل قسم إلى ثلاثة أنواع باعتبار الوسيلة الموصلة إلى ذلك المقصد، ومنها ما لا يدخل في مفهوم الحيل عند الفقهاء كما سبق بيانه.

 

ويمكن أن نستخلص من هذا التقسيم للحيلة، أن الحيل تنقسم ثلاثة أقسام:

القسم الأول: حيل جائزة، وهي ما كانت وسيلتها مشروعة والمقصد منها مشروعًا.

القسم الثاني: حيل محرمة، وهي ما كانت وسيلتها محرمة، والمقصد منها محرمًا.

القسم الثالث: حيل محتلف فيها، وتنقسم إلى نوعين:

النوع الأول: حيل وسيلتها ممنوعة، والمقصد منها مشروعًا.

النوع الثاني: حيل وسيلتها مشروعة، والمقصد منها تغيير الحكم الشرعي. وهذا النوع هو الذي اختلف فيه الفقهاء كثيرًا.


المطلب الثالث: حكم الحيل.

اختلف الفقهاء في حكم القسم الثالث من أقسام الحيل الذي سبق ذكره على قولين:

القول الأول: تحريم الحيل. وهو قول المالكية[43]، والحنابلة[44].

القول الثاني: جواز الحيل. وهو قول الحنفية[45]، والشافعية[46]، والظاهرية[47].

وسبب الاختلاف بينهم "اختلافهم هل المعتبر في صيغ العقود ألفاظها أو معانيها؟"[48].

 

أدلة القول الأول:

الدليل الأول: قول الله تعالى: ﴿ وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ ﴾ [49].

 

وجه الدلالة من الآيات: أن أهل القرية "احتالوا على انتهاك محارم الله بما تعاطوا من الأسباب الظاهرة التي معناها في الباطن تعاطي الحرام"[50]، فأخذهم الله بالعذاب ومسخهم إلى قردة؛ مما يدل على حرمة التحايل على أحكام الله[51].

 

الدليل الثاني: قول الله تعالى: ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ ﴾ [52].

وجه الدلالة من الآية: أن المنافقين"تحيلوا بملابسة الدين وأهله إلى أغراضهم الفاسدة"[53]؛ فذمهم الله على هذه المخادعة، فالحيل مذمومة؛ لأنها مخادعة لله، قال أيوب السختياني[54]: "يخادعون الله كأنما يخادعون آدميًا، لو أتوا الأمر عيانًا كان أهون علي"[55].


يناقش: بالفرق بين حيل المنافقين، وحيل الفقهاء؛ فمقصد المنافقين في حيلهم الفرار من الدين، ومخادعة الله والذين آمنوا، أما الفقهاء كأبي حنيفة ومحمد بن الحسن فمقصدهم البحث عن مخارج شرعية للمضايق التي يبتلى بها الناس، ولا يصح أن يوصفوا بأنهم يخادعون الله كأنما يخادعون آدميًا.

 

الدليل الثالث: قول الله تعالى: ﴿ إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ ﴾ [56].

وجه الدلالة من الآية: أن أصحاب الجنة لما أرادوا الاحتيال على حق المساكين، عاقبهم الله بإهلاك مالهم؛ مما يدل على تحريم الحيل المسقطة للحقوق[57].

 

الدليل الرابع: عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أَنَّهُ: سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ عَامَ الفَتْحِ وَهُوَ بِمَكَّةَ: «إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الخَمْرِ، وَالمَيْتَةِ وَالخِنْزِيرِ وَالأَصْنَامِ»، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ شُحُومَ المَيْتَةِ، فَإِنَّهَا يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ، وَيُدْهَنُ بِهَا الجُلُودُ، وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ؟ فَقَالَ: «لاَ، هُوَ حَرَامٌ»، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ ذَلِكَ: «قَاتَلَ اللَّهُ اليَهُودَ إِنَّ اللَّهَ لَمَّا حَرَّمَ شُحُومَهَا جَمَلُوهُ، ثُمَّ بَاعُوهُ، فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ» متفق عليه[58].


وجه الدلالة من الحديث: أن اليهود لما حرم الله عليهم شحوم الميتة، تحايلوا على ذلك بإذابة الشحوم، ثم أكلوا ثمنها، فلعنهم الله على هذه الحيلة[59]، و"فيه دليل على بطلان كل حيلة تحتال للتوصيل إلى محرم، وأنه لا يتغير حكمه بتغير هيئته وتبديل اسمه"[60].

 

الدليل الخامس: عن أنس رضي الله عنه: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ، كَتَبَ لَهُ فَرِيضَةَ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «وَلاَ يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ، وَلاَ يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ، خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ» رواه البخاري[61].

وجه الدلالة من الحديث: في الحديث دلالة على النهي عن اتخاذ الحيلة التي تنقص الزكاة أو تسقطها[62]، قال ابن بطال:" قال المهلب[63]: وإنما قصد البخارى فى هذا الباب أن يعرفك أن كل حيلة يتحيل بها أحد فى إسقاط الزكاة، فإن إثم ذلك عليه؛ لأن النبى صلى الله عليه وسلم لما منع من جمع الغنم أو تفريقها خشية الصدقة؛ فهم منه هذا المعنى، وفهم من قوله: أفلح إن صدق[64] أنه من رام أن ينقص شيئًا من فرائض الله بحيلة يحتالها أنه لا يفلح"[65].


الدليل السادس: أن الله أوجب الواجبات، وحرم المحرمات؛ لتحقيق حكم، ومصالح، ولدفع مفاسد، وفي التحايل على إسقاط الواجبات، أو فعل المحرمات تزول الحكم، والمصالح، ويقع الفساد في الأرض[66].

 

أدلة القول الثاني:

الدليل الأول: قول الله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ﴾ [67]

وجه الدلالة من الآية: بين الله تعالى أن من يتق الله يجعل له مخرجًا، ولا ريب أن هذه الحيل مخارج مما ضاق على الناس[68].


نوقش: أن هذه الآية لا علاقة لها بالحيل[69]؛ فالآية تدل على أن الله يَجْعَل لمن يتقيه مَخْرَجاً مما هو فيه من الغموم والوقوع في المضايق، ويفرج عنه وينفس ويعطيه الخلاص وَيَرْزُقهُ من وجه لا يخطره بباله ولا يحتسبه[70]، أما الحيل فهي بحث الفقيه عن مخرج لمن وقع في ضيق، وليس من التقوى التحايل على إسقاط الواجبات، أو فعل المحرمات، بحجة إخراج الناس من الضيق، بل قد يكون التحايل على الأحكام الشرعية سببًا في الوقوع في المضايق.

 

الدليل الثاني: قول الله تعالى: ﴿ وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ ﴾ [71].

وجه الدلالة من الآية: أن أيوب عليه السلام أقسم ليضربن زوجته مئة ضربة، فأمره الله أن يأخذ حزمة من حشيش فيضربها ضربة واحدة، وتلك وسيلة شرعها الله لنبيه ليتحلل عن يمينه، وفيها دلالة على جواز الحيل[72].

 

نوقش: بأن شرع من قبلنا ليس شرعًا لنا، وعلى فرض التسليم بأنه شرع لنا فإن هذا الحكم خاص بأيوب؛ فلو كان عامًا لم يكن في اقتصاصه علينا كبير عبرة؛ ويدل على الاختصاص قوله تعالى:﴿ إِنَّا وَجَدۡنَٰهُ صَابِرٗاۚ ﴾، وهذه الجملة خرجت مخرج التعليل؛ فعلم أن الله عز وجل إنما أفتاه بهذا جزاء له على صبره[73].

 

الدليل الثالث: عن أبي سعيد الخدري، وأبي هريرة رضي الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اسْتَعْمَلَ رَجُلًا عَلَى خَيْبَرَ، فَجَاءَهُ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا؟»، قَالَ: لاَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا لَنَأْخُذُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا بِالصَّاعَيْنِ، وَالصَّاعَيْنِ بِالثَّلاَثَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لاَ تَفْعَلْ، بِعْ الجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا»متفق عليه[74].

 

وجه الدلالة من الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الرجل أن يتوسط إلى ما أراده من أخذ الجيد بالرديء بالطريق المشروع في الأصل، وهو أن يبيع الرديء بالدراهم، ثم يشتري بالدراهم تمرًا جيدًا، وهذه الواسطة حيلة، فهي لا تتخذ لذاتها، إنما تتخذ لغرض آخر توقف نيله عليها، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بها مما يدل على جواز الحيل[75].

 

نوقش: بأن في الحديث قصدًا سليمًا، ومبنًى متخلفًا عنه، فأرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى إلحاق المبنى بالمقصد السليم[76]، والحيلة التي أرشد لها النبي صلى الله عليه وسلم مشروعة للوصول إلى مقصد مشروع، فهي من الحيل الجائزة بالاتفاق، قال ابن تيمية:" أن تحصيل المقاصد بالطرق المشروعة إليها ليس من جنس الحيل سواء سمي حيلة، أو لم يسم، فليس النزاع في مجرد اللفظ، بل الفرق بينهما ثابت من جهة الوسيلة والمقصود"[77].


الدليل الرابع: عن سعيد بن سعد بن عبادة قال:كَانَ بَيْنَ أَبْيَاتِنَا رَجُلٌ مُخْدَجٌ ضَعِيفٌ، فَلَمْ يُرَعْ إِلَّا وَهُوَ عَلَى أَمَةٍ مِنْ إِمَاءِ الدَّارِ يَخْبُثُ بِهَا، فَرَفَعَ شَأْنَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «اجْلِدُوهُ ضَرْبَ مِائَةِ سَوْطٍ»، قَالُوا:يَا نَبِيَّ اللَّهِ، هُوَ أَضْعَفُ مِنْ ذَلِكَ، لَوْ ضَرَبْنَاهُ مِائَةَ سَوْطٍ مَاتَ، قَالَ:«فَخُذُوا لَهُ عِثْكَالًا فِيهِ مِائَةُ شِمْرَاخٍ فَاضْرِبُوهُ ضَرْبَةً وَاحِدَةً» رواه أبو داود وغيره[78].

 

وجه الدلالة من الحديث: أن الضرب بالعثكال ليس هو الحد الواجب في الأصل؛ بدليل قوله صلى الله عليه وسلم قبل أن يرشدهم إلى هذا: «اجْلِدُوهُ ضَرْبَ مِائَةِ سَوْطٍ »، وهذه الواسطة حيلة للتوصل إلى إسقاط الحد في حق مثل هذا الرجل، وفيها دلالة على جواز الحيل[79].

 

نوقش: بأن الحديث ضعيف لا يصح الاحتجاج به[80]، وعلى فرض صحته فالحديث ليس من الحيل، ولم يسقط النبي صلى الله عليه وسلم الحد، بل أمر بجلده مئة سوط، فلما أُخبر أنه مريض، أمر بجلده بعثكال فيه مئة شمراخ ضربة واحدة، فالحديث بيان لحد المريض، وليس إسقاطًا للحد؛ قال ابن قدامة:"المريض الذي لا يرجى برؤه، فهذا يقام عليه الحد في الحال ولا يؤخر، بسوط يؤمن معه التلف؛ كالقضيب الصغير، وشمراخ النخل، فإن خيف عليه من ذلك، جمع ضغث فيه مئة شمراخ، فضرب به ضربة واحدة"[81]، وليس في الحديث دلالة على جواز الحيل.

 

الدليل الخامس: أن الناس ليس لهم إلا الحكم بالظاهر، وأما المقاصد والنيات فحكمها إلى الله، ولو أوقفت الشريعة صحة العقود إلى أن ينقطع كل احتمال مخالف للظاهر، لتعطلت معظم المعاملات، ولعادت على الناس أضعاف المفاسد التي يمكن أن تعود عليهم جراء الاحتمالات المحجوبة عن الظاهر[82]، قال الشافعي:"ولو كان لأحد من الخلق أن يحكم على خلاف الظاهر ما كان ذلك لأحد إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم بما يأتيه به الوحي وبما جعل الله تعالى فيه مما لم يجعل في غيره من التوفيق، فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتول أن يقضي إلا على الظاهر، والباطن يأتيه وهو يعرف من الدلائل بتوفيق الله إياه ما لا يعرف غيره فغيره أولى أن لا يحكم إلا على الظاهر"[83].


يناقش: بأن منع الحيل لا يعني إفساد العقود التي ظهرت صحتها، بل لا يفسد منها إلا ما كان ظاهر الفساد، أو كان المقصد الفاسد فيها ظاهرًا قبل التقابض، أما بعد التقابض فلو تبين أن المعاملة ربوية، وأن المتعامل بها ممن يبيح الحيل، فلا تُنقض، قال ابن تيمية:" كل عقد اعتقد المسلم صحته بتأويل من اجتهاد أو تقرير، مثل المعاملات الربوية التي يبيحها مجوزو الحيل، ومثل بيع النبيذ المتنازع فيه عند من يعتقد صحته، ومثل بيوع الغرر المنهي عنها عند من يجوز بعضها، فإن هذه العقود إذا حصل فيها التقابض مع اعتقاد الصحة لم تُنقض بعد ذلك، لا بحكم ولا برجوع عن ذلك الاجتهاد"[84]. ومعاملة الناس على الظاهر لا يعني جواز ما أخفوا في الباطن، فالنبي صلى الله عليه وسلم قبل من المنافقين ظواهرهم مع أنهم يرتكبون كفرًا في بواطنهم، ومنع الحيل عن المسلم لكي يتوافق ظاهره مع باطنه، وجوازها يساعد على التناقض بين الظاهر والباطن.

 

الترجيح: بعد عرض القولين وأدلة كل قول، ومناقشة ما يحتاج منها إلى مناقشة تبين لي-والله أعلم- أن الراجح هو القول الأول، القائل بتحريم الحيل؛ وذلك لقوة أدلته، وضعف أدلة القول الثاني أمام المناقشة التي وردت عليها، ومع أن الأصل في الحيل المنع، إلا أنه إذا كان في الحيلة تحقيق مصلحة أكبر من مفسدة الحيلة فتجوز في هذه الحالة تغليبًا لجانب المصلحة، وهذا الذي يُفهم من كلام الشاطبي وابن عاشور في الحيل، أن الأصل فيها عندهم البطلان إلا إذا كان فيها تحقيق مصلحة مقصودة للشارع أكبر من مفسدة الحيلة[85]، وهذا ما يُفهم من الأمثلة التطبيقية للحيل الجائزة عند ابن القيم، ففي القراءة في الحيل التي أجازها ابن القيم نجد أنه أجاز حيلًا لنوعي قسم الحيل المختلف فيها، وأذكر مثالًا لكل نوع:

النوع الأول: حيل وسيلتها ممنوعة، والمقصد منها مشروع، قال ابن القيم في مسألة الظفر بالحق بعد ذكر القولين فيها، المنع، والجواز: "وتوسط آخرون وقالوا: إن كان سبب الحق ظاهرًا كالزوجية والأبوة والبنوة وملك اليمين الموجب للإنفاق فله أن يأخذ قدر حقه من غير إعلامه...وهذا أعدل الأقوال في المسألة، وعليه تدل السنة دلالة صريحة، والقائلون به أسعد"[86].

 

النوع الثاني: حيل وسيلتها مشروعة، والمقصد منها تغيير الحكم الشرعي، قال ابن القيم في حيلة التحليل من الطلاق بعد الثلاث:"إذا وقع الطلاق الثلاث بالمرأة، وكان دينها ودين وليها وزوجها المطلق أعز عليهم من التعرض للعنة الله ومقته بالتحليل الذي لا يحلها، ولا يطيبها بل يزيدها خبثًا فلو أنها أخرجت من مالها ثمن مملوك فوهبته لبعض من تثق به فاشترى به مملوكًا ثم خطبها على مملوكه فزوجها منه فدخل بها المملوك ثم وهبها إياه انفسخ النكاح، ولم يكن هناك تحليل مشروط، ولا منوي ممن تؤثر نيته وشرطه، وهو الزوج"[87].

 

فابن القيم مع تشديده النكير على المجيزين للحيل إلا أنه أجاز الحيلة في المثالين السابقين، ولا يوجد تأويل له إلا أنه رأى في الحيلة تحقيق مصلحة مقصودة للشارع أعظم من مفسدة الحيلة.

 

فعلى هذا فالأصل في الحيل المنع والبطلان، وإبطالها ليس إبطالًا لكل الحيل، فلا "يمكن إقامة دليل في الشريعة على إبطال كل حيلة، كما أنه لا يقوم دليل على تصحيح كل حيلة؛ فإنما يبطل منها ما كان مضادًا لقصد الشارع خاصة"[88]، فمتى كان في الحيلة تحقيق مصلحة أكبر من مفسدة الحيلة فتجوز في هذه الحالة تغليبًا لجانب المصلحة، وتحقيقًا لمقصد الشارع.

 

المطلب الرابع: ضوابط المخارج الشرعية

لابد للحيل الجائزة أو المخارج الشرعية من ضوابط تضبطها حتى تؤدي دورها، وحتى لا يقع المسلم في الحيل المحرمة، وهذه الضوابط هي:

1- أن تكون الحيلة متوافقة مع مقصد الشارع، وفيها تحقيق مصلحة شهد الشرع باعتبارها، وألا تهدم أصلًا شرعيًا، قال الشاطبي:"فإن فرضنا أن الحيلة لا تهدم أصلًا شرعيًا، ولا تناقض مصلحة شهد الشرع باعتبارها؛ فغير داخلة في النهي"[89].

 

2- أن يكون النظر في تقرير مصالح الحيل وموافقتها لمقصود الشارع للعلماء الشرعيين؛ "ليكون الناظر متكيفًا بأخلاق الشريعة، فينبو عقله وطبعه عما يخالفها"[90]، ولا يفتح المجال لغيرهم؛ لأن من كان جاهلًا بالأصول يكون بعيد الطبع عن أخلاق الشريعة، فيقع في مخالفتها بقصد أو دون قصد[91].

 

3- ألا تتضمن إسقاط حق، أو تحريم حلال، أو تحليل حرام، قال ابن القيم:"وهكذا الحيلة في جميع هذا الباب، وهي حيلة جائزة؛ فإنها لا تتضمن إسقاط حق، ولا تحريم حلال، ولا تحليل حرام"[92]. وقد ذكر ابن القيم من هذه الحيل الجائزة مئة وستة عشر مثالًا[93].



[1] لسان العرب، لابن منظور 11 / 185.

[2] انظر: معجم مقاييس اللغة، لابن فارس 2/ 175، لسان العرب، لابن منظور 3/ 515.

[3] الأشباه والنظائر، لابن نجيم، ص350.

[4] بيان الدليل على بطلان التحليل، لابن تيمية، ص175.

[5] إعلام الموقعين، لابن القيم 3/ 149.

[6] المغني، لابن قدامة 4/ 43.

[7] غمز عيون البصائر، للحموي 1/ 38.

[8] فتح الباري، لابن حجر 12/ 326.

[9] الموافقات، للشاطبي 3/ 106.

[10] الفكر السامي، للحجوي 1/ 436.

[11] انظر: الموافقات، للشاطبي 3/ 124، مقاصد الشريعة الإسلامية، لابن عاشور، ص356.

[12] انظر: الموافقات، للشاطبي 3/ 124.

[13] المرجع السابق 3/ 124.

[14] انظر: مقاصد الشريعة الإسلامية، لابن عاشور، ص357.

[15] مقاصد الشريعة الإسلامية، لابن عاشور، ص358.

[16] المرجع السابق، ص358.

[17] انظر: الحيل الفقهية في المعاملات، لعيسى الخلوفي، ص241.

[18] انظر: مقاصد الشريعة الإسلامية، لابن عاشور، ص358

[19] انظر: الموافقات، للشاطبي 3/ 124.

[20] الموافقات، للشاطبي 3/ 124.

[21] انظر: مقاصد الشريعة الإسلامية، لابن عاشور، ص356-357

[22] المرجع السابق، ص356.

[23] المرجع السابق، ص359-360

[24] المرجع السابق، ص360.

[25] انظر: الموافقات، للشاطبي 3/ 125.

[26] انظر: مقاصد الشريعة الإسلامية، لابن عاشور، ص358.

[27] مقاصد الشريعة الإسلامية، لابن عاشور، ص359.

[28] انظر: الفتاوى الكبرى، لابن تيمية 6/ 108، إعلام الموقعين، لابن القيم 3/ 259.

[29] انظر: الفتاوى الكبرى، لابن تيمية 6/ 109، إعلام الموقعين، لابن القيم 3/ 260.

[30] انظر: إعلام الموقعين، لابن القيم 3/ 260.

[31] انظر: الفتاوى الكبرى، لابن تيمية 6/ 109.

[32] انظر: إعلام الموقعين، لابن القيم4/ 21.

[33] المرجع السابق 3/ 260.

[34] انظر: بيع العينة والتورق، لهناء الحنيطي، ص58.

[35] إعلام الموقعين، لابن القيم 3/ 261.

[36] انظر:الحيل الفقهية في المعاملات، لعيسى الخلوفي، ص77.

[37] انظر: الفتاوى الكبرى، لابن تيمية 6/ 108-109، إعلام الموقعين، لابن القيم3/ 259.

[38] انظر: الفتاوى الكبرى، لابن تيمية 6/ 108.

[39] انظر: الفتاوى الكبرى، لابن تيمية 6/ 109، إعلام الموقعين، لابن القيم 3/ 259-260.

[40] انظر: الفتاوى الكبرى، لابن تيمية 6/ 110، إعلام الموقعين، لابن القيم 3/ 260.

[41] الفتاوى الكبرى، لابن تيمية 6/ 110.

[42] إعلام الموقعين، لابن القيم 3/ 260.

[43] انظر: الموافقات، للشاطبي 3/ 109، حاشية الصاوي 3/ 623.

[44] انظر: المغني، لابن قدامة 4/ 43، الإنصاف، للمرداوي 9/ 121.

[45] انظر: المبسوط، للسرخسي 30/ 210، البناية شرح الهداية، للعيني 11/ 387.

[46] انظر: روضة الطالبين، للنووي 5/ 115، المنثور في القواعد، للزركشي2/ 93، فتاوى ابن الصلاح، ص47.

[47] انظر:المحلى، لابن حزم 7/ 554.

[48] فتح الباري، لابن حجر 12/ 326.

[49] سورة الأعراف، الآيات 163-166.

[50] تفسير القرآن العظيم، لابن كثير 3/ 493.

[51] انظر: الفتاوى الكبرى، لابن تيمية 6/ 28.

[52] سورة النساء، الآية 142.

[53] الموافقات، للشاطبي 3/ 109.

[54] هو أبو بكر أيوب بن أبي تميمة، كيسان السختياني، ولد سنة 66هـ، كان إمامًا، حافظًا، ثقةً، كثير التبسم في وجوه الرجال، توفي سنة 131هـ. انظر: تهذيب الكمال، للمزي 3/ 457، سير أعلام النبلاء، للذهبي 6/ 15.

[55] رواه البخاري معلقًا في كتاب الحيل، باب ما ينهى من الخداع في البيوع.

[56] سورة القلم، الآية 17.

[57] انظر: تذكرة الأريب في تفسير الغريب، لابن الجوزي، ص410.

[58] رواه البخاري، كتاب البيوع، باب بيع الميتة والأصنام، برقم2236، ومسلم، كتاب المساقاة والمزارعة، باب تحريم الخمر والميتة والخنزير والأصنام، برقم 1581.

[59] انظر: شرح الزرقاني على موطأ مالك 4/ 491.

[60] تحفة الأحوذي، للمباركفوري 4/ 435.

[61] كتاب الحيل، باب في الزكاة وألا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين متفرق خشية الصدقة، برقم6955.

[62] انظر: عمدة القاري شرح صحيح البخاري، للعيني 24/ 110.

[63] هو المهلب بن أحمد بن أبي صفرة أسيد بن عبدالله الأسدي، كان أحد الأئمة الفصحاء، الموصوفين بالذكاء، له مصنفان: "شرح صحيح البخاري"، و" المختصر النصيح في تهذيب الكتاب الجامع الصحيح"، توفي سنة 435ه. انظر: سير أعلام النبلاء، للذهبي 17/ 975، المختصر النصيح، للمهلب 1/ 12.

[64] رواه البخاري، كتاب الإيمان، باب الزكاة من الإسلام، برقم 46، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان الصلوات التي هي أحد أركان الإسلام، برقم 11.

[65] شرح صحيح البخاري، لابن بطال 8/ 314-315.

[66] انظر: الفتاوى الكبرى، لابن تيمية 6/ 166-167، الموافقات، للشاطبي 3/ 121.

[67] سورة الطلاق، الآية 2.

[68] انظر: إعلام الموقعين، لابن القيم 3/ 153.

[69] انظر: الحيل الفقهية في المعاملات المالية، لمحمد إبراهيم، ص86.

[70] الكشاف، للزمخشري 4/ 555.

[71] سورة ص، الآية 44.

[72] انظر:اللباب في الجمع بين السنة والكتاب، للمنبجي 2/ 602، ضوابط المصلحة، للبوطي، ص316.

[73] انظر:الفتاوى الكبرى، لابن تيمية 6/ 187، إعلام الموقعين، لابن القيم 3/ 165.

[74] رواه البخاري، كتاب البيوع، باب إذا أراد بيع تمر بتمر خير منه، برقم2201، ومسلم، كتاب المساقاة والمزارعة، باب بيع الطعام مثلا بمثل، برقم1592.

[75] ضوابط المصلحة، للبوطي، ص317-318.

[76] انظر: المخارج الشرعية ضوابطها وأثرها في تقويم أنشطة المصارف الإسلامية، لحسين العبيدلي، ص7.

[77] الفتاوى الكبرى، لابن تيمية 6/ 134.

[78] رواه أبو داود، كتاب الحدود، باب في إقامة الحد على المريض، برقم4472، وابن ماجه، كتاب الحدود، باب الكبير والمريض يجب عليه الحد،برقم 2574، وأحمد، حديث سعيد بن سعد بن عبادة، برقم21935. وقد اختلف في إسناد هذا الحديث، والصواب فيه أنه من رواية أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا. انظر:العلل، للدارقطني 12/ 276-277، السنن الكبرى، للبيهقي 8/ 401.

[79] انظر: ضوابط المصلحة، للبوطي، ص321.

[80] انظر تخريج الحديث.

[81] المغني، لابن قدامة 9/ 48.

[82] انظر: ضوابط المصلحة، للبوطي، ص310.

[83] الأم، للشافعي 7/ 86.

[84] مجموع الفتاوى، لابن تيمية 29/ 412-413.

[85] انظر: الموافقات، للشاطبي 3/ 109-123، مقاصد الشريعة الإسلامية، لابن عاشور، ص355-359.

[86] إعلام الموقعين، لابن القيم 4/ 21.

[87] المرجع السابق 4/ 36.

[88] الموافقات، للشاطبي 3/ 33.

[89] المرجع السابق 3/ 124.

[90] نفائس الأصول في شرح المحصول، للقرافي 9/ 4092.

[91] المرجع السابق 9/ 4092.

[92] إعلام الموقعين، لابن القيم 4/ 17.

[93] المرجع السابق 3/ 261-4/ 37.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • باب في الحيل ( قصص قصيرة )
  • تبويب البخاري باب الحيلة في النكاح

مختارات من الشبكة

  • الفرق بين الحيل المحرمة والمخارج المشروعة، المعاملات المالية نموذجا(مقالة - موقع د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري)
  • مخطوطة جنة الأحكام وجنة الخصام في الحيل والمخارج(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • بين المخارج الشرعية والحيل الربوية (PDF)(كتاب - موقع د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر)
  • مخطوطة الفوائد الجلية في الزجر عن تعاطي الحيل الربوية(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة كتاب الحيل(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة الحيل في الحروب وفتح المدائن وحفظ الدروب ( نسخة أخرى )(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة الحيل في الحروب وفتح المدائن وحفظ الدروب(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة الجامع بين العلم والعمل النافع في صناعة الحيل(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • دراسة وتحقيق فصول من كتاب الحيل(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • تسمية الأشياء بغير أسمائها الشرعية من حيل الخبثاء المغرضين(مقالة - ثقافة ومعرفة)

 


تعليقات الزوار
2- شكر
حسين - السعودية 23-02-2023 10:48 PM

شكرا على هذا البحث القيم..

1- شكر
حسين - السعودية 23-02-2023 02:51 AM

شكرا على هذا البحث القيم

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب