تحقيق تخريج مسألة ( إذا كان يوم الجمعة جلس الملائكة على أبواب المسجد )

تحقيق تخريج مسألة

( إذا كان يوم الجمعة جلس الملائكة على أبواب المسجد )

قال ابن أبي حاتم في كتاب العِلل: وسألت أبي عن حديث رواه عبدالرحمن بن يزيد بن جابر، عن عطاء الخراساني، عن مولى أم عثمان - امرأته -، عن علي بن أبي طالب، وذكر[1] كلامًا، وفيه دلالة أنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا كان يوم الجمعة جلس الملائكة على أبواب المسجد[2]). ورواه حماد بن سلمة، عن عطاء الخراساني، عن رجل قوله، موقوف.

قلت لأبي: ما الصحيح؟

قال: حديث عبدالرحمن بن يزيد بن جابر أشبه، وحماد لم يحفظ.

رجال الإسناد:

• عبدالرحمن بن يزيد بن جابر، ثقة، تقدمت ترجمته في المسألة رقم 567.

• عطاء بن أبي مسلم الخراساني، أبو عثمان البلخي، نزيل الشام (ت 135). روى عن الصحابة مرسلًا، والحسن البصري، وسعيد بن جبير، والزهري، وغيرهم. روى عنه الثوري، وشعبة، وعبدالرحمن بن يزيد بن جابر، وغيرهم.

قال ابن معين، والدارقطني، والعجلي، وابن سعد، والأوزاعي: ثقة. وقال أبو حاتم: ثقة صدوق. قيل: يُحتج به؟ قال نعم. وقال الترمذي: رجل ثقة، روى عنه الثقات من الأئمة مثل مالك ومعمر وغيرهما، ولم أسمع أن أحدًا من المتقدمين تكلم فيه بشيء.

وقال النسائي: ليس به بأس.

وقال شعبة: حدثنا عطاء الخراساني، وكان نَسِيًّا.

وذكره البخاري في الضعفاء، وذكر حديثه عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الذي واقع في شهر رمضان بكفارة الظهار، وقال: لا يتابع عليه. ثم ساق بإسناد له عن سعيد بن المسيب أنه قال: كذب علي، ما حدثُته هكذا.

وقال البخاري أيضًا: ما أعرف لمالك بن أنس رجلًا يروي عنه مالك يستحق أن يُترك حديثه غير عطاء الخراساني. فقال الترمذي: ما شأنه؟ قال عامة أحاديثه مقلوبة. وذكره أبو زرعة، والعقيلي، وابن الجوزي في الضعفاء.

وقال ابن حبان: كان رديء الحفظ، يخطئ ولا يعلم، فبطل الاحتجاج به.

وقال ابن حجر في الهدي: مشهور مختلف فيه، ما علمت من ذكره في رجال البخاري سوى المزي، فإنه ذكره في التهذيب.

قال ابن حجر: صدوق يهم كثيرًا، ويرسل ويدلس.

قلت: كذا وصفه بالتدليس، ولم أر من وصفه بذلك غيره، ولم يذكره في مراتب المدلسين، وانظر ما كتبه فضيلة الشيخ د. مسفر الدميني في كتابه التدليس (ص278). انظر التهذيب 7/212، التقريب (4600)، الجامع في الجرح 2/205.

• مولى أم عثمان، لم أقف على من ترجم له، ولم يذكر في شيوخ عطاء.

• علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - صحابي، تقدمت ترجمته في المسألة رقم 527.

• حماد بن سلمة، ثقة تغير حفظه بأخرة، تقدمت ترجمته في المسألة رقم 525.

تخريج الحديث:

روى عطاء الخراساني هذا الحديث، واختلف عليه:

1- فرواه عبدالرحمن بن يزيد، والحجاج بن أرطاة، عن عطاء، عن مولى أم عثمان، عن علي بن أبي طالب، مرفوعًا.

2- ورواه حماد بن سلمة، عن عطاء، عن رجل، من قوله، موقوفًا عليه.

الوجه الأول:

أخرجه أبو داود 1/637، كتاب الصلاة، باب فضل الجمعة، رقم 1051، واللفظ له - ومن طريقه ابن عبدالبر في التمهيد 22/27 -، من طريق عيسى بن يونس. والبيهقي في الكبرى 3/220، من طريق الوليد بن مزيد.

والخطابي في غريب الحديث 2/155، من طريق صدقة بن خالد. وتابعهم: الوليد بن مسلم: ذكره أبو داود 1/638.

كلهم عن عبدالرحمن بن يزيد بن جابر.

وأخرجه أحمد 1/93، وابن أبي شيبة في مسنده (ق53/أ)[3]، وأسلم الواسطي في تاريخ واسط (ص159)، من طريق الحجاج بن أرطاة.

كلاهما عن عطاء الخراساني، عن مولى امرأته أم عثمان، قال سمعت عليًا - رضي الله عنه - على منبر الكوفة يقول: ((إذا كان يوم الجمعة غدت الشياطين براياتها إلى الأسواق فيرمون الناس بالبرايث[4]، أو الربائث[5]، ويثبطونهم عن الجمعة. وتغدو الملائكة فيجلسون على أبواب المسجد، فيكتبون الرجل من ساعة، والرجل من ساعتين، حتى يخرج الإمام، فإذا جلس الرجل مجلسًا يستمكن فيه من الاستماع والنظر، فأنصت ولم يلغ، كان له كفلان من أجر، فأن نأى وجلس حيث لا يسمع، فأنصت ولم يلغ؛ كان له كفل من أجر، وإن جلس مجلسًا يستمكن فيه من الاستماع والنظر فلغا ولم ينصت، كان له كفل من وزر، ومن قال يوم الجمعة لصاحبه: صه، فقد لغا، ومن لغا فليس له في جمعته تلك شيء)).

ثم يقول في آخر ذلك: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك.

الوجه الثاني:

ذكره المصنف في هذه المسألة، ولم أقف على من أخرجه.

النظر في المسألة:

مما تقدم يتضح أن عطاء الخراساني روى هذا الحديث، واختلف عليه:

1- فرواه عبدالرحمن بن يزيد بن جابر، والحجاج بن أرطاة، عن عطاء، عن مولى أم عثمان، عن علي بن أبي طالب، مرفوعًا.

2- ورواه حماد بن سلمة، عن عطاء، عن رجل من قوله، موقوفًا عليه.

والوجه الأول أرجح، حيث رواه ابن جابر، وهو ثقة كما تقدم، وتابعه الحجاج، وهو صدوق كثير الخطأ (التقريب 1119)، في حين خالفهما حماد بن سلمة، وهو كما تقدم ثقة لكنه تغير حفظه بأخرة، ولم أجد من تابعه على الوجه الثاني.

ومنه يتضح صحة ما ذهب إليه أبو حاتم من ترجيحه للوجه الأول، حيث قال: حديث عبدالرحمن بن يزيد بن جابر أشبه، وحماد لم يحفظ.

ولكن مدار الحديث على عطاء الخراساني، وهو كما تقدم صدوق يهم كثيرًا، ومن رواه عنه في كلا الوجهين أوثق منه، فليس بعيدًا أن يكون حدث بالوجهين معًا، والله أعلم.

والحديث من وجهه الراجح إسناده ضعيف، لحال عطاء، ولجهالة راويه عن علي. ولكن لبعضه شواهد صحيحة:

وقد تقدم في المسألة رقم 581، ما ورد في جلوس الملائكة على الأبواب، وهو حديث صحيح. وللإنصات وعدم اللغو، والإمام يخطب شواهد، منها ما في صحيح البخاري (مع الفتح 2/480)، كتاب الجمعة، باب الإنصات يوم الجمعة، رقم 934، وغيره عن أبي هريرة. وأما بقية الحديث فلم أقف له على شواهد تقويه، والله أعلم.