تحقيق تخريج مسألة ( نام الناس ورقدوا وأنتم تنتظرون الصلاة )

تحقيق تخريج مسألة ( نام الناس ورقدوا وأنتم تنتظرون الصلاة )

للإمام الحافظ أبي محمد عبدالرحمن بن أبي حاتم الرازي

قال ابن أبي حاتم في كتاب العِلل: وسئل أبو زرعة عن حديث رواه أبو معاوية الضرير، عن داود بن أبي هند، عن أبي نضرة، عن جابر، قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة وأصحابه ينتظرونه لصلاة العشاء، فقال:((نام الناس ورقدوا وأنتم تنتظرون الصلاة، أما إنكم في صلاة منذ انتظرتموها، ولولا ضعف الضعيف وكبر الكبير لأخرت هذه الصلاة إلى شطر الليل)).

فقال أبو زرعة: هذا حديث وهم، وهم فيه أبو معاوية.

قلت: لم يبين الصحيح ما هو؟ والذي عندي أن الصحيح ما رواه وهيب، وخالد الواسطي، عن داود، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

رجال الإسناد:

• أبو معاوية الضرير: محمد بن خازم التميمي السعدي الكوفي (ت295).

روى عن الأعمش، وداود بن أبي هند، وشعبة، وعاصم الأحول، وغيرهم.

روى عنه أحمد بن حنبل، وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وغيرهم.

وثقه النسائي، والعجلي، وابن سعد. وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: كان حافظاً متقناً. وقال ابن خراش: صدوق، وهو في الأعمش ثقة، وفي غيره فيه اضطراب.

وقال أحمد: أبو معاوية في غير حديث الأعمش مضطرب، لا يحفظها حفظاً جيداً.

وقال ابن معين: أبو معاوية أثبت من جرير في الأعمش، وروى أبو معاوية عن عبيد الله بن عمر أحاديث مناكير.

وعده ابن معين: من أثبت أصحاب الأعمش بعد سفيان وشعبة.

قال ابن حجر: ثقة، أحفظ الناس لحديث الأعمش، وقد يهم في حديث غيره.

انظر تهذيب الكمال 25/123، التهذيب 9/137، التقريب (5841).

• داود بن أبي هند القشيري مولاهم، أبو محمد البصري (ت140).

روى عن أبي نضرة، والحسن البصري، وابن المسيب، والشعبي، وغيرهم.

روى عنه الثوري، وشعبة، وخالد بن عبدالله الواسطي، ووهيب بن خالد، وغيرهم.

قال أحمد: ثقة ثقة. وقال يعقوب بن شيبة: ثقة ثبت. ووثقه ابن معين، وأبو حاتم، والنسائي، والعجلي، وابن سعد، وابن خراش. وقال الثوري: هو من حفاظ البصريين.

وسئل عنه أحمد فقال: مثل داود يسأل عنه؟!

وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: روى عن أنس خمسة أحاديث لم يسمعها منه، وكان من خيار أهل البصرة، من المتقنين في الروايات، إلا أنه كان يهم إذا حدث من حفظه. وقال الأثرم عن أحمد: كان كثير الاضطراب والخلاف.

وقال أبو داود: رجل البصرة، إلا أنه خولف في غير حديث.

قال ابن حجر: ثقة متقن كان يهم بأخرة.

قلت: الذي يظهر أنه ثقة، أما قول الإمام أحمد فمعارض بما ورد عنه خلافه، فقد وثقه جداً، وبقول الأكثرين خلافه. وأما الوهم اليسير والمخالفة فهذا مما لا يسلم منه أحد، ولذا قال ابن حبان بعد قوله السابق: ولا يستحق الإنسان الترك بالخطأ اليسير يخطيء، والوهم اليسير يهم، حتى يفحش ذلك منه ؛ لأن هذا مما لا ينفك منه البشر، ولو سلكنا هذا المسلك للزمنا ترك جماعة من الثقات الأئمة؛ لأنهم لم يكونوا معصومين من الخطأ، بل الصواب في هذا ترك من فحش ذلك منه، والاحتجاج بمن كان فيه ما لا ينفك منه البشر.

انظر التهذيب 3/204، التقريب (1817)، الجامع في الجرح 1/226.

• أبو نضرة العبدي: المنذر بن مالك بن قطعة، البصري، مشهور بكنيته (ت108) ثقة، متفق على توثيقه.

انظر تهذيب الكمال 28/510، التهذيب 10/302، التقريب (6890).

• جابر بن عبدالله بن عمرو بن حرام الأنصاري السلمي (ت74 تقريباً).

أحد المكثرين من الصحابة، له ولأبيه صحبة، وروى عن جماعة من الصحابة، كان ممن شهد العقبة، شهد تسع عشرة غزوة مع النبي صلى الله عليه وسلم.

انظر الاستيعاب 2/109، أسد الغابة 1/256، الإصابة 2/45.

• وهيب، بالتصغير، ابن خالد بن عجلان الباهلي، أبو بكر البصري (ت165).

وثقه أبو حاتم، وأحمد، والطيالسي، والعجلي، وغيرهم.

وقال ابن معين: من أثبت شيوخ البصريين. وقال ابن مهدي: من أبصر أصحابه بالحديث والرجال. وقال أبو حاتم: ما أنقى حديثه، لا تكاد تجده يحدث عن الضعفاء، وهو الرابع من حفاظ البصرة، وهو ثقة، ويقال إنه لم يكن بعد شعبة أعلم بالرجال منه.

وقال أبو حاتم في العلل رقم 2050: وهيب أتقن وأوثق من أبي معاوية.

قال أبو داود: تغير وهيب بن خالد، ووهيب ثقة.

قال ابن حجر: ثقة ثبت، لكنه تغير قليلاً بأخرة.

انظر تهذيب الكمال 31/164، السير 8/198، التهذيب 11/169، التقريب (7487).

• خالد بن عبدالله بن عبدالرحمن الطحان الواسطي (ت182).

ثقة ثبت، متفق على توثيقه.

انظر تهذيب الكمال 8/99، السير 8/246، التهذيب 3/100، التقريب (1647).

• أبو سعيد الخدري: سعد بن مالك بن سنان الأنصاري، مشهور بكنيته (ت54).

له ولأبيه صحبة، أول مشاهده الخندق، وغزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنتي عشرة غزوة، وكان ممن حفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم سنناً كثيرة، وكان من نجباء الأنصار وعلمائهم.

انظر الاستيعاب 4/162، أسد الغابة 2/289، 5/211، الإصابة 4/165.

تخريج  الحديث:

روى داود بن أبي هند هذا الحديث، واختلف عليه:

1- فرواه أبو معاوية، عن داود، عن أبي نضرة، عن جابر.

2- ورواه عدد من الثقات، عن داود، عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري.

الوجه الأول:

أخرجه أبويعلى في مسنده 3/444، رقم 1939 - وعنه ابن حبان 4/396، رقم 1529-. على أبي خيثمة.

والبيهقي في الكبرى 1/375، من طريق سعدان بن نصر.

وفي الخلافيات (1/ق156/أ)، من طريق سفيان.

والسراج في مسنده (ق 40/ب)، من طريق هناد بن السري، وأبي كريب وابن أبي شيبة في المصنف 1/402.

كلهم عن أبي معاوية، عن داود بن أبي هند، عن أبي نضرة، عن جابر، نحوه.

الوجه الثاني:

أخرجه أبو داود 1/293، كتاب الصلاة، باب وقت العشاء الآخرة، رقم 422- ومن طريقه البيهقي في الخلافيات (1/ق156/أ) -، من طريق بشر بن المفضل.

والنسائي 1/268، كتاب المواقيت، باب آخر وقت العشاء، رقم 538، وابن ماجه رقم 1/226، كتاب الصلاة، باب وقت صلاة العشاء رقم   693، وابن خزيمة 1/177، رقم 345، من طريق عبد الوارث بن سعيد.

وابن خزيمة 1/177، رقم 345   وأحمد 3/5- ومن طريقه ابن الجوزي في التحقيق 1/297، رقم 354، وفي الحدائق 2/97_، ورواه السراج في مسنده (ق 40/ب) من طريق محمد بن أبي عدي.

وابن خزيمة 1/177، رقم 345، والسراج في مسنده (ق40/ب)، من طريق عبد الأعلى بن عبد الأعلى.

والبيهقي في الكبرى 1/375، وفي الخلافيات (1/ق 141/أ، ب) وأبو طاهر السلفي في الأول من الفوائد العوالي من أصول مسموعات أبي عبد الله الثقفي (ق4/أ) من طريق علي بن عاصم.

وابن عساكر في تاريخ دمشق 34/3، 4 من طريق هشيم.

وتابعهم: وهيب بن خالد، وخالد الواسطي، كما ذكر ابن أبي حاتم في هذه المسألة.

كما تابعهم: علي بن مسهر، وإبراهيم بن طهمان، ويحيى بن زكريا بن أبي زائدة، ومحمد ابن سعيد الأموي - أخو يحيى -: ذكر ذلك الدارقطني في العلل 11/327.

كلهم عن داود بن أبي هند، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري.

النظر في المسألة:

مما تقدم يتضح أنه اختلف على داود بن أبي هند من وجهين:

1- فرواه أبو معاوية، عن داود عن أبي نضرة، عن جابر.

2- وخالفه جمع من الثقات، فرووه عن داود، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري.

والوجه الثاني أرجح؛ حيث رواه عدد من الثقات كذلك، في حين خالفهم أبو معاوية، وتقدم أنه كان يهم في غير حديث الأعمش، فلعل هذا مما وهم فيه.

ومنه يتبين صحة ما ذهب إليه أبو زرعة من تخطئته لأبي معاوية، في هذا الوجه، والحديث من وجهه الراجح صحيح؛ فإسناده متصل ورجاله ثقات، كما أن له شواهد أخرى في الصحيحين، وغيرهما عن ابن عمر، وابن عباس، وعائشة، والله أعلم.