• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    {وما النصر إلا من عند الله} ورسائل للمسلمين
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرزاق، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    الأحق بالإمامة في صلاة الجنازة
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    فضل الصبر على المدين
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    تفسير قوله تعالى: { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ...
    سعيد مصطفى دياب
  •  
    محاسن الإرث في الإسلام (خطبة)
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    تفسير: (لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنتان عن يمين ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    علامات الساعة (2)
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    ما جاء في فصل الصيف
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    أحكام التعاقد بالوكالة المستترة وآثاره: دراسة ...
    د. ياسر بن عبدالرحمن العدل
  •  
    خطبة: أم سليم ضحت بزوجها من أجل دينها (1)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    خطبة: التربية على العفة
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    حقوق الأولاد (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    التلاحم والتنظيم في صفوف القتال في سبيل الله...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أسس التفكير العقدي: مقاربة بين الوحي والعقل
    الشيخ حذيفة بن حسين القحطاني
  •  
    ابتلاء مبين وذبح عظيم (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / علوم قرآن
علامة باركود

ختم الآيات بالأسماء والصفات الإلهية ( دراسة تحليلية )

ختم الآيات بالأسماء والصفات الإلهية ( دراسة تحليلية )
د. محمد شلبي محمد

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 26/3/2014 ميلادي - 24/5/1435 هجري

الزيارات: 139848

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

ختم الآيات بالأسماء والصفات الإلهية

دراسة تحليلية


تمثِّلُ الأسماءُ والصفات الإلهية مادةً للبحث، تجاوزت كل مبحوث بسَعة العناصر، وقدَاسة المصدر، ولقد تناولها العلماءُ والدارسون على مدى التاريخ؛ لِما كان لها من الفضل في إدخال مَن أحصاها الجنةَ، فيما حثَّ عليه الرسولُ الكريم صلى الله عليه وسلم.

 

ولهذا السبب نجد الباحثينَ في الأسماء والصفات الإلهية أتَوْا من مشاربَ متنوعة؛ حيث بحثها اللُّغويُّون والفقهاء وعلماءُ الحديث وعلماء الكلام، وحاوَل كل فريق أن يتناولها من خلال عينيه وتخصُّصه، يبين عما فيها من مَعانٍ وأحكام، والحق أن هذه العلوم جميعًا تلتقي معًا لبيانِ أحكام هذه الأسماءِ والصفات المقدسة التقاءً لا غِنى عنه لجميعها.

 

ومن الظواهر الجديرة بالبحث - فيما يخص الأسماءَ والصفات الإلهية - قضيةُ التوظيف القرآني لها، ومن أعظمِ ظواهر هذا التوظيف ظاهرتان: ختم الآيات بالأسماء والصفات الإلهية، واقتران الأسماء والصفات.

 

والتركيز في هذا البحث المختصر هو على الظاهرةِ الأولى منهما، ظاهرةِ ختم الآيات بالأسماء والصفات الإلهية، والدارس لهذه الظاهرة يخرُجُ بفوائدَ جمة تظهر في جوانب كثيرة: عقَدية وشرعية ولُغَوية، ولبُّ هذه القضية أن الأسماءَ والصفات الإلهية لها آثار تقتضي وجودَها في الواقع؛ كما تقتضي رحمتُه تعالى وجودَ مرحومين، وكما يقتضي رزقُه تعالى وجودَ مرزوقين، وهكذا سائر الأسماء والصفات، لكل صفةٍ أثرٌ تقتضيه.

 

فجاءت ظاهرةُ خَتْم الآيات بالأسماء والصفات لبيانِ هذه الآثار من خلال دلالات كثيرة يمكن أن نتناوَلَها في المباحثِ التالية:

المبحث الأول: ختم الآيات بالأسماء والصفات لتعليل الأحكام.

المبحث الثاني: ختم الآيات بالأسماء والصفات لدلالة "الشرطية".

المبحث الثالث: ختم الآيات بالأسماء والصفات لتقرير الأحكام.

المبحث الرابع: ختم الآيات بالأسماء والصفات للترغيب.

المبحث الخامس: ختم الآيات بالأسماء والصفات للترهيب.

المبحث السادس: ختم الآيات بالأسماء والصفات للاحتراز.

المبحث السابع: ختم الآيات بالأسماء والصفات لمناسبة دلالة الأثَر.

 

عرض المباحث:

المبحث الأول: ختم الآيات بالأسماء والصفات لتعليل الأحكام:

يذكُرُ "ابن القيِّم" أنه تعالى: "يعلِّل أحكامَه وأفعاله بأسمائه"[1]، فذكر أمرين: أنَّ بين الصفاتِ وآثارها علاقةَ تعليل، وأن هذا التعليل تتنوع معه الآثار: إما أحكام وإما أفعال.

 

• أما تعليل الأحكام الشرعية بالأسماء والصفات: فقد وردت بذلك آيات كثيرة، منها قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾ [الأحزاب: 1]، والمعنى: أنه: "لو علِم اللهُ عز وجل أن مَيْلَك إليهم فيه منفعة لَمَا نهاك عنه؛ لأنه حكيم" [2]، فجعل الخَتْم تعليلاً للحُكم الشرعي، وهو هنا النهي.

 

وكذلك قوله تعالى: ﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [المائدة: 38]، فهو ﴿ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾؛ "ولذلك شرع هذه الشرائعَ المنطوية على فنون الحِكَم والمصالح" [3]، فجعل الختم تعليلاً للتشريع، وهو هنا الأمر.

 

وكقوله تعالى: ﴿ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 5]، فقوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 5]: "تعليل للأمر؛ أي: فخلُّوهم؛ لأن اللهَ غفور رحيم" [4]، ومثله قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴾ [النساء: 29].

 

• ويتعلَّقُ بالأحكام تعليل الجزاء:

فجاء في تعليل الثواب قولُه تعالى: ﴿ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ ﴾ [فاطر: 34]؛ فإنهم: "لَمَّا صاروا إلى كرامتِه بمغفرته ذنوبَهم، وشكرِه إحسانَهم، قالوا: ﴿ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ ﴾ [فاطر: 34]، وفي هذا معنى التعليل؛ أي: بمغفرته وشُكرِه وصَلْنا إلى دار كرامته" [5].

 

وجاء في تعليل العقاب قوله تعالى: ﴿ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [البقرة: 20]، فالمعنى: "لأن اللهَ على كل شيء قدير؛ فالذهابُ بالسمع والأبصار لا يتحقَّقُ إلا مع القدرة على ذلك" [6].

 

• وأما تعليل أفعال الله تعالى التي مرجعها مشيئته:

* فكما قال في توبته على آدمَ عليه السلام: ﴿ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة: 37]، والمعنى: "لأنه هو التواب الرحيم غافرُ الذنب وقابل التَّوْب" [7].

 

• وقوله تعالى في إحيائه الموتى: ﴿ فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [الروم: 50]، فقوله تعالى: ﴿ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾: "تعليل لعظم قدرته، وأنه قادرٌ على إحياء الموتى، وعلى فِعل كلِّ شيء أراده" [8].

 

• وقوله في تأخير عقوبته: ﴿ قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الفرقان: 6]، وذكَر ذلك بعد افتراء الكفَّار الذي يوجب العقاب، فهو: "تعليل لِما هو مُشاهَد من تأخير عقوبتهم مع استيجابِهم إيَّاها؛ أي: فهو يُمهِل ولا يُعاجِل؛ لمغفرته ورحمته" [9].

 

• وقال في تأليفه القلوب: ﴿ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [الأنفال: 63]، فبهذا الختم: "علَّل نفوذَ فعله وأمره فيه بقوله: ﴿ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ ؛ أي: لأنه لولا عزتُه التي تغلِبُ كلَّ شيء ولا يغلِبُها شيء، وحكمته التي يُتقِن بها ما أراد، بحيث لا يمكن لأحد أن يغيِّرَ شيئًا منه لَمَا تَألَّفُوا" [10].

 

وكما علل أفعاله وأحكامه، علل استحقاقَه التنزيهَ والإفراد بالعبادة:

• فقال في خشية عباده له: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ﴾ [فاطر: 28]، فالختم هنا: "تعليل لوجوب الخشية؛ لدلالتِه على عقوبة العصاة وقهرِهم، وإثابة أهل الطاعة والعفوِ عنهم"[11]، وعلل بصفاته لاستحقاقه التسبيح فقال: ﴿ يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [التغابن: 1]؛ فإن جملة ﴿ لَهُ الْمُلْكُ ﴾: "استئنافٌ واقعٌ موقعَ التعليل والتسبُّب لمضمون تسبيح لله ما في السموات وما في الأرض" [12].

 

• وعلَّل غناه تعالى عن خَلقه، فقال: ﴿ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾ [الذاريات: 57، 58]، فإن قوله: ﴿ هُوَ الرَّزَّاقُ ﴾ : "تعليل لعدم طلب الرزق، وقوله تعالى: ﴿ ذُو الْقُوَّةِ ﴾: تعليل لعدَمِ طلَبِ العمل؛ لأن مَن يطلب رزقًا يكون فقيرًا محتاجًا، ومن يطلب عملاً من غيره يكون عاجزًا لا قوةَ له، فصار كأنه يقول: ما أريدُ منهم من رزق؛ فإني أنا الرزَّاق، ولا عملَ؛ فإني قوي" [13]، إلى غير ذلك مما ورد في تعليل الآثار بالأسماء والصفات، وهناك علاقة أخرى مساوقة للتعليل وهي:

المبحث الثاني: ختم الآيات بالأسماء والصفات لدلالة "الشرطية":

حيث تأتي الصفات مأتى جملة الشرط، وقد تأتي مأتى جواب الشرط:

• فأما إتيانها مأتى جملة الشرط: فيأتي الأثر جوابًا؛ وذلك في مثل قوله تعالى: ﴿ وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [هود: 41]، فالمعنى أنه لولا مغفرةُ ربِّي ورحمتُه لغرقتم، فاركَبوها باسمه، فقوله: ﴿ إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [هود: 41]: "جملة مستأنَفة، بيان للموجب الإنجاء" [14].

 

وكذلك قوله تعالى: ﴿ الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ ﴾ [المجادلة: 2]، فقد ختم سبحانه الآيةَ بقوله تعالى: ﴿ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ ﴾ [المجادلة: 2]، وذلك: "فيه إشعار بقيام سبب الإثم الذي لولا عفوُ الله ومغفرته لأخذ به" [15]، فأقام سبحانه اسميه: "العفو الغفور" مقامَ الشرط الذي لولاه لعُوقِب الآثِم.

 

ومثله قوله تعالى - وهو ظاهر -: ﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [النور: 20]؛ أي: لولا ذلك لحدَث ما لا تحبُّون، وكلُّ ذلك يقع الأثرُ فيه جوابًا لها، سواء أكان الأثر الإنجاء أو العقاب.

 

• وأما إتيانها مأتى جواب الشرط:

فيكون الأثر فعل الشرط، ويكون جوابه أثرًا مقدَّرًا دلَّت عليه صفتُه تعالى، ومن ذلك قوله: ﴿ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 215]، فقوله: ﴿ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ ﴾: "في معنى الشرط، ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾ جوابه؛ أي: إن تفعلوا خيرًا فإن اللهَ يعلَمُ كُنْهَه، ويوفي ثوابه" [16]، فجعل الله تعالى عِلمه معبرًا عن أثَره الذي هو إثابة المنفِق.

 

ومنه قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 158]، فأقام الصفة مقام أثرِها، وهو الجواب، والمعنى أن من تطوَّع أثابه الله؛ لأن مِن صفاته أنه شاكرٌ عليم بمن يستحقُّ الإثابة؛ ولذلك لَمَح فيها المفسِّرون معنى التعليل المستفاد من معنى قيام الصفة مقامَ جواب شرط؛ فالختم بشاكر وعليم: "علةٌ لجواب الشرط، قائمٌ مقامه، كأنه قيل: ومن تطوع خيرًا جازاه الله وأثابه؛ فإن اللهَ شاكر عليم" [17].

 

ومِن ذلك قوله تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الأنفال: 69]، فقوله: "﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾؛ أي: في مخالفةِ أمره ونهيِه، ﴿ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾، فيغفر لكم ويرحَمكم إن اتَّقَيْتموه" [18]، فكان من باب السبب والنتيجة، وهو الشرط، وأقام الصفة مقام أثرها، والمعنى: اتقوا الله يغفِرْ لكم، ومثله قوله تعالى: ﴿ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [البقرة: 192]، وقوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [البقرة: 211]، ومثل ذلك كثير.

 

وفي معنى الشرط يأتي أسلوبُ الأمر ونتيجته؛ ففي قوله تعالى: ﴿ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [البقرة: 199]، ختَم الله تعالى الآية باسميه: "الغفور الرحيم" بعد فِعل الأمر ﴿ وَاسْتَغْفِرُوا ﴾؛ حيث: "جاءت جملة: ﴿ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾، بعد فعل الأمر: ﴿ وَاسْتَغْفِرُوا ﴾، فكانت كأنها جواب شرط مقدَّر، تقديره: إن استغفرتموه غفَر لكم" [19].

 

المبحث الثالث: ختم الآيات بالأسماء والصفات لتقرير الأحكام:

تأتي الأسماء الإلهية في ختم الآيات مقرِّرة لآثارها، فتكون من قبيل تأكيد صدور الفعل عن الصفة التي اقتضته؛ وذلك مثل قوله تعالى: ﴿ دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [النساء: 96]، فالختم باسميه: "غفور رحيم": " تذييل مقرِّر لِمَا وعد من المغفرة والرحمة" [20].

 

ومن ذلك قوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [البقرة: 105]، فقوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾: "تذييل لِما سبق، مقرِّر لمضمون الآية، وفيه إيذان بأن إيتاء النبوة من فضله العظيم" [21]، وذلك تقرير؛ لأن الاختصاص بالرحمة فضل؛ لأنه زائدٌ على عمومها المعهود في جرَيانها على العالَمين.

 

وقد يرِدُ التقرير باعتراض الأسماء في ختم الآية بين معنيين؛ كقوله تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ ﴾ الآية، [البقرة: 29، 30]، فقوله: ﴿ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾: "اعتراض تذييلي مقرِّر لِمَا قبله من خلق السموات والأرض وما فيهما، على هذا النمط البديع المنطوي على الحِكم الفائقة والمصالحِ اللائقة" [22]، والمقرَّر أثرُ صفة أخرى وهي الخَلق، وهو يتضمَّن صفة العِلم.

 

ومثله قوله تعالى: ﴿ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [البقرة: 284]، فقوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ تذييل: "مقرِّر لمضمونِ ما قبله؛ فإن كمال قدرتِه تعالى على جميع الأشياء موجِبٌ لقدرته سبحانه على ما ذكر من المحاسبة، وما فرع عليه من المغفرة والتعذيب" [23]، فقد جاء الختم تقريرًا؛ لأن مِن القدرة الكاملة فِعلَ النقيضينِ.

 

ومن ذلك قوله تعالى: ﴿ وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا ﴾ [النساء: 130]، فقوله: ﴿ مِنْ سَعَتِهِ ﴾: "أي: من شمول قدرته وغير ذلك من كل صفة كمال، ولمزيد الاعتناء بتقرير هذه المعاني في النفوس لإحضارها الشُّح، كرَّر اسمَه الأعظم الجامع فقال: ﴿ وَكَانَ اللَّهُ ﴾؛ أي: ذو الجلال والإكرام أزلاً وأبدًا ﴿ وَاسِعًا ﴾؛ أي: محيطًا بكل شيء ﴿ حَكِيمًا ﴾؛ أي: يضع الأشياء في أَقْوَمِ محالِّها" [24].

 

والجامع في إتيان الصفات تقريرًا أن يكون الأثر مقتضاها، فتأتي حينئذٍ مقرِّرة مؤكِّدة صدورَ الأثَرِ عن هذه الصفة.

 

المبحث الرابع: ختم الآيات بالأسماء والصفات للترغيب:

تأتي الأسماء الإلهية بعد أثرٍ ما، فتأتي لمعنى الترغيب في أمر يقتضي فعلُه حدوثَ هذه الأسماء المرغوب أثرها؛ وذلك كقوله تعالى: ﴿ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاؤُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [البقرة: 226]، فالله تعالى: "خَتَم حكمَ الفيء الذي هو الرجوع والعَوْد إلى رضا الزوجة والإحسان إليها بأنه غفور رحيم، يعود على عبده بمغفرته ورحمته إذا رجع إليه، والجزاء من جنس العمل، فكما رجع إلى التي هي أحسن، رجَع الله إليه بالمغفرةِ والرحمة" [25].

 

وكون هذا الختم أتى للترغيب في العمل الصالح مستفادٌ من قاعدةِ الجزاء من جنس العمل، كأنه قال: إن تُحسنوا بالفيء أُحسِنْ بالمغفرة والرحمة.

 

ومنه قوله تعالى: ﴿ وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ ﴾ [هود: 90]، فقوله: ﴿ وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ﴾: "أي: اطلبوا ستر المحسن إليكم، ونبَّه على مقدارِ التوبة بأداة التراخي فقال: ﴿ ثُمَّ تُوبُوا ﴾، ثم علَّل ذلك مُرغِّبًا في الإقبال عليه بقوله: ﴿ إِنَّ رَبِّي ﴾؛ أي: المختص لي بما ترون من الإحسان دينًا ودُنْيَا ﴿ رَحِيمٌ وَدُودٌ ﴾" [26].

 

ولذلك يُعتَبَر هذا النوعُ من الختم من قَبيل الدعوة للدِّين وتأليف القلوب؛ كما قال تعالى: ﴿ لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 225]، فقوله: ﴿ وَاللَّهُ غَفُورٌ ﴾ أفاد أنه: "لم يؤاخذ باللغو، ﴿ حَلِيمٌ ﴾؛ حيث لم يعجل بالمؤاخذة على يمين الجد تربُّصًا بالتوبة" [27]؛ أي: تَأَلُّفًا إليها وتوقُّعًا لها.

 

المبحث الخامس: ختم الآيات بالأسماء والصفات للترهيب:

تأتي الأسماء الإلهية مختومًا بها للترهيب مِن فعلٍ ما، بالتذكير بأثر هذه الأسماء الذي يقتضي ما يرهب وقوعه، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿ وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 227]، حيث يُلمَح فيه معنى التهديد، ففي قوله تعالى: ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾: "تهديد بما يقع في الأنفس والبواطن من المُضارَّة والمضاجرة بين الأزواج في أمور لا تأخُذُها الأحكام، ولا يمكن أن يصلَ إلى عِلمَها الحُكَّام" [28].

 

ومنه قوله تعالى: ﴿ مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ ﴾ [المائدة: 99]، فإن: "هذا من الله تعالى ذِكرُه تهديدٌ لعباده ووعيد" [29]؛ فهو تهديد للكافر والضالِّ الذي يُبدِي ويعلَمُ الله، وتهديدٌ للمنافق الذي يكتُمُ ويعلَمُ الله، وعِلمه تعالى مُقارِن لقدرته؛ فهو يُهلِك مَن يستحق، ويُنجي مَن يستحق.

 

وكثيرٌ من الآيات المختومة بصفة العلم وما هو في معناه يأتي الختمُ بها للتحذير والترهيب من الوقوع فيما يقتضي إجراءَ أثَرِ الانتقام على الفاعل المستحق؛ كقوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [النور: 53]، وقوله تعالى: ﴿ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا ﴾ [النساء: 108]، وقوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا ﴾ [فصلت: 40]، وقوله تعالى: ﴿ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة: 144].

 

وقد يأتي التهديدُ بأثَرِ صفة الربوبية؛ كقوله تعالى: ﴿ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [المطففين: 6]، فذلك: "تهديد شديد ووعيد أكيد" [30]؛ ولذلك فُسِّر بالحساب، فقوله: ﴿ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾؛ أي: "لأمره أو لجزائه وحسابه" [31]؛ فالتذكيرُ بالحساب تهديد للمُطفِّف أن يقعَ عليه أثرُ ربوبيته تعالى التي تقتضي انتقامَه ممن عصاه، وإذلالَه لِمَن تكبَّر على أمره.

 

وقد ترِد الصفة فيفهم من سياقها التهديدُ على خلاف الظاهر؛ كما قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ﴾ [الانفطار: 6]، فهذا: "تهديد، لا كما يتوهمه بعضُ الناس من أنه إرشاد إلى الجواب؛ حيث قال: ﴿ الْكَرِيمِ ﴾ حتى يقول قائلهم: غرَّه كَرَمه، بل المعنى في هذه الآية: ما غرك يا ابن آدم بربك الكريم؛ أي: العظيم، حتى أقدمتَ على معصيته، وقابلتَه بما لا يليق" [32]، وبَيَّن وجه الإتيان بالكريم دون سائر الصفات لينبه على أن الكريمَ لا ينبغي أن يقابَلَ بالفعل القبيح [33]، فهو من باب: اتَّقِ شرَّ الحليم إذا غضب.

 

المبحث السادس: ختم الآيات بالأسماء والصفات للاحتراز:

وتأتي الأسماءُ الإلهية في ختم الآيات لمعنى الاحتراز عن فَهْم ما يخالف أثرها الواجب، فيخالف ذلك الكمال الواجب، ومنه قوله تعالى: ﴿ اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ ﴾ [الشورى: 19]، فقد: "عطفَ ﴿ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ ﴾ على صفة ﴿ لَطِيفٌ ﴾، أو على جملة ﴿ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ ﴾، وهو تمجيد لله تعالى بهاتينِ الصِّفتين، ويُفيد الاحتراس مِن توهُّم أن لُطفَه عن عجز أو مصانَعة؛ فإنه قويٌّ عزيز لا يعجِز ولا يصانع" [34].

 

ومما يؤكد هذا المعنى أن اللُّطف والرِّزق لا يناسبهما التعليلُ بالقوة والعزة، وليس موضع الاسمين هنا التهديد ولا الترغيب ولا الترهيب، وإنما هما احتراسٌ عن فَهْم ما لا يليق، وكذلك يحترس الأنبياءُ بالأسماء والصفات الإلهية في خطابهم عن آثار صفات الله تعالى، ومن ذلك: ﴿ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [المائدة: 118]، فالمعنى: "إن مغفرتَك لهم مصدرُها عن عزةٍ هي كمال القدرة، لا عن عجزٍ وجهل" [35].

 

المبحث السابع: ختم الآيات بالأسماء والصفات لمناسبة دلالة الأثَر:

ومن ذلك ما جاء تعليقًا على معجزة عُزَيرٍ ومعجزة إبراهيم عليه السلام، فاختلف الاسمُ المختوم به مع اتِّفاق الموقفينِ في إحياء الموتى، فمع عزير قال تعالى: ﴿ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [البقرة: 259]، ومع إبراهيمَ عليه السلام، قال تعالى: ﴿ قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [البقرة: 260].

 

فجاء الختمُ باسم القدير دلالةً على صفة القدرة اعترافًا من عُزَير؛ إذ كان المراد جعله آيةً للناس، فاقتضاه إحياؤه وإحياء الميت أمامه إلى استدعاء الصفة التي تناسبه وتخاطب العامة، وهي القدرة.

 

أما مع إبراهيم عليه السلام، فجاء الختم باسميه: العزيز الحكيم، دلالةً على صفة العزَّة والحِكمة، وهما إعلامٌ من الله تعالى، لا اعترافًا من إبراهيم؛ لأنه لم يشكَّ أصلاً ليعترف، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((نَحْنُ أحَقُّ بِالشَّكِّ مِن إِبْرَاهِيمَ)) [36]، إن تطرَّق الشك إليه - وهو الخليل - تطرَّق إلينا نحن بالأَوْلى، وهو من أدبه صلى الله عليه وسلم، وفسَّر العلماء سؤالَ إبراهيم بأنه: "أراد الطمأنينة بعِلم كيفية الإحياء مشاهدةً بعد العِلم بها استدلالاً" [37].

 

فالطُّمأنينةُ السَّكينة والرَّاحة عند حصول المطلوب، والنفس التي تعلم تُحصِّل ذلك حين ترى، ثم إن إبراهيمَ عليه السلام لَم يسأل بـ: "هل"، وإنما سأل بـ: "كيف"، وحَكْيُ القرآن سؤالَ الله له جاء لتأكيد إيمانِ إبراهيمَ عليه السلام، لا للتشكيكِ فيه.

 

وقد بيَّنَّا أن اسمَه تعالى الحكيمَ يأتي مع اسمه العزيزِ بمعنى الحُكم لا بمعنى الحِكمة، فجاء الختمُ لمعنيينِ أرادهما اللهُ تعالى؛ الأول: أن الله تعالى يُحيي الموتى على هذه الكيفية بعزَّته؛ أي: بقوَّتِه وقدرته، وهذا مشابهٌ للختم مع عُزَير، والثاني: أنه يُحييهم لحُكمه؛ أي: يحييهم ليحكُمَ بينهم، وهذا معنًى زائدٌ على معنى معجزة عُزَير.

 

والغرض: تقرير أن دلالةَ الإحياء باعتباره أثرًا للأسماء والصفات مع عُزَير خالَفَت دلالتها مع إبراهيمَ عليه السلام؛ ولذلك خالَف الختمُ في الأُولى الختمَ في الثانية.

••••

 

والخلاصة:

أن ختمَ الآيات بالأسماء والصفات له تعلُّق بالأثَر، ومن الآثار التي تأتي مع الأسماء والصفات الإلهية في ختم الآيات:

• الآثار الكونية: ومن ذلك ما يتعلَّقُ بإيجادها وحِفظِها وتصريفها.

• الآثار الشرعية: ومن ذلك ما يتعلق بالأحكام وجزاء التكليف الشَّرعي.

 

وهناك علاقات بين الأسماء وآثارِها في ختم الآيات، منها:

• التعليل: كتعليل الأحكام الشرعية بالأسماء والصفات، وتعليل الجزاء، وتعليل أفعال الله تعالى التي مرجِعُها مشيئتُه، واستحقاقه التَّنزيهَ والإفراد بالعبادة.

 

• الشرطية: حيث تأتي الأسماءُ مأتى جملة الشرط، وتأتي مأتى جواب الشرط.

 

• التقرير: وذلك حين يكون الأثر مقتضاها، فتأتي حينئذٍ مقرِّرة مؤكِّدة صدورَ الأثَرِ عن هذه الصفة.

 

• كما تأتي للترغيب والترهيب، والاحتراز، ومناسبة دلالة الأثر.



[1] ابن القيم: جلاء الأفهام، ص: 93، دار الطباعة المحمدية بالأزهر.

[2] القرطبي: الجامع لأحكام القرآن: (6/ 5350)، دار الغد العربي.

[3] أبو السعود: محمد بن محمد العمادي: إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم: (3/ 35)، دار إحياء التراث العربي - بيروت، "بدون تاريخ".

[4] البيضاوي: أنوار التنزيل وأسرار التأويل (3 / 130)، دار الفكر - بيروت.

[5] ابن القيم: جلاء الأفهام، ص: 95، دار الطباعة المحمدية بالأزهر.

[6] د. تمام حسان: البيان في روائع القرآن: (1/ 407)، الهيئة العامة المصرية للكتاب، مكتبة الأسرة.

[7] السابق: نفس الصفحة.

[8] الجزائري: أبو بكر جابر: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير: 1013، ط: 1، 1423 هـ - 2002م، مكتبة لينة، دمنهور.

[9] القاسمي: محمد جمال الدين: محاسن التأويل: (7/ 343)، تحقيق: حمدي صبح، أحمد علي، ط: 1، 1424 هـ - 2003م، دار الحديث.

[10] البقاعي: إبراهيم بن عمر بن حسن الرباط بن علي بن أبي بكر: نظم الدُّرَر في تناسُب الآيات والسور: (8/ 318)، دار الكتاب الإسلامي، القاهرة، بغير تاريخ.

[11] القرطبي: الجامع لأحكام القرآن: ( 6 / 5583)، دار الغد العربي.

[12] ابن عاشور: محمد الطاهر: التحرير والتنوير: (28/ 260)، الدار التونسية للنشر.

[13] الرازي: أبو عبدالله محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي: مفاتيح الغيب: (28/ 235)، ط: 1، 1401 هـ - 1981 م، دار الفكر - بيروت.

[14] القاسمي: محمد جمال الدين: محاسن التأويل: ( 6/ 98)، دار الحديث - القاهرة.

[15] ابن القيم: زاد المعاد: (5/ 244)، ط: 2004، مؤسسة الهدى.

[16] البيضاوي: أنوار التنزيل وأسرار التأويل (1 / 499)، دار الفكر - بيروت.

[17] أبو السعود: محمد بن محمد العمادي، إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم: (1/ 181)، دار إحياء التراث العربي - بيروت، "بدون تاريخ".

[18] القاسمي: محمد جمال الدين: محاسن التأويل: ( 5/ 339).

[19] تمام حسان: البيان في روائع القرآن: (1/ 413).

[20] القاسمي: محمد جمال الدين: محاسن التأويل: ( 3/ 294).

[21] أبو السعود: محمد بن محمد العمادي، إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم: (1/ 142).

[22] السابق: (1/ 79).

[23] السابق: البقرة: (1/ 273).

[24] البقاعي: إبراهيم بن عمر بن حسن الرباط بن علي بن أبي بكر: نظم الدرر في تناسب الآيات والسور: (5/ 425)، دار الكتاب الإسلامي.

[25] ابن القيم: جلاء الأفهام، ص: 93، 94، دار الطباعة المحمدية بالأزهر.

[26] البقاعي: نظم الدرر: (9/ 361)، دار الكتاب الإسلامي.

[27] البيضاوي: أنوار التنزيل وأسرار التأويل (1 / 512)، دار الفكر - بيروت.

[28] القاسمي: محمد جمال الدين: محاسن التأويل: ( 2/ 173).

[29] الطبري: جامع البيان في تأويل القرآن: (11/95).

[30] ابن كثير: تفسير القرآن العظيم: (3/ 273)، مكتبة الإيمان بالمنصورة.

[31] ابن الجوزي: عبدالرحمن بن علي بن محمد: زاد المسير في علم التفسير: (9/ 53)، ط: 3، 1404 هـ، المكتب الإسلامي - بيروت.

[32] ابن كثير: تفسير القرآن العظيم: ( 8/ 193).

[33] السابق: نفس الصفحة.

[34] ابن عاشور: محمد الطاهر: التحرير والتنوير: (25/ 73)، الدار التونسية للنشر.

[35] ابن القيم: شفاء العليل، ص: 442، دار الحديث - القاهرة.

[36] صحيح: رواه البخاري، ك: أحاديث الأنبياء، ب: باب قوله عز وجل: ﴿ وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ ﴾ [الحجر: 51]، ح: 3192، ومسلم، ك: الإيمان، ب: زيادة طمأنينة القلب بتظاهر الأدلة، ح: 151.

[37] النووي: شرح صحيح مسلم: (2/ 184)، ط: 2، 1392هـ، دار إحياء التراث العربي - بيروت.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • آثار الإيمان بالصفات الإلهية في حياتنا الدنيوية
  • أنواع الصفات الإلهية
  • الكلام عن الصفات الإلهية عبر عصور طويلة

مختارات من الشبكة

  • آثار الأسماء والصفات الإلهية في الكون والإنسان "دراسة تحليلية"(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • دعاء الختم في صلاة التراويح: دراسة تطبيقية (PDF)(كتاب - موقع أ.د. إبراهيم بن محمد الصبيحي)
  • منهج ودراسات لآيات الأسماء والصفات للعلامة محمد الأمين الشنقيطي المتوفى سنة (1393) رحمه الله (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • المشتقات (اسم الفاعل - اسم المفعول - الصفة المشبهة - اسم التفضيل)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • الدرس الحادي عشر: الإيمان بالأسماء والصفات(مقالة - ملفات خاصة)
  • الليلة الثانية: التعبد بالأسماء والصفات(مقالة - ملفات خاصة)
  • الآثار الإيمانية للعلم بالأسماء والصفات(مادة مرئية - موقع أ.د. عبدالله بن عمر بن سليمان الدميجي)
  • ثمرات الإيمان بالأسماء والصفات (2)(مادة مرئية - موقع أ.د. عبدالله بن عمر بن سليمان الدميجي)
  • ثمرات الإيمان بالأسماء والصفات (1)(مادة مرئية - موقع أ.د. عبدالله بن عمر بن سليمان الدميجي)
  • مقتضيات الإيمان بالأسماء والصفات(مادة مرئية - موقع أ.د. عبدالله بن عمر بن سليمان الدميجي)

 


تعليقات الزوار
2- شكر
محمد شلبي محمد - Egypt 13-04-2023 10:05 AM

الأخ العزيز رضا.. بارك الله فيكم وتقبل منا ومنكم

1- شكر
رضا محمد - ليبيا 25-02-2016 10:19 PM

بارك الله فيكم على جهودكم المبذولة

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 15/11/1446هـ - الساعة: 15:5
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب