• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / علوم قرآن
علامة باركود

تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 166 : 170)

تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 16 : 170)
الشيخ عبدالرحمن بن محمد الدوسري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 23/1/2013 ميلادي - 11/3/1434 هجري

الزيارات: 25325

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تفسير سورة البقرة

الآيات [166: 170]


وقوله سبحانه: ﴿ إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ ﴾ [البقرة: 166].

 

إذ حرف ظرف متعلق بقوله: ﴿ يَرَوْنَ الْعَذَابَ ﴾ في الآية السابقة، والكلام متصل لاحقه بسابقه في موضوع اتخاذ الأنداد.

 

وقد صرحت الآية السابقة أن عذاب الله سيحل بمتخذي الأنداد من دونه، وبالأنداد أيضاً على اختلاف أصنافهم.

 

وقد أورده سبحانه بصيغة الماضي لتحقق وقوعه كما أسلفنا، وقد ﴿ رَأَوُا الْعَذَابَ ﴾ الذي هو جزاؤهم المحتوم، فتبرءوا من اتباعهم.

 

ولكن هيهات هيهات أنى ينفعهم التبرؤ منهم في ذلك اليوم، وقد أصروا في الدنيا أن يكونوا متبوعين مطاعين، يتلذذون بالزعامة على غيرهم والسيادة الباطلة؟ إنه لا ينفعهم التبرؤ، ولكن ليس لهم حيلة سواه، فيتبرءون من التابعين وتنقطع بينهم أسباب الوصل التي كانت قائمة في الدنيا لما رأوا العذاب.

 

﴿ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ ﴾ يعني: الروابط التي كانت بينهم وبين أتباعهم في الدنيا، لأنها لم تكن على حق.

 

والأسباب: جمع سبب: وهو ما يتوصل به إلى المقصود، فلما انقطعت هذه الأسباب الكاذبة لم يبق أمام الأتباع إلا التمني الذي هو رأس مال كل مفلس، فلذا قال سبحانه وتعالى: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ ﴾ [167].

 

يعني نتمنى لو أن لنا رجعة إلى الدنيا فنتبرأ من هؤلاء الدجالين والمضللين ولا نتبعهم، بل نتنصل منهم، ونرفض رئاستهم، ونسلك سبل التوحيد والدين الخالص حتى نعود إلى الدار الآخرة.

 

نتبرأ منهم كما تبرءوا منا الآن، فنسعد بأعمالنا وهم أشقياء بضلالهم، ولكنها الأماني الفارغة.

 

﴿ كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ ﴾ يظهر الله لهم سوء نتائج أعمالهم التي يؤملون نفعها، فانقلبت حسرة في قلوبهم، حيث جعلوا أنفسهم في الدنيا مستذلة مستعبدة لغير الله، فأورثها ذلك سوء المنقلب من الذلة والعذاب الشديد ما كان حسرة وشقاء عليهم بسبب انصياعهم إلى أولئك الزعماء ومذاهبهم، وإعراضهم عن وحي الله سبحانه وتعالى.

 

﴿ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 167] إلى الدنيا صحيحي العقيدة، ليصلحوا أعمالهم، فيشفوا غيظهم من رؤسائهم وزعمائهم الذين اتخذوا أنداداً، ولا إلى الجنة؛ لأن سبب دخولهم النار هي أنفسهم بما طبعتها عليه خرافات الشرك.

 

وبذلك بطلت الأعمال ببطلان متعلقها، ولما بطلت وقعت الحسرة بخيبة آمالهم التي يؤملون فضرتهم غاية الضرر.

 

وفي قوله تعالى ﴿ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ ﴾ دليل على أن متخذي الأنداد من دون الله في الحب والطاعة والانقياد والبذل والفداء من أي شخص أو مذهب أو مبدأ أو نحلة أو وطن أو غير ذلك - كما أسلفنا تفصيله - أنهم ليسوا عصاة مذنبين، وإنما هم كفار مشركون، لأن العصاة المذنبين لا يخلدون في النار، بل يطهرون من ذنوبهم فيها، ثم يخرجون، وهؤلاء نص الله عليهم أنهم ليسوا بخارجين من النار ولا يخلد فيها إلا المشرك الكافر.

 

وذكر ابن جرير أن في قوله سبحانه: ﴿ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ ﴾ تكذيباً من الله للزاعمين انتهاء عذاب الكفار في النار، لأنه أخبر عن هؤلاء بصفاتهم من اتخاذ الأنداد، ثم ختم الخبر عنهم بأنهم غير خارجين من النار بغير استثناء منه وقتاً دون وقت، فذلك إلى غير حد ولا نهاية.

 

قلت: نعم هذه الآية فيها دليل واضح صريح على خلود هؤلاء في النار وعدم خروجهم منها ما دامت باقية، وليس فيها دليل على عدم فناء النار كما ذهب إليه بعض العلماء من السلف والخلف، لأنه قال في سورة هود: ﴿ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ ﴾ [هود: 107]. وقال في أهل الجنة: ﴿ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ﴾ [هود: 108] فقطع بدوام الخلود لأهل الجنة بقوله سبحانه: ﴿ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ﴾. وهذا قطع ببقاء الجنة ونعيما أبد الآبدين، بخلاف النار فلم ينص على القطع ببقائها أبد الآبدين، فيجوز فناؤها حسبما يشاء الله، ويجوز بقاؤها، إليه يرجع الأمر كله سبحانه.

 

وقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [168، 169].

 

ذكر بعض المفسرين أن هذه الآيات نزلت فيمن حرم السوائب والبحيرة ونحوها، وليس الأمر كذلك، فإن لمعالجة تحريم ذلك آيات في سورة الأنعام والمائدة مختصة بذلك ومناسبة لموضوعه، وأما هنا فالأمر بخلاف ذلك، فإن هذه الآيات متصلة بما قبلها أتم الاتصال، فإن الآيات الأولى بينت حال متخذي الأنداد وما سيلاقونه من عذاب الله الشديد المتواصل.

 

وقد أوضحت في تفسيرها أن الأنداد على أقسام: قسم يستجلب منه النفع ويستدفع به الضرر من أنواع الأحياء أو المقبورين، وقسم يعتمد عليه في حلول المشاكل وكشف المعضلات ويحظى بالحب والمودة والبذل والغذاء والتضحية والتعظيم والتقديس، ويعتبرونه المنقذ الهادي في الشئون السياسية والثقافية وغيرها، كما هو حاصل قديماً وحديثاً يجعلونه مشرعاً يتقبلون ما يصدر من أنظمته وتشريعاته أعظم من تشريعات الله، وقسم ديني يعتبرونه شارعاً يؤخذ برأيه في التحليل والتحريم من غير أن يكون مبلغاً عن الله ودالاً على نصوصه، بل يجعلون قول كل من القسمين وفعله حجة بذاته، لا ينظرون إلى مأخذه ولا يسألونه عنه؛ لأنهم اتخذوا نداً من دون الله قد يحظى بالحب وتوابعه ما لا يحظى به الله منهم والعياذ بالله.

 

وقد أوضحت ما ذكره الله سابقاً من تبرؤ المتبوع من التابع وانقطاع الأسباب بينهم، وأن الأسباب هي المنافع التي يجبيها الرؤساء من أتباعهم والمصالح الدنيوية التي تصل بعضهم ببعض، ثم إن الله سبحانه يبين في هذه الآيات أن تلك الأسباب محرمة لأنها ترجع إلى استحلال الخبائث وتحريم الطيبات من الرزق، كتحجير التجارة أو منعها، وكتحجير الزراعة أو تحديدها بمقدار من الأرض وشل الصناعة والأعمال الفردية وإباحة الخمور ولحم الخنزير والقمار، ونحوه مما هو من سيرتهم التي هي اتباع لخطوات الشيطان، ويندب الله فيها الأمة إلى أكل الطيبات، وينهى عن اتباع خطوات الشياطين، ونعى على الجامدين على الباطل والضلال، ثقة بآبائهم أو اتباعاً للدهماء من غير هدى ولا بصيرة. فالكلام في هذه الآيات متمم للآيات السابقة قطعاً.

 

فقوله سبحانه وتعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا ﴾ خطاب للناس كلهم، مؤمنهم وكافرهم، وامتنان منه سبحانه عليهم بإباحته لهم جميع ما في الأرض من الطيبات، طيبات المآكل والمشارب وسائر الاستثمارات والمكاسب التي يحرمها شياطين الإنس ممن اتخذه بعض الناس أنداداً، كلوا منه (حلالاً) محللاً لكم مما ليس بسرقة أو مغصوب ولا محصلاً على وجه محرم (طيباً) ليس بخبيث، كالميتة والدم المسفوح ولحم الخنزير والمهلكة بالخنق ونحوه، كالمغموس بالماء الحار من الدجاج والطيور حتى يموت، وكالموقوذة المهلكة بالضرب أو صعق الكهرباء وغيره، والمتردية الساقطة من مكان عال، وما ذبح لغير الله ما هو رجس ونحو ذلك مما يفعل في المسالخ الحديثة على طريقة كفار (أوربا) و(أمريكا) مما ليس على طريقة الذبح الإسلامي فإنه خبيث ليس بطيب، ولا بد فيه من الضرر الحسي أو المعنوي في الصحة والسلوك الخلقي.

 

وفي هذه الآية عدة فوائد:

أحدها: أن الأصل في الأعيان الإباحة، فهي كالآية السابقة في أول السورة ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ﴾ [البقرة: 29] وأن تحريم البشر ليس له أثر ولا قيمة وإنما هو جناية على دين الله وعلى خلقه.

 

ثانيها: أن المنصاعين لتحريم غير الله ممن اتخذوهم أندادهم مشركون كما يأتي بيانه في الآية (121) من سورة الأنعام. فالمطيع لهم في التحريم أو التحليل بغير برهان من الله يكون كافراً.

 

ثالثها: أن على الإنسان وجوب أكل ما يقيم صلبه وينجيه من ضرر الجوع والهلاك لظاهر الأمر، بل قالوا إن على المضطر إلى المحرم تفقده الأكل الحلال الطيب يجب عليه أن يأكل من الميتة أو يشرب من الدم ما يسد رمقه استبقاء لحق الله في حياته.

 

رابعها: تقييده حل الأكل بالطيب منه يفيد تحريم النجس، كما يفيد تحريم المحرم والخبيث، وكم في النجس من جراثيم وأضرار، بعضها اكتشف وبعضها لم يكتشف أو لم يعترف به لحاجات في نفوس الكفر والفجرة.

 

خامسها: من الحرام الخبيث أكل الرؤساء من المرءوسين بلا مقابل سوى أنهم المسيطرون وكذلك أكل المرءوسين بجاه الرؤساء، فإن كلاً منهما يمد الآخر ليستمد منه في غير الوجوه المشروعة التي يتساوى فيها جميع الناس.

 

سادسها: يظهر من تقييد إباحة الأكل بالحلال والطيب وتحريم السحت الذي ذم الله بني إسرائيل بأكله، وذلك كالرشوة والربا والغش وسائر أنواع النصب والتلصص، وكذلك تحريم ما خنز وأنتن من اللحوم والأطعمة لخروجه عن معنى الطيب النافع إلى معنى الخبيث الضار.

 

ثم أتبع الله أمره الحكيم الذي فيه الخير والنفع بالنهي الذي فيه الخير والنفع أيضاً، فقال: ﴿ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ﴾ والخطوات بضم الخاء جمع خطوة، وهي ما بين قدمي الماشي، وبفتح الخاء وهي المرة الواحدة من حركة الرجل، تقول: (خطوت خطوة واحدة) والمعنى: لا تتبعوا طريقة الشيطان وهمزاته ووساوسه فلا تسلكوا طريقته ولا تتبعوا سبيله وسيرته في الإغواء والإغراء على الفاحشة؛ فإن له أساليب عديدة في تزيين الشر للناس، أساليب تدخل القلوب وتأخذ بالألباب.

 

فاحذروها، وحاذروا منها، لا تتبعوا منها شيئاً يغويكم فيرديكم، ولا تقلدوه في إغواء الناس وتزيين الشر لهم بمختلف الأساليب الجذابة، خصوصاً ما تفاقم شره في هذا الزمان، فتكونوا من جنه وأعوانه المجندين لخدمته والعياذ بالله. فإن من سلك مسالك الشيطان وسار على سيرته وطريقته كان شيطاناً مثله أو شراً منه، لأن فتنة شيطان الإنس أشد وأفتك من فتنة شيطان الجن، وقد تقدم في تفسير الاستعاذة أن مسمى الشيطان ليس مقصوراً على إبليس وذريته، وإنما يشمل كل من تشيطن، يعني: ابتعد عن أمر الله وطاعته في دينه؛ لأنه يزين طريقته للناس وقد يسعى لاحتلال الصدارة في أي شأن من شئون الحياة لتنفيذ مطالبه وفرض مقاصده، فاسم الشيطان عام في كل من يسعى لإبعاد الناس عن دين الله الحنيف وتنفيذ أوامره، أو يسعى لتزيين المحرمات وإباحتها.

 

وقد اعتنى الله بهدايتنا فكرر تحذيرنا من الشيطان في عدة مواضع من القرآن، وكرر تذكرينا بعداوته لنا، حتى قال في سورة فاطر: ﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ﴾ [فاطر: 6] فأوجب علينا أنا نتخذه عدواً، فكل من صاحب شيطاناً من شياطين الجن أو الإنس كان عاصياً لله، مخالفاً لأمره، منابذاً لهدايته.

 

وقد أوضحت في بادئ التفسير أن الشيطان اسم جنس يعم كل من تشيطن بالابتعاد عن أمر الله ووحيه، وأنه مشتق في اللغة من الشطن، يعني: الابتعاد، وذكرت شواهد عديدة من أشعار العرب وكلامهم، وأن أول المتشيطنين وإمامهم إبليس اللعين، وأن كل من قلده وسار على طريقته في الابتعاد عن الله برفض أمره وترك طاعته فهو شيطان، سواء كان من الجن أو الإنس.

 

وقد أوضحت في عدة مناسبات أن شياطين الإنس شر وأضر من شياطين الجن، وأنهم أعوان لإبليس، بل أراحوا إبليس وذريته، ومن نظر إلى البلاد التي جاس خلالها المستعمرون - شياطين الإنس - جزم أنهم قد أراحوا الأبالسة بما وضعوه من وسائل الفتنة عن دين الله، بما خططوه من برامج التربية والتعليم بأساليب مادية وثنية مختلفة، وما علموه من إفساد الأخلاق وإبعاد ناشئة المسلمين عن ذكر الله وطاعته، وإغرائهم على الفحشاء والمنكر بما أكثروه من المسارح والمراقص وحوانيت الخمر ودور البغاء وإباحة الزنى حال الرضا، وتشريع الأنظمة الديوثية المعفية لأهله من إقامة حدود الله، وإباحة المسكرات والقمار وغيرها.

 

وقد خلف المستعمرون الشياطين شياطين أخرى من تلاميذهم زادوا عليهم شيطنة، فالله يحذرنا من جنس الشيطان، أي شيطان كان، طالباً منا أن نتخذه عدواً، فنعامله معاملة العدو، بالبغض والعدواة، والحذر منه، والابتعاد عنه بقوله: ﴿ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ ظاهر العداوة ليست عداوته خفية فتلتبس، وإنما عداوته ظاهرة واضحة تستبين لكل مؤمن إبانة واضحة من سيرته وما يمليه، فسيرته مخالفة لدين الله وسيرة عباد الله، وقد يكون فيها شيء من الموافقة، إما تلبيساً ومكراً، وإما شيئاً يعمله عملاً تقليدياً من رواسب أخلاق أسرته يناقضه ما تجدد له من الأعمال الشيطانية.

 

وأما الذي يمليه على الناس فهو مخالف مخالفة عامة للحق والمعروف ومعاكس لأوامر الله، ولهذا عرف أبونا إبراهيم عليه السلام إبليس وهو متصور بصورة رجل وقور لما عرض له عند العقبة وهو ذاهب بابنه إسماعيل إلى منى ليذبحه امتثالاً لأمر الله. عرفه بمنطقه الذي فيه التخذيل والتفنيد عن الامتثال، فإنه لا يصدر إلا من شيطان، وكلما عرض له بموضع آخر وشكل آخر ومنطق آخر عرفه بمفهوم نطقه الذي يحتوي على الصد عن أمر الله وطاعته، فرجمه في ثلاث مواضع حتى خسأه ويأسه، فجعلها الله من واجبات الحج، يرمون بها الجمار بهذه المواقع التي عرض فيها الشيطان له، كي يأخذوا درساً صحيحاً لمراغمة الشيطان ورجمه رجماً معنوياً، برفض همزاته وعداوته، والابتعاد عن خطواته، ولكن الاعتبار قليل.

 

هذا في شيطان الإنس بأي ثوب ظهر وبأي مذهب تقمص، وأما شيطان الجن فكيده الوسوسة والإيحاء إلى أوليائه من شياطين الجن كما قال: ﴿ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ ﴾ [الأنعام: 121].

 

وأما وسوسته فيدفعها المؤمن بعدة أشياء:

أحدها: الإعراض عنها إعراض بغض عن وعي صحيح بسوء عواقبها.

 

ثانيها: الاستعاذة بالله منه كما قال تعالى: ﴿ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [الأعراف: 200] وينبغي أن تكون استعاذته صادقة فإن من استعاذ بالله صادقاً أعاذه، والصادقة هي التي يصحبها الرفض وشدة الإعراض عن بغض ووعي بسوء النتائج. وأما الذي يستعيذ بلسانه وهو مصغ بقلبه إلى وساوسه فهذا غير صادق في استعاذته بالله، وقد يكون فريسة لتلك الوساوس.

 

ثالثها: طرده بذكر الله، فإن مداومة الذكر حصن حصين ومطردة للشياطين، كما في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم: ((وآمركم أن تذكروا الله، فإن مثل ذلك كمثل رجل خرج العدو في إثره سراعاً حتى إذا أتى على حصن حصين فأحرز نفسه منهم))[1].

 

ثم قال سبحانه وتعالى حاصراً مهمة الشيطان - كل شيطان -: ﴿ إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾.

 

هذه وظيفة الشياطين كلهم، ومهمتهم أجمعين. فإنهم لا يأمرون بحق ولا خير ولا صلاح ولا صدق، وإنما يأمرون بالسوء - وهو الذي يسوء صاحبه بسوء عواقبه.

 

ويأمر أيضاً بالفحشاء - وهي في أصل اللغة قبح المنظر - ثم استعملت لقبح المعاني، فصارت تعني كل ما يفحش قبحه في أعين الناس من المعاصي والآثام، ولا تختص بنحو الزنى، كما قاله بعضهم، وهي في الغالب أقبح وأشد من السوء.

 


[1] أخرجه الترمذي (2863، 2864) وأحمد (4/130، 202) وابن خزيمة (1895) والحاكم (1/118)، وابن حبان (14/124) من حديث الحارث بن الحارث الأشعري رضي الله عنه.

وقال الشيخ الأرنؤوط: إسناده صحيح رجاله ثقات.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 155 - 157 )
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات (158 : 160)
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 161 : 163 )
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 164)
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات (165)
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 170 : 171)
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات (172 : 173)
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات (174 : 175)
  • تفسير سورة البقرة .. الآية ( 176 )

مختارات من الشبكة

  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (135 - 152) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (102 - 134) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (65 - 101) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (1 - 40) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (40 - 64) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • تفسير سور المفصل 212 - سورة الأعلى ج 1 - مقدمة لتفسير السورة(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • مخطوطة تفسير بعض من سورة البقرة ثم تفسير سورة يس(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • غرائب وعجائب التأليف في علوم القرآن (13)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير السور المئين من كتاب رب العالمين تفسير سورة يونس (الحلقة السادسة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير سور المفصل (34) تفسير سورة قريش (لإيلاف قريش)(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب