• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطر الظلمات الثلاث
    السيد مراد سلامة
  •  
    تذكير الأنام بفرضية الحج في الإسلام (خطبة)
    جمال علي يوسف فياض
  •  
    حجوا قبل ألا تحجوا (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    تعظيم المشاعر (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرفيق، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (10)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    القلق والأمراض النفسية: أرقام مخيفة (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    آفة الغيبة.. بلاء ومصيبة (خطبة)
    رمضان صالح العجرمي
  •  
    تخريج حديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    الإسلام هو السبيل الوحيد لِإنقاذ وخلاص البشرية
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    خطبة: فاعبد الله مخلصا له الدين (باللغة
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    المحافظة على صحة السمع في السنة النبوية (PDF)
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    اختيارات ابن أبي العز الحنفي وترجيحاته الفقهية في ...
    عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد التويجري
  •  
    القيم الأخلاقية في الإسلام: أسس بناء مجتمعات ...
    محمد أبو عطية
  •  
    فوائد من حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث ...
    محفوظ أحمد السلهتي
  •  
    لم تعد البلاغة زينة لفظية "التلبية وبلاغة التواصل ...
    د. أيمن أبو مصطفى
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / علوم قرآن
علامة باركود

ومضات في أفق التفسير من تقديم إعمال السياق على التأخير

خديجة الواحدي

عدد الصفحات:12
عدد المجلدات:1

تاريخ الإضافة: 11/9/2016 ميلادي - 8/12/1437 هجري

الزيارات: 7664

 نسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تحميل ملف الكتاب

ومضات في أفق التفسير

من تقديم إعمال السياق على التأخير

 

مقدمة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

 

وبعد:

فإن السياق القرآني يعتبر أصلاً من أصول التفسير، لا غنى للمفسر عنه لما له من أثر في فهم كلام الله وبيان المعنى الصحيح في الآية، ذلك لأن مفردات اللغة العربية واسعة، فلا يتحدد المراد من المفردة العربية إلا إذا نظر إليها في ضوء سياقها، فحينئذ تتضح معالمها، وينتفي تعدد المعاني واشتراكها وتعميمها ويقطع بإرادة أحد معانيها المحتملة، يقول العز بن عبد السلام (660هـ-): "السياق يرشد إلى تبين المجملات، والترجيح المحتملات وتقرير الواضحات وكل ذلك بعرف الاستعمال، فكل صفة وقعت في سياق المدح كانت مدحاً وإن كانت ذماً بالوضع، وكل صفة وقعت في سياق الذم كانت ذماً، وإن كانت مدحاُ بالوضع كقوله تعالى ﴿ ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ ﴾ [الدخان: 49]"[1]

 

وهذا العرض المتواضع وضع لبيان بعض التطبيقات التفسيرية، من خلال اختلاف المفسرين بسبب دلالة السياق، وخطة هذا العرض كالتالي:

♦ مقدمة.

♦ أهمية السياق القرآني.

♦ إعمال النبي صلى الله عليه وسلم لدلالة السياق.

♦ إعمال الصحابة -رضي الله عنهم- لدلالة السياق.

♦ تطبيقات من اختلاف المفسرين في دلالة السياق.

♦ خاتمة.

♦ لائحة المصادر والمراجع.

♦ الفهرس.

 

أهمية دلالة السياق القرآني:

تتجلى أهمية دلالة السياق القرآني في كونه تفسيراً للقرآن بالقرآن، حيث إنها بيان للمعنى من خلال تتابع المفردات والجمل والتراكيب القرآنية المترابطة، بل إن سياق الآية وسياق المقطع من أعلى مراتب تفسير القرآن بالقرآن، لأنه في محل واحد، ويبين شيخ الإسلام هذه الأفضلية بقوله:"فإن قال قائل: فما أحسن طرق التفسير؟ فالجواب: إن أصح الطرق في ذلك أن يفسر القرآن بالقرآن فما أجمل في مكان فإنه قد فسر في موضع آخر، وما اختصر من مكان فقد بسط في موقع آخر."[2]

 

ونقل الإمام الشنقيطي (1393هـ) -رحمه اللهـ "أن أشرف أنواع التفسير وأجلها تفسير كتاب الله بكتاب الله" [3].

 

قال ابن القيم (752هـ) في بيان قيمة معرفة الغرض ومراد المتكلم: "والفقه أخص من الفهم، وهو فهم مراد المتكلم، وهذا قدر زائد على مجرد وضع اللفظ في اللغة، وبحسب تفاوت مراتب الناس في هذا، تتفاوت مراتبهم في الفقه والعلم" [4]

 

قال الزركشي ": وهذا العلم أعظم أركان المفسر فإنه لابد من مراعاة ما يقتضيه الإعجاز من الحقيقة والمجاز وتأليف النظم، وأن يواخى بين الموارد، ويعتمد ماسيق له الكلام حتى لا يتنافر وغير ذلك... - إلى أن قال - واعلم أن هذه الصناعة بأوضاعها هي عمدة المفسر، المطلع على عجائب كلام الله، وهي قاعدة الفصاحة وواسطة عقد البلاغة" [5]

 

إعمال النبي صلى الله عليه وسلم لدلالة السياق القرآني:

لا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم أعلم المفسرين على الإطلاق؛ لذلك نجد المفسرين حينما يقعدون القواعد التفسيرية المتعددة فإنهم يستلهمونها من المنهج النبوي في التعامل مع تفسير كلام الله تعالى، تلكم القواعد الكثيرة التي منها دلالة السياق، الذي نتحدث عنه الآن، وفي المثال الموالي يتضح إعماله صلى الله عليه وسلم للسياق:

روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعائشة -رضي الله عنها- لما سألته عن قوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ﴾ [المؤمنون: 60] فقالت: هم الذين الذين يشربون الخمر ويسرقون؟ قال:" لا يا بنت الصديق، ولكنهم الذين يصومون، ويصلون ويتصدقون، وهو يخافون ألا يقبل منهم، أولئك الذين يسارعون في الخيرات، وهم لها سابقون".

 

هذا مثال واضح في استعمال اللاحق من الآيات في معرفة المعنى للجملة المفسّرة، ورجع فيه النبي صلى الله عليه وسلم إلى السياق ليحلّ المشكل في الأذهان.[6]

 

فإذا نُظر للآية الكريمة بمفردها بمعزل عن سياقها، فإنها حينئذ تحتمل معنيين متضادين:

الأول: ما فسرها به النبي صلى الله عليه وسلم وهو أن المراد بها الذين يعملون الطاعات وهم خائفون ألا يتقبل منهم لتقصيرهم.

 

والثاني: ما فهمته عائشة - رضي الله عنها -، وهو أن المراد منها الذين يعملون المعاصي وهم خائفون من لقاء الله - عز وجل -.

 

وإذا نظر لها في ضوء سياقها فإنه حينئذ يترجح أحد المعنيين وهو الأول، وهذا ما عمله - صلى الله عليه سلم -، فهو - صلى الله عليه وسلم - لم يكتف ببيان المعنى الحق والصواب في هذه الآية، بل دلَّل على هذا باستخدام دلالة السياق.[7]

 

إعمال الصحابة - رضي الله عنهم - لدلالة السياق القرآن:

كما يعتمد المفسرون على المنهج النبوي في التعامل مع تفسير كلام الله تعالى، في استلهام القواعد أصالة، فإنهم يعتمدون كذلك تبعا على منهج الصحابة في ذلك، وفي المثالين المواليين يتضح إعمالهم رضوان الله عليهم للسياق:

1) سأل رجل علي بن أبي طالب – رضي الله عنه - قائلا: يا أمير المؤمنين: أرأيت قول الله تعالى: ﴿ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا ﴾ [النساء: 141] وهم يقاتلوننا فيظهرون ويقتلون؟

فقال له علي- رضي الله عنهـ ادنه، ادنه، ثم قال: ﴿ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا ﴾ يوم القيامة".[8]

 

فهنا نجد أن هذا السائل حمل هذا الجزء من الآية على إطلاقه، ومن ثم استشكل مخالفة ما فهم للواقع، والسبب في ذلك أنه عزل هذا الجزء من الآية عن سياقه، فوقع فيما وقع فيه من الخطأ، فسأل علياً – رضي الله عنهـ فاستدل – رضي الله عنه_ بسياق الآية، فوضح معنى الآية في ضوء سياقها، إذا الحديث عن يوم القيامة.

 

فيتبين لنا أن عليا – رضي الله عنه - فهم الآية على وجهها الصحيح، ووضعها في سياقها الطبيعي، ومن خلال ذلك تم له الفهم السليم للآية، وبالتالي ارتفعت مخالفة الآية للواقع كما حصل للسائل.

 

2) قال نافع بن الأزرق لابن عباس- رضي الله عنه -: يا أعمى البصر أعمى القلب، تزعم أن قوما يخرجون من النار وقد قال الله عز وجل: ﴿ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا ﴾ [المائدة: 37]. فقال له ترجمان القرآن ابن عباس - رضي الله عنهما -: "ويحك اقرأ ما فوقها هذه للكفار".

 

فنجد أن ابن عباس – رضي الله عنه - رد على هذا الخارجي انحرافه العقدي بدلالة سياق الآية، فأرشده لسباقها، وهو قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [المائدة: 36].

 

ثم قال الله بعد ذلك: ﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ ﴾.

فبين أن المقصود بها الكفار، لأنها في سياق الحديث عنهم.

ومن خلال هذا الأثر يتبين خطورة إهدار دلالة السياق القرآني،وأن ذلك سبب للخطأ والانحراف العقدي.[9]

 

من خلال الأمثلة السابقة يظهر بوضوح إعمال النبي صلى الله عليه وسلم، والصحابة رضوان الله عليهم لدلالة السياق، وما لها من دور في تفسير القرآن على الوجه الصحيح والسليم، وأن إهمالها قد يؤدي إلى انحرافات في العقيدة، واستشعار المتلقي مخالفة آيات القرآن للواقع، في حين أن المشكل يقع فقط في أذهان المتلقين وذلك بسبب إهمال قرينة السياق.

 

تطبيقات من اختلاف المفسرين بسبب دلالة السياق:

إن لدلالة السياق القرآني أهمية كبرى في فهم المراد بكلام الله عز وجل، وتيسير الفهم الصحيح، وتقريبه إلى أذهان المفسرين والمتدبرين، كما تتجلى هذه الأهمية في رفع بعض الاختلافات الحاصلة في التفسير بين المفسرين خاصة في تفسيرهم لآيات الأحكام، أو الترجيح بينها، أو الاستدلال بها على حكم معين، وسأعرض أمثلة توضح ذلك:

المثال الأول:

قال تعالى: ﴿ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ﴾ [النساء: 25] قال ابن العربي(543هـ):" معنى الإحصان ها هنا مما اختلف فيه فقال قوم هو الإسلام وبه قال ابن مسعود والشعبي والزهري وغيرهم، وقال آخرون أحصن تزوجن، قاله ابن عباس وسعيد بن جبير" [10]

 

ومعنى الآية أن الأمة إذا أحصنت، وأتت بالفاحشة فعليها نصف ما على الحرة من العذاب، فمن خلال قول ابن العربي يتضح أن الصحابة رضي الله عنهم اختلفوا في الإحصان هل هو الإسلام أو التزويج؟

 

وبالنظر إلى سياق الآية الكريمة ونظمها، يتبن لنا أن المعنى المراد هو التزويج لأنه مناسب لسياق الآية وفي هذا يقول ابن كثير(774هـ):"والأظهر - والله أعلم - أن المراد بالإحصان هاهنا التزويج. لأن سياق الآية يدل عليه حيث يقول سبحانه وتعالى: ﴿ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ﴾ [النساء: 25] والله أعلم، والآية الكريمة سياقها في الفتيات المؤمنات، فتعين أن المراد بقوله: ﴿ فَإِذَا أُحْصِنَّ ﴾ [النساء: 25] أي تزوجن كما فسره ابن عباس ومن تبعه." [11]

 

المثال الثاني:

قال الله عز وجل: ﴿ وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [البقرة: 237] قوله تعالى: ﴿ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ ﴾ "تركيب مجمل لأن الزوج والولي كلاهما يصلح أن يكون هو الذي بيده عقدة النكاح،فالولي هو الذي يزوج، والزوج هو الذي بيده حل العقدة بالطلاق أو بالاستمرار في عقد النكاح، ولذلك اختلف المفسرون في تعيين الذي بيده عقدة النكاح على قولين:

القول الأول: هو الولي أي هو الذي يزوج: فهو الذي بيده عقدة النكاح، وهو قول ابن عباس و عكرمة وطاووس وقتادة ومالك والشافعي في القديم، واختاره ابن العربي والقرطبي والنحاس وابن عاشور والرازي والطبرسي والثعالبي.

 

القول الثاني: الذي بيده عقدة النكاح هو الزوج، وهو قول علي – رضي الله عنه - وشريح وسعيد بن المسيب وجبير بن مطعم ومجاهد والثوري وأبي حنيفة وأحمد والشافعي في أصح قوليه، واختاره الطبري والجصاص وابن الجوزي والشوكاني وأبو السعود والآلوسي والنسفي والبيضاوي وأبو حيان والهراسي"[12]

 

وقد استدل كل فريق لما ذهب إليه بأدلة، من ضمنها استدلالهم بقرينة السياق:

يقول ابن العربي: " إن ما قلنا أنظم في الكلام، وأقرب إلى المرام ; لأن الله تعالى قال: ﴿ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ ﴾ ومعلوم أنه ليس كل امرأة تعفو، فإن الصغيرة أو المحجورة لا عفو لها، فبين الله تعالى القسمين، وقال:  ﴿ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ ﴾ إن كن لذلك أهلا، أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح ; لأن الأمر فيه إليه" [13].

 

فابن العربي استدل بسياق الآية ونظمها على ان المراد بقوله تعالى: ﴿ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ ﴾ هو الولي.

 

أما الفريق الثاني فقد ذهبوا إلى أن المراد به هو الزوج واستدلوا كذلك بدلالة السياق، يقول الشوكاني(1250هـ):" قوله: وأن تعفوا أقرب للتقوى قيل: هو خطاب للرجال والنساء تغليبا، وقرأه الجمهور بالتاء الفوقية، وقرأ أبو نهيك والشعبي بالياء التحتية، فيكون الخطاب مع الرجال. وفي هذا دليل على ما رجحناه من أن الذي بيده عقدة النكاح هو الزوج؛ لأن عفو الولي عن شيء لا يملكه ليس هو أقرب إلى التقوى، بل أقرب إلى الظلم والجور" [14].

 

المثال الثالث:

قال تعالى: ﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ ﴾ [البقرة: 177].

 

اختلف المفسرون في قوله تعالى: ﴿ الْبِرَّ ﴾.

يقول ابن كثير:" وأما الكلام على تفسير هذه الآية، فإن الله تعالى لما أمر المؤمنين أولا بالتوجه إلى بيت المقدس، ثم حولهم إلى الكعبة، شق ذلك على نفوس طائفة من أهل الكتاب وبعض المسلمين، فأنزل الله تعالى بيان حكمته في ذلك، وهو أن المراد إنما هو طاعة الله عز وجل، وامتثال أوامره، والتوجه حيثما وجه، واتباع ما شرع، فهذا هو البر والتقوى والإيمان الكامل، وليس في لزوم التوجه إلى جهة من المشرق إلى المغرب بر ولا طاعة، إن لم يكن عن أمر الله وشرعه؛ ولهذا قال: ﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ ﴾ [البقرة: 177] الآية، كما قال في الأضاحي والهـدايا: ﴿ لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ ﴾ [الحج: 37].

 

وقال العوفي عن ابن عباس في هذه الآية: ليس البر أن تصلوا ولا تعملوا. فهذا حين تحول من مكة إلى المدينة ونزلت الفرائض والحدود، فأمر الله بالفرائض والعمل بها.

 

وروي عن الضحاك ومقاتل نحو ذلك.

 

وقال أبو العالية: كانت اليهود تقبل قبل المغرب، وكانت النصارى تقبل قبل المشرق، فقال الله تعالى ﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ﴾ يقول: هذا كلام الإيمان وحقيقته العمل. وروي عن الحسن والربيع بن أنس مثله.

 

وقال مجاهد: ولكن البر ما ثبت في القلوب من طاعة الله، عز وجل.

وقال الضحاك: ولكن البر والتقوى أن تؤدوا الفرائض على وجوهها.

 

وقال الثوري: ﴿ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ ﴾ الآية، قال: هذه أنواع البر كلها. وصدق رحمه الله. فإن من اتصف بهذه الآية، فقد دخل في عرى الإسلام كلها، وأخذ بمجامع الخير كله، وهو الإيمان بالله، وهو أنه لا إله إلا هو، وصدق بوجود الملائكة الذين هم سفرة بين الله ورسله (والكتاب) وهو اسم جنس يشمل الكتب المنزلة من السماء على الأنبياء، حتى ختمت بأشرفها، وهو القرآن المهيمن على ما قبله من الكتب، الذي انتهى إليه كل خير، واشتمل على كل سعادة في الدنيا والآخرة، ونسخ [ الله ] به كل ما سواه من الكتب قبله، وآمن بأنبياء الله كلهم من أولهم إلى خاتمهم محمد صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين".

 

فتحرير اختلاف أهل التفسير في هذه الآية على قولين:

القول الأول: ليس البر الصلاة وحدها، ويكون الخطاب موجها للمسلمين، وبه قال ابن عباس وروي عن الضحاك، ومقاتل نحو ذلك.

القول الثاني: أن المقصود اليهود والنصارى، فاليهود تصلي إلى جهة المغرب، والنصارى إلى جهة المشرق، وهو قول أبو العالية والحسن والربيع بن أنس.

 

وقال الإمام الطبري (310هـ):" وأولى هذين القولين بتأويل الآية، القول الذي قاله قتادة والربيع بن أنس: أن يكون عنى بقوله:"ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب"، اليهودَ والنصارَى. لأن الآيات قبلها مضت بتوبيخهم ولَومهم، والخبر عنهم وعما أُعدّ لهم من أليم العذاب. وهذا في سياق ما قبلها" [15]

 

فالسياق حدد المخاطب وهم أهل الكتاب لأنهم وصفوا قبل هذه الآية بكتمان ما أنزل الله.

 

المثال الرابع:

قال الله عز وجل: ﴿ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ﴾ [البقرة: 187] اختلف المفسرون في قوله تعالى: ﴿ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ﴾.

قال أبو هريرة وابن عباس وعكرمة وسعيد بن جبير والضحاك وقتادة وغيرهم يعني: الولد.

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم يعني: الجماع.

وقال ابن مالك النكري، عن أبي الجوزاء عن ابن عباس ﴿ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ﴾ قال: ليلة القدر.

وقال عبد الرزاق، أخبرنا معمر قال: قال قتادة: ﴿ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ﴾ وابتغوا الرخصة التي كتب لكم. وقال سعيد عن قتادة: ما أحل لكم. [16]

وبالنظر إلى سياق الآية يتبين أن المقصود من قول تعالى: ﴿ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ﴾،: الولد؛ لأن الله عز وجل قال ﴿ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ ﴾ أي ابتغوا بمباشرة نسائكم ما هو معظم المقصود في النكاح وهو حصول النسل" [17]

 

وإذا كانت الآيات تتحدث عن الصيام ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ﴾ [البقرة: 183] فإن الآيات حملت في ثناياها الأمر بالمباشرة ليلة الصيام ﴿ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ﴾ الذي هو الولد، فسياق الآيات يدل على ذلك، يقول ابن جرير:"وقد يدخل في قوله تعالى"وابتغوا ما كتب الله لكم" جميع معاني الخير المطلوبة، غير أن أشبه المعاني بظاهر الآية قول من قال: معناه وابتغوا ما كتب الله لكم من الولد، لأنه جاء عقيب قوله:" فالآن باشروهن" بمعنى: جامعوهن، فيكون قوله:"وابتغوا ما كتب الله لكم" بمعنى وابتغوا ما كتب الله في مباشرتكم إياهن من الولد والنسل" [18]

 

خاتمة

يقول الشيخ السعدي (1376هـ) في بيان الأمور المعينة على فهم المراد من القرآن:" فالنظر لسياق الآيات مع العلم بأحوال الرسول وسيرته مع أصحابه، وأعدائه وقت نزول - آي القرآن - من أعظم ما يعيين على معرفته وفهم مراده" [19]

 

فتبين أن السياق من أهم القرائن الدالة على فهم المراد من كلام الله عز وجل، "ولذلك فإن قرينة السياق تتفاوت في قوة بيانها من نص إلى آخر، وقد تختلف أنظار العلماء في قوة هذه القرينة في بعض النصوص... ومن هنا كانت قرينة السياق سببا من أسباب اختلاف المفسرين؛ فبعد أن اتفقت كلمة المفسرين على الأخذ بقرينة السياق، فإننا نجدهم يختلفون في كثير من الآيات بسبب أخد بعضهم بهذه القرينة في موضع الخلاف وعدم أخد الآخرين بها." [20]

 

والمفسر لكتاب الله، الذي يتدبر آياته ويستخرج معانيها، وما تضمنته من أحكام يجب عليه ألا يغفل دلالة السياق، لأنها تساعد على الفهم الصحيح، والاستنباط السليم، وإهمالها قد يؤدي -أحيانا- إلى الغلط والزيغ، وحمل كلام الله تعالى على غير مراده.

 

وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.

 

لائحة المصادر والمراجع:

• جامع البيان في تأويل القرآن لمحمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري (ت: 310هـ).

• أحكام القرآن للقاضي محمد بن عبد الله أبو بكر بن العربي المعافري الاشبيلي المالكي (المتوفى: 543هـ).

• الفتاوى الكبرى لابن تيمية لتقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن محمد ابن تيمية الحراني الحنبلي الدمشقي (المتوفى: 728هـ).

• إعلام الموقعين عن رب العالمين لمحمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية (المتوفى: 751هـ).

• تفسير القرآن العظيم (لابن كثير) أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي (المتوفى: 774هـ).

• البرهان في علوم القرآن لأبو عبد الله بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي (المتوفى: 794هـ).

• فتح القدير لمحمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني اليمني (المتوفى: 1250هـ).

• تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدي (المتوفى: 1376هـ).

• مناهل العرفان في علوم القرآن لمحمد عبد العظيم الزُّرْقاني (المتوفى: 1367هـ).

• أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن لمحمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (المتوفى: 1393هـ).

• أسباب اختلاف المفسرين في تفسير آيات الأحكام لعبد الإله حوري حوري.

• السياق القرآني وأثره في التفسير دراسة نظرية وتطبيقية من خلال تفسير ابن كثير لعبد الرحمن عبد الله سرور جرمان المطيري.

• دلالة السياق القرآني وأثرها في التفسير دراسة نظرية تطبيقية من خلال تفسير ابن جرير لعبد الحكيم بن عبد الله القاسم.



[1] الفتاوى الكبرى لابن تيمية 6/ 124.

[2] السياق القرآني وأثره في التفسير ص 76.

[3] أضواء البيان 1/ 5.

[4] إعلام الموقعين1/ 281.

[5] البرهان في علوم القرآن1/ 311.

[6] دلالة السياق القرآني و أثرها في التفسير ص 119.

[7] السياق القرآني وأثره في التفسير ص 79.

[8] السياق القرآني وأثره في التفسير ص 86.

[9] المرجع السابق ص 86-87.

[10] أحكام القرآن لابن العربي 1/ 518.

[11] تفسير ابن كثير 2/ 262.

[12] أسباب اختلاف المفسرين في تفسير آيات الأحكام ص 162.

[13] أحكام القرآن لابن العربي 1/ 296.

[14] فتح القدير للشوكاني 1/ 292.

[15] تفسير الطبري 3/ 338.

[16] تفسير ابن كثير 1/ 377-378.

[17] فتح القدير للشوكاني 1/ 159.

[18] تفسير الطبري 3/ 509.

[19] تفسير السعدي ص 30.

[20] أسباب اختلاف المفسرين في آيات الأحكام ص161.





 نسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


مختارات من الشبكة

  • ومضات قرآنية: قد جاءكم من الله نور وكتاب منير(مقالة - موقع أ. د. فؤاد محمد موسى)
  • ومضات وتجارب من وحي إدارة شؤون المباني(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الإسراء ومضات ومعجزات(مقالة - ملفات خاصة)
  • ومضات في صعيد عرفات(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • ومضات قرآنية (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • ومضات في تربية الأولاد (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ومضات فكر وحصاد قلم (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • ومضات اقتصادية رمضانية(كتاب - موقع د. زيد بن محمد الرماني)
  • ومضات رمضانية (5)(محاضرة - موقع د. زيد بن محمد الرماني)
  • ومضات رمضانية (4)(محاضرة - موقع د. زيد بن محمد الرماني)

 


تعليقات الزوار
2- تنويه
السعيد الصمدي - المغرب 20-09-2016 05:04 PM

شكر الله لأخت الفاضلة على هذا البحث القيم جعله الله في ميزان حسناتها.

1- تنويه
إبراهيم مزوز - المغرب 20-09-2016 01:49 AM

شكر الله للأخت العالمة النحريرة، والأستاذة الجهبذة الكبيرة، على هذا العرض القيم، الذي هو بحق ومضات -كما وسمت - في أفق التفسير، ولبنة في بناء صرح من صروح التفسير، وأصل من أصوله، ألا وهو السياق، وقد أجادت أختنا فرسمت لنا الطريق نحو هذا المتجه، هكذا فلتكن بناتنا وأخواتنا عالمات باحثات مفيدات وذائدات عن العلوم الشرعية؛ لينكسر على صفا صخرهن زجاجات المغرضين من الحاقدين للإسلام والمسلمين.
إنني أستطيع حين أرى مثل هذه الجهود من أخواتنا في هذا الميدان، أن أؤنث الضمير المذكر - عانيا أختنا خديجة - في قول الشاعر:
حلف الزمان ليأتين بمثل(ها)++حنثت يمينك يا زمان فكفر
وأقول من بنات فكري المتواضعة:
خديجة يا من لها أسوة++ببت النبوة بيت الكرم
أجدت بذا البحث يا أختنا++كزهر تفتق في الأكم
فلله درك سيري على++طريقتك المثلى نعم اللَّقم
رعاك إلهنا ما طلعت++ذكاء على سبسب والأطم

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 20/11/1446هـ - الساعة: 9:38
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب