• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    سورة الكافرون.. مشاهد.. إيجاز وإعجاز (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    من آداب المجالس (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    خطر الميثاق
    السيد مراد سلامة
  •  
    أعظم فتنة: الدجال (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    فضل معاوية والرد على الروافض
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    ما جاء في فصل الشتاء
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرحمن، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    تفسير: (فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تخريج حديث: إذا استنجى بالماء ثم فرغ، استحب له ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    اختر لنفسك
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون (خطبة) - باللغة ...
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / عقيدة وتوحيد / الإلحاد (تعريف، شبهات، ردود)
علامة باركود

مغالطات أكذوبة أن مبدأ هايزنبرج يلغي السببية

مغالطات أكذوبة أن مبدأ هايزنبرج يلغي السببية
د. ربيع أحمد

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 29/2/2016 ميلادي - 20/5/1437 هجري

الزيارات: 19422

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

مغالطات أكذوبة أن مبدأ هايزنبرج يلغي السببية

 

الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على خاتمِ المرسلين، وعلى أصحابه الغُرِّ الميامين، وعلى من اتَّبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:

فقد انتشر في عصرِنا مرضُ الإلحاد، وهو أحدُ الأمراض الفكريَّة الفتَّاكة؛ إذ يَفتِكُ بالإيمان، ويُعمي الحواسَّ عن أدلة وجود الخالق الرحمن، وتجدُ المريضَ يُجادل في البديهيَّات، ويجمع بين النقيضَيْنِ، ويُفرِّق بين المتماثلَيْنِ، ويجعل من الظنِّ علمًا، ومن العلم جهلًا، ومن الحق باطلًا، ومن الباطل حقًّا!

 

ومن عوامل انتشارِ هذا المرض:

• الجهلُ بالدين.

• وضعفُ العقيدة واليقينِ.

• والاسترسالُ في الوساوسِ الكُفريَّة.

• والسماع والقراءةُ لشبهات أهل الإلحادِ دونَ أن يكون لدى الإنسان علمٌ شرعيٌّ مُؤصَّلٌ.

 

وشبهاتُ أهلِ الإلحادِ ما هي إلا أقوالٌ بلا دليل صحيح، وادِّعاءات بلا مستند راجح، ورغم ضعفِها وبطلانها إلا أنها قد تُؤثِّر في بعض المسلمين؛ لقلَّة العلم، وازدياد الجهلِ بالدين؛ ولذلك كان لا بدَّ من كشف شبهاتِ ومغالطات ودعاوى أهلِ الإلحاد شبهةً تلوَ الأخرى، ومغالطةً تلوَ المغالطةِ، ودعوى تلوَ الدعوى؛ حتى لا ينخدعَ أحدٌ بكلامهم وشُبَهِهم.

 

ومن المُغالطاتِ التي يَدَّعيها الملاحدةُ ادِّعاءُ أن مبدأَ هايزنبرج يلغي السببيَّة، أو أن مبدأ اللَّادقَّة يَدحضُ السببيَّة، أو أن مبدأ اللَّايَقين يدمِّرُ السببية، أو أن مبدأَ عدم التأكُّد يُزعزِعُ السببيَّة، أو أن مبدأَ اللَّاتعيين ينفي السببيَّة.

 

يقول أحدُ الملاحدة: "يتمثَّل دحضُ السببيَّة فيما يعرف بمبدأ الشك واللَّاحتميَّة لهايزنبيرغ، الذي يضعُ حدودًا للدقَّة في تحديد موقع أيِّ جسمٍ متحرك وسرعتِه في نفس اللحظة الزمنيَّة، وبالتالي فلا يوجد سببٌ محدَّد لانتقال جسم من نقطة معيَّنة إلى أخرى، بل إن الحركةَ تتمُّ بعشوائيَّة تامَّة فيما يعرف بدالَّة شرودنجر الاحتماليَّة، وقد تم إنشاء علم الكوانتم على يد مجموعة من نوابغِ العقل البشري ابتداءً بنيلز بور، وفيرنر هايزنبيرغ، وديفيد بوهم، فيما يُعرَف بمدرسة كوبنهاجن، وانتهاءً بالعالم الفذِّ: ريتشارد فاينمان".

 

ومن الملاحدةِ مَن يدَّعي خطأ مفهوم السببيَّة بسبب مبدأ هايزنبرج، ومنهم مَن يدَّعي أن فيزياء الكم قائمة على مبدأ الارتياب الذي يلغي السببيَّة تمامًا.

 

وقبل بيان المغالطات التي يحويها ادِّعاء "أن مبدأ هايزنبرج يلغي السببيَّة" يحسنُ بنا معرفةُ ما هو مبدأ عدم التأكُّد لهايزنبرج؟ ومعرفة ماهيةِ العَلاقة السببية، ومعرفة مبدأ السببيَّة؛ فالحكمُ على الشيء فرعُ تصوُّرِه.

 

ومبدأ عدم التأكُّد لهايزنبرج Heisenberg's uncertainty principle هو مبدأٌ مهمٌّ في ميكانيكا الكمِّ، صاغه فرنر هايزنبرج عام 1927 ميلاديًّا، وينصُّ على أن من المستحيلِ رصدَ وتحديد موقع وكميَّة تحرك الإلكترون بدقَّة في آن واحد، فكلَّما زادتِ الدقَّة في رصد كميَّة تحرك الإلكترون، قلَّتِ الدقَّة في تحديد موقعه، وكلما زادت الدقَّة في تحديد موقع الإلكترون، قلَّتِ الدقَّة في تحديد كميَّة تحركِه، ولمبدأ عدم التأكُّد العديدُ من الأسماء، فيُسمَّى: مبدأَ اللَّادقَّة، ومبدأ الريبة، ومبدأ الشكِّ، ومبدأ الارتياب، ومبدأ اللَّايَقين، ومبدأ اللَّاتحديد، ومبدأ اللَّاتعيين، ومبدأ اللَّاحتميَّة، ومبدأ عدم الدقَّة.

 

والسببيَّة Causality هي علاقةٌ بينَ السبب والمسبَّب[1]؛ أي: علاقة بين السببِ والنتيجةِ، ومبدأ السببيَّة أحدُ مبادئ العقل، فلكلِّ ظاهرةٍ سببٌ أو علَّة لوجودِها، وما من شيءٍ حادث إلا كان لوجوده سببٌ يُفسِّر وجودَه[2]، والعقلُ يُدرِكُ ذلك تلقائيًّا، وبلا معونة الحسِّ والتجربة؛ كالتلازم والتلاحم بينَ وجود البناء ووجود الباني، والجناية والجاني[3].

 

إن العقلَ يُدركُ مبدأَ السببيَّة القاضي بأن لكل حادثة سببًا بصورة تلقائيَّة دون دليلٍ، ودون مقدِّمات، ولا يحتاجُ في تصوُّره أو التصديق به إلى اكتسابٍ أو معرفة سابقة، بل يؤمنُ به بمجردِ تصوُّره دون رويَّة وتأمُّل، ودون معرفةٍ سابقة، ويشتركُ في هذا الإدراكِ جميعُ الناس: العالمُ منهم والجاهلُ، الكبيرُ منهم والصغيرُ.

 

ومَن يرَ كتابةً يعرفْ أن لها كاتبًا ولو كانت أوَّلَ كتابة يراها في حياته، ومن يرَ كرسيًّا يعرف أن له صانعًا ولو كان أوَّل كرسي يراه في حياته، ومَن يرَ لوحةً فنيَّة يعرف أن لها فنانًا ولو كانت أوَّل لوحة فنية يراها في حياته، وحتى الطفل الصغير إذا سمع صوتًا انتبه إلى مكانه ليعرفَ سببَه، وإذا جاع طلَب الطعامَ ليَسُدَّ جوعته؛ ومن هنا يتَّضحُ أن العقل يدرك بصورة فطريَّة وقبليَّة مستقلَّة عن الحس والتجربة أن لكل حادثة سببًا[4].

 

وبعدَ معرفة مبدأ اللَّادقَّة، والعَلاقة السببيَّة، ومبدأ السببيَّة، نأتي لبيان المُغالطات والأخطاء التي وقع فيها الملاحدةُ عندما ادَّعَوْا بأن مبدأ عدمِ التأكُّد لهايزنبرج يلغي السببيَّة، ومن هذه المغالطات والأخطاء التشكيكُ في حقيقة مطلقة absolute truth مقطوع بصحتِها، ولا تحتمِلُ الخطأَ، بحقيقة نسبيَّة relative fact تحتمل الخطأ، ونقبل صحَّتها حاليًّا في ضوء الأدلة المتاحة الدالَّة على صدقها؛ فمبدأُ السببية من البديهيَّات والحقائق المطلقة الثابتة في كل عصر ومصرٍ، وفي المقابل مبدأُ عدم التأكُّد مبدأٌ علمي، والمبادئ العلميَّة Scientific Principles كغيرها من أشكال المعرفة العلميَّة ليست صحيحةً صحةً مطلقة؛ فقد يتمُّ تغييرُها أو تعديلُها في ضوء المستجدَّات، ومن ثَمَّ فإنها ليست حقائقَ نهائيَّة، أو مطلقة؛ بل نسبيَّة.

 

وقد أخطأ الملاحدةُ وتناقضوا عندما استدَلوا على بطلان مبدأ السببيَّة بمبدأ عدم التأكُّد؛ فالدليلُ سببٌ للعلم بالشيء المستدَلِّ عليه، ومحاولة الاستدلال على ردِّ مبدأ السببية تنطوي على الاعتراف بمبدأ السببيَّة وتطبيقِه، وبعبارة أخرى: لو كان مبدأُ عدم التأكُّد يُبطِلُ السببيَّة، فقد بَطَل الاستدلال به على بطلان السببيَّة، وإذا لم يكن مُبطلًا للسببية، فلا حجَّةَ فيه على بطلان السببيَّة.

 

ويلزمُ من كلام الملاحدة لوازمُ باطلةٌ؛ كعدم صحَّة أيِّ استدلال؛ لأن الإثباتَ والدليلَ عاملان مهمَّان من عوامل قبول النتائج، وإذا لم يرتبطِ الإثبات بالنتائج، فلا يُؤدِّي الإثبات إلى نتيجة، ومن اللوازمِ الباطلة أيضًا: انهيارُ العلوم؛ فجميعُ العلوم الكونيَّة مبنيَّة على السببيَّة؛ ولذلك لا يمكن للعلوم الاستغناءُ عن السببيَّة، وبسقوط السببية تنهار جميعُ العلوم، وبُطلان اللَّازم يدلُّ على بطلان الملزوم.

 

وكلامُ الملاحدة مخالفٌ للواقع؛ إذ لو لم تكن السببيَّةُ موجودةً في الواقع، لما تمكَّن العلماء من تفسير الظواهر الكونيَّة، ولو لم تكن السببيَّة موجودة في الواقع، لما تمكَّن الأطبَّاء من علاج الأمراض والوقاية منها.

 

ومبدأُ عدم التأكُّد لا يدلُّ على نفي السببيَّة، بل يدلُّ على استحالةِ تحديد موقع الإلكترون وكميَّة حركتِه في آن واحدتحديدًا دقيقًا؛ أي: إن الإنسان لا يمكنه قياسُ موقعِ الإلكترون وكمية حركته في آنٍ واحد بدقَّة متناهية ذاتِ عدم تأكُّد ضئيل؛أي: إن الإنسان لا يمكنُه قياسُ كلِّ شيء بدقة 100%، وفرقٌ بين دقَّة نتيجة القياس وصحَّة نتيجة القياس؛ فكلُّ قياس نتيجتُه دقيقة لا بدَّ أن يكون صحيحًا، لكن ليس كلُّ قياس نتيجتُه صحيحة يكون دقيقًا.

 

وعدمُ القدرة على تحديد موقع الإلكترون وكميَّة حركته بدقة في نفس الوقت يُؤدِّي إلى عدم القدرة على التنبُّؤ الدقيق بسلوك الإلكترون في المستقبل، وعدمُ القدرةِ على التنبُّؤ الدقيق بسلوك الإلكترون في المستقبل قوَّد مذهبَ الحتميَّة الصارمة، الذي كان سائدًا عند علماء الغرب، خاصةً في القرن التاسعَ عشرَ الميلادي قبل ظهور ميكانيكا الكَمِّ.

 

وحسب القائلين بالحتميَّة الصارمة، أو الحتميَّة الميكانيكيَّة، فإن التغيُّرات التي تحدث في العالم عند أيِّ لحظة تعتمدُ فقط على حالة العالم عند تلك اللحظة، والحالةُ تُحدَّدُ بمواضع وسرعات الجُسَيمات؛ فتغيُّرات المواضع تحدِّدها السرعاتُ، وتغيُّرات السرعات تحدِّدُها القُوى، والقُوى بدورها محدَّدة بالمواضع.

 

فإن أمكننا أن نعرفَ حالةَ العالم عند أيِّ لحظة، فمن الممكن - من حيث المبدأُ - أن نَحسِبَ بأدقِّ التفاصيل السلوكَ والمُعدَّل الذي سوف تتغيَّر به هذه الحالة، فإذا عرفنا هذا، يُمكنُنا أن نحسب الحالةَ في اللحظة التالية، ثم نَعتَمِدُ على ذلك كمرحلة انتقالية؛ فنحسب الحالةَ في لحظة بعدها وهكذا بغير حدودٍ[5].

 

إن مذهبَ الحتميَّة determinism يعتقدُ بأن كلَّ ما يقع في الكون من أحداث - بما في ذلك الظواهر النفسية والأفعال الإنسانية - نتيجةٌ ضروريَّة تترتَّبُ على ما سبق من الأحداث؛ فالعالم في نظر القائلين بالحتميَّة عبارة عن مجموعة عضويَّة، ترتبط أجزاؤها فيما بينها كأجزاءِ آلة دقيقة؛ ولهذا فإنهم يرونه نظامًا مغلقًا يُؤذِنُ حاضرُه بمستقبله، وتخضعُ سائر أجزائه لقوانين مطَّردةصارمة؛ ومعنى هذا: أن العالم دائرةٌ مُقفلة يتَّصِلُ بعضها ببعض اتصالًا عليًّا بحتًا، بحيث يكون في استطاعتنا - باستقصاء الظواهر الحاضرة - أن نتنبَّأ بما سيحدث من الظواهر تنبُّؤًا يقينيًّا مطلقًا، وهذا هو ما عناه لابلاس بعبارته المشهورة: "إن في وُسعِنا أن نَنْظُرَ إلى الحالة الحاضرة للكون على أنها نتيجةٌ للماضي، وعلَّة للمستقبل"[6].

 

وفي الحتميَّة لا يمكن حدوثُ أشياء خارج منطق قوانين الطبيعة... وبالتالي لا مجالَ لحوادثَ عشوائية غيرِ محددة سلفًا، ويعترف الحتميُّون بأنه ربما يصعب على الإنسان - أحيانًا - معرفةُ النتيجة مسبقًا؛ نتيجةَ عدم قدرته تحديد الشروط البَدْئيَّة للتجربة، أو عدم امتلاكه للصياغة الدقيقة للقانون الطبيعي، لكن هذا القانون موجودٌ، والنتيجة محددة سلفًا[7].

 

ويكفي القارئ الكريم أن يَعرِفَ أن الحتميَّة تقومُ على إمكان التنبُّؤِ بالأحداث الكونيَّة؛ نظرًا لوجود تعاقب حتميٍّ مطَّرد بين الظواهر الطبيعيَّة... أما في العلم، فإن الحتميَّة تعني إمكانية التنبُّؤ بالحالة المستقبليَّة للعالم الطبيعي بالاستناد إلى الحالة الحاضرة[8].

 

ولعل القارئ الكريم أدرَكَ من خلال قراءته لمبدأ عدم التأكُّد أن التنبُّؤَ الدقيق مستحيلٌ في مستوى العنصر الذرِّي؛ لأن اللَّاتعيين الذي أظهرتنا عليه الفيزياءُ الجديدة لا بدَّ أن يُفضي بنا إلى قوانين احتمالية[9]، ولم يَعُد باستطاعة الفيزيائيِّين أن يعطوا توصيفًا حتميًّا للأحداث الذرِّيَّة؛ بل تنبؤات احتمالية، وفي هذا كسرٌ للغرور العلمي، وردٌّ مُفحِم على مَن يدَّعي أن المعرفة البشرية قادرة على التنبُّؤ الدقيق بمصير الكون من الذرَّة إلى المجرَّة، فما أوتي البشر من العلم إلا القليل.

 

ولعل القارئ الكريم أدرك اللَّامنطقيَّة عند الملاحدة - هداهم الله - عندما ادَّعَوْا بأن مبدأ عدم التأكُّد يلغي السببية، فما دخل تحديد موقع الإلكترون وكمية حركته بدقة في نفس الوقت بالسببية؟! وما دخلُ التنبُّؤ الدقيق بسلوك الإلكترون في المستقبل بالسببيَّة؟!

 

والملاحدةُ - هداهم الله - قد خلطوا بين السببيَّة والحتميَّة الصارمة المطلقة المتطرفة، والسببيَّة معناها: أن أيَّ نتيجة لها سبب، لكن الحتمية الصارمة أو الحتمية المتطرفة معناها: أن نفسَ السبب يؤدي - حتمًا - إلى نفس النتيجة، ولا يمكنُ أن تتخلَّف هذه النتيجة ولو تكرَّر السبب آلاف المرات؛ أي: السبب المعيَّن يؤدي - حتمًا - إلى نتيجة معيَّنة لا يمكن أن تتخلَّف، ولا يمكن أن يُؤدِّي إلى نتيجة مختلفة، ولو تكرَّر السبب آلاف المرات؛ ولذلك فالحتميَّة المتطرفة مخالفة لجميع الشرائع السماويَّة، ومخالفة للواقع، ومخالفةٌ للعلم.

 

ودعْني أُعطيك أمثلةً من الواقع: فأنت تعلم أن المذاكرةَ بجِدٍّ سبب للنجاح، لكن هناك من ذاكروا بجدٍّ ولم ينجحوا، وتعلمُ أن حَمْلَ المرأة سببُه وطء الرجل زوجتَه، لكن كم من رجلٍ وطِئ امرأتَه ولم يَحدُثْ حَمْلٌ، وتعلمُ أن الأكلَ سببٌ للشِّبَع، لكن هناك مَن يأكلُ ولا يشبَعُ، وتعلمُ أن شربَ الماء سبب للارتواءِ، لكن هناك مَن يشرب الماءَ ولا يرتوي، وتعلم أن أخْذَ الدواء المعيَّن سببٌ للشفاء من المرض المعيَّن، لكن هناك مَن يتناول الدواءَ المناسب لعلاج مرضه ولا يشفَى.

 

وها هو مبدأ عدم التأكُّد يرفض الحتميَّة المتطرفة، التي ترفضُها الشرائعُ السماويَّة؛ فأصبح هذا المبدأ يرفضُ ما رفضَتْه تعاليمُ الشرائع السماويَّة.

 

ويكفي أن يعلمَ القارئُ الكريم أن السببَ - وإن كان صحيحًا وتامًّا في نظرنا - فليس من المحتَّم أن يستوجب مسبِّبه أو نتيجته؛ فقد توجد موانعُ تؤدي إلى تخلُّف النتيجة.

 

قال ابن تيمية رحمه الله: "ومجردُ الأسباب لا يوجِبُ حصول المسبَّبِ؛ فإن المطرَ إذا نزل وبُذِرَ الحَبُّ، لم يكن ذلك كافيًا في حصول النبات، بل لا بدَّ من ريح مُرْبِيَة بإذن الله، ولا بدَّ من صرف الانتفاء عنه؛ فلا بدَّ من تمام الشروط، وزوال الموانع، وكلُّ ذلك بقضاءِ الله وقدره، وكذلك الوَلدُ لا يُولَدُ بمجرد إنزال الماء في الفَرْج، بل كم ممن أنزلَ ولم يُولَدْ له؛ بل لا بدَّ من أن الله شاءَ خَلْقَه فتحبل المرأةُ، وتُربِّيه في الرَّحم، وسائر ما يتمُّ به خلقه من الشروط وزوال الموانع"[10].

 

ولْيعلَمِ القارئُ الكريمُ أن نقضَ الحتميَّة الصارمة لا يستلزمُ نقضَ السببيَّة، وأن لكل حَدَثٍ محدِثًا، أو لكل فعلٍ فاعلًا، بل غاية ما في الأمر عدم القدرة على التنبُّؤ الدقيق بسلوك الجُسَيمات في العالم الذرِّي، وتحت الذَّرِّي في المستقبل، ولا نخلطُ بين السببيَّة والتنبُّؤ بالنتيجة الناشئة عن السبب، ولا نخلطُ بينَ سبب الظاهرةِ الطبيعيَّة والتنبُّؤ بنتيجة الظاهرة، وبعبارةٍ أخرى: لا نخلطُ بينَ الجَزْم بوجود فاعل للحدَث، وبينَ توقُّع وقوع الحدث على نحو معيَّن.

 

والخطأُ الذي وقع فيه الملاحدةُ أنهم خلطوا بينَ السببيَّة والتنبُّؤ بالنتيجة الناشئة عن السبب؛ فقرَّروا أن ما دام التنبُّؤ احتماليًّا فالسببيَّةُ احتماليَّة، ولا يخفى على كلِّ ذي عقلٍ أن كونَ الذي يذاكر ينجحُ أو لا ينجح، لا يمنع ذلك من القول بأن النجاح سببُه المذاكرة، وكون لقاء الرجل بزوجتِه قد يَنتُجُ عنه حَمْلٌ وقد لا ينتج، لا يمنع ذلك من القول بأن حَمْلَ المرأة سببُه لقاء الرجل بزوجتِه، وكون انتقال عدوى ميكروبيَّة إلى شخصٍ قد يُمرِضُه وقد لا يُمرِضُه، لا يمنع ذلك من القول أن المرضَ المُعدي سببُه انتقال العدوي الميكروبيَّة إلى الشخص المريض.

 

وليعلَمِ القارئُ أن احتمال أن يوجدَ هذا الحَدَث أو ذاك لا يمنَعُ من وجود فاعلٍ للحدث، وكونُ الإلكترون وُجِد بعد أن لم يكن موجودًا، فلا بدَّ أن يكون له مُوجِد - حسب مبدأ السببيَّة - وكونُ الإلكترون محكومًا بقوانين - وإن كانت حسب مُعطيات العلم الحديث قوانينَ احتمالية - فلا بدَّ أن يكون لهذه القوانين مُقنِّنٌ ومُسنِّن - حسب مبدأ السببيَّة.

 

هذا، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.



[1] المعجم الفلسفي لمجمع اللغة العربية بمصر ص: 96، والمعجم الفلسفي؛ للدكتور جميل صليبا 1/ 649.

[2] انظر: المعجم الفلسفي؛ للدكتور جميل صليبا 1/ 649.

[3] مذاهب فلسفيَّة وقاموس مصطلحات؛ لمحمد جواد ص: 169.

[4] مذاهب فلسفيَّة وقاموس مصطلحات؛ لمحمد جواد ص: 171.

[5] الفيزياء والفلسفة؛ لجيمس جينز، ترجمة جعفر رجب ص: 150 - 151.

[6] مشكلة الحرية؛للدكتور زكريا إبراهيم ص: 100.

[7] المعجم الفلسفي؛ للدكتور مصطفى حسيبة ص: 178.

[8] مشكلة الحرية؛ للدكتور زكريا إبراهيم ص: 101.

[9] مشكلة الحرية؛للدكتور زكريا إبراهيم ص: 104 - 105.

[10] مجموع الفتاوى؛ لابن تيمية 8/ 70.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • مغالطات أكذوبة أن الكون نشأ من لا شيء دون الحاجة إلى خالق
  • مغالطات أكذوبة أن ظاهرة النفق الكمومي تدمر مبدأ السببية
  • مغالطات أكذوبة أن ميكانيكا الكم تلغي السببية

مختارات من الشبكة

  • مغالطات أكذوبة الملاحدة: أن الكون يسير بقوانين فلا يحتاج إلى خالق ليدبر أمره(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من مغالطات الملاحدة: اتهام السيدة مارية القبطية بالزنا(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مغالطات في عمل المرأة(مقالة - ملفات خاصة)
  • شبهات حول الحجاب: مغالطة قسوة اليهود على المرأة أنموذجا(مقالة - ملفات خاصة)
  • مختصر المغالطات المنطقية (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مغالطة المفسدين وخداعهم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أماني المفرطين (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • اليأس يساوي الدمار(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • لا حياة بدون مبدأ(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الكنز المفيد في علم التجويد (1)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب