• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / عقيدة وتوحيد
علامة باركود

الحدود في الديانة النصرانية

الحدود في الديانة النصرانية
لؤي عبدالحميد شنداخ

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 23/3/2016 ميلادي - 13/6/1437 هجري

الزيارات: 28401

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الحدود في الديانة النصرانية

 

تمهيد:

المبحث الأول: التشريع النَّصراني.

المبحث الثاني: القِصاص والحدود في الديانة النَّصرانية.


تمهيد:

الديانة النَّصرانية والمراحل التي مرت بها:

إن الديانة النَّصرانية نشأت مع بداية دعوة المسيح[1] عليه السلام، وكانت دعوته تقوم على أساس أنه لا توسط بين الخالق والمخلوق، ولا توسط بين العبد والمعبود، وقد كانت دعوته تقوم على الزهادة، والأخذ بأسباب الحياة، كما يحث على إيمانهم باليوم الآخر، واعتبار الحياة الآخرة هي الغاية السامية لبني الإنسان في الدنيا، وأن دعوته في المرحلة الأولى لم تتوجه إلى الأمميين (أي الأقوام غير اليهودية) في البداية، إنما كانت إصلاحية إلى اليهودية، وقد وجَّه المسيح كل اهتمامه إلى هذا الهدف بقوله: "إنما بُعثت إلى خراف بني إسرائيل الضالة"، وأن تاريخ الكنيسة يذكر أن الحواري بطرس كان أول من توجه إلى الأمميين لدعوتهم إلى الانضمام إلى الدين في الأرض، وكان الأكثر أهمية في نشر الديانة النَّصرانية هو بولس الرسول، الذي عمل على الجديد الذي أصبح عالميًّا بعد أن انتشر الحواريون والمعلمون والتلامذة في كل بقاع نشر الديانة النَّصرانية بصوره متميزة[2]، وقد كان اليهود قد وصلوا في عهد الاحتلال الروماني لفلسطين وكثير من بقاع الشرق الأوسط إلى حياة الذل والشقاء، حيث لم يكتفِ الرومان باضطهادهم، بل نصبوا لهم آلهتهم في الأماكن العامة والمقدسة؛ مما أشعر اليهود بانتقاص عقائدهم، ولعل ما زاد في شعور اليهود بالذل هو رؤية أعضاء مجلس السنهدرين قد اتجهوا إلى جمع المال، وفرض السيطرة على أبناء ملتهم، وأهملوا رعاية الهيكل، وحوَّلوه إلى سوق تجارية عامة[3]، فراح الكثير من اليهود ينتظر بفارغ الصبر ظهور الزعيم الذي بشَّرهم به أشعياء ودانيال، وقد ظهر يحيى (يوحنا المعمدان) يؤذن في الناس قرب ظهوره، وكان يعمِّد الناس بأن يسكب على رؤوسهم زيتًا وماءً ليكونوا صالحين، وقد عمَّد يوحنا بنفسِه المسيحَ عيسى ابن مريم عليه السلام، وأخبره بأنه يعلم أنه المسيح المنتظر، ثم بعد ذلك أخذ المسيح عليه السلام يبشر برسالته بين أصحابه، وكان يتحسس مفاسد رجالات الديانة اليهودية، فبدأ يقود حربه ضدهم، وابتدأ رسالته الجديدة وقد تبعه في البداية اثنى عشرَ رجلًا، وهم (الحواريون)[4].


المبحث الأول

التشريع النَّصراني

المطلب الأول: مصادر التشريع في الديانة النَّصرانية.

المطلب الثاني: مراحل التشريع النَّصراني.

أولًا: اتباع التشريع اليهودي.

ثانيًا: مراحل التشريع بعد المسيح (التلاميذ).

ثالثًا: الكنيسة والتشريع.


المطلب الأول

مصادر التشريع في الديانة النَّصرانية

للمسيحيين ثلاثة مصادر رئيسة، هي:

أ- العهد القديم، وتكلمنا عنه في الديانة اليهودية؛ فمن المعروف أن المسيح عليه السلام ما جاء إلا لإصلاح بني إسرائيل أولًا، ولم يُلْغِ قدسية العهد القديم؛ لذلك اعتبر أول مصادر النصارى، وسمي بالعهد القديم تفريقًا له عن العهد الجديد؛ أي "الأناجيل"، وقد اختلفت الفرق النَّصرانية في بعض أسفاره أو رفضها من قِبَل الآخرين [5].

 

ب - العهد الجديد: هو القسم الثاني من الكتاب المقدس، وسمي بالعهد الجديد؛ للمقابلة بينه وبين العهد القديم؛ فتسمية العهدين هي تسمية متأخرة، لاحقة لظهور النَّصرانية، ويقصد بكلمة العهد في هاتين التسميتين ما يرادف معنى الميثاق؛ أي إن كلًّا منهما يمثل ميثاقًا أخذه الله على الناس، الأول ابتداءً بدعوة موسى، والثاني مع ظهور عيسى عليه السلام [6]، وتقسم أسفار العهد الجديد إلى ثلاث مجموعات.

 

1 - المجموعة الأولى: هي الأناجيل [7]، وعددها أربعة.

أ - إنجيل متى: مؤلفه الرسول متى، وهو أحد الحواريين الاثني عشر، وإنجيله هو أقدم الأناجيل، يعود تأليفه إلى سنة (60) بعد الميلاد، كتبه باللغة الآرامية الفلسطينية الحديثة [8].

 

ب - إنجيل مرقص: مؤلفه القديس مرقص، أحد التلاميذ السبعين، ألَّفه سنة 63، وقيل: 65، باللغة اليونانية، وقد تم تأليفه بإشراف أستاذه: بولس بطرس رئيس الحواريين، وبإرشاده[9].

 

ج - إنجيل لوقا: مؤلفه القديس لوقا أحد التلاميذ، الذي ولد في أنطاكيا، ودرس الطب، وقد رافق بولس في أعماله وأسفاره، وقد ألفه في نفس العصر الذي ألف فيه مرقص إنجيله، وباللغة اليونانية أيضًا، وقيل: إنه كان مصريًّا، وقيل: إنه كان يونانيًّا[10].

 

د - إنجيل يوحنا: فقد ألفه الرسول يوحنا أحد الحواريين الاثني عشر، باللغة اليونانية، وكان تأليفه حوالي 90 للميلاد؛ لذلك يعتبر أحدث الأناجيل [11].

 

2 - المجموعة الثانية: رسائل بولس، وعددها أربع عشرة رسالة، كتبت في الأصل باللغة اليونانية في عصور مختلفة، تبدأ من 45 إلى 65 للميلاد، وهي عشرة إلى الشعوب أو البلاد، وأربعة إلى التلاميذ، وهي: (رسالتان إلى أهل تورنثيوس، ورسالة إلى أهل غلاطية، ورسالة إلى أهل أفسس، ورسالة إلى فلبي، ورسالة إلى كولسيوس، ورسالة إلى العبرانيين، ورسالتان إلى أهل تسالونيكي)، أما الأربعة التي أرسلها إلى تلاميذه فهي: (رسالتان إلى تيموثاوس، ورسالة إلى تلميذه تيطس، ورسالة إلى تلميذه فيليمون)، وتعرض هذه الرسائل صورة مفصلة عن العقائد النَّصرانية وشرائعها وعباداتها وأخلاقها؛ فمن أجل ذلك فإن النَّصرانية الحالية تعتمد عليها أكثر من بقية أسفار العهد الجديد [12].

 

3 - المجموعة الثالثة: الأسفار الكاثوليكية، فهي سبع رسائل، كتبت كلها باللغة اليونانية، وقد كتبت في عصور مختلفة، يرجع أقدمها إلى حوالي 50م، وأحدثها إلى حوالي 90 ميلادية، منها رسالة الحواري يعقوب الصغير، ورسالتان لبطرس كبير الحواريين، وثلاث ليوحنا صاحب الإنجيل الرابع، ورسالة ليهوذا أخي يعقوب الصغير [13].

 

4 - رؤيا يوحنا اللاهوتي: تتألف من اثنين وعشرين إصحاحًا، وتسمى رؤى؛ لأنها أشبه بالأحلام، ولكن يوحنا رآها في اليقظة، وأراد يوحنا من خلال هذا السفر أن يظهر سلطان المسيح بعد رفعه وصلته الدائمة بالكنيسة [14].

 

ج - المجامع: يقول زكي شنودة - وهو أحد علماء النصارى -: إن المجامع هي هيئات شورية في الكنيسة النَّصرانية، وقد رسم الرسل نظامها في حياتهم عندما عقدوا المجمع الأول في أورشليم سنة (51)م، برئاسة أسقفها يعقوب الرسول للنظر في مسألة الختان، ومن ثم نسجت الكنيسة على منوالهم، وكان أولها بعد ترك المسيح لهم بعد (22) سنة، ومن ثم سن التلاميذ سنة جمع المجامع للنظر في أمور العقيدة والشريعة، وكان سبب ذلك ظهور الفساد والتغيير في مسار الدين النَّصراني[15]، والنصارى يؤمنون بكل ما صدر منها من أمور تشريعية، سواء في أمور العقيدة أو الشريعة، وإن اختلفوا في عددها[16].


المطلب الثاني

مراحل التشريع النَّصراني

أولًا: اتباع التشريع اليهودي:

إن النصارى يعتبرون التوراة وأسفار الأنبياء السابقين كتبًا مقدسة، يطلقون عليها العهد القديم؛ فقد كانوا في عهودهم الأولى يتبعون شريعة اليهود والوصايا العشر عندهم [17]، فقد جاء في الإنجيل على لسان المسيح: (إنني لم أجئ لأغير الناموس، ولكن لأقرر)[18]، ومن أجل ذلك فإن المسيح لم يأتِ بتشريع جديد، ومما اهتم به الوعظ والوصية والتسامح.

 

كما أراد تجنيب هذه الشريعة ما تفرضه عليها أحوال الزمان والمكان، كما أراد أن يحترم حرية الإنسان، فلا يسُوقه مكرَهًا إلى الخضوع لشريعة فيحرمه جزاء أعماله[19].

 

وإن هذا التعليل غير مقبول؛ لأن عيسى عليه السلام لم يتحرر من التشريعات السماوية، وإنما ألزم أتباعه بطاعةِ ما شرَعه لهم العهد القديم، ثم إن التشريع الحكم ليس حرفًا ميتًا، ولا جامدًا صلدًا، ولا يحرم الإنسان نتيجة الطاعة والامتثال، وإن هذا التشريع الحكيم يسري في فكر الإنسان، ويصبح معبرًا عنه، ومحققًا مطالبه، وحاميًا لحرماته [20]، كما أن هناك تشابهًا كبير بين الشريعة اليهودية والنَّصرانية، وإن كلا الناموسين من الله، وإن كلا الناموسين يأمر بوجوب حفظ الوصايا القديمة التي تسلمها موسى على الجبل، وهذا ما ذكر به المسيحُ الشابَّ الذي سأله عن وسيلة الدخول إلى الحياة الأبدية[21]، فقال: (إن كنت تريد أن تدخل الحياة الأبدية، فاحفظِ الوصايا المتعلقة بالله، ومن هذا الوصايا: ألا تقتل، ولا تسرق، ولا تزني...)[22].

 

ولقد جاهر المسيح قبل أن يبدأ بالدعوة أنه لم يأتِ بتشريع جديد، ولا أرسل لينقض الناموس، بل جاء ليكمله، وقد أعلن بعد ذلك أنه ليس له الحق في الفصل في الأمور والدعاوى، وليس له الحكم فيها، بل الحكم الوحيد هو التوراة، كما جاء في قوله لمن طلب منه أن يقسم الميراث بينه وبين أخيه: (يا إنسان، مَن أقامني عليكما قاضيًا أو مقسمًا)[23]، كما دعا إلى المحافظة على شريعة موسى، وأثبت حرصه واتباعه لها، وبين ذلك كما جاء في إنجيل متى، حين خاطب الجموع والتلاميذ قائلًا: (على كرسي موسى جلس الفريسيون، فكل ما قالوا لكم أن تحفظوا، فاحفظوه وافعلوه، ولكن حسب أعمالهم لا تعملوا؛ لأنهم يقولون ولا يفعلون)[24]، وجعل يوبخ الرؤساء؛ لعدم فهمهم روح الدين الإسرائيلي، متهكِّمًا عليهم لتمسكهم بقشور الأمور دون لبِّها؛ فقد عمل على شرح قواعد الناموس، وإقامة شعائر الدين، وتدعيم بنائه، ونشر تعاليمه[25]، كما أن عظة الجبل نقلت النَّصرانية إلى طور جديد.

 

ويقول صاحب كتاب (حياة المسيح في التأريخ): إن شريعة عيسى كانت هي شريعة الحب والضمير، أما شريعة الكتبة الفريسيين، فهي شريعة الظواهر والأشكال، ولا جرم أن شريعة الضمير أشد؛ لأن الضمير موكل بالنيات والخواطر قبل الأفعال والوقائع، ولأنه لا يحاسب صاحبه على همساته ووساوسه، ولا يتركه حتى يعمل ما بطر أو يسود، وأن هذه الشريعة تهدم كل عرف قائم، وتعصف بكل شكل ظاهر، ولكنها لا تهدم الناموس، ولا تعصف بركن من أركانه، وقد تزيد فرائضه ولا تنقص حرفًا منها حين تنقلها من الأوراق ومناظر العيان إلى ضمائر القلوب، ولأن الإنسان يحاسب نفسه حسابًا لا تدركه الشرائع، ولا يطلع عليه القضاء[26].

 

ثانيًا: التشريع بعد المسيح (مرحلة التلاميذ):

إن المرحلة التي تلت المسيح هي مرحلة التلاميذ؛ فقد قاموا بنسخ جميع أحكام التوراة، ولم يُبقوا إلا على أحكام أربعة، هي: (ذبيحة الصنم - الدم - الحيوان المخنوق - الزنا)[27]، فأبقوا على حرمة هذه الأشياء، وأرسلوا بذلك كتبًا إلى جميع الكنائس للعمل بمقتضاه، جاء فيها: (أن تمتنعوا عن ذبح الأصنام، وعن الدم، والمخنوق، والزنا، التي حفظتم أنفسكم منها عندما تعملون كونوا معافين)[28]، ثم تقدم (بولس الرسول) [29]خطوة ثانية، فنسخ حرمة الثلاثة الأولى، وأبقى على الزنا، على الرغم من إبقائها فإنها تعتبر منسوخة أيضًا؛ لعدم وجود حد فيها، ومن خلال ذلك يتبين أن مرحلة التلاميذ قد أحلت كل ما حرمته التوراة، وألغَتْ شريعة الناموس، وقالوا: إن هذا التحليل هو إلهام من روح القدس على الرغم من تحريم التوراة لها[30].

 

ثم أكد بولس في رسالة إلى أهل غلاطيه، إذ ذكر أن أعمال الناموس تحت لعنة، وأنه لا يتبرر عند الله بالناموس، وأنه لا لزوم للناموس بعد مجيء عيسى، على الرغم من أن المسيح نفسه يقول: (ما جئت لأنقض الناموس) [31]، وهذا القول يتناقض مع قول المسيح، وبه يعمل النَّصرانيون؛ فقد أخذوا بقول بولس وتركوا التوراة وأحكامها بالمرة، وأباح لهم بولس المحرمات؛ لأنهم جميعًا رأوا أن شريعة التوراة لا تصلح للبشر، كما قال حزقال عن الرب عندما غضب على بني إسرائيل فقال: (ورفعت يدي لهم في البرية؛ لأفرقهم في الأمم، وأذريهم في الأراضي؛ لأنهم لم يطيعوا أحكامي، بل رفضوا فرائضي) [32] [33].

 

ويقولون: إن المسيح أبطل ناموس الفرائض؛ لأنه قدم نفسه ذبيحة عن البشر، حسب معتقداتهم، فلا يقدم بعده ذبيحة، وفي عرف بولس يكون الإيمان بالكتاب ومباشرة الأعمال الصالحة هو لعنة، وقد أكد في نصوص كثيرة أنه لا فائدة من العمل الصالح والشريعة في تحصيل النجاة، بل الإيمان بالمسيح، ويقول: (إذا تعلم الإنسان لا تبرر بأعمال الناموس، بل بإيمان يسوع المسيح، أما نحن أيضا يسوع المسيح نتبرر بإيمان يسوع، لا بالأعمال الناموس؛ لأن بأعمال الناموس لا يتبرر جسد ما) [34]، أي إن البر لا يتحقق بالإيمان بيسوع فقط، ومنحه التعلم المبشرون، فيقول (مارتن لوثر)[35]: إن الإنجيل لا يطلب منا الأعمال لأجل تبريرنا، بل بعكس ذلك، إنه يرفض أعمالنا، وإنه لكي تظهر فينا قوة التبرير يلزم أن تعظم الثمن جدًا، وأن يكثر عددها، ويقول ميلانكتون في كتابه (الأماكن اللاهوتية): (إن كنت سارقًا أو زانيًا أو فاسقًا، لا تهتم بذلك، عليك فقط ألا تنسى أن الله شيخ كثير الطيبة، وأنه قد سبق وغفر لك خطاياك قبل أن تخطئ بزمن مديد) [36].

 

ويقول القس لبيب ميخائيل: (الأعمال الصالحة حينما تؤدَّى بقصد الخلاص من عقاب الخطيئة تعتبر إهانة كبرى لذات الله؛إذ إنها دليل على اعتقاد من يقوم بها بأن في قدرته إزالة الإساءة التي أحدثتها الخطيئة في قلب الله في طريق عمل الصالحات) [37]، وهكذا كانت عقيدة بولس في الخلاص سبيلًا لإلغاء الشريعة والتحلل من التزاماتها؛ وذلك لأجل اجتذاب الرومان للدخول في عقيدته، كما يدل في رسالة إلى كورنثوس التي جاء فيها: (صِرت ليهود كيهودي، لا ربح اليهود الذين تحت الناموس كأني تحت الناموس لا ربح الذين تحت الناموس والذين بلا ناموس كأني بلا ناموس، مع أني لست بلا ناموس لله لكي أربح الذين بلا ناموس)[38]، وقد أكثر بولس من تجريح الشريعة الموسوية، من ذلك قوله: (فإنه يصير إبطال الوصية السابقة من أجل ضعفها وعدم نفعها؛ إذ الناموس لم يكمل شيئًا، ولكن يصير إدخال رجاء أفضل به نقترب إلى الله) [39].

 

ثالثًا: مرحلة تحول التشريع إلى الكنيسة:

بعد أن قرر مجمع روما سنة 1869 عصمة البابا، فانتقل حق التشريع إليه كرأس للكنيسة، وعن طريقه نعمت الكنيسة بهذا الحق، وقد نسب النَّصرانيون عصمة الباب أو الكنيسة إلى عيسى عليه السلام، يقول الأب بولس إلياس: (لقد خول المسيح الكنيسة عن السلطان الذي تلقاه من أبيه السماوي عندما قال لتلاميذه: كما أرسلني الأب هكذا أنا أرسلتكم، وذلك يشمل سلطان الكهنوت والتدبير والتعليم، وعصمة الكنيسة هذه امتياز تنعم به هي والبابا رأسها نائب المسيح المنظور)[40].

 

ويقول عبدالأحد داود: إن النَّصرانيين عندما أثبتوا عصمة البابا، انتقلت كل السلطة في إصدار القرارات، وتعين المعتقدات والأحكام إلى حبر روحه الأعظم الجالس على كرسي الخلافة وأصبح حكمًا قطعيًّا) [41].

 

فالكنيسة أعطت لنفسها الحق في أن تعفوَ عن الخطايا وتحط ذنوب المذنبين بما يسمى: (صك الغفران)، وكما سبق فالذي يغفر مقابل مبلغ مالي، ونص الصك هو: (ربنا يسوع المسيح يرحمك يا...ويحلك باستحقاق الأمة الكلية القديسة، وأنا بالسلطان الرسولي المعطى إلي أحلك من جميع القصاصات والأحكام الطائلات للكنيسة التي استوجبتها أيضًا من جميع الأفراد والخطايا والذنوب التي ارتكبتها منها كانت عظيمة وفظيعة) [42].

 

وهكذا فقد أعطت الكنيسة لنفسها الحق في أن تمحو الخطايا، وتسقط العقوبات والقصاصات في الماضي والحاضر والمستقبل، وتزعم أنها تملِك أن تفتح أبواب الفردوس الرومي، وتعلق أبواب العذاب[43]، ويعتقد النصارى أنه لا يمكن دخول الجنة إلا بعد الإقرار لقس؛ فهم في كل سنة عند صيامهم يمشون إلى الكنائس ويقرون بجميع ذنوبهم للقس الذي يقوم بكل كنيسة، ولكن لا يقرون إلا إذا صرخوا وخافوا الموت، ويكون الإقرار مصحوبًا بالتأسف والندامة والعزم الثابت على ترك الخطيئة وعدم الرجوع إليها، وهم يعتقدون أن كل ذنب يغفره القس فهو مغفور من الله تعالى [44].


الخاتمة

ومن ذلك يتبين أن النَّصرانية فقيرة في تشريعاتها، وأنها دِين يُعنى بالروحانيات، ولا يهتم بشؤون الدنيا، وهذا يؤكد أنها تكملة لأديان بني إسرائيل، فقد تركت لهذه الأديان كل مسائل التشريع أو أكثرها، وقنعت بتوجيه كل العناية إلى الجانب الذي أهمله اليهود، وهو جانب التسامح والحب والزهد في الدنيا، وبقية الكنيسة تمارس سلطتها التشريعية ولا تزال، ومن أهم القرارات التي اتخذتها تبرئة اليهود من دم المسيح، وهو قرار لعبت السياسة دورًا هامًّا به، ويرى كثير من الباحثين أن عددًا من الكرادلة الذين اشتركوا في تأييد هذا القرار هم ينحدرون من أصول يهودية، وأنهم اعتنقوا النَّصرانية لهذا الغرض.



[1] المسيح: كلمه مشتقة من الكلمة العبرية "مسياه" ومصدر الكلمة في اللغة العربية هو "مسح" بمعنى دعك ودلك؛ إذ الكهنة والملوك يمسحون أو يدهنون بالزيت المقدس عند تعيينهم بوظائفهم الدينية، وينظر المسيح في السلام، أحمد ديدات، ترجمة وتعليق محمد مختار، مكتبه ديدات 33 - 35، وينظر: موسوعة الكتاب المقدس، صدر عن دار منهل الحياة المنصورية المتن لبنان، وعن دار الكتاب المقدس، نيو، روضة لبنان، 1424 هـ، 1993م.

[2] ينظر: المسيحية، مقارنة الأديان، د. أحمد شلبي، مكتبه النهضة المصرية، الطبعة العاشرة، 1998 م، 75، وينظر: تاريخ الديانتين، اليهودية والمسيحية، رشدي عليان وسعدون الساموك، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي جامعة بغداد 91.

[3] ينظر: قصة العقائد بين السماء والأرض، سلمان مظهر، دار النهضة العربية، مطبعة لجان البيان 1381هـ 399.وينظر: تاريخ الديانتين - 94.

[4] الحواريون: هم اثنا عشر حواريًّا، تتلمذوا للمسيح عليه السلام، وسموا بهذا الاسم؛ لأنهم كانوا يطهرون نفوس الناس بإفادتهم العلم والحكمة، وهم (بطرس الذي اسمه سمعان، وأنداروس أخو بطرس، ويعقوب بن زبدي، ويوحنا أخوه، وفيلبس، وبرثولوماس، وتوما، ومتى العشار، ويعقوب بن حلفي، وتداوس، وسمعان القانوي، ويهوذا الإسخريوطي) وينظر: التوقيف على مهمات التعاريف، محمد عبدالرؤوف المناوي (ت 1031)، تحقيق: د. محمد رضوان الداية، دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى، 1410هـ 1/ 300، وينظر: الموسوعة الميسرة: 2/ 1050.

[5] ينظر: المسيح في مصادر العقائد المسيحية، أحمد عبدالوهاب، الطبعة الثانية، 1408 - 1988، مكتبة وهبة، 12 - 14، والأسفار المقدسة السابقة للإسلام، د. علي عبدالواحد وافي، دار النهضة - مصر، القاهرة، الطبعة الأولى، 1384 - 1964 - 54.

[6] ينظر: الأسفار المقدسة، 64، ينظر: المسيح في العقائد المسيحية، 15.

[7] الإنجيل: كلمة يونانية، معناها (الحلوان)، وهو ما تُعطيه لمن أتاك ببشرى، ثم أريد بالكلمة البشرى بعينها، أما المسيح فقد استعملها بمعنى بشرى الخلاص التي حملها إلى البشر، ينظر المسيحية، أحمد شلبي، 204.

[8] ينظر: المسيحية، مقارنة أديان، شلبي، 51، وينظر: الأسفار المقدسة السابقة للإسلام 65.

[9] ينظر: الأسفار المقدسة، 64، ينظر: المسيح في العقائد المسيحية، 15.

[10] ينظر: مدخل لدراسة الأديان المسيحية واليهودية، د. سعود بن عبدالعزيز الخلف، - مكتبه أضواء السلف، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى - 1418هـ - 1997م 154، وينظر: الأسفار المقدسة 62 - 63، وينظر: المسيحية، الشلبي 57.

[11] ينظر: مدخل لدراسة الأديان المسيحية واليهودية، 154، وينظر: الأسفار المقدسة، 165.

[12] ينظر: الأسفار المقدسة 93، 94، والمسيحية، شلبي، 107.

[13] ينظر: المسيح في صادر العقائد المسيحية، 105، وينظر: الأسفار المقدسة، 97.

[14] ينظر: المسحية، شلبي، 208.

[15] ينظر: تاريخ الأقباط، زكي شنودة، دار الكرنك، القاهرة، الطبعة الأولى، 1964 م، 1/ 170، وينظر: المجامع النصرانية ودورها في تحريف النصرانية، 80 - 81.

[16] ينظر: الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة، د. مانع بن حماد الجهمي، دار الندوة العلمية للنشر والتوزيع، الطبعة الرابعة، 1420 هـ، المجلد الثاني، 576.

[17] ينظر: المسيحية، أحمد شلبي، 229، وينظر: الموسوعة الميسرة للأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة، د. مانع حماد الجهني، الناشر دار الندوة العالمية للطباعة والنشر - الطبعة الرابعة: 566 - 568.

[18] متى 5: 18.

[19] ينظر: يسوع المسيح: الأب بولس إلياس، كتب إليكترونية.

[20] ينظر: المسيحية، أحمد شلبي، 230.

[21] المسيحية، أحمد شلبي، 231.

[22] إنجيل متى 19: 18 - 19، ومرقص 10: 19.

[23] ينظر: المسيح والتثليث، العلامة محمد حقي، تقديم: محمد عبدالله السمعان، مراجعة: علي الجوهري، دار الفضيلة للتوزيع، 21.

[24] متى 12: 14.

[25] ينظر: المسيح والتثليث، 23.

[26] ينظر: المسيح والتثليث 23.

[27] ينظر: المسيحية مقارنة أديان، شلبي، 231.

[28] ينظر: أعمال الرسل، (15 - 29).

[29] بولس هو: بولس الطرطوسي، روماني الجنسية يهودي الديانة، كان العدو اللدود للمسيح وتلاميذه أثناء فترة بعثته، وهو من أعجب مغامري التاريخ، فهو لم يره عيسى عليه السلام ولم يعرفه، مع ذلك زعم أنه التقى به وأعطاه الأمر بالتبليغ، كما أنه يجمع بين المجدين؛ فهو يهودي مع اليهود، وروماني مع الرومان، ينظر: يسوع النصراني والجني، جمال الدين الشرقاوي، الناشر مكتبة النافذة، الطبعة الأولى 2006، 2، وينظر: بولص وتحريف المسيحية، هيم ماكبي، ترجمة سميرة عزمي الزين، المعهد الدولي للدراسات الإنسانية، 7 - 9.

[30] ينظر: محاضرات في النصرانية، الشيخ محمد أبو زهرة، طبع ونشر: الرئاسة العامة للإدارات والبحوث العلمية، الرياض 1404، 143 - 144.

[31] ينظر: بولس وأثره في النصرانية، دراسة تحليلية، طارق محمد شافعي، كتاب إلكتروني.

[32] رسالة إلى أهل غلاطية 2: 16.

[33] حزقيال، 20: 23 - 24.

[34] رسالة إلى أهل غلاطية 2: 16.

[35]مارتن لوثر.

[36] هل افتدانا المسيح؟ منقذ محمود السقار - 125.

[37] المسيح بين الحقائق والأوهام، محمد وصفي، دار الفضيلة، 67 - 68.

[38] الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس، 9: 19 - 23.

[39] رسالة إلى العبرانية 7: 18 - 19.

[40] ينظر: يسوع المسيح، بولس إلياس - 188 - 190، المسيحية، شلبي، 234.

[41] الإنجيل والصليب، د. عبدالأحد داود، الكاهن المسيحي، (سابق ص 23).

[42] ينظر: محاضرات في النصرانية، 210، المسيحية، شلبي، 255.

[43] الخلاص من الخطيئة في مفهوم اليهودية والمسيحية والإسلام، محمد عبدالرحمن عوض، دار البشير القاهرة، 45 - 46.

[44] تحفة الأريب في الرد على أهل الصليب، القس اتسلم تورميدا، الشهير بعبدالله الترجمان الأندلسي، تقديم: د. محمد علي حماية، دار المعارف، الطبعة الثالثة، 97 - 98.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • بهلوانيات النصرانية والتنصير
  • المرأة في النصرانية
  • لقاء مع أسرة هولندية آثرت الإسلام على النصرانية
  • المغفرة في النصرانية
  • على من يجب الحد؟
  • حمل امرأة لا زوج لها ولا سيد
  • عقيدة الخلاص والفداء ونتائجها السلبية في المجتمعات النصرانية
  • إبطال الدين النصراني بكلمة من القرآن
  • لماذا يرتدون إلى النصرانية؟ (1)

مختارات من الشبكة

  • الفرق بين الحدود المقدرة "الحدود والقصاص" والتعزير(مقالة - آفاق الشريعة)
  • إقامة الحدود حق للسلطان وحده(مقالة - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • الرحمة في الشريعة الإسلامية من خلال الحدود: حد الزنا أنموذجا (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • تقييد الشروط والحدود من كتاب الحدود: جمع للشروط والتعريفات الواردة في كتاب الحدود من الروض المربع (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • أيهما انتشر بحد السيف: الإسلام أم النصرانية؟(مقالة - ملفات خاصة)
  • شهادة النساء في العقوبات(مقالة - آفاق الشريعة)
  • رحمة الإسلام عند تطبيق الحدود الشرعية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من الذي يقيم الحدود؟(مادة مرئية - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • الحدود النحوية في ألفية ابن مالك (ت 672 هـ) وموقف الشراح منها (PDF)(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • من رأى وحده هلال رمضان ورد قوله أو رأى وحده هلال شوال وجب عليه الصيام(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب