• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    المحافظة على صحة السمع في السنة النبوية (PDF)
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    اختيارات ابن أبي العز الحنفي وترجيحاته الفقهية في ...
    عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد التويجري
  •  
    القيم الأخلاقية في الإسلام: أسس بناء مجتمعات ...
    محمد أبو عطية
  •  
    فوائد من حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث ...
    محفوظ أحمد السلهتي
  •  
    لم تعد البلاغة زينة لفظية "التلبية وبلاغة التواصل ...
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    البشارة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    حديث: لا نذر لابن آدم فيما لا يملك
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    خطبة: شهر ذي القعدة من الأشهر الحرم
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    تفسير سورة الكافرون
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (4)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    من مائدة الفقه: السواك
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    أهمية عمل القلب
    إبراهيم الدميجي
  •  
    أسوة حسنة (خطبة)
    أحمد بن علوان السهيمي
  •  
    إذا استنار العقل بالعلم أنار الدنيا والآخرة
    السيد مراد سلامة
  •  
    خطبة: أم سليم صبر وإيمان يذهلان القلوب (2)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    تحريم أكل ما ذبح أو أهل به لغير الله تعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / التاريخ والتراجم / تاريخ
علامة باركود

تفاؤل في الأسوأ (1)

تفاؤل في الأسوأ (1)
أ. أحمد عبدالحافظ محمد

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 20/5/2014 ميلادي - 20/7/1435 هجري

الزيارات: 8281

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تفاؤل في الأسوأ (1)

العالم الإسلامي والحروب الصليبية


(1)

هي حالة سيئة بالتأكيد تعيشها الأمة، حالة مُزْرية، هي حالة تبعَثُ على اليأس وفقدان الأمل، هي حالةٌ ربما المتأمِّل فيها لا يرى بريقَ أملٍ ظاهرًا ولو بعيدًا.

 

التفاؤل في الأسوأ هو مقارنة تاريخية بين واقع عاشَتْه الأمة في فترات من عمرِها في القرون السالفة، وبين واقعٍ نعيشُه ربما يراه البعض الأسوأ في تاريخها...

 

بالتأكيد هذه الحالة السيئة مَدعاةٌ للإحباط، خاصة إذا تأمَّلتَ في طريق الخلاص، غير أن تلك النظرة المُحبِطة سرعان ما تتغير - ولو بعد حين، ولو قليلاً - إلى حالة من الأمل، ربما القريب، لتغيير ذلك الواقع إلى الأجمل إن شاء الله.

 

لننظر إلى واقع الأمة السياسي والاجتماعي قُبَيل الحروب الصليبية وأثنائها، وكذلك قبيل غزوات المغول أو التتار على العالم الإسلامي!

 

(2)

الحروب الصليبية

شهِد العالَم الإسلاميُّ منذ القرن الرابع الهجري إلى السادس الهجري مراحلَ ضعفٍ وغيابًا لدَوْر الخلافة الإسلامية، لقد كان الوضع مُزريًا للغاية في مناطق آسيا الصغرى والشام وفلسطين، وفي مناطق العراق وفارس، وفي مصر وبلاد الحجاز والهند، وكانت القوة المسيطِرة في تلك الفترة هم الشيعة، سواء البُوَيْهيُّون في دار الخلافة ببغداد، أو القرامطة في بلاد الحجاز، أو العُبَيْديون (الفاطميون) في مصر وشمال إفريقية والشام والحجاز، حتى عندما أفل نجمُ البُوَيْهِيِّين ظهرت قوةُ السَّلاجقة السُّنة، لكن سرعان ما دخلوا في طور الضعف والفُرْقة، مما مهَّد للحملات الصليبية.

 

أما المكان الوحيد الذي كان يشهَد قوةً إسلامية في ذلك الزمن، فكان بلاد المغرب العربي وغرب إفريقيا والأندلس؛ حيث كانت دولة المرابطين بقيادة "يوسف بن تاشفين" الذي هزم الصليبيين هزيمةً ساحقة في معركة الزلاقة سنة (479هـ/ 1086م).

 

وهذه الدولة الكبيرة - على قوَّتِها - لم تكن تستطيع أن تُساعِد بلاد المشرق في حروبهم ضد الحملات الصليبية، لا لبُعد المسافة فقط، ولكن لانشغالهم الشديد في حرب الصليبيين شمال الأندلس، والوثنيين في غرب إفريقيا ووسطها.

 

كانت هذه نظرةً عامَّةً على بلاد العالم الإسلامي في أواخر القرن الخامس الهجري / أواخر القرن الحادي عشر الميلادي، وهو الوضع الذي مهَّد لدخول الصليبيين إلى معاقِلِنا، وليس دخول الصليبيين راجعًا إلى قوتهم، ولكنه يرجع في الأساس لضعفنا، وفُرْقة صفِّنا، وتشتُّت قوتنا، وبُعْدنا عن ديننا.

 

لن نخوض كثيرًا في واقع الأمة المؤلِم في تلك الفترة، فما يَعْنِينا هنا أن نُبيِّن حالة الضعف والتفكُّك التي عاشَتْها الأمة وقت أزمتِها وما نعيشه الآن؛ لنزرعَ بريقَ أملٍ في نفوسٍ قضى عليها اليأس.

 

فها هي الجيوش الصليبية تتحرَّك تجاه آسيا الصغرى مرورًا بالإمبراطورية البيزنطية، وتتوجَّه صوب مدينة "نيقية" عاصمة السلاجقة (بالقرب من القُسْطَنْطينية)، وتسقُطُ في أيديهم في 491هـ / يونيو 1097م، ثم تسقط قونية وهرقلة في نفس العام، استمرَّ الزحف الصليبي نحو بلاد الشام؛ إذ كانت جيوشُهم كالجراد المنتشر، وقد بلغوا قرابة مليون إنسان، منهم ثلاثمائة ألف مقاتل وسبعمائة ألف امرأة وطفل جاؤوا ليستوطنوا، لا ليحاربوا قومًا ثم يعودون، فاحتلُّوا الرها، وأقاموا أول إماراتهم بها، ثم تحرَّكوا صوب أنطاكية المقدَّسة، وبعد حصارها تسقط في 491هـ/ يونيو 1098م، وأباحوها أيامًا للسلب والنهب والقتل والاغتصاب، وكشَّرتِ الصليبية عن أنيابها، وتحوَّل جند المسيح إلى قَتَلةٍ وسفَّاكي دماء ومغتصِبين، وتبعها سقوط مَعَرَّة النُّعمان (من أعمال حلب)، وقد ارتكبوا فيهما مذابح عظيمة.

 

تخيَّل!

قتلوا فيهما أكثر من مائة ألف مسلم، وبعد تأسيس إمارة أنطاكية، بالتحديد في يوم 13 من يناير 1099م (492هـ)، تحرَّكت الجيوش الصليبية ناحية الهدف الرئيسي الذي خرجت من أجله، وهو احتلال بيت المقدس.

 

واللافت للنظر هنا هو تلك المساعدات الأمنية والاستخباراتية التي قدَّمها الأرمن النصارى لإخوانِهم في الدين من الصَّليبيين الغربيين، فكانوا أدلاَّء لهم على كل خفيَّة من بلاد المسلمين، وصاروا كالأعوان والمرشدين لهم، فلا تُحدِّثني هنا عن حب الوطن والانتماء للتراب! لقد كانوا خونةً غادرين!

 

بعد ذلك تأمَّل معي جيدًا!

تخرجُ الجيوش الصليبية من مَعرَّةِ النُّعمان وتتحرَّك جنوبًا على الساحل، عندئذٍ أسرع الحُكَّام والأهالي في هذه المدن بتقديم الهدايا الثمينة والمُؤَن، بل والأدِلَّة للجيش الصليبي؛ بُغْيَة الحصول على رضاه، وتجنُّب وحشيَّتِه، وكانت أخبار مذبحتَي أنطاكية ومَعرَّة النعمان قد وصلت إلى كل مكانٍ، ففعلت فعلَها في إرهاب الشعوب، حتى تفقد كلَّ أملٍ في المقاومة، كما فعل أميرَا حمص وشيزر، وليس ذلك فحسب، بل وصل الأمر لحد الخيانة العظمى، فها هم العُبيْديُّون الرافضة يُرسِلون المفاوضات مع الصليبيين لإقرارهم على الشام في مقابل إقرار الصليبيين لهم على فلسطين، وأرسلوا بالأموال الغزيرة والهدايا الثمينة لكل قائد من قوَّاد الحملة الصليبية.

 

لقد بلغ من عمالة الفاطميِّين - أو بالأحرى الباطنيين العُبَيْديين الروافض- أنِ استعانوا بالصليبيين للقضاء على السلاجقة الأتراك، وفي الوقت الذي كان الصليبيون في طريقهم إلى القدس، وكانت مدن الشام تتساقط تحت أقدامهم، كان الفاطميون والسلاجقة يتناوبون التنازع على المدينة المقدَّسة، متجاهلين خطر الجيش النصراني، ولم يحرك قائد الفاطميين ساكنًا إلا عندما جاء الخبر بحصار الصليبيين للقدس.

 

إنه تاريخ طويل من الخيانة والعمالة والطعن في ظُهُورِ المسلمين السُّنة، وها نحن نراه واضحًا مكرَّرًا في سوريا والعراق، ومن قبلُ في أفغانستان!

 

ولكن الأخطر من ذلك - تخيَّل معي جيدًا لترى حالة الأمَّة السوء! - عندما خرج الجيش الصليبِيُّ من أنطاكية صوبَ بيت المقدس كان تَعدادُه ما يقارب ثمانين ألف مقاتل، ومع ذلك تمكَّن الصليبيون من اختراق سوريا ولبنان وفلسطين، دون أدنى مقاومة تُذكَر، بل تفاعل وتعاون من ولاة تلك الإمارات المسلمة:

ففي ذي الحجة 502هـ/ 1109م سقطت طرابلس، وكوَّن الصليبيون بها إمارتَهم الثالثة.

 

وفي 16 آيار/ مايو 1099م غادر الصليبيون طرابلس وتابعوا تقدُّمهم جنوبًا، فاجتازوا البترون وجبيل، ثم وصلوا إلى بيروت فصيدا ثم صُور، والمسلمون في كل ذلك يتجنَّبونهم بالهدايا والأموال؛ لكيلا يتعرَّضوا للإيذاء.

 

ثم اخترقوا لبنان إلى فلسطين، وعبروا نهر الكلب، وهو الحدُّ الفاصل آنذاك بين أملاك السلاجقة وأملاك الدولة العُبَيْدية، فمرُّوا بعكا فقام أميرها العبيدي بتمويلهم بالطعام والمُؤَن، ووعد بالدخول في طاعتهم بعد سقوط بيت المقدس!

 

ثم مرَّ الصليبيون بقَيْسَارِيَة، ثم أُرْسُوف، ثم غيَّروا طريق الساحل، وشقُّوا البلاد شرقًا إلى الداخل صوبَ بيت المقدس، واحتلُّوا في طريقهم الرَّمْلَة، وهي مدينة صغيرة، ولكنها تسيطر على الطريق الواصل من بيت المقدس إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، فسيطر عليها الصليبيون ليؤمِّنوا طريقهم بعد ذلك إلى البحر؛ حفاظًا على إمدادات السفن والأساطيل الأوربية، وفي هذه المدينة (الرَّمْلة) توقَّف الصليبيون ليعقدوا اجتماعًا مهمًّا لتحديد خطوات الغزو، وكان ذلك في (492هـ) أوائل يونيو 1099م.

 

إن هذا كله لا يُعْطِينا فقط انطباعًا عن طبيعة حكام المسلمين، بل تعطينا انطباعًا أوسع وأشمل عن طبيعة ذلك الزمن بأسرِه، فهؤلاء هم الحكَّام في منطقة الشام يوم غزو الجيوش الصليبية، وليست المشكلة في الحكام فقط، فهؤلاء الزعماء لا يقاتلون بمفردهم في الحروب، إنما يقاتلون بجيوش، ومن وراء الجيوش شعوبٌ، ولا شك أن هذه الجيوش التي لا تعرف لها قضيةً، وهذه الشعوب التافهة المغيَّبة، تستحق ما يحدث لها من نكبات وأزمات.

 

لقد عانَى المسلمون من بُعْدٍ عن الدين، وغياب للحميَّة الإسلامية، وافتقاد للنخوة المستندة إلى عقيدة قويَّة صحيحة، وعانوا كذلك من فُرْقة مؤلمة، وتشتُّت فاضح، حتى صارت كل مدينة إمارة مستقلة، ودويلة منفصلة، بل ومتصارعة مع جيرانها المسلمين.

 

(3)

سقوط بيت القدس

غادر الصليبيون الرَّمْلَة في 492هـ / 6 من يونيو 1099م، ووصلوا حول أسوار بيت المقدس في 492هـ/ 7 من يونيو 1099م، وبلغ عددُ القوات الصليبية التي وصلت إلى أسوار القدس وتمركزت حولها، وبدأت بمحاصرتها - نحو أربعين ألفًا من مختلف الأعمار ذكورًا وإناثًا، وكان عدد الرجال المقاتلين منهم نحو عشرين ألفًا.

 

ومرَّت الأيام الصعبة، والعالَم الإسلامي يُشاهِد الجريمة في صمتٍ، ومرَّ شهر كامل والمدينة محاصَرة، واستطاع الصليبيون فتح أبواب المدينة من الداخل، ومن ثَمَّ تدفَّق الصليبيون بغزارة داخل المدينة المقدسة! وكان ذلك في يوم الجمعة 22 من شعبان سنة 492هـ الموافق 15 من يوليو سنة 1099م، وهو من الأيام المحزنة التي لا تُنْسَى في تاريخ الأمَّة.

 

انطلق الصليبيون الهَمَج ليستبيحوا المدينة المستسلِمة.

 

يقول ابن خلدون في تاريخه:

"استباح الفرنجةُ بيتَ المقدس، وأقاموا في المدينة أسبوعًا ينهبون ويُدمِّرون، وأُحصِي القتلى بالمساجد فقط من الأئمة والعلماء والعبَّاد والزهَّاد المجاورين، فكانوا سبعين ألفًا أو يزيدون..."، وهؤلاء هم كلُّ سكَّان المدينة تقريبًا، فقد صُفِّيت تمامًا، ولم ينجُ منها إلا الحامية العسكرية العُبَيْدية!

 

والجدير بالذكر أن القتل في هذا اليوم لم يكن خاصًّا بالمسلمين فقط، بل عانَى منه اليهود أيضًا، فلقد جمع الصليبيون اليهودَ في الكنيسِ ثم أحرقوه عليهم! بل ارتكب الصليبيون حربَ إبادةٍ عِرْقيَّة واسعة في بيت المقدس، حتى بلغت الدماء إلى ركبتَي الفارس على جواده!

 

وكان قد لجأ إلى سطح المسجد الأقصى مئاتٌ من المسلمين أعطاهم قائدُ الجند الصليبي "تانكرد" الأمان وأعطاهم رايته ضمانًا لهم، إلا أنهم في اليوم التالي ذُبِحوا جميعًا ذبحَ النِّعاج، على أيدي جنود صليبيين دخلوا الحرم الشريف وقتلوهم جميعًا، بلا استثناء لولد، أو شيخ، أو امرأة، غير عابئين بالأمان الذي أُعطي لهم.

 

ووصف شاهد عيان أفرنجيٌّ المذبحةَ التي أحدثها الصليبيون بالقدس بقوله: شاهدنا أشياء عجيبة؛ إذ قطعت رؤوس عددٍ كبير من المسلمين، وقتل غيرهم رميًا بالسهام، أو أرغموا على أن يلقوا بأنفسهم من فوق الأبراج، وكنا نرى في الشوارع أكوام الرؤوس والأيدي والأقدام.

 

ويروي غيرُه من المعاصرين تفاصيلَ أدقَّ من هذه وأوفى؛ يقولون: إن النساء كن يُقتَلن طعنًا بالسيوف والحراب، والأطفال الرُّضَّع يُختَطفون بأرجلِهم من أثداءِ أمهاتهم، ويُقذَف بهم من فوق الأسوار، أو تُهشَّم رؤوسهم بدقِّها بالعمد.

 

ويا ويح قلبي، إخوتي، وأنا أقرأ كلام مؤرِّخ مصري كبيرٍ عن حال الحكام، بل حال المسلمين، وذلك بعد وصول الخبر إلى كل بقاع العالم الإسلامي، وكأنه اليوم يصف حالنا وقد جاءت الأخبار إلينا عن مأساة لنا في فلسطين، أو العراق، أو أفغانستان، أو بورما، أو إفريقيا الوسطى، أو الصومال، ومن قبل الشيشان، والبوسنة والهرسك، وفيتنام... إلخ، كيف كان حالنا عند وقع تلك المآسي على قلوبنا؟ نعم كان رد فعلهم كرد فعلنا!

 

موجة كئيبة من الحزن والكمد، ولكنه - للأسف - كان حزنًا سلبيًّا، بل كان حزنًا مُقعِدًا شلَّ المسلمين عن الحركة، فلم نسمع عن حركة جيش لتحرير الأقصى والقدس وفلسطين.

 

يقول ابن تغري بردي:

"ولَمَّا تَمَّت هذه الحادثة (مذبحةُ بيت المقدس) خرج المستنفرون من دمشق مع قاضيها زين الدين أبي سعد الهَروي، فوصلوا بغداد، وحضروا في الديوان، وقطَّعوا شعورهم واستغاثوا وبكَوا، وقام القاضي في الديوان وأورد كلامًا أبكى الحاضرين، وندب من الديوان من يمضي إلى العسكر السلطاني، ويُعرِّفهم بهذه المصيبة؛ فوقع التقاعد لأمر يريده الله، فقال القاضي الهروي، وقيل: هي لأبي المظفَّر الأَبيوَرْدي:

مزَجْنا دماءً بالدموع السواجمِ
فلم يبقَ منا عرضةٌ للمَراجمِ
وشرُّ سلاحِ المرء دمعٌ يفيضُه
إذا الحربُ شبَّت نارُها بالصوارمِ
فإِيهًا بَنِي الإسلام إنَّ وراءكم
وقائعَ يُلْحِقنَ الذُّرا بالمناسمِ
أَتَهْوِيمةٌ في ظلِّ أمنٍ وغبطة
وعيشٍ كنُوَّارِ الخَمِيلة ناعمِ
وكيف تنامُ العينُ ملءَ جفونِها
على هفواتٍ أيقظت كلَّ نائمِ
وإخوانُكم بالشام يُضحي مَقِيلُهم
ظهورَ المذاكي أو بطونَ القشاعمِ
تسومُهمُ الرومُ الهوانَ، وأنتمُ
تجرُّونَ ذيلَ الخفض، فِعْلَ المُسالِمِ
وكاد لهنَّ المستجنُّ بطيبةٍ
ينادي بأعلى الصوت يا آلَ هاشمِ
أرى أمتي لا يشرعون إلى العِدا
رماحَهم والدِّينُ واهي الدعائمِ
وليتَهم إذ لم يذُودُوا حَميَّةً
عن الدينِ ضنُّوا غيرةً بالمَحارِمِ
وإذ زهدوا في الأجر إذ حمِي الوغى
فهلاَّ أتَوْه رغبةً في الغنائمِ

 

والله لكأنه يصف حالنا، ويُشخِّص مأساتنا، يا له من ألَمٍ يعتصر القلوب، ومن خزيٍ وتخاذلٍ يختلج الصدور!

 

وتأمَّل هذه الكلمات المؤلمة لشاعر آخر يقول:

أحلَّ الكفرُ بالإسلامِ ضيمًا
يطولُ عليه للدِّين النَّحيبُ
فحقٌّ ضائعٌ وحِمًى مباحٌ
وسيفٌ قاطعٌ ودمٌ صَبيبُ
وكم من مسلمٍ أمسى سليبًا
ومسلمة لها حرمٌ سَليبُ
أمورٌ لو تأمَّلهن طفلٌ
لطفَّل في عوارضِه المَشيبُ
أتُسبَى المسلماتُ بكلِّ ثغرٍ
وعيشُ المسلمين إذًا يَطيبُ؟
أما للهِ والإسلامِ حقٌّ
يُدافعُ عنه شبَّانٌ وشيبُ؟
فقُلْ لذوي البصائر حيث كانوا
أجيبوا الله، ويحكُمُ، أجيبوا!

 

والله إن هذه الأبيات لتُغنِي عن كثيرٍ من الكلمات في وصف تلك الحالة المستفزَّة التي كان عليها مسلمو ذلك الزمان، إنها حالة من الهوان والضعف والجبن، إنها حالة الاستكانة والضياع والتقاعس التي أَلَمَّت بالمسلمين، إنها حالة انعدام النخوة والرجولة، إنه يستصرخ بهم (أجيبوا الله، ويحكُمُ، أجيبوا)، أين أنتم مما يَحِيق بنساء المسلمين، وكأنَّه ينادينا نحن؟!

 

 

(4)

حالة مؤسفة وواقع مرير

ولم تكن تلك الحالةُ المؤسِفة وردُّ الفعل المخزي من الحكَّام والمحكومين، إلا نتاجًا لتلك الحالة الاجتماعية والاقتصادية لبلاد المسلمين في حلب والموصل وبلاد الشام عمومًا، فقد شهِدت البلاد الإسلامية في تلك الفترة أوضاعًا من عدم الاستقرار السياسي، انعكس سلبًا على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والأمنية فيها، في خضمِّ هذه الصراعات بين الأمراء، فقد تغافَل الحكام عن الاهتمام بالشؤون الداخلية للسكان، كما أهملوا تطوير الحياة الاقتصادية؛ مما أدَّى إلى تراجع واردات البلاد، وعمدوا إلى استنزاف السكان بفرض ضرائب أخرى و"إتاوات" باهظة، كلما أعوَزَهم المال، حتى أثقلوا كاهلهم، فتذمَّروا من سوء الأوضاع، وكثر انتشار اللصوص وقطَّاع الطرق؛ مما أدَّى إلى انعدام الأمن على الطرق، فتعطلت الحركة التجارية، وقلَّت السلع في الأسواق، وتراجعت موارد الزراعة؛ لعدم تمكُّن الفلاحين من القيام بالحرث والزرع وجَنْي المحصول، فبرزت في هذه الظروف الصعبة.

 

(5)

أمل وتفاؤل

فقط بعد ذلك أريدك أخي أن تتأمَّل معي هذه الحالة السيئة التي وصلت إليها الأمة في تلك الفترة العصيبة، تخيَّل حال الحكَّام والمحكومين، هذا التخيل الذي سبق لك بصورته المؤلِمة، ربما يُعطِي لك بريقَ أملٍ وتفاؤلاً، ولكنه تفاؤل في الأسوأ إذا عقدت مقارنةً بين حالهم وحالنا، ربما نحن الأفضل.

 

أليس ذلك مَدْعاةً للتفاؤل والأمل، خاصةً أن الأمة ولَدت من رحمِ تلك المحنة مَن يحمل همَّها، ويخرج بها من تلك العقبة والأزمة الشنيعة، لن نخوض كثيرًا في تلك التجربة العظيمة من حركة إحياء الأمة من جديد، فما يَعْنِينا هنا ألا تيئس أخي مهما ضاقت الأزمة، ففرجُها قريب؛ إذ خرج من تلك الأزمة "مودود بن التونتكين"، و"آق سنقر"، وذريته عماد الدين زنكي، ونور الدين محمود، في حلب والموصل ودمشق، وتتحول بلاد الشام إلى وحدة واحدة على يد نور الدين، وتكتمل تلك الوحدة مع مصر ببروز نجم صلاح الدين الأيوبي، الذي أسقط الدولة العُبَيْدية، وانتعشت روح الجهاد في الأمة من جديد، وهكذا تَبَلْور المشروع الإسلامي المناهِض للتغلغل الباطني والغزو الصليبي، والذي اكتمل بفتح بيت المقدس بعد هزيمة الصليبيين في معركة حِطِّين يوم ٢٤ من ربيع الثاني 583هـ/ ٤ من يوليو ١١٨٧م.

 

اللهم قيِّض لأمتنا مَن يأخذ بيدها إلى نصرة دينك وتحكيم شرعك

 

 

المصادر والمراجع:

ابن الأثير: الكامل في التاريخ، تحقيق: عمر عبدالسلام تدمري، الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، الطبعة: الأولى، 1417هـ / 1997م.

 

• ابن تغري بردي: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، الناشر: وزارة الثقافة والإرشاد القومي، دار الكتب، مصر.

 

• ول ديورانت: قصة الحضارة، ترجمة: الدكتور زكي نجيب محمود وآخرين، الناشر: دار الجيل، بيروت، لبنان، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، تونس، عام النشر: 1408 هـ - 1988م، الجزء الخامس عشر، الحرب الصليبية الأولى.

 

• راغب السرجاني: مقالات قصة الحروب الصليبية - موقع قصة الإسلام.

 

• علي الصلابي: دولة السلاجقة، الناشر: مؤسسة اقرأ للنشر والتوزيع والترجمة، القاهرة، الطبعة: الأولى، 1427 هـ - 2006م.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • برمجة التفاؤل
  • الأمل والتفاؤل
  • بين اليأس والتفاؤل

مختارات من الشبكة

  • التفاؤل والتشاؤم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التفاؤل اليائس(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • التفاؤل بالعطاس وبراءة الأطفال(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التفاؤل في حياة المسلم (خطبة)(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • رمضان محطة تفاؤل وزاد للروح (خطبة)(مقالة - ملفات خاصة)
  • حاجتنا للتفاؤل وقوله تعالى (سيجعل الله بعد عسر يسرا)(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • تفاءل يا مسلم (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • رمضان محطة تفاؤل وزاد للروح (خطبة)(مقالة - ملفات خاصة)
  • خطبة التفاؤل(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التفاؤل الحسن سبيل للحياة السعيدة(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 19/11/1446هـ - الساعة: 13:49
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب