• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أربع هي نجاة الإنسان في الدنيا والآخرة (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    وحدة المسلمين (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    فوائد وأحكام من قوله تعالى: { إذ قال الله يا عيسى ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
  •  
    نعمة الماء (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    تدبر خواتيم سورة البقرة
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    تحريم الإهلال لغير الله تبارك وتعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    مشاهد عجيبة حصلت لي!
    أ. د. عبدالله بن ضيف الله الرحيلي
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (2)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    الدرس السابع عشر: آثار الذنوب على الفرد والمجتمع
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    خطبة: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    سورة الكافرون.. مشاهد.. إيجاز وإعجاز (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    من آداب المجالس (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    خطر الميثاق
    السيد مراد سلامة
  •  
    أعظم فتنة: الدجال (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / التاريخ والتراجم / تاريخ
علامة باركود

الحياة الاجتماعية والثقافية في عهد سلاطين الشراكسة (2)

الحياة الاجتماعية والثقافية في عهد سلاطين الشراكسة (2)
د. إيمان بقاعي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 15/4/2014 ميلادي - 14/6/1435 هجري

الزيارات: 6570

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الحياة الاجتماعية والثقافية في عهد سلاطين الشراكسة (2)


الحياة الدينية:

الباحث في ديانات الشّعوب باحث في تاريخها، فهي مرآة للشّعب الّذي يعتنقها وللحضارة الّتي يعيشها. من هنا، أدرك الدّارسون أهمية دراسة العقائد والشَّعائر الدّينية لكشف طبائع الشّعوب.

 

لم يعش الإنسان بلا دين، فقد اخترع الأساطير والخرافات والآلهة محاولاً - منذ القدم - تفسير الظّواهرِ مِن حوله، فارتبطت أساطيره وخرافاته وآلهته وعباداته بثقافته البدائية، ثم تطورت بتطور هذه الثّقافة.

 

والشّركس شعب عريق في القدم، تدلنا على حياتهم وعاداتهم وتقاليدهم وتفكيرهم أساطير النارْتْ.

 

وتنقسم أدوار الأديان عندهم إلى ثلاثة:

أولاً: منذ العصر الحجري القديم الأعلى عشرة آلاف سنة وحتى ميلاد النّبيّ عيسى عليه السَّلام[1].

ثانياً: مِن ميلاد النّبيّ عيسى عليه السَّلام إلى الزَّمن الذي انتشرت فيه المسيحيّة بين الشّراكسة.

ثالثاً: عهد ظهور الإسلام"[2].

 

1- الوثنية:

كانت بلاد القفقاس متّصلة مِن دون عوائق بالقوس الحضاري "الممتد مِن وادي النّيل جنوبًا، مرورًا بالساحل السّوري - ويشمل فلسطين ولبنان اليوم - حتى أعلى هضبة الأناضول وسواحل البحر الأسود الجنوبية، منحدرًا مع مجاري دجلة والفرات وفروعهما حتى فم الخليج العربي، ويمكن أن نضيف إلى هذا القوس: بلاد اليمن"[3].

 

كذلك كانت متَّصلة - جنوبًا - بالجزيرة العربية، وشرقًا بالهند وبأعماق آسيا، وكانت مفتوحةً شمالاً على أوروبا عبر بوابة القفقاس، وغربًا متّصلة بأوروبا عبر مضيق الدّردنيل وبأعماق أفريقيا أيضًا[4]. والقارئ لملاحم نارْتْ الشّركسية "يدرك أن هنالك (أرضيّة ما) مشتركة بين هذه الملاحم وبين أساطير وملاحم وثقافات شعوب الشّرق القديم الّتي مهدت لسبيل ظهور الدّيانات السّماوية"[5]، ويرى أيضًا آلهة مشتركة مع شعوب مختلفة وبأسماء مختلفة. ولا غرابة في هذا، إذ إنَّ الحضارات تأخذ مِن بعضها بحكم اتّصالها ببعضها.

 

عبد الشّراكسة "آلهةً" عدة: عبدوا الشَّمس[6] والقمر والهواء وعشترة (الزّهرة). وقد عثرت لجنة الآثار الرّوسية في سلسلة جبال قفقاسيا الأصلية على معابد وهياكل كثيرة للمعبودة عشتار. أما الهواء: (ته شوب)، فكانوا يرمزون إليه بشيخ ملتحٍ بيده مشعل متعدد الأطراف وبالأخرى (بلطة) وبوسطه زنار به (قامه)[7].

 

وقد أورد مت جوناتوقة يوسف عزت في كتابه: (تاريخ شعوب القفقاس) أسماء بعض الآلهة الّتي كان الشّراكسة يعبدونها قبل المسيحية وأثناءها نقلاً عن كتاب شورانو غموقة:

"زوكه تحه": رب الحرب أو إله السّياحة. ويقصدون به (على كلامهم) سليمان عليه السَّلام.

"تلبش": رب الحديد، ويرمزون به إلى داود عليه السّلام؛ لأنه يعتبر عندهم أبا الحدادين منذ القديم.

"بله وج": رب الرّقص.

"ساؤسرس": رب الزّوابع والأنواء.

"ماربس سا": رب النّحل.

"يه له": رب الصواعق.

"وه زه مه س": رب الجمال[8].

 

ومن الآلهة الّتي عبدها الشّراكسة أيضًا: إله الآلهة: (آخين) وهو إله البحر الكبير، ولا زال الاسم مستخدمًا إلى اليوم في اللّغة الشّركسية[9]، وإله الغابة: (ميزتحا) وهو (السّيد الحامي) للغابات[10]، والبطل الأسطوري: (سوسروقة: ابن الرّاعي) ويماثل كل الأبطال الأسطوريين مثل: جلجامش، اليكومي، اخيل... إلخ، وهو الشَّخصية المركزية في أساطير نارْتْ[11].

 

كذلك عبدوا (تحه غه لدج) إله المزروعات أو إله الحراثة والخصب، ويظهر إلهًا عاملاً يملك ثورين ويزرع الذُّرة[12].

 

وهنالك إله النَّحَّالين الّذي ذكره مت جوناتوقة يوسف عزت باسم: (ماربس سا)، بينما دعي أيضًا: (ميريم) أو (ميريسا) في اسم يشابه اسم السّيدة العذراء، وكانت الاحتفالات تقام له في أيلول من كل عام[13].

 

وكان لديهم - أيضًا - إله للصَّاعقة: (شيبلة تحه). وكان الموت بالصَّاعقة عندهم يعتبر شرفًا وكرامة، إذ يدفن الميت بصاعقة في احتفال كبير، كما كانوا يقدّسون الأشجار الّتي تصيبها الصَّواعق أيضًا[14].

 

وهناك: (إله النّهر)، مع أهمية النّهر عندهم، وهذا يشير إلى مولد البطل سوسروقة بعد أن التقت أمه ستناي بالرّاعي قرب النهر أو داخل الماء[15].

 

وهناك إله الحديد: (تليبش) الّذي كان - حسب الأساطير - معلم حدادة نارْتيٍّ رُفع إلى مستوى (تحه) أي: إله[16].

 

وهنالك الإله: (سوزريس) أو إله العائلة والموقد، مع ما يكنه الشّراكسة مع احترام للنّار. "وقد خصصت الأَدِيغة خابزة" المجلس للكبير: (تحاماته)، دائمًا بجانب الموقد. ويحتفل الشّراكسة في كل سنة في الثّاني والعشرين مِن آذار بعيد "عودة الرّوح" لمن يبقى موقده مشتعلاً طوال العام[17].

 

والآلهة الشّركسية كانت ذكورًا وإناثًا، فالحب - مثلاً - له إلهان اثنان كما هو الحال عند اليونان. وقد يوجد إلهان مختلفان للأمر الواحد، كإلهي البحر والماء ولكنهما متّفقان في الألوهية: أحدهما ذكر والأخرى أنثى، وكانت الأنثى تختص بموضوعات الأمومة، أما الذَّكر فيختص بموضوعات الأبوة[18].

 

كذلك، تختص الآلهة الإناث بالزّراعة، فهي آلهة الحقول والكروم وبساتين الخضار، وهي الآلهة المسؤولة عن خصوبة الأرض أيضًا[19]، ولكن عندما انتقلت السّلطة من الأم إلى الأب وعندما "أمسك الرّجل المحراث بيد، أمسك القيادة في البيت باليد الأخرى، وكذلك في الحياة، وعند ذلك ما عادت الأسماء الأنثوية ترضيه فأعطى الآلهة أسماء ذكرية"[20].

 

وعدا وجود الآلهة المختلفة الجنس عند الشّراكسة، اعتقدوا بوجود نوعين مِن الآلهة: آلهة أرضية وآلهة سماوية. الأولى، تعامل الشّركسي معها حسب اختصاصها وعاملها معاملة النِّد للنّد، بينما كانت الآلهة السّماوية تمثل له قوة كبيرة ورحيمة يلجأ إليها وقت المصائب فيتوقع منها السَّخاء والعون.

 

وقد اعتبر الشّراكسة أن الميت ينزل تحت الأرض، وهم يقولون لمن مات: (نزل عن ظهر الدّنيا)[21].

 

وبعد، فإن تعدد الآلهة كان عاملاً أوجده الأديغي ليشعر من خلاله ببعض اطمئنان إزاء ما يصادفه من ظواهر مادية ومعنوية مجهولة. وقد نظم لهذه الآلهة طقوسًا ووضع لها "خابزة" إلهية كما هي عادته في تنظيم أمور حياته مهما صغرت.

 

2- النّصرانية:

إن اعتقاد الشّراكسة بالإله الكبير الواسع الرَّحمة سهّل عليهم اعتناق الأديان السّماوية فـ "فتحوا الأبواب للمبشرين بالمسيحية من اليونان، وبعدها للدّعاة إلى الإسلام من العرب والأتراك"[22] بسهولة ومن دون إراقة دماء.

 

عرفوا المسيحية في الشّمال الغربي في القفقاس عن طريق جنود بيزنطة عام (500م) نتيجة للعلاقات التّجارية، ولكن لم تكن الديانة المسيحية غالبة في أية منطقة مِن مناطق شمال القفقاس[23]، ولم تنتشر المسيحية إلا في القرن السَّادس للميلاد في عهد الامبراطورية الرّومانية الشّرقية وفي زمن الامبراطور جوستنيان (سنة 527 - 565م)[24]، إذ جاء إلى البلاد كثير مِن الرّهبان: "شوجن" أو "شوكن"، (وتعني: معلم الأولاد) فأسسوا الكنائس ونشروا المسيحية[25].

 

وكان القساوسة مِن اليونانيين والكاثوليك، وعلى يد هؤلاء دخل بلاد الشّراكسة كثير مِن الصّناعات والفنون[26]. ولكن، وبسقوط الامبراطورية البيزنطية، اعترى المسيحية في القفقاس الضّعف والانحلال في الوقت الّذي بدأت طلائع المسلمين تصل إلى القفقاس أيام الخليفة عمر بن الخطاب في سنة 22 هجرية على يد سراقة بن عمرو الّذي فتح "باب الأبواب"، أو باب اللان، أو "دربند"[27]، فاضطر الرّهبان لاتباع الغالب والاندماج ضمن الشّراكسة فتشركسوا[28] واعتنقوا الإسلام وترقى بعضهم إلى مراتب "الورق"[29] كما هي عادة الشّراكسة في التَّعامل مع نبلاء وعظماء الأقوام الأخرى الّذين لجؤوا إلى بلادهم سعيًا وراء تقوية نفوذهم وإعلاء لكلمة الشّراكسة أنفسهم[30].

 

وقد بدت الرَّهبنة في مأثورات الشّراكسة: مهذبة، لطيفة، وخيرة.

 

وسرورًا بغلبة المسيحية على الوثنية، صيغت أغان تمجد المسيحية الّتي بدت لهم أكثر دقة وتنظيمًا ومعقولية، وتطلبت رموزها مستوى فكريًّا أعلى ومنطقًا أرفع مِن الوثنية[31]، وإن بدت بعض تعاليمها- بالنسبة إليهم - صعبة ومعقدة ومغلقة مما أشكل عليهم فهمها، فاكتفوا بتقليد بعض عاداتها الّتي راقت لهم"[32]، ما يعني أنهم تبنّوا "الدّين المسيحي بشكل جزئي وجعلوه مناسبًا لإمكانياتهم اللّغوية وفهمهم للعالم والإنسان"[33].

 

وفي عهد المسيحية، تحول (شيبله) إله الصّاعقة الشّركسي الوثني إلى (إيليا)، فأدخلوه في أغانيهم بدلاً مِن (شيبله) وظلوا يعرفون رقص الصَّاعقة.

 

"إله" آخر مِن آلهتهم تحول إلى "دويش جرجي" رجل الغابة الّذي كان دائمًا مع المحاربين الأديغيين، وكان دائم العناية بالمرأة وهذا ما يوافق أخلاقيات المسيحية[34].

 

هذا، إلى جانب حبهم للقديس جورج: (أوشي كركه Gerge Aussi)؛ أي: اليسوع اليوناني أو الإغريقي الّذي يعتبر - رغم اعتناقهم الإسلام - شفيعًا لجميع القفقاسيين[35].

 

وهم يدعون النبي إلياس باسم: (ياليزا Jallija) والنَّبي موسى: (آيميش Aimyss) أو (آيميم Aimym)، والملك داود: (Tlia Psh تلي باش)[36].

 

في العهد المسيحي أيضًا صارت الرّبانية: (أنيحا) الّتي كانت تعني (رأس الرب) قبل المسيحية، تعني في الكنائس: "رأس أم المسيح الرّبانية"[37]. وقد أحبوا شخصية العذراء وسموها مريم[38] كما أحبوا السيد المسيح ودعوه: "أوس جرقا"[39].

 

انتقى الشّراكسة إذن ما انتقوه من الدّيانة المسيحية بما تناسب وفهمهم وبما تناسب وعاداتهم وتقاليدهم الّتي احتملت - كما رأينا سابقًا - الإضافة والتَّعديل في التكيف مع الجديد مِن دون أن ينسفوها من جذورها، بل كانت الأديان الجديدة والأمور الطّارئة الجديدة سببًا لتثبيت هذه العادات والتّقاليد وبقاء العمل بها.

 

3- الإسلام:

عرف القفقاس الإسلام على يد فاتحي العرب في سنة 22 للهجرة حين وصلوا إلى دربند أنوشروان ومنه إلى جبل القبق أو القبجق[40] المتصل بباب الأبواب وبلاد اللاَّن، وقد أقام سراقة بن عمر حكومة عربية إسلامية في تفليس - عاصمة الكرج - ودعا النّاس إلى الدّخول في الإسلام[41].

 

وقد فتح بلاد اللان "البانيا" القفقاسية سلمان بن ربيعة الباهلي أثناء خلافة عثمان بن عفان، وقد أحرز المسلمون انتصارات فردية شمال داغستان، وخاصة في عهد الخليفة هشام (105 - 125ه/724 - 743م) الّذي وطد أخوه مسلمة أركان الحكم العربي في دربند[42]. وقد استمر الحكم الإسلامي في القفقاس لغاية سنة (494ه - 1100م)؛ أي: إلى ابتداء الحروب الصَّليبية إذ "وحدوا صفوفهم وانسحبوا. وعندما جاء جنكيز خان إلى البلاد صارت خالية مِن سكانها الأصليين إلى جانب السّكان الّذين جاؤوا إليها كالعرب[43].

 

أما انتشار الدّين الإسلامي بين الشّراكسة الأَدِيغة، "فقد جاء بعد اعتناق الدَّاغستانيين للإسلام، إذ إن مناطق الشّركس كانت بعيدة، وكانت جبال القفقاس الشّاهقة تفصلهم عن المسلمين الّذين وصل الدّين الإسلامي إليهم قبلهم.

 

وإذ لم تستطع الحملات الإسلامية اجتياز هذه المنطقة المنيعة، سواء في عصر صدر الإسلام أو الخلافة الأموية والعباسية، كذلك لم تقدر حملات القرم والعثمانيين والداغستانيين الوصول إليهم عن طريق الحرب، اتّبعَ العثمانيون الّذين دخلوا القفقاس في القرن الخامس عشر ميلادي بعد انتهاء حكم المغول إلى اتباع طريقة لنشر الدّين الإسلامي عند الشّركس، وذلك بإرسال أئمة المريدين ومشايخ الطّرق مِن الداغستانيين والقرم والأتراك لإقناعهم بالدّين الحنيف[44].

 

وكان إحسان المشايخ في نشر الدّعوة الإسلامية سببًا مشجعًا لاعتناق الشّراكسة الدّين الإسلامي، رغم أن اللّغة العربية كانت عائقًا كبيرًا في هذا السَّبيل.

 

لكنهم سرعان ما آمنوا بالشّهادتين وصار شعار الدّعوة: (الله أكبر)[45]. وحين تعرف الشّراكسة إلى الدّين، شعروا بكرامتهم إذ علموا بأنه "لا واسطة بين المسلم وبين خالقه وأنه لا كهانة في الإسلام وأن المسلم يستطيع أن يخاطب ربه دون وساطة من أحد"[46]، وهذا ما افتقدوه أثناء اعتقادهم المسيحية. كما أن الإسلام يحمل قاعدة المساواة والأخوة وحرية المعتقد وحرية "اختيار الدّين الّذي يرتئيه"[47] المرء، وهذا كله كان يتناسب مع الشّعب الّذي عانى مِن الطَّبقية وخاصة الطَّبقات الدُّنيا الّتي كانت تطمح إلى التَّخلص من هذا النّظام.

 

وقد قارن الشّراكسة بين الدّين الجديد وبين عاداتهم وتقاليدهم: "الأَدِيغة خابزة" فوجدوا أمورًا كثيرة مشتركة مِن حيث النَّظرة المحترمة للمرأة، والموقف مِن الشَّجاعة والقوة، والرّوح الحربية الّتي وجد الأَدِيغة في الإسلام سندًا قويًّا لها وخاصة مبدأ الجهاد. كما أن تفكيرهم الدّيني أصلا لم يكن بعيدًا عن التَّفكير الإسلامي، فهم قد آمنوا منذ الوثنية بالبعث بعد الموت والحساب والآخرة، وكان هنالك تشابه بين أدعية الأَدِيغة الموجهة إلى الإله الكبير والأدعية الإسلامية. كذلك تشابه الإيمان لديهم بخلود الرّوح، وبتجدد الحياة طبقًا لإرادة الإله بالإضافة إلى اجتماعيات الإسلام مِن احترام لكبار السّن وتشابه في تقاليد الزّواج الواجب الإعلان والاحتفال، إلى اجتماعيات أخرى تطابقت مع ما لديهم مِن عادات يعتزون بها. بل وجد الشّراكسة الإسلام يكرس عاداتهم وتقاليدهم القومية ولا يتنافى معها، هذا عدا أن وجود المسيحية والكتاب المقدس وسبق الانتقال مِن الوثنية إلى المسيحية كان قد خلق لدى الأَدِيغة سعة أفق وتقبل تغيير وتعديل سلوك مما ساهم بتسهيل الانتقال إلى الدّين الجديد[48].

 

كما أن الحروب الرّوسية ضد الأَدِيغة وبلادهم قد وجدت في الإسلام مبررًا دينيًّا لقتالهم ارتبط بمناداتهم بالحرية الدنيوية، فصار الرّوس كفارًا يجب مقاتلتهم دينيًّا كما قوميًّا، ومن هنا كانت المريدية "حركة دينية مقرونة بحركة سياسية، وكانت الحركتان صادقتين، وعلى العموم متساويتين[49]، لكن وجودها أعطى لحرب الرّوس طابع الحروب الصّليبية المتعصبة خاصة عند جماعة (الزوباروز) القوزاقية[50] الّتي قاتلت الشّراكسة آملة بأخذ وطنهم وسكناه، واتخذت شعار قتل كل قوقازي يرفض المسيحية[51]؛ بيد أنها "عمقت الإسلام في النّفوس فقامت الحرب الوطنية - في كثير من مراحلها - على أسس دينية متشددة ومنها حروب الإمام منصور وحروب أئمة المريدين وحروب بطل المقاومة العظيم الشّيخ شامل ونائبه محمد أمين"[52].

 

وضمن سياسة الاتحاد السّوفيتي وفي العهد البلشفي، تم القضاء على رجال الدّين الإسلامي كما جرى إعدامهم في العهد السّتاليني، ثم حُولت المساجد إلى أماكن أخرى، وجرى العمل على تجهيل هذه الشّعوب بتاريخها القومي وتراثها الدّيني جيلاً بعد جيل مع بقائها متمسكة – عاطفيًّا - بتاريخها ودينها مِن دون أن تعرف عنه الشَّيء الكثير.

 

بيد أن انهيار الاتحاد السّوفيتي وعودة الشّعوب إلى أصولها القومية والدّينية والبحث من جديد عن هويتها، وضع الشّراكسة ضمن الشّعوب الّتي عادت لتدرس تاريخها الحقيقي وتراثها الإسلامي[53]، وتعمل على إعادة إحيائه - وبالتّالي - عيشه الّذي حرمت منه طويلاً. والشّركس، اليوم، مسلمون على المذهب الحنفي في جمهوريتهم وفي بلاد المنفى.



[1] برزج سمكوغ: (الشّركس في فجر التّاريخ ص205): أظهرت الحفريات وأعمال التنقيب الأثري الّتي جرت في القفقاس الشّمالي صور حيوانات ملونة وتشكيلات شعاعية تمثل بدايات الفكر الدّيني.

[2] مت جوناتوقة يوسف عزت، ع.س، ص212.

[3] ممدوح قوموق، ع.س، ص15 - 16.

[4] نفسه، ص16.

[5] نفسه، ص17.

[6] كانت الشمس موضوعًا بارزًا للعبادة في الشّرق في مصر وسوريا وفارس وكذلك عند الرومان واليونان. انظر: عام (1993)، عالم المعرفة: الكويت، رقم العدد (173): باوندر، جري: المعتقدات الدّينية لدى الشّعوب، ص110 - 112.

[7] مت جوناتوقة يوسف عزت، ع.س، ص212 - 213.

[8] نفسه، ص212.

[9] حسب برزج سمكوغ: آخين هو آله البحر على فرض المقاطع التّالية (آ: أداة نداء، خي: البحر، ين: كبير) وهو نفسه الإله السومري: إنكي أو أنخيِ، فقط تقدمت الصفة على الموصوف (ين - خي).

[10] باتراي اوزبك، ع.س، ص173 - 174.

[11] سولا بينيت، ع.س، ص118 - 119.

[12] باتراي أوزبك، ع.س، ص172، وكذلك شروخ، ع.س، ص65.

[13] باتراي أوزبك، ع.س، ص173، وباغرات شينكوبا: (البذرة الأخيرة آخر المهجرين)، تر: عبدالهادي دهيسات، د. محي الدّين (عمان: مكتبة الشّباب ومطبعتها، 1989)، ص266.

[14] باتراي أوزبك، ع.س، ص177 - 178، وشروخ، ع.س، ص68.

[15] قوموق، ع.س، ص29 - 38.

[16] باتراي أوزبك، ع.س، ص180 - 181، وشروخ، ع.س، ص66 - 67، وب.س. بالاس، ع.س، ص105.

[17] باتراي أوزبك، ع.س، ص180، وقوموق، ع.س، ص73 - 74 - 75.

[18] شروخ، ع. س، ص66.

[19] سولا بينيت، ع.س، ص118.

[20] شروخ، ع.س، ص66.

[21] برزج سمكوغ: الشّركس في فجر التّاريخ، ص107.

[22] محمد شريف ماستروق: الزّواج عند الشّركس، رسالة جامعية لنيل شهادة أهلية التَّعليم الثانوي. بإشراف د. عزة النص (دمشق: الجامعة السورية، كلية التّربية، 1377ه - 1958م)، ص119.

[23] نهاد برزج، ع.س، ص94.

[24] مت جوناتوقة يوسف عزت، ع.س، ص12 - 213. كذلك شوكت المفتي، ع.س، ص38.

[25] شوكت المفتي، ع.س، ص38 - 39، وشورا بكمرزا نوغمو، ع.س، ص42.

[26] مت جوناتوقة يوسف عزت، ع.س، ص215 - 216.

[27] الشيخ الإمام شهاب الدّين أبي عبدالله ياقوت بن عبدالله الحموي الرومي البغدادي: معجم البلدان (بيروت: دار صادر 1397ه - 1977م)، 4/305، ولسراقة شعر يصف فيه دخول العرب إلى دربند انوشروان.

[28] نفسه، ص149.

[29] مت جوناتوقة يوسف عزت، ص216.

[30] نفسه، ص149.

[31] شروخ، ع. س، ص69 - 70.

[32] مت جوناتوقة يوسف عزت، ع.س، ص218.

[33] ميخائيل لاخفينتسكي: دوي الرّعد، رواية تاريخية شركسية، تر: دينا دبجن (دمشق: دار دمشق للطباعة والنشر، 1983)، ص79.

[34] شروخ، ع. س، ص69 - 70.

[35] شوكت المفتي، ع. س، ص38، وكذلك: شورا بكمرزا نوغمو، ع.س، ص45.

[36] شورا بكمرزا نوغمو، ع.س، ص45.

[37] باغرات شينكوبا، ع.س، ص268.

[38] ميخائيل لاخفينتسكي، ع.س، ص79.

[39] مت جوناتوقة يوسف عزت، ع.س، ص216.

[40] بفتح أوله وسكون ثانيه وآخره أيضًا قاف. كلمة عجمية: وهو جبل متصل بباب الأبواب وبلاد اللان، وهو آخر حدود أرمينية، ويقال: إنه جبل العرج الّذي بين مكة والمدينة. يمتد إلى الشّام حتى يتصل بلبنان من أرض حمص وسنير من دمشق ويمضي فيتصل بجبال أنطاكيا وسميساط ويسمى هناك: اللكام. ثم يمتد إلى ملطية وشمشاط وقاليقلا إلى بحث الخزر، وفيه باب الأبواب وهناك يسمى القبق. وقد وصفه البحتري بقوله:

مغلق بابه، على جبل القب * ق، إلى دارتي خلاط ومكس

حلل لم تكن كأطلال سعدى * في قفار من البسابس ملس [ياقوت الحموي: 4/306 - 307].

وكلمة القبجق شركسية مُعرّبىة من "كبجك" بمعنى: النّازح من سفح الجبل. وميدان القبق المعروف بمصر أحدثه الظّاهر بيبرس بتدريب الجيش المجلوب من جبل القبق على الرمي وسماه بهذا الاسم ليكون الجيش على ذكر منشئهم الأصلي [مت جوناتوقة يوسف عزت، ع.س، ص65 - 66]، والقبق لعبة التنس عند الشّراكسة وكان الظّاهر بيبرس يهواها [موير، ع.س، ص53].

[41] حغندوقة، ع. س، ص25.

[42] جمال رشيد أحمد: لقاء الأسلاف الكرد واللان في بلاد الباب وشروان، (بيروت: رياض الريس للكتاب والنشر، 1994، ص52 - 53). للمزيد من التفاصيل. انظر: الكتاب نفسه، ص44 - 45. كذلك صفحة 54 - 55، كذلك صفحة 66. انظر: أيضًا: جون. ف.بالي، احتلال الرّوس للقفقاس تعريب: صادق إبراهيم عودة (عمان، ص40)، والعنوان الأصلي للكتاب: The Russian conquest of the Caucasus, By John. F.Baddeley, Longman's, green and Co.39 Paternoster Row. London, New york, Bombay, and Calutta, 1908.

[43] مت جوناتوقة يوسف عزت، ص25.

[44] حغندوقة، ع.س، ص26 - 27.

[45] حغندوقة، ع.س، ص27 - 28.

[46] نفسه، ص27.

[47] أميرة محمد مصطفى قبرطاي: الأبخاز الشّراكسة أزل وأبد (دمشق: مطبعة دار السلام، 1994)، ص22.

[48] شروخ، ص102 - 103. انظر أيضًا: الكسندر بينيغسن شانتال لوميرييه كيلكجاي. تر: عبدالقدر ضللي: المسلمون المنسيون في الاتحاد السوفيتي (بيروت: دار الفكر المعاصر، 1889)، ص222.

[49] جون.ف. باديلي، ع.س، ص261.

[50] القوزاق: كان القوزاق شعبًا جوالا نهّابًا قبل استقراره على ضفاف الأنهار، لا يدين لأحد ولا يتبع إلا مصالحه ولا يُعرف له أصل. ظهر في السهوب الروسية بشكل عصابات تقوم بأعمال السلب والنهب، ثم استقر في مستوطنات على ضفاف الأنهار: الدون، الدنبر، الفولجا وعلى المجرى الأدنى لنهر التيرك. وما لبث القوزاق أن استوطنوا القفقاس الشمالي كأفواج استيطانية صِدامية مدعومين من قياصرة موسكو [برزج سمكوغ: غرام ليته كان (قضايا شركسية)، (دمشق، ط1: 2000)].

[51] نهاد برزج، عزس، ص97.

[52] برزج سمكوغ، ع.س، ص193.

[53] برزج سمكوغ، ص193 - 194.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الحياة الاجتماعية والثقافية في عهد سلاطين الشراكسة (1)
  • الحياة الاجتماعية والثقافية في عهد سلاطين الشراكسة (3)
  • الحياة الاجتماعية والثقافية في عهد سلاطين الشراكسة (4)
  • أدباء عصر سلاطين الشراكسة : ابن إياس (1)

مختارات من الشبكة

  • أبناء عبدالله بن عمر العدوي حياتهم وأثرهم في الحياة الاجتماعية والعلمية في المدينة المنورة(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • التغير في المفاهيم التربوية: التعليم مدى الحياة أم التعليم من أجل المساهمة في وظيفية الحياة؟!(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • الحياة الاجتماعية في ضوء السنة (PDF)(كتاب - موقع د. محمد بن لطفي الصباغ)
  • الحياة الاجتماعية في بريدة لوفاء عبد اللطيف محمد المشيقح(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • سورة يوسف وتصوير الحياة الاجتماعية في هذه المرحلة التاريخية(مقالة - موقع أ. د. عبدالحليم عويس)
  • الحياة الاجتماعية في عصر الطبري(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • ملخص كتاب: جوانب من الحياة الاجتماعية لمصر من خلال كتابات الجبرتي (ج 1)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الفيسبوك في الحياة الاجتماعية العربية "الشباب نموذجا"(مقالة - ملفات خاصة)
  • جوانب من الحياة الاجتماعية والاقتصادية للطفل بالأندلس (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • أثر الصراعات والاضطراب على الحياة الاجتماعية بكشمير(مقالة - المترجمات)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 14/11/1446هـ - الساعة: 17:59
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب