• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    سورة الكافرون.. مشاهد.. إيجاز وإعجاز (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    من آداب المجالس (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    خطر الميثاق
    السيد مراد سلامة
  •  
    أعظم فتنة: الدجال (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    فضل معاوية والرد على الروافض
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    ما جاء في فصل الشتاء
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرحمن، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    تفسير: (فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تخريج حديث: إذا استنجى بالماء ثم فرغ، استحب له ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    اختر لنفسك
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون (خطبة) - باللغة ...
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / التاريخ والتراجم / تاريخ
علامة باركود

نبأ ذي القرنين

سامح محمد البلاح

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 10/10/2013 ميلادي - 5/12/1434 هجري

الزيارات: 15396

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

نبأ ذي القرنين


إن تعجب فعجب أمر هذا الرجل، كان مضرب المثل للحاكم الصالح الذي لا يغره سلطانه، أو تخدعه قوته وصولجانه.


كان ذو القرنين صادق الإيمان، طاهر النفس، قوي اليقين، أوتي سلطانًا قوي الأركان وطيد الدعائم لم يضطرب ميزان الحكم فيه، فانساح بملكه في الأرض شرقا وغربًا، لا يحركه مطمع زائل أو غرض حائل، ولم تزده كثرة الفتوح إلا إصرارًا على نشر جناحي العدل والصلاح على الأرض كلها، ولم يصر إلى ما يصير إليه أرباب الحكم والسلطان من الاستيلاء على أموال الشعوب وثرواتهم وقهر كلمتهم والاستبداد بهم، ولم يطمع فيما عندهم مهما بلغ؛ لأن ما أوتيه خير له مما في أيديهم، فاستطاع بتلك الصفات أن يغزو القلوب ويملؤها بالصلاح والإيمان قبل أن يغزو البلدان ويعمرها بالعدل والإحسان.


لقد أعلن ذو القرنين منذ البداية مبادئ حكمه ودستور ملكه، القائم على مبدأ الثواب والعقاب، فالصالح عنده مجزي بصلاحه، وفوق هذا لا يُشقّ عليه أو يكلف ما لا يطيق. والظالم المعتدي معاقب بكفره وطغيانه فيذوق الخزي والنكال، وفوق هذا يرد إلى ربه فيعذبه عذابًا نكرًا.


وقد استطاع ذو القرنين بهذا الأسلوب الحكيم والمنهج القويم أن يرهب الظالمين المنحرفين وأصحاب الدعوات الهدامة، فاقتص منهم حتى يكفوا عما هم فيه ويقفوا عند حدودهم.


وفي المقابل، أثاب المؤمنين الصالحين وجازهم بالإحسان إحسانًا، وبالعمل الصالح تكريمًا وامتنانًا.


وهذه هي أهم صفات الحاكم العادل في كل زمان ومكان؛ أن يجد الظالمون منه كل بأس وشدة توقف انحرافهم، وتعيدهم إلى رشدهم، وأن يجد أهل الإيمان والصلاح منه كل ثناء وجزاء،، فلا يخيب لهم عنده مسعى، ولا يؤملون منه غير الجزاء الأوفى. ومن هنا تتوحد الجهود وتتفجر الطاقات، ويشعر الجميع بنعمتي العدل والأمان.


يقول سيد -رحمه الله:

"وهذا دستور الحاكم الصالح، فالمؤمن الصالح ينبغي أن يجد الكرامة والتيسير والجزاء الحسن عند الحاكم، والمعتدي الظالم يجب أن يلقى العذاب والإيذاء.. وحين يجد المحسن في الجماعة جزاء إحسانه جزاءً حسنًا أو مكانًا كريمًا وعونًا وتيسيرًا، ويجد المعتدي جزاء إفساده عقوبة وإهانة وجفوة، عندئذ يجد ما يحفزهم إلى الصلاح والإنتاج، أما حين يضطرب ميزان الحكم، فإذا المعتدون المفسدون مقربون إلى الحاكم، مقدمون في الدولة، وإذا العاملون الصالحون منبوذون أو محاربون، فعندئذ تتحول السلطة في يد الحاكم سوط عذاب وأداة إفساد، ويصير نظام الجماعة إلى الفوضى والفساد". في ظلال القرآن، سيد، 4 /2291.


ولقد ضربت جذور ملكه في الأرض فتمكنت منها، وآتت ثمارها الطيبة، كنموذج فريد للإيمان والإصلاح حين يعم الأرض فيغمرها بالعدل والتوحيد، ويُرجِع لها ما كان من سالف عهدها قبل أن تنتشر الدعوات الهدامة والانحرافات الخطيرة التي توارت أمام الزحف الإيماني.


كما كان ذو القرنين - أيضًا - مثلا للمجاهد الطواف الذي لا يصعد مرتفعًا، ولا يقطع واديًا، إلا له فيه علامة ودليل، ولا يعرف الحرُّ والقرُّ إليه سبيل، فسهول الأرض تعرفه، ونجادها تألفه. ولقد مكّن الله له في الأرض فبسط قوته ونشر سلطانه وسطوته، فكان يسيح في الأرض ليس بمفرده وإنما معه من الوسائل والأسباب التي تحفظ له ملكه من جيش وقوة وعدد وآلات سير، وعمال ورجال وغيرها من أدوات العمران والبناء، فاجتاح الأرض شرقًا وغربًا يقهر أعداءه ويفتح المدائن، ويسلك كل سبيل من شأنه أن يوطد سلطانه ويقوي ملكه.


وفي إحدى سياحاته وصل إلى نهاية المعمور من الأرض في زمنه نا حية الغرب، فرأى الشمس تغرب في عين حارة اختلط ماؤها بالطين، فصارت حمئة في أعين الناظرين، وهي ليست كذلك حقيقة. ولا يعرف بالتحديد الموضع الذي رأى فيه الشمس كذلك، إلا أن العالم الهندي أبو الكلام آزاد حقق هذه المسألة وانتهى إلى أن الرؤية كانت عند موضع يسمى (أزمير). وقد وجد عند تلك العين الحارة قومًا، هاله ما كانوا عليه من كفر، وروّعه ما أصابوه من ظلم وطغيان، فاستخار الله فيهم فألهمه الله سبيلين يسلك أحدهما معهم: إما أن يذيقهم الوبال ويوقع بهم النكال، جزاء وفاقًا، بما هم عليه من الكفر والطغيان. وإما أن يعطيهم مهلة أو فرصة يدعوهم فيها إلى الإيمان، فيراجعوا أنفسهم، ويهتدوا فيكون جزاؤهم التيسير عليهم في الدنيا فلا يكلفون ما لا يطيقون، ولا يعملون غير ما يتحملون.


ولقد أتى هذا المنهج الدعوي البناء الذي قام عليه ملكه ثماره، فأقام في هؤلاء القوم ينشر العدل ويعليه، فلا صوت عنده يعلو فوق صوت الحق، ولا قدم لأحد عنده إلا قدم صدق وبعد أن اطمأن ذو القرنين إلى ما أراد وحقق ما يبغيه للبلاد والعباد، مضى إلى دأبه، يتتبع ما يُسِّر له من الأسباب التي تعينه على دعم ملكه وبسط سلطانه، فبلغ منتهى العمران في الأرض من جهة المشرق، فوجد الشمس تطلع على قوم لم يكن لهم ما يستترون به من دثار أو دار، وجدهم عراة لا يجدون ما يسترهم من حر الشمس، مشتتون ليس لهم ما يأويهم سوى الكهوف والأسراب، فسار سيرته فيهم، وفعل معهم ما فعله مع أهل المغرب للمحسن الإحسان، وللظالم العقوبة والخسران؛ وكان ذلك منه مع هؤلاء القوم؛ لأنه رجل لا يغيره امتداد الزمان ولا اتساع المكان، فشخصيته واحدة لا تتغير، وأركان حكمه لا تُنقَض ولا تتبدل، فلم يكن كغيره من الحكام الذين يتغيرون بين عشية وضحاها بمجرد أن يسيل لعابهم أمام مغريات الحكم والسلطان.


ولم يشر القرآن إلى ما فعله ذو القرنين مع هؤلاء القوم؛ لأنه ذكر ذلك في بداية القصة تقريرًا لمبادئ حكم ذي القرنين، فليس هناك داعٍ إلى تكرار ذلك مرة ثانية.


وبعد أن قطع رحلتين أحداهما في المغرب والأخرى في المشرق، نال فيهما ما نال وحقق بهما ما أراد، واصل تقلبه في البلاد فسلك طريقًا بين الشرق والغرب، انتهى به إلى منطقة بين حاجزين طبيعيين، فوجد من وراء السدين قومًا لهم من التخلف حظ وفير، لهم لغة غريبة بطؤت بهم عن الفهم، فعسر عليهم أن يفهموا لسانًا غير لسانهم؛ لأنهم لا يعرفون غيره؛ ولم يستطع ذو القرنين أن يفهم كلامهم إلا بترجمانه.


وقد شكا إليه هؤلاء القوم المستضعفون ما كان من شأن يأجوج ومأجوج من شر وفساد، وما يفعلونه من الإفساد في الأرض بالقتل والسلب والنهب، وقد رأوا فيه سمات الفاتح القوي الذي لديه من القدرة والصلاح ما يمكنه من تحقيق ما يصبون إليه، فطلبوا إليه أن يبني لهم سدًّا يحميهم من هجماتهم ويحفظهم من شرهم، وعرضوا عليه أن يجمعوا له جزءًا من أموالهم يعطونه له كضريبة في مقابل بناء السد، بيد أن ذا القرنين رجل رضي النفس مفطور على الصلاح والإصلاح، أعطاه الله كنوز الأرض ومكن له فيها فلم يكن له حاجة إلى ما يعرضونه عليه؛ فما مكنه الله فيه وما أوتيه من القدرة والسلطان كان في نظره خير مما يبذلوه له وإن كان ملء البحار.


لكنه طلب منهم أن يعينوه بالقوة العضلية والطاقة البشرية المتوافرة فيهم، والتي تمكنه من تحقيق ما يريدون، ولقد كان حكيمًا في صنعه، فرأى أن أيسر طريقة لبنائه أن يردم الممر بين الحاجزين الطبيعيين، فطلب منهم أن يجمعوا له قطع الحديد فجعلها بين الحاجزين، الذين صارا كالصدفة التي تغلف ما فيها، فلما ساوى بين الصدفين حتى بلغ الركام قمة الحاجزين، قال لهم: "انفخوا بالكير في القطع الحديدية الموضوعة بين الصدفين". فلما بلغ الحديد المتراكم درجة التوهج والاحمرار، أمرهم أن يصبوا عليه النحاس المذاب حتى يسد ما يتخلله من فجوات، وليزداد صلابة وقوة، فانسبك الحديد المنصهر بالنحاس المذاب.


يقول الرازي: "لما أتوه بقطع الحديد وضع تلك الزبر بعضها على بعض حتى صارت بحيث تسد ما بين الجبلين إلى أعلاهما ثم وضع المنافخ عليها حتى إذا صارت كالنار صب النحاس المذاب على الحديد المحمي فالتصق بعضه ببعض وصار جبلاً صلداً، واعلم أن هذا معجز قاهر لأن هذه الزبر الكثيرة إذا نفخ عليها حتى صارت كالنار لم يقدر الحيوان على القرب منها، والنفخ عليها لا يمكن إلا مع القرب منها فكأنه تعالى صرف تأثير تلك الحرارة العظيمة عن أبدان أولئك النافخين عليها". تفسير الرازي 10/252.


وبهذه الطريقة العجيبة التحم الحاجزان، وانسد الطريق أمام يأجوج ومأجوج، فلم يستطيعوا أن يعلوه ويتسوّروه لعلوه وملاسته، ولم يستطيعوا أن ينقبوه من أسفل أو ينفذوا منه لصلابته وثخانته، فنجا بذلك هؤلاء القوم المتخلفون من هجماتهم وشرورهم، ونظر ذو القرنين إلى البناء فلم يغتر بعمله ولم ينله ما ينال غيره - إذا أنجزوا عملاً عظيمًا - من نشوة مسكرة ونظرة متكبرة، فلم ينس نعمة الله عليه؛ فهو الذي منّ عليه ومكنه من مقومات بنائه، فتوجه إليه وشكره على هذه النعمة، فقال: "هذا رحمة من ربي".


وأخبر هؤلاء القوم الذين نجوا من هجمات المفسدين أنه إذا اقترب وعد الله، وهو قائم لا محالة، وأذن بخروج يأجوج ومأجوج، سوّى الله هذا البناء بالأرض وعاد كما كان، وذلك قرب قيام الساعة.


يقول ابن كثير: "يقول تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ ﴾ يا محمد ﴿ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ ﴾ [الكهف: 83] أي: عن خبره. ﴿ إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأرْضِ ﴾ أي: أعطيناه ملكًا عظيمًا متمكنًا، فيه له من جميع ما يؤتى الملوك، من التمكين والجنود، وآلات الحرب والحصارات؛ ولهذا ملك المشارق والمغارب من الأرض، ودانت له البلاد، وخضعت له ملوك العباد، وخدمته الأمم، من العرب والعجم؛ ولهذا ذكر بعضهم أنه إنما سمي ذا القرنين؛ لأنه بلغ قرني الشمس مشرقها ومغربها. وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا: قال ابن عباس، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وعكرمة، والسدي، وقتادة، والضحاك، وغيرهم: يعني علمًا.


وقال قتادة - أيضًا - في قوله: ﴿ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا ﴾ [الكهف: 84] قال: منازل الأرض وأعلامها.


وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله: ﴿ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا ﴾ قال: تعليم الألسنة، كان لا يغزو قومًا إلا كلمهم بلسانهم. قال ابن عباس: ﴿ فَأَتْبَعَ سَبَبًا ﴾ يعني: بالسبب المنزل. وقال مجاهد: ﴿ فَأَتْبَعَ سَبَبًا ﴾: منزلا وطريقًا ما بين المشرق والمغرب.


وفي رواية عن مجاهد: ﴿ سَبَبًا ﴾ قال: طريقا في الأرض. وقال قتادة: أي أتبع منازل الأرض ومعالمها. وقال الضحاك: ﴿ فَأَتْبَعَ سَبَبًا ﴾ أي: المنازل. وقال سعيد بن جبير في قوله: ﴿ فَأَتْبَعَ سَبَبًا ﴾ قال: علمًا. وهكذا قال عكرمة وعبيد بن يعلى، والسدي. وقال مطر: معالم وآثار كانت قبل ذلك. حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ أي: فسلك طريقًا حتى وصل إلى أقصى ما يسلك فيه من الأرض من ناحية المغرب، وهو مغرب الأرض. وأما الوصول إلى مغرب الشمس من السماء فمتعذر، وما يذكره أصحاب القصص والأخبار من أنه سار في الأرض مدّة والشمس تغرب من ورائه فشيء لا حقيقة له. وأكثر ذلك من خرافات أهل الكتاب، واختلاق زنادقتهم وكذبهم. ﴿ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ ﴾ [الكهف: 86] أي: رأى الشمس في منظره تغرب في البحر المحيط، وهذا شأن كل من انتهى إلى ساحله، يراها كأنها تغرب فيه، وهي لا تفارق الفلك الرابع الذي هي مثبتة فيه لا تفارقه.﴿ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا ﴾ أي: أمة من الأمم، ذكروا أنها كانت أمة عظيمة من بني آدم.


﴿ قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا ﴾ [الكهف: 86] معنى هذا: أن الله تعالى مكنه منهم وحكمه فيهم، وأظفره بهم، وخيره: إن شاء قتل وسبى، وإن شاء منّ أو فدى. فعرف عدله وإيمانه فيما أبداه عدله وبيانه. ﴿ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ ﴾ أي: من استمر على كفره وشركه بربه ﴿ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ﴾ قال قتادة: بالقتل. ﴿ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا ﴾ أي: شديدًا بليغًا وجيعًا أليمًا. وفيه (7) إثبات المعاد والجزاء.


وقوله: ﴿ وَأَمَّا مَنْ آمَنَ ﴾ أي: تابعنا على ما ندعوه إليه من عبادة الله وحده لا شريك له ﴿ فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى ﴾ أي: في الدار الآخرة عند الله، عز وجل، ﴿ وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا ﴾ قال مجاهد: معروفًا. ﴿ ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا ۞ حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا ۞ كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا ﴾ [الكهف: 89 - 91]. يقول: ثم سلك طريقًا فسار من مغرب الشمس إلى مطلعها، وكان كلما مرّ بأمة قهرهم وغلبهم ودعاهم إلى الله عز وجل، فإن أطاعوه وإلا أذلهم وأرغم آنافهم، واستباح أموالهم، وأمتعتهم واستخدم من كل أمة ما يستعين به مع جيوشه على أهل الإقليم المتاخم لهم. وذكر في أخبار بني إسرائيل أنه عاش ألفا وستمائة سنة يجوب الأرض طولها والعرض حتى بلغ المشارق والمغارب. ولما انتهى إلى مطلع الشمس من الأرض كما قال الله تعالى: ﴿ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ ﴾ أي: أمة ﴿ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا ﴾ أي: ليس لهم بناء يكنهم، ولا أشجار تظلهم وتسترهم من حر الشمس.


قال سعيد بن جبير: كانوا حُمرًا قصارًا، مساكنهم الغيران، أكثر معيشتهم من السمك.


وقال أبو داود الطيالسي: حدثنا سهل بن أبي الصلت، سمعت الحسن وسئل عن قوله تعالى: ﴿ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا ﴾ قال: إن أرضهم لا تحمل البناء فإذا طلعت الشمس في المياه، فإذا غربت خرجوا يتراعون كما ترعى البهائم. قال الحسن: هذا حديث سمرة.


وقال قتادة: ذكر لنا أنهم بأرض لا تنبت لهم شيئًا، فهم إذا طلعت الشمس دخلوا في أسراب، حتى إذا زالت الشمس خرجوا إلى حروثهم ومعايشهم.


وعن سلمة بن كُهَيْل أنه قال: ليس لهم أكنان، إذا طلعت الشمس طلعت عليهم، فلأحدهم أذنان يفترش إحداهما ويلبس الأخرى.


قال عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: ﴿ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا ﴾ [الكهف: 90] قال: هم الزنج.


وقال ابن جريج في قوله: ﴿ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا ﴾ قال: لم يبنوا فيها بناء قط، ولم يبن عليهم فيها بناء قط، كانوا إذا طلعت الشمس دخلوا أسرابًا لهم حتى تزول الشمس، أو دخلوا البحر، وذلك أن أرضهم ليس فيها جبل، جاءهم جيش مرة فقال لهم أهلها: لا تطلعن عليكم الشمس وأنتم بها. قالوا: لا نبرح حتى تطلع الشمس، ما هذه العظام؟ قالوا: هذه جيفُ جيش طلعت عليهم الشمس هاهنا فماتوا. قال: فذهبوا هاربين في الأرض.


وقوله: ﴿ كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا ﴾ قال مجاهد، والسدي: علمًا، أي: نحن مطلعون على جميع أحواله وأحوال جيشه، لا يخفى علينا منها شيء، وإن تفرقت أممهم وتقطعت بهم الأرض، فإنه تعالى: ﴿ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ ﴾ [آل عمران: 5].


وقوله: ﴿ ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا ﴾ أي: ثم سلك طريقًا من مشارق الأرض. ﴿ حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ ﴾ وهما جبلان متناوحان بينهما ثُغْرة يخرج منها يأجوج ومأجوج على بلاد الترك، فيعيثون فيهم فسادًا، ويهلكون الحرث والنسل.


وقوله: ﴿ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلا ﴾. أي: لاستعجام كلامهم وبعدهم عن الناس. ﴿ قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا ﴾ [الكهف: 94] قال ابن جريج عن عطاء، عن ابن عباس: أجرًا عظيمًا، يعني أنهم أرادوا أن يجمعوا له من بينهم مالا يعطونه إياه، حتى يجعل بينهم وبينهم سدًا. فقال ذو القرنين بعفة وديانة وصلاح وقصد للخير: ﴿ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ ﴾ أي: إن الذي أعطاني الله من الملك والتمكين خير لي من الذي تجمعونه، كما قال سليمان عليه السلام: ﴿ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ ﴾ [النمل: 36] وهكذا قال ذو القرنين: الذي أنا فيه خير من الذي تبذلونه، ولكن ساعدوني ﴿ بِقُوَّةٍ ﴾ أي: بعملكم وآلات البناء، ﴿ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا ۞ آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ ﴾ [الكهف: 95، 96] والزبر: جمع زُبْرَة، وهي القطعة منه، قاله ابن عباس، ومجاهد، وقتادة. ﴿ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ ﴾ أي: وضع بعضه على بعض من الأساس حتى إذا حاذى به رؤوس الجبلين طولا وعرضًا. ﴿ قَالَ انْفُخُوا ﴾ أي: أجج عليه النار حتى صار كله نارًا، ﴿ قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا ﴾ قال ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، والضحاك، وقتادة، والسُّدي: هو النحاس. وزاد بعضهم: المذاب. ويستشهد بقوله تعالى: ﴿ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ ﴾ [سبأ: 12]. تفسير ابن كثير، 5/188- 197.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • قراءة في كتاب ( فك أسرار ذي القرنين ويأجوج ومأجوج )
  • ويسألونك عن ذي القرنين (1)
  • ويسألونك عن ذي القرنين (2)
  • لفتات من قصة ذي القرنين
  • سد ذي القرنين
  • ذو القرنين
  • دراسة سردية لقصة ذي القرنين
  • قصة ذي القرنين والمنهج القرآني في استعمار البلدان
  • نظرات تربوية في قصة ذي القرنين

مختارات من الشبكة

  • غزوة بني قريظة في ذي القعدة وصدر من ذي الحجة سنة خمس من الهجرة(مقالة - موقع د. محمد منير الجنباز)
  • بئر ذي أروان أو بئر ذي ذروان(مقالة - حضارة الكلمة)
  • تفسير الزركشي لآيات من سورة النبأ والنازعات(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التفسير المفهوم لسورة النبأ(مقالة - آفاق الشريعة)
  • قصة ذي القرنين(مقالة - موقع د. محمد منير الجنباز)
  • تفسير: (ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • قصة ذي القرنين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في قصة ذي القرنين(مقالة - موقع أ. د. فؤاد محمد موسى)
  • قصة ذي القرنين (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مع ذي القرنين (درس رمضاني)(مقالة - ملفات خاصة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب