• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    {وما النصر إلا من عند الله} ورسائل للمسلمين
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرزاق، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    الأحق بالإمامة في صلاة الجنازة
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    فضل الصبر على المدين
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    تفسير قوله تعالى: { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ...
    سعيد مصطفى دياب
  •  
    محاسن الإرث في الإسلام (خطبة)
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    تفسير: (لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنتان عن يمين ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    علامات الساعة (2)
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    ما جاء في فصل الصيف
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    أحكام التعاقد بالوكالة المستترة وآثاره: دراسة ...
    د. ياسر بن عبدالرحمن العدل
  •  
    خطبة: أم سليم ضحت بزوجها من أجل دينها (1)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    خطبة: التربية على العفة
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    حقوق الأولاد (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    التلاحم والتنظيم في صفوف القتال في سبيل الله...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أسس التفكير العقدي: مقاربة بين الوحي والعقل
    الشيخ حذيفة بن حسين القحطاني
  •  
    ابتلاء مبين وذبح عظيم (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / التاريخ والتراجم / تاريخ
علامة باركود

الزبارة.. مركز للثقافة في القرنين الثاني والثالث عشر

أ. د. عماد عبدالسلام رؤوف

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 10/7/2012 ميلادي - 20/8/1433 هجري

الزيارات: 11494

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الزبارة

مركزًا للثقافة في شرقي الجزيرة العربية

في القرنين الثاني عشر والثالث عشر

للهجرة (18 و19م)


شهد الساحل الغربي للخليج العربي -إبَّان القرن الثالث عشر للهجرة "19م" - ملامح ازدهار ثقافي عام، كان من ثماره ظهور مراكز ثقافية جديدة لم تكن معروفة من قبل في بلاد: الأحساء، والبحرين، وقطر، وغيرها.

 

ويمكن أن نعزو هذه الظاهرة المهمة إلى جملة من العوامل المتداخلة التأثير، لعل من أبرزها: أن ازدهار تجارة النقل بين سواحل الخليج في هذا القرن، قد أدَّى إلى تدفق العلماء والأدباء والمثقَّفين على هذه السواحل من المراكز الثقافية في الأقاليم المجاورة، وساعد على استقرار تلك الفئات في مدن الخليج وقُرَاه، ما أصاب الأخيرةَ من نموٍّ نتيجة ازدياد الطلب العالمي على تجارة اللؤلؤ، ومن ثَمَّ ارتفاع عوائد صيده والاتِّجار فيه.

 

ومن جهة أخرى، فإن المتغيرات السياسية والعسكرية الحادة التي شهدتها المناطق المجاورة للخليج - منذ أواخر القرن الثاني عشر للهجرة "18م"، والمتمثلة في ظهور الحركة الإسلامية، وما أدَّت إليه من أعمال عسكرية وتداعيات اجتماعية واسعة - قد دفع بعدد غير قليل من أهل العلم إلى اختيار مدن الخليج الساحلية مواطنَ لهم، ومجالات لممارسة نشاطاتهم الثقافية: من تدريس، وتأليف، ونظم، ونشر.

 

بل يمكن القول بأن تلك التداعيات كانت السبب الرئيس في تزايد وفود القبائل من نواحي شرقي الجزيرة العربية إلى سواحل الخليج، ومن ثَمَّ اطراد عدد المدن والقرى هناك، ونمو في أعداد السكَّان فيها، مما من شأنه توليد حاجات جديدة إلى مزيد من الخدمات الدينية والثقافية.

 

ولعل ازدياد التدخل الأجنبي في شؤون الخليج، قد أنمى - على نحو غير مباشر- إحساسًا ما بأهمية المنطقة، ووعيًا جديدًا بدورها الحضاري المتميز.

 

وكانت شبه جزيرة "قطر" واحدة من المناطق التي أخذت باستقبال هجرات قبلية متتابعة من مناطق مختلفة؛ منها: عشائر المعامرة، والمعاودة، والذواودة، والبوكوارة، والمعاضية، والبورميح، والكبسة[1].

 

ولقد اتَّجه أكثر هؤلاء لممارسة مهنتَي صيد اللؤلؤ والتجارة، وكلتا المهنتين تستدعيان إنشاء مراكز حضرية جديدة على ساحل البلاد، تصلح لأن تكون موانئ تجارية، ومصايد لؤلؤ على حد سواء.

 

ومن أبرز تلك المراكز، وأكثرها أهمية: بلدة "الزبارة"، التي يرجع بعض الباحثين تاريخ نشوئها إلى عهد سابق غير محدد[2]، إلا أن ازدهارها وتقدمها لم يحدث إلا بعد منتصف القرن الثاني عشر "18م"، وذلك حين نزلها خليفة بن محمد من بني عتبة، في حدود سنة 1180هـ/ 1766م، وكان آل خليفة يسكنون قبل ذلك في الكويت ضمن تحالف عائلي هناك[3]، ومهما يكن من أمر، فإن هذا التاريخ كان - في الواقع - نقطة تحول مهمة في عمر البلدة؛ إذ أصبحت الآن مركزًا لإمارة ساحلية صغيرة، لها علاقاتها السياسية والتجارية مع قوى المنطقة.

 

ولقد اقتضى هذا التحول أن تظهر البلدة بسرعة كواحدة من المدن البحرية الحصينة، فجرى تحصينها بالقلاع والأسوار، متخذة شكل دائرة نصف قطرها سبعة أميال، وشغلت جانبًا من هذه المساحة منشآت دفاعية وتجارية عديدة[4]، بيد أن من المهم القول بأن المدينة لم تكن قاصرة على هذه الجوانب فحسب؛ إذ سرعان ما شهدت - خلال وقت قصير للغاية - ازدهار حركة ثقافية ناشطة، جعلتها تحتل موقعها، بوصفها من أبرز مراكز الثقافة في طول الساحل الغربي للخليج العربي إبَّان القرن الثالث عشر للهجرة "19م"، ونقطة جذب للعديد من رجال العلم والأدب الذين وفدوا إليها من المناطق المجاورة، ليجدوا في رحابها مجالاً واسعًا للعمل، ورعاية جادَّة للحياة الثقافية فيها.

 

وكان من حظِّ هذه البلدة الناشئة أن تكون فكرة تأسيسها أو تعميرها، لواحد من أبرز فضلاء عصره وأكثرهم عناية بتشجيع المثقَّفين ورعايتهم، هو الشيخ رِزق، الذي يبدو أنه كان يجمع إلى جانب عمله تاجرًا، شغفًا ملحوظًا بثقافة عصره العلمية والأدبية.

 

ولم توضِّح المصادر التاريخية طبيعة صلة رزق هذا بالشيخ خليفة بن محمد، وظروف اتصاله به، وتاريخ ذلك، إلاَّ أن المؤرخ البصري عثمان بن سند الوائلي - "1180-1250هـ/ 1766- 1834م" - يشير إلى أنه كان أول مَن وفد إلى الزبارة، قبل تسميتها بهذا الاسم، وأن نزوله بها كان سابقًا بمجيء خليفة؛ أي: إنه حدث قبل سنة 1180هـ/ 1766م بمدة غير معلومة.

 

وإذا كان من غير المتصور أنه نزل في أرض خالية، وأنه أقام فيها وحده؛ يكون من المعقول أنه أقام بين ظهراني بعض القبائل التي كانت تنزل ذلك المكان، وحينما وفد خليفة إلى قطر التقى برزق، فشجَّعه هذا على اتخاذ المكان حاضرة له، ومركزًا لسلطته وتجارته معًا، بينما يتولى هو الجانب الثقافي فيها، ولما أنجز ذلك أطلقا عليهما اسمها المعروف[5].

 

يقول:

"انتجع أبو هذا السيد الهمام - يريد بالأب: رزق، وبالسيد: ولده أحمد، الذي ألَّف ابن سند الكتاب من أجله - منتجعًا منه بُروق العز لائحة، وأرواح الكرامة في أندائه فائحة، ونتائج التدبير في جوانبه صالحة... بعد أن عمل الرأي فيه - أن يتخذه منزلاً ويصطفيه، أم يتركه ولا يأتيه، ووافقه على تدبيره في اتخاذ ذلك المنتجع وتعميره، خليفة بن محمد أشرف بني عُتْبَة، الحائز من رُتَب الفضل أرفع رُتبة، فتعاضدا بعد الاستخارة، وتسديد سهام الاستشارة، على تعميره وتسميته بالزُّبارة"[6].

 

ومنذ الأيام الأولى من عمر المدينة، احتلت المنشآت الدينية والعلمية موقعها في حياة السكان.

 

يقول ابن سند "عمَّرا فيه - أي: في الزبارة - المساجد للراكع والساجد، وشيَّدا فيه المدارس للقارئ والمُدَارِس"[7].

 

وكان لآل رزق دورهم المتميز في هذه المجالات، فبعد وفاة رزق نفسه، انتهج أبناؤه نهجه في استقدام العلماء وإكرامهم، فكان منهم أحمد الذي عُرف بالكرم والظرف معًا، وحُفَّت مجالسه بالنُّخْبة من أهل العلم والأدب، ممن جمع ابن سند تراجمهم في كتاب مُفرَد[8].

 

وكان مصدر ثروته تجارة اللؤلؤ، وهي ثروة مكَّنته من أن يُجزِل العطاء للشعراء والمؤلِّفين، لعل أبرزهم ابن سند نفسه الذي نظم فيه بعض أفضل قصائده، وأفاض في مدحه والثناء عليه[9].

 

ومن هذه الأسر أيضًا: الشيخ محمد بن رزق، وقد ولد في الزبارة سنة 1185هـ/ 1780م وفيها تعلم وترعرع، وعرف بحسن وفادته لأهل العلم، حتى إن ابن سند عدَّ "تبسمه في وجوه الوُفَّاد أمارة على شرف الأجداد، ورحب فنائه دالٌّ على سعة عطائه"[10].

 

ومنهم الشيخ يوسف بن رزق - وُلِد في الزبارة سنة 1200هـ/ 1785م - وقد تولَّى وظائف أبيه بعد أخيه، وكان ضيوفه يعدُّون بالألوف على ما قيل.

 

وقد ذكر ابن سند أنه عاشره؛ فوجده في "الملاطفة الشمال، وفي المفاكهة الصاحب، بل هو أكمل"[11].

 

وهذا الوصف يدل على أن ابن سند عاش حينًا من الدهر في الزبارة، وأنه قصدها، مع من قصدها في ذلك الحين، للإفادة من جوها العلمي، والالتقاء بمن نزلها من العلماء والأدباء، وهو نفسه قد صرَّح بشغفه البالغ بالانتقال والتنقل بين الأوطان، يجري طلِقًا في ميدانها، يَرِد ذوي الفكر، فيتسمع الشعر وينظمه، ويتصيد المَثَل، ويسجل الآبِدة، ويُعرِّج على المعاهد القائمة[12]؛ فيظهر أنه وجد بعض ما ينشده في البلدة التي طار صِيتها يومذاك بمن نزلها من النابهين.

 

ومن آل رزق الذين كانت لهم إسهاماتهم في الحركة الثقافية في الزبارة، الشيخ عبدالمحسن بن رزق - ولد فيها في السنة 1202هـ/ 1787م - والشيخ خالد بن رزق - ولد فيها أيضًا سنة 1207هـ/ 1792م - والشيخ عبدالعزيز بن رزق - ولد سنة 1209هـ/ 1794م - وقد عرفوا جميعًا بالكرم، ورعاية الوافدين إلى مدينتهم خاصة[13].

 

ومن العلماء الذين قدموا إلى الزبارة فاستقروا فيها وأفادوا طلبتها: الشيخ راشد بن خُنَين - أحد كبار علماء نجد عهد ذاك - وقد لقي من حفاوة آل رزق ما أفاض ابن سند في وصفه.

 

قال في ترجمته:

"قدم الزبارة، وهي في غاية العمارة، باسمة عن محاسن النضارة… وعمت أياديه يقبلها أحمد بن محمد المترجم - يريد: ابن رزق - المشار إليه بما تقدم؛ فإنه بدر تلك البلدة، وزهر هاتيك الوردة، فأكرم الإمام ابن خُنَين، ووفَّى عنه الدَّين بالعَين، وأفاض عليه من بِرِّه الموائد، ووصله بصلات هي عوائد، وصيَّره من معاصريه صدرًا، ولمجالسيه شمسًا وبدرًا، فدَرَّس فيها العلوم، من منثور ومنظوم… وعمَّر فيها المدارس"[14].

 

وأوضح - على طريقته الأدبية - ما كان اختص به من علوم، فقال:

"ألَّف ورَتَّب، وأبان وأعرب، وأبدع وأغرب، وجمع واستوعب، ونقَّب عن دقائق الإصابة، فشَأَى في ذلك التقريب والإصابة، استأسد في العلوم، المنثور والمنظوم، فدُعِي فيها أسد الغابة، وتغرس في علم الفراسة، فسبق الضد وألف رأسه، وأودع بطون الدفاتر والحكم، حتى حكم له على جالينوس كل حكم…، وبرع في الأحكام الفقهية…، وأغرب في النوادر اللغوية…، وأعرب عن المشكلات النحوية"[15].

 

فهذه الترجمة تكشف عن طبيعة ما كان يدور في معاهد الزبارة من نشاط؛ من تأليف، وتدريس، وتنقيب، وبحث، وتوضح اهتمامات علمائها الفكرية والأدبية آنذاك.

 

ومن علماء الزبارة أيضًا: الإمام العلامة عثمان بن جامِع الأنصاري الخزرجي القَطَري البصري، وكان هذا عالمًا بالحديث، والفقه، والآداب، والمواريث، والحساب.

 

تولَّى القضاء، واشتغل بالتأليف؛ فألَّف شرحًا لأحد مختصرات فقه الحنابلة[16].

 

وسار أبناؤه على خُطاه، فعُرِف ابنه عبدالله بالنباهة والعلم، أخذ العلم على كبار علماء بلدته وبلاد الأحساء؛ كابن خُنين، والعلامة عبدالله بن حمد البَيْتُوشي - توفي 1211هـ/ 1796م -[17] والشيخ محمد بن عبدالله بن فيروز - (توفي 1216هـ/ 1801م) - وكان الأخير قد استوطن الزبارة شطرًا من حياته يفيد طلبتها من علمه، ثم واصل دراسته قاصدًا: اليمن، والحجاز، والشام، وحلب، آخذًا من علمائها، وعاد بعدها إلى الزبارة؛ ليتفرغ للإفادة والتأليف[18].

 

ولم تكن سيرة ابنه الآخر - الشيخ أحمد - بأدنى من أخيه؛ فقد ولد في الزبارة، وأخذ العلوم على علماء الأحساء والبحرين، وفي سنة 1248هـ/ 1832م، قصد بلدة الزبير تسبقه إليها شهرته العلمية، فولي فيها القضاء نحوًا من ثلاثين سنة، حتى وفاته سنة 1295هـ/ 1878م[19].

 

ومن التجار الأدباء الذين هاجروا إلى الزبارة، واتخذوها مستقرًّا لهم، ومقرًّا لنشاطاتهم التجارية والأدبية على حد سواء: الشاعر الأديب السيد عبدالجليل بن السيد ياسين الطباطبائي الحسني البصري (1190- 1270هـ/ 1776- 1853م)[20]، وكان قد قصدها تاجرًا قبل سنة 1217هـ/ 1802م، فاستقر فيها، حتى عدَّ نفسه من أهلها.

 

يقول:

هوايَ زُباريٌّ ولستُ بِكاتِمٍ
هواي ولا مُصغٍ لِلاحٍ وعاتبِ

 

وقد أرَّخ الطباطبائي جانبًا من تاريخ الزبارة وما شهدته من حوادث في قصائده وقطعه النثرية، التي كان يتطارح بها مع أصدقائه من أدباء المدينة وجوارها، من ذلك أنه نظم قصيدة طويلة وصف فيها محاصرة سلطان بن سعيد - إمام عمان - للزبارة سنة 1217هـ/ 1802م[21]، وأخرى في دخول سليمان بن سيف بن طوق - أمير جيش ابن سعود - إلى الزبارة سنة 1224هـ/ 1809م[22]، وسجَّل ما جرى للزبارة وأهلها في أثناء استيلاء الأخير عليها، في رسالة مفصلة كتبها إلى صديق له من تجَّار حلب، هو نعمة الله عبُّود - (تاريخها 19 ذي الحجة سنة 1226هـ/ 1811م) - وقد أوضح له جانبًا من المعارك التي دارت بين الطرفين، وما جرى لآل خليفة، وحبسِهم في سجن الدرعية، ثم استرداد الأخيرين للزبارة، وما أصاب تجارة اللؤلؤ - بعدها - من رواج: "وقد بلغ عندنا اللؤلؤ هذه السنة أقيام مذ خلقه الله ما بلغ قيمة هذه السنة"، وغير ذلك من تفاصيل مهمة لمؤرخ تلك الحقبة[23].

 

ويمكن للباحث أن يرى في ديوان الطباطبائي إشارات كثيرة لطبيعة العلاقات الثقافية التي بين أهل الزبارة من جهة، وبينهم وبين المدن العربية الأخرى من جهة أخرى؛ مثل: البحرين، والأحساء، والبصرة، وبغداد، وحلب، إبَّان النصف الأول من القرن الثالث عشر للهجرة "19م"، وهي علاقات توضح مدى وثاقة الوشائج التي وصلت بين هذه المناطق عهد ذاك.

 

استمرت الزبارة مركزًا متقدمًا للنشاط الثقافي في الساحل الغربي للخليج العربي نحوًا من سبعة عقود من السنين، حتى أخذت عوامل أخرى تفعل فعلها في إضعاف دور هذه المدينة، وبدأت مراكز حضرية غيرها في شبه جزيرة قطر والبحرين ترث ما كانت تشتهر به من مزايا، فإذا ما أوشك القرن الثالث على الانتهاء كانت الزبارة قد هُجرت تمامًا، وتحوَّلت إلى أطلال داثرة، تُذكِّر زائرها - إن مرَّ بها - بما كان بها من مجد ثقافي حققه أهلها في ظل أصعب الظروف.

 

خلاصة واستنتاجات:

يمكننا أن نتوصل - من خلال ما تقدم من بحث - إلى عدد من الاستنتاجات العامة، ندرجها على النحو الآتي:

1- كان إنشاء الزبارة تحقيقًا لفكرة راودت الشيخ رزقًا، الذي استوطن المكان قبل إنشائها؛ لأن تكون المدينة مركزًا ثقافيًّا متميزًا في المنطقة، وهي الفكرة التي التقت برغبة الشيخ خليفة بن محمد العُتبي؛ فأثمرت ولادة المدينة.

 

ومن هنا كانت وظيفتها الثقافية جزءًا أساسيًّا من وظائفها الأخرى، وليست نتاجًا تاليًا أو مُكمِّلاً لتطور عام مرَّت به المدينة، كما هو مألوف في مدن أخرى.

 

2- استقطبت الزبارة - خلال وقت قصير من عمرها - العشرات من أفضل العلماء المعروفين في الأقطار العربية المجاورة، وبخاصة من العراق ونجد، مما أكد دورها كمركز ثقافي متقدم في المنطقة.

 

3- تُظهِر تراجم العلماء الذين عاشوا في الزبارة طبيعة اتجاهات الحركة الفكرية فيها، وهي اتجاهات جمعت بين العلوم الشرعية من قرآن كريم، وحديث شريف، وفقه، وعلوم لغوية وأدبية، وتراوحت وسائلها بين التدريس، والتأليف، والمحاورة، والمحاضرة.

 

4- تولت رعاية الحركة الثقافية، ورعاية العلماء الوافدين خاصة أُسرٌ تجارية مثقفة، كان أبرزها آل رزق؛ وذلك من خلال إنشائهم العدد الوافر من المساجد والمدارس، ولا شك في أن إنشاء مثل هذه المؤسسات كان يستلزم خدمات أخرى؛ مثل: أماكن لإقامة العلماء، وجرايات تكفي حاجاتهم ومعايشهم، وما يستتبع نشاطهم العلمي من كتب ومكتبات ومستلزمات مختلفة.

 

5- كان للزبارة الفضل الأكبر في حفظ الثقافة العربية وإنمائها في الساحل الغربي للخليج العربي، وقد لازم هذا الدور الثقافي دور سياسي تمثل في اتخاذ المدينة معبرًا للقوات القبلية العربية إلى البحرين؛ لتخليصها من الهيمنة الأجنبية سنة 1197هـ/ 1783م.



[1] عبدالعزيز محمد المنصور: "التطور السياسي لقطر في الفترة ما بين 1868- 1916" - الطبعة الثانية، الكويت 1980، ص6 "ملاحظات لجنة تاريخ قطر".

[2] المصدر نفسه؛ إذ جاء في إحدى الملاحظات المذكورة: "كانت الزبارة عامرة، وأقدم بكثير جدًّا من هذا التاريخ"؛ أي: تاريخ وصول العتوب إليها سنة 1766، ولكن الملاحظة لا توضِّح تاريخ تلك العمارة.

[3] انظر د. عبدالعزيز المنصور، ود. فتوح الخترش: نشوء قطر وتطورها دراسة تاريخية (الكويت 1977) ص40.

[4] يذكر الكابتن تيلر - "المنصور: التطور السياسي 159" -: أن عدد سكان البلدة بلغ في عهده "الثلث الأول من القرن التاسع عشر" نحو أربعمائة بيت، ومعنى هذا أن مجموع سكانها كان يتراوح بين الألفين والأربعة آلاف إنسان، وهو عدد لا يستهان به إذا ما قارناه بأعداد السكان في المدن والقرى المجاورة، ففي البدعة - التي غدت مقرَّ حكومة قطر، في أخريات القرن التاسع عشر - لم يتجاوز عدد السكان - رغم مرور ثلث قرن على تقدير تيلر - هذا العدد، بل إن عدد بيوت شبه جزيرة قطر كلها لم يتجاوز في عهد مدحت باشا سنة 1288هـ/ 1869م الألف فقط، وهذا يعني أن نصف كثافة البلاد تركز في الزبارة حصرًا.

قارن بشأن هذه الإحصاءات الخاصة بالسكان جزيرة الزوراء البغدادية، العدد 148، في 10 ربيع الأول سنة 1288هـ.

[5] يظهر واضحًا مما أورده "ابن سند" أن اسم الزبارة لم يكن معروفًا قبل إنشائها، فالاسم من اختيارهما إذًا.

وفي المعاجم الزبر: الحجارة، وطي البئر بها، ووضع البنيان بعضه على بعض؛ القاموس المحيط، مادة "زبر".

[6] عثمان بن سند: سبائك العسجد في أخبار أحمد نجل رزق الأسعد، (بمبي 1315هـ)، ص19.

[7] سبائك العسجد ص20.

[8] هو سبائك العسجد، وقد ترجم له في الصفحات 9 - 19.

[9] المصدر نفسه في مواضع عدة، وانظر: عبدالرزاق الصانع وعبدالعزيز العلي: إمارة الزبير بين هجرتين (الكويت 1989) ج4 ص160.

وينص تعليق للجنة تاريخ قطر، علي عبدالعزيز المنصور: التطور السياسي لقطر ص6، على أنه حين وصل العتوب الزبارة وافدين، "كان سكنها الشيخ أحمد بن رزق".

هذا بينما ينص ابن سند صراحة على أن الذي سكنها هو والد أحمد المذكور، ولا تتفق تواريخ حياة أحمد مع تاريخ الإنشاء بأية حال.

[10] سبائك العسجد 108.

[11] المصدر نفسه 110.

[12] انظر: مقدمتنا لكتابه: مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داود، بتحقيقنا (ط2 بيروت 2009) ص10-11.

[13] سبائك العسجد 12-14.

[14] المصدر نفسه 26.

[15] المصدر نفسه 29.

[16] المصدر نفسه 59.

[17] ذكر الشيخ محمد الخال في كتابه "البيتوشي"، أنه عثر على قصيدة للبيتوشي في مجموعة خطية بمكتبة الشيخ محمد العسافي في البصرة، في مدح الشيخ أحمد بن محمد بن رزق، (مثري البصرة ومحسنها الشهير)، (بغداد 1958 ص210).

[18] سبائك العسجد 93.

[19] عبدالله باش أعيان العباسي: أعيان البصرة، نشرة الشيخ جلال الحنفي، (بغداد 1961) ص14.

[20] انظر: ترجمته في عباس العزاوي: تاريخ الأدب العربي في العراق، ج2 (بغداد 1962) ص220 و

Brock., S.II, 791.

[21] عبدالجليل الطباطبائي: روض الخل والخليل، ديوان السيد عبد الجليل، (عمان 1964) ص9.

[22] المصدر نفسه 13.

[23] نشر هذه الوثيقة يعقوب سركيس في مباحث عراقية ج1، (بغداد 1948) ص194 - 197.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • مدينة حايل من قبل مئة عام
  • مدينة سبتة المسلمة... أقدم احتلال في التاريخ!
  • الأهمية التاريخية والأثرية لمدينة جدَّة
  • مدينة قسنطينة عاصمة الشرق الجزائري
  • ضرائب صنف القصابين في العراق
  • مدينة الزبارة

مختارات من الشبكة

  • كوريا الجنوبية: استكمال دورة التنمية البشرية بمركز هويجي للثقافة الإسلامية(مقالة - المسلمون في العالم)
  • كوريا الجنوبية: مركز "هويجي للثقافة الإسلامية" يعلن عن إسلام خمسة كوريين(مقالة - المسلمون في العالم)
  • إصدارات مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث في دبي من عام 1990 إلى 2014م(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • أكبر معرض للثقافة الإسلامية في البوسنة والهرسك(مقالة - المسلمون في العالم)
  • معرض للثقافة الإسلامية بمدينة كافان في أيرلندا(مقالة - المسلمون في العالم)
  • معرض ليمريك للثقافة الإسلامية 2019(مقالة - المسلمون في العالم)
  • معرض كيلكيني للثقافة الإسلامية في جمهورية أيرلندا(مقالة - المسلمون في العالم)
  • مسابقة للثقافة الإسلامية بالعاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس(مقالة - المسلمون في العالم)
  • كوريا الجنوبية: "مخيم الإخاء" أول مخيم دعوي في مسجد "هويجي" للثقافة الإسلامية(مقالة - المسلمون في العالم)
  • ثقافة الاستهلاك بين السلوك الاجتماعي والثقافة العالمية(مقالة - موقع د. زيد بن محمد الرماني)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 15/11/1446هـ - الساعة: 15:5
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب