• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    ماذا سيخسر العالم بموتك؟ (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    فقه الطهارة والصلاة والصيام للأطفال
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    ثمرة محبة الله للعبد (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    خطبة: القلق من المستقبل
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    فوائد وعبر من قصة يوشع بن نون عليه السلام (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    خطبة: المخدرات والمسكرات
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    {وما النصر إلا من عند الله} ورسائل للمسلمين
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرزاق، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    الأحق بالإمامة في صلاة الجنازة
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    فضل الصبر على المدين
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    تفسير قوله تعالى: { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ...
    سعيد مصطفى دياب
  •  
    محاسن الإرث في الإسلام (خطبة)
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    تفسير: (لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنتان عن يمين ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    علامات الساعة (2)
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    ما جاء في فصل الصيف
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    أحكام التعاقد بالوكالة المستترة وآثاره: دراسة ...
    د. ياسر بن عبدالرحمن العدل
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / التاريخ والتراجم / تاريخ
علامة باركود

هكذا يكون الرجال

هكذا يكون الرجال
محمد بلال البربري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 13/5/2012 ميلادي - 21/6/1433 هجري

الزيارات: 21287

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

هكذا يكون الرجال

(مادة مرشحة للفوز بمسابقة كاتب الألوكة الثانية)


"جيفارا"[1] البطل الذي لفت أنظار العالم نحو خطاه التي تخطاها، مواقف جريئة، لا تصالح ولا تسالم... "مارکس"[2]، کم تصبَّر علی الشدائد، ولکن ما صدَّت المصائبُ سبيلَه، وما تخلف عن وجهة نظره ولو حبة شعرة...! "نيلسون منديلا"[3] الإفريقي الفذ، رأس العدل وقمته، لا يكاد أهلُ زمان ينسَوْن مثله، وعلی الأقل لا ينساه التاريخُ الإفريقي مهما طال الزمان وفعل ما فعل بالناس..."، هذه هي الكلمات التي کانت تقرع أسماع حشد کبير من الناس الذين حضروا مُحاضرة عن "رجال التاريخ وأبطاله"، وکان فضيلة المحاضر المحترم يطول بذکر أسماء هؤلاء الذين کثيرًا ما نری صُورَهم على صفحات عدة أصدقائنا في شبكات شتَّى من المنتديات، مع التعليق على ذلك بـ "هكذا يكون الرجال!".

 

فكانت فكرتي ذهبت في ذلك مذاهب مُختلفة، وکانت تخطر ذاك الحين الذي کان سمعي فيه من تلك الأسماع التي تُزلزلها تلك المحاضرة، وهي أنَّه هل لا يوجد في تُراثنا التاريخي النَّزيه شخصٌ واحد يُسَمَّى بالرجل البطل الذي يستحق أن يُقتدی به في خطواته؟! الرجل البطل الذي لا يزال الناس يذکرون بطولته طوال الدَّهر ولا يكادون ينسونه! الرجل البطل الذي يُردِّد الأساتذةُ المدرسون والشيوخ المحاضرون في أحشاد الناس مَوقِفَه الشجاع في دروسهم ومُحاضراتهم، کلما ذکروا الشجعان من رجال العالم! الرجل البطل الذي يلوح اسمه علی قرطاس الزمان مُميزًا لم تعهد الإنسانية نظيره!

 

إذ أخذتْ وقعةٌ تاريخية - من الوقعات التي مَرَرْت بذکرها في أحايين عديدة - بمجامع فكرتي، وقادها إلی حيث تجولت فكرتي هنالك لمحات من الوقت، وأخذت من مواقفها الأخَّاذة ما جعلني أشعر بالمتعة النفسية، التي اطمأننت لأجلها من ذلك الضَّغط الفكري الذي حصل بسماع أسماء الأجانب من فضيلة المحاضر، فأردت أن أُشارِکَکم أيها الإخوان في جولتي هذه؛ عسی الله أن يُزيح عن قلب أحدٍ مثلي تعوَّد سماع أسماع الأجانب، ورؤية صُورهم مع کلمات ثنائية، فيشعُر بالمتعة النفسية في تذکار أبطال تُراثنا، إضافةً إلی الافتخار بالرجال الذين لا حاجةَ لنا بعدهم إلی الاقتداء بالأجانب، والثناء عليهم بما لا يستحقُّون به أمام هؤلاء الأفذاذ، فليأتِ معي في الموقف من يشاء ومن يريد:

 

حَرٌّ شديد، صحراء خالية، قومٌ فاقدو الماء، قليلو العدد والعُدَّة، حُفاة، عُراة، جياع، لا يَجدون من المراکب ما يَكفيهم، فيتعاقبون الثلاثةُ والأربعةُ علی بعير، لا تحمل أزوادُهم إلا ما لا يشبعهم، قومٌ مهاجرون من أوطانهم مع قوم نصروهم وآوَوْهم وآخَوْهم، واطؤوهم علی ألاَّ تنخلع عن تعاونهم أيديهم، وأن يَحفظوهم من أن يکونوا فرائسَ أعدائهم ما دام القومُ يهاجمهم في حدود بلادِهم ومساکنهم، أمَّا خارجَ مآويهم، فلا مُواطأةَ بينهم علی ذلك فيما قبل، کان خروجهم بدائيًّا لأن يكسروا شوکةَ أعدائهم بالإتيان بدعائم اقتصادهم التي عمروا علی کيانها أُسسَ ظُلمهم وإنكارهم، وأن يخضعوهم تحت حُکم العدل والأمن والسلام وما فيه خير حتی لأعدائهم نهائيًّا، قاصدين الأخذَ بجيوبهم وزحفهم عن شفير النار التي قاموا بجانبها، ولا بُدَّ من مُلاقيها إن أصابتهم الهَلَکة في حالتهم تلك، فيا للعجب! يريدون الخير الشامل لمن لم يقصر في هدم بنيتهم وبُنيانهم! خرجوا ليغيروا على قوافل أعدائهم التِّجارية التي عليها کانت تدور أفلاكُ اقتصادهم الشعبي والقومي، ليضطروا إلى إصغاء الآذان نحو ما يَشفيهم من أسقامهم المزمنة المهلکة التي ما کادوا يطلعون على نهاية خُطورتها ومدى وعورتها؛ لجهالتهم ونقص عقولهم.

 

أخبر الأعداء عبر جواسيسهم أنَّ القوم المهاجرين مع أنصارهم قد صَوَّبوا سِهامَهم على قوتهم الاقتصادية؛ مِمَّا سينتج القضاء حتمًا على کلِّ أنحاء حياتهم، وصفرهم أيديهم عن قُوَّتِهم، فشاوروا فيما بينهم على انتصار غيرهم، ووافقوا أن يَجمعوا ما لهم من أسباب ووسائل أکثرُها أو کلُّها قدر ما تيسر لهم بالخروج معها، فإنَّهم هذه المرة کانوا لا يُطيقون أن يفوتهم ما بأيديهم بطشه وقسره بکل هوان في أعينهم العمي، کما قد سبقهم فوت أوان خروج قائد أعدائهم تحت سيوفهم بليل مع کل السلامة، وهم کانوا قد حاصروا بيت قائدهم بالمكر الكامل والعزم الصميم، ولکن قَدَّرَ القادرُ العليم بمكرهم غلبَهم، فخروج هؤلاء ليأخذوا ثأر خزيهم ذاك الليل، إضافة إلى أن يُحافظوا على أموالهم المحمولة على عِيرهم، وأن يوصلهم مأمنهم دون أن يلحقهم أي مضرة أو معرة.

 

وبجانب آخر کان القوم المهاجرون مع أنصارهم يريدون لقاءَ عيرٍ لا يكون معهم إلا بضائع وأمتعة: ألف بعير وخمسين ألف دينار وما الله به عليم من قليل وکثير، أما الأسلحة أو ما يقاوم به في القتال، فلا يتعود العير تحمُّلها عادة، وکان أهلُ العير على غرة من أي مُهاجمة إلا حينما اطلعوا على أنَّهم في معرض خطر، استبدلوا طريقًا أخرى آمنة، فخلصوا إلى بلادهم ونَجَوا من أن تصيبَهم بما صنعوا قارعة، أخبر الجواسيسُ القائد البطل المهاجر أنَّ العير قد انفلت عن أيديهم، ومراقبو العير من القوم قدموا للانتصار لأهل العير مع جميع ما يحتاجون إليه من القوات المالية؛ لاستئصال قوم ضِعاف البنية والبنيان، ومَحْو اسمهم ورسمهم عن بسيط الأرض، أفرادًا مع آلات القتال الهدامة إلى الجيش الضعيف المحتوي على فرسين، وعدد من الأسهم والسيوف، فتفکر القائد في أنه کيف يُمکن المهاجمة عليهم مع أن القوم الذين ناصروه وأصحابه المهاجرين معه وخرجوا معه الآن، لم يوافقوا حين المواطأة إلا المناصرة في تخوم بلادهم، وهذا "بدر" خارج من حدودها، فجمع أصحابه کلهم بين المهاجرين والأنصار، وعرض عليهم ما فاجأهم من الحرب الذي ما قصدوها، ولکنَّ المشيئة الإلهية هي التي قرَّرت أن يحق الحق ويبطل الباطل، فتقدم من المهاجر من کان يحب القائد حبًّا لا يكاد يبلغ مستواه أحد، وأحسن الكلام على أنَّ أصحاب الجيش مستعدُّون على کل ما تأمرهم، فإنهم قد صمَّموا على إزهاق أرواحهم، وبذل مهجهم في سبيل تختاره وتحبه لهم، إنْ قصدت القتال، فنحن کلنا أمامك، فلتأمرنا بما تؤمر عن ربك، فقعد، فخلفه مهاجر آخر مثل الأول في التفوق والامتياز على الأقران، ولکن حاز المرکز الثاني وقام فابتدأ بمثل ما قال الأول وزاد: "إنها والله قريش (العدو) وعزها، والله ما ذلَّت منذ عزَّت، والله ما آمنت منذ كفرت، والله لا تسلم عزها أبدًا، ولتقاتلنك، فاتَّهِب لذلك أُهبته وأعد لذلك عدته"، فقعد، فقام محب آخر وخطب بصوته الرنان: "امض لأمر الله فنحن معك، والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لنبيها: "فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون"، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، والذي بعثك بالحق، لو سرت بنا إلى برك الغماد لسرنا معك! فدعا القائد للثلاثة بالخير، ولکنَّ شيئًا ما کان ينتظره، فمرة أخرى نادى بين أصحابه: أشيروا علي أيها الناس، فأدرك سيدٌ من شرفاء قوم الأنصار قَصْدَه، فتقدَّم الآن هذا الرجل من أبناء الأنصار ولبَّى دعوةَ قائدِه الخفية قائلاً: أنا أجيب عن الأنصار، كأنَّك تريدنا فأجابه القائد أن نعم، إنك عسى أن تكون خرجت عن أمر قد أُوحي إليك في غيره، وإنا قد آمنا بك وصَدَّقناك، وشَهِدْنا أن كل ما جئت به حقٌّ، وأعطيناك مواثيقنا وعهودنا على السمع والطاعة، فامض يا نبي الله، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما بقي منا رجل، وصِلْ مَن شئت، واقطع من شئت، وخذ من أموالنا ما شئت، وما أخذت من أموالنا أحبُّ إلينا مما تركت، والذي نفسي بيده، ما سلكت هذا الطريق قطُّ، وما لي بها من علمٍ، وما نكره أن يلقانا عدونا غدًا، إنا لصُبرٌ عند الحرب، صدقٌ عند اللقاء، لعلَّ الله يريك منا ما تقرُّ به عينك!"، وما انتهى على هذا فحسب، بل زاد فقال: "إنا قد خلفنا من قومنا قومًا ما نحن بأشدَّ حبًّا لك منهم، ولا أطوع لك منهم، لهم رغبةٌ في الجهاد، ولو ظنوا أنك مُلاقٍ عدوًّا ما تخلفوا، ولكن إنَّما ظنوا أنها العير، نبني لك عريشًا فتكون فيه ونَعُدُّ لك رواحلك، ثم نلقَى عدوَّنا، فإن أعَزَّنا الله وأظهرنا على عدونا كان ذلك ما أحببنا، وإن تكن الأخرى جلست على رواحلك فلحقت مَن وراءنا، وهذه المقالات التي صدرت من أفواه الأبطال ما اضطررت لأجلها‌ أن أقول: والله هكذا يکون الرجال![4].

 

بنوا للقائد عريشًا کما أشار به الرجل البطل، فشاور القوم فيما بينهم أنَّ العريش لعلَّ أن يصيبه العدوُّ بسوء، فمن يتجرأ لأن يراقبه من کيد العدو، فشهر أشجع الناس، الذي حاز المرکز الأول في جميع أنواع السباق بين القوم بأسرهم سيفَه على قائده، وقال هاتفًا: "لا يهوي إليه أحد إلا أهوي إليه"[5]، فقلت في نفسي: والله هكذا يكون الرجال.

 

جلس القائد ليتفحَّصَ غلمان القوم الذين اصطحبوا الجيش؛ مَدَى صلاحيتهم للحرب، والذين استقبلهم الجيش مفاجأة من غير رجاء، فغلام وهو في السادس عشر من عمره يريد أن يستر شخصه، ويتوارى خشيةَ أن يطلع القائدُ على حضوره بين صفوف المقاتلين، لماذا؟ ليفر عن ساحة القتال، فينجوَ من مواجهة هذه المشکلة التي قرب قومه أن يلاقوها؟! والله ما کان قصدُه الفرار، ولکن إنَّما يتوارى لئلا يراه القائد ويستصغرُه، فيخرجه من المقاتلين ويردُّه إلى بيته، فيحرم من صُحبة القائد الحبيب، ويُحرم من أن يفدي بمهجته الوحيدة التي يَمتلكها تحت لواء ذاك الحبيب، ينافح عنه أعداءه ويضرب رؤوسَهم، فهو في تواريه إذ شخصه القائد وحدث ما کان لأجله يخفي نفسه، فاستصغره القائد وأمره بالرجوع، فطفق يبكي کأنه بهذا البكاء يرجو أن يتلطف القائد في أمره، فأجازه عندما رأى حنينه، فاستبشر لذلك وجهه، وتقدم في ساحة القتال فرحًا، کأنه رزق الجنة في دُنياه، حتى أفنى حياته ظاهرًا، وتحصل على حياة الدوام التي لا يقطعُها إلا بوق إسرافيل - عليه السَّلام -[6] مرة أخرى قلت في نفسي: والله، هکذا يکون الرجال!

 

إلى أن اصطف القوم صفوفهم حسب ما أمرهم القائد، يجعلهم في اصطفافهم کالسَّهم المصيب، فإذا رجل يرى نفسه قائمًا بين غلامين حديثي الأسنان، فلَمَّا رأى الموقع، ثم نظر مرة أخرى عن يَمينه، ثم عن شماله، خطر بباله أنه لو کان بين أقوى وأشد منهما، لكان أحسن له من موقفه الآن بين هذين غير متجربين ساحات القتال ومبارزة العدو؛ إذ سمع أحدَهما يسأله: "أتعرف رجلاً اسمه کمسماه أبو جهل؟ فأجابه: أن نعم وما حاجتُك إليه؟ قال: أخبرت أنه يسبُّ قائدَنا الذي أرواحنا ومُهجنا فداه، والذي نفسي بيده، لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتي يموت الأعجل منا، فتعجب الرجلُ لما أراده الغلام، وتحيَّر من جرأته تلك، غلام لا يناهز عمره خمسة عشر أو سبعة عشر عامًا وهو يعزم على نفسه هكذا، فهو في تحيره إذ غمزه الآخر، فقال مثل مقالة الأول يسأل عن سابِّ قائده، ويقسم على نفسه مثل ما قسمه صاحبه القائم في الجانب الآخر، فما لَبِثَ الرجلُ أن نظر إلى رأس الجهل وأبيه، يتبختر بين الناس، فأشار الرجل لطالبِيَه إلى مَطلوبهما، وقال: ها هو ذا، فما انتظرا أن يفرُغ الرجل من کلامه، وأسرعا إلى الجهل بسيفيهما وشدَّا عليه مثل الصقر على صيده، وضرباه ضربات عنيفة تحمل الحب والإيمان، فما تحمل الجهل هذه الضربات الفاجعة، وسقط عن فرسه ميتًا وانتهى أمره![7] فغلام منهما بعد انتهاء المعرکة کان يفتخر بما جرى له مع عدوه، فيقول: لَمَّا أمكنني حملت عليه، فضربته ضربةً أطَنَّت قدمَه بنصف ساقه، فوالله، ما شبهتها حين طاحت إلا بالنواة تطيح من تحت مرضخة النوى حين يضرب بها، وهجم عليَّ ابنه (عندما رأى أباه يُخذَل بيد غلامٍ)، فضرب على عاتقي، فطرح يدي فتعلقت بجلدة من جنبي، وأجهضني القتال عنه، فلقد قاتلت عامة يومي وإني لأسحبُها خلفي، فلَمَّا آذتني وضعت عليها قدمي، ثم تمطَّيت بها عليها حتى طرحتها؛ انتهت مقالته[8]، وصاحت نفسي: والله، هکذا يكون الرجال.

 

طَفِقَ القومُ تلتحم سيوفُهم في الملحمة، والقائد بعد ما فرغ عن مُناجاته مع الملك الذي بيده الأمر کله، خرج من عريشه يحرض أصحابَه، فيبشرهم في هذه الساحة ببُشرى حق بعد الموت غير بعيد لُحُوقه بالمبشَّر به إلا کبُعْد سواد العين من بياضه، فيقول مُناديًا: قوموا إلى جنة عرضُها السَّموات والأرض، فقرع الخبر سَمْعَ رجل، فسأل: جنة عرضها السموات والأرض؟ فأجاب: أن نعم، فقال: بخ بخ! سأل القائد عن سبب قوله: بخ بخ، فقال: ما قلت هكذا إلا رجاء أن أکونَ من أهلها، فبشَّره القائد: إنك من أهلها، عندما سمع هذه البُشْرى کاد قلبه يطير فرحًا، فأخرج تمراته التي کانت معه وجعل يأکل منها، وکان مُوقنًا معتقدًا متمنيًا أن يکون أکلُه هذا أکلاً أخيرًا في حياته التي يعيشها الآن، وسيرتاح نحو الجنة التي عرضُها السموات والأرض، فيأکل بقية أکله هنالك من ثمارها في ظلال أشجارها؛ إذ فجأته فکرة أخرى فقال في نفسه: لئن أنا حييت حتى آکلَ تَمراتي هذه کلها، إنَّها حياة طويلة، فرمى ما کان معه من التمر، وخاض المعرکة، فشَدَّ على العدو وقاتل حتى قُتِلَ ومشى لسبيله إلى جنته الموعودة الحقَّة، ليحوي حظه الباقي من هنالك من ثمارها تحت ظلال أشجارها![9] ونفسي نادت من أعماق قلبي: والله هكذا يکون الرجال.

 

وحَقًّا يطول بنا ذکر هؤلاء الرِّجال إلى ما لا تطيقه صفحاتُ هذه المقالة اليسيرة، وأنا حتى الآن ما تقدَّمت أن أنتهي من عَدِّ البقية من مواقف رجال هذه الوقعة، فضلاً عن أن آتي على المشاهد الأخرى التي شاهد قوم الأبطال ما ملأت بذکرها آلاف من بطون الكتب، ولا أرى أحدًا ممن له شغف يسير بالسيرة أن يَخفى عليه ما کنت قضيت فيه لمحاتي هذه، ما تلك الوقعة؟ نعم، الوقعةُ وقعة بدر الكبرى، والقائد هو رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - والرجال الذين نفتخر بهم مهما يصيح القوم بقوادهم الثوريين، حسبنا ذاك الجيل المثالي أصحاب الرسول - صلى الله عليه وسلم - قدوةً وأسوة لنا! لا نرى لأحد بعدهم منزلة تبلغهم حتى إلى ثرى أقدام هؤلاء الرجال الأبطال.

 

أُولَئِكَ آبَائِي فَجِئْنِي بِمِثْلِهِمْ
إِذَا جَمَعَتْنَا يَا جَرِيرُ الْمَجَامِعُ

 

ونعذر فضيلة المحاضر في أنه لم يوفَّق إلى هؤلاء؛ لأن الجريمة الآثمة التي أبعدتنا من أن نقدر تراثنا - هو شعور الانخفاض الذي ينبغي أن يُعَدَّ من الكوارث التي تعانيها الأمَّة في حاضرها، قاتل الله هذه الفكرة الخاطئة، لو لم يکن هذا الشُّعور شعور الانخفاض، لنسمع قصص هؤلاء الأبطال حقًّا، بدلاً من تَرداد ذکر الأجانب في عامة حفلاتنا، هل نحتاج بعد أبي بکر، وعمرَ، والمقداد بن الأسود، وسعد بن معاذ، وعمير، ومعاذ، ومعوذ، وآلاف من بقية الصحابة - رضوان الله عنهم - إلى جيفارا ومارکس ومنديلا وغيرهم؟ کلا! فلِمَ لا نلفت أنظارَنا إلى الذين فازوا حقًّا في الدنيا والآخرة؟ ولِمَ نستبدل بتراثِنا تراثَ غيرنا مع ما لنا من العِزَّة والشرف في أبناء تراثنا؟!

 

مُخاطبًا علماء الأمة ونُخبتها الأصفياء، وخاصة المحاضر الذي أقلقتني فکرته کثيرًا، أختم بالمسك الذي نشره الكاتب الإسلامي الكبير السيد محب الدين الخطيب[10] في مقالته؛ حيث قال ما نصه، رجاء إصغاء القوم آذانهم نحو نصيحته:

إنَّ المسلمين، بل الإنسانية کلها أشد ما کانوا اليومَ في حاجة إلى معرفة فضائل أصحاب رسول الله - صلَّى الله عليه وسلم - وکرم معدنهم، وأَثَر تربية رسول الله - صلَّى الله عليه وسلم - فيما کانوا عليه من علو.

 

المنزلة الَّتي صاروا بها الجيلَ المثالي الفذ، في تاريخ البشر، وشباب الإسلام معذور إذا لم يحسن التأسي بالجيل المثالي في الإسلام؛ لأن أخبار أولئك الأخيار قد طرأ عليها من التحريف والأغراض والبتر والزيادة وسوء التأويل في قلوب شحنت بالغل على المؤمنين الأولين، فأنكرت عليهم نعمة الإيمان!

 

وقد أصبح من الفرض الديني والقومي والوطني على کل من يستطيع تصحيح تاريخ صدر الإسلام أن يعتبر ذلك من أفضل العبادات، وأن يبادر له ويجتهد فيها ما استطاع، إلى أن يکون أمام شباب المسلمين مثال صالح، من سَلَفِهم يقتدون به، ويُجدِّدون عهده، ويصلحون سيرتهم بصلاح سيرته!

 

وفَّقنا الله - تعالى - لما يُحبه ويرضاه، وهو الموفق.



[1] أحد القادة الثوريين المشهوين.

[2] أبو الحرکة الشيوعية الروسية ومُجددها وشارحها.

[3] أحد رؤساء إفريقيا الجنوبية الشهيرين.

[4] الواقدي، محمد بن عمر بن واقد (130 – 207هـ = 747 - 823 م)، المغازي ۱/۱۷ وما بعدها، ط: دار الفكر بيروت، البطل الأول أبو بکر الصديق، والثاني عمر بن الخطاب، والثالث المقداد بن الأسود، والرابع سعد بن معاذ - رضي الله عنهم أجمعين.

[5] البزار، أبو بکر أحمد بن عمر البصري، (000 - 292 هـ = 000 - 905 م)، مسند البزار، مسند علي - رضي الله تعالی عنه - ۱/۱45 ط: مکتبة رشيدية باکستان، والبطل أبو بکر الصديق - رضي الله عنه.

[6] الواقدي، محمد بن عمر بن واقد (130 - 207 هـ = 747 - 823 م)، المغازي، ۱/۹ ط، دار الفكر بيروت، الغلام البطل عمير ابن أبي وقاص - رضي الله عنه.

[7] الحاکم، أبو عبدالله محمد بن عبدالله، (321 - 405 هـ = 933 - 1014م)، المستدرك علی الصحيحين، 425/3 ط: مکتبة عثمانية باکستان، والبطلان هما معاذ بن عمرو ومعاذ بن عفراء - رضي الله عنهما.

[8] ابن کثير، أبو الفداء إسماعيل بن کثير الدمشقي، (701 - 774 هـ = 1302 - 1373 م)، البداية والنهاية ۳/۲۸۷ ط: مکتبة عثمانية باکستان، القائل معاذ بن عمرو - رضي الله عنه.

[9] ابن کثير، أبو الفداء إسماعيل بن کثير الدمشقي، (701 - 774 هـ = 1302 - 1373 م)، البداية والنهاية ۳/۳۳۸، ط: مكتبة عثمانية باکستان، والبطل هنا هو عمير بن الحمام الأنصاري - رضي الله عنه.

[10] السيد محب الدين الخطيب، "الجيل المثالي" ص: 15، ط: دار الكتب العربية مصر.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • وقليل من الذكور رجال
  • يا رجال الفجر
  • كن رجلا من هؤلاء
  • الدولة العظمى يبنيها رجال عظام
  • الرجال مواقف
  • من روائع الرجال
  • من غرائب الرجال

مختارات من الشبكة

  • الأجراء الرجال (عمالة الرجال الأحرار) في المغرب والأندلس: دراسة تاريخية وثائقية (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة تهذيب تهذيب الكمال في أسماء الرجال (ج2) ( مختصر تهذيب الكمال في أسماء الرجال )(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • التحذير من تشبه الرجال بالنساء وتشبه النساء بالرجال(مقالة - آفاق الشريعة)
  • النهي عن تشبه الرجال بالنساء والنساء بالرجال(مقالة - آفاق الشريعة)
  • في التحذير من تشبه الرجال بالنساء والنساء بالرجال(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تشبه الرجال بالنساء، والنساء بالرجال(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • فضل الصف الأول في الصلاة(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • أحكام الخواتم للرجال(مقالة - موقع د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر)
  • رباعيات الخليل بن أحمد(مقالة - حضارة الكلمة)
  • محاضرات في علم الرجال (3)(مادة مرئية - موقع مثنى الزيدي)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 16/11/1446هـ - الساعة: 14:43
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب