• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أربع هي نجاة الإنسان في الدنيا والآخرة (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    وحدة المسلمين (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    فوائد وأحكام من قوله تعالى: { إذ قال الله يا عيسى ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
  •  
    نعمة الماء (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    تدبر خواتيم سورة البقرة
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    تحريم الإهلال لغير الله تبارك وتعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    مشاهد عجيبة حصلت لي!
    أ. د. عبدالله بن ضيف الله الرحيلي
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (2)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    الدرس السابع عشر: آثار الذنوب على الفرد والمجتمع
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    خطبة: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    سورة الكافرون.. مشاهد.. إيجاز وإعجاز (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    من آداب المجالس (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    خطر الميثاق
    السيد مراد سلامة
  •  
    أعظم فتنة: الدجال (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / التاريخ والتراجم / تاريخ
علامة باركود

فتح مدينة عمورية (6 رمضان، سنة 223هـ)

عبدالله بن عبده نعمان العواضي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 9/10/2019 ميلادي - 9/2/1441 هجري

الزيارات: 16296

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

فتح مدينة عمورية

6 رمضان، سنة 223هـ

 

حينما كان المسلمون متمسكين بدينهم، متعلقين بمعاقد العز، آخذين بأسباب القوة، كانت لهم في قلوب أعدائهم هيبة تمنع من الاعتداء عليهم، وسومهم خسفًا، فلما بدؤوا يتخلون عن دين الله ويتعلقون بالدنيا، هبطوا عن آفاق العز، وصنع بهم العدو ما شاء، وهذا مصداق ما أخبر عنه رسول الله عليه الصلاة والسلام في حديث ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق، كما تداعى الأكلة على قصعتها، قال: قلنا: يا رسول الله، أمن قلة بنا يومئذ؟ قال: أنتم يومئذ كثير، ولكن تكونون غثاءً كغثاء السيل، تنتزع المهابة من قلوب عدوِّكم، ويجعل في قلوبكم الوهن، قال: قلنا: وما الوهن؟ قال: حب الحياة وكراهية الموت) [1].

 

لقد كانت الأمة في أزمنة العزة جسدًا واحدًا إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد، فمن اعتُدي عليه من المسلمين من قِبَل الكافرين انتصف المسلمون من ذلك المعتدي، ومن استصرخهم أجابوه، ومن استغاث بهم أغاثوه، واليوم توزَّع جسم الأمة مزقًا مفرقة، فلا يشعر الجزء بألم الآخر، ولا ينجده في لهفته، ولا يعينه في حاجته، فكم توالت على أسماعنا نداءات المستغيثين، وأصوات المعذبين، وكم بُحَّت حناجر القائلين: وا إسلاماه، وا مسلميناه، وإخوتاه، وصدق الشاعر حين قال معبرًا عن هذه الحال:

أمتي هل لك بين الأممِ
منبرٌ للسيف أو للقلمِ
أتلقّاك وطَرفي مُطرقٌ
خجلًا من أمسك المنصرمِ
ويكاد الدمع يهمي عابثًا
ببقايا كبرياء الألم..[2]

 

لكن الخليفة العباسي المعتصم بالله ومن معه من المسلمين آنذاك لم يكونوا كحالنا اليوم، وفتح عمورية ذكرى حسنة لهم خلدت على جبين الزمن نخوتهم وغيرتهم، وبقيت لهم مأثرة تتناقلها الأجيال بكل عز وفخر.

 

فتح عمورية وتاريخها:

عمورية - بفتح أوله وتشديد ثانيه - بلد في بلاد الروم، قيل: سميت بعمورية بنت الروم بن اليفز بن سام بن نوح عليه السلام.

 

وهذه المدينة تقع في فريجيا في آسيا الصغرى، تأسست في الفترة الهيلينية، وازدهرت في الإمبراطورية البيزنطية، وأصبحت مهجورة بعد هجوم الخليفة العباسي المعتصم، تقع بقاياها بالقرب من قرية حصار كوي في محافظة أفيون[3]، وكان فتحها ودخولها في السادس من رمضان سنة: (223هـ) [4].

 

سبب فتح عمورية:

وكان سبب هذا الفتح العظيم أن ملك الروم نوفل بن ميخاييل خرج في مائة ألف فبلغ زبطرة[5]، فقتل من بها من الرجال، وسبى الذرية والنساء، وخرب المدينة أيما خراب، وأغار على أهل ملطية وغيرها من حصون المسلمين، وسبى المسلمات، ومثَّل بمن صار في يده من المسلمين وسمل أعينهم، وقطع أنوفهم وآذانهم، وجاء كتاب إلى المعتصم على البريد من ثغر الروم يذكر أن ملك الروم تطرق إلى نواحي الإسلام ومد يده إلى بعض القرى، وأنه أسر منها جماعة.. [6].

 

موقف الخليفة المعتصم إزاء الحدث:

فلما بلغ المعتصم هذا الخطب الجلل أعظمه وأجلَّه، وأحزنه وأهمَّه، فاستعد له استعدادًا كبيرًا بالفعال، وليس بالأقوال وبرقيات الاستنكار.

 

فقد ذكر المؤرخون أن ملك الروم أرسل كتابًا إلى المعتصم يهدِّده، فاستشاط المعتصم غضبًا، وأمر بجوابه فكتب له الجواب، فلم ترضه عدة كتب كتبوها، فمزق الكتاب الذي ورد عليه، وأمر أن يكتب في ظهر قطعة منه: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الجواب ما تراه لا ما تقرؤه: ﴿ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ ﴾ [الرعد: 42]، وتجهَّز من ساعته فمنعه المنجمون وقالوا له: إن الطالع نحس، فقال لهم: هو نحس عليهم لا علينا [7]، وسار يومه وتلاحقته العساكر، ونادى بالنفير ونهض من ساعته، فركب دابته واحتقب شكالًا وسكة من حديد فيها رداؤه، وجمع العساكر، وأحضر قاضي بغداد عبدالرحمن بن إسحاق ومعه ابن سهل في ثلاثمائة وثلاثين من العدول، فأشهدهم بما وقف من الضياع: ثلثًا لولده، وثلثًا لمواليه، وثلثًا لوجه الله [8].

 

الطريق إلى عمورية:

لقد حملت غيرةُ المعتصم رحمه الله على ألا يتأخر في إنجاد المسلمين والانتصار لهم من البيزنطيين المعتدين، فقتلى المسلمين وجرحاهم والمسلمات الأسيرات بأيدي أولئك الأعداء اللاتي تجاوزن ألف امرأة - أمور تحث على التعجيل وسرعة المبادرة، فلذلك استدعى المعتصم الجيوش إلى بين يديه وتجهز جهازًا لم يجهزه أحد كان قبله من الخلفاء، وأخذ معه من آلات الحرب والأحمال والجمال والقرب والدواب، والنفط والخيل والبغال والآلة والعدد، وحياض الأدم والقرب والروايا - شيئًا لم يسمع بمثله، ثم سأل المعتصم: أي بلاد الروم أمنع وأحصن؟ فقيل: عموريَّة، لم يعرض لها أحد من المسلمين وهي عين النصرانية، وهي أشرف عندهم من قسطنطينية، فسار إلى عمورية في جحافل أمثال الجبال، فعسكر بقرى دجلة لليلتين من جمادى الأولى، وبعث عجيف بن عنبسة وعمر الفرغاني وجماعة من القواد مددًا لأهل زبطرة، فوجدوا الروم قد ارتحلوا عنها، فأقاموا حتى تراجع الناس واطمأنُّوا، ثم قسم جيشه وجعل على كل قسم أحد قواده الكبار، وجاء إلى بلاد الروم، فأقام بسلوقيَّة على نهر السن قريبًا من البحر، وعلى مسيرة يوم من طرطوس وبعث الأفشين (أحد قواده) إلى سروج وأمره بالدخول من درب الحرث، وبعث أشناس (أحد قواده) من درب طرطوس وأمره بانتظاره بالصفصاف، وقدَّم وصيفًا في أثر أشناس وواعدهم يوم اللقاء، ورحل المعتصم لست بقين من رجب، وبلغه الخبر أنَّ ملك الروم عازم على كبس مقدمته فبعث إلى أشناس بذلك، وأن يقيم ثلاثة أيام ليلحق به، ثم كتب إليه أن يبعث إليه من قوَّاده من يأتيه بخبر الروم وملكهم، فبعث عمر الفرغاني في مائتي فارس، فطاف في البلاد وأحضر جماعة عند أشناس أخبروه بأنَّ ملك الروم بينما هو ينتظر المقدمة ليواقعها؛ إذ جاءه الخبر بأنَّ العساكر دخلت من جهة أرمينية - يعني عسكر الأفشين - فاستخلف ابن خاله على عسكره، وسار إلى تلك الناحية، فوجه أشناس بهم إلى المعتصم.

 

وكتب المعتصم إلى الأفشين بالمقام حذرًا عليه، وجعل لمن يوصل الكتاب عشرة آلاف درهم، وأوغل في بلاد الروم فلم يدركه الكتاب، وكتب المعتصم إلى أشناس بأن يتقدم والمعتصم في أثره حتى إذا كانوا على ثلاث مراحل من أنقرة أسر أشناس في طريقه جماعة من الروم فقتلهم، وقال لهم شيخ منهم: أنا أدلك على قوم هربوا من أنقرة معهم الطعام والميرة، فبعث معه مالك بن كرد في خمسمائة فارس، فدلَّ بهم إلى مكان أهل أنقرة، فغنموا منهم، وقد ركب ملك الروم في جيشه فقصد نحو المعتصم، فتقاربا حتى كان بين الجيشين نحو من أربعة فراسخ، ودخل الأفشين بلاد الروم من ناحية أخرى، فجاؤوا في أثره وضاق ذرعه بسبب ذلك، إن هو ناجز الخليفة جاءه الأفشين من خلفه فالتقيا عليه فيهلك، وإن اشتغل بأحدهما وترك الآخر أخذه من خلفه، ثم اقترب منه الأفشين فسار إليه ملك الروم في شرذمة من جيشه، واستخلف على بقية جيشه قريبًا له، فالتقيا هو والأفشين في يوم الخميس لخمسٍ بقين من شعبان منها، فثبت الأفشين في ثاني الحال، وتغلب على ملك الروم، وبلغه أن بقية الجيش قد شردوا عن قرابته وذهبوا عنه، وتفرقوا عليه، فأسرع الأوبة، فإذا نظام الجيش قد انحل، وجاءت الأخبار بذلك كله إلى المعتصم، فسره ذلك، وركب من فوره وجاء إلى أنقرة ووافاه الأفشين بمن معه إلى هناك، فوجدوا أهلها قد هربوا منه، فتقووا منها بما وجدوا من طعام وغيره، ثم فرق المعتصم جيشه ثلاث فرق، فالميمنة عليها الأفشين، والميسرة عليها أشناس، والمعتصم في القلب، وبين كل عسكرين فرسخان، وأمر كل أمير من الأفشين وأشناس أن يجعل لجيشه ميمنة وميسرة وقلبًا، ومقدمة وساقة، وأنهم مهما مروا عليه من القرى حرقوه وخربوه وأسروا وغنموا، وسار بهم كذلك قاصدًا إلى عمورية، وكان بينها وبين مدينة أنقرة سبع مراحل، فأول من وصل إليها من الجيش أشناس أمير الميسرة ضحوة يوم الخميس لخمس خلون من رمضان من هذه السنة، فدار حولها دورة ثم نزل على ميلين منها، ثم قدم المعتصم صبيحة يوم الجمعة بعده، فدار حولها دورة ثم نزل قريبًا منها، وقد تحصن أهلها تحصنًا شديدًا، وملؤوا أبراجها بالرجال والسلاح، وهي مدينة عظيمة كبيرة جدًّا ذات سور منيع وأبراج عالية كبار كثيرة [9].

 

فتح المدينة:

لما وصل المعتصم إلى أبواب المدينة قسَّم أبراجها على قواده، فصير لكل واحد منهم أبراجًا منها عَلَى قدر كثرة أصحابه وقِلَّتهم، فصار لكل قائد مَا بين البرجين إِلَى عشرين برجًا، وتحصن أهل عمورية، ونزل المعتصم قبالة مكان هناك قد أرشده إليه بعض من كان فيها من المسلمين، وكان قد تنصر عندهم وتزوَّج منهم، فلما رأى أمير المؤمنين والمسلمين رجع إلى الإسلام، وخرج إلى الخليفة فأسلم وأعلمه بمكان في السور كان قد هدمه السيل، وبُني بناءً ضعيفًا بلا أساس، وكان ملك الروم قد كتب إِلَى عامل عمورية أن يبني ذلك الموضع، فوقع التواني منهم، فكان ذلك باب الخير على المسلمين في دخول عمورية.

 

فنصب المعتصم المجانيق حول عمورية، فكان أول موضع انهدم من سورها ذلك الموضع الذي دلهم عليه ذلك الأسير، فبادر أهل البلد فسدوه بالخشب الكبار المتلاصقة، فألح عليها المنجنيق فجعلوا فوقها البرادع [10]؛ ليردوا حدة الحجر فلم تغن شيئًا، وانهدم السور من ذلك الجانب وتفسَّخ.

 

ولما رأى المعتصم عمق خندقها وارتفاع سورها، أعمل المجانيق في مقاومة السور، وبينما الناس في الجسر المردوم إذ هدم المنجنيق ذلك الموضع المعيب، فلما سقط ما بين البرجين سمع الناس هدة عظيمة، فظنها من لم يرها أن الروم قد خرجوا على المسلمين بغتة، فبعث المعتصم من نادى في الناس: إنما ذلك سقوط السور.

ففرح المسلمون بذلك فرحًا شديدًا، لكن لم يكن ما هدم يسع الخيل والرجال إذا دخلوا.

 

وقوي الحصار وقد وكلت الروم بكل برج من أبراج السور أميرًا يحفظه، فضعف ذلك الأمير الذي هدمت ناحيته من السور عن مقاومة ما يلقاه من الحصار، فذهب إلى مناطس ( عامل الروم على عمورية)، فسأله نجدة فامتنع أحد من الروم أن ينجده، وقالوا: لا نترك ما نحن موكلون في حفظه، ثم أمر المعتصم المسلمين أن يدخلوا البلد من تلك الثغرة التي قد خلت من المقاتلة، فركب المسلمون نحوها، فجعلت الروم يشيرون إليهم ولا يقدرون على دفاعهم، فلم يلتفت إليهم المسلمون، ثم تكاثروا عليهم ودخلوا البلد قهرًا، وتتابع المسلمون إليها يكبرون، وتفرَّقت الروم عن أماكنها... ثم أمر المعتصم بعمورية، فهدمت وأحرقت، وكان نزوله عليها لستٍّ خلون من شهر رمضان، وأقام عليها خمسة وخمسين يومًا، وفرق الأسرى على القواد، وسار نحو طرسوس [11].

 

من نتائج فتح عمورية:

1- لقد كانت هذه المعركة وهذا الفتح المبين ردًّا عمليًّا على غطرسة البيزنطيين، فتم بذلك الانتصاف للمسلمين ومدنهم جزاءً وفاقًا بما فعل بهم أولئك المعتدون الذين أدبهم أبو إسحاق بما فعل تأديبًا عظيمًا.

 

2- قال ابن كثير: "وأخذ المسلمون من عمورية أموالًا لا تحد ولا توصف، فحملوا منها ما أمكن حمله، وأمر المعتصم بإحراق ما بقِي من ذلك، وبإحراق ما هنالك من المجانيق والدبابات وآلات الحرب؛ لئلا يتقوى بها الروم على شيء من حرب المسلمين" [12].

 

تهنئة أبي تمام الطائي:

وبهذا الفتح العظيم والنصر الكبير أتى الناس لتهنئة المعتصم، وذهبت تلك التهاني بذهاب الأيام، غير تهنئة واحدة سجلت هذا النصر الباذخ باسم المعتصم ومن معه في جبين الدهر، فمتى ذكرت عمورية ذكرت هذه التهنئة الخالدة، هذه التهنئة هي بائية الشاعر الكبير أبي تمام حبيب بن أوس الطائي، والتي بلغت سبعين بيتًا، كل بيت منها كقصيدة بحد ذاته، وهذه القصيدة من عيون الشعر العربي، ومن أجمل ما قال أبو تمام، وقد كافأه المعتصم على كل بيت منها ألف درهم [13].

 

وقد عارضها كثير من الشعراء القدامى والمحدثين، وسننتخب أبياتًا منها، ولولا طولها لذكرناها كلها؛ يقول حبيب:

السَّيْفُ أَصْدَقُ أَنْبَاءً مِنَ الكُتُبِ
في حدهِ الحدُّ بينَ الجدِّ واللَّعبِ
بيضُ الصَّفائحِ لاَ سودُ الصَّحائفِ في
مُتُونِهنَّ جلاءُ الشَّك والريَبِ
والعِلْمُ في شُهُبِ الأَرْمَاحِ لاَمِعَةً
بَيْنَ الخَمِيسَيْنِ لافي السَّبْعَةِ الشُّهُبِ
أَيْنَ الروايَةُ بَلْ أَيْنَ النُّجُومُ وَمَا
صَاغُوه مِنْ زُخْرُفٍ فيها ومنْ كَذِبِ
تخرُّصًا وأحاديثًا ملفَّقةً
لَيْسَتْ بِنَبْعٍ إِذَا عُدَّتْ ولا غَرَبِ
عجائبًا زعموا الأيَّامَ مُجْفلةً
عَنْهُنَّ في صَفَرِ الأَصْفَار أَوْ رَجَبِ
وخَوَّفُوا الناسَ مِنْ دَهْيَاءَ مُظْلِمَةٍ
إذا بدا الكوكبُ الغربيُّ ذو الذَّنبِ
وصيَّروا الأبرجَ العُلْيا مُرتَّبةً
مَا كَانَ مُنْقَلِبًا أَوْ غيْرَ مُنْقَلِبِ
يقضون بالأمر عنها وهي غافلة
ما دار في فلك منها وفي قُطُبِ
لو بيَّنتْ قطّ أمرًا قبل موقعه
لم تُخْفِ ما حلَّ بالأوثان والصلُبِ
فَتْحُ الفُتوحِ تَعَالَى أَنْ يُحيطَ بِهِ
نَظْمٌ مِن الشعْرِ أَوْ نَثْرٌ مِنَ الخُطَبِ
فتحٌ تفتَّحُ أبوابُ السَّماءِ لهُ
وتبرزُ الأرضُ في أثوابها القُشُبِ
يَا يَوْمَ وَقْعَةِ عَمُّوريَّةَ انْصَرَفَتْ
منكَ المُنى حُفَّلًا معسولةَ الحلبِ
أبقيْتَ جدَّ بني الإسلامِ في صعدٍ
والمُشْرِكينَ ودَارَ الشرْكِ في صَبَبِ

 

ثم يقول:

خَلِيفَةَ اللَّهِ جازَى اللَّهُ سَعْيَكَ عَنْ
جُرْثُومَةِ الديْنِ والإِسْلاَمِ والحَسَبِ
بصُرْتَ بالرَّاحةِ الكُبرى فلمْ ترها
تُنالُ إلاَّ على جسرٍ منَ التَّعبِ[14]

 

ترجمة فاتح عمورية:

هو: الخليفة أبو إسحاق محمد بن الرشيد هارون بن محمد المهدي بن المنصور العباسي، ولد: سنة: (180هـ)، بويع بالخلافة سنة (218 هـ) يوم وفاة أخيه المأمون، وبعهد منه، وكان بطرسوس، وعاد إلى بغداد بعد، وكان أبيض، أصهب اللحية طويلها، ربع القامة، مشرب اللون، ذا قوة، وبطش، وشجاعة، وهيبة، لكنه نزر العلم فنشأ ضعيف القراءة يكاد يكون أميًّا، وهو باني مدينة سامراء سنة ( 222هـ) حين ضاقت بغداد بجنده، امتحن الناس بخلق القرآن، وكتب بذلك إلى الأمصار، وأخذ بذلك المؤذنين، وفقهاء المكاتب، فدامت هذه المحنة على المسلمين بضع عشرة سنة في أواخر خلافة المأمون وخلافة أخيه المعتصم والواثق بن المعتصم، ثم إن الله تعالى كشف الغمة عن الأمة في ولاية المتوكل على الله الذي جعل الله عامة خلفاء بني العباس من ذريته دون ذرية الذين أقاموا المحنة لأهل السنة، فأمر المتوكل برفع المحنة وإظهار الكتاب والسنة، وأن يروى ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين من الإثبات النافي للتعطيل، مات المعتصم يوم الخميس لإحدى عشرة ليلة خلت من ربيع الأول، سنة: (227هـ)، وله سبع وأربعون سنة وسبعة أشهر، ودفن (بسر من رأى)، غفر الله له [15].



[1] رواه أحمد (37/ 82) (22397)، وأبو داود (4/ 184) (4299)، وهو صحيح.

[2] الأبيات للشاعر السوري عمر أبو ريشة.

[3] معجم البلدان، لياقوت الحموي (4/ 158)، موسوعة ويكيبيديا على الشبكة العنكبوتية.

[4] تاريخ ابن خلدون (3/ 330)، الكامل في التاريخ لابن الأثير (6/ 44)، المعارف لابن قتيبة الدينوري (1/ 392)، التنبيه والإشراف للمسعودي (1/ 306).

[5] زبطرة - بكسر الزاي وفتح ثانيه وسكون الطاء المهملة وراء -: مدينة بين ملطية وسميساط والحدث في طرف بلد الروم، سميت بزبطرة بنت الروم بن اليفز بن سام بن نوح عليه السلام، معجم البلدان، لياقوت الحموي (3/ 130).

[6] الكامل في التاريخ، لابن الأثير (6/ 38)، تاريخ ابن خلدون (3/ 327)، الإنباء في تاريخ الخلفاء، لابن العمراني (ص: 105)، تجارب الأمم وتعاقب الهمم لمسكويه (4/ 221)، تاريخ الإسلام، للذهبي (16/ 14).

[7] ستأتي معنا قصيدة أبي تمام: "السيف أصدق أنباء من الكتب...".

[8] الإنباء في تاريخ الخلفاء، لابن العمراني (ص: 105)، تاريخ ابن خلدون (3/ 327)، تجارب الأمم وتعاقب الهمم لمسكويه (4/ 221)، تاريخ الخلفاء للسيوطي (ص: 245)، نزهة الأنظار في عجائب التواريخ والأخبار، لمحمود مقديش (1/ 254).

[9] البداية والنهاية، لابن كثير (10/ 314)، المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، لابن الجوزي (11/ 80)، تاريخ ابن خلدون (3/ 328)، تاريخ الأمم والرسل والملوك، للطبري (9/ 57).

[10] البرادع: جمع بردعة، وهي: ما يوضع على الحمار أو البغل ليركب عليه كالسرج للفرس.

[11] البداية والنهاية، لابن كثير (10/ 315)، الكامل في التاريخ، لابن الأثير (6/ 44)، المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، لابن الجوزي (11/ 81)، تاريخ ابن خلدون (3/ 329).

[12] البداية والنهاية، لابن كثير (10/ 316).

[13] وفيات الأعيان، لابن خلكان (2/ 23).

[14] ديوان أبي تمام (ص: 17-23).

[15] سير أعلام النبلاء، للذهبي (10/ 290)، الأعلام، للزركلي (7/ 127)، مجموع الفتاوى (11/ 479).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • مع فتح مكة (درس رمضاني)
  • عمرو بن العاص وفتح مصر
  • فتح مكة (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • فتحان في رمضان!(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • أحداث رمضان (3) فتح مكة ودروس الفتح(مقالة - ملفات خاصة)
  • تفاضل بعض أعمال البر قبل فتح مكة وبعده(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • معركة نهاوند (فتح الفتوح)(مقالة - موقع د. محمد منير الجنباز)
  • بل هو فتح.. وفتح عظيم(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • نبذة عن فتح عمورية سنة 223 هـ(مقالة - موقع د. محمد منير الجنباز)
  • نصوص أوروبية عن فتح الأندلس(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • مخطوطة تلخيص أبي الفتح لمقاصد الفتح (المجلد الثاني)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة تلخيص أبي الفتح لمقاصد الفتح (المجلد الأول)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • قصة قادة فتح المغرب العربي وصور من حضارة المغرب الإسلامية(مقالة - موقع أ. د. عبدالحليم عويس)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 13/11/1446هـ - الساعة: 23:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب