• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    فضل من يسر على معسر أو أنظره
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    حديث: لا طلاق إلا بعد نكاح، ولا عتق إلا بعد ملك
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    كونوا أنصار الله: دعوة خالدة للتمكين والنصرة
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    لا تعير من عيرك
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    من مائدة التفسير: سورة النصر
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    أربع هي نجاة الإنسان في الدنيا والآخرة (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    وحدة المسلمين (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    فوائد وأحكام من قوله تعالى: { إذ قال الله يا عيسى ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
  •  
    نعمة الماء (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    تدبر خواتيم سورة البقرة
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    تحريم الإهلال لغير الله تبارك وتعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    مشاهد عجيبة حصلت لي!
    أ. د. عبدالله بن ضيف الله الرحيلي
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (2)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    الدرس السابع عشر: آثار الذنوب على الفرد والمجتمع
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / التاريخ والتراجم / تاريخ
علامة باركود

تاريخ اليمن قبل الإسلام وبعده (4)

أحمد وصفي زكريا

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 30/10/2017 ميلادي - 9/2/1439 هجري

الزيارات: 11226

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تاريخ اليمن قبل الإسلام وبعده (4)


أما علماء الإفرنج الذين ذكرنا أسماء بعضهم وقلنا إنهم عنوا باليمن زيارة وتنقيباً وبحثاً، والذين حذوا حذوهم من الشرقيين في تحقيق التاريخ وتطبيقه على الآثار والنقوش؛ نخص بالذكر منهم جرجي زيدان مؤلف (تاريخ العرب قبل الإسلام)، فقد جاءت مكتشفاتهم وبحوثهم عن اليمن أجلى بياناً لتاريخه مما ذكره العرب وأكثر إعلاء لشأن سكانه القدماء. وقد قدمنا أن أبعد ما وصل إليه علم هؤلاء من تاريخ اليمن، لا يتعدى حدود القرن الرابع عشر أو الخامس عشر قبل الميلاد. في تلك الحقبة المتأخرة من عصور التاريخ الأولى هبط اليمن قوم اسمهم (المعينيون) واستعمروا الطرف الشمالي الشرقي منه المعروف بالجوف. وقد قدمنا أن أول عمران اليمن حدث في براري هذا الطرف حيث الآن رمال سافية وفلوات خالية إلا من بعض الأعراب الهمج. وهؤلاء المعينيون لم يعرفهم مؤرخو العرب ولا ذكروهم. وإنما ذكروا في بعض أشعارهم مدينة (معين) التي كانت عاصمة المعينيين كما ذكروا مدناً أخرى خربة أسموها براقش والبيضاء والسوداء.

 

ومعرفة الإفرنج بالمعينيين حصلت من بعض أخبار التوراة وتواريخ اليونان ومن النقوش الكتابية التي اكتشفها العالم الأثري هاليفي سنة 1869 في مدينة معين المذكورة، وهي تقع إلى الشمال الشرقي من مأرب وكانت خربة مجهولة. وأصل المعينيين غامض، لم يعرف كيف نبتوا في اليمن ومن أين أتوا. وقد ذهب المؤرخ جرجي زيدان إلى أن أصلهم من عمالقة العراق الذين كان لهم دولة عظيمة في بابل دامت بين القرن الرابع والعشرين والحادي والعشرين قبل الميلاد، من أشهر ملوكها حمورابي. وأنه لما زالت شوكة العرب الساميين بزوال تلك الدولة على أثر مزاحمة الآريين؛ نزح بعض أهلها فراراً من أولئك المزاحمين، وكان المعينيون من جملة القبائل التي نزحت، وإذ كانت قد تعودت الحضارة ولم يعد يطيب لها التجول في البادية، التمست مقراً تقر فيه فنزلت اليمن وتوطنت الجوف. وقد استدل المؤرخ المذكور على قوله من تشابه أسماء الملوك في الأمتين: البابلية والمعينية كاب يدع واليفع وحصن صديق وتبع كرب، ومن اشتراكهما بأسماء المعبودات وأسس الاعتقادات وطرق العبادة، ومن الأحوال الاجتماعية والسياسية. ويوافق ذهابه هذا ما ذكره ابن خلدون من أن أول أجيال العرب من بني سام انتقلوا إلى جزيرة العرب من بابل لما زاحمهم فيها بنو حام. إلا أنه في حالة قبول هذا الذهاب الذي تغلب عليه الصحة، تبقى معرفة السبب في اختيار المعينيين الجوف دون غيره من بقاع اليمن الشرقية والغربية، العلة كان إذ ذاك ذا أرض خصبة وسماء سمحة أكثر من غيره، ومعرفة ما كانت عليه بقية بقاع اليمن المذكورة، أكانت خالية خاوية وهو ما لا نظنه، ومعرفة حالة الجوف المذكور ومن كان يسكنه، وكيف لم يترك هؤلاء السكان أثراً ولا خبراً، وكيف استظهر عليهم المعينيون وحلوا محلهم؟ هذه غوامض نضيفها إلى ما قدمناه من المسائل التي ما برحت في حاجة للتحقيق والجلاء.

 

قالوا بعد أن حل المعينيون في الجوف اليماني واستعمروه، أسسوا فيه دولة ذات عز وسلطان وشادوا المحافد والقصور على مثل ما عرفوه في بابل، وتعاطوا التجارة بمختلف السلع، واقتبسوا الأبجدية الفينيقية، ودونوا لغتهم بحرف خاص بهم مازال يتنوع بتوالي الأجيال حتى صار إلى الحرف المسند الذي كتبت به اللغة الحميرية بعد. وبلغ عدد ملوك هذه الدولة الذين عثر النقابون على أسمائهم في أنقاض معين ستاً وعشرين ملكاً. وإنهم كانوا يعرفون باسم مزواد. وإن نفوذ المعينيين التجاري امتد إلى شواطئ البحر المتوسط وخليج فارس، وإن مسالكهم التجارية كانت ممتدة في أواسط جزيرة العرب، وإن محطاتهم ومستعمراتهم انتشرت حتى شمالي الحجاز بدليل النقوش المعينية التي عثروا عليها في العلا شمالي المدينة المنورة وفي الصفا شرقي حوران وغيرها. وفي العصور القديمة كانت مسالك التجار بين الهند وإفريقية وبين آشور وفينيقية ومصر، منحصرةً في مواني الجزيرة العربية كعدن وقانا (حصن غراب) وظفار ومسقط، وفي الطرق البرية الممتدة في صحاري الجزيرة المذكورة. فكانت السفن تأتي من الهند وإفريقية حاملة السلع المختلفة وفي مقدمتها خشب الآبنوس وريش النعام والذهب والعاج والأفاويه والطيوب وأخصها البخور والمر اللذين كان لهما سوق نافقة في المعابد، والعقاقير والأصباغ والحرير والمنسوجات، فيتلقفها تجار المعينيين ويسيرون بها وسط الصحاري المذكورة متنقلين من محطة إلى أخرى، وقد كانوا أقاموا هذه المحطات وحصنوها لسلامة قوافلهم حتى يصلوا إلى العراق والشام أو مصر، وهي بلاد كانت إذ ذاك رافلة في الحضارة والترف يتهافت أغنياؤها على شراء تلك السلع، ثم ترجع تلك القوافل مثقلة بمنتوجات الشرق الأدنى كالحبوب والزيوت والخمور والمصنوعات المختلفة تبعث بها في سفن المحيط الهندين إلى بلاد الشرق الأقصى. وقد ظلت القوافل أهم وسائل النقل مدة قرون طويلة.

 

وقد أثرى المعينيون من هذه التجارة والنقل ثروة عظيمة وازدهرت حضارتهم وبنوا عدة مدن في الجوف كان المؤرخ اليوناني استرابون ذكرها باسم ميناي ويثيل وكارنا وناسكوس. وقد اكتشف هاليفي هذه المدن وقرأ أسماءها عليها بالحرف المسند. وهي التي قلنا إن العرب كانوا يعرفونها ويذكرونها في أشعارهم وينسبها جغرافيوهم إلى الحميريين ويسمون الأولى معين والثانية براقش والثالثة السوداء والرابعة البيضاء.

 

وقال الهمداني في كتابه الإكليل (ج 8 ص 124 طبعة بغداد): ومن محافد اليمن براقش ومعين وهما بأسفل جوف أرحب في أصل جبل هيلان وهما متقابلتان. فمعين خراب خاوية على عروشها. وأما براقش فقائمة، وأسماء أهلها مكتوبة بالحرف المسند، يسكنها بنو الأوبر من بلحرث بن كعب... الخ وفيها يقول علقمة ذو جدن:

وقد أسسوا براقش حين أسسوا
ببلقعة ومنبسط أنيق
وحلوا من معين حين حلوا
لعزهم لدى الفج العميق

 

وقال الهمداني أيضاً: وبالجوف سوى براقش ومعين والبيضاء والسوداء، مآثر بان فيها آثار عجيبة وقصور آجر خربة بين الجوف ومأرب، يعدون الناس منها الذهب القبوري ودنانيرهم ودراهمهم عليها صور. اهـ

 

ونذكر تصديقاً لكلام الهمداني أن في متاحف أوروبا اليوم كثيراً من النقود المنقولة من اليمن وعليها صور الملوك وأسماؤهم وأسماء المدن التي ضربت فيها بالحرف المسند ورموز سياسية أو اجتماعية أو دينية. ونذكر أيضاً أن أخبار المعينيين التي ما برحت قليلة وغامضة، تكاد تشبه ما يقال في القرآن الكريم عن قوم عاد ذوي العبث والبطش والجبروت وأصحاب الأنعام والبنين والجنات والعيون. وقد قدمنا أن مؤرخي العرب جعلوا منشأهم من بابل وحسبوا مساكنهم بين اليمن وعمان وحضرموت. فهل المعينيون هم العاديون، ذلك ما يتبادر إلى الذهن ويحتاج للتأكد.

 

هذا وقد ظل المعينيون ينعمون برغد وسؤدد طائلين نحو سبعة قرون حتى غلبهم السبئيون وأبادوهم وخلفوهم في السيادة والتجارة وذلك حول سنة 650 قبل الميلاد. والدولة السبئية هي المعروفة لدى العرب بالقحطانية والحميرية والعرب العاربة. لأن سبا في عرف العرب من أعقاب قحطان. قيل إن السبئيين جاءوا إلى اليمن من الحبشة في القرن الثامن أو التاسع قبل الميلاد. فأقاموا بجوار المعينيين وخالطوهم واقتبسوا لغتهم وديانتهم وحضارتهم وزاحموهم في امتلاك بعض أنحاء اليمن وجعلوا عاصمتهم صرواح. تشهد بذلك الكتابات المعينية التي اكتشفت وفيها ذكر لوجود السبئيين في اليمن، وإن بعض ملوك المعينيين مثل (خالي كارينا صادوق) و(يحثيل ريام) كانا في الزمن الذي كان فيه ملوك سبئيون. والمظنون أن هذا كان بين 700 و 600 سنة قبل الميلاد. ويقال إنه جاء في كتابة معينية ما يفيد أن السبئيين وقبيلة أخرى اسمها خولان، كانوا يشنون الغارات على الطريق المؤدية من نجران إلى معان في جنوبي الشام. وقد أشار كتاب أيوب من التوراة إلى هذه الغارات.

 

ومازال السبئيون يزدادون بسطة في الثروة والقوة حتى ظهروا على المعينيين لأسباب مجهولة لعلها للوهن الذي قد يكون أصابهم كما يصيب عادة الأقوام التي تسترسل في النعيم والترف بمرور الأجيال بينما خصومهم في إبان نهضتهم وفتوتهم، وما إن وطد السبئيون نفوذهم حتى أنشأوا دولة كبيرةً كانت كسالفتها دولة تجارة وقوافل وزراعة وجعلوا عاصمتهم (مأرب) وزينوها بالقصور والدور والشوارع والأعمدة والهياكل الجميلة التي لا تزال أطلالها تدهش الزائرين بروعتيها وجمال هندستها[1].

 

ويظهر أن السبئيين لما رأوا الظواهر الجوية في براري الجوف مالت إلى التحول وأن مطرها قد قل وأن الأنهار التي كانت تتدفق من جبال اليمن الشرقية نحو تلك البراري تضاءلت وصارت أودية وغدراناً، فكروا بالانتفاع من سيول تلك الجبال التي كانت تذهب سدى فبنوا سد العرم في مأرب وسدوداً أخرى في كثير من أنحاء اليمن وحضرموت، وأتقنوا فن الري وتوزيع المياه فتقدمت الزراعة وأثروا منها كما كانوا أثروا من التجارة والنقل. وقد حملتهم تلك الثروة على العناية بالعمران فبنوا الحصون والمباني العظيمة والهياكل الشامخة في اليمن وحضرموت وما بينهما[2] وتفننوا بزخرفتها وتزيينها بالنقوش والتماثيل والأعمدة وشادوا حولها الأسوار المنيعة وفرشوها بالديباج وأواني الذهب والفضة. وكان سد مأرب من أعظم أعمال العمران في اليمن، شاهده في القرن الرابع الهجري الجغرافي اليماني أبو الحسن الهمداني وذكره في كتابه الإكليل (ج 8)، إلا أنه ظل غير معروف أو موصوف بدقة إلى سنة 1843م لما زاره الأثري آرنو ورسم خريطته وأفاض في وصفه. كما زاره هاليفي وغلازر في سنتي 1869 و1895 والسيد نزيه المؤيد الدمشقي في سنة 1355هـ و1936م وأفاض في وصفه أيضاً في رحلته. وهذا السد جدار ضخم بنوه في باب وادي ذنة بين جبلي بلق لتجتمع سيول جبال اليمن الشرقية وراءه في فصل الأمطار وتنصرف من ثم لري السهول الممتدة حول مآرب، وفي هذه السهول كانت الجنتان الواقعتان عن يمين مآرب وشماليها كما جاء في القرآن الكريم في سورة سبأ. وكانت هذه السهول والجنان تشبه غوطة دمشق أو أكثر على ما يظهر وتفيض بالغلال والثمار. وقد عثر الأثريون المذكورون في أنقاض هذا السد على نقوش كتابية بالحرف المسند استدلوا منها على أن بناته هم سمهعلي ينوف وابنه بثعمر بدأا به وأكمله خلفاؤهما.

 

وفي تلك الحقبة شرع البطالسة خلفاء الإسكندر المقدوني في مصر يبنون السفن ويمخرون في البحر الأحمر وينقلون السلع بين مواني الشرق والغرب. إلا أن هذه المنافسة لم تؤثر تأثيراً يذكر في تجارة السبئيين وقوافلهم. فقد ظلوا يمدون جميع الهياكل المصرية والفينيقية بالبخور والطيوب وغيره. وكما اشتهر السبئيون بالإقدام والنشاط في أعمال التجارة والزراعة، اشتهروا بالبسالة في الحروب، حتى إنهم صدوا حملة القائد الروماني يوليوس غالوس وأرجعوه عن أسوار مأرب. وقد كان قصدها طمعاً بما بلغه عن ثروتها وترف أهلها. حدث ذلك في سنة 24 ق.م وهذه الحملة الرومانية وإن أخفقت لكنها عرفت الرومانيين ببلاد العرب وجعلت مؤرخيهم يذكرونها ويذكرون اليمن خاصة ويصفونها بالعربية السعيدة. ويذكر أن الدولة السبئية قضت دورين في حياتها. الأول لما كانت عاصمتها في صرواح، وهي الآن قرية في شرقي اليمن لا تزال آثارها وأطلال قصورها ظاهرة ومأهولة ببعض السكان، تبعد عن مآرب نحو خمسين كيلو متراً إلى الغرب. وقد كانت الدولة السبئية في هذا الدور تحاول النهوض ومزاحمة المعينيين، وكان لرؤسائها حينئذ السلطة الروحية ولقبهم مكرب سبأ، إلى أن انتهى هذا الدور سنة 650 ق م. والدور الثاني لما انتقلت العاصمة إلى مآرب، وفيه اختص الملوك بالسلطة الزمنية وصار لقبهم ملك سبأ. وهذا الدور هو أزهى عصور الحضارة السبئية، ودام أكثر من خمسة قرون.

 

ظل السبئيون في يسار وترف زائدين وإذا تصدعت السدود رمموها إلى أن زادت المنافسة التي ذكرناها وفقدت قوافل البر ما كان لها من الشأن، وذلك بتقدم فن الملاحة لدى الرومانيين الذين خلفوا اليونان وبحلول الطرق المائية في البحرين الأبيض والأحمر مكان الطرق البرية المعرضة لخطر غارات البلاد وقطاع الطرق دائماً. فضعف شأن السبئيين وتحولت غايتهم من شرقي اليمن الذي مالت ظواهره الجوية من الخصب إلى الجدب أكثر من قبل، وانتقلوا إلى اليمن الأعلى فعمروا فيه مدينة ريدان وهي الآن قرب بلدة يريم الحالية وعمروا مدينة صنعاء أيضاً فأخذت مأرب بالتقهقر.

 

وانتقلت الدولة في سنة 115 ق م إلى الحميريين. وهم من فروع السبئيين أو من أتباعهم وبالإمكان أن تعد دولتهم تتمة دولة السبئيين. وكان ملوكهم يدعون ملوك سبأ وريدان ثم لما فتحوا حضرموت أضافوا كلمة وحضرموت. وكان حكام المقاطعات أو المخاليف يدعون بالأقيال أو الاذداء، كذي يزن وذي جدن وذي أشرع، ونقل الحميريون عاصمتهم إلى صنعاء وكانت دولتهم دولة حرب وفتح، فقد نبغ من ملوكها وأقيالها من فتح البلاد المجاورة كحضرموت وعمان ودافع الأحباش الذين كانوا يطمعون باليمن ويهاجمونه الفينة بعد الفينة. بدأوا بذلك منذ القرن الرابع الميلادي.

 

وورث الحميريون تجارة السبئيين وزراعتهم وصناعتهم، وزادوا فيها ركوب سفن البحر فوق ما كان من قوافل البر، وأتقنوا فن جر الأثقال والريازة فبنوا مدناً وحصوناً وقصوراً شاهقة متعددة الطباق، حتى بلغت فيما قيل عشرين سقفاً في قصر غمدان الذي كان في صنعاء، بينما الآن لا يزيد عدد طباق قصور صنعاء الحالية على الخمس أو الست وأجادوا استثمار جبال اليمن، فحولوا منحدراتها السحيقة إلى حقول مدرجة لا يزال أعقابهم سكان اليمن الحاضرين يقلدونها، وأكثروا من عدد السدود وعنوا بترميمها كلما تصدعت، فلم يغادروا قطرة تذهب سدى كما تذهب الآن للأسف، وحفروا المناجم واستخرجوا المعادن وصنعوا الطيوب والعطور وتاجروا بها وأثروا.

 

وما زال الحميريون في بذخ وترف وظهور وعلو يد، حتى زاد حسد الأحباش وطمعهم بهم، فاتخذوا اضطهاد أحد ملوك حمير لنصارى نجران حجة، وكان اسم هذا الملك الحميري يوسف ذي نواس، وكان متهوداً يجبر الناس على التهود ويضطهد المتنصرين وحرق بعضهم في الأخاديد. ولما استجار نصارى نجران بقياصرة بيزنطية، كلفوا هؤلاء محاربة ذي نواس. فجاء الأحباش بهذه الحجة وانقضوا على الحميريين 525م وغلبوهم بعد حرب ودفاع شديدين وعاشوا في بلادهم. ومن المؤسف أنهم خربوا القصور وبعثروا الآثار والنقوش الكتابية وقضوا على عمران اليمن كله الذي كان نتيجة جهود اثنين وعشرين قرناً في عهود المعينيين والسبئيين والحميريين، ومما عملوه أنهم نشروا الديانة النصرانية واضطهدوا مخالفيها حتى أنهم بنوا في صنعاء كنيسة عظيمة دعوها (القليس) أرادوا أن تنافس الكعبة في مكة فيحج إليها العرب، لكنهم لم يفلحوا بذلك وأخفقت التجر التي بعثوها إلى مكة لهدم الكعبة سنة 570 م.

 

ولما عظم بلاؤهم على أهل اليمن وطال، استنجد هؤلاء بالفرس فأنجدوهم نكاية بخصومهم البيزنطيين، ورغبة باستعمار اليمن, وأرسلوا مع رئيس اليمانيين حينئذ، وكان اسمه سيف بن ذي يزن، جيشاً اشترك مع اليمانيين في محاربة الأحباش وانتصر عليهم وطردهم. بيد أن اليمانيين انتقلوا من نير الأحباش إلى النير الفارسي، لأن الفرس استطابوا المكوث في اليمن واستعماره، في حين أنهم كانوا قادمين لنجدته، وقد أضعفت هذه الحروب اليمانيين وحالت دون ترميمهم سد مأرب، فكان تهدمه الأخير الذي حدث حول سنة 543 أو 570م مع مصيبة الأحباش وما أتوه من التهديم والتفظيع وغلبة المسالك البحرية على البرية نهائياً وتحول الظواهر الجوية في مشارق اليمن وبراري الجوف من خصب إلى جدب... كل ذلك كان سبباً في انتهاء عمران اليمن القديم وزوال سعادته التي بهرت عيون الرومان، وضياع استقلال أهله، لأن الفرس ولوا نوابهم حكم اليمن وبسطوا نفوذهم على جنوبي الجزيرة العربية، كما كان منبسطاً على شماليها وشرقيها، وما زالوا حتى ظهر الإسلام وانتشر في اليمن. (يتبع).

 

مجلة التمدن الإسلامي، السنة الرابعة، العدد الخامس، 1357هـ - 1358هـ / 1938م



[1] اقرأ وصف مأرب في دائرة المعارف الإسلامية وفي رحلة نزيه المؤيد.

[2] تاريخ حضرموت لصلاح البكري.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تاريخ اليمن قبل الإسلام وبعده (1)
  • تاريخ اليمن قبل الإسلام وبعده (2)
  • تاريخ اليمن قبل الإسلام وبعده (3)
  • تاريخ اليمن قبل الإسلام وبعده (5)

مختارات من الشبكة

  • مخطوطة تاريخ مدينة صنعاء اليمن(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة بهجة الزمن في تاريخ اليمن(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • الدولة الصفوية (17) تاريخ الأطماع الفارسية في اليمن(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • مخطوطة كتاب في تاريخ اليمن وذكر ولاتها(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • الأيوبيّون في اليمن تاريخهم السّياسي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • مختارات من "عنوان المجد في تاريخ نجد" المعروف بــــ "تاريخ ابن بشر"(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • البهاء في تاريخ حضرموت أقدم تاريخ حضرمي مرتب(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • التصوف في التاريخ العربي والإسلامي: نشأته، مصادره، تاريخه، تياراته، آثاره (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • كيف نقرأ التاريخ؟ قراءة التاريخ لغير المتخصصين(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • مخطوطة زبدة الأعمال وخلاصة الأفعال في تاريخ مكة والمدينة الشريفة (منتقى من تاريخ مكة للأزرقي)(مخطوط - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 14/11/1446هـ - الساعة: 17:59
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب