• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أربع هي نجاة الإنسان في الدنيا والآخرة (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    وحدة المسلمين (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    فوائد وأحكام من قوله تعالى: { إذ قال الله يا عيسى ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
  •  
    نعمة الماء (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    تدبر خواتيم سورة البقرة
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    تحريم الإهلال لغير الله تبارك وتعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    مشاهد عجيبة حصلت لي!
    أ. د. عبدالله بن ضيف الله الرحيلي
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (2)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    الدرس السابع عشر: آثار الذنوب على الفرد والمجتمع
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    خطبة: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    سورة الكافرون.. مشاهد.. إيجاز وإعجاز (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    من آداب المجالس (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    خطر الميثاق
    السيد مراد سلامة
  •  
    أعظم فتنة: الدجال (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / التاريخ والتراجم / تاريخ
علامة باركود

البيمارستان المنصوري (دار الشفاء أو بيمارستان قلاوون)

البيمارستان المنصوري (دار الشفاء أو بيمارستان قلاوون)
عبدالوهاب مصطفى ضاهر

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 23/8/2016 ميلادي - 19/11/1437 هجري

الزيارات: 18731

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

دراسة تفصيلية للبيمارستان المنصوري

أحد أشهر وأكبر البيمارستانات في أرجاء الدولة الإسلامية


يسمى هذا البيمارستان أيضاً دار الشفاء أو بيمارستان قلاوون، ويقع بخط بين القصرين من مدينة القاهرة، وكان قاعة للسيدة الشريفة ست الملك ابنة العزيز بالله نزار بن المعز لدين الله أبي تميم معد وأخت الحاكم بأمر الله منصور، ثم عرف بدار الأمير فخر الدين جهاركس بعد زوال الدولة الفاطمية وبدار موسك، ثم صارت للملك المفضل قطب الدين أحمد ابن الملك العادل أبي بكر بن أيوب. فاستقر بها هو وذريته فصار يقال لها الدار القطبية.

 

أولاً: نبذة تاريخية:

يعود تاريخ بناء البيمارستان إلى عام 675هـ/1276م. وكان سبب بنائه أن الملك المنصور لما توجه وهو أمير إلى غزاة الروم في أيام الظاهر بيبرس، أصابه بدمشق قولنج عظيم، فعالجه الأطباء بأدوية أخذت له من البيمارستان الكبير النوري، فبرأ وركب حتى شاهد البيمارستان فأعجب به ونذر إن آتاه الله الملك أن يبني بيمارستان. فلما تولى السلطنة أخذ في عمل ذلك فوقع الاختيار على الدار القطبية، فندب الطواشي حسام الدين بلالاً المغيثي للكلام في شرائها فاستمر الأمر على ذلك حتى أنعمت مؤنسة خاتون ببيعها على أن تعوض عنها بدار، فعوضت قصر الزمرد برحبة باب العيد مع مبلغ من المال حمل إليها، ووقع البيع على هذا.

 

ثم ندب السلطان الأمير سنجر الشجاعي للعمارة فأخرج النساء من الدار القطبية، وجمع صنّاع مصر وتقدم إليهم بأن يعملوا بأجمعهم في الدار القطبية، ومنعهم أن يعملوا لأحد شغلاً وشدّد عليهم في ذلك، وكان مهاباً فلازموا العمل عنده ونقل من قلعة الروضة ما احتاج إليه من العمد الصوّان والعمد الرخام والقواعد والأعتاب والرخام البديع وغير ذلك. وصار يركب إليها كل يوم وينقل الأنقاض المذكورة على العجل إلى البيمارستان، ويعود إلى البيمارستان فيقف مع الصناع على الأساقيل حتى لا يتوانوا في عملهم وأوقف مماليكه بين القصرين، وكان إذا مر أحد ولو عظم ألزموه أن يرفع حجراً ويلقيه في موضع العمارة فينزل الجندي والرئيس عن فرسه حتى يفعل ذلك فترك أكثر الناس المرور هناك. وقد نقل من قلعة الروضة ما يحتاج إليه من العمد الصوان والعمد الرخام التي كانت قبل عمارة القلعة بالبرابي وغير ذلك.

 

ولقد تم الانتهاء من أمر العمارة في أسرع مدة وهي أحد عشر شهراً وأيام، وكان الشروع في بنائها بيمارستاناً في أول ربيع الآخر عام 683هـ/1284م. كما أتم معها المدرسة المنصورية والقبة، فكانتا ضمن مجموعته البيمارستان والمدرسة والقبة.

 

ولما تكامل البناء ركب السلطان إليه وشاهده وجلس بقاعة الدار ومعه الأمراء والقضاة والعلماء. وكان قد أبقى القاعة على حالها وهي ذات إيوانات أربعة بكل إيوان شاذروان، وبمكان قاعتها فسقية يصير إليها الماء من الشاذروان. وكان ذراع هذه الدار عشرة آلاف وستمائة ذراع. ثم أنه استدعى قدحاً من الشراب فشربه وقال قد وقفت هذا على مثلي فمن دوني وأوقفه السلطان على الملك والمملوك والكبير والصغير والحر والعبد والذكر والأنثى، وجعل لمن يخرج منه من المرضى عند برئه كسوة ومن مات جهزه، وكفن ودفن. ثم وقف عليها الملك المنصور من الأملاك بديار مصر القياس والرباع والحوانيت والحمامات والفنادق والأحكار وغير ذلك، والضياع بالشام ما يقارب ألف ألف درهم في كل سنة كما رتب مصارف البيمارستان والقبّة والمدرسة ومكتب الأيتام. ورتب فيه الحكماء الطبائعية والكحالين والجرائحية والمجبرين لمعالجة الرمد والمرضى والمجرحين والمكسورين من الرجال والنساء، ورتب به الفراشين والفراشات والقومة لخدمة المرضى وإصلاح أماكنهم وتنظيفها وغسل ثيابهم وخدمتهم في الحمام، وقرر لهم على ذلك الجامكيات الوافرة وعملت التخوت والفرش والطراريح والأقطاع والمخدات واللحف والملاءات لكل مريض فرش كامل، وأفرد لكل طائفة من المرضى أمكنة تختص بهم فجعلت الأواوين الأربعة المتقابلة للمرضى بالحميّات وغيره. وجعلت قاعة للرمد، وقاعة للجرحى، وقاعة لمن أفرط به الإسهال، وقاعة للنساء، ومكان حسن للممرورين من الرجال ومثله للنساء، والمياه تجري في أكثر هذه الأماكن.

 

وأفردت أماكن لطبخ الطعام والأشربة والأدوية والمعاجين وتركيب الأكحال والشيافات والسفوفات وعمل المراهم والأدهان وتركيب الترياقات، وأماكن لحواصل العقاقير وغيرها من هذه الأصناف المذكورة، ومكان يفرق منه الشراب وغير ذلك مما يحتاج إليه. ولقد وصل مبلغ الإنفاق في عام 707هـ/1308م. من الشراب المطبوخ خاصة ما يزيد على خمسة قناطير بالمصري في اليوم الواحد للمرتبين والطوارئ غير السكر والمطابيخ من الأدوية وغير ذلك من الأغذية والأدهان والترياقات وغيرها.

 

وكانت غالب موارد البيمارستان من الأوقاف التي تركها السلطان قلاوون ومن تبعه من الأمراء، ومن هذه الأوقاف فندق الملك السعيد بالفسطاط وهو فندق كبير يعلوه ربع كبير عمر في أيام الملك السعيد محمد بن بركة خان ثم ملكه السلطان قلاوون ووقفه على البيمارستان المنصوري ودخله في كل شهر نحو الألفي درهم. كما أوقف أيضاً حمام الساباط وهو حمام القصر الفاطمي من الناحية الغربية ويعرف أيضاً بحمام الصنيمة، وأوقف من القيساريات عدداً كبيراً منها قيسارية الصبانة، وقيسارية المحلى، وقيسارية الضيافة، وقيسارية الفاضل. ومن الأسواق أوقف سوق الأمشاطيين، وسوق النقليين، وسوق القفيصات، وسوق الكتابين وكانت تؤخذ أجرة الأرض لهذه الأسواق مباشرة للبيمارستان المنصوري، كما كان للبيمارستان مصادر أخرى للصرف عليه منها الترياق المعمول به في القاهرة. وكان محتكراً له ومخصصاً إيراده للصرف على البيمارستان.

 

وفي عام 1190هـ/1776م جدَّد الأمير عبد الرحمن كتخدا البيمارستان المنصوري وهدم أعلى القبة الكبيرة المنصورية والقبة التي كانت بأعلى الفناء من خارج، ولم يعد عمارتها بل سقف قبة المدفن فقط، وترك الأخرى مكشوفة، ورتب له أرزاقاً وأخبازاً زيادة على البقايا القديمة. ولما عزم على ترميمه وعمارته أراد أن يحتاط بجهات وقفه فلم يجد له كتاب وقف ولا دفتراً، وكانت كتب أوقافه ودفاتره في داخل خزانة الكتب فاحترقت بما فيها من كتب العلم والمصاحف ونسخ الوقفيات والدفاتر، ووقفه يشتمل على وقف الملك المنصور قلاوون الكبير الأصلي ووقف ولده الملك الناصر علي بن قلاوون ووقف ابن الناصر أبي الفداء إسماعيل وغير ذلك من مرتبات الملوك من أولادهم ثم إنه وجد دفتر من دفاتر الشطب المستجدة من بعض المباشرين وذلك بعد الفحص والتفتيش فاستدل به على بعض الجهات المحتكرة.

 

وفي عام1272هـ/1856م كان البيمارستان المنصوري قد بلغ الغاية من الاضمحلال وهجره المرضى ولم يبق به سوى المجانين، فنقلت منه المجانين إلى ورشة الجوخ ببولاق ولم يكن بهذا المحل الاستعداد اللازم لذلك وكانوا غير معتنى بهم فأنشئ مستشفى للمجاذيب في بعض السراي الحمراء التي أنشأها الخديوي إسماعيل باشا بالعباسية ثم أحرقت وكان نقل المجاذيب من ورشة الجوخ ببولاق إلى العباسية عام 1272هـ/1880م.

 

ولقد حصلت تغييرات عديدة في أبنيته في عصور مختلفة ولا سيما بعد نقل المجانين منه إلى غيره من الأمكنة وقد تصرف المشرفون عليه بتأجير قاعاته للسكن فصار كأنه وكالة وصارت مرافقه مخازن لصنّاع النحاس وتجاره. وبعد أن انتقلت المجانين من بيمارستان قلاوون إلى ورشة الجوخ ببولاق تحول حال البيمارستان فبعد أن كان خاصاً بالمجانين عاد إلى ما كان عليه في السابق من معالجة سائر الأمراض.

 

وحالياً لم يبق من البيمارستان المنصوري سوى النذر اليسير من رسومه ومرافقه. ومن هذه الآثار جزء من الإيوان الشرقي وفسقية من الرخام والقاعة القبلية وبعض ألواح منقوشة في سقف الإيوان البحري. وتدل التحلية الجبسية في بعض النوافذ التي لا تزال موجودة على حالها في الردهة الشرقية وأعمال الفسيفساء في الفسقية، على أن زخارف البيمارستان لم تكن تقل نفاسة عن زخارف التربة التي هي أسلم بناء حفظ للآن من أبنية قلاوون، وتوجد في آخر ردهة البيمارستان القديم الملاصقة للإيوان الغربي من المسجد، ولا تزال جهتان من حافته مكسوتين بخطوط من الرخام الملون وقاع الفسقية مغطى بالفسيفساء الدقيقة الصنع جداً ولا تزال سليمة وهي مكونة من جزئين: فراغ مستطيل مسطح في وسط جزء مربع مجوف. وكان الماء يأتي إلى الفسقية كما يكون في الفساقي العمومية يخرج من جدار القاع بأنبوب ثم يجري فوق لوح من الرخام كالسلسبيل في الفساقي العمومية. والبناء المسند فوقه لوح الرخام لا يزال قائماً. ويخرج من الفسقية قناة تخترق القاعة بطولها وهذا النظام يشبه مثيله في قصر الحمراء وفي قصر زيزا وهذا النظام كان شائعاً في القصور في جميع البلدان الإسلامية آنذاك.

 

ثانياً: الإشراف الطبي:

افتتح السلطان قلاوون البيمارستان ورتب فيه من المباشرين والأمناء من يقوم بوظائفه وشراء ما يحتاج إليه من الأصناف وضبط ما يدخل إلى المكان وما يخرج منه خاصة من غير أن يكون لهم تعلق في استخراج الأموال، وإنما يشترون الأصناف ويحولون ثمنها على ديوان صندوق المستخرج ويكتبون في كل شهر عمل استحقاق لسائر أرباب الجامكيات والخزانات من سائر أرباب الوظائف والمباشرين يكتبه العامل، يكتب عليه الشهود ويأمر الناظر بصرفه يحيلون بثمنها على ديوان صندوق المستخرج ويصرف على حكمه وهذه الطائفة من المباشرين بالبيمارستان هم مباشر والإدارة، وأما مباشرو الصندوق والرباع فإليهم يرجع تحرير جهات الأوقاف في الخلق والمسكون والمعطل واستخراج الأموال ومحاسبات المستأجرين وصرف الأموال بمقتضى حوالة مباشرة الإدارة، ومباشرة العمارة وعمل الاستحقاق، ولا يتصرفون في غير ذلك كما لا يتصرف مباشر الإدارة في صرف الأموال إلا حوالة بإرادتهم.

 

وأما العمارة فلها مباشرون ينفردون بها من شراء الأصناف واستعمال الصباغ ومرمة الأوقاف وغير ذلك مما يدخل في وظيفتهم وهم يحالون بأثمان الأصناف على صندوق كما يفعل في الإدارة وينقل عليهم من الصندوق من المال ما يصرفونه لأرباب الأجر خاصة ويكتبون في كل شهر عمل استحقاق بثمن الأصناف وأرباب الأجر ويخصمونه بما أحالوا به على الصندوق وما وصل إليهم من المال، ويسوقونه إلى فائض أو متأخر ويرفع كل طائفة من هؤلاء المباشرين حساباتهم مياومة ومشاهرة ومساناة إلى الناظر والمستوفى في هذا ما يتعلق بالبيمارستان، وفي ربيع الأول عام 743هـ/1343م وقعت منازعة بين الأمير جنكلي بن البابا وبين الضياء المحتسب بسبب وقف الملك المنصور على القبة المنصورية، فإنه أراد إضافته إلى المارستان وصرف متحصله في مصارف المارستان فلم يوافقه الضياء، واحتج بأن لهذا مصرفاً عينه واقفه لقراء وخدام، ووافقه القضاة على ذلك. وفي المحرم عام747هـ/1347م. خلع على الأمير أرغون العلائي، واستقر في نظر البيمارستان المنصوري عوضاً عن الأمير جنكلي بن البابا فنزل إليه وأعاد جماعة ممن قطعهم ابن الأطروش بعد موت الأمير جنكلي. وأنشأ بجوار باب البيمارستان سبيل ماء ومكتب سبيل لقراءة أيتام المسلمين القرآن الكريم ووقف عليه وقفاً بناحية من الضواحي. وفي شهر محرم عام 752هـ/1351م. خلع السلطان الملك الصالح الحسن بن محمد بن قلاوون على الضياء يوسف الشامي وأعيد إلى حسبة القاهرة ونظر البيمارستان عوضاً عن ابن الأطروش.

 

وفي شهر ذي القعدة عام 755هـ/1354م في عهد سلطنة السلطان الملك الناصر حسن بن محمد بن قلاوون خلع السلطان على الأمير صرغتمش واستقر في نظر البيمارستان المنصوري وكان قد تعطل نظره من متحدث ترك وانفرد بالكلام فيه القاضي علاء الدين بن الأطروش وفسد حال وقفه، فإنه كان يكثر في مهاداة أمراء الدولة ومديريها ويهمل عمارة رباعه حتى تشققت، فنزل إليه الأمير صرغتمش ودار فيه على المرضى فساءه ما رأى من ضياعهم وقلة العناية بهم، فاستدعى القاضي ضياء الدين يوسف ابن أبي بكر محمد بن خطيب بيت الأبار الشامي وعرض عليه التحدث في البيمارستان كما كان عوضاً عن ابن الأطروش، فامتنع من ذلك، فما زال به حتى أجاب وركب إلى أوقاف البيمارستان بالمهندسين لكشف ما يحتاج إليه من العمارة، فكتب تقدير المصروفات ثلاثمائة ألف درهم ومنع من يتعرض لهم وانصلحت أحوال المرضى أيضاً.

 

ثالثاً: الرعاية الطبية:

عندما تولى الأمير الكبير جمال الدين آفوش الأشرفي النظر في البيمارستان المنصوري، كان كثير الإحسان للمرضى وتفقد أحوالهم في الليل. وكان يتنكر ويدخل إليهم قبل الفجر ويسأل الضعفاء عن سائر أحوالهم حتى عن الفراش والطبيب، ويدخل إلى بيمارستان المجانين ويباشر أحوالهم بنفسه ويتحدث معهم ولا يغفل عن مصلحة تتعلق بمباشرته.

 

وكان الأمير قد جعل لكل مريض نفقاته في كل يوم ديناراً، وله شخصان يقومان بخدمته. وكان المؤرقون من المرضى يعزلون في قاعة يتسلون باستماع القصص يلقيها عليهم القصاص وكان المرضى الذين يستعيدون صحتهم يعزلون عن باقي المرضى ويمتعون بمشاهدة الرقص، وكانت تمثل أمامهم الروايات المضحكة وكان يعطى لكل مريض حين خروجه من المارستان خمس قطع من الذهب، حتى لا يضطر إلى الالتجاء إلى العمل الشاق في الحال.

 

وكانت قاعات المرضى تدفأ بإحراق البخور أو تبرد بالمراوح الكبيرة الممتدة من طرف القاعة إلى الطرف الثاني، وكانت أرض القاعات تغطى بأغصان شجر الحناء أو شجر الرمان أو شجر المصطكي أو بعساليج الشجيرات العطرية، وكان البلسان يؤتى به من عين شمس إلى البيمارستان لعلاج المرضى. وقد كان يصرف من الوقف على بعض أجواق تأتي كل يوم إلى البيمارستان لتسلية المرضى بالغناء. ولتخفيف ألم الانتظار وطول الوقت على المرضى كان المؤذنون في المسجد يؤذنون في السحر وفي الفجر ساعتين قبل الميعاد حتى يخفف قلق المرضى الذين أضجرهم السهر وطول الوقت.

 

وكان يحل بالبيمارستان كل يوم من المرضى الداخلين إليه والناقهين الخارجين أربعة آلاف نفس وتارات يزيدون وينقصون، ولا يخرج منه كل من يبرأ من مرض حتى يعطى إحساناً إليه وإنعاماً كسوة للباسه، ودراهم لنفقاته. وأما ما يعالج المرضى به من قناطير الأشربة المقطرة والأكحال الرقيقة الطيبة التي تسحق فيها دنانير الذهب الإبريز، وفصوص الياقوت النفيس، وأنواع اللؤلؤ الثمين، فشيء كثير، بالإضافة إلى ذلك كله كان من لحوم الطير والأغنام على اختلافها وتباين أصنافها ما يحتاج إليه كل واحد ممن يوافيه ويحل فيه، وكذلك فرش وعرش من غطاء ووطاء ومشموم ومزرور وشبه ذلك مما هو معد على أكمله هنالك، وما ليس مثله إلا في منزل أمير أو خليفة وقد رتب على ذلك كله من الأطباء الماهرين والشهود المبرزين والنظار العارفين والخدام المتصرفين كل من هو في معالجته موثوق بعدالته، مسلم له في معرفته، غير مقصر في تصرفه وخدمته ثم تدهور حال البيمارستان حتى وصل عدد المرضى فيه عام 1212هـ/1798م، خمسين أو ستين عدا المجانين وكانوا يسكنون قاعات في الدور الأرضي مفتوحة من كل جانب، وليس بها أسرة أو أثاث. وكان المجانين يشغلون قسماً آخر من البناء منقسماً إلى قاعتين، لكل من الزوجين قاعة خاصة. وكان عدد المجانين عشرة يسكنون حجرات مقفلة بشبابيك الحديد.

 

أما المرضى من غير المجانين فكان كثير منهم من العميان وأكثرهم مصاب بالسرطان وبعضهم أنهكته الأمراض العضال المتروكة من غير علاج، وجميعهم من غير إسعاف سوى توزيع الغذاء عليهم وهو من الخبز والأرز والعدس وهم لا يتصورون أن في الإمكان تخفيف أوجاعهم، وهم بتركهم هكذا تحت رحمة الأقدار لم يعرفوا قط حتى أبسط الأدوية. ويقيم المجانين في ناحيتين منعزلتين في إحداهما ثماني عشرة حجرة للرجال وفي الأخرى ثماني عشرة للنساء.

 

رابعاً: التعليم الطبي:

أنشأ السلطان المنصور قلاوون البيمارستان ومعه المدرسة المنصورية والقبة. وكانت المدرسة بخط بين القصرين وجعل بها خزانة كتب جليلة في مختلف أنواع العلوم والربعات الشريفة. وبجوار القبة كان يوجد أيضاً المدرسة الناصرية، وكان قد شرع في بنائها السلطان زين الدين كتبغا المنصوري، ثم عزل قبل أن يتمها فاشتراها منه الناصر محمد بن قلاوون، وبنى بجوارها قبة وكمل عمارتها عام 703هـ/1303م وجعل بها خزانة كتب.

 

ولقد احتلت مكتبة البيمارستان القبة الكبيرة التي بجانبه، واهتم السلطان المنصور قلاوون بهذه المكتبة بشكل كبير حتى أنه أقام عليها خازناً بمرتب مساوٍ لمرتب المدرس. ولقد حوت هذه المكتبة من جميع فروع المعرفة التي عرفت في القرن السابع الهجري/الثالث عشر الميلادي.

 

وكان التعليم العملي يتم بالبيمارستان المنصوري، أما النظري منه فكان يتم بالمدرستين المنصورية والناصرية. وكان ابن النفيس يدرس في كليهما الطب. كما كان يدرس الفقه في المدرسة المسرورية. وفي أوقات راحته كان يتجه إلى مكتبة البيمارستان التي في القبة فيجلس للبحث والقراءة. وقد أوقف ابن النفيس إلى هذه المكتبة الطبية داره ومكتبته، عندما آلت إليه رئاسة نقابة الأطباء في ذلك الوقت.

 

ولقد تعرضت هذه المكتبة فيما بعد إلى حريق كبير ألحق الضرر بمعظم محتوياتها. ولكن في عام 726هـ/1326م. في عهد الملك الناصر محمد بن المنصور قلاوون حصل الشروع في إصلاح البيمارستان والقبة والمدرسة. فقام الأمير جمال الدين آقوش الأشرفي ناظر الأوقاف، بالعمارة فنحت جدران البيمارستان والمدرسة المبنية بالحجر كلها داخلاً وخارجاً وطلا الطراز الذهب من خارج القبة والمدرسة حتى صار كأنه جديد وعمل خيمة يزيد طولها على مائة ذراع وركبها لتستر على مقاعد الأقفاص وتستر أهلها من الحر، ونقل الحوض من جانب باب البيمارستان لكثرة تأذي الناس برائحة النتن، وعمل موضعه سبيل ماء عذب لشرب الناس، ورتّب فيه مكاناً يجلس فيه رئيس الأطباء لإلقاء درس طب ينتفع به الطلبة. وكان مصروف ذلك كله من ماله دون مال الوقف. واستمرت العمارة إلى أواخر جمادى الأولى وخلت الأواوين الأربعة بالبيمارستان من مستهل هذه السنة إلى منتصف جمادى الأولى. وكان جملة ما صرف على هذه العمارة تقارب ستين ألف دينار.

 

خامساً: أطباء البيمارستان:

وقد تناوب نظر البيمارستان المنصوري عدد كبير من الفضلاء. من أشهرهم علي بن عبد الواحد بن أحمد بن الخضر الشيخ علاء الدين الحلبي نزيل دمشق، وكان شيخاً كبيراً متميزاً من رؤساء الدولة الناصرية خدم في الجهات وولي نظر البيمارستان المنصوري وغيره وتوفي عام 697هـ/1298م. ومحمد بن علي بن محمد بن محمد بن علي بن عثمان الشيخ شمس الدين أبو عبد الله بن الفاضل نور الدين أبي الحسن البدرشي ثم القاهري المولود عام 788هـ/1386م. اختص بجاني بك الصوفي وباشر البيمارستان في أيامه وعلا كلامه وعظم أمره، وقاضي القضاة جمال الدين أبو الثناء القيصري الرومي الأصل العجمي الحنفي، ومحمد بن أحمد الدميري المالكي وكان ولي حسبة القاهرة في الأيام الأشرفية شعبان بن حسين ثم ولّي نظر الأحباس ونظر البيمارستان المنصوري وقضاء العسكر، كما تولى حفيده محمد بن محمد بدر الدين الدميري وكان جده ناظر البيمارستان. ومحمد بن محمد بدير بن بدر الدين العباسي المعروف بالعجمي زوج أخت البدر الدميري ورفيقه في مشارفة البيمارستان، وعلي بن مفلح القاضي نور الدين وكان وكيل بيت المال بالأطباق. كما تولى نظارته محمد بن أحمد بن يوسف بن حجاج القاضي ولي الدين السفطي وكان من أفضل من تولى نظارته وحرص على أوقافه فزاد دخل البيمارستان في وقته أكثر من أن يوصف. وتولى نظارته أيضاً علي الزيني بركات بن موسى وكان مدبر المملكة وناظر الحسبة الشريفة.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الطب الإسلامي وقاية وعلاجا
  • هديه - صلى الله عليه وسلم – في الطب والتداوي وعيادة المرضى
  • فضل بعض علماء الطب المسلمين في تطوير العلوم الطبية (1)
  • فضل بعض علماء الطب المسلمين في تطوير العلوم الطبية (2)
  • فضل بعض علماء الطب المسلمين في تطوير العلوم الطبية (3)
  • فضل بعض علماء الطب المسلمين في تطوير العلوم الطبية (4)
  • البيمارستان العضدي
  • البيمارستان النوري الكبير
  • دعاء الشفاء

مختارات من الشبكة

  • البيمارستان الناصري (الصلاحي) أو بيمارستان صلاح الدين(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • تعريف البيمارستانات وأهميتها(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • منع الاتجار بالأشخاص(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • من مات وعليه صوم أو حج أو اعتكاف أو نذر استحب لوليه قضاؤه(مقالة - ملفات خاصة)
  • من طار إلى حلقه ذباب، أو غبار، أو فكر فأنزل، أو احتلم(مقالة - ملفات خاصة)
  • هل يجوز لرجل أن يغسل أمه أو زوجته أو المرأة أن تغسل زوجها أو أباها؟(مادة مرئية - موقع موقع الأستاذ الدكتور سعد بن عبدالله الحميد)
  • من باع بيته أو ثيابه أو غير ذلك من أجل كتاب أو كتب(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • من ألف كتابا من أجل ملك أو أمير أو غيره أو أهداه وحصل له مال(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • من دفن كتبه أو رماها في البحر أو غسلها أو أتلفها(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • كفارة القتل في الإسلام(مقالة - موقع الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 13/11/1446هـ - الساعة: 23:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب