من مشاهداتي في تركيا .. عرس بهيج للعربية

من مشاهداتي في تركيا

عرس بهيج للعربية

على مدار شهور من الجهد الجميل المشرف من الطلاب المشاركين و الأساتذة المدربين، ومن كل الجهات والمؤسسات الراعية والداعمة، جمعت المسابقات العالمية الثالثة للغة العربية بين طلاب ثانويات الأئمة والخطباء في تركيا، عشاق اللغة العربية المبدعين الرائعين، برعاية مديرية التربية الدينية التابعة لوزارة التربية والتعليم التركية.

جهد جد جميل، مثلج للصدر، واهتمام رائع من براعم الطلاب غير الناطقين بالعربية، خالجني شعور غريب لا يوصف بين الفرحة والفخر باللغة العربية وهي تخرج من ألسنة غير عربية، يلهجون بها حبا وفخر واعتزازا بكونها لغة القرآن والرسول الكريم، يسعون جاهدين لنطق حروفها بالصورة الأمثل كي يحافظوا على قداستها على حد تعبيرهم.. فما أروعهم.

حاملين شعار:

اللغة العربية لغتنا المشتركة!!، ضمت المسابقة بداية ما يقارب 2710 طالبا، من 461 مدرسة ومعهد ديني، موزعة على 80 ولاية في تركيا، والأمر المختلف في مسابقة هذا العام أنها ضمت أيضا 80 طالبا، من 8 دول بلقانية، وهي: البوسنة - الهرسك - مقدونيا - كوسوفو - رومانيا - الجبل الأسود -صربيا- كرواتيا وبلغاريا، جمعهم جميعا حب اللغة العربية ووحدهم على اختلاف ألسنتهم!!

وبعد سلسة عمل متواصل وعمل دؤوب بين مباريات المسابقة وتصفياتها، التي ضمت ثلاثة فروع: إلقاء الشعر العربي، الخطابة العربية، والمعلومات اللغوية، وكذلك كان للإنشاد الديني (أو ما يعرف بالإلهيات) مكان مميز، وبعد عدة تنقلات ومحطات بين المدن المستضيفة على رأسها مدينة بورصة الرائعة العاصمة الثقافية والتاريخية الأهم للإمبراطورية العثمانية، ومن ثم أنقرة، لتكون المحطة الأخيرة في اسطنبول - وفي مركز الخليج للمؤتمرات وبتاريخ 20/05/2012 تحديدا تم تتويج ذلك الجهد الكريم، وتكريم الفائزين، وعرض مشاركاتهم بتنظيم ملفت، وتنسيق ناجح، حضره العديد من ضيوف تركيا من الدول المشاركة، والدول العربية أيضا، بتقديم مميز، أعجبني شخصيا، بدا لي وكأنه عرسا ومحفلا للعربية يليق بها.

تنافس الطلاب فيما بينهم منافسة شديدة وإيجابية بالتأكيد على مدار مراحل المسابقات في الموضوعات التالية:

مفردات اللغة العربية، القراءة والفهم، ترتيب الجمل والكلمات والعكس، الترجمة من العربية إلى التركية والعكس، تكملة حوارات المحادثة، قواعد اللغة العربية الأساسية، الاستماع والفهم.

أما مسابقة إلقاء الشعر اختيرت النصوص من عيون قصائد الشعر العربي الهادف، بين قصائد " ولد الهدى لأحمد شوقي " والبردة " أمن تذكر جيران بذي سلم.. للبوصيري.

وقد حفظ الطلاب في المرة الأولى من مسابقة اللغة العربية قصيدة "رثاء الأندلس" لأبى البقاء الرندي، وتركت لهم حرية الاختيار من النصوص الشعرية في المرة الثانية من المسابقة الخاصة بأنشطة اللغة العربية التي نظمت في عموم تركيا.. وبأداء رائع أنشد الطلاب قصيدتين " البردة " للبوصيري و" ولد الهدى " للشاعر الكبير أحمد شوقي.

أما النصوص الشعرية التي تسابق فيها الطلاب في مسابقة إلقاء الشعر العربي لعام 2012:

الخيل والليل والبيداء تعر فنى للمتنبي، السيف أصدق أنباء من الكتب لأبى تمام، ليس الغريب غريب الشام واليمن لعلى بن الحسين، عز الورود لنزار قباني، بك أستجير لإبراهيم بديوي وقد زها الطلاب جميعا بإلقائهم المعبر ونطقهم السليم، حتى تكاد تشعر أن العربية لغتهم الأم.

مسابقة الخطابة: وهى عبارة عن حفظ خطب مأثورة شهيرة، كخطبة طارق بن زياد الشهيرة عند فتح الأندلس، وخطبة سيدنا عمر عند توليه الخلافة، وقد جسد الطلاب هذه الشخصيات العظيمة متقمصين إياها ببراعة وأداء جميل مهيب، أداء تعبيري جذاب ينطق المعاني.

وفي مسابقة الإنشاد، يتسابق الطلاب بإنشاد مقطوعات من مثل " مولاي صل وسلم " ولا تنس أبدا ذكر الله " ويا إمام الرسل "

أثار فضولي حماسهم.. تحدثت مع الكثير منهم وحاورتهم كلهم أعلنوا لي بالعربية الفصحى السليمة عشقهم الكبير لها، وعن سرورهم بالتعرف إلي كفتاة عربية.. ما أجملهم!!، أروعهم طوبى الصبية التركية الجميلة التي لم تتجاوز العشرين و تدرس العربية.. طوبى لم تكن مشاركة في المسابقة لكنها جاءت متابعة ومشجعة ومهتمة، أثارت جدلي عندما وقع بصري على جيدها المزين بوشاح جميل يرمز إلى فلسطين الحبيبة، وكتب عليه بحروف عربية: القدس، اقتربت منها وسألتها: هل أنت من أصول عربية؟ قالت: لا أنا تركية أحب العربية والعرب، إذن ماذا تعني وتمثل القدس بالنسبة إليك؟! سألتها، أجابتني: القدس بالنسبة لي قلب الأمة الإسلامية النابض، وأساس ومركز كل ما دار ويدو من أحداث على الساحة السياسية، وأنا اليوم كتركية أرتدي هذا الوشاح لأذكر الكل بها!!! بالله عليكم ألا يلفتكم مثلي هذا الوعي.. لن أعلق على إجابة طوبى أترك ذلك لكم.

عرض الفائزون بالمراكز الثلاث من كل مجال مشاركاتهم المميزة، وتم تكريمهم بأجواء من الحماس والاهتمام والتصفيق الحار من الداعمين والمعدين لعرس العربية الزاهي، ومن الجمهور أيضا، والجدير بالذكر أن تكريم كل طالب كان مترافقا مع تكريم أستاذه الذي دربه أيضا تقديرا للجهود التي بذلها على مدار شهور ليصل بطالبه بإخلاص إلى ما وصل إليه.

فالجائزة للمراكز الأولى كانت من نصيب الطالب الفائز وأستاذه معا.. رحلة لأداء العمرة إلى الأراضي المقدسة، طوبى لهم بهديتهم، فهم يستحقونها فعلا، أما الجائزة الثانية عبارة عن لوحة الكترونية (ipad) والثالثة هاتف خلوي من نوع آي فون.

اختتم الحفل بباقة من الأناشيد الدينية (الإلهيات) تصدح بحب الله جل وعلا ورسوله الكريم المصطفى قدمتها بعض الفرق المشاركة من تركيا وضيوفها، شدت انتباهي الفرقة القادمة من كوسوفو والمؤلفة من 4 أفراد (شابين وشابتين) بلباسهم المزركش بين الأبيض والأحمر وأصواتهم الصادحة الجميلة، كما لفتني معرض الكتب الذي ضم العديد من الكتب المميزة الهادفة إلى تعليم العربية بطرق محببة وشائقة، بين الكلمة والصوت والصورة.

حقا.. كم رائع أن نشهد مثل هذا الاهتمام باللغة العربية، ذلك الحب العظيم لها، والتمسك بها إيمانها بدورها وأهميتها على مدى العصور، كيف لا وهم يؤمنون بأنها لغة القرآن الكريم المعجز ببلاغته، والتي ضمن الله حفظها.

شخصيا كمتابعة وشاهده لهذا الحدث، أشكر كل من ساهم في تحقيق هذه الفعالية على أرض الواقع كل الجهات مؤسسات وأفراد، وأقدم التحية والشكر الكبير لتركيا الحبيبة على احتضانها لمثل هذا المشروع الكريم، وهذا ليس بغريب عنها خاصة في السنوات الأخيرة، التي باتت أكثر انفتاحا وقربا على العربية -التي تزايد الإقبال على تعلمها بشكل كبير - وعلى أهلها، وباتت ذاكرتها أكثر حضورا لعهود التاريخ المشترك تحت لواء دين واحد، دين العدل والمساواة، المحبة والأخلاق والتسامح، دين لم يفرق بين عربي وأعجمي، ولم يجعل الفضل إلا للتقوى، وحق لنا أن نفخر جميعا كمسلمين بمختلف أعراقنا بذلك، وهنا أشير أيضا إلى وعد الجهات المنظمة بتوسيع نطاق المسابقات لتصبح أكثر شمولية بل عالمية ربما في السنوات القادمة.

كان هذا باختصار عرض سريع لهذه المسابقة الرائعة، ما شاهدته ولفتني من أمرها، راغبة في مشاركتكم بانطباعاتي عنها راجية لكم الفائدة أحبتي أعضاء واتا. مع مودتي وتقديري.

المصدر: الجمعية الدولية للمترجمين واللغويين العرب