• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أربع هي نجاة الإنسان في الدنيا والآخرة (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    وحدة المسلمين (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    فوائد وأحكام من قوله تعالى: { إذ قال الله يا عيسى ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
  •  
    نعمة الماء (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    تدبر خواتيم سورة البقرة
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    تحريم الإهلال لغير الله تبارك وتعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    مشاهد عجيبة حصلت لي!
    أ. د. عبدالله بن ضيف الله الرحيلي
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (2)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    الدرس السابع عشر: آثار الذنوب على الفرد والمجتمع
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    خطبة: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    سورة الكافرون.. مشاهد.. إيجاز وإعجاز (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    من آداب المجالس (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    خطر الميثاق
    السيد مراد سلامة
  •  
    أعظم فتنة: الدجال (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / د. محمد ولد سيدي عبدالقادر / مقالات
علامة باركود

من السنن الإلهية في النصر والهزيمة

الدكتور محمد ولد سيدي عبدالقادر

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 28/2/2010 ميلادي - 14/3/1431 هجري

الزيارات: 45502

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

من السنن الإلهية في النصر والهزيمة


إنَّ للهِ عز وجل سُننًا في هذا الكون لا تتغيَّر ولا تتبدَّل، وكما أن له سننًا في الكون ونظامه وأفلاكه، فله سنن في الأمم ونصرها وأخذها، وقد قصَّ الله علينا من أخبار الأمم في ذلك ما فيه العِبرةُ والموعظة الحسنة؛ للَفْت الانتباهِ إلى أسباب النصر للأخذ بها، وأسباب الهزيمة للابتعاد عنها، وفي أحداث سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانتصار الإسلام على الكفر والطغيان، معتبَرٌ ومدَّكَر لمن تأمل ذلك واعتبر به، وشرحُ ذلك في القرآن الكريم أمرٌ يطول ولا يناسبه مقال في ملحق؛ بل يحتاج إلى تآليفَ مستقلةٍ، ولعلي أكتفي من ذلك بمثالين في كتاب الله عز وجل بهما يتضح المعنى الذي أرمي إليه وأذكِّر به:
أولهما: قصة الملأ من بني إسرائيل.
وثانيهما: قصة الأحزاب.

قال تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَأِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ﴾ [البقرة: 246].

فهؤلاء الملأ قد سألوا نبيَّهم أن يولِّي قيادتَهم مَن يقاتلون تحت لوائه؛ لاسترداد الحقوق المغصوبة؛ ﴿ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾، فأراد نبيُّهم الاستيثاقَ مِن هذه الرغبةِ، وهل هي رغبة تَدفعها عزيمةٌ، أم خَطْرة تَدفعها ثورةُ غضب وحماس، سرعان ما تتلاشى أمام أولِ ابتلاء يَكْشف حقيقتها؛ ﴿ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا ﴾؟ فردَّ القومُ باستفهامٍ إنكاري تَعجُّبيٍّ ممن يتَّهمهم في صِدْق نيَّتهم في القتال لاسترجاع الحقوق المغصوبة مِن الديار والذرية: ﴿ قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا ﴾، ورغم هذا التأكيد، فإنَّ أغلَب القوم قد سَقَطَ عند أول اختبار، وهو كتْبُ القتال وفرضُه عليهم وأمْرُهم به؛ ﴿ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ﴾.

وهذا يؤكِّد لنا أن الأمانيَّ الكاذبة لا تَرُدُّ حقًّا مغتصَبًا؛ بل لا بد في جيل النصر مِن الصدق مع الله صدقًا لا تُزَحزِحُه عواصفُ التهديد، ولا زلازلُ الأخذ والتشريد؛ فصِدقُ الإيمان هو أساس استرداد الحقوق المغصوبة، لا العواطفُ العارمة والثورة لأجل النفس والوطن، وقد كان الكفُّ عن القتال في صدر الإسلام أشدَّ على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مِن الأمْر به؛ لأنهم يرَوْن الموتَ أهونَ عليهم مِن حياة الذل والضيم والتشريد والاستضعاف؛ ولكن الإسلام كان يُربِّيهم على الغضب لله، لا لأنفسهم، حتى إذا خَلصَتْ نفوسُهم لله، أذن لهم في القتال؛ ﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ﴾ [الحج: 39، 40]، ومع ذلك وُجِدَ في القوم مَن وَدَّ أنْ لو أُخِّر الإذن والأمْر بالقتال؛ ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ ﴾ [النساء: 77].

فالابتلاء الأوليُّ لهؤلاء وأولئك كان باختبار الصدق مع الله في الأمنية والعزيمة.

والابتلاء الثاني للقوم كان في الزعامة والتصدُّر: ﴿ وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 247]، فهذا هو الابتلاء الثاني، وهو الابتلاء في الزعامة والصدارة، وهو ابتلاءٌ سَقَط فيه كثيرٌ مِن هؤلاء، وسَقَط فيه أبو جهل عندما رَفَضَ الإيمانَ بالنبي صلى الله عليه وسلم خشيةَ أن يَذهَب بنو هاشم بشَرَف النبوة، فقال: "كنا وبنو هاشم كفَرَسَي رهانٍ؛ أطعَموا فأطعمْنا، وسقوا فسقينا، ورفدوا فرفدنا، حتى إذا تحاكت الركب، قالوا: منا نبي، فمن أين لنا ذلك؟!"؛ إنها المنافسة وحميَّة الجاهلية، فالملأ من بني إسرائيل - مع أنهم هم الذين سألوا بَعْثَ ملِكٍ يُقاتِلون العدوَّ تحت رايته - تحرَّكَت في نفوسهم شهوةُ الزعامة والتصدُّر عند بَعْثِه فيهم، فحصَلَت الفرقة والتصدُّع الذي لا يتحمَّله جيشُ النصر، في حالٍ هو فيها أحوَج ما يكون إلى الوحدة والالتحام؛ ﴿ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ﴾ [الأنفال: 46]، فالمسلمون اليومَ مُطالَبون بالترفُّع عن الخلافات البينيَّة، والرغبات الشخصية، وتنازُع المَناصِب والتصدُّر؛ للوقوف صفًّا واحدًا أمام أعدائهم.

وقد ردَّ النبيُّ على الملأ مِن بَني إسرائيل بما يَقتَضي رأْبَ الصَّدْع، واتحاد الكلمة، ببيان استحقاق طالوت للقيادة وجَدَارته بها: ﴿ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾؛ فاصطِفاء الله كافٍ في التسليم لهذا القائد، فكيف وقد بيَّن لهم نبيُّهم سببَ الاصطفاء، بما يكشف عن حاجة المرحلة، مِن وجود قائدٍ عالمٍ قويٍّ، يحجزه عِلمُه عن التهوُّر والمواقف المستعجلة وغير المحسوبة، وتأبى عليه قوتُه وشجاعتُه الخنوعَ للذل والاستهانة، مهما كان حجم العدوِّ في عدته وعتاده؟!

وتلك واللهِ أهمُّ سماتِ القائدِ الناجح؛ فما أحوجَ المسلمين اليوم للقائد الذي يتَّصف بالعِلم والحكمة، والقوة والشجاعة! القائد الذي يأبى عليه عِلمُه وحكمته وضْعَ الأمورِ في غير مواضعها، مما يعود على الأمَّة بنتائج لا تُحمَد عُقباها، كما تأبى عليه شجاعتُه وقوته قبولَ الذل والاستكانة لاستكبار العدوِّ وجبروته، وما اعترض به القوم مِن أن هذا القائد لم يؤتَ سَعةً من المال اعتراضٌ في غير محلِّه؛ لأن المرحلة أَحوَج إلى قائد عالمٍ شجاع، منها إلى غنيٍّ قد شغله سَرَفُه واستثمارُ ثروته عن النظر في مصالح الأمَّة، وما أشبهَ الليلةَ بالبارحة!

ولله درُّ الإيادي، وما أحوجَ الأمَّةَ إلى الأخذ بما أشار به على قومه حين قال - وقد أَقبَل عليهم عدوٌّ لا قِبَلَ لهم بمثله:
أَبْلِغْ   إِيَادًا   وَخَلِّلْ    فِي    سَرَاتِهِمُ        إِنِّي أَرَى الرَّأْيَ إِنْ لَمْ أُعْصَ قَدْ نَصَعَا
يَا لَهْفَ  نَفْسِيَ  إِنْ  كَانَتْ  أُمُورُكُمُ        شَتَّى  وَأُحْكِمَ  أَمْرُ  النَّاسِ   فَاجْتَمَعَا
مَا   لِي   أَرَاكُمْ   نِيَامًا   فِي   بُلَهْنِيَةٍ        وَقَدْ تَرَوْنَ شِهَابَ الحَرْبِ  قَدْ  سَطَعَا
فَاشْفُوا  غَلِيلِي  بِرَأْيٍ  مِنْكُمُ   حَسَنٍ        يُصْبِحْ  فُؤَادِي  لَهُ   رَيَّانَ   قَدْ   نَقَعَا
وَقَلِّدُوا     أَمْرَكُمْ      لِلَّهِ      دَرُّكُمُ        رَحْبَ الذِّرَاعِ بِأَمْرِ الحَرْبِ  مُضْطَلِعَا
لَا  مُتْرَفًا  إِنْ  رَخَاءُ  العَيْشِ  سَاعَدَهُ        وَلَا  إِذَا  عَضَّ   مَكْرُوهٌ   بِهِ   خَشَعَا
وَلَيْسَ      يَشْغَلُهُ      مَالٌ      يُثَمِّرُهُ        عَنْكُمْ  وَلَا   وَلَدٌ   يَبْغِي   لَهُ   الرِّفَعَا
إنها دعوة إلى رَصِّ الصف، وتقليد الأمر مَن تقتضيه المرحلة، وطيِّ الخلافاتِ ونسيانها.

واختبار ثالث اختُبِرَ به الملأُ مِن بني إسرائيل: ﴿ فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ ﴾ [البقرة: 249].

وهذا ابتلاء آخر قُصد منه اختبار القوم في صدْق عزْمهم وقوة عزيمتهم، فابتُلوا بنهر عذْبٍ بَعد شدَّة عطَش، وأُمروا ألَّا يشربوا منه إلا رشفًا يُطفئ حرارةً ولا يروي ظمأ؛ لِيعْلَمَ: أأمْر اللهِ أحبُّ إليهم وأعظَم في نفوسهم، أم الماء العذب على الظمأ؟

وبعض المسلمين اليوم - كإخوتنا في فلسطين - مُبْتَلَوْن بما هو في معنى ذلك؛ مِن حصارٍ ظالمٍ قد منعهم الدواءَ، والطعام، والشراب، والكساء؛ لكنهم مبتلَون: أذلك أحبُّ إليهم وأعظَم في نفوسهم، فيرضخون لرغبات العدوِّ، فتفتح المعابر بكل ما يُشتَهى، أم أمْر الله أعظَم في نفوسهم، فَيَكْتَفُون من ذلك برشفٍ يبلُّ الظمأَ ويُبْقي على الحياة، ولا يَتنازَلون عن واجبهم المقدَّس؟

واختبار رابع لا يصمد أمامه إلا مَن صدَقَ مع الله حين يحتدم الصراع: ﴿ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ * وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ * تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [البقرة: 249 - 252].

وذلك ابتلاء رابع تحصُل به تصفيةُ الصف، وتمييزُه مِن الدُّخَلاء وضعاف النفوس، الذين لا يصبرون أمام منظر تطايُر الأشلاء، وقطف الرؤوس، والأمر جدٌّ لا مجال فيه لمتردِّدٍ ولا جبان رعديد يخشى الناسَ أكثرَ مِن خشية الله، ويرغب فيما عندهم أكثرَ مما عند الله "وعند صليل السيف يصدق الابتلاء"، فيشتاق المؤمن إلى ما عند الله مِن نصر أو شهادة؛ ﴿ قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ ﴾ [التوبة: 52]، فعند الالتحام يَخرُج المنافقون مِن الصف، ويَكثُر كلامُهم ولَغَطُهم ومعاذيرُهم؛ لأنهم لا يَستحقُّون هذا النصرَ ولا شرف المشاركة فيه، وتلك سُنَّةُ الله في الأولين والآخرين.

فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يُحاصَر في الأحزاب، فيثبُت الصادقون، وتكثُر معاذير المنافقين والدُّخَلاء، حُوصِرَت المدينة، وكانت النتيجة ثباتَ أهل الإيمان في الميدان، بعد أن مُيِّزَ صفُّهم مِن كل دخيل لصيق يُظهِر الإيمانَ، ويُبطِن الكفرَ والعصيان، فقد رَمَت الجزيرةُ المدينةَ عن قوس واحدة، ونقَض اليهودُ العهدَ، فأصبح المسلمون بين عدوٍّ مجاور، وغازٍ أَحكَم الحصارَ عليهم مِن كل مَنفَذ؛ ﴿ إِذْ جَاؤُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا ﴾ [الأحزاب: 10].

إنه الزلزال الذي ميَّز الصفَّ من الدخلاء،
فتَسلَّل المنافقون وأرجفوا، وأساؤوا الظن بالله ورسوله، وتركوا الميدان لأهل الإيمان؛ ﴿ وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا * وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا * وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا * وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُولًا ﴾ [الأحزاب: 12 - 15].

ولَّى المنافقون وتركوا الميدان لأهل الإيمان، الذين صبروا وصابروا، وبَذلوا أقصَى ما في وُسعهم، رغم شدة البرد والجوع والحصار، وأحسنوا الظن بالله ورسوله؛ ﴿ وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 22]، فكانت النتيجة تدخُّل العناية الإلهية: ﴿ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا ﴾ [الأحزاب: 9]، وانهزَمَ العدوُّ هزيمةً لم يَعُدْ للهجوم بعدها؛ بل كان المؤمنون هم الذين يُهاجمونه، حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لن تغزوَكم قريش بعد اليوم)).

وما أشبهَ الليلةَ بالبارحة! وأشبهَ حصارَ غزةَ بحصار الأحزاب الذي كانت النتيجة فيه لأهل الإيمان الذين ثبتوا في الميدان! فليحقِّق إخوتُنا في فلسطين الصِّدْقَ مع الله، وحُسْنَ التوجُّه إليه، وليصبروا؛ فإن النصر قريب بإذن الله، وليُكثروا من دعاء الطائفة المنصورة: ﴿ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 250]، فالصابر موعود بالنصر والفلاح؛ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 200].

وتُقابِل هذه السُّنَّةَ في نصر أولياء الله سُنَّةُ الله في أخْذ الظالمين المتكبِّرين،
وقد طغى أعداءُ الأمَّة وتكبرَّوا وتجبَّروا، فأوشَكوا بذلك أن تحلَّ بهم سُنَّة الله في أخْذ الظالمين؛ ﴿ وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا ﴾ [الإسراء: 16].

إنها رسالةٌ أَبْعثُ بها إلى إخوتنا المرابطين في فلسطين؛ ليتذكروا بها سُنَّةَ الله في النصر والهزيمة؛ ليزدادوا صبرًا إلى صبرهم، وتعلُّقًا بالله وتوكُّلًا عليه، كما أَبعَث بها إلى كل مؤمن؛ لتُثْلِج صدْرَه، وتَبعَث في روحه الأمل، ويوقن بأن النصر لأولياء الله؛ ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ﴾ [النور: 55].

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • عوامل النصر والهزيمة في ضوء القرآن الكريم
  • تطبيق الإسلام هو الكفيل للأمة بالنصر
  • مواصفات السنن القرآنية
  • لم.. ولن..!!
  • أسباب النصر
  • قانون التدافع الحضاري
  • بين النصر والهزيمة
  • حول الهزيمة النفسية
  • من السنن الموقوتة قبل الفجر
  • السنن الإلهية بين إهمال التسخير وموجبات التفعيل
  • النصر والهزيمة بين العوامل الذاتية والعوامل الغيبية

مختارات من الشبكة

  • قراءة لكتاب "السنن الإلهية في الخلق" (2) لمؤلفه: عبد الحميد محمود طهماز(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • قراءة لكتاب "السنن الإلهية في الخلق" لمؤلفه: عبدالحميد محمود طهماز(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • السنن الإلهية في الظواهر الاجتماعية(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • تعقيب على بحث جهود الأمة في خدمة القرآن الكريم من خلال مفهوم السنن الإلهية (PDF)(كتاب - موقع د. محمد بريش)
  • التوكل حين نفقد التوازن بين السنن المادية والمشيئة الإلهية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • قراءة في كتاب "السنن الإلهية في الأمم والأفراد في القرآن الكريم"(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • السنن الإلهية وأثرها في فهم الواقع(مقالة - الإصدارات والمسابقات)
  • السنن الإلهية(مادة مرئية - موقع ثلاثية الأمير أحمد بن بندر السديري)
  • من فقه السنن الإلهية (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • السنن الإلهية(محاضرة - موقع ثلاثية الأمير أحمد بن بندر السديري)

 


تعليقات الزوار
4- الله يحفظك
ﻻ رباس ولد دحيد - موريتانيا 29-06-2011 04:08 PM

الحمد لله الذي جعل في اﻷمة اﻹسلامية رجالا يخدمون القرآن ويستنبطون منه اﻷحكام ويتدبرونه ويتلونه حق تلاوته
وأخبر عنهم أنهم يؤمنون به فقال :
((الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ))
بارك الله في عمر الشيخ وبلغه مراده وتقبل منه.

3- بارك الله فيكم شيخنا
محمد عبد الله ولد امهادي - موريتانيا 10-04-2011 11:30 PM

بارك المولى فيك شيخنا الحبيب وزادك من فضله وفتح لك أبواب رحمته ونرجوا من الله أن ألتقي بك ثانية وأدامك الله لنا وبارك في عمرك

2- المملكة العربية السعودية
الحسين عبد الغني - 188 10-01-2011 04:53 AM

جزاك الله خيراً أبا أسامة

1- بارك الله فيكم
حمدان - السعودية 28-02-2010 04:08 PM
بارك الله فيكم وجزاكم خير الجزاء
1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 13/11/1446هـ - الساعة: 23:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب