• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: اشتداد المحن بداية الفرج
    يحيى سليمان العقيلي
  •  
    خطبة: إن الله لا يحب المسرفين
    عبدالعزيز أبو يوسف
  •  
    فضل عشر ذي الحجة (خطبة)
    أ. د. إبراهيم بن صالح بن عبدالله
  •  
    فصلٌ: فيما إذا جُهل حاله هل ذُكر عليه اسم الله أم ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    خطبة (المروءة والخلق والحياء)
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    تساؤلات وإجابات حول السنة
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    الأيام المعلومات وذكر الله (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    من تجاوز عن المعسر تجاوز الله عنه
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الدرس التاسع عشر: الشرك (2)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    الحذر من استبدال الأدنى بالذي هو خير
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    خطبة: اغتنام عشر ذي الحجة خير الأيام
    عبدالعزيز أبو يوسف
  •  
    إعلام النبلاء بفضل العلم والعلماء (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    تفسير: (فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    التحذير من الإسراف والتبذير
    الشيخ صلاح نجيب الدق
  •  
    استحباب أخذ يد الصاحب عند التعليم والكلام والمشي
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    مفهوم الخصائص لغة واصطلاحا وبيان أقسامها
    د. أحمد خضر حسنين الحسن
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / روافد / موضوعات طبية وعلمية
علامة باركود

الأُسْلوب العلمي ماهيته وخطواته

د. محمد زيان عمر

المصدر: كتاب البحث العلمي مناهجه وتقنياته
مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 13/8/2008 ميلادي - 10/8/1429 هجري

الزيارات: 80530

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر
تشترك العلوم جميعًا في افتراض أنَّ هناكَ علاقات مُنَظَّمَة بين الظَّوَاهر المختلفَة، وهي تحاول الكَشف عن هذه العَلاقات والتَّوَصُّل إلى قوانين أو نظريَّات تعبر عنها وتفسرها، وذلك بقصد التَّنَبُّؤ والضَّبط، فهدف أي عالم أو علم هو القدرة على تفسير الظَّواهر المختلفة والتنبؤ بها وضبطها، والغرض الرئيس لأي بحث علمي أن يتخطى مجرد وصف المشكلة أو الظاهرة موضوع البحث إلى فهمها وتفسيرها، وذلك بالتَّعَرُّف على مكانها من الإطار الكلي للعلاقات المنظمة التي تنتمي إليها، وصياغة التَّعميمات التي تفسر الظَّواهر المختلفة من أهم أهداف العلم، وخاصة تلك التي تصل إلى درجة من الشمول ترفعها إلى مرتبة القوانين العلميَّة والنَّظريَّات.

ومع فائدة القدرة على تفسير الظواهر المختلفة إلاَّ أنَّ التَّفسير تزداد قيمته العلمية إذا ساعد الإنسان على التنبؤ، ولا يقصد بالتنبؤ هنا التخمين الغيبي أو معرفة المستقبل؛ ولكن يقصد به القدرة على توقُّع ما قد يحدث إذا سارت الظروف سيرًا معينًا، هذا مع العلم أن التَّوقُّع في هذه الحالة يَتَضَمَّن معنى الاحتمال القوي، ومن أمثلة التنبؤات العلمية توقع أحد العلماء (مندليف) عام 1871 وجود عنصر جديد هو الجرمانيوم، قبل اكتشافه بخمسة عشر عامًا بعد أن لاحظ وجود ثغرات في الجدول الدوري الذي صنف العناصر الكيميائية المعروفة.

والتنبؤات العلمية ليست على نفس الدقة في جميع مجالات العلم، فهي في العلوم الطبيعية أكثر دقة منها في مجالات العلوم السلوكية ومجالات المعرفة الاجتماعية.

كما أن أقصى أهداف العلم والبحث العلمي هو إمكانية الضَّبط، وهو ليس ممكنًا في جميع الحالات، فمثلاً في دراسة ظاهرة مثل الخسوف، يلزم وصف الظاهرة ومعرفة العوامل المؤدية إليها وتفسيرها، وهذا يُمَكِّن من التَّنَبُّؤ باحتمال وقوع الخسوف إذا وصلنا إلى معرفة علميَّة دقيقة له؛ ولكن لا يمكن ضبطه أو التَّحكم فيه فعمليَّة الضبط في مثل هذا المجال تستلزم التحكم في المدارات الفلكية، وهذا يخرج عن نطاق قدرة أي عالم مهما بلغ من العلم أو الدقة في البحث، وفي نفس الوقت هناك بعض الظواهر التي يمكن ضبطها والتحكم فيها بدرجة مقبولة ومعقولة، ومثال ذلك القدرة على محاربة بعض الظواهر الاجتماعية، مثل: جنوح الأحداث أو السرقة أو التغلب على التوترات الاجتماعية التي تضعف البناء الاجتماعي.

وتعتمد العلوم جميعًا في تحقيق هذه الأهداف الثلاثة: التفسير، والتنبؤ، والضبط، على الأسلوب العلمي، ذلك لأنَّه يَتَمَيَّز بالدِّقَّة والموضوعيَّة، وباختبار الحقائق اختبارًا يزيل عنها كل شكٍّ مقبول، معَ العلم أنَّ الحقائق العلمية ليست ثابتة؛ بل هي حقائق بلغت درجة عالية منَ الصدق. وتجدر الإشارة في هذا المجال إلى قضيَّة منهجيَّة يختلف فيها العالم أو الباحث في الجوانب النَّظريَّة عن الباحث التطبيقي، فالأوَّل لا يقتنع بنتائجه حتى يزول عنها كل شك مقبول، وتصل درجة احتمال الصدق فيها إلى أقصى درجة، أمَّا الثاني فيكتفي بأقصى درجات الاحتمال فإذا وازن بين نتائجه يأخذ أكثرها احتمالاً للصدق؛ بمعنى أنه إذا بحث الاثنان في ظاهرة ما وكانت درجة احتمال للخطأ بها 0.1 (واحد من عشرة) قبلها الباحث التطبيقي في حين لا يقبلها الباحث النَّظَري، إلا إذا انخفضت درجة احتمال الخطأ إلى 0.01.

والأسلوب العلمي يعتمد أساسًا على الاستقراء الذي يختلف عنِ الاستنباط والقياس المنطقي كما سبقت الإشارة - فيبدأ بالجزئيَّات ليستمد منها القوانين في حين أنَّ الأخير يبدأ بقضايا عامَّة ليتوصل منها إلى الحقائق الجزئيَّة، وليس معنى ذلك أنَّ الأسلوب العلمي يغفل أهميَّة القياس المنطقي، ولكنَّه حين يصل إلى قوانين عامَّة يستعمل الاستنباط والقياس في تطبيقها على الجزئيَّات للتَّثَبُّت مِنْ صِحَّتِها؛ أي يستعمل التَّفسير التطبيقي الذي يَتَمَثَّل في تحقيق أو تفسير ظاهرة خاصَّة من نَظَريَّة أو قانون أو ظاهرة عامَّة؛ كما يستخدم الطَّريقة الاستنتاجيَّة التي تَتَمَثَّل في استخلاص قانون أو نظريَّة أو ظاهرة عامَّة من مجموعة ظواهر خاصَّة.

وَيَتَضَمَّن الأسلوب العلمي عَمَليتين متَرَابطتين هما المُلاحَظَة والوَصف؛ لأنَّه إذا كان العلم يرمي إلى التَّعبير عنِ العَلاقات القائمة بين الظَّواهر المختلفة، فهذا التَّعبير في أساسه وصفي. وإذا كان هذا التَّعبير يمثِّل الوَقَائع المرتبطة بالظَّاهرة؛ فلا بُدَّ أن يعتمدَ على الملاحَظَة.

والوصف العلمي يختلف عن الوصف العادي في أنه لا يعتمد على البلاغة اللُّغويَّة؛ وإنما هو أساسًا وصف كَمِّي، ذلك أنَّ العالم حينما يقيس النَّواحي المختلفة في ظاهرة أو أكثر فإنَّ هذا القياس ليس إلاَّ وصفًا كميََّا، يقوم على الوَسائل الإحصائيَّة في اختزالِ مجموعة كبيرة من البيانات إلى مجموعة بسيطة منَ الأرقام والمصطلحات الإحصائيَّة.

أمَّا الملاحَظَة العلميَّة فهي تلك الملاحظة التي تستعين بالمقاييس المختلفة. وتقوم على أساس ترتيب الظروف ترتيبًا مقصودًا ومعينًا بحيث يمكن ملاحظتها بطريقة موضوعية. وتتميز الملاحظة العلمية بإمكانيَّة التَّكرار. وللتَّكرار أهمية كبيرة من حيث الدقة العلميَّة، فهو يساعد على تحديد العناصر الأساسية في الموقف المراد دراسته وتَرك العَنَاصر التي تكون وليدة الصُّدفة، كما أن التَّكرار ضروري للتأكد من صحة الملاحة، فقد يخطئ الباحث نتيجة الصُّدفة أو لتدخل العوامل الشخصية، مثل الأخطاء النَّاتجة عن الاختلاف في دقَّة الحَوَاس والصِّفات الشَّخصيَّة للباحث كالمثابرة وقوة الملاحظة... إلخ، كما قد يَتَأَثَّر تفسير النتائج باهتمامات الباحث الخاصة، وتحيزه لرأي معَيَّن، ويفيد التَّكرار أيضًا في التأكد من دقة ملاحظة شخص عن طريق شخص آخر، أو في إعادة البحث؛ بغَرَض التَّأكُّد منَ النَّتائج.

خُطُوات الأسلوب العلمي:
قبل التَّحَدُّث عن خطوات الأسلوب العلمي يجدر بنا التَّفرقة بين مصطلحين رئيسيين في هذا المجال، وهما الأسلوب العلمي، ومنهج البَحث.
فمصطَلَح الأسلوب العلمي يشير إلى ذلك الإطار الفكري الذي يعمل بداخله عقل الباحث، في حين أنَّ كلمة منهج البَحث تعني الخطوات التَّطبيقيَّة لذلك الإطار الفكري. ولا تعني هذه التَّفرقة تعارض المصطلحين، فمنَ الناحية اللغوية يتقارب كثيرًا معنى كل أسلوب ومنهج، ولكن يقصد بهذه التفرقة التوضيح والتفسير. ففي أي دراسة علميَّة تتخذ العمليَّات العقليَّة في ذهن الباحث ترتيبًا وتنظيمًا متكاملاً يوجه خطواته التطبيقيَّة، ولذلك يفضل أن يستقلَّ كل مصطلح بجانب منَ الجانبين، فتستعمل كلمة أسلوب لتشير إلى ذلك التَّنظيم الفكري المتدخل في الدراسة العلميَّة، وكلمة منهج لتشير إلى الجانب التطبيقي لخطوات البحث. وللتَّمثيل على ذلك نتصور مشكلة ما تواجه (أ) و(ب) منَ الأفراد، فالأول: قد يتخبط ويحاول ويخطئ حتى يصل إلى حل ما قد يكون صوابًا أو خطأ، ولكنَّه في كلتا الحالتين لا يعتبر محققًا علميََّا؛ لأنَّه لا يسير في حلها تبعًا لتنظيم ذهني يمكنه من التحقق من نتائجه. أما الثاني: فيعالجها بأسلوب علمي أي يسير نحو حلها بخطوات فكرية معينة يسميها العلماء بخطوات التفكير العلمي. وهذا ما يميز الباحث العلمي من الشخص العادي. فأسلوب التَّفكير العلمي هو الذي يميَّز الباحث الأصيل ويمكن من تمحيص نتائج أي بحث والتَّحَقُّق من صحتها.

حقيقة أن خطوات الأسلوب العلمي في التَّفكير تكاد تكون هي نفسها خطوات أي منهج بحثي مع وجود بعض التَّفاصيل التي تختلف باختلاف مناهج البحث، إلاَّ أن الأسلوب الفكري هو الذي ينظم أي منهج بحث. وتَتَمَثَّل هذه الخطوات في الشُّعور بمشكلةٍ أو بسؤال يحيِّر الباحث فيضع لها حلولاً محتمَلَة، أو إجابات محتمَلَة هي الفروض، ثم تأتي بعد ذلك الخطوة الثالثة وهي اختبار صحَّة الفروض والوصول إلى نتيجة معَيَّنَة. ومنَ الطَّبيعي أن يَتَخَلَّل هذه الخطوات الرئيسية عدة خطوات تنفيذية مثل: تحديد المشكلة، وجمع البيانات التي تساعد في اختيار الفروض المناسبة، وكذلك البيانات التي تستخدم في اختيار الفروض، والوصول إلى تعميمات، واستخدام هذه التعميمات تطبيقيََّا وهكذا يسير المنهج العلمي على شكل خطوات أو مراحل لكي تزداد عملياته وضوحًا، إلا أن هذه لخطوات لا تسير باستمرار بنفس التَّتابع ولا تؤخذ بطريقة جامدة، كما أنَّها ليستْ بالضرورة مراحل فكريَّة منفصلَة فقد يحدث كثير منَ التَّداخُل بينها، وقد يَتَرَدَّد العالم بين هذه الخطوات عدَّة، كذلكَ قد تَتَطَلَّب بعض المَرَاحل جهدًا ضئيلاً، بينما يستغرق البعض الآخر وقتًا أطول، وهَكَذا يقوم استخدام هذه الخطوات على أساس منَ المرونَة والوَظيفيَّة، وَسَنَتَعَرَّض لشَرح هذه الخطوات في الفصول التَّالية.

وتختلف مناهج البحث من حيث طريقتها في اختبار صحَّة الفروض. ويعتمد ذلك على طبيعة وميدان المشكلة موضع البحث، فقد يصلح المنهج التَّجريبي في دراسة مشكلة لا يصح فيها المنهج التاريخي، أو دراسة الحالة وهكذا. وكثيرًا ما تفرض مشكلة البحث المنهج الذي يستخدمه الباحث. واختلاف المنهج لا يرجع فقط إلى طبيعة وميدان المشكلة؛ بل أيضًا إلى إمكانات البحث المتاحة، فقد يصلح أكثر من منهج في دراسة بحثيَّة معيَّنة ومع ذلك تحدد الظروف المتاحة أو القائمة نوع المنهج الذي يختاره الباحث.

تعدُّد مناهج البحث:
تَعَرَّضنَا في مجال سابق لما تشير إليه كلمتا أسلوب ومنهج، وقلنا: إنَّ الأولى تعني إطارًا فكريًّا يوجه منهج الباحث في دراسته لظاهرة ما، وكلمة منهج مُشْتَقَّة مِنْ نَهَج؛ أي سَلَكَ طريقًا معيَّنًا - وبالتالي فكلمة المنهج تعني الطَّريق، لذلك كثيرًا ما يقال طرق البحث كمرادف لمناهج البحث.
وترجمة كلمة منهج باللغة الإنجليزية Method  ، ونظائرها في اللغات الأوربيَّة ترجع إلى أصل يوناني، يعني: البحث أو النظر أو المعرفة. والمعنى الاشتقاقي لها يدل على الطَّريقة أو المنهج الذي يؤدي إلى الغرض المطلوب. وهنا قد نَتَوَقَّف قليلاً لنتساءل هل كانت كلمة منهج بحيث تعني ما تعنيه حاليََّا؟

إن مضمون أي مصطلح غير ثابت، فكلَّما تَوَصَّل الإنسان إلى معرفة جديدة أضافَ إلى مضامين مفاهيمه بالزيادة عمقًا واتساعًا. وقد يَتَغَيَّر المفهوم بدرجة تبعده عن أصله. وَهَذَا ما حدث لمصطلح منهج البَحث، ولتأكد هذا التغيير في معنى منهج البحث كثيرًا ما يضاف إليها كلمة "علمي"؛ لتؤكد مميزات استعمالاتها الحالية.

وقد حَدَّ العلماء المنهج بأنَّه فن التَّنظيم الصَّحيح لسلسلة منَ الأفكار العَديدة، إمَّا مِنْ أجل الكَشف عَن حقيقة مجهولة لدينا، أو مِن أجل البَرهَنة على حَقيقة لا يعرفها الآخرون، وبهذا يكون هناكَ اتجاهان للمناهج من حيثُ اختلاف الهَدَف، أحدهما يكشف عن الحقيقة ويسمى منهج الاختراع أو التَّحليل، والثاني يسَمَّى منهج التَّصنيف.

وعلى العموم فتَصنيف المَنَاهج يعتمد عادَةً على معيار ما؛ حَتَّى يَتَفَادى الخلط والتَّشويش. وعادةً تختلف التَّقسيمات بين المصنفين لأي موضوع، وتَتَنَوَّع التَّصنيفات للموضوع الواحد، وينطبق هذا القول على مناهج البحث..

فإذا نَظَرنا إلى مناهج البحث من حيث نوع العَمَليَّات العقليَّة التي توجهها أو تسير على أساسها أمكَنَنا القول إنَّ هناكَ ثلاثة أنواع منَ المَنَاهج:
المنهج الاستدلالي أو الاستنباطي، وفيه يربط العقل بين المقدمات والنتائج، أو بين الأشياء وعللها على أساس المنطق والتَّأَمل الذِّهني، فهو يبدأ بالكليات ليصل منها إلى الجزئيَّات، والمنهج الاستقرائي وهو على عَكْس سابقه يبدأ بالجُزئيات ليصل منها إلى قوانين عامَّة، ويعتمد على التَّحَقُّق بالمُلاحَظَة المُنَظَّمَة الخاضِعة للتَّجريب والتَّحَكُّم في المُتَغَيِّرَات المختلفة. أمَّا المنهج الاستردادي فيعتمد على عَمَليَّة استرداد ما كان في الماضي؛ ليَتَحَقق مِن مجرى الأحداث ولتحليل القُوَى والمُشْكلات التي صَاغت الحاضر.

فإذا أردنا تصنيف مناهج البَحث استنادًا إلى أُسْلوب الإجراء، وأهم الوَسَائل التي يستخدمها الباحث نجد أنَّ هناكَ المنهج التَّجريبي، وهو الذي يعتمد على إجراء التَّجارب تحت شروط مُعَيَّنة، ومنهج المسح الذي يعتمد على جَمع البَيَانات ميدانيََّا بوسائل مُتَعَدِّدة، وَيَتَضَمَّن الدراسة الكَشفيَّة والوَصفيَّة والتَّحليليَّة، ومنهج دراسة الحالة، وينصب على دراسة وَحدة مُعَيَّنة فردًا كان أو وَحدة اجتماعيَّة، ويرتبط باختبارات ومقاييس خاصَّة والمنهج التاريخي ويعتمد على الوثائق والمخلفات الحضاريَّة المختلفة، ولا يغيب عنِ الذهن أنه مع تَنَوع مناهج البحث، فإنَّها جميعًا تخضع بشكل عام للأسلوب العلمي؛ من حيث خطواته المشار إليها سابقًا، وسنتناول أهم هذه المناهج بالشَّرْح في فصول قادِمة.

تَنَوُّع الأنشطة البَحثيَّة:
منَ المُعتاد وَصف جميع نَشَاطات المفكر بأنها أبحاث، وفي هذا التعبير الكثير منَ التَّجاوز، فهناك اختلافات أساسيَّة بين النَّشاطات الفكريَّة للإنسان، فمنها البحوث الكاملة التي يصل فيها الباحث إلى معرفةٍ جديدةٍ، ومنها المقالات العلمية والتقارير والملخصات... إلخ، هذا وكثيرًا ما يَتَخَيَّل الدارس المبتدئ أنه عندما يكون قد سَجَّل آراء عدد كبير منَ الخبراء فيما يَتَعَلَّق بموضوع معين، وأعلَنَ عن رأيه أنَّه قد أجرى بحثًا. إنَّ معرفة آراء الآخرين قد تكون مفيدةً إلاَّ أنَّها لا تحل مشكلة، أو توصل إلى معرفة جديدة، ومِن ثَمَّ فلا تعَد بحثًا متكاملاً، وحتى الوصول إلى معرفة جديدة لا يكفي في حَد ذاته أن يكون بحثًا؛ بل يجب البَرهنة عليها، والتَّأَكد مِن صحتها.

والمقالات العلميَّة ليست بحثًا بالمعنى الدقيق لهذه الكلمة؛ لأنها مجرد دراسة أو تلخيص لموضوع أو مشكلة قام ببحثها عالم مُعَيّن، والمقال بهذا المعنى لا يضيف بالضَّرورة جديدًا للمَعْرفة الإنسانيَّة، فهو لا يزيد في العَادة عن تقديم مُلَخَّص لِمَعْلُومات سَبَق اكتشافها أو بحث قام به آخرون, ولِهذا لا يَتَقَيَّد كاتب المقال بنَفس القَوَاعد التي يلتزم بها الباحث عند كتابة تقرير عن بحثه، كما لا يتوقع من كاتب المقال توثيق جَميع بياناته، في حين يلتزم الباحث عند كتابة تقرير بحثه بالإشارة إلى مصادر معلوماته بدقَّة ووضوح؛ ليَتَسَنَّى للقارئ أو لأي باحث آخر الرجوع إليها، والتأكد من صحتها، وفي حين ينتظر منَ الباحث تقديم شيء جديد وعدم الاقتصار على مجرَّد التَّعبير عن آراء غيره مهما كانت قيمتها العلميَّة، وأن يوضح كيف أنَّ مشكلة علميَّة قد درست وتم إيجاد الحلول لها، وأنَّ حقائق جديدة قد اكتشفت، يكتفي كاتب المقال بعَرض ملاحظاته وخبراته، وقد يحلل ويضيف آراء؛ ولكن ذلك كله لا يعتبر إضافة علميَّة جديدة.

والمقالات العلميَّة قد تكتب لمجَرَّد التَّيسير على القرَّاء عند الرَّغبة في معرفة نتائج بحث ما أو معلومات معيَّنة، ولهذا تَتَمَيَّز عادة بإثارة التَّشويق لدى القارئ، وبتقديم الحقائق بطريقة مباشرة وموضوعيَّة ومختَصَرة، وليس الأمر كذلك عند كتابة تقارير البحوث، فإنَّ كثيرًا منَ المقالات تَتَّسم بالذَّاتيَّة. وَتَتَضَمَّن استنتاجات غالبًا ما تكون مَبنيَّة على الملاحَظَة غير المقيدة، كما تكون أحيانًا مدعومة بحقائق مُختارة مُتَميّزة لجانب واحد منَ الموضوع. فَمَعَ أن المقال يؤدي خدمة جليلة في نشر الأفكار والآراء إلاَّ أنَّ عرضه يختلف اختلافًا كبيرًا عن كتابة تقرير البحث، كما يختلف أيضًا من حيث قيمته العلميَّة ودرجة الدقَّة والابتعاد عن العنصر الشَّخصي الذي تستلزمه الدقَّة العلميَّة في كتابة تقارير البحوث، وغَنِيّ عنِ الذِّكر أنَّ أيَّ بَحثٍ عِلْميّ يَتَضَمَّن - كما سبقت الإشارة - ثلاثةَ جوانب رئيسة تؤخذ في الاعتبار عند تقويم أَهَمّيته العلميَّة هي: اكتشاف حقيقة جديدة، التَّمحيص النَّقدي للبَرَاهين والأَدِلَّة المُفضية إلى النتائج التي تَوَصَّل إليها الباحث، ثم كيفيَّة الاستفادة منَ الحقائق الجديدة في استِخْدامِها تطبيقيََّا في الحياة العَمَليَّة.

ويعتبر الكشف عن حقيقة معيَّنة نشاطًا علميًّا أرقى درجة من مُجَرّد كتابة مقال أو تلخيص عمل علمي معين، ومنَ الأمثلة على ذلك النَّوع منَ النشاط العلمي اكتشاف فاعليَّة عقار جديد في قَتْلِ نوعٍ منَ الفيروسات، أو تَجميع معلومات وبيانات من وثائق مختلفة توضح حقيقة تاريخيَّة معيَّنة؛ كالكشف عن تاريخ حياة أحد أساطين العلم أو مدينة أثرية معيَّنة... إلخ، وتعتبر معظم عمليَّات التَّوثيق لونًا من هذا النَّوع منَ النَّشاط البحثي. وكثيرًا ما تَتَعَدَّى مرحلة الكشف عن الحقائق إلى مرحلةِ التَّعميمات المستَنبَطَة مِنْ هذه الحقائق.

وحَتَّى يُمْكِن حَمل عمليَّة الكَشف عن الحقيقة خطوة أبعد، فإنَّ الباحث كثيرًا ما يعمِد إلى التحليل والتفسير النَّقدي لما يتوصَّل إليه من بيانات مختلفة؛ كما قد يَتَعَامَل الباحث في بعض المجالات - مثل: الفلسفة والأدب - مع أفكار وآراء أكثر مما يَتَعَامَل مع حقائق، وحينئذٍ كثيرًا ما يَتَأَلَّف البحث منَ التفسير النَّقْدي لهذه الآراء، فعلى سبيل المثال: ماذا كان يهدف شكسبير من قصة "هاملت"؟ هل كان يكتب لمُجَرَّد كتابة قصة خياليَّة تاريخيَّة عن فترة زمنيَّة معيَّنة، أو أنَّه استَخدَم روايتَهُ لينقل آراءه عن عصره؟ إنَّ الإجابة عن مثل هذه الأسئلة لا تعتمد فقط على مجرَّد معرفة الحقائق؛ بل على الفَحص عن أفكار شكسبير التي عَبَّر عنها في أعماله الأخرى، وبما أنَّ آراء الكاتب لا تظهر بشكل محَدد قاطع، فالبديل الآخر لمعرفتها هو استنباطها عن طريق التَّفسير النَّقدي بما يحتويه من بَرَاهين وحُجج.

والوَسَائل الأساسيَّة المستَخدَمَة في هذا النَّوع منَ البحث هي التَّجربَة والمنطق، وكذلك مستوى رفيع منَ الإمكانيَّات العَقليَّة يَتَطَلَّبها التفسير النقدي؛ لأنَّه يَنطوي بالضَّرورة على حكم شخصي مَبنِيّ على الأسباب المنطقيَّة ومستند إلى التَّعليل المقبول والمعقول، والتَّفسير النَّقدي له قيمتُه التي لا يُمْكِن إنكارَها والتي بدونِها يصعب الوصول إلى استنتاجات عمليَّة في مسائل يندر إيجاد حقائق محَدَّدة عنها، ومع أنَّ الكشف عنِ الحقيقة يَجمع لنا كثيرًا منَ الحقائق عن الإنسان وعالمه، فإنَّه يوجد جزء كبير منَ التَّجربة البَشريَّة والإنتاج الفني والفكري، لا يمكن بلوغه بالطَّريقة الواقعيَّة، أو أي طريقة أخرى إلاَّ عن طريق التَّفسير النقدي، ويَتَمَتَّع بهذه الخاصية الجزء الأعظم منَ البحوث التي تجرى في المجال الأكاديمي للعلوم السلوكيَّة والاجتماعيَّة.

ويجب أن يَتَّسم التَّفسير النَّقدي بممَيزات ثلاث:
أولاها: أن يقومَ الجدَل على حقائق ومبادئ مَعروفة في المَجَال الذي أجريت فيه الدراسة، أو على الأقل يَتَّفق معها.
وثانيتها: أن تكونَ الحجج المُقَدمة في التَّفسير النَّقدي واضحةً ومعقولة؛ أي إنها يجب أن تتبع المنطق، بحيث تكون التعميمات والاستنتاجات التي تَمَّ التَّوصل إليها في هذا النَّوع منَ النَّشاط البَحثي مُستَنبَطَة منطقيََّا منَ الحَقَائق المَعروفة، ومنَ المَبَادئ التي يطبقها الباحث عَند معالجته لمادَّته، عِلاوةً على ذلك فإنَّ الخطوات التي قادت الباحث إلى استنتاجه يجب أن تكونَ سَهلة البرهان في أثناء عمليَّة الاستنتاج منَ الوَقَائع أو المقدمات، ذلك أنَّ الإجراء الأساسي في التَّفسير النَّقدي هو الاستنتاج منَ الوَقَائع أو المُقدمات، ويجب أن يكونَ هذا الاستنتاج أمينًا حتَّى يستطيع القارئ تَتَبُّع الحجج دون أي معوقات تجعله مضطرًا إلى قبول رأي الباحث دون اقتناع به.

وثالثتهما: أنه منَ المتَوَقَّع للتَّفسير النَّقدي أن يَتَمَخَّض عن بعض التَّعميمات التي تَرَتَّبَت على عمليَّة الاستنتاج منَ الوَقائع أو المقدمات، ولهذا فمنَ المهمّ أن يكونَ الرَّأي الاستنتاجي للباحث مبنيََّا على الحقائق والبَيَانات المقبولة في مَجال البحث، ومدعومة بالمنطق والبرهان الميَسَّر، وغَنِي عن الذِّكْر أنَّه يجب أثناء التَّفسير النَّقدي - تحاشي وَضْع استنتاج يعتمد على الحَدس أو التَّخمين أو على مُجَرَّد انطباعات عامَّة أكثر مما يعتمد على التَّعليل، والمناقَشَة المنطقيَّة.
أمَّا البحث المتكامل فَيَتَضَمَّن الكشف عن الحقيقة والتفسير النقدي، ويزيد على ذلك الوصول إلى نظرية أو مبدأ أو معرفة جديدة، ويظهر إمكان تطبيقها في مجالات الحياة المتَّصلَة بموضوع البحث.

ونلاحظ أنَّ الكشف عن الحقيقة فقط لا يحل بالضَّرورة أيَّة مشكلة؛ كما أنَّ التَّفسير النَّقدي، مع أنه يهدف في الغالب إلى حل مشكلة ويقوم على أساس الاستنتاج المنطقي منَ الوقائع والمقدمات، لا يمكن دائمًا أن يبني قضيَّته على البرهان الواقعي؛ حيث يعتمد إلى حَد كبير على الحكم الشَّخصي، وعلى هذا؛ فإنَّه بعد أن يتمَّ تحديد مشكلة البحث، تَتَضَمَّن الخطوة الأولى محاولة للإجابة عن السؤال التالي: "مَا الحقائق الكامنة في هذه المشكلة؟"، وبالإضافة إلى تجميع بيانات حولها، قد يسأل الباحث أيضًا، "ماذا يستطيع أن يقولَ الخبراء في هذه المشكلة؟"، وبعد أن يجمعَ الباحث الحقائق قد يَتَساءَل أيضًا ماذا توحي هذه الحقائق من أجل حل المشكلة؟ وبعد أن يقَررَ رأيه في الحل الصَّحيح، يبدأ في اختباره بكافَّة الوسائل والطرق المختلفة؛ لكي تَتَأَكَّد له صحته، مَع مراعاة مدى اتِّساق الحل مع جميع الحقائق المعروفة، ومَدَى وضوح هذه الحقائق وكفايتها لدعم وتأييد الاستنتاج النهائي. وعلى العموم يجب أن يكونَ منَ الواضح أنَّ البحث الكامل يَتَعَدَّى - ببون شاسع - عمليَّة الكشف عنِ الحقيقة، ويعني بأن يستغل البَرَاهين الواقعيَّة بقدر يفوق استغلال التَّفسير النَّقدي لها.

وجدير بالذِّكر أنَّ البحوثَ الكاملة تَختلف من حيث الهَدَف العام، فهناك البحوث النَّظريَّة والبحوث التَّطبيقيَّة، كما تختلف من حيث البحوث الأساسيَّة والبحوث العمليَّة. والاختلاف بين البحوث من حيث كونها نظريَّة أو تطبيقيَّة ليس تعارضًا أو تناقضًا. فإذا تَصَّورنا استمراريَّة - (استمراريَّة) ذات قطبين للبَحث العلمي، فإنَّ أحدها يمثل البحوث النَّظريَّة، ويمثل الآخر البحوث التَّطبيقيَّة، والبحوث النَّظريَّة في شكلها المبالغ فيه تهدف إلى الوصول إلى المعرفة من أجل المعرفة فقط، وبهذا لا يكون هناك غرض تطبيقي معروف أو مقصود بعد الانتهاء من البحث. وفي الطَّرَف الآخر تَقَعُ البحوث التَّطبيقيَّة في شكلها المبالغ فيه ترمي أساسًا إلى الوصول إلى حل مشكلة معيَّنة، ولو لم يصل الباحث أثناء بحثه إلى حقائق جديدة. فدراسة الظروف الاجتماعيَّة والأسريَّة التي أدَّت إلى تكوين شخصيَّة الإسكندر الأكبر قد تكون ذات فائدة تاريخيَّة نَظَريَّة؛ ولكن لا تحمل فائدة تطبيقيَّة واضحة في مجال حياة العالم المعاصر مثلاً، وعلى العكس من ذلك فدِراسة تأثير فيتامين (ب) على القدرة على التَّعلم يهدف إلى غرض تطبيقي واضح، والأمثلة التي توضح الفرق بين الأبْحاث النَّظَريَّة والتَّطبيقيَّة كثيرة ومتَعَددة، هذا مع العلم أنَّه كثيرًا ما يَجمَعُ البحث العلمي بين الجانب النَّظَري والتَّطبيقي. وما التقدم التكنولوجي الذي يشهده عالَمُنا المعاصر إلا ثَمرة بُحوثٍ اهتَمَّتْ بِالجانب التَّطبيقي؛ وكثيرٌ منَ المؤسسات التي تُموّل البحوث العلميَّة تطلب بحوثًا تطبيقيَّة لحل مشكلات معيَّنة ملحَّة.

ثمَّ إنَّ البحوثَ المتكاملَة قد تكون بحوثًا رئيسة تهدف إلى دراسة مشكلة عامَّة مَعَ إجراء الدراسة على محيط معَين، وقد تكون بحوثًا عمليَّة تهدف إلى دراسة مشكلَة محليَّة في وضع خاص. ويختلف النوعان من حيث سَير البَحث في عدَّة نقاط ويلتقيان في نقاط أخرى. فمثلاً من حيث مجال اختيار المشكلة يكون البحث الرئيس في ميدان معرفة معين كالمجال التَّاريخي أو التَّربوي. أمَّا في البحث العملي فيكون هناك مشكلة خاصَّة في مكان وزمان محَدَّد. كما يختلف غرض البحث بين الاثنين، ففي الأول يكون الغَرَض الوصول إلى معرفة معَيَّنة في الميدان العلمي الذي تنتمي إليه المشكلة، أمَّا في الثاني فينصب الغَرَض على حل المشكلة محليََّا. ومنَ الوَاضح أن الغرض التطبيقي عند التَّعميم واستخدام النَّتائج يختلف في البحث الرَّئيس في أنَّ نتائجه تستخدم على نطاق واسع، أمَّا في البَحث العملي فينحَصر استخدام النَّتائج على مجتمع البَحث فقط، ويلاحَظ في الأوَّل أنَّ الباحثَ له حريَّة خلق الظُّروف التي يريد إجراء البحث فيها، أمَّا في الثاني فيلتزم الباحث بالظروف القائمة فعلاً، ويَتَّفق النَّوعان في باقي خطوات البحث كالفروض وطريقة البحث، وجمع البيانات والوسائل المستخدمة، كما قد يَتَّفقان في الصعوبات التي تواجه الباحث.

ومن بين أنواع الدراسات الهامَّة تلك الأبحاث التي يجريها طلاَّب الدراسات العليا؛ كالماجستير والدكتوراه. فمنَ المعتاد في معظم الجامعات أن تطلب - كجزء منَ العمل الذي يؤدي للحصول على درجة عليا - دراسة مستَقلَّة قائمةً بذاتها ذات طبيعة أصيلة يكون الطالب قد أجراها على النحو اللاَّئق مرفقًا بها تقريرًا عن الإجراءات والنتائج مكتوبًا في صورة رسالة أو بحث. والغَرَض من هذا المطلب هو أن يَتَحَدَّد أساسًا ما إذا كان الباحث قادرًا على إضافة معرفة أصيلة إلى حقل تخصصه، وهل يستطيع أن يبحثَ بنجاح موضوعًا رئيسيََّا، فالكثير من الباحثينَ يسيئون فَهم طبيعة وهدف رسالة الدكتوراه، أو بحث الماجستير، وَيَتَوَقَّعون أن تمارس هيئة التدريس بالكلية إشرافًا دقيقًا على كل مرحلة من مراحل البحث. إنَّ الحال ليست كذلك في معظم الجامعات ومعاهد البحوث، فالباحث يُدفع به عمدًا إلى وسائله الذَّاتية، ويجب عليه أن يبرهنَ على قدراته في تَحديد مُشكِلة مناسبة، واستنباط طريقة فَعَّالة لحلها، ويُحدّد ويقيّم بِشكلٍ صحيحٍ معنًى وقيمةً جَميعَ البَرَاهين الوثيقة الصلة بالموضوع، ويصل إلى خاتمة منطقيَّة يسهل الدِّفاع عنها.

وعادةً ما تبدأ رسالة الدكتوراه أو بحث الماجستير عندما يَتَقَدَّم الباحث بطَلَب إلى قسم الدراسات العليا (غالبًا ما يكون عن طريق أستاذ) من أجل السماح له بتقصي أبعاد مشكلة معيَّنة في حقل تخصصه، وقد يبَين الخطوات التي اتَّخذها ليؤَكد أنَّ المشكلة جديدة حقََّا، وبأنه شخصيََّا كفء لأن يأخذ على عاتقه إيجاد حللها. وقد تطلب بعض الجامعات منَ الباحث أن يقدّم بالتَّفصيل مُخطَّطًا تمهيديََّا مكتوبًا لاقتراحه؛ مشتملاً على عرض دقيق للمشكلة وحدودها، ووصف للإجراءات التي ينوي اتِّباعها، وافتراضاته العلميَّة وتفسير الأسباب التي دَعتْه للقيام بهذا البحث، والفائدة المحتمَلَة لنتائجه وتعريفات للمصطلحات الخاصَّة التي ينوي استخدامها في التَّقرير النِّهائي، وعرض للمَرَاجع المتَدَاوَلَة؛ أي يقدِّم (أبحاثًا) عنِ الموضوع وبيانًا مختصرًا عن كفاءات الباحث الصَّالحة لهذا المشروع. في حين أنَّ بعضَ الجامعات الأخرى قد تقنع بأن تعرف فقط ما هي المشكلة الفعليَّة.

والشَّيء في كلتا الحالتينِ الذي يجب أن يفهمَه الطَّالب هو أنَّه مهما كانت الأمور التي قد تطالب بها أقسام الدِّراسات العليا بالجامعة في سبيل الحصول على المعلومات التمهيدية فإنها تنتظر منه أن يأخذ على عاتقه عبء البرهان على قدراته وخططه، وأن يتَّخذَ الخطوة الاستهلاليَّة الكاملة في دَفْع عَجَلة الدِّراسة إلى الأمام.

وبمُجَرَّد حصول الباحث على المُوَافَقَة الرَّسْميَّة بالبَدء بالدراسة، ينبغي له ألاَّ يتوَقَّع منَ المشرف عليه أو من أستاذه أن يخبرَه بالضَّبط بما يجب عليه أن يفعلَه، وعليه أن يشتغلَ أساسًا بشكل مستقِل باستثناء بعض اللِّقاءات التي تتمّ من آنٍ لآخَر؛ ولكن بعض الأساتذة لديهم الرَّغبة في العمل عن كثْب ولفتراتٍ طويلة مع البَاحث، كما أنَّهم يودُّون أن يكونوا على اتّصال دائم ومباشر بِجميع الخطوات التي تتَّخذ في الدراسة. في حين أنَّ بعض الأساتذة الآخرين لا يبذلون أية مُحاولة لتَقَصِّي ما أحرزه الباحث مِن تَقَدُّم، ولا يَتَطَوَّعون بتقديم أيَّة نصيحة، وإن كانوا على استعداد دائم لمناقشة أيَّة متاعب قد يواجهها الباحث في استقصائه، وتقديم النَّصيحة الحكيمة عند استشارتهم.

وعلى العموم، يجب أن ينظرَ الباحث إلى الأستاذ المشرف على أنه "ملاذ يلجأ إليه"، يقَدِّم المساعدة فقط عندما يصبح السَّير عسيرًا؛ ولكن ليس كشخص يضع تعليمات مفَصَّلة لمسار الدراسة. إنَّ رسالة الدكتوراه "أو بحث الماجستير" سوف يفقد الكثير من قيمته بالنسبة للباحث، ولن يكون اختبارًا حقيقيََّا لقدراته لو أنَّ الكثير منَ القَرَارات الأساسية اضطرَّ الأستاذ المشرف إلى اتّخاذها بدلاً من أن يتَّخذها الباحث بنفسه.

ولعلَّ أبرز ما أستطيع أن أتَوَجَّه به للباحثين المبتدئينَ ولطلاَّب الدراسات العليا هو خبرة عالم ينصح الباحثين المبتدئين فقد كتب قبيل وفاته يقول: "ما الذي أستطيع أن أتَمَنَّاه لشباب أمتي الذين يكرِّسون أنفسهم للعلم؟
 أولاً: التَّدَرج، والواقع أنَّني لا أستطيع أبدًا أن أتَمَالَكَ نفسي منَ الانفعال كلَّما تَحَدَّثت في هذه الناحية التي هي أهمّ شرطٍ للبحث العلميّ المُثْمِر، وإيَّاك أن تبدأ خطوة تالية دون أن تكون قد تَمَكَّنت من الخطوة السابقة؛ لئلاَّ تكون مُجرَّد أداةٍ لِتَسْجيل الوقائع؛ بَلْ حاوِلْ أن تنفذَ إلى سرّ حدوثِها، باحثًا باستمرار عن القَوَانين التي تَتَحَكَّم فيها.
ثانيًا: التَّواضع؛ فالغطرسة تَجعلك عنيدًا حين تلزم الموَافَقَة، وتَمنعكَ من قَبول المساعدة وتفقدك الروح الموضوعية.
وثالثًا: الشَّغَف؛ تَذَكَّر أنَّ العلم يَتَطَلَّب منَ الإنسان كل حياته، فكن شغوفًا بعملكَ وبحثكَ".

فالتَّصَدِّي لمشكلة منَ المُشْكِلات بالبحث العلمي فن ومهارة، يحقق فيه الباحث ذاته عن طريق أسلوب تفكيره، ورؤيته للوَاقع، وتفسير البَيَانات، وما يعول عليه مِن وسائل المعالجة، وطريقة العرض، استنادًا إلى القواعد العامَّة للمَنْهج العلمي في البحث والدراسة.
وهناك نقطة منهجيَّة وهي أن تحديد المشكلة يعادل نصف البحث والاهتمام لصياغتها صياغة واعيةً بشكل مُحَدَّد.




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الترغيب في نشر العلم والترهيب من كتمه
  • متابعة التطور العلمي ضرورة

مختارات من الشبكة

  • التراث العلمي عند الإمام الصالحي الشامي من كتابنا: الإمام الصالحي الشامي حياته وتراثه العلمي(كتاب - ثقافة ومعرفة)
  • التساؤلات في البحث العلمي، ماهيتها وأهدافها وصياغتها والفرق بينها وبين الفروض(مقالة - موقع الدكتور أحمد إبراهيم خضر)
  • نموذج " جانت " لتحديد المدة الزمنية المقترحة لخطوات البحث العلمي(مقالة - موقع الدكتور أحمد إبراهيم خضر)
  • خطوة خطوة في تعليم وتعلم اللغة التركية: الخطوة الأولى: القراءة والكتابة (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • خطوات الإعراب... خطوة بخطوة(مقالة - حضارة الكلمة)
  • جبر الخاطر.. ماهيته وصوره(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • الحياء.. ماهيته وبعض أنواعه(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • العنف المجتمعي: ماهيته وأشكاله وأسبابه وواقعه في الأردن(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الأمن الفكري: ماهيته وضوابطه (WORD)(كتاب - موقع الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن معلا اللويحق)
  • علم الأنثروبولوجيا Anthropology ماهيته والانتقادات الموجهة إليه(مقالة - موقع الدكتور أحمد إبراهيم خضر)

 


تعليقات الزوار
3- الأسلوب فن.
أ.د تمار يوسف - الجزائر 09-01-2015 07:52 PM

شكرا الأخ محمد على هذا التقديم، إسمحلي فقط أن أضيف شيء أعتقد أنه في غاية الأهمية، و هو أسلوب البحث أو إن شئنا أسلوب كتابة البحث، و هو شيء شخصي نابع من طريقة تناول الباحث أي موضوع و طريقة عرضه، و هذا فن أعتقد أنه غير متوفر لدى العديد من الباحثين، فهناك بحوث نتلذذ بقرائتها حتى نكاد لا نتوقف حتى تنتهي، وهناك أساليب غير شيقة لأن أسلوبها ليس في المستوى، كل ذلك بغض النظر عن ما قدمته في مقالك، وعليه فإن الأسلوب نابع من نظرة الباحث إلى الكيفية التي يمكن التعبير بها لربط الأشياء فيما بينها، فقط ورثنا نحن العرب كُتاب لا أعتقد أننا سوف نصادف مثلهم في وقتنا هذا، فقد برزوا للوجود عن طريق أسلوبهم الرائع في التعبير عن الظواهر وتحليلها.

2- شكر للكاتب
ابن الإسلام - egypt 15-05-2009 04:26 PM

يتعين على الباحث الالتزام بتبني الأسلوب العلمي في البحث من خلال احترام جميع القواعد العلمية المطلوبة لدراسة كل موضوع،حيث إن تجاهل أو إغفال أي عنصر من عناصر البحث العلمي،يقود إلى نتائج خاطئة او مخالفة للواقع.ومن هنا،فان عدم استكمال الشروط العلمية المتعارف عليها في هذا الميدان،يحول دون حصول الباحث على النتائج العلمية المرجوة.
* موضوع هادف ونشكر د. محمد زيان عمر على هذه الاستفادة ونتمنى المزيد

1- casa blanca sidi momn
aziz - maroc 27-02-2009 01:04 AM
chakeran lnas hada montada
1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 24/11/1446هـ - الساعة: 12:14
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب