• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    المنة ببلوع عشر ذي الحجة (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    أهمية التعلم وفضل طلب العلم
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    حديث: رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، ...
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    حقوق المسنين (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة النصر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    المرأة في الإسلام: حقوقها ودورها في بناء المجتمع
    محمد أبو عطية
  •  
    مفهوم الفضيلة لغة واصطلاحا
    د. أحمد خضر حسنين الحسن
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (7)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    خطبة أحداث الحياة
    الشيخ إسماعيل بن عبدالرحمن الرسيني
  •  
    {هماز مشاء بنميم}
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    الإيمان بالقرآن أصل من أصول الإيمان
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أسباب اختلاف نسخ «صحيح البخاري»
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    خطبة: اشتداد المحن بداية الفرج
    يحيى سليمان العقيلي
  •  
    خطبة: إن الله لا يحب المسرفين
    عبدالعزيز أبو يوسف
  •  
    فضل عشر ذي الحجة (خطبة)
    أ. د. إبراهيم بن صالح بن عبدالله
  •  
    فصلٌ: فيما إذا جُهل حاله هل ذُكر عليه اسم الله أم ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / روافد / موضوعات فكرية
علامة باركود

أم على قلوب أقفالها

محمود محمد شاكر

المصدر: الرسالة، الخميس 24 شوال سنة 1384هـ
مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 8/6/2010 ميلادي - 25/6/1431 هجري

الزيارات: 8373

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

هذه أوَّل مرَّة أستبيحُ لنفسي أن أجعلَ ما تسمعُه أذناي مادَّةً لبعض حديثي إلى الناس بالكتابة، فذلك ليس مِن شيمتي ولا خُلقي؛ لأنِّي أعدُّ اللجوء إلى هذا النمط - ولا سيَّما حين أتناول أمرًا من أمور الأدب أو العِلم، أو السياسة أو غيرها - خروجًا على ما أدَّبني به طولُ اعتزالي الناس، من ترْك المبالاة بما تتلاغطُ به جماهيرُ من الخلق تُعدُّ خطأ في "المثقفين"، وليسوا بهم، ولكنَّهم - إذا حصَّلت ما في صدورهم وقلوبهم وعقولهم - أصحابُ ثرثرة وترترة وبربرة (وهي ثلاثة ألفاظ متقاربة في معاني اللَّغَط والإكثار والهذر، بَيْد أنَّ الفروق بين ثلاثتها تدلُّ على أنَّ هذه اللُّغة الشريفة غاية في براعة التصوير بألفاظها الجامعة).

 

وهم أيضًا في حقيقة أمرِهم مزاميرُ مزعِجة، مختلطة الأصوات في المجالِس، أو شجرٌ مرُّ الثمر، مزروع على قوارع الطُّرق، أو أحلاس مرذولة لكهوف المقاهي المظلِمة أو المضيئة، ولكنَّها على ذلك كلِّه أحلاسٌ ذات فحيح، أو ذات جَعْجعة، ثم لا شيءَ وراءَ ذلك، إلاَّ ما قدَّر المقدِّر من تكاثرها وانتشارها وشيوعها في حياتنا، بأسباب يَعجب المرء كيف جاءتْ، ولِمَ اتفقت؟! فإذا هي في زيِّ أستاذ، أو مفكِّر، أو فيلسوف، أو أديب، أو شاعر، أو كاتب، أو فنَّان، أو ما شئتَ ممَّا تعلم وترى وتسمع!

 

وقد أجاءني طولُ اختباري له وتجرِبتي (أجاءني؛ أي: اضطرني إلى أضيقِ الطرق) أن أعتزلَ عِشرتَها ومصاحبتَها منذُ زمان، وأن أنفضَ ثوبي مِن ثيابها، وأن أقنع بعِشْرةِ أهل الفضل من قليل الناس، حتى خِلتُني قد دخلتُ مع شيخ المعرَّة - رحمه الله - فيما دخل فيه، حيث وعظ نفسه وقال:

لَمْ يَبْقَ فِي الْعَالَمِينَ مِنْ ذَهَبٍ        وَإِنَّمَا  جُلُّ  مَنْ   تَرَى   شَبَهُ[1]
دَعْهُمْ  فَكَمْ  قَطَعَتْ  رِقَابُهُمُ        جَدَعًا وَلَمْ يَشْعُرُوا وَلاَ  أَبَهُوا
قَدْ مُزِجُوا  بِالنِّفَاقِ  فَامْتَزَجُوا        وَالْتَبَسُوا فِي الْعِيانِ  وَاشْتَبَهُوا
وَمَا  لِأَقْوَالِهِمْ   إِذَا   كُشِفَتْ        حَقَائِقٌ   بَلْ   جَمِيعُهَا    شُبَهُ

 

وقد حَمَلني على استباحة ما أنا مستبيحُه هذا الغلامُ الباغي، السليطُ اللِّسان، الوالِغ في آداب العرب وتاريخِها، العابثُ في جهلِه بلغتها، وبقرآنها، وبحديث نبيِّها - صلَّى الله عليه وسلَّم - وبشِعر شُعرائها، مُمكَّنًا من كلِّ ذلك بفضل مؤسَّسة الأهرام التي اتَّخذتْه لها مستشارًا ثقافيًّا، وتركت له الحبلَ على الغارب، يسرَحُ ويمرح، ويرتع ويلعب، وكأنَّها هي لا تدري مَن هو، ولا مَن يكون؟ فصار هو لا يُبالي من القُرَّاء، ولا مَن يكونون؟ وبعقلِه ظنَّ أنَّهم جميعًا بُلهٌ لا يعقلون!!

 

وسأَحْسم هذه المادة الخبيثة ببيان واضح؛ لأنِّي منذُ كنتُ على هذه الأرض، لا أُطيق أن أسلكَ إلاَّ السبل الواضحة البارِزة، ولا ألوذُ بالظِّلال المظلِمة متخفيًّا إلى غايةٍ أريدها، فذلك شيءٌ أَعافُه، وأُنزِّه نفسي عنه في خاصِّ أموري وعامِّها، هكذا عشتُ، وأسأل الله أن يُسدِّدني على ذلك ما بقي فيَّ نَفَسٌ يتردَّد، ومنذ شهور جاء ما لا صَبرَ عليه، وخرجتُ من معتزلي، حيثُ أحببت أن أقضيَ نحبي غيرَ مذكورٍ ولا معروف، وحملتُ القلمَ الذي كرَّم الله به عبادَه حيث قال لنبيِّه في تنزيله: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ [العلق: 1 - 5].

 

وذلك بعدَ أن نحيَّتُه عن أناملي دهرًا مخافةَ أن أعجز، فلا أُطيق أن أقومَ بأمانته، وهي أشرفُ أمانةٍ استودعها الله حملةَ الأقلام من عباده.

 

خرجتُ يومئذ، وحملتُه لا لشيءٍ إلاَّ لأداء هذه الأمانة؛ لأنِّي أحسست أنَّ النكوصَ عن أدائها خيانةٌ لأمانة الله – سبحانه - وخيانة للعِلم الذي علَّمَنيه ربي، وخيانة للماضين مِن آبائي وللحاضرين مِن أهلي وعشيرتي، وللآتين من ذُريةٍ وارثة، نحن الأُمناءُ على تبليغها وأداء الأمانات كلِّها إليها، وهذا أمرٌ جِدٌّ كله، لا يخالطه عندي هزل؛ لأنَّه دينٌ أنا مسؤول عنه بين يدي ربِّ العالمين، وليس مغالبةً ولا حميَّة جاهليَّة.

 

وعسيرٌ جدًّا على خلق كثير، أن يُدرِك اليوم معنى هذا اللَّفظ "دِين" عندنا - نحن المسلمين - لأنَّ المسلمين منذ غُلِبوا على أمرهم بغلبة هذه الحضارة الأوربيَّة على الأرض مُسلِمِها وكافرِها، تلجلجتْ ألسنتُهم بالفَرَق والذُّعر لهول المفاجأة، فصار لسانُ أحدهم أحيانًا كأنَّه مضغةُ لحم مطروحة في جوبة الحَنَك، ليس من عملها البيان!! فمِن يومئذٍ خَفِي على الناس معنى "الدِّين"، إذْ لا مُبين عن معناه، وذاع في الأرض معنى "الدِّين" كما يراه سائرُ أصحاب "الدِّيانات" سوى الإسلام.

 

و"الدِّين" عندنا اسمٌ جامع لكلِّ تصرُّف يتصرَّفه المرء المسلِم في حياته، منذُ يستيقظُ من نومِه إلى أن يؤوبَ إلى فراشه، وفي كلِّ عمل يعملُه، مهما اختلفتْ هذه الأعمال، من أحقرِها وأدناها، إلى أشرفِها وأعلاها، كلُّ ذلك دِينٌ هو مسؤول عنه يومَ القيامة، كما يُسأل عن صلاتِه وصيامه وزكاته وحَجِّه، وإن كان في بعض ذلك على بعض فَضْلٌ، فالدِّين عندنا هو الحياةُ كلُّها، فحقُّ الله على العباد، وحقُّ العِباد على العباد، وحقُّ بدن العبد على العبد نفسِه، كلُّ ذلك دِينٌ هو مسؤول عنه، في الصغير والكبير، وفي أمْرِ الدنيا وأمر الآخرة، وهذا فَرْقُ ما بيننا وبين سائر أصحاب المِلل في معنى "الدين"، بلا مثنويَّة؛ (أي: بلا استثناء).

 

فمَن ظنَّ أنِّي حين أحمل القَلم، أحمله وأنا مُستخِفٌّ بهذه الأمانة، أو مداهنٌ في طريق أدائها، فقد أخطأ، ومَن ظنَّ أني أُفكِّر حين أفكِّر لأكتبَ، وأنا مُسقِطٌ عن نفسي وعن كاهلي عبءَ هذه الأمانةَ، فقد أخطأ، ومَن ظنَّ أني حين أكتب في أدبٍ أو نقد، أو سياسة، أو ما كان من أبواب القوْل، لا أرى شيئًا من هذا أمانةً ينبغي أن أؤديَها على وجهها، وبحقِّها، فقد أخطأ، وكيف، وأنا أخاف أن ألْقَي الله ربي يومَ القيامة، فيناقشني الحساب، و((إنَّه مَن نُوقِش الحساب عُذِّب))؟! وصَدَق رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ولن يحولَ بيني وبين أداءِ هذه الأمانة - إن شاء الله - إلاَّ عذرٌ قاهِر يَغلبُني، أو حتفٌ دائر يقبضني.

 

وهذا أمر لا أظنُّ لويس عوض وأشباه لويس عوض قادرين على إدراكِه حقَّ الإدراك، ولا أُبالي ألاَّ يُدركوه، لا لأنِّي أكرهُ لهم الخير، بلْ لأنِّي أرى نفوسًا قد مردتْ على الهوى والمكْر والتناجي بالإثم، فهي لا تكادُ تنقاد إلاَّ لِمَا مَرَدتْ عليه، فهذا المرءُ لا يزال يدور على الآذان يُزمزِم فيها (والزمزمة: تراطنُ علوج الفرس بصوت تُديره في حلوقها وخياشيمها، فيَفهم بعضُها عن بعض)؛ ليشيعَ عنِّي أنِّي عمدتُ فيما أكتب إلى "التجريح الشخصي"، وإلى "التعصُّب" على أهل دِين من الأديان، وإلى "بعث فتنة قوميَّة ودِينيَّة"، إلى سائر ما يُوسوس به، مما أَعِفُّ عن التصريح به مِن إفك يتمرَّغ فيه اللِّسان، ولقد كنتُ أشرتُ إلى بعض ذلك في المقالة الثامنة، ثم زدتُه بيانًا في المقالة التاسعة، بعدَ أن فوجئتُ بما أذهلني، حيث ردَّد هذا الكلامَ نفسَه مكتوبًا زميلي القديم الدكتور محمد مندور.

 

وقد مضى على ما كتبتُ شهرٌ أو أكثر، ولكن هذا الغلام لا يُريدُ أن ينتهي، ويأتيني الخبر بعدَ الخبر، فأجده لم يزلْ على العهد مقيمًا هو وشيعتُه، فيدور هو، ويديرهم هو أيضًا على الناس؛ ليَصبُّوا في الآذان التي شقَّها الله للسَّمْع، ما لا يجرؤ هو ولا أحدٌ منهم أن يكتبَه معلنًا به، ويفعلون ذلك ويُلِحُّون عليه، إذ هم صُموتٌ لا يردُّون عليَّ شيئًا ممَّا أقول؛ لتلبس وسوستُهم ثيابَ الشكوى، فتكون في استغفال عقول السامعين أسرعَ، وفي إشاعة قالةِ السُّوء عنِّي أمضى، وفي إقناع الغافل بأنَّ ذلك كائنٌ، وبأنَّه صحيح أفعلَ، على طول التَّرْداد لهذه الألفاظ المبهمة المعاني، الممجوجة المباني، السخيفة جِيئةً وذُهوبًا، حيث سارتْ في الطروس والآذان، وأنا لا يسوءني ذلك مِن فِعْلهم، فهي شِنْشِنةٌ قديمة، توارثَ داءَها طوائفُ من أبناء آدم منذُ كانوا على الأرض، بَيْد أنَّ العاقل مَن تأدَّب بأدب أخي سلول حين لقي مِن هذا الداء القديم ما لقي، فذكر قِصَّته فقال:

وَلَقَدْ أَمُرُّ عَلَى اللَّئِيمِ يَسُبُّنِي
فَمَضَيْتُ ثُمَّتَ قُلْتُ: لاَ يَعْنِينِي
غَضْبَانَ مُمْتَلِئًا عَلَيَّ إِهَابُهُ
إِنِّي وَحَقِّكَ سُخْطُهُ يُرْضِينِي

 

إنَّه فعل لا يسوءني قُلامةَ ظفر، ولكنِّي إذا سمعتُ خبرَه مِن سائل أو مستفْهِم ساءني أن أردَّ؛ لأنَّه ممَّا يؤذيني أن أكون كمثلِهم مستخفيًا بحديث أُسِرُّه، فمِن أجل ذلك عزمتُ على أن أكويَ هذا القرْح المُمِدَّ بكلمات لا تتلفَّع بالظلماء، ولا تدبُّ إلى أحد بالمَكْر الخفي.

 

وما يُذيع به هذا الإنسان وشيعتُه المبثوثون بين الناس، من أنِّي عمدتُ في مقالاتي إلى "التجريح الشخصي"، فهو شيءٌ من الباطل يلجأ إليه العاجز، يتَّخذه دِرعًا لعجزه، فيستخدم شناعةَ هذا اللَّفْظ المبهم وسيلةً إلى إقناع السامع بأنَّه لم يتوقَّف عن الردِّ عجزًا، بل تنزُّهًا وترفعًا عن التورُّط في ارتكاب مثله، ممَّا تَكرهه النفوس وتَعافه، ونعمْ فأنَا لم أحبسْ قلمي عن تسطير كلمةٍ بعد كلمة، فيها وصفٌ له يَسوءه هو أن يَسمعه؛ لأنَّه شيء يُخفِيه، أو يضمره، أو يعرفه هو عن نفسِه، ويتظاهر للناس بغيره، ويؤذيه أن يسمعَه الناسُ أو يعرفوه؛ لأنَّه كان يتمنَّى أن يظلَّ مكنونًا مضمرًا، ولكنِّي لم آتِ في كلامي بصفة واحدة من صِفاته، إلاَّ ولها دليلٌ ظاهر من نفس كلامه، لا فيما ذكرتُه من كلماته المقتبسة من مقالاته وكتبه وحسب، بل فيما لم أَذْكُرْه بعد، وسأذكره بدليل قاطع - إن شاء الله.

 

فليس "تجريحًا شخصيًّا" أن أَدْرُس ما كتب عن شيخ المعرَّة، فأجده قد تنفَّخ متطاولاً طولاً وعَرْضًا، وإذا هو بعدَ الفَحْص عن حقيقة تنفُّخه وتطاوله لا يُحسِن أن يقرأ كتابًا، ولا يحسن أن يَفهَم شِعرًا، فإذا قلت: إنَّه "شرلتان"، وهي كلمةٌ معروفة المعاني عندَ أصحابها، وفي استطاعته أن يقرأَ شرحَها في أيِّ معجم، فيجد هذا الشَّرْح مطابقًا لِمَا كان من فِعْله في دراسة رسالة الغفران، وفي تاريخ شيخ المعرَّة، فهل يكون هذا "تجريحًا شخصيًّا"؟!

 

وإذا رأيتُه قد أقرَّ على نفسِه أنَّه مبغضٌ للغة العرب "فكسر رقبة بلاغتها"، وأَنَّ إحساسَه بها ضعيف بالفِطرة، وأنَّه اعترف لنفسه بأنه "لم يقرأْ حرفًا واحدًا بالعربية بين سنِّ العشرين وسنِّ الثانية والثلاثين"، وهي سنُّ التكوين كما يقول في مَعْرِض ذِكْره لأبي العلاء، ثم رأيتُه يتهجَّم على أعظمِ أثر أدبي، وأوعره مسلكًا في لغة العرب، فيحاول أن يُفسِّرَه ويكشف غوامضَه، فهل يُعدُّ "تجريحا شخصيًّا" أن أقول له: إنَّك مجترئ دعيّ؟!

 

فإذا لم يقتصرْ على هذا حتى عمد إلى شِعْر الشيخ يشرحه بجهالته في العربية، ثم سوَّلت له نفسُه أن يُفسِّر أيضًا آيةً من القرآن العظيم بلا تحرُّج، ومدَّعيًا أنَّه قد قرأ تفاسيرَ القرآن، وموهمًا قرَّاءه أنَّ هذا التفسيرَ الفاسدَ مأخوذٌ منها، فهل يكون "تجريحًا شخصيًّا" إذا قلت له: إنَّك جاهلٌ جدًّا، وجريء لا تستحي؟!

 

هل أقصُّ القصَّة كلَّها، من هذا الموضع إلى أن كان ما كان منِّي، إذ سلكتُه بالدليل من قوله وفِعْله، مع صبيان المبشِّرين الذين عرفتُهم وخبرتُهم، واكتويت بنارهم منذ أكثرَ من أربعين سنة؟!

 

ما الذي يُريد هذا الإنسان منِّي أن أقولَه؟ أيُريدني على أن أدعَه يتكلَّم ويفعل، ثم أكتب لأحاورَه وأدواره، وأمسُّه بأطراف البنان؛ لأنَّه عند نفسِه إنسان "مثقَّف" ينبغي أن يُخاطب مخاطبةَ الإنسان "المثقَّف"؟! وماذا أفعل يا سيِّدي، إذا كنتُ أجِدُك إنسانًا غير مثقَّف؛ لأنِّي لستُ ممن يغرُّهم هذا الضَّرْب من "الثقافة"؟! هل تظنُّ أني قادر على أن أنخدع لك عن عقلي، فأنسَى كلَّ ما قرأتُ بالعربية وغير العربية، لا لشيءٍ إلاَّ لأعترف لك بهذا الضَّرْب من "الثقافة"، وإن خالف ما أعرفه مِن معنى "الثقافة" عندَ العرب والأعاجم، على اختلاف أجناسِهم ومِللهم ونِحَلهم؟! دعْ ذا، فإنَّه لا يُغني عنك فتيلاً، ولا تحملني على أوعرَ مما حملْتَني عليه بتهجُّمك على ما لا تعرف، وما لا تُحسن، وإذا كنتُ قد كرهتُ شيئًا، فأشدُّ ما كرهتُ أن غمستُ قلمي في صفاتك، ولولا أداءُ الأمانة على وجهها وبحقِّها، لأعفيتُه ممَّا أكره ويكره.

 

أمَّا "التعصُّب" على أهل دِين من الأديان، و"إرادة بَعْث فتنة قوميَّة ودِينيَّة"، فلا أدري ماذا أقول؟ أأقول ما يُقال في المثل: "رَمتْني بدائها وانسلَّتْ"؟ أم أقول ما عندي خبره، فأروي للناس أقوالاً وأعمالاً تدلُّ على المخبوء تحتَ أرديةِ "الثقافة"، وتحت طيلسان "الأستاذيَّة"؟ كلاَّ، فإنَّه معيب، ولكن حسْبي ما كشفتُ عنه في سالِف مقالاتي، وفيما سيأتي منها؛ ليكونَ اللَّفْظُ المكتوب هو البرهانَ الفاصل، لا الدعوى والشكوى والتباكي، واستغلال الدِّين الذي تنتسب إليه استغلالاً مشينًا، حتى تُلوِّح به في وجوه الناس، كأنَّك أنت الدِّينُ نفسُه، وكأنَّك أنت وحدَك الأمَّة التي تَدين به، فكلُّ ما يُقالُ لك ممَّا يكشف عن سوء طويَّتِك، فهو مُرادٌ به هذا الدِّين وأهلُه، إنَّه لقبيحٌ بك أن تفعل ذلك، ولكن ما لي أعظُك إذا كنتَ امرأً لا يُبالي؟!

 

وهذا المسكين قد استمرأَ هذه الألفاظَ المنكرة لعِلَّة، فإنَّه لَمَّا خرج على الناس يتبجَّح بدراسته رسالة الغفران، ووضع في رأس مقالتِه الرابعة بيتًا من شِعْر أبي العلاء، زعم هو أنَّه قاله في حلب، وهو في وصْف ناقة!! وقَرَأ فيه "الصِّليان"، وهو نَبْتٌ ترعاه الإبل: "الصُّلبان"، وهو جمع "صليب"- انبرى له الأخ الأستاذ عبده بدوي في عدد الرسالة (1087، 8 رجب سنة 1384)، فكشَفَ عن جهلِه وغروره، وتسرُّعه وسوء مقاصده، وتسامع الناس بما في هذه المقالة قبلَ أن تُنشر، ووَقَع إلى المسكين خبرُها، فبادَرَ في وسط المقالة الخامسة (الأهرام 9 رجب سنة 1384)، فأقحَم فيها "مربَّعًا" فيه تصويب، وقال في آخره: "وقد نبَّه إلى هذا الأستاذ الشيخ شاكر، المحقِّق المعروف"، وهذا هذر وادِّعاء؛ لأنِّي بلا شكٍّ غير معروف عندَه على الأقل؛ لأنِّي يوم كنتُ أكتب، كان هو لا يقرأ شيئًا بالعربية - أو كما قال - ثم لو أنَّه عَرَفني لعَرَف أنِّي لست "الشيخ شاكر"؛ لأنَّ ذلك معروف به أبي وأخي الأكبر - رحمهما الله - أمَّا أنا فكلُّ مَن يعرفني، يعرفني على حقيقتي، وحسبُك بهذا ادعاءً وتنفخًا.

 

ولَمَّا استقرَّ في نفس هذا الذكي المدقق، المثقَّف أيضًا أني "الشيخ شاكر"، فنشرتُ مقالتي الأولى بعدَ ذلك بأسبوعين، في عدد الرسالة (1089، 22 رجب سنة 1384) ذَهَب يدور على الناس زاعمًا أنَّ تعرُّضي للكتابة في شأنه وشأن شيخ المعرة، معناه أنِّي أريد أن أجعلَها "معركة دينية"، وكلُّ امرئ يعلم أنِّي لم أذكرْ في مقالاتي الأُوَل كلِّها، لا المقالة الأولى وحدَها شيئًا عن الدِّين، ولا عن التبشير، فمِن أين جاءَه عِلمُ هذا؟! من أن اسمي كان عنده "الشيخ شاكر"، وبلا ريبٍ هذا ذكاء خارق؛ لأنَّه ذكاء "مثقَّف من كبار مثقَّفينا" - كما قال الدكتور محمد مندور!!

 

والحقيقةُ أنَّ الأمر لم يأتِ على هذه الصورة وحدَها، بل أتى أيضًا من أنَّه يَعْرِف نفسَه على حقيقتها، ويعلم ما وراءَ "الخلوة المشهودة بين أشجار الدردار عندَ الشلال بكامبردج"، ويعلم أنَّه كَتَب ما كتب عن شيخ المعرة، وعن غير شيخ المعرة، بوحيٍ مِن "الخلوة المشهودة"، وأنَّه قد وَهَب نفسَه لهذه الخلوة منذُ قديم.

 

فلمَّا جئتُه أنا في أوهامِه وسماديره في صورة "شيخ" انشقَّ فؤادُه عن مكنونه، وذُعِر وطافتْ به سماديره، وجرى اللفظُ على لسانه من فرْط الرُّعْب، ولا يدري، فلمَّا رآني قد شققتُ عنه ما كان يتخفَّى فيه طيلسان الأستاذ الجامعي كان - سُقِط في يدِه، وأخذتْه "الجذبة" وظلَّ يهدر: "التعصب" "الفِتنة القومية" "الفتنة الدينية"، واستحلَّى هذه الكلمات، ولكن هذه الحيلة لا تجوزُ على مِثْلي، وإن كانتْ قد جازتْ على زميلي القديم الدكتور مندور.

 

هذا هو السببُ، وإذا عُرِف السبب، بَطَل العجب، أليس ذلك مما يُقال في المثل؟! وأسوأ شيء أن يَضطرَ المرءُ إلى تحليل السُّخْف الذي ينحلُّ صديده من العقول؛ ليردَّه إلى أصوله ومنابعه، ولكن هكذا قدَّر الله عليَّ أن ألقى، وابتلَى القرَّاءَ بي، وبما أكتب.

 

ولو كان هذا المسكين كاتبَ مقالة كتَبها ثم انتهى، أو قائل كلمة نفَّس بها عن نفسِه ثم سكت، لتركتُه حيث هو في سكراته وغمراته، ولكن البلوى أنَّه صبيٌّ مبشِّر، ثم اندسَّ حتى صار بغتةً مستشارًا ثقافيًّا لمؤسَّسة الأهرام، بعد جهالة أمره وخمول ذِكْره، فأحدثَ لهذه الصحيفة العظيمة القَدْر في بلاد العرب وبلاد المسلمين، ببلواه بلوى لا يَدري المرء كيف يصفها؟ ونظام "التبشير" معروف، وقياداتُه في بلاد الغرب معروفة، وهي ظاهرةٌ علانيَّة في مؤسَّساته، وباطنة خفيَّة في الجامعات، وفي وزارات الاستعمار.

 

ومَن ظنَّ أنَّ التبشير - كما أوضحتُ مرارًا - يعمل ظاهرًا مكشوفَ السِّتْر عن أصحابه ورؤوسه وأعوانه وصبيانه، فقد ظنَّ خيرًا! ومَن ظنَّ أنَّ "التبشير" يلجأ إلى الصراحة في الدَّعوة إلى دِيانته، ونقْد الدِّيانات الأخرى التي يُباغيها، فقد ظنَّ به شيئًا شريفًا! بل هو حليفُ السراديب المظلِمة حيث نشأ، فأساليبُه مُظلِمة ملتوية، غامضة مداهنة منافقة؛ فمِن أجل هذا الذي أعلمُه، والذي خبرتُه بنفسي، لا بالسَّماع والقراءة، لم أتردَّدْ لحظةً في مباغتةِ هذا العابث بالكشْف عن حقيقة أمرِه، وباستخراج الدليل المُبين عن مقاصدِه ومراميه، ثم حاولتُ في خلال ذلك أن أُبيِّن لمؤسسة الأهرام أيَّ بلاءٍ أنزلَه هذا اللاهي بمنزلتها عند الناس، ومع ذلك فقد أردتُ أن أكونَ في محاولتي رفيقًا، ولكنْ كلماتُ هذا المسكين التي يُبرطِم بها في الخلوات، ويُوسوس بها في الآذان، تحملني آسفًا على أن أَزيدَ هذا الأمر وضوحًا وانكشافًا.

 

فأنا أقرأُ صحيفةَ الأهرام منذ وعيتُ وقرأتُ، على ما كان مِن فَسادِ أمرِها أيَّامَ كانتْ في أيدٍ غير أمينة ولا مخلصة، مع ذلك فإنِّي لم أَرَها قطُّ كانت في مثل هذه الحالة التي صارتْ إليها، منذ أصبح أو أمسى هذا الإنسانُ مستشارًا ثقافيًّا لمؤسَّساتها، فإنَّ "التعصب" (أي: الانحياز إلى عصابة من الناس لها هدفٌ ظاهر أو خفي) لم يكن قديمًا مما تراه العين فيها يومًا بعدَ يوم، لا تكاد تخطئه، ولكن منذ انحطَّ عليها هذا الإنسان، انحطتْ معه ظواهرُ كثيرة، حتى صارتْ صحيفةُ الأهرام هي الصحيفةَ التي كادت تكون متفرِّدة بهذه الألوان الفاقعة، الدالة على اتِّجاه بعينه، سواء في مادَّتِها، أو في كُتَّاب هذه المادة، وأحسستُ يومئذٍ أنَّ الجهاز كلَّه بدأ يتحرَّك، وقد كان، فبعد قليل أصبح الأمرُ لا خفاءَ به، وعلى مرِّ الأيَّام صار للمستشار الثقافي سلطان ظاهر، وفائض مِن هذا السلطان يستطيع أن يُخضِع له بعضَ أدوات الإعلام الأخرى، وظهرتِ الأعراضُ في بعض المجلاَّت، واستَشْرَتْ فيها استشراءً مبينًا، وتتابع المدَد، وإذا كلُّ شيء يدور في فلكِه.

 

وتظنُّ أني أغالي، وأرفع شأنَ مَن أصفه بما وصفتُه به، وكأنَّه تناقضٌ أقع فيه؛ ولكنِّي أقول مرَّة أخرى: إنَّ جهاز "التبشير" في العالَم كلِّه كأنَّه جهازٌ واحد، والتكافل بين مؤسَّساته شديد العُرَى، وحسبُك ما أسلفت من ذِكْر مؤتمراتهم في المقالة السادسة وما بعدها.

 

فالعامل في هذا الجهاز لا يقتصرُ أمرُ قوَّتِه على نفسه أو منزلته، بل على التدبير المُحْكَم، والسياسة البصيرة والأعوان المدرَّبِين، وعسى أن يكون أظهرُ عمَّاله اسمًا وأبينُهم سلطانًا هو أقلَّهم شأنًا، وأبعدَهم عن مواطن الريب، فليس في الأمر إذًا غلوٌّ ولا تناقض.

 

ومؤسَّسات "التبشير" في مصر معروفةُ الأسماء والأعلام، ونَشْؤُها الذي كفلته ورعته ونشَّأته لا ارتيابَ فيه، هذا فضلاً عن جمهرةٍ من المخدوعين تعمل في ميدانه، وهي لا تدري أنَّها تعملُ لِهَدْم أمَّتها وبلادها؛ لأنَّهم قد أخذوا من المأْخَذ السَّهْل الذي كشفتْ عنه كلماتٌ نقلتُها آنفًا في مقالاتي، وهو "التعليم" الذي تتولاَّه معاهدُ هي في ظاهرِها العِلم، وباطنها للتبشير المجرَّد.

 

وبعد سنة 1956، وهي سنة العُدوان الثلاثي الذي تجمَّعت له دولُ الاستعمار والتبشير الكُبرى، بدأت جرثومةٌ ذات نشاط مُفرِط، كان من عقابيلها المستشارُ الثقافي لمؤسَّسات الأهرام، وأخذ الاتجاه يستبين شيئًا فشيئًا، حتى أصبحتِ الأسماء التي تدلُّ على أصحابها، والأساليب التي تنمُّ عن مكنون ضمائرهم، والغايات التي تترامَى إليها مقاصدُهم - هي الغالبةَ على جميع أبواب صحيفة الأهرام، وإنِ اتخذتْ أحيانًا سَمْتَ البحث المجرَّد في مصالِح الأمَّة، ووجوه الإصلاح مع النَّغمة العالية في الاهتمام بالأهداف التي صَحِبت انتفاضةَ القوميَّة العربية، وهي القوميَّة الجامعة لمائةٍ وعشرين مليونًا من العرب، ثلاثةٌ وتسعون في المائة منهم مسلمون على الأقل، لا يظنُّ أحدٌ أنَّه سهل إذا أفاقوا، أن يحذفوا تاريخَ أربعة عشر قرنًا من حياتهم، بجرَّة قلم من مؤسَّسات "التبشير".

 

وهذا الضجيجُ العالي، وهذه الأسماء التي انبثَّتْ فجأة فأصبحتْ تُخايل عيونَ الناس يومًا بعدَ يوم، في هذه الصحيفة، وفي غيرِها من المجلاَّت التي كان لجهاز المستشار تأثيرٌ ظاهر عليها - عادةٌ قديمة جدًّا، ارْتَكَبها "التبشير" أو "الاستعمار" مرَّات في مواضعَ كثيرة من الأرض العربية، وأقربُها مثالاً صحيفة الأهرام نفسها، وصحيفة المقطَّم، والهلال، والمقتطف، وعشرات من المجلاَّت والصحف في بلادنا، وغير بلادنا.

 

هذا إلى الأبواقِ التي انطلقتْ معها؛ لتعليَ من ذِكْر جماعات من الكُتَّاب والشعراء، والعلماء والأدباء، حتى جاء يوم وقال فلان وفلان من المستشرقين المحْدَثين، وتابعتهم فئات من "المثقفين"، معلِنين أنَّ النهضة الأدبيَّة في بلاد العرب إنَّما هي عالةٌ كلُّها على "نصارى لبنان"، هكذا قالوها بصريح العبارة، وهي كلمةٌ لا تزال تُقال إلى اليوم، يقولها ذو الآفَةِ متعمِّدًا، والبريء مقلِّدًا، وهي مقالةٌ باطلة من جميع نواحيها، ليس هذا مكانَ الإبانةِ عن بطلانها؛ لأنِّي إنَّما أردتُ أن أدلَّ على أنَّ هذه الطريقة قديمةٌ مألوفة، لجؤوا إليها قديمًا لأغراض، أرجو أن أكشفَ عنها في مقالة مما سيأتي - إن شاء الله.

 

وهذا الأسلوب الذي استحدَثه المستشار الثقافيُّ لصحيفة الأهرام، وهذا الجهاز الذي أداره في داخلِها وخارجها - أدَّى إلى التساؤل في بلادٍ كثيرةٍ من بلاد العرب والمسلمين، وهو شيءٌ أقوله بعلمي؛ لأنِّي أتلقَّى السؤال عنه من كلِّ مقيم ووافد، ما بين الهند إلى المغرب، وهو سؤال يُحرِج المرءَ أن يُجيب، ولكن ماذا يملك الناس إلاَّ أن يسألوا، وهم إنَّما يَعدُّون هذه الصحيفةَ صحيفتَهم الأولى، سواء صدَّقتْ مشاعرَهم مؤسَّسةُ الأهرام، أم كذَّبتْ بها؟!

 

وبالطبع، لا يستطيعُ أحدٌ منهم أن يحصل على هذا الكتاب النفيس المطروح على الأرْصِفة، فيعلم أنَّ مصر قد انقلب الأمرُ فيها فجأة، فصارتْ نسبة عدد السكَّان اليوم: 66 في المائة مسلمين، 33 في المائة غير المسلمين، بعدَ أن كانت النسبة منذ سنة 1917 إلى سنة 1947 في أربع إحصاءات على عهْد الاحتلال الإنجليزي المسيحي هي: 92 في المائة مسلمين، 7 في المائة غير مسلمين؛ وذلك لأنَّ أستاذًا فاضلاً كان "مهندس آثار خريج جامعة بنسلفانيا بأمريكا"، وهو مؤلِّف يقول بلا تحرُّج ما نصُّه: "وتعداد الأقباط يربو على الثمانية ملايين، ويدينون بالمسيحية، ويؤدُّون شعائرَهم الدِّينيَة باللُّغة القبطيَّة، رغمَ أنَّ الغالبية العُظمى لا تتكلَّم بها، ويحافظون على كثير من عاداتهم وتقاليدهم، ورغمَ مشاركتهم المسلمين في التكلُّم بالعربية، ورغم وقوعها تحتَ الحُكم الإسلامي مدة 13 قرنًا".

 

وأنا أترك للقارئ التأمُّلَ في الدافع الذي يدفع إلى مثل هذا الكلام، والنظر في الشُّعور الذي تحمله هذه الكلمات الأخيرة، وبالطبع، ليس هذا تعصُّبًا، أو بعثَ فتنةٍ قوميَّة ودينية، ولكن نقلي إيَّاه هنا، هو "التعصُّب" وهو "الفتنة" أليس كذلك؟!

 

وأحبُّ أن أكونَ بيِّنًا عند هذا الموضع، فإنَّ القبطَ الذين يسكنون مصر، منتشرون في أرجائها من حدود البحر المتوسط إلى أقصى الصعيد، وآلاف مؤلَّفة منهم تعمل في أعمالِها دائبةً لا تُبالي ما يقول هؤلاء "المثقَّفون" خريجو جامعات (كامبردج) وبنسلفانيا وغيرهما، ولا تفقه شيئًا ممَّا يُزمْزِمون به هم وأشياعهم، وقد عاشوا ثلاثةَ عشر قرنًا أو تزيد، لا يحملون هذا الذي يحمله أصحابُ الألسنة الفصيحة التي تفلسف، وتتأدَّب وتؤرِّخ، وتعبث ما شاء لها العبث، وتعطي مقادتَها لمستعمر لا يُريد بها ولا بسائر العرب والمسلمين خيرًا، والظنُّ بهم - وهم سوادُ القبط - ألاَّ يمكِّنوا هذه الفئةَ الجاهلة من أسماعهم، فإنَّها إذا تمكَّنت منها أضلتْهم، فإذا ضلُّوا بضلالها، أساؤوا إساءةً لا يمحوها عذر.

 

إنَّ هذا الجهاز جهاز التبشير، الذي يعمل بلا مللٍ ولا كلال، والذي يُجدِّد أساليبَه مع كلِّ زمان، وعند المخافة من انكشافها، ينبغي أن يتوقَّف، وكهوفُ السرار والدس والتخابث، التي عندها مفاتِح حركته، ينبغي أن تكفَّ، فالعالَم العربي الذي بدأ يتحرَّك بملايينه، فيدخلون هم خُفيةً في حركته؛ ليوقعوا فيها الاضطرابَ والحَيْرة والبلبلة، يوشك أن ينتبَه فجأة، فمَن يعصمهم يومئذٍ إذا أخذَهم أخْذة رابية؟

 

إنَّ هذا الأمرَ الواضح العواقب، لا يستغلقُ إلاَّ على مِثْل عقول المبشِّرين المغلقة، وعلى مِثْل قلوبهم الغُلف، وعلى مثل ذكائهم الذي لا يُحسِن إلاَّ المكر والخديعة، وإذا ظنَّ هؤلاء البُلْه أنَّ ما مرَّ بنا من مكرِهم في استعمارهم الماضي، وفي تخابُثِهم بعدَ زواله عن أرضنا، سوف ينتهي إلى أن يتحوَّل الإسلامُ إلى صورة جديدة في العقيدة، وصورة جديدة في الحياة، وعندئذٍ تكون نهايته، وتبتلعه النصرانية - كما زعم لهم القسيس "ينج" في بعضِ تقاريره - فإنَّهم ليظنُّون، ولكن هلاَّ ظنوا أيضًا أنَّ الظنون وحدَها ترمي في المتالِف!

 

هذه كلمة كنتُ أحبُّ ألاَّ أكتبَها، ولكنِّي لن أعرضَ لشيء أثارني إليها مرَّة أخرى، ولو ظلَّ هذا الإنسان واقفًا على أفواه الطُّرق، يتلقَّى السابلةَ بالصياح والشكوى والتباكي، ويلجُّ بأمثال هذه الكلمات التي لا تُغنِي عنه شيئًا، ولا تنال مني كبيرَ نَيْل، وليس على الأرض أجهلُ مِن قوْم يستعرضون الناس بالأذَى، فينالون مِن آدابهم ولُغتهم وتاريخهم، ودِينهم وأنبيائهم، فإذا زجَرَهم زاجرٌ وانتهرَهم، راحوا يُعْوِلون ويضرعون؛ ليسترِقُّوا القلوبَ بالإعوال والضراعة، كأنَّهم مظلومون قد اعْتَدَى عليهم زاجرُهم عن هذا الأذى الممقوت، ولا أجدُ فيما أعلم سِيرةً هي أوْلَى بالمقْتِ مِن هذه السِّيرة.

ــــــــــــــ
[1] الشبه: ضرب من النحاس يُلقى عليه دواء فيصفر، وإذا فعل به ذلك أشبه الذهب




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • من وراء حجاب
  • ليس حسنًا
  • بل معيبًا
  • بل قبيحًا
  • بل شنيعًا
  • نار حامية
  • تهجم على التخطئة (السلام عليكم)
  • غُبَّرات لا غُبارات
  • مولده
  • نقد

مختارات من الشبكة

  • أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها (بطاقة)(مقالة - مكتبة الألوكة)
  • تأملات في قوله تعالى: {أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها}(مقالة - موقع د. أمين بن عبدالله الشقاوي)
  • مفتاح الأقفال ومزيل الإشكال عما تضمنه مبلغ الآمال من تصريف الأفعال دراسة وتحقيقا(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • فتح الأقفال بشرح تحفة الأطفال للجمزوري (المتوفى سنة 1227 هـ) ومعه منظومة تحفة الأطفال (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • ما يقول إذا قفل من سفر الحج وغيره(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن حمود الفريح)
  • الاستغفار يفتح الأقفال (تصميم)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة فتح الأقفال بشرح تحفة الأطفال (نسخة ثانية)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • فتح الأقفال بشرح تحفة الأطفال لسليمان الجمزوري (5)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فتح الأقفال بشرح تحفة الأطفال لسليمان الجمزوري(4)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فتح الأقفال بشرح تحفة الأطفال لسليمان الجمزوري (3)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 25/11/1446هـ - الساعة: 8:19
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب