• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / علوم حديث
علامة باركود

ضمن جولة في صحيح مسلم: الحياء أنواعه وبعض مباحثه

الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 14/2/2010 ميلادي - 29/2/1431 هجري

الزيارات: 48383

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

ضمن جولة في صحيح مسلم

الحياء أنواعه وبعض مباحثه


الحمد لله الذي أمدَّنا بكثير من النعَم والعطايا، وردَّ عنَّا كثيرًا من النقَم والخزايا، أحمده حمدًا يليق بِجلاله، وأحتاج بعد أن أحْمَده إلى أن أحْمَده تارةً بعد تارة، وأراني عاجزًا عن تمام الشُّكر والحمد والثَّناء، فليس لي إلاَّ أن أتبرَّأ من حولي وقوَّتي إلى حولِه وقوَّته - سبحانه - فأقول: لا حول لي ولا قوَّة إلاَّ بك يا الله، فارزُقْني شكرًا وحمدًا تامَّين، كما رزقْتَني نعمةً ومنَّةً تامَّتين.

 

ثمَّ الصَّلاة والسَّلام على خير الشَّاكرين الحامِدين، الَّذي أُوتي خلقًا عظيمًا فدعا النَّاس، وممَّا دعا إليْه خلق الحياء الَّذي به ينال العبد كلَّ خير، فهو خلُق لا يأتي أبدًا إلاَّ بخير، كما قال المصطفى - صلَّى الله عليه وسلَّم - ومِن دونه يفقد العبدُ كلَّ خير.

 

يقول ابن القيم - رحمه الله -: "فمَن لا حياءَ له ليس معه من الإنسانيَّة إلاَّ اللَّحم والدَّم وصورتهما الظَّاهرة، كما أنَّه ليس معه من الخير شيء".

 

وكماله حينما يكون حياءً من الله - تعالى - فبه يكون كلّ حياء، ويتفاوت النَّاس فيه على مراتِبَ شتَّى، ولَكَم شكوْنا في زمانِنا من غياب هذا الخلُق العظيم، في الأسْواق والأعراس، وفي العلاقات الأسريَّة بين الآباء والأبْناء، وبين الإخوة والأقارب والأصدقاء، وفي محاضِنِ التعليم بين الطلاَّب، بل - ومع الأسف - حتَّى بين بعض المربِّين للأجيال - إن سمِّي مربيًا تجاوزًا - حتَّى نشأ ناشئُ الفتيان فينا على ذاك.

 

وتباعًا لما سبق من الموضوعات الَّتي هي نتاج جوْلة في "صحيح مسلم" في التوضيح والبيان، اخترتُ هذا الحديثَ لأتكلَّم عليه على نسق ما سبقه من طرْح، فاللهَ أسألُ أن يرزُقني وإيَّاك تمام الحياء، ومنه كل خير.

 

فإليْك - أخي المبارك - هذا الحديثَ مع شيءٍ من مباحث الحياء.

 

عن عِمْرانَ بْنِ حُصَيْنٍ - رضي الله عنْه - عنِ النَّبِيِّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - أنَّهُ قالَ: ((الحَياءُ لا يَأْتي إلاَّ بِخَيْرٍ))، فقَالَ بُشَيْرُ بْنُ كَعْبٍ: إنَّهُ مَكْتوبٌ في الحِكْمةِ: أنَّ مِنْهُ وَقارًا وَمِنْهُ سَكِينَةً، فَقالَ عِمْرانُ: أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسولِ اللهِ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - وتُحَدِّثُني عَن صُحُفِكَ؟!

 

وفي رواية لمسلم: قالَ رَسُولُ اللّهِ - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((الحَياءُ خَيْرٌ كُلُّهُ))، قالَ: أوْ قَالَ: ((الحَياءُ كُلُّهُ خَيْر)).

 

أولاً: تخريج الحديث:

الحديث أخرجه مسلم في "كتاب الإيمان، بابُ بيان عدد شُعَب الإيمان وأفضلها وأدناها، وفضيلة الحياء وكونه من الإيمان"، حديث (37)، وأخرجه البخاري في "كتاب الأدب، باب الحياء"، حديث (6117).

 

وأمَّا رواية: ((الحياء خير كله)) أو قال: ((الحياء كله خير))، فانفرد بها مسلم عن البخاري في نفس الباب والكتاب السَّابقين، وأخرجها أبو داود في "كتاب الأدب، باب في الحياء" حديث (4796).

 

ثانيًا: شرح ألفاظ الحديث:

(بُشَيْرُ بْنُ كَعْبٍ): بُشير: بضمِّ الباء أحد كبار التَّابعين وفضلائِهم.

(الحِكْمَة): هي في الأصل إصابة الحقّ عن طريق النَّظر الثاقب والعِلْم.

(أنَّ مِنْهُ وَقَارًا وَمِنْهُ سَكِينَةً): أي: إنَّ الحياء منه ما يحمِل صاحبَه على أن يوقِّر غيره، ويتوقَّر هو في نفسه، ومنْه ما يحمل على أن يسكُن عن كثيرٍ من المنهيَّات والمكْروهات والأشياء الَّتي لا تليق بذي المروءة.

 

ثالثًا: من فوائد الحديث:

الفائدة الأولى: الحديث دليلٌ على فضل الحياء وأنَّه محمود على كلّ حال، وهذا الحياء الشَّرعي؛ حيث قال النَّبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((الحَياءُ خَيْرٌ كُلُّهُ)) و ((الحَياءُ كُلُّهُ خَيْرٌ))، وفي الصَّحيحَين من حديث ابنِ عُمر - رضي الله عنهما - قال النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((الحياء من الإيمان)).

 

فإن قيل: هُناك مِن الحياء ما يَمنع صاحبه من قوْل الحقّ أو الأمر بالمعْروف والنَّهي عن المنكر، فكيف نجمع بيْنه وبين كون الحياء لا يأْتي إلاَّ بخير، وأنَّه خيرٌ كلّه؟

والجواب: أنَّ هذا الحياء ليس هو الحياء الشَّرعي الَّذي هو خير كلّه، بل هو خجَل وخور وعجْز ومهانة، وسمِّي حياءً مجازًا وتشبيها؛ لأنَّه يشترك مع الحياء الشَّرعي في معنى الانكسار والانقباض، وتعارف عند النَّاس أنَّه حياءٌ لكنَّه ليس حياءً شرعيًّا، وإن سمي حياءً، فهو حياء مذْموم ليس مقصودًا في الحديث.

 

الفائدة الثانية: اختُلف في سبب إنكار عمران بن حصين - رضي الله عنه - وغضبه على بُشير بن كعب حينما قال له: "إنَّهُ مَكْتُوبٌ في الحِكْمةِ: أنَّ مِنْهُ وَقَارًا ومِنْهُ سَكِينَةً".

 

اختلف فيه على عدَّة أقوال:

فقيل: لأنَّ بُشيرًا قال: "أَنَّ مِنْهُ وَقارًا ومِنْهُ سَكِينَةً" و(من) للتَّبعيض؛ فيفهم منه أنَّ من الحياء ما يُنافي الوقار والسَّكينة؛ ولذلك أنكر عليه، ويؤيِّده رواية مسلم الأُخرى: "فقال بشيرُ بن كعب: إنَّا لنجِد في بعض الكتُب أو الحكمة: أنَّ منه سكينةً ووقارًا لله، ومنه ضَعْفٌ، فغضب عمران".

وقيل: إنَّما غضب لأنَّ بشيرًا قال ذلك في معرض مَن يُعارض كلام الرَّسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - بكلام غيره، ويؤيِّده آخِر الحديث حيث قال عمران: "أحَدِّثُكَ عَن رَسُولِ اللهِ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - وتُحَدِّثُنِي عَن صُحُفِكَ؟!".

وقيل: إنَّما غضِب لأنَّه خاف أن يَخلط السنَّة بغيرها، فسدَّ ذريعة ذلك بالإنكار عليه.

 

الفائدة الثالثة: مِن مباحث الحياء أيضًا ما يلي:

تعريف الحياء: الحياء هو تغيُّر وانكِسار يعتري الإنسان من خوف ما يُعاب به، وفي الشَّرع: خُلُقٌ يبعث على اجتِناب القبيح ويَمنع من التَّقصير في حقّ ذي الحقّ، هكذا عرَّفه ابن حجر في "الفتح".

[انظر "الفتح": كتاب الإيمان، باب أمور الإيمان، حديث (9)].

وقيل في الحياء تعريفاتٌ أُخرى غير هذا.

 

للحياء نوعان: حياء غريزي، وحياء مكتسب.

النَّوع الأوَّل: الحياء الغريزي، وهو الَّذي يكون خِلْقة وجبلَّة، وهذا النَّوع ليس مقصودًا في حديث الباب ولكنَّه يُعين على المكتسب؛ فهو سبب في الكفّ عن القبائح.

 

والنَّوع الثاني: الحياء المكتسَب، وهو المقصود؛ لأنَّه هو الذي يكون معه نيَّة تبعث صاحبه على فعل الطاعة وتحْجزه عن فعل المعصية، فاستِعْمال الحياء على وفْق الشَّرع يحتاج إلى نيَّة، وهذا يكون في المكتسَب، وقد جمِع للنَّبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - النَّوعان من الحياء، فكان في الغريزيِّ أشدَّ حياء من العذراء في خدْرِها، وكان في المكتسَب المثلَ الأعلى في البشريَّة - صلَّى الله عليه وسلَّم.

 

الحياء والاستحياء من صفات الله - تعالى - وهي صفة خبريَّة ثابتة بالكتاب والسنَّة، و (الحيي) من أسماء الله - جلَّ وعلا.

ودليل ذلك من الكِتاب قولُه تعالى: ﴿ إنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْربَ مَثَلاً مَّا بَعوضَةً فمَا فوْقَهَا ﴾ [البقرة: 26]، وقوله: ﴿ وَاللَّهُ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الحَقِّ ﴾ [الأحزاب: 53].

ومن السنَّة: حديث أبي واقد - رضِي الله عنْه - في الصحيحين، وفيه: ((وأمَّا الآخَر فاستحْيا، فاستحيا الله منه، وأمَّا الآخر فأعْرَضَ فأعْرض الله عنْه)).

وحديث سلْمان - رضِي الله عنْه - مرفوعًا: ((إنَّ ربَّكم حيي كريم، يستحْيي من عبدِه إذا رفع إليْه يديْه أن يردَّهُما صفرًا خائبتَين))؛ رواه أبو داود والتِّرْمذي[1].

 

وحياءُ الرَّبّ - جلَّ وعلا - ليس كحياء المخْلوقين الَّذي هو تغيُّر وانكسار، بل هو حياء يَليق بجلالِه يَكون فيه ترْك ما ليس يتناسب مع سَعة رحمتِه وكمال جُوده وكرمه وعظيم عفْوه، فلا يفضح عبدَه إذا عصاه وجاهر بذلك، بل يستُره استِحْياء من هتْك ستره، قال ابن القيم في نونيَّته:[2]

وَهُوَ الحَيِيُّ فَلَيْسَ يَفْضَحُ عَبْدَهُ
عِنْدَ التَّجَاهُرِ مِنْهُ بِالعِصْيَانِ
لَكِنَّهُ يُلْقِي عَلَيْهِ سِتْرَهُ
فَهُوَ السَّتِيرُ وَصَاحِبُ الغُفْرَانِ[3]

 

أعظم صور الحياءِ الحياءُ من الله.

فمَن استخفَّ بالأوامِر والنَّواهي الشَّرعيَّة، دل ذلك على عدم إجلالِه لربِّه وإعظامه، وعدم حيائِه منْه - جلَّ وعلا.

 

وأدلُّ دليلٍ على ذَهاب الحياء من الله عندَ بعض النَّاس أن تجِدَه ضابطًا لسلوكه وأقوالِه وأفعالِه عند مَن يَحترمهم من البشر، ثمَّ هُو إذا خلا منهم ولَم يطَّلع عليْه إلاَّ ربُّ البشَر وجدتَه يتصرَّف بلا قيود، وعن سعيد بن يزيد الأزْدي - رضي الله عنْه - أنَّه قال للنَّبيِّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: أوْصني، قال: ((أُوصيك أن تستحيي منَ الله - عزَّ وجلَّ - كما تستحيي من الرَّجُل الصَّالح))[4].

 

قال المناوي - رحِمه الله -: "((أُوصيك أن تستحيي من الله كما تستحيي من الرَّجُل الصَّالح من قومِك)) قال ابن جرير: هذا أبلغ موعظة وأبين دلالة بأوجز إيجاز وأوضح بيان؛ إذ لا أحد من الفسَقة إلاَّ وهو يستحيي من عمَل القبيح عن أعيُن أهل الصلاح وذوي الهيئات والفضل، أن يراه وهو فاعله، والله مطَّلع على جميع أفعالِ خلقِه؛ فالعبد إذا استحيا من ربِّه استِحْياءَه من رجُل صالح من قومه تجنَّب جميع المعاصي الظَّاهرة والباطنة، فيا لَها من وصيَّة ما أبلغها وموعظة ما أجمعها!"[5].

 

ولقد كان الرَّعيل الأوَّل أشدَّ النَّاس حياءً من الله تعالى، حتَّى تعدَّى حياؤهم لشيءٍ لا بدَّ لهم منه؛ ففي "صحيح البخاري": سُئل ابنُ عبَّاس عن قولِ الله تعالى: ﴿ أَلا إِنَّهُمْ يثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ [هود: 5]، فقال: "أناس كانوا يستحْيون أن يتخلوا فيفضوا إلى السَّماء، وأن يُجامعوا نساءهم فيفضوا إلى السماء، فنزل ذلك فيهم".

ويفْضوا إلى السَّماء؛ أي: ليس هناك ما يحجُبُهم من سقف ونحوه.

 

وكان أبو بكر الصدّيق يقول: "استحْيوا من الله فإنِّي أذهب إلى الغائط فأظلُّ متقنِّعًا بثوبي حياءً من ربي".

وكان أبو موسى إذا اغتسلَ في بيت مظْلِم لا يُقيم صلبَه حياءً من الله - عزَّ وجلَّ[6].

 

المعاصي تذهب الحياء:

قال ابن القيم - رحمه الله -: "من عقوبات المعاصي ذَهاب الحياء الذي هو مادَّة حياة القلب، وهو أصل كل خير، وذَهابه ذهاب الخير أجمعه؛ فقد جاء في الحديث الصَّحيح: ((الحَياءُ خَيْرٌ كُلُّه))"[7].

 

الحياء أصل كل شيء:

قال ابن القيم - رحِمه الله -: "فمَن لا حياءَ له ليس معه من الإنسانيَّة إلاَّ اللَّحم والدَّم وصورتهما الظاهرة، كما أنَّه ليس معه من الخير شيء، ولوْلا هذا الخلق لم يقْرَ الضيف، ولم يوف بالوعد، ولَم تؤدَّ الأمانة، ولم تقْضَ لأحد حاجة، ولا تحرَّى الرَّجُل الجميل فآثره، ولا القبيح فتجنَّبه، ولا ستر له عورة، ولا امتنع من فاحشة، وكثير من الناس لوْلا الحياء الَّذي فيه لم يؤدِّ شيئًا من الأمور المفترضة عليْه"[8].

 

من أقوال السَّلف في الحياء:

تقدَّم فعْل أبي بكر وأبي موسى - رضي الله عنْهما.

قال عمر - رضي الله عنْه -: "مَن قلَّ حياؤه قلَّ ورَعُه، ومَن قلَّ ورعه مات قلبُه".

وقال ابنُ مسعود - رضِي الله عنْه -: "مَن لا يستحْيِي من النَّاس لا يستحْيي من الله".

وقال الحسن البصري - رحِمه الله -: "الحياء والتكرُّم خصلتان من خصال الخير لَم يكونا في عبدٍ إلاَّ رفعه الله بهما".

 

وإلى الله تعالى نشْكو ذهاب هذا الخلق في كثيرٍ من صور حياة النَّاس اليوم، على مستوى الأفراد والمجتمعات، فالرَّجُل يجلب القبائح لنفسِه بسلوكه مع الخلق، وفي بيته، فيعرض فيه ما يسلخ الحياء، ويربِّي أبناءه على ذلك، فيجلب لهم القنوات الهابطة والأغاني الماجنة والصور الخليعة والتَّعاليم المقيتة، ولا تسل حينئذٍ عن حياء الأبناء نتيجةَ هذه التربية، والمرأة لا تبالي فيما فعلت فتخرُج إلى الأسواق متطيِّبة ومتجمِّلة، وبِحجاب يحتاج إلى حجاب، وفي قصور الأفْراح بلباس عارٍ وإظهار المفاتن وقبائح لا تنبغي إلاَّ للزَّوج، وفي مخالطتها للرِّجال الأجانب وحديثها ورفْع صوتها ونحو ذلك من الصور، وفي الشبكات العنكبوتيَّة صور يندَى لها الجبين تدلُّ على موت هذا الخلق العظيم عند الفتيات، فرحِم الله حالَهنَّ وأحسن عزاءهنَّ، ببعدهنَّ عن حال أمَّهات المؤمنين ونساء الصَّحابة؛ فعن أمّ المؤمنين عائشة - رضِي الله عنْها - قالت: "كنتُ أدخل البيت الَّذي دفن فيه رسولُ الله وأبي وأضع ثوبي، وأقول: إنَّما هو زوْجي وأبي، فلمَّا دُفِن عمر، والله ما دخلت إلاَّ ومشْدودة عليَّ ثيابي حياءً من عمر"[9].

 

وفي سنن أبي داود من حديث أبي أسيد الأنصاري عن أبيه - رضي الله عنْه - أنَّه سمع رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقولُ وهو خارج من المسجِد، فاختلط الرِّجال مع النساء في الطَّريق، فقالَ رسولُ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((استأْخِرْن فإنَّه ليس لكنَّ أن تحققن الطَّريق، عليكنَّ بحافات الطَّريق))، فكانت المرأة تلتصِق بالجدار حتَّى إنَّ ثوبها ليتعلَّق بالجدار من لصوقها به.

 

قال الألباني: "وبالجملة؛ فالحديث حسن"[10].

 

نسأل الله أن يهبَ لنا ولأزواجِنا وأبنائِنا وجَميع المسلمين حياءً يدفعُنا للمحاسن، ويدفع عنا القبائح.



[1] انظر: صحيح الجامع (1757).

[2] (2 /80).

[3] انظر كتاب: صفات الله - عزَّ وجلَّ - الواردة في الكتاب والسنَّة لعلوي السقَّاف، ص 147.

[4] رواه أحمد في "الزهد" (46)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (6 /145)، والطَّبراني في "المعجم الكبير" (7738)، وصحَّحه الألباني في "الصحيحة" (741).

[5] انظر: فيض القدير (3 /74).

[6] انظر: فتح الباري لابن رجب (1/52).

[7] انظر مزيدًا أيضًا: الداء والدواء ص (131).

[8] انظر: مفتاح دار السعادة (277).

[9] رواه الحاكم في المستدرك وصحَّحه على شرط الشيخين.

[10] انظر: الصحيحة (2 /537).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • ضمن جولة في صحيح مسلم: إتحاف الحاج الغابر بفوائد حديث جابر
  • ضمن جولة في صحيح مسلم: اللمعة في بيان صفات السبعة
  • ضمن جولة في صحيح مسلم: تنبيه المستنين إلى أن كل بدعة ضلالة في الدين
  • ضمن جولة في صحيح مسلم: الاستقامة ثمراتها وثوابتها ومعوقاتها
  • ضمن جولة في صحيح مسلم: الكنز المفقود.. القناعة في الرزق
  • ضمن جولة في صحيح مسلم: المسلم بين الإنفاق والإقتار
  • ضمن جولة في صحيح مسلم: الصبر (معناه وأهميته وأنواعه وعشرون ثمرة له)
  • الصعود إلى القاع
  • الحياء من الله تعالى
  • قنطرة الخير
  • الحياء حلية المؤمنين
  • أختاه: حياؤك.. حياتك
  • من الشمائل والصفات المحمدية .. الحياء
  • الحياء من الإيمان
  • مباحث ومشكلات في الأدب المقارن العربي (1)
  • اغتيال الحياء في عصر الجسد العاري
  • الحياء في طبيعة الحيوان

مختارات من الشبكة

  • ضمن جولة في صحيح مسلم: تنبيه المستنين إلى أن كل بدعة ضلالة في الدين(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • أستراليا: تعيين أول داعية مسلم ضمن قوات الدفاع(مقالة - المسلمون في العالم)
  • تفسير: (تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات..)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • لماذا يشعر بعض المسلمين أحيانا بثقل بعض الأحكام الشرعية وعدم صلاحيتها؟(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • المسلمون: موقف بعضهم من بعض، وموقفهم حيال الأجنبي!!(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • مخطوطة الجمع بين الصحيحين: صحيح البخاري وصحيح مسلم(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • شرح جامع الترمذي في السنن (باب ما جاء أن الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن)(مادة مرئية - موقع موقع الأستاذ الدكتور سعد بن عبدالله الحميد)
  • معرض إسلامي بمكتبة ميلبورن ضمن فعاليات شهر التراث الإسلامي بنيوجيرسي(مقالة - المسلمون في العالم)
  • ثلاثة ضمن الله لهم الرزق والجنة(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • ست خصال وصفات من مات عليها ضمن الله له الجنات(مقالة - آفاق الشريعة)

 


تعليقات الزوار
1- شكر
مصطفي فوزي - مصر 17-01-2015 09:55 AM

السلام عليكم ورحمة الله وبكاتة
جزاكم الله خير
وبارك الله في كل من ساهم في هذا العمل

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب