• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / عقيدة وتوحيد
علامة باركود

العلاقة بين الإسلام والأديان السابقة

الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن معلا اللويحق

عدد الصفحات:14
عدد المجلدات:1

تاريخ الإضافة: 19/11/2015 ميلادي - 6/2/1437 هجري

الزيارات: 128916

 نسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تحميل ملف الكتاب

العلاقة بين الإسلام والأديان السابقة


المقدمة

من نعمة الله تعالى على خلقه وفضله عليهم أن خلقهم مفطورين على معرفته تعالى ومعترفين بوجوده، وجعل هذه الفطرة راسخة لا تتبدل منذ بدء الخليقة ثم عزز الله تعالى هذه الفطرة بما بثه في الكون من مخلوقات نصبها آيات شاهدة على وجوده.

 

ولكن لما كان الله تعالى لا تمكن معرفته على وجه التفصيل إلا بوحي من عنده فقد أرسل الله تعالى رسله بذلك؛ ليعرفوا العباد بخالقهم ومعبودهم، كما أن تلك الرسل جاءت بتفصيل كيفية عبادة الله تعالى؛ لأن ذلك مما لا يعرف إلا بوحي منه تعالى؛ لذا فإن هذين الأصليين هما أعظم ما جاءت به الرسل من عند الله تعالى في جميع الأديان السماوية، بناء على ذلك فان الشرائع السماوية قد جاءت بغايات كبرى متفق عليها في الأديان جميعا وتتمثل تلك الغايات في:

1- توحيد الله الخالق عز وجل بأنه تعالى واحد في ذاته، وواحد في صفاته وأسمائه.

 

2- عبادة الله تعالى وحده بلا شريك يعبد من دونه أو معه.

 

3- الحفاظ على مصالح الناس الحياتية ومحاربة الفساد والمفسدين فكل ما فيه صيانة للدين والنفس والعقل والمال والنسل فهو مصلحة تحميها لأديان، وكل ما فيه إخلال بهذه الكليات الخمس، فهو مفسدة تحاربها الأديان وتمنعها.

 

4- الدعوة إلى مكارم الأخلاق، وكريم القيم والعادات، وقد أشار الله تعالى إلى هذا الاتفاق في أصول الأديان السماوية في القرآن الكريم بقوله: ﴿ شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ﴾ [الشورى: 13].

 

ثم إن الله تعالى قد قضى بحكمته البالغة ومشيئته الماضية أن تكون الرسالات السماوية قبل الإسلام – الرسالة الخاتمة - محدودة بزمان معين وبالتالي جاءت كل رسالة بتشريعات تفصيلية خاصة تناسب حال القوم المخاطبين بها، وقد أشار الله تعالى إلى ذلك أيضا في القرآن الكريم ونبه للحكمة منه بقوله: ﴿ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴾ [المائدة: 48].

 

وقد مرت الحياة الإنسانية بأطوار كثيرة، ضلالة وهدى، واستقامة واعوجاجا، وبدائية، وتحضرا، وقد واكبت الهداية الربانية كل تلك الأطوار وجاءت بما تتطلبه من حلول وعلاج.

 

وكان ذلك هو مدار الاختلاف الذي لم يتعد مجاله التشريعات والحلول الجزئية بسبب مواجهة كل رسالة لمشكلات خاصة بأقوام معينين، ومن ثم بقيت أوجه الاتفاق كبيرة ومجاله عظيماً.

 

جوانب الاتفاق بين الشرائع السماوية:

والحديث هنا إنما يتنزل على أصول الشرائع التي جاءت من عند الله بغض النظر عما تعرضت له من تحريف أو تبديل، وجوانب الاتفاق تتجلى في عدة نقاط:

أولا: وحـدة المصـدر:

فهذه الرسالات واحدة في مصدرها حيث تلقاها الرسل الكرام صلوات الله وسلامه عليهم من عند الله سبحانه وتعالى وكان دورهم فيها لا يتجاوز التبليغ عن الله: ﴿ شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ﴾ [الشورى: 13] ﴿ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ ﴾ [النور: 54].

 

وبناء على هذا فان أساس إيمان المسلم التصديق بكل الرسالات والإيمان بكل أنبياء الله ورسله كما قال الله تعالى: ﴿ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ﴾ [البقرة: 285] ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ ﴾ [النساء: 152].

 

ثانيا: وحـدة الغايات الكبرى:

فغايات هذه الرسالات وأهدافها النهائية واحدة، وهي هداية الناس إلى الله وتعريفهم به وتعبدهم له وحده وقد جاءت الرسالات كلها تأكيدا صادقا لهذا المعنى وكانت العبارة التي تكررت على ألسنة الرسل جميعا هي: ﴿ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ﴾ [الأعراف: 59].

 

ثالثا: الاتفاق في الأصول المبادئ العامة:

فالرسالات تتفق في أصول الاعتقاد كالإيمان بالله وملائكته، وكتبه ورسله، واليوم الآخر، وكذلك أصول التشريع ومقاصده العامة كحفظ الدين والنفس، والعقل والمال والنسل، وكإقامة العدالة في الأرض: ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ﴾ [الحديد: 25] وكذلك أصول المحرمات وأمهاتها كالإشراك بالله والزنا وقتل النفس بغير حق، وأكل مال الغير وشهادة الزور وغيرها.

 

وكأصول الأخلاق مثل الصدق والعدل والإحسان، والعفاف والبر والرحمة بالخلق وغيرها.

 

فهذه كلها وغيرها مما هو في معناها أصول دائمة باقية تمثل جوهر كل الرسالات والرباط الذي ينظمها جميعاً.

 

رابعا: اتفاقها جميعا في اسم الإسلام:

فهي كلها جاءت لإسلام الحياة لله فجمعها بذلك اسم الإسلام. فالإسلام بهذا المعنى هو دين الأنبياء جميعا: ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ﴾ [آل عمران: 19] وهذا ما نطق به القرآن على السنة الرسل يقول الله تعالى على لسان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: ﴿ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [يونس: 72] وإبراهيم و إسماعيل عليهما السلام قالا: ﴿ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ ﴾ [البقرة: 128] ويعقوب يوصى أبناءه قائلا ﴿ يَابَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [البقرة: 132] ويوسف يدعو ربه قائلاً: ﴿ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ﴾ [يوسف: 101] وقال موسى لقومه: ﴿ يَاقَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ ﴾ [يونس: 84] وسحرة فرعون لما آمنوا برسالة موسى قالوا: ﴿ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ ﴾ [الأعراف: 126] وقال سليمان في رسالته لملكة سبأ: ﴿ أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ﴾ [النمل: 31] وقال الحواريون لعيسى: ﴿ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 52] تلك إذا هي أبرز وجوه الاتفاق فما هي حكمة الاختلاف وما هي وجوهه؟.

 

حكمة الاختلاف بين الشرائع:

اقتضت حكمة الله تعالى أن تكون الرسالات السابقة على رسالة الإسلام الخاتمة محدودة بزمان معين وخاصة بأقوام بأعينهم تناسب حالهم وتعالج من المشكلات ما يثور في واقعهم، ذلك أن كل رسول جاء يعالج قضية محورية في قومه بعد دعوتهم إلى الإيمان بالله وحده لا شريك له ومن الأمثلة على ذلك:

1- الافتتان بالقوة المادية:

نجد مثالا أن قوم هود بسط الله لهم في القوة والحضارة فنسوا الله وكفروا بنعمته وافتتنوا بمالهم من قوة فجاءهم هود رسولا من عند الله يذكرهم بالله الذي أنعم عليهم ويعالج مشكلتهم هذه بما يناسبها: ﴿ وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ * أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ * وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ﴾ [الشعراء: 132 - 134].

 

2- الانحطاط الأخلاقي:

وقوم لوط عانوا من مشكل الشذوذ الجنسي، فجاءهم لوط يعالج هذا المشكل الخلقي ويعيدهم إلى منطقة الفطرة السوية: ﴿ أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ * وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ ﴾ [الشعراء: 165، 166]

 

3- الظلم الاقتصادي:

وقوم شعيب فشا فيهم الظلم الاقتصادي نقصا للمكيال وبخسا لحقوق الضعفاء، فجاءهم شعيب رسولا من الله تعالى لإصلاح الأوضاع الاقتصادية وفق منهج الله تعالى: ﴿ وَيَاقَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾ [هود: 85].

 

4- الاستبداد السياسي:

فقد كان فرعون يمارس الاستبداد السياسي على بني إسرائيل فجاء موسى - عليه السلام- ليحررهم من بطشه وليعالج المشكلات السياسية والنفسية التي خلفها هذا الاستبداد في نفوسهم وواقع حياتهم قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ ﴾ [القصص: 4- 6].

 

5- طغيان المقاييس المادية:

وبنو إسرائيل قبل بعثة عيسى - عليه السلام - غشيتهم المادية الطاغية وامتلكهم الجشع، فجاءهم عيسى - عليه السلام - يعالج هذه المشكلة ربطا للقلوب بما عند الله، وتحطيما للقيود المادية في الحس والواقع، ولذلك جاء بمعجزات تدهش الماديين، وتوقظ حسهم لقوة الله وقهره.

 

قال تعالى على لسان عيسى - عليه السلام -: ﴿ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ [آل عمران: 49] وليبشر برسالة محمد صلى الله عليه وسلم قال تعالى حكاية عنه: ﴿ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ﴾ [الصف: 6] وقال أيضاً: ﴿ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ [الحديد: 27].

 

وهكذا كانت كل شريعة مواجهة لمشكلة خاصة تظهر في مجتمع تلك الرسالة فالحكمة إذا من اختلاف الشرائع هي التخصص في معالجة المشكلات الناتجة عن ظروف وأوضاع كل مجتمع بعينه، والتي تختلف من زمان إلى زمان ومن قوم إلى قوم حسب الظروف والأحوال.

 

أما مواطن هذا الاختلاف فهي موضوعات التشريع التفصيلي لكل قوم اعتبارا بالحال والظرف والمشكلة الجارية في كل مجتمع.

 

ما تميزت به شريعة الإسلام:

جرى الحديث في ما سبق عن أوجه الاتفاق ومواطن الخلاف، وحكمته في الشرائع فيما يلي بيان خصائص الشريعة الإسلامية، وهي خصائص تتجلى لمن درسها دراسة مقارنة وأهمها.

أولا: الحفظ من التحريف:

فهي شريعة ربانية مصدرها هو الله سبحانه وتعالى وهي بريئة من أي تدخل بشري في أصولها ومبادئها الكلية وأحكامها الفرعية القطعية: ﴿ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾ [فصلت: 42].

 

والأديان السماوية السابقة على الإسلام وان كانت ربانية في أصلها إلا أنها قد أصابها التحريف والتبديل الذي حفظت منه هذه الشريعة، ومن ثم فقد انخرمت فيها هذه الخاصية.

 

فلا توجد في الإسلام مجامع ولا رجال دين يتدخلون في هذه الشريعة تبديلا أو تغييرا أو نقصا أو زيادة، بل إن الرسول ذاته ليس له إلا البلاغ، وليس مخولا بأن يأتي بشيء من عند نفسه: ﴿ وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ ﴾ [الحاقة: 44 - 46].

 

والميدان الذي تركته الشريعة لاجتهاد العلماء - الذي يقدمون فيه آراء شخصية قابلة للخطأ والصواب والأخذ والرد - الكل أمامه سواء.

 

وبناء على هذه الخاصية برئت هذه الشريعة من الانحياز لجماعة على حساب جماعه أو فرد على حساب فرد أو جيل على حساب جيل، فالناس كلهم أمامها سواء ذكرهم، وأنثاهم، قويهم، وضعيفهم، أولهم، وآخرهم.

 

ثانيا: الشمول:

فرسالة الإسلام تتميز بالشمول في الزمان والخطاب والموضوع:

الشمول في الزمان:

ذلك أن رسالة الإسلام رسالة كل الأجيال منذ بعثة محمد صلى الله عليه وسلم وحتى قيام الساعة وهذا نابع من كونها خاتمة الرسالات.

 

حفظـت فبقيـت:

وضمانة شمولها للزمان هي بقاؤها وحفظها فقد تكفل الله بحفظها بقوله: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9] خلافا لنصوص الرسالات السابقة عليها حيث إستحفظ عليها أهلها فضاعت لما انحرفوا قال الله تعالى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ ﴾ [المائدة: 44].

 

وأدني مقارنة بين نصوص هذه الرسالة والنصوص التي سبقتها تدل دلالة قاطعة على ذلك خذ أي مصحف من أية بقعة من الأرض شئت ومن أي تاريخ وأي طبعة وقارنه بغيره نجد الاتفاق التام ثم قارن ذلك بكثرة الأناجيل وتضاربها إلى درجة التناقض.

 

شمول الخطاب:

فهي رسالة كل الشعوب والأمم مخاطب بها الإنسان من حيث هو: ﴿ قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا ﴾ [الأعراف: 158] ﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ ﴾ [يوسف: 104].

 

الشمول في الموضوع:

فموضوع هذه الرسالة هو حياة الإنسان بكل جوانبها روحا وعقلا ومادة فقد تضمنت التشريعات ما يضمن سلامة البدن ونشاطه وصحته وحفظه من الأمراض.

 

إصلاح الفرد والجماعة:

وكما اهتمت شريعة الإسلام بحياة الفرد في كل جوانبها، اهتمت كذلك بالجماعة، فشرعت من النظم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ما يكفل ببناء مجتمع راق متحضر يعبد الله ويبني الحياة فرعت شأن الأسرة وحفظت حقوق كل أطرافها بما يحقق انسجامها واستمرار رابطتها.

 

واهتمت بتوثيق الروابط الاجتماعية: فحثت على صلة الأرحام وبر الوالدين والتآخي والتكافل الاجتماعي قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعي له سائر الجسد بالحمى والسهر) وأقامت حياة المجتمع السياسية على العدل والشورى وحفظ المصالح العامة، وتوثيق الصلة بين الحاكم والمحكوم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمسئولة التضامنية لكل المسلمين عن قضايا مجتمعهم حفظا لكيانه وتحقيقا لمصالحه ودرءً للمفاسد والأخطار عنه.

 

وشرع نظاما اقتصاديا قائما على منع الظلم وتكافؤ الفرص وحماية الضعفاء، صغاراً ويتامى وفقراء ومساكين و أبناء سبيل (غرباء) وحماية الملكية الفردية، ورعاية حقوق الأغنياء، وهكذا في كل مجال من مجالات الحياة الإنسانية جاء بما يكفل العدل ويحقق المصالح وبحفظ النظام ويصون الحقوق ويحدد الوجبات.

 

من المهد إلى اللحد كذلك اهتمت شريعة الإسلام بكل أطوار حياة الإنسان ومراحلها فنجد فيها من التشريعات ما يصون حياة الجنين ويهيئ الجو المناسب لأمه: ﴿ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ ﴾ [الطلاق: 6] ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ ﴾ [الإسراء: 31] ثم نتابع الاهتمام به بعد مولده وفي صغره بتشريعات كالعقيقة عنه، واختيار اسم حسن له وإرضاعه إيجابا لينشأ تام البنية قوي الشخصية.

 

ثالثا: الوسطية:

هذه الخاصية تعني أن الإسلام في نظرته للأمور وعلاجه للمشكلات يقف موقفا وسطا لا إفراط فيه ولا تفريط.

 

وهذا شأن الإسلام في كل القضايا التي عادة ما تجنح فيها المذاهب وتتطرق إلى هذه الجهة أو تلك.

 

أمثلة للوسيطة:

وسطيته في عقيدة التوحيد:

ففي عقيدة التوحيد نجد الوسيطة الإسلامية بين المادية الإلحادية وبين الإيمان بتعدد الآلهة.

 

وسطيته في النظرة إلى الرسل:

والإسلام في نظرته إلى الرسل يقف موقفا وسطا بين الذين قدسوهم وعبدوهم من دون الله وبين الذين كذبوهم أو قتلوهم. فالرسل في نظر الإسلام هم صفوة الخلق وخيرتهم والأمناء فيما بلغوا عن الله ولكنهم بشر تسري عليهم كل خصائص البشر وأعراضهم: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً ﴾ [الرعد: 38] ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ ﴾ [الفرقان: 20] ﴿ مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ ﴾ [المائدة: 75].

 

وسطيته في النظرة إلى الإنسان:

وتتجلى وسطية الإسلام في نظرته إلى الإنسان حيث جمعت بين تكريم الإنسان واستخلافه في الكون، وبين عبوديته لله، فهي تحترم الإنسان وتعالى شأنه وتعلن تفضيله على سائر المخلوقات، وتؤكد دوره الإيجابي في الوجود، ولكنها لا تؤلهه ولا نجد تناقضا بين تكريمه وعبوديته لله سبحانه وتعالى والتي هي مصدر عزه وتحرره وعلو مكانته قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ﴾ [الإسراء: 70].

 

وسطيته في النظرة إلى مسألة المعرفة:

وفي نظرة الإسلام إلى المعرفة تتجلى الوسيطة التي تقيم المعرفة على دعامتين الوحي المقروء والكون المنظور، والتي تجمع بين الوحي والعقل فهي تفهم الوحي بواسطة العقل وتضبط العقل بالوحي، وتربط نتائج هذه المعرفة المزدوجة وتطبقها بروح الوجدان.

 

وسطيته في علاقة الفرد بالمجتمع:

وفي نظرة الإسلام إلى العلاقة بين الفرد والمجتمع يقف وسطا بين إعطاء الفرد الحرية المطلقة وإن أضر بالجماعة وبين إهدار قيمته لحساب المجموع فالإسلام يحفظ حقوق الفرد ويصون حريته ويلزمه بممارسة تلك الحقوق والحريات ضمن إطار مصلحة الجماعة.

 

وهكذا يتوسط الإسلام في كل نظمه وتشريعاته بين طرفي الإفراط والتفريط بحيث لا يطغى عنصر على حساب عنصر وبحيث تتجمع كل العناصر النافعة من كل طرف من الأطراف لتؤلف كلاً جامعا يحقق الخير ويرتقي بالحياة قال تعالى: ﴿ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الروم: 30].

 

رابعا: الواقعية:

والواقعية الإسلامية: تعني مراعاة الواقع الكوني من حيث هو حقيقة مشاهدة، ووجود معان دالة على الخالق، كما تعني أيضا مراعاة واقع الحياة من حيث هي مرحلة حافلة بالخير والشر معا، ومن حيث هي ممهدة لحياة أخرى هي دار القرار كما تعني مراعاة واقع الإنسان من حيث دوافعه، وطاقاته واستعداده ومن حيث الظروف الكونية والحياتية المحيطة به.

 

نماذج للواقعية الإسلامية:

في الاعتقاد: وذلك أن القضايا التي يدعو الإسلام إلى اعتقادها يدركها العقل ويقوم عليها بالبرهان وتشبع معا حاجات العقل والوجدان.

 

في العبادة: وتتجلى الواقعية في العبادات الإسلامية من حيث مراعاتها لظروف الإنسان وطاقاته ومشاغله، قال تعالى: ﴿ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ﴾ [المزمل: 20].

 

كما روعيت فيها الطبيعة النفسية للإنسان وما يعتريه به من ملل فوزعت على الزمن فكان بعضها سنوي وبعضها مرة في العمر وبعضها شرع عدة مرات في اليوم كما كان بعضها بدني وبعضها مالي والبعض الآخر يجمع بين الأمرين.كما روعيت فيها ظروف المرض والسفر فشرع قصر الصلاة وفطر رمضان فيه.

 

في التحليل والتحريم: ومن مظاهر الواقعية في التحليل والتحريم أن الشريعة لم تحرم إلا ما فيه ضرر على الإنسان، وأحلت ما فيه له منفعة قال تعالى: ﴿ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ ﴾ [الأعراف: 157] كما قدرت الضرورات التي تعرض على الإنسان فرخصت له تناول المحرمات إذا أضطر إليها: ﴿ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ ﴾ [الأنعام: 119].

 

في العلاقات الأسرية: ومن مظاهر الواقعية في العلاقات الأسرية إباحة الطلاق إذا لم تفلح كل وسائل الإصلاح في تدارك هذه العلاقة مع ذم الطلاق وإقامة هذه العلاقة على أساس الدوام والتأبيد.

 

التدرج في تشريع الأحكام: ومن ملامح الواقعية في شريعة الإسلام التدرج في التشريع، فقد قررت في كثير من الأحكام وخاصة في المحرمات كالخمر والربا وذلك تهيئة للنفوس وضمانا للاستجابة لأحكامها.

 

خامساً: الوضوح والعقلانية: ومن أمثلة ذلك البارزة:

1- في الاعتقاد: فقضايا الاعتقاد الإسلامي كلها واضحة لا تعقيد فيها ولا غموض فالله سبحانه وتعالى واحد لا شريك له متصف بصفات الكمال، منزه عن صفات النقص، وهي عقيدة مستندة إلى البرهان: ﴿ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [البقرة: 111].

 

وكذلك الجزاء الأخروي والنبوة كلها أمور لا غموض فيها ولا تعقيدات فهي تخاطب كل إنسان، وبإمكان كل إنسان فهمها وتطبيقها والتعامل معها دون وساطة هيئات دينيه أو مراسم كهنوتية، ولا تتطلب ذكاء خارقا، أو جهدا فكريا غير عادي لفهمها وتطبيقها.

 

2- في العبادات: فأركان الإسلام العملية معروفة لكل مسلم، وهي بهيئاتها وأركانها وشروطها ومواقيتها ومقاصدها واضحة لكل مسلم مهما كانت درجة ثقافته.

 

3- في التشريع: وكذلك الأمر في الشرائع فكل مسلم يعرف أصول المحرمات وأمهاتها في الميدان الأسرى وغيره من الميادين.

 

العقــلانية:

أما العقلانية فتتجلى في كل أبواب رسالة الإسلام، ذلك أنها تقوم على البرهان وتحارب التقليد واتباع الأباء بغير علم، وتدعو إلى التأمل وتعتبره من أهم الفرائض وأعظم العبادات.

 

ولا تحتوي في أمر من أمورها مهما كان فرعيا على ما يناقض العقل أو يهدم الحس.

 

كما تعتبر العقل ذاته نعمة من نعم الله تستوجب الشكر، وتوجب الحفاظ عليه وتنميته بالعلم والفكر كما اعتبرته مناط التكليف وأساس المسؤولية، وأسقطت التكاليف عن فاقده، كما أعطت العقل مجالا فسيحا في تنظيم الحياة هو مجال ما لا نص فيه وهو واسع لا يحده إلا الأصول والضوابط العامة التي وضعتها الشريعة للاجتهاد حتى لا تخرج من منطقة العقل ولا قانونه.

 

سادسا: الجمع بين الثبات والتطور:

لئن كان كثيرا من المذاهب الفلسفية والاجتماعية قد تضارب طرحها في شأن إشكالية الثبات والتطور فإن الإسلام نظر إلى هذه المسألة من زواياها المختلفة فزاوج بين التطور والثبات في شأن الكون وفي حياة الإنسان، وكيف شريعته على هذا الأساس بما يلبي متطلبات الجانب المتطور من الحياة حتى تتسق مع متغيرات الكون والحياة.

 

أما في جانب الثبات فقد جعل الغايات والأهداف العظمى من قيم دينية وخلقية واجتماعية واقتصادية قائمة على أصول وكليات ثابتة لا تتغير لأن أصل الكون وجوهره وأصل الإنسان وجوهره ثابتان لا يتغيران.

 

مجالات الثبات في شريعة الإسلام:

وهذه المجالات هي:

1- القيم الإعتقادية.

2- القيم الأخلاقية.

3- الأهداف العامة والمقاصد.

4- الأصول والكليات.

5- الأحكام القطعية.

 

1- القيم الاعتقادية:

فحقيقة وجود الله واتصافه بصفات الكمال وخلقه للكون وعبودية كل ما في الكون له والإيمان بالملائكة وكتب الله ورسله وباليوم الآخر، وإن غاية وجود الإنسان هي عبادة الله وأن هذه الدار دار ابتلاء وأن الآخرة هي دار الجزاء والخلود هذه كلها قيم ثابتة لا تقبل التبديل.

 

2- القيم الأخلاقية:

والقيم الخلقية من صدق ورحمة وإحسان وعدل وأمانة وعفة وتعاون على الخير كلها ثابتة لا تقبل التبديل.

 

4- الأهداف العامة:

فالأهداف والمقاصد العامة للشريعة لا يعتريها تبديل، وهي أن الإسلام جاء ليحفظ على الناس دينهم ونفوسهم وعقولهم وأموالهم ونوعهم الإنساني وليحقق لهم مصالحهم في دنياهم وآخر تهم.

 

5- القواعد الكلية:

فالقواعد والأصول التي شرعها الإسلام في نظمه السياسية والاقتصادية والاجتماعية كقيم العدل والشورى والمساواة والحرية والنصح للحاكم والمحكوم والتآخي والتكافل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وحماية الملكية الفردية – بحدودها وقيودها الشرعية – وتحريم الربا وإباحة سائر المعاملات التي لا ظلم فيها ولا غش ولا استغلال، ومسؤولية الأمة عن ضعفائها وعجزتها وفقرائها وتشجيع المواهب، وتطوير وإيجاد الصنائع الحربية والمدنية التي يحتاجها المجتمع، هذه كلها ثوابت لا تقبل التغير مهما تغيرت الأحوال والظروف.

 

الأحكام القطعية:

والأحكام القطعية التي شرعها الإسلام في ميدان الأسرة ككون النكاح هو الطريقة الوحيدة لإشباع الرغبة الجنسية، وكالطلاق عند اقتضاء الحال وفي ميدان العبادات بثبات هيئاتها وأشكالها وأوقاتها، وكالحدود والمقدرات الشرعية هذه كلها لا تقبل التبدل.

 

مجالات التطور:

أما مجالات التطور فهي:

1/ الفروع والجزئيات  2/ الوسائل والأساليب 3/ التطبيق العملي للمبادئ والنظريات العامة.

1- الفروع والجزئيات: وهي الأحكام الجزئية التي لم يرد فيها نص مطلقاً أو ورد فيها نص غير صريح الدلالة، ومن ثم احتملت أكثر من وجه.

 

2- الوسائل والأساليب: مثل: أن الإسلام حدد وظيفة الإنسان بأنها الخلافة في الأرض إلا أنه لم يحدد الصيغة العملية لها، فبأي صيغة تحقق ذلك فهي مشروعة سواء كانت زراعة للأرض أو استخراجا لكنوز البحر أو تفجيراً للذرة وغيرها، مع أن تلك الوسائل يجب ألا تكون محرمة في ذاتها فلا تجوز السرقة لكسب المال - مثلاً -.

 

3- أما التطبيق العملي للمبادئ والقواعد العامة: فمثاله: أن التراضي بين الطرفين هو أساس كل العقود إلا أن صورة التعبير عن الرضاء لا تتخذ شكلا ثابتا فكل ما يحقق هذا المبدأ مقبول شرعاً، سواء كان قولا أو كتابة أو إشارة.

 

سابعا: الجمع بين التوجيه والتشريع:

فقد اعتنت شريعة الإسلام بشأن الضمير الفردي وتربيته وشحنه بمعاني الخوف من الله ورجاء رحمته وحبه، كي يكون أكثر مسارعة في تلبية داعي الله ولو لم تكن ثمة رقابة خارجية لكنها في ذات الوقت لم تعتمد عليه كلياً بل كملت دوره بالتشريع الذي يرعاه المجتمع وتحميه مؤسسات العدل.

 

أمثلة لهذه الخاصية:

1- في مجال المعاملات: نجد الشريعة في هذا الميدان توجه الضمير نحو قيم العدل والأمانة في معاملة الناس وحب الخير لهم وإنصافهم من النفس وعدم ظلمهم وتدعوا إلى ترك الغش والخيانة كما نجد فيها بالإضافة إلى ذلك التشريعات المحددة والتي حرمت أنواعا من المعاملات تتضمن الظلم واستغلال حاجة الفقراء، كالربا والغش والاحتكار، كما نجد الضمانات القانونية التي تحقق العدل وتمنع الظلم ككتابة الدين توثيق العقود التي يحرسها القضاء فيفض فيها النزاع ويقطع الخصومات.

 

2- في مجال الحلال والحرام: وتتجلى مزاوجة الشريعة بين التوجيه والتشريع في هذا المجال في أنها لم تترك البت في الحل والحرمة للضمير بل حددت الأشياء المحرمة واعتبرت ما عداها حلالا ولكن مع التوجيه بربط الصلة بالله والهتاف بالقلب أن يتقي الله ويبتعد عما حرم.

 

3- في ميدان الأسرة: وفي ميدان الأسرة نجد التوجيه فمثلا في دعوة الزوجين إلى تعميق معاني الحب والسكينة والتعاون والتضحية بينهما: ﴿ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ ﴾ [البقرة: 187] وقال: ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 19] كما نجد التشريع في قيام هذه العلاقة على عقد لا يتم إلا بالتراضي وفي الالتزامات القانونية المتبادلة بين الطرفين قال تعالى: ﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [البقرة: 228].

 

4- في مجال العقوبات: فقد شملت الشريعة في هذا الميدان من التوجيهات ما يولد لدي المؤمن الوازع القوي الزاجر عن ارتكاب الشر ومع ذلك حددت العقوبات الصارمة والرادعة عند المخالفة قال تعالى: ﴿ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا ﴾ [الإسراء: 33] وقال تعالى: ﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا ﴾ [المائدة: 38].

 

وهكذا في كل ميدان من ميادين الحياة تكامل في شريعة الإسلام بين التوجيه والتشريع تكامل الوجدان والرقابة الداخلية مع دور مؤسسات العدل والرقابة الخارجية بحيث لا تفتك آية من آيات التشريع عن توجيه يصل القلب بالله، ويستثير في الوجدان استشعار رقابة الله وخوفه وحبه، وبذلك عبرت عن قيم عقيدة التوحيد حيث ربطت الإنسان قلباً وجوارح وحركة في الحياة بالله سبحانه.





 نسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


مختارات من الشبكة

  • انعكاس العلاقة مع الله على العلاقة مع الناس(استشارة - الاستشارات)
  • مسائل عقدية في الصيام(مقالة - ملفات خاصة)
  • العلاقة بين الشريعة والتربية(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • حقيقة العلاقة بين نور الدين وصلاح الدين(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • حقيقة العلاقة بين الزوجين في الإسلام(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • إيطاليا: العلاقة بين الإسلام والغرب في عرض مسرحي(مقالة - المسلمون في العالم)
  • مناقشة العلاقة بين الإسلام والديموقراطية؛ جدل سفسطائي، أم قربى إلى الله؟(مقالة - موقع الدكتور أحمد إبراهيم خضر)
  • أسكتلندا: كشف العلاقة بين الأحلاف المعادية الإسلام(مقالة - المسلمون في العالم)
  • ندوة في مدينة صوفيا تناقش العلاقة بين الدين والشخصية والمجتمع(مقالة - المسلمون في العالم)
  • العلاقة متوترة بيني وبين أمي(استشارة - الاستشارات)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب