• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / أخلاق ودعوة
علامة باركود

مجموعة رسائل في الصلاة

الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 19/1/2010 ميلادي - 3/2/1431 هجري

الزيارات: 48527

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

مجموعة رسائل في الصلاة


المقدمة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.

أما بعد:

فينبغي لكل إمامٍ ومنفرد وكل مُصلٍّ أن يراعيَ هدْيَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صلاته، القائل: "صلُّوا كما رأيتموني أصلي"؛ متفق عليه، وقال - صلى الله عليه وسلم -: "إن طول صلاة الرجل، وقصر خطبته مَئِنَّةٌ (علامة) من فقهه؛ فأطيلوا الصلاة، وأقصروا الخطبة"؛ رواه مسلم، وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا صلى أحدكم بالناس، فليخفِّفْ"؛ متفق عليه، فقال ابن القيم: التخفيف أمر نسبي إضافي، راجع إلى السُّنة، لا إلى شهوة الإمام والمأمومين.

 

فكان - صلى الله عليه وسلم - يصلي صلاةً تامة متناسبة، كان إذا أطال القيام، أطال الركوع والسجود والاعتدال بعد الركوع والجلوس بين السجدتين، وإذا خفف القيام، خفف الركوع والسجود وما بينهما.

 

وكان يقرأ في صلاة الفجر من ستين آيةً إلى مائة آيةٍ، وكان يقرأ فيها بسورة ﴿ ق ﴾ ونحوها من السور، وكان يقرأ في كل ركعة من الركعتين الأوليَيْنِ من صلاة الظهر بقدْر ثلاثين آية، وفي الأخيرتين على النصف من ذلك، وكان يقرأ في الأوليين من صلاة العصر في كل ركعة قدر خمسَ عشرةَ آيةً كالأخيرتين من الظهر، وفي الأخيرتين على النصف من ذلك.

 

وأحيانًا كان يقتصر في الركعتين الأخيرتين من الظهر والعصر على الفاتحة، وكان يقرأ في صلاة المغرب أحيانًا من قصار المفصل، وأحيانًا من طواله، وطوال المفصل من سورة ﴿ ق ﴾ إلى سورة ﴿ النبأ ﴾، وأوساطه من سورة ﴿ النبأ ﴾ إلى سورة ﴿ والضحى ﴾، وقصاره من ﴿ والضحى ﴾ إلى آخر القرآن، ووقَّت - عليه الصلاة والسلام - لمعاذ بن جبل بالقراءة في صلاة العشاء بـ ﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى ﴾، ﴿ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا ﴾، ﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى ﴾، ونحوها من السور من أوساط المفصل.

 

وكان مقدار تسبيحات الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الركوع والسجود عشر تسبيحات، وكان - صلى الله عليه وسلم - يطيل القيام بعد الركوع، والجلوس بين السجدتين، فكان إذا رفع رأسه من الركوع، مكث قائمًا حتى يقول القائل: قد نَسِيَ، وإذا رفع رأسه من السجود، مكث جالسًا حتى يقول القائل: قد نسي.

 

ويلاحظ على بعض الأئمة عدمُ تطبيق السنة في ذلك، وفي إطالة القراءة في صلاة الفجر، والركعتين الأوليين من صلاة الظهر، كما يلاحظ على الكثير منهم أنهم يطيلون القراءة في قيام رمضان، ويخفِّفون الركوع والسجود، وكذلك في صلاة الكسوف، كما يخففون القيام بعد الركوع والجلوس بين السجدتين، وهو خلاف السُّنة، والخيرُ كلُّه في هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - والاقتداء به - صلوات الله وسلامه عليه.

المؤلف

عبدالله بن جار الله بن إبراهيم الجار الله

 

باب وجوب الطمأنينة في الركوع والسجود

عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل المسجد، فدخل رجلٌ فصلَّى، ثم جاء فسلَّم على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "ارجع فصلِّ؛ فإنك لم تُصلِّ"، فرجع فصلى كما صلى، ثم جاء فسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "ارجع فصلِّ؛ فإنك لم تصلِّ ثلاثًا"، فقال: والذي بعثك بالحق، ما أُحسن غيرَه؛ فعلِّمني، فقال: "إذا قمتَ إلى الصلاة فكبِّر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعًا، ثم ارفع حتى تعتدل قائمًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا، وافعل ذلك في صلاتك كلها"؛ رواه البخاري ومسلم وغيرهما.

 

قوله: "باب وجوب الطمأنينة في الركوع والسجود"؛ أي: ووجوبها في الاعتدال من الركوع، وفي الجلوس بين السجدتين، وهذا حديثٌ جليل، مشتمل على معظم ما يجب في الصلاة، وما لا تتم إلا به، وفيه وجوب الطمأنينة في جميع الأركان.

 

قوله: "فسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم -": في رواية فقال: "وعليك السلام، ارجع فصلِّ؛ فإنك لم تصلِّ".

قوله: ((ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا)): زاد البخاري: "ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا".

 

قال الحافظ: وفي هذا الحديث من الفوائد وجوبُ الإعادة على من أخلَّ بشيء من واجبات الصلاة، وفيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحسْن التعليم بغير تعنيف، وإيضاح المسألة، وطلب المتعلِّم من العالم أن يعلِّمه، وفيه تَكرار السلام وردُّه وإن لم يخرج من الموضع إذا وقعت صورة انفصال، وفيه جلوس الإمام في المسجد وجلوس أصحابه معه، وفيه التسليم للعالم والانقياد له، والاعتراف بالتقصير، والتصريح بحكم البشرية في جواز الخطأ، وفيه حسن خلقه - صلى الله عليه وسلم - ولطف معاشرته، وفيه تأخير البيان في المجلس للمصلحة[1].

 

 

وجوب الطمأنينة في صلاة التراويح وغيرها من الصلوات

من صالح بن أحمد الخريصي، إلى من يراه ويسمعه من إخواننا المسلمين، وفقني الله وإياهم لما يحبه ويرضاه، آمين.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أما بعد:

فاعلموا - وفقني الله وإياكم - أن التراويح من أعلام الدِّين الظاهرة، وأنها سُنة مؤكَّدة أجمع المسلمون عليها، وفعلُ الصحابة لها مشهور، تلقَّتْه الأمة عنهم خلفًا بعد سلف، وأول من جمعهم على هذه الكيفية الخليفةُ الراشد عمرُ بن الخطَّاب - رضي الله عنه - كما روى مالك - رحمه الله - عن يزيد بن رومان، قال: كان الناس يقومون في زمن عمر - رضي الله عنه - في رمضان بثلاث وعشرين ركعة، وهذا في مظنة الشهرة بحضرة من الصحابة، فكان إجماعًا[2]، مع أنه - صلى الله عليه وسلم - صلَّى بأصحابه لياليَ ثم تركها؛ خشيةَ أن تُفرض؛ كما في المتفق عليه من حديث عائشة - رضي الله عنها - ولم ينكرها إلا أهلُ البدع من الرافضة وغيرهم؛ ولهذا يذكرها أهلُ السنة والجماعة في عقائدهم.

 

إذا تقرَّر هذا، فغير خافٍ ما وردتْ به السنةُ من فضْل قيام رمضان، والترغيب فيه، وما يترتب على ذلك من الأجر والثواب؛ ولكن ينبغي أن يُعلَم أن الصلاة والقيام - بل وسائر الأعمال حقيقة هي التي تقع على الوجْه الشرعي الذي أمر الله به في كتابه، وعلى لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - وما سوى ذلك فإن العبد لا يُثاب عليه؛ بل قد يعاقب، وبعض الإخوان - وفقنا الله وإياهم للصواب - لا يحسن في هذه العبادة، ويُسرع فيها سرعةً تخلُّ بالمقصود، وهذا أمر لا يجوز؛ لأن العبد يطلب ثواب الله في هذه العبادة، والله - تبارك وتعالى - لا يُتقرَّب إليه إلا بما يحِب ويرضى، وقد قال - عزَّ وجلَّ -: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ﴾ الآية [البقرة: 43]، وقال: ﴿ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ ﴾ [الأنفال: 3]، وقال: ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ﴾ [العنكبوت: 45]، وقال: ﴿ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ ﴾ [النساء: 162]، وقال الخليل - عليه السلام -: ﴿ رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ ﴾ [إبراهيم: 40].

 

والآيات في هذا كثيرة، ولا تكاد تجد ذِكر الصلاة في موضع من التنزيل إلا مقرونًا بإقامتها، وإقامتُها هي الإتيان بها قائمة تامة القيام، والركوع، والسجود، والأذكار، وهذا لا يحصل مع هذه العجلة، وقد علَّق الله - تبارك وتعالى - الفلاحَ بخشوع المصلي في صلاته، ويستحيل حصولُ الخشوع مع العجلة والنقر، وكلما زادتِ العجلة قلَّ خشوعُ المصلي، حتى تصير هذه العبادة بمنزلة العبث الذي لا يصحبه خشوعٌ ولا إقبال عليها

 

أفلا يتصور صاحبُ هذه الصلاة أنها معروضة على الله - عزَّ وجلَّ - فلا يأمن أن تُلفَّ كما يُلف الثوب الخَلق، ويُضرَب بها وجهُه؟! وربما ظن بعض الناس أن التراويح تطوع، ولا يلزم إتمام الركوع والسجود والاعتدالين فيها، وهذا غلط ممن ظنَّه، أية رسالة؟ الرسالة للشافعي؛ لأنه لما دخل في هذه العبادة وجب عليه إتمامُها، وإكمالها، وإحكامها، وقد نفى - صلى الله عليه وسلم - اسمَ الصلاة وحقيقتَها عن المُسيء في صلاته، حيث كانت خاليةً من الطمأنينة، فقال: "ارجع فصلِّ؛ إنك لم تصلِّ"، وقد صلى صلاة ذات قيام وركوع وسجود واعتدالين؛ ولكن لما أخلَّ بالطمأنينة، خاطبه النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: "فإنك لم تصلِّ".

 

فاحذر أيها المصلي كصلاة المسيء أن تكون كذلك، وقد سئل الشيخ عبدالله بن الشيخ محمد - رحمهما الله - عن العجلة في صلاة التراويح، فأجاب - رحمه الله -:

قولك: إن الإمام إذا استعجل صلى معه أكثرُ الناس، وإذا طول لم يصلِّ معه إلا القليل، فإن الشيطان له غرض، ويحرص على ترك العمل، فإن عجز عن ذلك، سعى فيما يبطل العمل، وكثيرٌ من الأئمة في البلدان يفعل في التراويح فعلَ أهلِ الجاهلية، ويصلُّون صلاةً ما يعقلونها، ولا يطمئنون في الركوع والسجود، والطمأنينة ركنٌ لا تصح الصلاة إلا بها، والمطلوب في الصلاة حضورُ القلب بين يدي الله - عزَّ وجلًَّ - واتِّعاظه بكلام الله إذا تُلي عليه، إلى آخر كلامه - رحمه الله[3].

 

وكلام الشيخ هذا هو الواقع في كثير من الأئمة - عصمنا الله وإياهم.

 

فيا أيها الإخوان:

انتبهوا لما أشرتُ إليه في هذه الكلمة، ولا يكن حظِّي القول وحظكم الاستماع فقط دون العمل، واعلموا أن التراويح سُمِّيت بذلك؛ لأن السلف كانوا يتروحون بعد كل أربع ركعات؛ أي: يستريحون من طول القيام، وأنهم كانوا يعتمدون على العصيِّ من طول القيام، وهذا لا مطمع فيه، ولكن الذي ينبغي للعاقل اللبيب، الناصح لنفسه، الذي يريد نجاتها غدًا: أن يتَّقي الله في أموره عامة، وفي هذه العبادة خاصة، فرضها ونفلها، التي أصبحتْ مضمارًا لبعض الناس يحرص كل الحرص على أن يسبق غيره في الخروج، وليس السابق في الحقيقة من خرج قبل الناس؛ إنما السابق من قام بما أمر به، وحصلت له مغفرة ربِّه؛ كما قال - تعالى -: ﴿ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ﴾ [الواقعة: 10 - 12].

 

وقال عمر بن عبدالعزيز - رحمه الله - عند الانصراف من عرفة: "ليس السابق من سبق به بعيرُه؛ إنما السابق من غُفر له".

 

فاتقوا الله عباد الله؛ ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 281]، ﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [النور: 31].

 

هذا، وأسأل الله الكريم، رب العرش العظيم، أن يهدينا وإخواننا صراطه المستقيم، إنه جواد كريم، رؤوف رحيم، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

 

حكم من نقر الصلاة ولم يتمَّ ركوعها ولا سجودها

هذا المسألة قد شفى فيها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وكفى، وكذلك أصحابُه من بعده، فلا معدل لناصح نفسه عما جاءتْ به السُّنة في ذلك، ونحن نسوق مذهب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه في ذلك بألفاظه؛ فعن أبي هريرة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل المسجد، فدخل رجلٌ فصلَّى، ثم جاء فسلَّم على النبي - صلى الله عليه وسلم - فردَّ عليه السلام، فقال: "ارجع فصلِّ؛ فإنك لم تصلِّ" ثلاثًا، فقال: والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره؛ فعلِّمني، قال: "إذا قمتَ إلى الصلاة، فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة فكبِّر، ثم اقرأ ما تيسَّر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعًا، ثم ارفع حتى تعتدل قائمًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها"؛ متفق على صحته، وهذا لفظ البخاري.

 

وفيه دليل على تعيُّن التكبير للدخول في الصلاة، وأن غيره لا يقوم مقامه، كما يتعين الوضوء واستقبال القبلة، وعلى وجوب القراءة، وتقييدها بما تيسَّر لا ينفي تعينَ الفاتحةِ بدليل آخر؛ فإن الذي قال هذا، هو الذي قال: "كل صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن، فهي خداج[4]"، وهو الذي قال: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب"[5]، ولا تضرب سننه بعضها ببعض.

 

وفيه دليل على وجوب الطمأنينة، وأن من تركها لم يفعل ما أمر به، فيبقى مطالَبًا بالأمر، وتأمل أمره بالطمأنينة في الركوع والاعتدال في الرفع منه، فإنه لا يكفي مجرد الطمأنينة في ركن الرفع حتى تعتدل قائمًا، قلنا: فيجمع بين الطمأنينة والاعتدال، خلافًا لمن قال: إذا ركع ثم سجد من ركوعه ولم يرفع رأسه، صحَّتْ صلاته، فلم يكتفِ من شرع الصلاة بمجرد الرفع، حتى يأتي به كاملاً، بحيث يكون معتدلاً فيه.

 

ولا ينفي هذا وجوب التسبيح في الركوع والسجود، والتسميع والتحميد في الرفع بدليل آخر، فإن الذي قال هذا وأمر به هو الذي أمر بالتسبيح في الركوع، فقال لما نزلتْ: ﴿ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ ﴾ [الواقعة: 74] قال: "اجعلوها في ركوعكم"، وأمر بالتحميد في الرفع، فقال: "إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد"، فهو الذي أمرنا بالركوع وبالطمأنينة فيه، وبالتسبيح والتحميد، وقال في الرفع من السجود: "ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا"، وفي لفظ: "حتى تعتدل جالسًا"، فلم يكتفِ بمجرد الرفع كحد السيف، حتى تحصل الطمأنينة والاعتدال، ففيه أمر بالرفع والطمأنينة فيه والاعتدال، ولا يمكن التمسُّك بما لم يذكر في هذا الحديث على إسقاط وجوبه عند أحدٍ من الأئمة؛ فإن الشافعي يوجب الفاتحة، والتشهد الأخير، والصلاةَ على النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يذكر فيه، وأبو حنيفة يوجب الجلوسَ مقدار التشهد، والخروج من الصلاة بالمنافي، ولم يذكر ذلك فيه، ومالك يوجب التشهد والسلام، ولم يذكر ذلك فيه، وأحمد يوجب التسبيح في الركوع والسجود، والتسميع والتحميد، وقول: "رب اغفر لي"، ولم يذكر في الحديث، فلا يمكن أحد أن يسقط كل ما لم يذكر فيه.

 

فإن قيل: فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أقرَّه على تلك الصلاة مرتين، ولو كانت باطلة لم يقرَّه عليها؛ فإنه لا يقر على باطل، قيل: كيف يكون قد أقره وهو - صلى الله عليه وسلم - يقول له: "ارجع فصلِّ؛ فإنك لم تصلِّ"، فأمره ونفى عنه مسمى الصلاة التي شرعها، وأي إنكار أبلغ من هذا؟!

 

فإن قيل: فهو لم ينكر عليه في نفس الصلاة، قيل: نعم؛ لما في ذلك من التنفير له، وعدم تمكُّنه من التعليم كما ينبغي، كما أقر الذي بال في المسجد على إكمال بوله حتى قضاها، ثم علَّمه، وهذا من رِفقه، وكمال تعليمه، ولطفه - صلوات الله وسلامه عليه.

 

فإن قيل: فهلا قال له في نفس الصلاة: اقطعها، قيل: لم يقل للبائل: اقطع بولك، وهذا أولى، نعم لو أقره على تلك الصلاة، ولم يأمرْه بإعادتها، ولم ينفِ عنه الصلاةَ الشرعية، كان فيه متمسك لكم.

 

فإن قيل: قوله "لم تصلِّ"؛ أي: لم تصلِّ صلاةً كاملة؛ وإنما الممتنع أن تكون له صلاة صحيحة قد أخلَّ ببعض مستحباتها، ثم يقول له: "ارجع فصل؛ فإنك لم تصل"، هذا في غاية البطلان.

 

وعن رفاعة بن رافع: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينما هو جالس في المسجد يومًا، ونحن معه، إذ جاء رجل كالبدوي، فصلى فأخف صلاته، ثم انصرف فسلَّم على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال - صلى الله عليه وسلم -: "وعليك، فارجع فصلِّ؛ فإنك لم تصل"، ففعل ذلك مرتين أو ثلاثًا، كل ذلك يأتي النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فيسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - فيقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "وعليك، فارجع فصل؛ فإنك لم تصل"، فخاف الناس، وكبُر عليهم أن يكون من أخفَّ صلاته لم يصلِّ، فقال الرجل في آخر ذلك: فأرني وعلمني؛ فإنما أنا بشر أصيب وأخطئ، فقال: "أجل، إذا قمتَ إلى الصلاة فتوضأ كما أمر الله، ثم تشهد وأقم، فإن كان معك قرآن، فاقرأ، وإلا فاحمد الله وكبِّره وهلِّله، ثم اركع فاطمئن راكعًا، ثم اعتدل قائمًا، ثم اسجد فاعتدل ساجدًا، ثم اجلس فاطمئن جالسًا، ثم قم، فإذا فعلتَ ذلك، فقد تمتْ صلاتُك، وإن انتقصتَ منه شيئًا، انتقصت من صلاتك"، قال: فكان هذا أهون عليهم من الأول؛ أنه من انتقص من هذا شيئًا، انتقص من صلاته ولم تنقص كلها؛ رواه الإمام أحمد وأهل السنن.

 

وفي رواية أبي داود: "وتقرأ بما شئتَ من القرآن، ثم تقول: الله أكبر"، وعنده: "فإن كان معك قرآن، فاقرأ به"، وفي رواية لأحمد: "إذا أردتَ أن تصلي، فتوضأ فأحسِن وضوءك، ثم استقبل القبلة فكبِّر، ثم اقرأ بأم القرآن، ثم اقرأ بما شئت، فإذا ركعتَ فاجعل راحتيك على ركبتيك، وامدُد ظهرك، ومكِّن لركوعك، فإذا رفعت رأسك، فأقم صلبَك حتى ترجع العظام إلى مفاصلها، فإذا سجدتَ، فمكِّن لسجودك، فإذا رفعت، فاعتمد على فخذك اليسرى، ثم اصنع ذلك في كل ركعة وسجدة"، فإذا ضممتَ قوله في هذا الحديث: "توضأ كما أمر الله"، إلى قوله في الصفا والمروة: "ابدؤوا بما بدأ الله به"، أفاد وجوب الوضوء على الترتيب الذي ذكره الله - سبحانه.

 

وقوله في الحديث: "اقرأ بأم القرآن، ثم اقرأ بما شئت"، تقييد لمطلق قوله: "اقرأ بما تيسر معك من القرآن"، وهذا معنى قوله في الحديث: "وتقرأ بما شئت من القرآن"، وقال: "فإن كان معك قرآن، وإلا فاحمد الله وكبره وهلله"، فألفاظ الحديث يبيِّن بعضُها بعضًا، وهي تبين مرادَه - صلى الله عليه وسلم - فلا يجوز أن يتعلَّق بلفظ منها ويترك بقيتها.

 

وقوله: "ثم تقول: الله أكبر" فيه تعيين هذا اللفظ دون غيره، وهو التكبير المعهود في قوله: "تحريمها التكبير".

 

وقوله: "فإذا رفعت رأسك، فأقم صلبك حتى ترجع العظام إلى مفاصلها" صريح في وجوب الرفع والاعتدال منه والطمأنينة فيه، وعن أبي مسعود البدري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تجزئ صلاة الرجل، حتى يقيم ظهره في الركوع والسجود"؛ رواه الإمام أحمد وأهل السنن، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.

 

وهذا نص صريح في أن الرفع من الركوع، وبين السجود، والاعتدال فيه، والطمأنينة فيه - ركنٌ لا تصح الصلاة إلا به.

 

وعن علي بن شيبان قال: خرجنا حتى قدمنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبايعناه، وصلَّينا خلفه، فلمح بمؤخر عينيه رجلاً لا يقيم صلاته –يعني: صلبه - في الركوع والسجود، فلما قضى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يا معشر المسلمين، لا صلاة لمن لم يقم صلبه في الركوع والسجود"؛ رواه الإمام أحمد وابن ماجه.

 

وقوله: "لا صلاة"؛ يعني: تجزئه؛ بدليل قوله: "لا تجزئ صلاة الرجل، حتى يقيم ظهره في الركوع والسجود"، ولفظ أحمد في هذا الحديث: "لا ينظر الله إلى رجلٍ لا يقيم صلبه بين ركوعه وسجوده"، وعن أبي هريرة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا ينظر الله إلى صلاة رجل لا يقيم صلبه بين ركوعه وسجوده"؛ رواه الإمام أحمد، وفي سنن البيهقي عن جابر بن عبدالله قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تجزئ صلاة لا يقيم الرجل فيها صلبه في الركوع والسجود".

 

وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن نقر المصلي صلاتَه، وأخبر أنها صلاة المنافقين، وفي المسند والسنن من حديث عبدالرحمن بن شبل، قال: "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن نقرة الغراب، وافتراش السبع، وعن توطن الرجل المكان في المسجد كما يوطن البعير".

 

فتضمن الحديث النهي في الصلاة عن التشبُّه بالحيوانات؛ بالغراب في النقرة، وبالسبع بافتراشه ذارعيه في السجود، وبالبعير في لزومه مكانًا معينًا من المسجد يتوطنه كما يتوطن البعير.

 

وفي حديث آخر: "نهى عن الْتفات كالتفات الثعلب، وإقعاء كإقعاء الكلب، ورفع الأيدي كأذناب الخيل"، فهذه ست حيوانات نهى عن التشبه بها.

 

وأما ما وصفه من صلة النقار بأنها صلاة المنافقين، ففي "صحيح مسلم" عن علاء بن عبدالرحمن أنه دخل على أنس بن مالك في داره بالبصرة حين انصرف من الظهر، قال: فلما دخلنا عليه قال: "أصليتما العصر؟"، فقلنا: إنما انصرفنا الساعة من الظهر، قال: "تقدموا فصلوا العصر"، فقمنا فصلينا، فلما انصرفنا قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "تلك صلاة المنافقين، يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان، قام فنقرها أربعًا لا يذكر الله فيها إلا قليلاً"، وقد تقدم قول ابن مسعود: ولقد رأيتُنا وما يتخلف عنها - يريد الجماعةَ - إلا منافقٌ معلوم النفاق، وقد قال - تعالى -: ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [النساء: 142].

 

فهذه ست صفات في الصلاة من علامات النفاق: الكسل عند القيام إليها، ومراءاة الناس في فعلها، وتأخيرها، ونقرها، وقلة ذكر الله فيها، والتخلف عن جماعتها.

 

وعن أبي عبدالله الأشعري قال: صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأصحابه ثم جلس في طائفة منهم، فدخل رجل منهم، فقام يصلي، فجعل يركع وينقر في سجوده، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينظر إليه، فقال: "ترون هذا؟ لو مات، مات على غير ملة محمد؛ ينقر صلاته كما ينقر الغراب الدم، إنما مثل الذي يصلي ولا يتم ركوعه وينقر في سجوده، كالجائع لا يأكل إلا تمرة أو تمرتين، فما يغنيان عنه؟ فأسبغوا الوضوء، وويل للأعقاب من النار، فأتموا الركوع والسجود"، وقال أبو صالح: فقلت لأبي عبدالله الأشعري: من حدَّثك بهذا الحديث؟ قال: أمراء الأجناد: خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وشرحبيل بن حسنة، ويزيد بن أبي سفيان، كل هؤلاء سمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رواه أبو بكر بن خزيمة في صحيحه.

 

فأخبر أن نقار الصلاة لو مات، مات على غير الإسلام، وفي "صحيح البخاري" عن زيد بن وهب قال: رأى حذيفة رجلاً لا يتم الركوعَ ولا السجود، فقال: ما صليتَ، لو متَّ، مت على غير الفطرة التي فطر الله عليها محمدًا - صلى الله عليه وسلم - ولو أخبر أن صلاة النقار صحتْ، لما أخرجه عن فطرة الإسلام بالنقر.

 

وقد جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لصَّ الصلاة وسارقها شرًّا من لص الأموال وسارقها؛ ففي المسند من حديث أبي قتادة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته"، قالوا: يا رسول الله، كيف يسرق صلاته؟ قال: "لا يتم ركوعها ولا سجودها - أو قال: - لا يقيم صلبه في الركوع والسجود"، فصرح بأنه أسوأ حالاً من سارق الأموال، ولا ريب أن لص الدِّين شر من لص الدنيا.

 

وفي المسند من حديث سالم عن أبي الجعد عن سلمان - وهو الفارسي - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الصلاة مكيال، فمن وَفى وُفي له، ومن طفف فقد علمتم ما قال الله في المطففين"، قال مالك: وكان يقال: في كل شيء وفاء وتطفيف، فإذا توعد الله - سبحانه - بالويل للمطففين في الأموال، فما الظن بالمطففين في الصلاة؟

 

وقد ذكر أبو جعفر العقيلي عن الأحوص بن حكيم، عن خالد بن معدان، عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا توضأ العبد فأحسن وضوءه، ثم قام إلى الصلاة فأتم ركوعها وسجودها والقراءة فيها، قالت له الصلاة: حفِظَك الله كما حفظتني، ثم يصعد بها إلى السماء ولها ضوء ونور، وفُتحتْ لها أبواب السماء حتى تنتهي إلى الله - تبارك وتعالى - فتشفع لصاحبها، وإذا ضيع وضوءها وركوعها وسجودها والقراءة فيها، قالت له الصلاة: ضيَّعك الله كما ضيعتني، ثم يصعد بها إلى السماء، فتغلق دونها أبواب السماء، ثم تلفُّ كما يلفُّ الثوب الخلق، ثم يُضرب بها وجه صاحبها".

 

وقال الإمام أحمد في رواية مهنا بن يحيى الشامي: جاء الحديث: "إذا توضأ فأحسن الصلاة" ثم ذكره تعليقًا[6].

 

مقدار صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[7]

قال ابن القيم - رحمه الله تعالى -:

وأما مقدار صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهي من أجلِّ المسائل وأهمها، وحاجة الناس إلى معرفتها أعظمُ من حاجتهم إلى الطعام والشراب، وقد ضيعها الناس من عهد أنس بن مالك - رضي الله عنه.

 

ففي "صحيح البخاري" من حديث الزهري، قال: "دخلتُ على أنس بن مالك بدمشق وهو يبكي، فقلت له: ما يبكيك؟ فقال: لا أعرف شيئًا مما أدركتُ إلا هذه الصلاة، وهذه الصلاة قد ضُيِّعتْ"، وقال موسى بن إسماعيل: حدثنا مهدي عن غيلان عن أنس، قال: "ما أعرف شيئًا مما كان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قيل: فالصلاة؟ قال: أليس قد صنعتم ما صنعتم فيها؟"؛ أخرجه البخاري عن موسى.

 

وأنس - رضي الله عنه - تأخَّر حتى شاهد من إضاعة أركان الصلاة، وأوقاتها، وتسبيحها في الركوع والسجود، وإتمام تكبيرات الانتقال فيها - ما أنكره، وأخبر أن هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان بخلافه، كما ستقف عليه مفصلاً - إن شاء الله.

 

ففي الصحيحين من حديث أنس - رضي الله عنه - قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوجز الصلاة ويكملها"، وفي الصحيحين عنه أيضًا قال: "ما صليت وراء إمام قطُّ أخف صلاة ولا أتم من صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم"، زاد البخاري: "وإن كان ليسمعُ بكاء الصبي فيخفف؛ مخافة أن تفتن أُمُّه".

 

فوصَفَ صلاته - صلى الله عليه وسلم - بالإيجاز والتمام، والإيجاز هو الذي كان يفعله، لا الإيجاز الذي كان يظنه من لم يقفْ على مقدار صلاته؛ فإن الإيجاز أمرٌ نسبي إضافي، راجع إلى السُّنة، لا إلى شهوة الإمام ومَن خلفه، فلما كان يقرأ في الفجر بالستين إلى المائة، كان هذا الإيجاز بالنسبة إلى ستمائة إلى ألف، ولما قرأ في المغرب بالأعراف، كان هذا الإيجاز بالنسبة إلى البقرة، ويدل على هذا أن أَنَسًا نفسه قال في الحديث الذي رواه أبو داود والنسائي من حديث عبدالله بن إبراهيم بن كيسان: حدثني أبي عن وهب بن مأنوس، سمعت سعيد بن جبير يقول: سمعت أنس بن مالك يقول: "ما صليت وراء أحدٍ بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أشبه صلاةً برسول الله - صلى الله عليه وسلم - من هذا الفتى - يعني: عمر بن عبدالعزيز - فحزرنا في ركوعه عشر تسبيحات، وفي سجوده عشر تسبيحات"[8].

 

وأنس أيضًا هو القائل في الحديث المتفق عليه: "إني لا آلُو أن أصلِّيَ بكم كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي بنا"، قال ثابت: "كان أنس يصنع شيئًا لا أراكم تصنعونه، كان إذا رفع رأسه من الركوع، انتصب قائمًا حتى يقول القائل: قد نسي، وإذا رفع رأسه من السجدة، مكث حتى يقول القائل: قد نسي"، وأنس هو القائل هذا، وهو القائل: "ما صليت وراء إمام أخف صلاة ولا أتم من صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم"، وحديثه لا يكذِّب بعضُه بعضًا.

 

ومما يبين ما ذكرناه ما رواه أبو داود في "سننه" من حديث حماد بن سلمة، أخبرنا ثابت وحميد عن أنس بن مالك، قال: "ما صليت خلف رجلٍ أوجز صلاةً من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تمام، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قال: سمع الله لمن حمده، قام حتى نقول: قد أوهم، ثم يكبِّر ثم يسجد، وكان يقعد بين السجدتين حتى نقول: قد أوهم". هذا سياق حديثه، فجمع أنس - رضي الله عنه - في هذا الحديث الصحيح بين الإخبار بإيجازه - صلى الله عليه وسلم - الصلاةَ وإتمامها، وبيَّن فيه أن من إتمامها الذي أخبر به إطالةَ الاعتدالين حتى يظن الظانُّ أنه قد أوهم أو نسي؛ من شدة الطول، فجمع بين الأمرين في الحديث، وهو القائل: "ما رأيت أوجز من صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا أتم"، فيشبه أن يكون الإيجاز عاد إلى القيام، والإتمام إلى الركوع والسجود والاعتدالين بينهما؛ لأن القيام لا يكاد يفعل إلا تامًّا، فلا يحتاج إلى الوصف بالإتمام، بخلاف الركوع والسجود والاعتدالين، وسرُّ ذلك أنه بإيجاز القيام، وإطالةِ الركوع والسجود والاعتدالين، تصير الصلاة تامة؛ لاعتدالها وتقاربها، فيصدق قوله: "ما رأيت أوجز ولا أتم من صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم".

 

وهذا هو الذي كان يعتمده - صلوات الله عليه وسلامه - في صلاته؛ فإنه كان يعدلها حيث يعتدل قيامها وركوعها، وسجودها واعتدالها.

 

ففي الصحيحين عن البراء بن عازب قال: "رمقتُ الصلاةَ مع محمد - صلى الله عليه وسلم - فوجدتُ قيامه، فركعته، فاعتداله بعد ركوعه، فسجدته، فجلسته بين السجدتين، فسجدته، فجلسته ما بين التسليم والانصراف - قريبًا من السواء"، وفي لفظ لهما: "كانت صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قيامه وركوعه، وإذا رفع رأسه من الركوع، وسجوده، وما بين السجدتين - قريبًا من السواء".

 

ولا يناقض هذا ما رواه البخاري في هذا الحديث: "كان ركوع النبي - صلى الله عليه وسلم - وسجوده، وما بين السجدتين، وإذا رفع رأسه، ما خلا القيام والقعود - قريبًا من السواء"؛ فإن البراء هو القائل هذا وهذا، فإنه في السياق الأول أدخل في ذلك قيام القراءة وجلوس التشهد، وليس مراده أنهما بقدر ركوعه وسجوده، وإلا ناقض السياق الأول الثاني، وإنما المراد أن طولهما كان مناسبًا لطول الركوع والسجود والاعتدالين، بحيث لا يظهر التفاوت الشديد في طول هذا وقصر هذا، كما يفعله كثيرٌ ممن لا علم عنده بالسُّنة، يطيل القيام جدًّا، ويخفف الركوع والسجود، وكثيرًا ما يفعلون هذا في التراويح، وهذا هو الذي أنكره أنس بقوله: "ما صليتُ وراء إمام قط أخف صلاة ولا أتم من صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم"، فإن كثيرًا من الأمراء في زمانه كان يطيل القيام جدًّا، فيثقل على المأمومين، ويخفف الركوع والسجود والاعتدالين؛ فلا يكمل الصلاة، فالأمران اللذان وصف بهما أنس رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - هما اللذان كان الأمراء يخالفونهما، وصار ذلك - أعني: تقصير الاعتدالين - شعارًا؛ حتى استحبه بعض الفقهاء وكره إطالتهما؛ ولهذا قال ثابت: "وكان أنس يصنع شيئًا لا أراكم تصنعونه، كان إذا رفع رأسه من الركوع، انتصب قائمًا حتى يقول القائل: قد نسي".

 

فهذا الذي فعله أنس هو الذي كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعله، وإن كرهه من كرهه؛ فسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أولى وأحقُّ بالاتِّباع، وقول البراء في السياق الآخر: "ما خلا القيام والقعود"، بيان أن ركن القراءة والتشهد أطولُ من غيرهما، وقد ظنَّ طائفة أن مراده بذلك قيام الاعتدال من الركوع، وقعود الفصل بين السجدتين، وجعلوا الاستثناء عائدًا إلى تقصيرهما، وبنَوْا على ذلك أن السنة تقصيرهما، وأبطل من غلا منهم الصلاةَ بتطويلهما، وهذا غلط؛ فإن لفظ الحديث وسياقه يبطل قول هؤلاء؛ فإن لفظ البراء: "كان ركوعه، وسجوده، وجلوسه بين السجدتين، وإذا رفع رأسه، ما خلا القيام والقعود - قريبًا من السواء"، فكيف يقول: وإذا رفع رأسه من الركوع ما خلا رفع رأسه من الركوع؟ هذا باطل قطعًا.

 

وأما فعل النَّبي - صلى الله عليه سلم - فقد تقدم حديث أنس أنه صلى بهم صلاةَ النبي - صلى الله عليه وسلم - فكان يقوم بعد الركوع حتى يقول القائل: قد نسي، وكان يقول بعد رفع رأسه من الركوع: "سمع الله لمن حمده، اللهم ربنا لك الحمد، ملء السموات وملء الأرض، وملء ما شئت من شيءٍ بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد"؛ رواه مسلم من حديث أبي سعيد، ورواه من حديث ابن أبي أوفى، وزاد فيه بعد قوله: "من شيء بعد": "اللهم طهرني بالثلج والبرد، والماء البارد، اللهم طهرني من الذنوب والخطايا، كما ينقّى الثوب الأبيض من الدنس".

 

وكذلك كان هدْيُه في صلاة الليل، يركع قريبًا من قيامه، ويرفع رأسه بقدر ركوعه، ويسجد بقدر ذلك، ويمكث بين السجدتين بقدر ذلك، وكذلك فعل في صلاة الكسوف، أطال ركن الاعتدال قريبًا من القراءة، فهذا هديه الذي كأنك تشاهده وهو يفعله، وهكذا فعل الخلفاء الراشدون من بعده، قال زيد بن أسلم: كان عمر يخفف القيام والقعود، ويتم الركوع والسجود.

 

فأحاديث أنس - رضي الله عنه - كلها تدل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يطيل الركوع والسجود والاعتدالين، زيادة على ما يفعله أكثر الأئمة؛ بل كلهم إلا النادر، فأنس أنكر تطويل القيام على ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعله، وقال: "كانت صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متقاربة، يقرب بعضها من بعض"، وهذا موافق لرواية البراء بن عازب أنها كانت قريبًا من السواء، فأحاديث الصحابة في هذا الباب يصدِّق بعضها بعضًا.

 

(فصل):

وأما قدر قيامه للقراءة، فقال أبو برزة الأسلمي: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي الصبح، فينصرف الرجل فيعرف جليسه، وكان يقرأ في الركعتين أو إحداهما ما بين الستين إلى المائة"؛ متفق عليه.

 

وفي "صحيح مسلم" عن عبدالله بن السائب قال: "صلى بنا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - الصبح بمكة، فاستفتح سورة المؤمنين حتى إذا جاء ذكر موسى وهارون، أو ذكر عيسى أخذتِ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - سعلةٌ فركع".

 

وفي صحيح مسلم عن قطبة بن مالك: "أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الفجر ﴿ وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ ﴾ [ق: 10]، وربما قال: ﴿ ق ﴾.

 

وفي "صحيح مسلم" أيضًا عن جابر بن سمرة: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في الفجر بـ﴿ ق وَالقُرْآَنِ المَجِيدِ ﴾، وكانت صلاته بعد تخفيفًا"، فقوله: وكانت صلاته بعد تخفيفًا؛ أي: بعد صلاة الصبح أخف من قراءتها، ولم يرد أنه كان بعد ذلك يخفف قراءة الفجر عن ﴿ ق ﴾، يدل عليه ما رواه مسلم في "صحيحه" من حديث شعبة عن سماك عن جابر بن سمرة قال: "كان النبي - صلى الله علية وسلم - يقرأ في الظهر بـ ﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى ﴾، وفي العصر بنحو ذلك، وفي الصبح أطول من ذلك".

 

وفي "صحيح مسلم" عن زهير عن سماك بن حرب قال: سألت جابر بن سمرة عن صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "كان يخفف الصلاة، ولا يصلي صلاةَ هؤلاء"، قال: وأنبأني "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في الفجر بـ﴿ ق وَالقُرْآَنِ المَجِيدِ ﴾ ونحوها"، فأخبر أن هذا كان تخفيفه، وهذا مما يبين أن قوله: وكانت صلاته بعد تخفيفًا؛ أي: بعد الفجر؛ فإنه جمع بين وصف صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالتخفيف وبين قراءته فيها بـ ﴿ ق ﴾ ونحوها، وقد ثبت في الصحيح عن أم سلمة: أنها سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الفجر بـ ﴿ الطور ﴾ في حجة الوداع إلا قليلاً"، والطور قريب من ﴿ ق ﴾، وفي الصحيح عن ابن عباس أنه قال: "إن أم الفضل سمعته وهو يقرأ ﴿ وَالمُرْسَلَاتِ عُرْفًا ﴾ فقال: يا بُنيَّ، لقد ذكَّرتني بقراءتك هذه السورة، فإنها لآخرُ ما سمعت من النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ بها في المغرب"، فقد أخبرتْ أمُّ الفضل أن ذلك آخر ما سمعتْه يقرأ بها في المغرب، وأم الفضل لم تكن من المهاجرين؛ بل هي من المستضعفين، كما قال ابن عباس: "كنت أنا وأمي من المستضعفين الذين عذر الله"، فهذا السماع كان متأخرًا بعد فتح مكة قطعًا.

 

وفي "صحيح البخاري": أن مروان بن الحكم قال لزيد بن ثابت: "ما لك تقرأ في المغرب بقصار المفصل، وقد سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ فيها بطولى الطوليين؟"، وسُئل ابن مليكة - أحد رواته -: "ما طولى الطوليين؟ فقال من قبل نفسه: المائدة والأعراف"، ويدل على صحة تفسيره حديثُ عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها -: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ في صلاة المغرب بسورة الأعراف، فرقها في الركعتين"؛ رواه النسائي، وروى النسائي أيضًا من حديث ابن مسعود: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ في المغرب بـ ﴿ الدخان ﴾"، وفي الصحيحين عن جبير بن مطعم قال: "سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ بـ ﴿ الطور ﴾ في المغرب".

 

فأما العشاء، فقال البراء بن عازب: "سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في العشاء ﴿ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ ﴾، وما سمعت أحدًا أحسن صوتًا منه"؛ متفق عليه.

 

وفي الصحيحين أيضًا عن أبي رافع قال: "صليت مع أبي هريرة العتمة، فقرأ ﴿ إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ ﴾ فسجد، فقلت له، فقال: سجدت بها خلف أبي القاسم، فلا أزال أسجد بها حتى ألقاه".

 

وفي المسند والترمذي من حديث بريدة قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في العشاء الآخرة بـ ﴿ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا ﴾ ونحوها من السور"؛ قال الترمذي: حديث حسن، وقال لمعاذ في صلاة العشاء الآخرة: "اقرأ بـ ﴿ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا ﴾، و﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى ﴾، و﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ﴾، ﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى ﴾"؛ متفق عليه.

 

وأما الظهر والعصر، ففي "صحيح مسلم" من حديث أبي سعيد الخدري قال: "كانت صلاة الظهر تقام، فينطلق أحدُنا إلى البقيع فيقضي حاجته، ثم يأتي أهله فيتوضأ، ثم يرجع إلى المسجد ورسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في الركعة الأولى"، وعن أبي قتادة - رضي الله عنه - قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي بنا، فيقرأ في الظهر والعصر في الركعتين الأوليين بفاتحه الكتاب وسورتين، ويُسمِعنا الآيةَ أحيانًا، وكان يطول الركعة الأولى من الظهر، ويقصر الثانية، ويقرأ في الركعتين الأخريين بفاتحة الكتاب"؛ متفق عليه ولفظه لمسلم، وفي رواية البخاري: "وكان يطول الأولى من صلاة الصبح، ويقصر في الثانية"، وفي رواية لأبي داود قال: "فظننا أنه يريد أن يدرك الناسُ الركعةَ الأولى"، وفي مسند الإمام أحمد عن عبدالله بن أبي أوفى: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - "كان يقوم في الركعة الأولى من صلاة الظهر حتى لا يسمع وقع قدم"، وقال سعد بن أبي وقاص لعمرَ: "أما أنا، فأمد في الأوليين، وأخفف في الأخريين، وما آلو ما اقتديت به من صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال له عمر: ذاك ظنِّي فيك"؛ رواه البخاري ومسلم.

 

وقال أبو سعيد الخدري: "كنا نحزر قيام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الظهر والعصر، فحزرنا قيامه في الركعتين الأوليين من الظهر قدر {آلم تنزيل} السجدة، وحزرنا قيامه في الأخريين قدر النصف من ذلك، وحزرنا قيامه في الركعتين الأوليين من العصر على النصف من ذلك"، وفي رواية بدل قوله: تنزيل السجدة: "قدر ثلاثين آية، وفي الأخريين قدر خمس عشرة آية، وفي العصر في الركعتين الأوليين في كل ركعة قدر خمس عشرة، وفي الأخريين قدر نصف ذلك"؛ هذه الألفاظ كلها في صحيح مسلم.

 

وقد احتج به من استحبَّ قراءةَ السورة بعد الفاتحة في الأخريين، وهو ظاهر الدلالة لو لم يجئ حديث أبي قتادة المتفق على صحته: "أنه كان يقرأ في الأوليين بفاتحة الكتاب وسورتين، وفي الأخريين بفاتحه الكتاب"، فذكر السورتين في الركعتين الأوليين، واقتصاره على الفاتحة في الأخريين - يدل على اختصاص كل ركعتين بما ذكر من قراءتهما، وفي حديث سعد يحتمل لما قال أبو قتادة ولما قال أبو سعيد، وحديث أبي سعيد ليس صريحًا في قراءة السورة في الأخريين؛ فإنما هو حزر وتخمين، وقال جابر بن سمرة: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الظهر ﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى ﴾، وفي العصر نحو ذلك، وفي الصبح أطول من ذلك"؛ رواه مسلم، وعنه: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في الظهر: ﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى ﴾، وفي الصبح بأطول من ذلك"؛ رواه مسلم أيضًا، وعنه: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في الظهر والعصر: ﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ البُرُوجِ ﴾، ﴿ وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ ﴾ ونحوهما من السور"؛ رواه أحمد وأهل السنن.

 

وفي سنن النسائي عن البراء قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي بنا الظهر، فنسمع منه الآية بعد الآية من سورة (لقمان) و(الذاريات)، وفي السنن من حديث ابن عمر: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سجد في صلاة الظهر ثم قام فركع، فرأينا أنه قرأ تنزيل السجدة"، وفيه دليل على أنه لا يكره قراءة السجدة في صلاة السرِّ، وأن الإمام إذا قرأها سجد ولا يخير المأمومون بين اتباعه وتركه؛ بل يجب عليهم متابعته، وقال أنس: "صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاة الظهر، فقرأ لنا بهاتين السورتين في الركعتين: ﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى ﴾، و﴿ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الغَاشِيَةِ ﴾"[9].

 

والصحابة - رضي الله عنهم - أنكروا على من كان يبالغ في تطويل القيام، وعلى من كان يخفف الأركان، ولا سيما ركني الاعتدال، وعلى من كان لا يتم التكبير، وعلى من كان يؤخِّر الصلاة إلى آخر وقتها، وعلى من كان يتخلَّف عن جماعتها، وأخبروا عن صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي ما زال يصليها حتى مات، ولم يذكر أحد منهم أصلاً أنه نقص من صلاته في آخر حياته - صلى الله عليه وسلم - ولا أن تلك الصلاة التي كان يصليها منسوخة؛ بل استمر خلفاؤه الراشدون على منهاجه في الصلاة، كما استمرُّوا على منهاجه في غيرها، فصلى الصدِّيق صلاة الصبح فقرأ فيها بالبقرة كلها، فلما انصرف منها قالوا: يا خليفة رسول الله، كادت الشمس تطلع، قال: لو طلعتْ لم تجدْنا غافلين، وكان عمر يصلي الصبح بـ (النحل)، و(يونس)، و(هود)، و(يوسف)، ونحوها من السور.

 

والحمد لله رب العالمين أولاً وأخيرًا، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.



[1] "خلاصة الكلام شرح عمدة الأحكام"، للشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك، ص 72، 73.

[2] وثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - ما زاد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة، وليس فيه حد محدود؛ لكن الأفضل كفعله - صلى الله عليه وسلم.

[3] انظر: "الدرر السنية في الأجوبة النجدية"، (جـ 4/186).

[4] الخداج: النقصان، مأخوذ من خدجت الناقة، إذا ألقت ولدها قبل أوانه.

[5] رواه البخاري ومسلم.

[6] "كتاب الصلاة"، لابن القيم - رحمه الله - ص 82 - 86.

[7] من كتاب "الصلاة"، لابن القيم - رحمه الله تعالى - ص 87 - 93.

[8] حزرنا: قدَّرنا.

[9] رواه النسائي.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الصلاة وحكمة تشريعها
  • العناية بالصلاة والخشوع فيها
  • حكم المحافظة على الصلاة وعقوبة من أضاعها
  • الحث على الصلاة وأدائها جماعة
  • نماذج من شروط الصلاة وأركانها
  • نماذج من أحكام الصلاة
  • فضل صلاة التهجد (1)
  • كنوز من الحسنات في صلاة الفجر
  • حي على الصلاة
  • حكم تأخير الصلاة
  • أخطاؤنا في الصلاة
  • صلاتك صلتك
  • الخشوع في الصلاة
  • من أحكام الطهارة والصلاة
  • الصلاة ومكانتها في الإسلام
  • صلاة الروح والبدن
  • وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها
  • فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة
  • مكانة الصلاة
  • ارجع فصل فإنك لم تصل
  • أهمية الصلاة ومكانتها
  • لب الصلاة وروحها
  • الاطمئنان في الصلاة.. الركن الغائب
  • ملخص حكم الصلاة إذا نام عنها أو نسيها من تمام المنة
  • اختيار آيات وقراءتها بغير ترتيب على الركعات في الصلاة
  • إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر
  • لو تكلم من سلم ناسيا لمصلحة الصلاة وكان كلامه كثيرا
  • أبعد هذا تعجل في صلاتك؟
  • الأسرة والصلاة

مختارات من الشبكة

  • مجموعة رسائل في الصلاة(كتاب - موقع الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله)
  • المجموعات الوتسية(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • المجموعة العلمية من رسائل ابن رجب الحنبلي جمع سامي محمد جاد الله(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • مخطوطة مجموع فيه مجموعة رسائل (الجزء الثاني)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة مجموع فيه مجموعة رسائل (الجزء الأول)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة مجموعة رسائل في المنطق(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة مجموعة رسائل(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مجموعة رسائل رمضانية (WORD)(كتاب - موقع الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله)
  • ينابيع المنبر: مجموعة خطب ومقالات (المجموعة الأولى) (PDF)(كتاب - موقع د. صغير بن محمد الصغير)
  • نماذج من رسائل النبي للملوك (5) رسائل أخرى(مقالة - ملفات خاصة)

 


تعليقات الزوار
1- اسباب اختلاف المذاهب في الصلاة
taher - tunisie 19-01-2010 03:45 PM
ماهي اسباب اختلاف المذاهب في الصلاة

تعليق الألوكة:

بالإمكان إرسال السؤال عن طريق قسم الفتاوى بالموقع للحصول على الإجابة بإذن الله تعالى.. مع التحية والتقدير
1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب