• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / علوم حديث
علامة باركود

يدخل الجنة أقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطير

يدخل الجنة أقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطير
فالح الشبلي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 12/1/2015 ميلادي - 21/3/1436 هجري

الزيارات: 20363

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

يدخل الجنة أقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطير


إنَّ مما لا شك فيه ولا ريب، أنَّ للصحيحين منزلةً وهيبةً في قلب المسلم، لا تُضاهيها منزلة ولا هيبةٌ أخرى على الإطلاق، فأقول: ولمَ لا، وقد وفَّق الله لذلك، وشاء مؤلِّفاهما أن يتحرَّيا الصحيح من حديث النبي صلى الله عليه وسلم وإيداعَه دون غيره في كتابَيهما؟! وبعد ذلك اتَّفقت الأمة على أنَّ هذين الكتابين هما مِن أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى، والأمةُ لا تجتمع على ضلالة، كما قال ذلك الإمام الذهبي رحمه الله: لم يجتمع علماؤه على ضلالة؛ لا عمدًا ولا خطأً؛ [الموقظة: ص 229].

 

فحفظ الله تعالى معظمَ سنة نبيه صلى الله عليه وسلم في هذين الكتابين الجليلين، وتداول المسلمون ما فيهما من أحاديثَ شرحًا واستنباطًا، وتخريجًا واختصارًا، وجعل الله كرامةَ هذين العالِمَين الجليلين مرتبطةً بما صحَّ من حديث النبي صلى الله عليه وسلم كلما استدلَّ بأحاديثهما عالمٌ أو متعلم؛ فهذا لهما في الدنيا، وأما ما لهما من حسن الجزاء في الآخرة فإنَّ الله به عليم؛ وذلك لما بذَلاه من عمل وجهد وتدقيق، وكلُّ ذلك من أجل الحفاظ على سنة النبي صلى الله عليه وسلم من المفسدين، وكذلك لبيان الحقِّ بالحديث الصحيح وتبليغه.

 

ولكن لم يجعل الله تعالى الكمال لأحد إلا لله الواحد الصمد؛ لأن من طبع الإنسان الغفلةَ والغلط وغيرَ ذلك من الصفات الملازمة له كمخلوق، فيَغلِب على هذا المجتهد الصفةُ التي خلقَه الله تعالى عليها، فهيَّأ من بعدهما من أئمة المسلمين قرنًا بعد قرن إلى يومنا هذا، فكان هؤلاء الأئمة السَّادة بالمرصاد للرواة في تمييز صحيح الحديث من سقيمه؛ ولهذا قال يزيدُ بن أبي حبيب مُنبهًا على ما تقدَّم ذِكره: إذا سمعتَ الحديث فانشُده كما تُنشد الضالَّة؛ فإن عُرف وإلا فدَعه؛ [تقدمة الجرح والتعديل: 1 / 281].

 

ولهذا لم يَعترض أو يستنكر أهلُ العلم على التعقيب أو الانتقاد على هذَين الإمامين الحافظين، فأخذ كلُّ واحد منهم ما يفيد به الأمة ويجود بما عنده على هذين الكتابين النَّفيسين أو أحدهما؛ فمنهم مَن شرَح دُررَه وجواهره الثمينة، وعلَّق عليهما الحواشيَالواسعة والتذييلاتِ المهمة، ومنهم مَن انتقد وأجاد.... إلخ؛ كما تقدم.

 

قال عبد الرحمن بن مَهديٍّ: خَصلتان لا يستقيم فيهما حسنُ الظن؛ الحُكم، والحديث؛ [الجرح والتعديل: 2/ 35]، قال ابن أبي حاتم: يعني لا يُستعمل حسن الظن في قَبول الرواية عمَّن ليس بِمَرضي.


فمِن هؤلاء المنتقدين لبعض أحاديث الصحيحين الإمامُ الجليل علي بن الحسين الدارقطني البغدادي، صاحبُ العلل رضي الله عنه، في كتاب سماه "التتبُّع"، وهو أهلٌ لهذا الانتقاد، وهذا نظيرُ معرفته التامة واطِّلاعه الواسع وقدرته الكبيرة في فَهم الحديث وفقهه، فهو قادرٌ على أن يصنِّف كتابًا نادرًا يُعدُّ من أفضل الكتب في بابه، ولو لم يكن محدِّثًا بارعًا لما كان تأليفُه متقَنًا وموفقًا، ولكن لتمكُّنه من الاجتهاد في علم الحديث فقد قرأ وفكَّر وراجع، ثم انتقد.

 

فلهذا أحببتُ أن أقتفيَ أثر أهل العلم، وأسلك طريقهم بهذا الجهدِ المتواضع، وأدخلَ تجربة البحث العلميِّ في مسألةِ ما انتقدَه الحافظ الدارقطنيُّ على هذين العالِمين، فقلتُ: لعلِّي أقف على ما هو جديدٌ فأوافِق أو أخالف مَن كان قبلي على انتقادِه لهذا الحديث - أسأل الله التوفيقَ والقبول - وهذا كله وفقَ ضوابط الصِّناعة الحديثيَّة.

 

فرأيتُ أن أجعل هذا الحديث ضمن كتابي المقدمات والتَّراجم والعلل؛ فقد يكون هذا المشروع النافع والمهمُّ هدفًا آخر أستمر فيه إن شاء الله، وقد تكون تجربةً مؤقتة ليس إلاَّ، وهذا من منطلق قول الإمام الشافعيِّ رضى الله عنه: من تعلَّم علمًا فليدقق؛ لئلا يَضيع دقيقُ العلم؛ [المدخل إلى السنن الكبرى: رقم/ 319، 416]

 

قال الإمام مسلمٌ:

حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ اللَّيْثِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ يَعْنِي ابْنَ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَقْوَامٌ، أَفْئِدَتُهُمْ مِثْلُ أَفْئِدَةِ الطَّيْرِ».

[الحديث صحيح]

 

أخرجه مسلمٌ (4/ 2183)، (ح/ 2840)، والطيالسيُّ (ح/ 2513)، ومن طريقه ابنُ فاخر الأصبهاني في "موجبات الجنة" (ص/ 164)، (ح/ 232)، وأحمدُ (14/ 116)، (ح/ 8382)، وأبو يعلى (10/ 302)، (ح/ 5896)، ومن طريقه ابنُ عَديٍّ في "الكامل" (1/ 248)، وأحمدُ بن مروان الدِّينَوريُّ في "المجالس وجواهر العلم" (8/ 242)، (ح/ 3518)، وابن الأعرابي في "المعجم" (4/ 209)، (ح/ 1702)، والبيهقي في "البعث والنشور" (ح/ 417) من طريق إبراهيم بن سعد، عن أبيه كما تقدم.

 

قلتُ: أبو سلمة، ابن عبد الرحمن بن عوفٍ القرشيُّ الزُّهري المدني، ثقة.


وسعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف القرشي، ثقةٌ، ولا يُلتفَت إلى من تَكلَّم فيه من أهل العلم؛ كمالكٍ والباجي، فقد ردَّ عليهم الأئمة الأعلامُ من أهل التحقيق بما هو مقنِع؛ قال أحمد بن محمد: سمعت أحمدَ بن حنبل يقول: سعدٌ ثقة، فقيل له: إنَّ مالكًا لا يحدث عنه، فقال: من يَلتفت إلى هذا؟! سعدٌ ثقة، رجلٌ صالح؛ [تهذيب التهذيب].


وإبراهيم بن سعد: ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف القرشي، ثقة، قد أثنى عليه وعلى علمِه الأئمةُ الكبار الحفَّاظ؛ من أمثال شعبةَ وغيره، وكذلك قد احتجَّ به الشيخان، ولكن قد تكلَّم فيه أهل العلم بما لا يحطُّه عن منزلة الاحتجاج به وتركِ حديثه؛ قال فيه أبو زُرعةَ: كثيرُ الحديث، وربما أخطأ في أحاديثَ؛ [عمدة القاري: 1/ 173].

 

وكذلك قال ابن سعد: وكان ثقةً، كثيرَ الحديث، وربما أخطأ في الحديث؛ [الطبقات: 7/ 322].

 

وقال ابن عَدي: هو من ثقات المسلمين، حدَّث عنه جماعةٌ من الأئمة، ولم يختلف أحدٌ في الكتابة عنه، وقول من تكلم فيه تحامُلٌ عليه، وله أحاديثُ صالحة مستقيمة، عن الزهريِّ وغيره؛ [الضعفاء: 1/ 249].

 

فهذه حالُ إبراهيم بن سعد، والخلاصة أنه ثقة، إلا أنه أخطأ في بعض حديثه، وهذه من الأمور التي لا تنفكُّ عن الناس من أهل الحديث الحفَّاظ المكثِرين وغيرهم، والمكثِر لا بدَّ له من عَثرة أو كبوة، وكذلك قد ضُعِّف في الزهريِّ خاصة، ولكن هذا مبحث آخر لا يَعنينا التطرُّق إليه الآن.

 

وقال الإمام الذهبيُّ: وساق له ابنُ عدي عدةَ غرائب عن الزهريِّ مما خولف في إسنادها؛ يبدل تابعيًّا بآخَر؛ [ميزان الاعتدال: ت/ 93].

 

قلتُ: أما بالنسبة لروايته عن الزهري فلا أريد التطرق إليها لغير ضرورة مهمةٍ كما تقدم، وأما ما نقله الإمام الذهبيُّ فهذا من الخطأ الذي لا يَنجو منه إنسان.

 

ولقد قسَّم الرواةَ الإمامُ عبد الرحمن بن مهديٍّ رحمه الله إلى ثلاثةِ أصناف، فأجاد فيها وأفاد، وهو تقسيم جيد وواضح في مقصده وفحواه، وقد سهَّل هذا الأمرُ على الطالب في جمعِ أطراف هذه المسألة باختصار، وكذلك هذه الأقسام الثلاثة الماضية لها تقسيمٌ آخرُ عند أهل الحديث ليس هذا محلَّ بيانه وبسطِه، يبيِّن مذهب هذا الإمام الجليل في رواة الحديث.

 

قال محمد بن المثنَّى: قال لي عبدُ الرحمن بن مهدي: يا أبا موسى، أهل الكوفة يحدِّثون عن كلِّ أحد! قلت: يا أبا سعيد، هم يقولون: إنك تحدِّث عن كل أحد، قال: عمَّن أحدث؟! فذكرتُ له محمدَ بن راشد المكحولي، فقال لي: احفظ عني؛ الناس ثلاثة: رجل حافظٌ متقن، فهذا لا يُختلف فيه، وآخرُ يهِمُ والغالب على حديثه الصحَّة، فهذا لا يُترك حديثه، ولو تُرك حديثُ مثل هذا لذهَب حديثُ الناس، وآخرُ يهِم والغالبُ على حديثه الوهَمُ فهذا يُترك حديثُه؛ [التمييز للإمام مسلم: رقم/ 35]، [الجرح والتعديل: 2/ 38]، [ضعفاء العقيلي: 29، 1227]، [الجامع لأخلاق الراوي: 3/ 472].

 

قال الحافظ ابن حجر: هذا أقسام الصادقين، أمَّا من يتعمد الكذب فلم يتعرَّض له ابن مهدي في هذا التقسيم؛ [لسان الميزان: 1/ 207].

 

قلتُ: وما تقدم هو بعضُ منازل ومراتبِ نقَلةِ الحديث والأخبار عند الإمام ابن مهديٍّ، وإبراهيم بن سعد قد جعلتُه في منزلة الحافظ الذي له بعضُ الأخطاء والأوهام، يصحَّح حديثه ويُقبَل إذا لم يُخالِف مَن هو أوثقُ منه وأحفظ.

 

وقال سفيان الثوريُّ: ليس يَكاد يُفلت من الغلطِ أحدٌ، إذا كان الغالبَ على الرجل الحفظُ فهو حافظ، وإن غَلط، وإن كان الغالبَ عليه الغلطُ تُرك؛ [الكفاية للخطيب: 227 ، 228].

 

وقال ابن حبَّان: وفي الدنيا أحدٌ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم يَعرى عن الخطأ؟! ولو جاز تركُ حديثِ مَن أخطأ لجاز تركُ حديث الصحابةِ والتابعين ومَن بعدهم مِن المحدِّثين؛ لأنَّهم لم يكونوا بمعصومين؛ [الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان: 1/ 153].

 

قلتُ: يَرويه عن إبراهيم بن سعد، هاشم بن القاسم وأبو داود الطيالسي.

هاشم بن القاسم: أبو النَّضر الليثيُّ البغدادي، ثقةٌ ثبت.

 

وأبو داود الطيالسي: سليمان بن داود بنِ الجارودِ، ثقةٌ حافظ، عنده بعضُ الأخطاء والأغلاط وقعَت في روايته، قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: أبو داود محدِّث صَدوق، كان كثيرَ الخطأ؛ [الجرح والتعديل: 4/ 113 ت/ 491].

 

قلتُ: وقول أبي حاتم: كان كثيرَ الخطأ، ولم يتبيَّن لي كم هو العدد الذي أخطأ فيه؛ فأبو داودَ مُكثر من الحديث والشيوخ، وقول الجارح فيه: كثيرُ الخطأ، دون ذِكر العدد فهذا أعدُّه من الجَرح المبُهَم؛ وذلك مقابل ما رواه أبو داود.

 

قال الخليلي: سمعت محمد بن إسحاقَ الكَيسانيَّ يقول: سمعتُ أبي يقول: سمعت يونسَ بن حبيبٍ الأصبهانيَّ يقول: قدم علينا أبو داود الطيالسيُّ وأملى علينا مِن حفظِه مائةَ ألف حديث، أخطأ في سبعينَ موضعًا، فلما رجع إلى البصرة كتب إلينا بأنِّي أخطأتُ في سبعين موضعًا فأصلِحوها؛ [الإرشاد: 1/ 240].

 

قلتُ: وهل مَن كان بهذا الحفظ عندهم يُضعَّف من أجل سبعين موضعًا التي أخطأ فيها هذا الإمام؟! ثم إنَّ قصة رجوعه تُثبت لنا أنَّ للإمام الطيالسيِّ كتابًا وأصلاً لحديثه، فعندما رجَع إلى البصرة وراجع أصولَه تبيَّن له الخطأُ يقينًا، فرجع عنه إلى الصواب، فهذا الإمام الجليل الحافظ عنده حفظٌ وإتقان يُعتمد عليه في الإملاء، وله كتابٌ كأصل من أصوله، يستمد منه، ويرجع إليه أيضًا إذا شكَّ في حفظه.

 

فقد يكون ما تقدَّم من جَرح أبي حاتم له هذا في حال تحديثه لهم من حفظه، فكان يقع منه الخطأُ بعض الأحيان؛ ولهذا اعتذَر عنه الإمام الذهبيُّ كما سيأتي.

 

ويؤيِّد ما ذهَبنا إليه ما رواه أحمدُ بن الفُرات عن أحمدَ بنِ حنبل، فقال: سألتُ أحمد بن حنبلٍ عن أبي دواد، فقال: عندنا ثقةٌ صدوق، فقلت: إنه يخطئ؟ قال: يُحتمل له؛ [طبقات المحدِّثين بأصبهان: رقم/ 235].

 

وقال محمد بن إبراهيم الأصبهاني: سمعتُ أبا مسعود قال: كتبوا إليَّ من أصبهان أنَّ أبا داود أخطأ في تِسعِمائة، أو قالوا: ألف، فذكرتُ ذلك لأحمد، فقال: يُحتمل لأبي داودَ؛ [التقيد، لمعرفة رواة السنن والمسانيد: ص/ 278]، [تاريخ بغداد: 9/ 26].

 

قال الخطيب البغداديُّ معلِّقًا بعده: قلتُ: كان أبو داود يحدِّث من حفظه والحفظُ خوَّان، فكان يغلط، مع أنَّ غلطه يسيرٌ في جنب ما رَوى على الصحَّة والسلامة.


وقال إبراهيم بن سعيد الجوهري: أخطأ أبو داود الطيالسي في ألفِ حديث؛ [الكامل لابن عدي: 3/ 278].

 

قلتُ: وهذا من المبالغة في الجَرح كما سيأتي من كلام الذهبي.

 

قال الذهبي في "السِّير" مُعقبًا ومعلِّقًا: هذا قاله إبراهيمُ على سبيل المبالغة، ولو أخطأ في سُبع هذا لضعَّفوه؛ [9/ 382].

 

وقال ابن عدي: وأبو داودَ الطيالسيُّ له حديثٌ كثير عن شُعبةَ وعن غيره من شيوخه، وكان في أيامه أحفظَ مَن بالبصرة، مقدَّمًا على أقرانه لحفظِه ومعرفته، وما أدري لأيِّ معنًى قال فيه ابنُ المنهالِ ما قال؛ فهو كما قال عمرُو بن علي: ثقةٌ، وإذا جاوزتَ في أصحاب شعبةَ من معاذِ بن معاذ وخالدِ بن الحارث ويحيى القطَّان وغُندَر، فأبو داود خامسُهم، وقد حدَّث بأصبهانَ كما حكى عنه بُندارٌ واحدًا وأربعينَ ألفَ حديثٍ ابتداءً؛ وإنما أراد به مِن حفظه، وله أحاديثُ منها يرفعها، وليس بعجَب مَن يحدث بأربعين ألف حديثٍ مِن حفظه أن يَخطئ في أحاديثَ منها؛ يَرفع أحاديثَ يوقفُها غيرُه، ويُوصل أحاديثَ يُرسلها غيره، وإنما أتى ذلك من قِبَل حفظه، وما أبو داود عندي وعند غيري إلا متيقِّظٌ ثبت؛ [الكامل: 4/ 278].

 

وقال الإمام الذهبي أيضًا: أحد الأعلام، ثقة، أخطأ في أحاديث؛ [الميزان: ت/ 3293].

 

وقال ابن سعد: وكان كثير الحديث، ثقةً، وربما غلط؛ [الطبقات الكبرى: 9/ 299].

 

وقال محمد بن المنهال الضرير، قلت لأبي داود صاحب الطيالسي يومًا: سمعتَ مِن ابن عون شيئًا؟ قال: لا، قال: فتركتُه سنة وكنت أتَّهمه بشيء قبل ذلك حتى نَسي ما قال، فلما كان بعد سنة قلت له: يا أبا داود، سمعتَ من ابن عون شيئًا؟ قال: نعم، قلت: كم؟ قال: عشرون حديثًا ونيِّف، قلت: عدَّها علي، فعدَّها كلَّها فإذا هي أحاديثُ يزيدَ ما خلا واحدًا له لم أعرفه، قال ابن عدى: أراد به يزيدَ بن زُريع؛ [الكامل لابن عدي: 3/ 280]، [تاريخ بغداد: 9/ 25].

 

قلتُ: وكما تقدَّم من ذكر أقوال الأئمة بنقدهم وجَرحهم لأبي داود والذي حاولتُ فيه أن أردَّ عليه بالإنصاف والتحقيق العلميِّ الدقيق، ولكن يُعادل ما تقدَّم من الكلام الذي نُقل فيه، أيضًا هناك ثناءُ الأئمة عليه وتوثيقُهم له مستفيض، وهذا قد ذاع صيته بين أهل الحديث واشتهَر، وقد أطنَب كثيرٌ من أهل العلم بمدحِه، ومن هؤلاء الأئمة: وَكيعُ بنُ الجرَّاح قال: أبو داودَ جبلُ العلم؛ [طبقات المحدثين بأصبهان: رقم/ 232].

 

قلتُ: وهذه من الألفاظ النادرة في التَّعديل، بل الوحيدةُ في فنِّها، والتي تُذكر في أعلى مراتب التعديل، ولا أعلم أحدًا قدسبَق الإمام وَكيعًا إليها، ولم أقف أيضًا على مَن استخدمها من الأئمَّة النُّقاد غير وكيع في تعديل الرواة وتوثيقهم، فلو لم يَكن هذا الإمام الهمامُ أهلاً لهذا الوصف لما وصفَه وكيعٌ به.

 

وقال أيضًا: ما بقي أحدٌ أحفظَ لحديثٍ طويل من أبي داودَ الطيالسي، قال عبد الله بن عِمران: فذكرتُ ذلك لأبي داود، فقال: قل له: ولا لقصير؛ [مقدمة الجرح والتعديل: ص/ 224].

 

وقال عليُّ بن المَدينيِّ: ما رأيتُ أحفظَ من أبي داود الطيالسي؛ [طبقات المحدثين بأصبهان: رقم/ 235]، [تاريخ بغداد: 9/ 27].

 

وقال محمد بن بشار: سمعت أبا داود الطيالسي يقول: حدثتُ بأصبهان بأحدٍ وأربعين ألفَ حديث ابتداءً من غير أن أسأل؛ [الكامل لابن عدي: 3/ 278]، [تاريخ بغداد: 9/ 26].

 

قال إبراهيم الأصبهاني: سمعتُ بُندارًا محمدَ بن بشار يقول: ما بكيتُ على أحدٍ مِن المحدِّثين ما بكيتُ على أبي داود الطيالسي، قال: فقلت له: وكيف؟ قال: فقال: لِما كان مِن حفظه، ومعرفته، وحسنِ مُذاكرته؛ [تاريخ بغداد: 9/ 27].

 

وقال أحمدُ بن شاذانَ: سمعتُ عن أبي داود ستِّين ألفَ حديث لم نرَ معه كتابًا قط؛ [طبقات المحديثين بأصبهان: رقم/ 234].

وقال عمرو بن شبَّة: كتَبوا عن أبي داودَ بأصبهان أربعينَ ألف حديث وليس معه كتاب؛ [تاريخ بغداد: 9/ 27].

 

قال عمرو بن عليٍّ الفلاَّسُ: ما رأيتُ في المحدِّثين أحفظَ مِن أبي داود الطيالسي، سمعتُه يقول: أسرد ثلاثين ألف حديث ولا فخر، وفي صدري اثنا عشَر ألف حديثٍ لعثمانَ البزِّي، ما سألَني عنها أحدٌ من أهل البصرة، فخرجتُ إلى أصبهان فبثَثتُها فيهم؛ [تاريخ بغداد: 9/ 27].

 

وقال العجليُّ: بصري ثقة، وكان كثيرَ الحفظ، رحلتُ إليه فأصبتُه مات قبل قدومي بيوم! وكان قد شرب البَلاذُرَّ هو وعبدُ الرحمن بن مهدي، فجُذِم أبو داود، وبَرِص عبدُ الرحمن، فحَفظ أبو داود أربعينَ ألف حديث، وحفظ عبدُ الرحمن عشرةَ آلاف حديث؛ [الثقات: ت/ 665]، [تاريخ بغداد: 9/ 27 28].

 

وقال يحيى بنُ مَعين رحمه الله - وهذا في تفضيله على الإمام عبد الرحمن بن مهدي في بعض الرُّواة، قال عثمان بن سعيد الدارمي: سألتُ يحيى بنَ مَعينٍ عن أصحاب شعبةَ، قلتُ:... فأبو داودَ أحبُّ إليك أو حرَميُّ بن عِمارةَ؟ فقال -: أبو داود صَدوق، أبو داود أحبُّ إليَّ منه، قلتُ: فأبو داودَ أحبُّ إليك فيه أو عبدُ الرحمن بن مهدي؟ فقال: أبو داود أعلم به؛ [سؤالاته: رقم/ 107].


قلتُ: وأكتفي بما ذكَرتُ من ثناء العلماء على هذا الإمام الجليل؛ ففيه غُنيةٌ وكفاية، ولله الحمد والمنَّة، وهو عندي ثقةٌ متقِن إمام، جبلٌ في العلم والحفظ.


قلتُ: قال الدارقطنيُّ في "التتبُّع": ولم يُتابَع أبو النضر على وَصله عن أبي هريرة، والمحفوظُ: عن إبراهيم بن سعدٍ عن أبي سَلمة مرسَلاً، عن النبي صلى الله عليه وسلم، كذلك رواه يعقوبُ وسعدٌ ابنا إبراهيمَ وغيرُهما عن إبراهيمَ بن سعد، والمرسَل هو الصواب.


أقول: قولُ الدارقطني: ولم يتابَع أبو النضر على وصلِه عن أبي هريرة، ليس كما قال، بل تابعَه عليه أبو دواد الطيالسيُّ، وهذا في مُسندِه كما مرَّ في تخريج الحديث.


وقوله: والمحفوظ: عن إبراهيم بن سعد عن أبي سلمة مرسلاً عن النبي صلى الله عليه وسلم.

أقول: بل المحفوظُ عندي أيضًا المرفوعُ؛ لمتابعة أبي دوادَ لأبي النضر عليه كما تقدَّم، وهذا فضلٌ من الله.

وقوله: كذلك رواه يعقوبُ وسعدٌ ابنا إبراهيم وغيرهما، عن إبراهيمَ بنِ سعد، والمرسل هو الصواب.

أقول: رواية يعقوب عند الإمام أحمدَ، وسيأتي تخريجُ حديثه، وحديث سعد هو المتقدم.


وقوله: والمرسل هو الصواب.

كذلك أقول: الحديث المرفوعُ هو صوابٌ عندي أيضًا؛ لما تقدَّم، والراوي له عدَّة طرق وحالاتٍ في رواية الحديث؛ فبعض الأحيان تكون الفترة الطويلة التي يحدِّث بها هذا الراوي نوعًا ما لها الدورُ الأكبر في التأثير على حال الراوي والرواية في رفع الحديثِ مرةً، أو إرساله مرة أخرى، أو وقْفِه، وهذا أحد الأسباب.


وقد يكون في هذا الطريق قد أرسَل الحديث، فجعلَه عن أبي سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم، من غير أن يَذكر أبا هريرةَ فيه، فنقَل الحديثَ يعقوبُ بن إبراهيم مثلما سمعه كما سيأتي، والله أعلم، والحديث صحيحٌ عندي ولله الحمد، وليس كما ذهبَ إليه الإمام الدارقطنيُّ ومَن تبِعَه على ذلك.


قلتُ: وكما تقدم؛ فالحديث يَرويه عن إبراهيمَ بن سعدٍ هاشمُ بنُ القاسم، وهو ثقةٌ ثبت، وأبو داود الطيالسيُّ، وهو إمامٌ حافظ كما مرَّ، خالفَهم يعقوبُ بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهريُّ، أبو يوسفَ القرشي، فرواه عن أبيه، عن جدِّه، عن أبي سلمة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مُرسلاً، أخرجه الإمام أحمدُ في "المسنَد"؛ [14/ 116 ح/ 8383].


قلتُ: ويعقوب بن إبراهيم ثقةٌ متقن فاضلٌ جليل القدر، وإرسال الحديث لا يَضرُّ المرفوع؛ فرواية هاشمِ بن القاسم وأبي دواد الطيالسيِّ مقدَّمةٌ عندي على رواية يعقوبَ بن إبراهيم، وقد يكون وهِمَ فيه يعقوبُ بن إبراهيم فأرسله، ولكن المفهوم من كلام الإمام الدارقطنيِّ كما مرَّ آنفًا أنَّ يعقوبَ قد توبع عليه، والله أعلم.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • حديث: يدخل الجنة أقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطير

مختارات من الشبكة

  • حديث: عجب الله من قوم يدخلون الجنة في السلاسل(مقالة - مكتبة الألوكة)
  • تفسير: ويا قوم لا يجرمنكم شقاقي أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الكلام على قوله صلى الله عليه وسلم: (سيخرج من أمتي أقوام تجارى بهم تلك الأهواء)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير قوله تعالى: {وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا...}(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حديث: ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • حديث: لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • السخرية من الناس (لا يسخر قوم من قوم)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حديث: لينتهين أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • تفسير: (فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (ألم يأتهم نبأ الذين من قبلهم قوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم ...)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب