• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / عقيدة وتوحيد
علامة باركود

الشفاعة وأنواعها

الشفاعة وأنواعها
علي محمد سلمان العبيدي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 20/7/2014 ميلادي - 22/9/1435 هجري

الزيارات: 104777

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الشفاعة وأنواعها


الشفاعة شفاعتانِ: شفاعة منفية، وشفاعة مثبَتة:

• فالشفاعة المنفيَّة: ما كانت تُطلَب من غير الله فيما لا يقدِر عليه إلا الله، والدليل: قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [البقرة: 254].


• والشفاعة المُثبَتة هي: التي تُطلَب من الله، والشافع مكرَّم بالشفاعة، والمشفوع له: مَن رضِي اللهُ قولَه وعمَلَه بعد الإذن؛ كما قال تعالى: ﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ﴾ [البقرة: 255].

 

قال ابن القيم:

قال تعالى: ﴿ أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ * قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ [الزمر: 43، 44].


فأخبَر أن الشفاعةَ لِمن له مُلك السموات والأرض، وهو الله وحده؛ فهو الذي يشفع بنفسه إلى نفسه ليرحَمَ عبده، فيأذَن هو لمن يشاء أن يشفع فيه، فصارت الشفاعةُ في الحقيقة إنما هي له، والذي يشفع عنده إنما يشفع بإذنِه له وأمرِه بعد شفاعته سبحانه إلى نفسه، وهي إرادتُه من نفسه أن يرحَمَ عبده، وهذا ضد الشفاعة الشركية التي أثبتها هؤلاء المشرِكون ومَن وافقهم، وهي التي أبطَلها الله سبحانه في كتابه بقوله: ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ ﴾ [البقرة: 123]، وقوله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ ﴾ [البقرة: 254]، وقال تعالى: ﴿ وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾ [الأنعام: 51]، وقال: ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ ﴾ [السجدة: 4]، فأخبَر سبحانه أنه ليس للعباد شفيعٌ من دونه، بل إذا أراد الله سبحانه رحمةَ عبده، أذِن هو لمن يشفع فيه؛ كما قال تعالى: ﴿ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ﴾ [يونس: 3]، وقال: ﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ﴾ [البقرة: 255]؛ فالشفاعة بإذنه ليست شفاعةً من دونه، ولا الشافع شفيع من دونه، بل شفيع بإذنه، والفَرْق بين الشفيعين كالفَرْق بين الشريك والعبد المأمور؛ فالشفاعة التي أبطلها الله: شفاعةُ الشريك؛ فإنه لا شريكَ له، والتي أثبتها: شفاعةُ العبد المأمور الذي لا يشفع ولا يتقدَّم بين يدَيْ مالكه حتى يأذَنَ له ويقول: اشفع في فلان؛ ولهذا كان أسعَدَ الناس بشفاعة سيِّدِ الشفعاء يوم القيامة أهلُ التوحيد، الذين جرَّدوا التوحيد، وخلَّصوه مِن تعلُّقاتِ الشرك وشوائبه، وهم الذين ارتضى اللهُ سبحانه.


قال تعالى: ﴿ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى ﴾ [الأنبياء: 28]، وقال: ﴿ يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا ﴾ [طه: 109].


فأخبَر أنه لا يحصُلُ يومئذٍ شفاعةٌ تنفَعُ إلا بعد رضاءِ قول المشفوع له، وإذنِه للشافع فيه، فأما المشرِكُ، فإنه لا يرتضيه، ولا يرضى قوله، فلا يأذَنُ للشفعاء أن يشفَعوا فيه؛ فإنه سبحانه علَّقها بأمرين: رضاه عن المشفوع له، وإذنه للشافع، فما لم يوجد مجموعُ الأمرين، لم توجَدِ الشفاعة، وسرُّ ذلك: أن الأمرَ كلَّه لله وحده، فليس لأحدٍ معه من الأمر شيءٌ، وأعلى الخَلْق وأفضلهم وأكرَمُهم عنده: هم الرسلُ والملائكة المقرَّبون، وهم عبيد محض، لا يسبقونه بالقول، ولا يتقدمون بين يديه، ولا يفعلون شيئًا إلا بعد إذنه لهم، وأمرهم، ولا سيما يوم لا تملِك نفس لنفس شيئًا؛ فهم مملوكون مَرْبوبون، أفعالهم مقيَّدة بأمره وإذنه، فإذا أشرَك بهم المشرك واتخذهم شفعاءَ من دونه، ظنًّا منه أنه إذا فعل ذلك تقدَّموا وشفعوا له عند الله، فهو من أجهلِ الناس بحق الرب سبحانه، وما يجب له ويمتنع عليه؛ فإن هذا محالٌ ممتنع شبيه قياس الرب تعالى على الملوك والكُبَراء؛ حيث يتخذُ الرجل من خواصِّهم وأوليائهم مَن يشفع له عندهم في الحوائج، وبهذا القياس الفاسد عُبِدت الأصنام، واتَّخَذ المشركون من دون الله الشفيعَ والوليَّ.


والفرق بينهما هو الفَرق بين المخلوق والخالق، والرب والمربوب، والسيد والعبد، والمالك والمملوك، والغني والفقير، والذي لا حاجةَ به إلى أحد قط والمحتاج من كل وجهٍ إلى غيره.


فالشفعاءُ عند المخلوقين:

هم شركاؤهم؛ فإن قيامَ مصالحهم بهم، وهم أعوانُهم وأنصارهم الذين قيامُ أمر الملوك والكُبَراء بهم، ولولاهم لَمَا انبسطت أيديهم وألسنتهم في الناس؛ فلحاجتِهم إليهم يحتاجون إلى قَبول شفاعتهم وإن لم يأذنوا فيها، ولم يرضَوا عن الشافع؛ لأنهم يخافون أن يردُّوا شفاعتهم، فتنتقض طاعتُهم لهم، ويذهبون إلى غيرهم، فلا يجدون بدًّا من قَبول شفاعتهم على الكُرْه والرِّضا، فأما الغنيُّ الذي غناه من لوازم ذاته، وكل ما سواه فقير إليه بذاته، وكل من في السموات والأرض عبيدٌ له مقهورون بقهره مصرَّفون بمشيئته، فلو أهلكهم جميعًا لم ينقص من عزِّه وسلطانه ومُلكه وربوبيته وإلهيته مثقال ذرة.


قال تعالى: ﴿ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [المائدة: 17]، وقال سبحانه في سيدةِ آي القرآن آيةِ الكرسي: ﴿ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ﴾ [البقرة: 255]، وقال: ﴿ قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ [الزمر: 44].


فأخبَر أن حال مُلكه للسموات والأرض يوجب أن تكون الشفاعةُ كلُّها له وحده، وأن أحدًا لا يشفع عنده إلا بإذنه، فإنه ليس بشريك، بل مملوك محضٌ، بخلاف شفاعةِ أهل الدينا بعضهم عند بعض، فتبيَّن أن الشفاعةَ التي نفاها الله سبحانه في القرآن هي هذه الشفاعةُ الشِّركية التي يعرفها الناس، ويفعَلُها بعضهم مع بعض؛ ولهذا يُطلِق نفيَها تارة بناءً على أنها هي المعروفة المشاهَدة عند الناس، ويقيِّدُها تارة بأنها لا تنفع إلا بعد إذنه، وهذه الشفاعة في الحقيقة هي منه؛ فإنه الذي أذِن، والذي قَبِل، والذي رضِي عن المشفوع، والذي وفَّقه لفعل ما يستحق به الشفاعة، وقوله: فمتَّخِذ الشفيع مشرك لا تنفعه شفاعته، ولا يشفع فيه، ومتخذ الرب وحده إلَهَه ومعبودَه ومحبوبه ومرجوه ومخوفه الذي يتقرَّب إليه وحده، ويطلب رضاه، ويتباعد من سَخَطه، هو الذي يأذَنُ الله سبحانه للشفيع أن يشفع فيه؛ قال تعالى: ﴿ أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ * قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا ﴾ [الزمر: 43، 44]، وقال تعالى: ﴿ وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [يونس: 18].


فبيَّن سبحانه أن المتخذين شفعاءَ مشركون، وأن الشفاعة لا تحصل باتخاذهم هم، وإنما تحصل بإذنِه للشافع، ورضاه عن المشفوع له، وسرُّ الفرق بين الشفاعتين: أن شفاعةَ المخلوق للمخلوق وسؤاله للمشفوع عنده لا يفتقر فيها إلى المشفوع عنده، لا خَلْقًا ولا أمرًا ولا إذنًا، بل هو سبب محرِّك له من خارج كسائرِ الأسباب التي تحرِّك الأسباب، وهذا السبب المحرِّك قد يكون عند المتحرك لأجله ما يوافقُه؛ كمن يشفع عنده في أمر يحبُّه ويرضاه، وقد يكون عنده ما يخالفه؛ كمن يشفع إليه في أمرٍ يكرهه، ثم قد يكون سؤاله وشفاعتُه أقوى من المُعارِض، فيقبل شفاعة الشافع، وقد يكون المُعارِض الذي عنده أقوى من شفاعة الشافع، فيردها ولا يقبَلُها، وقد يتعارَضُ عنده الأمران، فيبقى مترددًا بين ذلك المعارض الذي يوجب الرد، وبين الشفاعة التي تقتضي القَبول، فيتوقف إلى أن يترجَّحَ عنده أحدُ الأمرين بمرجِّح؛ فشفاعة الإنسان عند المخلوق مثله: هي سعي في سببٍ منفصل عن المشفوع إليه، يحرِّكه به ولو على كُره منه؛ فمنزلةُ الشفاعة عنده منزلة مَن يأمر غيره أو يكرهه على الفعل، إما بقوة وسلطان، وإما بما يرغبه، فلا بد أن يحصلَ للمشفوع إليه من الشافع، إما رغبة ينتفع بها، وإما رهبة منه تندفع عنه بشفاعته، وهذا بخلاف الشفاعة عند الرب سبحانه؛ فإنه ما لم يخلُقْ شفاعة الشافع، ويأذَنْ له فيها، ويحبَّها منه، ويرضَ عن الشافع - لم يمكن أن توجد، والشافع لا يشفع عنده لحاجة الرب إليه، ولا لرهبته منه، ولا لرغبته فيما لديه، وإنما يشفع عنده مجرد امتثال لأمره، وطاعة له؛ فهو مأمور بالشفاعة، مطيع بامتثال الأمر؛ فإن أحدًا من الأنبياء والملائكة وجميع المخلوقات لا يتحرَّكُ بشفاعةٍ ولا غيرها إلا بمشيئة الله تعالى وخَلْقه؛ فالربُّ سبحانه وتعالى هو الذي يحرِّك الشفيعَ حتى يشفع، والشفيع عند المخلوق هو الذي يحرِّك المشفوع إليه حتى يقبل، والشافع عند المخلوق مستغنٍ عنه في أكثر أموره، وهو في الحقيقة شريكه، ولو كان مملوكه وعبده؛ فالمشفوع عنده محتاجٌ إليه فيما يناله منه من النفع بالنصر والمعاونة، وغير ذلك، كما أن الشافع محتاج إليه فيما يناله منه؛ من رزق أو نصر أو غيره، فكل منهما محتاجٌ إلى الآخر، ومَن وفقه الله تعالى لفَهْم هذا الموضع ومعرفته، تبيَّن له حقيقةُ التوحيد والشرك، والفرق بين ما أثبته الله تعالى من الشفاعة وبين ما نفاه وأبطَله، ومن لم يجعلِ الله له نورًا فما له من نورٍ.


وله صلى الله عليه وسلم في القيامة ثلاث شفاعات:

أما الشفاعة الأولى، فيشفع في أهل الموقف حتى يقضى بينهم، بعد أن تتراجَعَ الأنبياء: آدم ونوح وإبراهيمُ وموسى وعيسى ابن مريم عن الشفاعة، حتى تنتهي إليه.


وأما الشفاعة الثانية، فيشفع في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة؛ وهاتان الشفاعتان خاصَّتان له.


وأما الشفاعة الثالثة، فيشفع فيمن استحق النارَ، وهذه الشفاعة له ولسائر النبيين والصِّدِّيقين وغيرهم، فيشفع فيمن استحق النار ألا يدخلها، ويشفع فيمن دخلها أن يخرجَ منها، ويُخرج اللهُ تعالى من النار أقوامًا بغير شفاعة، بل بفضله ورحمته، ويبقى في الجنة فضلٌ عمن دخلها من أهل الدنيا، فينشئ الله لها أقوامًا فيدخلهم الجنة، وأصناف ما تضمنته الدار الآخرة من الحساب، والثواب والعقاب، والجنة والنار، وتفاصيل ذلك - مذكورةٌ في الكتب المنزَّلة من السماء، والآثار من العلم المأثورةُ عن الأنبياء، وفي العلم الموروث عن محمد من ذلك ما يَشفي ويكفي، فمن ابتغاه وجده.


وقال شيخ الاسلام:

لم يقُلْ أحد من علماء المسلمين: إنه يستغاث بشيء من المخلوقات في كلِّ ما يستغاثُ فيه بالله تعالى، لا بنبيٍّ، ولا بملَك، ولا بصالح، ولا غير ذلك، بل هذا مما يُعلَم بالاضطرار من دين الإسلام أنه لا يجوزُ إطلاقه، ولم يقل أحد: إن التوسل بنبي هو استغاثةٌ به، بل العامة الذين يتوسلون في أدعيتهم بأمور؛ كقول أحدهم: أتوسَّلُ إليك بحق الشيخ فلان، أو بحرمته، أو أتوسل إليك باللوح والقلم، أو بالكعبة، أو غير ذلك مما يقولونه في أدعيتهم - يعلَمون أنهم لا يستغيثون بهذه الأمور؛ فإن المستغيثَ بالنبي صلى الله عليه وسلم طالبٌ منه وسائلٌ له، والمتوسَّل به لا يدعى، ولا يُطلَب منه، ولا يسأل، وإنما يُطلَب به، وكل أحد يفرِّق بين المدعو والمدعو به، والاستغاثة طلب الغوث، وهو إزالة الشدة؛ كالاستنصار: طلبُ النصر، والاستعانة: طلب العون، والمخلوق يُطلَب منه من هذه الأمور ما يقدِرُ عليه منها؛ كما قال تعالى: ﴿ وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ ﴾ [الأنفال: 72]، وكما قال: ﴿ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ ﴾ [القصص: 15]، وكما قال تعالى: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ﴾ [المائدة: 2]، وأما ما لا يقدر عليه إلا الله، فلا يُطلَب إلا من الله؛ ولهذا كان المسلمون لا يستغيثون بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم، ويستسقون به ويتوسَّلون به؛ كما في صحيح البخاري: أن عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه استسقى بالعبَّاس وقال: "اللهم إنا كنَّا إذا أجدَبْنا نتوسَّلُ إليك بنبينا، فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعمِّ نبيِّنا، فاسقِنا فيُسقَون"، وفي سنن أبي داود: أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إنا نستشفع بالله عليك، ونستشفع بك على الله، فقال: ((شأنُ الله أعظمُ من ذلك؛ إنه لا يُستَشْفَع به على أحدٍ مِن خَلقه))، فأقرَّه على قوله: "نستشفع بك على الله"، وأنكر عليه قوله: "نستشفع بالله عليك".


وقد اتفق المسلمون على أن نبيَّنا شفيعٌ يوم القيامة، وأن الخَلْق يطلبون منه الشفاعة، لكن عند أهل السنة أنه يشفع في أهل الكبائر، وأما عند الوَعِيدية فإنما يشفع في زيادة الثواب.


وقول القائل: إن من توسَّل إلى الله بنبيٍّ، فقال: أتوسل إليك برسولك، فقد استغاث برسولِه حقيقةً في لغة العرب وجميع الأمم - قد كذَب عليهم، فما يعرف هذا في لغة أحدٍ من بني آدم، بل الجميع يعلَمون أن المستغاثَ مسؤول به، مدعو، ويفرِّقون بين المسؤول والمسؤول به، سواء استغاث بالخالق أو بالمخلوق، فإنه يجوز أن يستغاث بالمخلوق فيما يقدِرُ على النصر فيه، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم أفضلُ مخلوق يستغاث به في مِثل ذلك، ولو قال قائل لِمن يستغيثُ به: أسألك بفلان، أو بحق فلان، لم يقُلْ أحد: إنه استغاث بما توسَّل به، بل إنما استغاث بمن دعاه وسأله؛ ولهذا قال المصنِّفون في شرحِ أسماء الله الحسنى: إن المُغيثَ بمعنى المجيب، لكن الإغاثة أخصُّ بالأفعال، والإجابة أخصُّ بالأقوال، والتوسُّلُ إلى الله بغير نبيِّنا صلى الله عليه وسلم - سواء سُمِّي استغاثةً أو لم يُسَمَّ - لا نعلَمُ أحدًا من السلف فعله، ولا روى فيه أثرًا، ولا نعلَمُ فيه إلا ما أفتى به الشيخُ من المنع، وأما التوسلُ بالنبي صلى الله عليه وسلم ففيه حديث في السنن، رواه النسائيُّ والترمذي وغيرهما: "أن أعرابيًّا أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني أُصِبت في بصري، فادعُ الله لي، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((توضَّأْ، وصلِّ ركعتين ثم قل: اللهم أسألك وأتوجَّهُ إليك بنبيك محمد، يا محمد، إني أتشفَّعُ بك في ردِّ بصري، اللهم شفِّعْ نبيك فيَّ، وقال: فإن كانت لك حاجةٌ فمِثل ذلك))، فرد الله بصَره".


فلأجل هذا الحديث استثنى الشيخ التوسل به.


وللناس في معنى هذا قولانِ:

أحدهما: أن هذا التوسُّلَ هو الذي ذكَر عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه لما قال: "كنا إذا أجدَبْنا نتوسَّل بنبينا إليك فتسقينا، وإنا نتوسَّلُ إليك بعم نبينا فاسقِنا"، فقد ذكَر عمر رضي الله عنه: أنهم كانوا يتوسَّلون به في حياته في الاستسقاء، ثم توسلوا بعمه العباس بعد موته، وتوسُّلهم به هو استسقاؤُهم به، بحيث يدعو ويدْعون معه، فيكون هو وسيلتَهم إلى الله، وهذا لم يفعله الصحابة بعد موته، ولا في مغيبه، والنبي صلى الله عليه وسلم كان في مثل هذا شافعًا لهم داعيًا لهم؛ ولهذا قال في حديث الأعمى: ((اللهم فشفعه فيَّ))، فعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم شفع له، فسأل الله أن يشفعه فيه.


والثاني: أن التوسلَ يكون في حياته وبعد موته، وفي مغيبه وحضرته، ولم يقل أحد: إن من قال بالقول الأول فقد كفَر، ولا وجه لتكفيره؛ فإن هذه مسألةٌ خفية، ليست أدلتها جليةً ظاهرةً، والكفر إنما يكون بإنكار ما عُلِم من الدين ضرورةً، أو بإنكار الأحكام المتواترة والمجمَع عليها، ونحو ذلك، واختلاف الناس فيما يُشرَع من الدعاء وما لا يشرع كاختلافهم: هل تشرع الصلاةُ عليه عند الذبح؟ وليس هو من مسائل السب عند أحد من المسلمين، وأما من قال: إن مَن نفى التوسل الذي سماه استغاثةً بغيره كفر، وتكفير مَن قال بقول الشيخ عز الدين وأمثاله، فأظهر من أن يحتاج إلى جواب، بل المكفِّر بمثل هذه الأمور يستحقُّ مِن غليظ العقوبة والتعزير ما يستحقُّه أمثالُه من المفترين على الدِّين، لا سيما مع قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((مَن قال لأخيه: كافر، فقد باء بها أحدُهما))، وأما من قال: ما لا يقدِرُ عليه إلا اللهُ لا يستغاث فيه إلا به، فقد قال الحق، بل لو قال كما قال أبو يزيد: استغاثة المخلوق بالمخلوق كاستغاثة الغريق بالغريق، وكما قال الشيخ أبو عبدالله القرشي: استغاثة المخلوق بالمخلوق كاستغاثةِ المسجون بالمسجون، لكان قد أحسن؛ فإن مطلَق هذا الكلام يُفهِمُ الاستغاثةَ المطلقة، كما قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم لابن عباس: ((إذا سألتَ فاسأل الله، وإذا استعنتَ فاستعن بالله))، وإذا نفى الرسولُ صلى الله عليه وسلم عن نفسه أمرًا، كان هو الصادقَ المصدوق في ذلك، كما هو الصادقُ المصدوق في كل ما يخبِر به من نفي وإثبات، وعلينا أن نصدِّقَه في كل ما أخبر به من نفي وإثبات، ومَن ردَّ خبرَه تعظيمًا له أشبهَ النصارى الذين كذَّبوا المسيح في إخباره عن نفسه بالعبودية تعظيمًا له، ويجوز لنا أن ننفي ما نفاه، وليس لأحدٍ أن يقابل نفيه بنقيضِ ذلك ألبتة، والله أعلم.


وقال أيضًا: قد ثبَت بالسنَّة المستفيضة - بل المتواترة - واتِّفاق الأمَّة: أن نبيَّنا صلى الله عليه وسلم الشافعُ المشفع، وأنه يشفَعُ في الخلائق يوم القيامة، وأن الناس يستشفعون به يطلُبون منه أن يشفع لهم إلى ربهم، وأنه يشفع لهم، ثم اتفق أهلُ السنة والجماعة أنه يشفعُ في أهل الكبائر، وأنه لا يخلُدُ في النار من أهل التوحيد أحدٌ، وأما الخوارجُ والمعتزلة، فأنكَروا شفاعتَه لأهل الكبائر، ولم يُنكِروا شفاعتَه للمؤمنين، وهؤلاء مبتدِعة ضُلاَّلٌ، وفي تكفيرهم نزاعٌ وتفصيل.


وأما من أنكَر ما ثبت بالتواتر والإجماع، فهو كافرٌ بعد قيام الحُجَّة، وسواء سمَّى هذا المعنى استغاثةً أو لم يُسمِّه.


وأما مَن أقرَّ بشفاعته، وأنكَر ما كان الصحابة يفعلونه من التوسل به والاستشفاع به؛ كما رواه البخاريُّ في صحيحه عن أنس أن عمرَ بن الخطاب كان إذا قحطوا، استسقى بالعبَّاس بن عبدالمطلب، وقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبيِّنا فتسقينا، وإنا نتوسلُ إليك بعمِّ نبيِّنا، فاسقِنا، فيُسقَون، وفي سُنن أبي داود وغيره: أن أعرابيًّا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: جهدت الأنفس، وجاع العيال، وهلَك المال، فادعُ الله لنا؛ فإنا نستشفعُ بك على الله، ونستشفع بالله عليك، فسبَّح رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه، وقال: ((ويحَكَ! إن الله لا يُستَشْفَعُ به على أحدٍ من خَلقه، شأن الله أعظمُ من ذلك))، وذكر تمام الحديث، فأنكَر قوله: نستشفع بالله عليك، ولم يُنكِر قولَه: نستشفع بك على الله، بل أقرَّه عليه، فعُلِم جوازُه - فمن أنكَر هذا، فهو ضالٌّ مخطئٌ مبتدع، وفي تكفيرِه نزاع وتفصيل.


وأما من أقر بما ثبَت بالكتاب والسنَّة والإجماع من شفاعته والتوسل به، ونحو ذلك، ولكن قال: لا يُدعَى إلا الله، وإن الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله لا تُطلَب إلا منه، مثل: غُفران الذنوب، وهداية القلوب، وإنزال المطر، وإنبات النبات، ونحو ذلك - فهذا مصيبٌ في ذلك، بل هذا مما لا نزاع فيه بين المسلمين أيضًا؛ كما قال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ ﴾ [آل عمران: 135]، وقال: ﴿ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ﴾ [القصص: 56]، وكما قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾ [فاطر: 3]، وكما قال تعالى: ﴿ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴾ [آل عمران: 126]، وقال: ﴿ إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ﴾ [التوبة: 40]؛ فالمعاني الثابتة بالكتاب والسنَّة يجب إثباتُها، والمعاني المنفيَّة بالكتاب والسنَّة يجب نفيُها، والعبارة الدالَّةُ على المعاني نفيًا وإثباتًا إن وُجِدَتْ في كلام الله ورسولِه صلى الله عليه وسلم - وجَب إقرارُها، وإن وُجِدت في كلامِ أحدٍ، وظهر مرادُه من ذلك، رُتِّب عليه حُكمُه، وإلا رُجِع فيه إليه، وقد يكون في كلامِ الله ورسوله صلى الله عليه وسلم عبارةٌ لها معنًى صحيح، لكن بعض الناس يفهَمُ من تلك غيرَ مرادِ الله ورسولِه صلى الله عليه وسلم، فهذا يُرَد عليه فَهمُه؛ كما روى الطبراني في معجمه الكبير: أنه كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم منافقٌ يؤذي المؤمنين، فقال أبو بكر الصِّدِّيق: قوموا بنا لنستغيث برسولِ الله صلى الله عليه وسلم من هذا المنافق، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((إنه لا يُستغاث بي، وإنما يُستغاث بالله))؛ فهذا إنما أراد به النبيُّ صلى الله عليه وسلم المعنى الثاني، وهو أن يُطلَب منه ما لا يقدِر عليه إلا الله، وإلا فالصحابة كانوا يطلُبون منه الدعاءَ ويستسقون به؛ كما في صحيح البخاري عن ابن عمر قال: ربما ذكرتُ قولَ الشاعر وأنا أنظُرُ إلى وجه النبي صلى الله عليه وسلم يستسقي، فما ينزل حتى يجيش له ميزاب:

وأبيضَ يُستَسْقى الغمامُ بوجهِه
ثِمالُ اليتامى، عِصمةٌ للأراملِ

 

وهو قول أبي طالب؛ ولهذا قال العلماء المصنفون في أسماء الله تعالى: يجب على كلِّ مكلَّف أن يعلَم أنْ لا غِياث ولا مغيثَ على الإطلاق إلا الله، وأنَّ كل غَوثٍ فمِن عنده، وإن كان جعَل ذلك على يدي غيره، فالحقيقة له سبحانه وتعالى، ولغيره مجاز، قالوا: من أسمائه تعالى: المُغِيث والغِيَاث، وجاء ذِكر المغيث في حديث أبي هريرة، قالوا: واجتمعت الأمَّةُ على ذلك، وقال أبو عبدالله الحليمي: الغِيَاث هو المغيث، وأكثر ما يقال: غِيَاث المستغيثين، ومعناه: المُدرِك عبادَه في الشدائد إذا دعَوْه، ومُجيبهم ومخلِّصهم، وفي خبر الاستسقاء في الصحيحين: ((اللهم أغِثْنا، اللهم أغِثْنا))، يقال: أغاثه إغاثةً وغِياثًا وغَوْثًا، وهذا الاسم في معنى المجيب والمستجيب؛ قال تعالى: ﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ ﴾ [الأنفال: 9]، إلا أن الإغاثة أحقُّ بالأفعال، والاستجابة أحق بالأقوال، وقد يقع كل منهما موقع الآخر، قالوا: الفرق بين المستغيث والداعي أن المستغيث ينادي بالغَوْث، والداعي ينادي بالمدعو والمُغيث، وهذا فيه نظر؛ فإن مِن صيغة الاستغاثة: يا لله للمسلمين، وقد رُوِي عن معروفٍ الكَرْخي أنه كان يُكثِر أن يقول: واغوثاه، ويقول: إني سمعتُ الله يقول: ﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ ﴾ [الأنفال: 9]، وفي الدعاء المأثور: ((يا حيُّ يا قيُّومُ، لا إله إلا أنت، برحمتِك أستغيث، أصلِحْ لي شأني كله، ولا تكِلْني إلى نفسي طرفةَ عين، ولا إلى أحد من خَلقك)).


والاستغاثة برحمته استغاثة به في الحقيقة، كما أن الاستعاذة بصفاتِه استعاذةٌ به في الحقيقة، وكما أن القَسَمَ بصفاته قَسَمٌ به في الحقيقة؛ ففي الحديث: ((أعوذ بكلمات الله التَّامَّة من شرِّ ما خلق))، وفيه: ((أعوذ برضاكَ من سخَطِك، وبمعافاتك من عقوبتِك، وبكَ منكَ، لا أُحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيتَ على نفسِك)).


ولهذا استدل الأئمةُ - فيما استدلوا - على أن كلامَ الله غيرُ مخلوق بقوله: ((أعوذ بكلماتِ الله التامَّة))، قالوا: والاستعاذة لا تصلُحُ بالمخلوق، وكذلك القَسَم قد ثبت في الصحيحين أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن كان حالفًا، فليحلِفْ بالله، أو لِيصمُتْ))، وفي لفظ: ((مَن حلَف بغير الله، فقد أشرَك))؛ رواه الترمذي وصححه، ثم قد ثبت في الصحيح: الحلفُ بعزة الله، ولَعَمْرُ الله، ونحو ذلك، مما اتفق المسلمون على أنه ليس مِن الحلِفِ بغير الله الذي نُهِي عنه، والاستغاثةُ بمعنى أن يطلبَ من الرسول صلى الله عليه وسلم ما هو اللائقُ بمنصبِه، لا ينازِعُ فيها مسلم، ومن نازع في هذا المعنى فهو إما كافر إن أنكَر ما يكفُر به، وإما مخطئ ضال.


وأما بالمعنى الذي نفاه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فهو أيضًا مما يجب نفيها، ومن أثبت لغير الله ما لا يكون إلا لله، فهو أيضًا كافرٌ إذا قامت عليه الحجَّة التي يكفُرُ تاركها.


ومن هذا الباب قول أبي يزيدَ البسطامي: استغاثة المخلوق بالمخلوق كاستغاثة الغريق بالغريق، وقول الشيخ أبي عبدالله القرشي المشهور بالدِّيار المصرية: استغاثة المخلوق بالمخلوق كاستغاثة المسجون بالمسجون، وفي دعاء موسى عليه السلام: اللهم لك الحمدُ، وإليك المشتكى، وأنت المستعانُ، وبك المستغاث، وعليك التُّكلان، ولا حول ولا قوة إلا بك، ولما كان هذا المعنى هو المفهومَ منها عند الإطلاق، وكان مختصًّا بالله، صحَّ إطلاق نفيِه عما سواه؛ ولهذا لا يُعرَف عن أحد من أئمة المسلمين أنه جوَّز مطلَق الاستغاثة بغير الله، ولا أنكَر على مَن نفى مطلَق الاستغاثة عن غير الله.


وكذلك الاستغاثة أيضًا فيها ما لا يصلُحُ إلا لله، وهي المشار إليها بقوله: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5]، فإنه لا يُعِين على العبادة الإعانةَ المطلقة إلا اللهُ، وقد يستعان بالمخلوق فيما يقدِر عليه، وكذلك الاستنصار؛ قال الله تعالى: ﴿ وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ ﴾ [الأنفال: 72]، والنصر المطلَق هو خَلْق ما به يغلب العدو، ولا يقدِرُ عليه إلا الله.


ومن خالَف ما ثبت بالكتاب والسنَّة: فإنه يكون إما كافرًا، وإما فاسقًا، وإما عاصيًا، إلا أن يكون مؤمنًا مجتهدًا مخطئًا فيثاب على اجتهادِه، ويُغفَر له خطؤه، وكذلك إن كان لم يبلُغْه العِلمُ الذي تقوم عليه به الحجة؛ فإن الله يقول: ﴿ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ﴾ [الإسراء: 15]، وأما إذا قامت عليه الحُجَّة الثابتة بالكتاب والسنَّة فخالَفها، فإنه يعاقَبُ بحسب ذلك، إما بالقتل، وإما بدونه، والله أعلم.


وقال - رحمه الله -: في الشفاعةِ المنفية في القرآن، كقوله تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ ﴾ [البقرة: 48]، وقوله تعالى: ﴿ وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ ﴾ [البقرة: 123]، وقوله: ﴿ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ ﴾ [البقرة: 254]، وقوله: ﴿ فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ ﴾ [الشعراء: 100، 101]، وقوله: ﴿ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ ﴾ [غافر: 18]، وقوله: ﴿ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ ﴾ [الأعراف: 53]، وأمثال ذلك، واحتج بكثيرٍ منه الخوارجُ والمعتزلة على مَنْع الشفاعة لأهل الكبائر؛ إذ منَعوا أن يشفع لمن يستحق العذاب أو أن يخرج من النار مَن يدخلها، ولم ينفُوا الشفاعةَ لأهل الثواب في زيادة الثواب.


ومذهبُ سلَف الأمة وأئمتها وسائرِ أهل السنة والجماعة: إثباتُ الشفاعة لأهل الكبائر، والقول بأنه يخرُجُ مِن النار مَن في قلبه مثقالُ ذرة من إيمان، وأيضًا: فالأحاديث المستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الشفاعة: فيها استشفاعُ أهل الموقف ليُقضَى بينهم، وفيهم المؤمن والكافر، وهذا فيه نوعُ شفاعة للكفار، وأيضًا: ففي الصحيح عن العباس بن عبدالمطلب أنه قال: يا رسول الله، هل نفعتَ أبا طالبٍ بشيء؛ فإنه كان يحُوطك ويغضَبُ لك؟ قال: ((نعم، هو في ضَحضاح من نار، ولولا أنا لكان في الدَّرْكِ الأسفل من النار))، وعن عبدالله بن الحارث قال: سمعتُ العباسَ يقول: قلت: يا رسول الله، إن أبا طالب كان يحُوطُك وينصُرُك، فهل نفَعه ذلك؟ قال: ((نعم، وجدتُه في غمراتٍ من نار، فأخرجتُه إلى ضحضاح))، وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ذُكِر عنده عمه أبو طالب، فقال: ((لعله تنفَعُه شفاعتي يوم القيامة، فيُجعَل في ضحضاح من النار، يبلُغُ كعبيه، يَغلي منه دماغه))؛ فهذا نصٌّ صحيحٌ صريح لشفاعته في بعض الكفار أن يخفف عنه العذاب، بل في أن يُجعَل أهونَ أهل النار عذابًا، كما في الصحيح أيضًا عن ابن عباس: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أهونُ أهلِ النار عذابًا أبو طالب، وهو منتعلٌ بنعلَيْنِ يغلي منهما دماغُه))، وعن أبي سعيد الخدريِّ: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أدنى أهلِ النار عذابًا منتعِلٌ بنعلينِ من نار يغلي دماغُه من حرارةِ نعليه))، وعن النعمان بن بَشير قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن أهونَ أهل النار عذابًا يوم القيامة لَرجُلٌ يوضَعُ في أخْمَص قدميه جمرتان يَغلي منهما دماغه))، وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أهونَ أهل النار عذابًا مَن له نعلانِ وشِراكان من نار يغلي منهما دماغه كما يغلي المِرْجَل، ما يرى أن أحدًا أشد منه عذابًا، وإنه لأهونُهم عذابًا)).


وهذا السؤال الثاني يُضعِف جواب مَن تأوَّل نفي الشفاعة على الشفاعة للكفار، وإن الظالمين هم الكافرون.


فيقال: الشفاعةُ المنفيَّة هي الشفاعةُ المعروفة عند الناس عند الإطلاق، وهي أن يشفَعَ الشفيع إلى غيره ابتداءً فيقبل شفاعته، فأما إذا أذِن له في أن يشفَع فشفع، لم يكن مستقلاًّ بالشفاعة، بل يكون مُطيعًا له؛ أي: تابعًا له في الشفاعة، وتكون شفاعته مقبولةً، ويكون الأمر كلُّه للآمرِ المسؤول، وقد ثبَت بنص القرآن في غير آية: أن أحدًا لا يشفَعُ عنده إلا بإذنه؛ كما قال تعالى: ﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ﴾ [البقرة: 255]، وقال: ﴿ وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ ﴾ [سبأ: 23]، وقال: ﴿ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى ﴾ [الأنبياء: 28]، وأمثال ذلك.


والذي يبيِّن أن هذه هي الشفاعة المنفيَّة أنه قال: ﴿ وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾ [الأنعام: 51]، وقال تعالى: ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ ﴾ [السجدة: 4]، فأخبَر أنه ليس لهم من دون الله وليٌّ ولا شفيع، وأما نفي الشفاعة بدون إذنه، فإن الشفاعةَ إذا كانت بإذنه لم تكن من دونه، كما أن الولايةَ التي بإذنه ليست من دونه؛ كما قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ﴾ [المائدة: 55، 56]، وأيضًا فقد قال: ﴿ أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ * قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ [الزمر: 43، 44]، فذمَّ الذين اتخذوا من دون الله شفعاءَ، وأخبَر أن لله الشفاعةَ جميعًا؛ فعُلِم أن الشفاعةَ منتفية عن غيره؛ إذ لا يشفع أحدٌ إلا بإذنه، وتلك فهي له، وقد قال: ﴿ وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [يونس: 18]، ومما يوضِّح ذلك: أنه نفى يومئذٍ الخُلَّة بقوله: ﴿ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [البقرة: 254]، ومعلوم أنه إنما نفى الخُلَّة المعروفة، ونفعَها المعروف، كما ينفع الصَّدِيقُ الصَّدِيقَ في الدنيا؛ كما قال: ﴿ وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ ﴾ [الانفطار: 17 - 19]، وقال: ﴿ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ * يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ﴾ [غافر: 15، 16]، لَم ينفِ أن يكون في الآخرة خُلَّة نافعة بإذنه، فإنه قد قال: ﴿ الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ * يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ ﴾ [الزخرف: 67، 68] الآيات، وقد قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((يقول الله تعالى: حقَّتْ محبَّتي للمتحابِّين فيَّ))، ويقول الله تعالى: ((أين المتحابُّون بجلالي؟ اليوم أُظِلُّهم في ظِلِّي يوم لا ظلَّ إلا ظلي))، فتعيَّن أن الأمرَ كلَّه عائد إلى تحقيق التوحيد، وأنه لا ينفع أحدٌ ولا يضرُّ إلا بإذن الله، وأنه لا يجوز أن يُعبَد أحدٌ غيرُ الله، ولا يستعان به من دون الله، وأنه يوم القيامة يظهر لجميع الخَلْق أن الأمرَ كلَّه لله، ويتبرأ كل مدَّعٍ من دعواه الباطلة، فلا يبقى مَن يدَّعي لنفسه معه شِركًا في ربوبيته أو إلهيته، ولا مَن يدعي ذلك لغيره، بخلاف الدنيا؛ فإنه وإن لم يكن ربٌّ ولا إلهٌ إلا هو، فقد اتخذ غيره ربًّا وإلهًا، وادعى ذلك مدَّعون، وفي الدنيا يشفع الشافعُ عند غيره، وينتفع بشفاعته وإن لم يكن أذِن له في الشفاعة، ويكون خليله فيُعِينه ويفتدي نفسه من الشر، فقد ينتفع بالنفوس والأموال في الدنيا، النفوس ينتفع بها تارةً بالاستقلال وتارةً بالإعانة، وهي الشفاعة، والأموال بالفداء، فنفى اللهُ هذه الأقسام الثلاثة؛ قال تعالى: ﴿ لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ ﴾ [البقرة: 48]، وقال: ﴿ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ ﴾ [البقرة: 254]، كما قال: ﴿ لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا ﴾ [لقمان: 33]، فهذا هذا، والله أعلم.


وعاد ما نفاه الله من الشفاعة إلى تحقيقِ أصلَيِ الإيمان، وهي الإيمانُ بالله وباليوم الآخر؛ التوحيد والمعاد، كما قرَن بينهما في مواضع كثيرة؛ كقوله: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴾ [البقرة: 8]، وقوله: ﴿ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾ [البقرة: 156]، وقوله: ﴿ مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴾ [لقمان: 28]، وقوله: ﴿ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [البقرة: 28] وأمثال ذلك.


كتاب: اتباع مناهج أهل السنن والآثار .. شرح سواطع الأنوار لمعرفة عقيدة سيد الأبرار





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • حديث الشفاعة
  • الشفاعة يوم القيامة
  • الشفاعة
  • قصة الشفاعة العظمى ( خطبة )
  • تذكير أهل الطاعة بأقسام الشفاعة
  • أنواع الشفاعة الشرعية
  • أسباب نيل الشفاعة
  • شرح حديث: أنا أول الناس يشفع في الجنة
  • شفاعة المصطفى صلى الله عليه وسلم (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • الشفاعة: معناها وأنواعها وأسباب نيلها(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شروط الشفاعة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حكم طلب الشفاعة من الأموات(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أنواع الشفاعة المثبتة(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن صالح القصيِّر)
  • أنواع الشفاعة في الآخرة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من أنواع الشفاعة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الشافعون في الآخرة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الشفاعة في الدنيا(مقالة - آفاق الشريعة)
  • آثار الشفاعة في الآخرة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الشفاعة الحسنة(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب