• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أربع هي نجاة الإنسان في الدنيا والآخرة (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    وحدة المسلمين (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    فوائد وأحكام من قوله تعالى: { إذ قال الله يا عيسى ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
  •  
    نعمة الماء (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    تدبر خواتيم سورة البقرة
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    تحريم الإهلال لغير الله تبارك وتعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    مشاهد عجيبة حصلت لي!
    أ. د. عبدالله بن ضيف الله الرحيلي
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (2)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    الدرس السابع عشر: آثار الذنوب على الفرد والمجتمع
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    خطبة: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    سورة الكافرون.. مشاهد.. إيجاز وإعجاز (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    من آداب المجالس (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    خطر الميثاق
    السيد مراد سلامة
  •  
    أعظم فتنة: الدجال (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / علوم حديث
علامة باركود

عبارات توثيق الفئة الأولى من المحدثين الثقات (2/4)

حسن مظفر الرزّو

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 22/8/2009 ميلادي - 1/9/1430 هجري

الزيارات: 17823

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

عبارات توثيق الفئة الأولى من المحدثين الثقات (2/4)


الفصل الثاني

عبارات توثيق الفِئة الأولى بين دائرتي الاصطلاح واللغة

تناولْنا في الفصل السابق بداياتِ ظهور عبارات التوثيق والتَّجريح لدَى المحدِّثين، وبات واضحًا لدينا الآنَ أنَّ هذه العباراتِ قد صِيغَتْ على رقعة زمانيَّة، امتدتْ لأكثرَ من ثلاثة قرون؛ لذا فليس ثَمَّةَ شكٌّ أنَّ هناك تبايُنًا في دلالاتها، وخصوصًا في المرحلة التي سبقتِ الصياغة الاصطلاحيَّة على يدِ ابن الصلاح، والذين أتَوْا مِن بعده.


وعليه؛ سنحاول في هذا الفصل إلقاءَ الضَّوء على الحدود الاصطلاحيَّة، والدلالة اللُّغويَّة لهذه العبارات، من خلال سَبْر النُّصوص المنقولة إلْينا في هذا الميدان.


1 - عبارات توثيق الفِئة الأولى من المحدِّثين في دائرتي الاصطلاح واللغة:

كانت بدايةُ صياغة عبارات الجرْح والتعديل الاصطلاحيَّة على يدِ ابن أبي حاتم في مقدمة كتابه "الجرح والتعديل"، فكانتْ إيذانًا ببدء مرحلةٍ جديدة في دائرة عِلمِ الحديث ومصطلحه، كما أنَّها فتحتِ البابَ على مصراعيه أمامَ الذين أتوا مِن بعده لتناوُلِ هذه الاصطلاحات بالدِّراسة، فأضافوا إليها ألفاظًا جديدة، استقوْهَا من حشد العبارات المنتشرة على ساحة كتب الرِّجال، وقعَّدوا قواعدَ لتحديد دلالاتها.


وسنحاول في هذا الفصل إلقاءَ مزيدٍ من الضَّوء على عبارات توثيق الفِئة الأولى؛ لأنَّ عليها مدارَ اهتمامنا.


أدخل ابن أبي حاتم في دائرة الطبقة الأولى من المحدِّثين الثقات مَن قال فيه العلماء "ثقة، أو متقن"[1]، بينما اختار الخطيب البغدادي (463 هـ) لفظتي "ثقة، أو حُجَّة"، لرِجال هذه الطبقة[2].


أمَّا ابن الصلاح، فقد أضاف اصطلاحي "ثبت، أو حُجَّة"، وكذا "حافظ، أو ضابط"[3] إلى قائمة ابن أبي حاتم، بينما جاءَ بعدَهم الذهبيُّ (748 هـ)، فتحدَّث في ديباجة ميزانِه عن مراتب الرجال، ولم تَعُدْ لديه الألفاظُ التي جاء بها مَن سَبقَه تفي بأصحاب الطَّبقة الأولى، فباتوا وَفْقَ حدوده الاصطلاحيَّة، الذين أطلق عليهم أئمَّة الصَّنعة عبارة: "ثبت حُجَّة"، و"ثبت حافظ"، و"ثبت متقن"، و"ثقة ثقة" [4].


إذنْ؛ لقد أضاف الذهبيُّ ألفاظًا لم تكن لدى سابقيه، مدارُها على تَكْرار لفظ التوثيق، سواء تبايَنَ اللفظان أم تكرَّرَا.


وقد سار على طريقته الحافظ العراقي (806 هـ) في ألفيته، فقال - يَصِف أصحابَ الفئة الأولى -[5]:

وَالْجَرْحُ وَالتَّعْدِيلُ قَدْ هَذَّبَهُ
ابْنُ أَبِي حَاتِمِ إِذْ رَتَّبَهُ
وَالشَّيْخُ زَادَ فِيهِمَا وَزِدْتُ
مَا فِي كَلاَمِ أَهْلِهِ وَجَدْتُ
فَأَرْفَعُ التَّعْدِيلِ مَا كَرَّرْتَهُ
كَثِقَةٍ ثَبْتٍ وَلَوْ أَعَدْتَهُ
ثُمَّ يَلِيهِ ثِقَةٌ أَوْ ثَبْتٌ اوْ
مُتْقِنٌ اوْ حُجَّةٌ اوْ إِذَا عَزَوْا


إنَّ ما فعله الذهبيُّ، وما تبعه عليه الحافظُ العراقيُّ هو تقليصُ دائرة رجال الطبقة الأولى من الرُّواة، بعد أن باتتِ الاصطلاحات السابقة لا تفي بالمتطلبات التي تَقتضيها هذه المرتبة؛ وذلكَ لاختلاف دلالات الألفاظ لديهما عمَّا اصطلحَه مَن سبقهم، فأصبح بمفهوم ذلك الوقت، ليس بمرتبةِ مَن عُرف بها في عصر ابن أبي حاتم.


إضافةً إلى ذلك، فإنَّهم قدِ استثمروا مجموعةً إضافيةً من الألفاظ التي استعملها صيارفةُ الرِّجال، فأضحتِ الطبقة الأولى تتألَّف من مرتبتين لَدَى البعض، وثلاثة لَدَى البعض الآخر.


لذا؛ فإنَّنا نجد الطَّبقة الأولى لَدَى كلٍّ من الذهبي، والحافظ العراقي، وابن الوزير (840 هـ)[6] تتألَّف من مرتبتين، بينما أضحتْ لدى ابن حجر (852 هـ) - كما نقلَه عنه تلميذُه السخاوي - [7] ذات ثلاث مراتب:

المرتبة الأولى: الوصف بما دلَّ على المبالغة، أو عُبِّر عنه بأفعل؛ كأوثق النَّاس، وأضبط النَّاس، وإليه المنتهى في التثبُّت.

المرتبة الثانية: قولهم: فلانٌ لا يُسأل عنه.

المرتبة الثالثة: ما تأكَّد بصفةٍ من الصِّفات الدَّالة على التوثيق؛ كثقة ثقة، وثبت ثبت.


أمَّا السَّيوطي (911 هـ)، فقدْ عَمَد في "تدريبه" [8] إلى إضافةِ ثلاث عبارات أخرى إلى سابقيه، وهي: "لا أحدَ أثبت منه"، و"مَن مِثلُ فلان"، و"فلانٌ لا يُسأل عنه".


وجاء الشيخ أبو غدة [9] فأضاف في حواشيه النَّفيسة على "الرَّفع والتكميل" جملةً من الألفاظ التي استقاها من مطالعاته الواسعة لكتبِ الرِّجال؛ كـ "ثقة جبل"، و"ميزان"، و"ثقة رضا"، وغيرها مِن الألفاظ، فازدادتْ مساحة الرقعة التي تشملها هذه الألفاظ، مع وجود اختلاف واضح في دلالاتها لَدَى المشتغلين بهذا الفن.


وقبلَ أن نحاولَ الإجابةَ عن هذه الخِلافات الاصطلاحيَّة، سنعْمَد إلى تناوُلِ هذه الاصطلاحات منذُ أنِ استعملها نُقَّادُ الرِّجال وصيارفته، بعيدًا عن دائرة مصطلح الحديث، فنسبرها بمعيار أهلِ الشَّأن، مع البحث عن دلالتها بميزان اللُّغة، ثم نعرِّج بعدَها على دائرة الحديث، ومصطلحه؛ لكي نستطيعَ تهيئة المناخ المناسب لإصدارِ حُكمٍ نقديٍّ بصددها.


لعلَّ أكثر الألفاظ تداولاً بين صيارفة الرِّجال ونقَّادهم هي لفظة "ثقة"؛ لذا فإننا سنبدأ رحلتنا بها:

1 - 1- اصطلاح "ثقة":

اشتقَّت عبارة "ثقة" من الجذر الثلاثي "وثق"، يقال: وثقتُ بفلان، أثق به وآتمنُه، فهو ثقة. ووثَّقتُ الشيء: أحكمتُه، وناقة موثقة الخلق: محكمته[10]، ووثاق، ووثق: صار وثيقًا، أو أَخذ الوثيقة في أمره؛ أي: بالثقة[11]، والوَثاقُ والوِثاق: ما يُشَدُّ به، وأوثقه فيه: شدَّه، ووثَّقه توثيقًا.


يبدو واضحًا من الاشتقاقات اللُّغويَّة لهذا الاصطلاح: أنَّه يحمل في ثناياه ما يوحي بأنَّ مَن يُطلَق عليه هذا الوصف مؤتَمنُ الجانب على عقيدته، يأخذ بالوثيقة في أمرِ دِينه، ولا يلج إلى دائرة الهَوى والبدعة، كما أنَّه أمينٌ على ما ينقل من روايات؛ لمجانبته الكذبَ على رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم.


هذه محمولات الاصطلاح لَدَى المتقدِّمين، أمَّا الوثاق والإحكام، فهي من المحمولات التي عمد المتأخِّرون إلى اعتبارها؛ لدخولها إلى ساحة الحدود الاصطلاحيَّة لهذه العبارة بمعيارهم.


2 - 1- اصطلاح "ثبت":

اقتبس أئمَّة الشَّأن هذا الاصطلاحَ من الجذر الثلاثي "ثبت"، يقال: ثَبَتَ الشيء، يثبت ثباتًا، وثبوتًا، فهو ثابت، وثَبْت، وثبيت، ويقال: ثبت فلان في المكان، يثبت، ثبوتًا، فهو ثابت، إذا أقام به، وفرس ثبت: ثَقِفٌ في عدوِه، ورجل ثبت الغدر: إذا كان ثابتًا في قتالٍ أو كلام[12].


والثَّبَت – بالتَّحريك -: الحجة والبيِّنة، والثَّبِيت: الثابتُ العَقْل.


قال طَرَفة بن العبد[13]:

فَالْهَبِيتُ لاَ فُؤَادَ لَهُ ♦♦♦ وَالثَّبِيتُ قَلْبُهُ  قِيَمُهْ


وتثبَّت في الأمر والرأي، واستثبت: تأنَّى فيه ولم يَعْجل، واستثبت في أمرِه إذا شاور، وفحص عنه، وثابته، وأثبته: عرفه حق المعرفة[14].


قال السخاوي[15]: "ثَبْت - بسكون الموحدة -: الثابت القلْب واللِّسان والكتاب"، وفي "المصباح المنير": "يقال للرَّجل: ثبت، إذا كان عدلاً ضابطًا".


والثبْت عند المحدِّثين ثبتان:

الأوَّل: مَن اعتمد على حفظه، متعاهدًا مروياتِه بالضبط، والثاني: مَن عمد إلى كتابة مسموعاته فضبطها، وحافظ عليها من التغيير.


قال أبو هارون الخريبي[16]: "سمعت يحيى بن معين يقول: هما ثبتان: ثبت حفظ، وثبت كتاب".


والثبْت أعلى درجة من الثقة؛ لتوفُّرِ جملة من الصِّفات لديه، لا تحتملها محمولات لفظة "ثقة"، ويبدو هذا الفرق واضحًا لدى صيارفة الرِّجال، فنقل عن معاوية بن صالح[17]، قال: "سمعت يحيى بن معين يقول: أبو خالد الأحمر ثقة، وليس بثبت".


3 – 1 - اصطلاح "حُجَّة":

اشتُقَّ هذا اللفظ من الفعل الثلاثي "حجج"، والحُجَّة: الدليل والبرهان، وقيل: الحُجَّة ما دوفع به الخَصْم، قال الأزهري[18]: "الحُجَّة: الوجه الذي يكون به الظفر عند الخصومة".


استعمل الخطيبُ البغداديُّ هذا الاصطلاح، وجعله مرادفًا لاصطلاح "ثقة"، وبَوَّأهما مكانَ الصَّدارة بين عبارات التوثيق، فقال في كفايته[19]: "فأمَّا أقسام العبارات بالإخبار عن الرواة، فأرفعُها أن يقال: حُجَّة أو ثقة".


أمَّا يحيى بن مَعين وأقرانه، فقدِ اعتبروه أعلى درجةً من الثقة، فقد سُئِل يحيى بن معين عن الحُجَّة، فقيل له: محمَّد بن إسحاق منهم؟ فقال: كان ثقةً، إنَّما الحُجَّة: عبيدالله بن عمر، ومالك بن أنس، والأوزاعي، وسعيد بن عبدالعزيز[20].


بالمقابل وَضَع ابنُ أبي حاتم الحُجَّة في المرتبة الأولى، الذين يتَّفِق أصحاب الشَّأن على إمامتهم دونَ اختلاف، فنقل عن أبيه، فقال: سمعت أبي يقول: الحُجَّة على المسلمين، الذين ليس فيهم لبس: سفيان الثوري، وشعبة بن الحجَّاج، وحمَّاد بن زيد، وسفيان بن عُيينة[21].


4– 1- اصطلاح "إمام":

اشتُقَّ هذا اللفظ من الفعل الثلاثي "أمم"، الذي يحمل بين طيَّاته أكثرَ من معنى، نذكر منها:

1- الأَمّ - بالفتح - القصد، أَمَّه، يؤمُّه أَمًّا: إذا قصده؛ شاهِدُه قوله – تعالى -: ﴿ فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا ﴾[22]، قال ابن السِّكِّيت: أي: اقصدوا الصَّعيد الطيب، ويقال: أَمَّهُ، يَؤمُّه أَمًّا، وتأمَّمه؛ أي: هو على طريق ينبغي أن يقصد[23].


2- الإمَّة: الحالة، والإمَّة، والأُمَّة: الشِّرْعة والدِّين، وقد ورد في التنزيل العزيز: ﴿ إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ ﴾[24]، وهي مثل السُّنَّة، أو الطَّريقة في الدِّين، يقال: فلان لا أُمَّةَ له؛ أي: لا دِينَ له، ولا نِحْلة[25].


3- تأمَّم به، وأْتَمَّ، وأمَّم القوم، وأمَّ بهم: تقدَّمهم، وهي الإمامة، والإمام كلُّ مَن ائتمَّ به قومٌ، كانوا على الصِّراط المستقيم أم كانوا ضالِّين؛ قال ابن سِيده: الإمامُ ما ائتُم به، من رئيس وغيرِه، والجمع: أئمَّة، والإمام الذي يُقتدَى به.


4- أُمُّ الشيء: أصله وعماده، قال ابن دريد: كلُّ شيءٍ انضمتْ إليه أشياء، فهو أُمٌّ لها، وأُمُّ القوم: رئيسهم[26]، وكذلك قوله - تعالى -: ﴿ وَاجْعَلْنَا للمُتَّقِينَ إِمَامًا ﴾[27].


لقد زخرت كلمة "إمام" بمعانٍ تستوعب محمولاتِ هذا الاصطلاح لدى أئمَّة الجرح والتعديل؛ لأنَّ مَن يُطلَق عليه هذا اللَّفظ هو مِمَّن يقصِدُه أهلُ الصَّنعة؛ لينهلوا مِن علومه، وهو دليلٌ يُسترشَد بمعرفته في مَيدان عِلم الحديث، متبوِّئًا مكانَ الصدارة بين أقرانه، حتَّى أصبحَ مجتمعَ أئمَّة هذا الشأن، يغترفون مِن علومه، ويتزاحم طلبةُ الحديث حولَ حلقته؛ ليظفروا بالمزيد من هذا المضمار.


لذا؛ فلا غَروَ أن تُناطَ هذه العبارة بجهابذة علماءِ الحديث ونقَّادِه؛ كسُفيان الثوري، وعبدالرحمن بن مهدي، ومالك بن أنس، وغيرهم من أئمَّة هذه الصنعة.


قال ابن مهدي[28]: "أئمة الزمان في عصرنا أربعة: سُفيانُ الثوري في الكوفة، ومالك بن أنس بالحِجاز، والأوزاعي بالشَّام، وحمَّاد بن زيدٍ في البصرة".


5– 1 - اصطلاح "مأمون":

صِيغ هذا الاصطلاحُ من الجذر الثلاثي "أَمِنَ"، كفَرِحَ، أمْنًا، وأمانًا، بفتحهما، وأَمَنة، وأَمَنًا، محركتين، وإِمْنًا، بالكسر، فهو أمين، وأَمِن، والأمانة ضدُّ الخيانة، وقد أَمَّنه تأمينًا، وائتمنه، قد أَمُن ككَرُم، فهو أمين، وأُمَّان كرُمَّان، مأمون به ثقة[29].


و"مأمون": عبارة أطلقها المحدِّثون على مَن يوثق بدينه وعدالته، دونَ النَّظر إلى ضبطه وإتقانه.

 

روى عبدالرحمن بن أبي الزِّناد عن أبيه[30] قال: أدركتُ بالمدينة مائة، كلُّهم مأمونٌ، ما يؤخذ عنهم الحديث، يقال: ليس مِن أهله.


ونقل عن أبي حاتم عن عبدالرحمن بن عمر الأصبهاني قال[31]: "سمعت عبدالرحمن بن مهدي، وقيل له: أبو خلدة؟ فقال: كان صدوقًا، وكان مأمونًا، الثقة: سفيان وشعبة".


6 – 1 - اصطلاح "متقن":

أتقن الشيء: أَحْكَمه، والإتقان: الإحكام للأشياء؛ قال - تعالى - في كتابه العزيز: ﴿ صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ﴾[32].


ورجل تَقِن: مُتقن للأشياء، وحاضر المنطق والجواب، وتقن رجلٌ كان جيِّدًا في الرمي يُضرب به المثل، لم يكن يسقطُ له سهمٌ، قال أبو منصور: الأصلُ في التقن: ابن تقن هذا، ثم قيل لكلِّ حاذقٍ بالأشياء متقن[33].


وقد شاع استخدامُ هذه العبارة للدَّلالة على إحكام المحدِّث لصنعة الحديث، وإتقانِه لهذا الفن.


أمَّا الإمام عبدالرحمن بن مهدي، فقدْ أناط الإتقانَ بالحفظ دونَ غيره من المقوِّمَات، فقال[34]: "الحفظ هو الإتقان".


7 – 1 - اصطلاح "حافظ":

حَفِظ الشيءَ حفظًا، ورجل حافظ، وحفيظ؛ قال ابن سيده: الحفظ نقيضُ النِّسيان، وهو التعاهد، وقلَّة الغفلة، وقال الأزهري: رجلٌ حافظ، وقومٌ حُفَّاظ: وهم الذين رُزقوا حفظَ ما سمعوا، وقلَّما ينسَوْن شيئًا يعونَه[35].


وللحافظ في عُرْف المحدِّثين شروط، إذا اجتمعت في الراوي، سَمَّوْهُ حافظًا، فهو لديهم مَن اشتهر بالطلب، والأَخْذِ من أفواه الرِّجال، لا مِن الصحف، والمعرفة بطبقات الرُّواة ومراتبهم، والمعرفة بالتجريح والتعديل، وتمييز الحديث الصحيح مِن السقيم، حتَّى يكونَ ما يستحضره من ذلك أكثرَ ممَّا لا يستحضره، مع استحضار الكثيرِ من المتون[36].


وتُعتبر هذه الشروط مشددةً إذا ما قورنت مع دلالة هذا اللَّفظ عند المتقدِّمين، فالإمامُ سفيان الثوري يؤكِّد في إحدى عباراته بأنَّ الغلط لا يفلت منه أحد، وأنَّ الحافظ هو الذي يغلب عليه حفظُ حديثه، وإن غَلِط في بعض المواطن[37]، وكذلك الحال لَدَى بعض المتأخِّرين؛ كابن رجب الحنبلي[38] الذي يقول: "مَن أقام الأسانيد، وحفظها، وغيَّر المتون تغييرًا لا يُغيِّر المعنى - فهو حافظٌ ثقة، يُعتبر بحديثه".


إضافةً إلى الألفاظ التي استقصينا دلالتَها بمعيار اللُّغة والاصطلاح، فقد وظَّف نُقَّاد الرِّجال ألفاظًا أخرى؛ لتعميق حدود بعض العبارات، وزيادةِ مساحة دلالتها الاصطلاحيَّة.


فعمدوا إلى استخدام عبارة "ضابط"، التي تحمل بين طيَّاتها معانيَ الحزم في الرواية وأخذها[39]، وعبارة "جبل"، وقد أكثر من استعمالها الدَّارقطني عندَ توثيقه للرِّجال، والتي تطلق على سيِّد القوم وعالِمهم[40]، فكأنَّ صاحبها قد فاق أقرانَه في هذه الصَّنعة، فَسَادَهم بعِلمه، كذلك استُعيرت عبارة "نبيل" تلويحًا إلى ذكاءِ ونجابة الثِّقة الذي تُطلق عليه؛ لتزدادَ الثقةُ بمروياته[41].


أمَّا عبارة "رضا"، فقدِ استُعملتْ من باب النَّعت بالمصدر، وهو مُطَّرِد في كلام العرب، يقولون: هو رضا، كقولهم: هو عدل أو ثقة، ولقد وردتْ هذه اللَّفظة بعبارات مختلفة في مواضعَ كثيرةٍ من كتب الجرح والتعديل.


غير أنَّ ما نودُّ التنبيه عليه في هذا المقام هو أنَّ هذه الأوصاف لا تصلح أن تكونَ بمفردها دليلاً على عدالة الرَّاوي؛ لأنَّ بينها وبين العدالة عمومًا وخصوصًا، فقد توجد العدالة بدون هذه الأوصاف، أو قد تنعدم مع وجودها؛ قال السخاوي[42]: "إنَّ الوصف بالضبط والحفظ، وكذا الإتقان - لا بدَّ أن يكون في عدل".


كذلك ينبغي أن يكونَ حاضرًا في ذهننا على الدَّوام اختلافُ دلالة هذه العبارات باختلاف العُصور، رغمَ اتحاد المنبع الذي نهل منه المتقدِّمون والمتأخِّرون، وهذا ما سنحاول أن نبرهِنَه بعد أن نمنح لأنفسِنا فرصةً كافية؛ لكي نرتعَ في رِياض الفِئة الأولى من المحدِّثين الثقات، فنَستأنس بالعبارات التي وُظِّفت لتوثيقهم، ونعكُف على سَبْر دلالاتها، واضعين نُصبَ أعيننا الحقبةَ الزمنيَّة التي ظهرت فيها؛ لنَفيدَ من هذا كلِّه في إيجاد معيارٍ، تُحدَّد من خلاله دلالةُ كلِّ عبارة منها.

 


[1] "الجرح والتعديل" (1/6). 
[2] "الكفاية" (22). 
[3] "مقدمة ابن الصلاح" (237). 
[4] "ميزان الاعتدال" (1/4). 
[5] "فتح المغيث" (1/361). 
[6] "توضيح الأفكار" (2/262). 
[7] "فتح المغيث" (1/365 - 361).
[8] "تدريب الراوي" (1/343). 
[9] "الرفع والتكميل" (156 - 159). 
[10] "لسان العرب" (4/678). 
[11] "القاموس المحيط" (3/287). 
[12] "لسان العرب" (1/346). 
[13] "المرجع نفسه" ( 1/347). 
[14] "القاموس المحيط" (1/144، 145)، "لسان العرب" (1/347). 
[15] "فتح المغيث" (1/363). 
[16] "تهذيب التهذيب" (5/260). 
[17] "الضعفاء الكبير" (2/124). 
[18] "لسان العرب" (1/570)، "القاموس المحيط" (1/182).
[19] "الكفاية" (22). 
[20] "تهذيب الكمال" (10/543)، "التعديل والتجريح" (1/283). 
[21] "الجرح والتعديل" (1/11). 
[22] [المائدة: 6]. 
[23] "لسان العرب" (1/101).
[24] [الزخرف: 22]. 
[25] "لسان العرب" (1/101). 
[26] "لسان العرب" (1/104). 
[27] [الفرقان: 74]. 
[28] "الجرح والتعديل" (1/11). 
[29] "القاموس المحيط" (4/197). 
[30] "تهذيب الكمال" (1/161). 
[31] "الجرح والتعديل" (2/37). 
[32] [النمل: 188]. 
[33] "القاموس المحيط" (4/205)، "لسان العرب" (1/324). 
[34] "الكفاية" (165). 
[35] "القاموس المحيط" (2/395)، "لسان العرب" (1/673). 
[36] "توضيح الأفكار" (1/118). 
[37] "تهذيب الكمال" (1/161). 
[38] "شرح علل الحديث" (143). 
[39] "القاموس المحيط" (2/370). 
[40] "المرجع نفسه" (3/334). 
[41] "المرجع نفسه"، (4/55).
[42] "فتح المغيث "، (2/364).




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • عبارات توثيق الفئة الأولى من المحدثين الثقات (1/4)
  • أحكام مراتب الجرح والتعديل (1)
  • عبارات توثيق الفئة الأولى من المحدثين الثقات (3 /4)
  • عبارات توثيق الفئة الأولى من المحدثين الثقات (4 /4)
  • الداعية العدل الضابط
  • المذاكرة عند المحدثين (1 / 5)
  • هل يوجد فرق بين الفرد والغريب عند المحدثين؟
  • مختصر المجروحين من المحدثين لشمس الدين البعلي الحنبلي

مختارات من الشبكة

  • عبارات خاطئة منتشرة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • عبارات الأفضلية في اللغة العربية (الأهمّ فالأهمّ) ونظائرها(كتاب - حضارة الكلمة)
  • بيان الفرق بين بعض العبارات الجهمية الصريحة وبين العبارات المجملة التي يقولها عامة المسلمين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • عبارات في الجرح والتعديل مشتقة من اسم الرجل المتكلم فيه جرحا أو تعديلا(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أهمية حسن اختيار عبارات الكلام..(مقالة - آفاق الشريعة)
  • عبارات بلاغية وأمثال عربية(مقالة - حضارة الكلمة)
  • ظاهرة لبس ما عليه علامات أو رموز أو عبارات غير شرعية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تنوع عبارات ابن حجر في الراوي ومرويه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • عبارات عن الكذب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • لحظات وكليمات من حياة النبوة(مقالة - ملفات خاصة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 13/11/1446هـ - الساعة: 23:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب