• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أربع هي نجاة الإنسان في الدنيا والآخرة (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    وحدة المسلمين (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    فوائد وأحكام من قوله تعالى: { إذ قال الله يا عيسى ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
  •  
    نعمة الماء (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    تدبر خواتيم سورة البقرة
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    تحريم الإهلال لغير الله تبارك وتعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    مشاهد عجيبة حصلت لي!
    أ. د. عبدالله بن ضيف الله الرحيلي
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (2)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    الدرس السابع عشر: آثار الذنوب على الفرد والمجتمع
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    خطبة: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    سورة الكافرون.. مشاهد.. إيجاز وإعجاز (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    من آداب المجالس (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    خطر الميثاق
    السيد مراد سلامة
  •  
    أعظم فتنة: الدجال (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / علوم قرآن
علامة باركود

تفسير سورة البقرة .. الآيتان (266 – 267)

تفسير سورة البقرة .. الآيتان (266 – 267)
الشيخ عبدالرحمن بن محمد الدوسري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 28/5/2014 ميلادي - 28/7/1435 هجري

الزيارات: 28356

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تفسير سورة البقرة

الآيتان (266 - 267)

 

قال تعالى: ﴿ أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ﴾ [البقرة: 266].


هذا مثل ثالث ضربه الله لعباده على سبيل الاستفهام تقريباً للأذهان، ليبين لهم أسوأ النتائج وأقصى درجات الحرمان لعدم الإخلاص في الإنفاق في سبيل الله وإتباعه بالمن والأذى.


وقوله ﴿ أَيَوَدُّ ﴾ يعني أيحب ويتمنى، فالود حب الشيء مع تمنيه والشغف به، والأعناب: جمع عنب بكسر العين وهو ثمر الكرم الطري، والنخيل: جمع نخل وهي شجرة مباركة معروفة قد شبه رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمن بها، لأنه لا يسقط منها شيء لا من ثمرتها ولا من أصولها، بل جميع ما فيها ينتفع به حتى الخوص والليف والجريد وكل شيء، بل قرر الطب الحديث أن في نوى التمر زيتاً من أنفع الزيوت لبني آدم، وكان العلماء سابقاً يقصرون منفعته على العلف للدواب وهو إلى الآن مادة ضائعة، وقد خص الله التمثيل بهاتين الشجرتين لشهرتهما وكثرتهما وانتفاع العرب بهما.


والإعصار: هو ريح عاصفة شديدة تستدير في الأرض ثم تنعكس عنها إلى السماء حاملة للغبار كهيئة العمود، وهي تحمل في الصيف سموماً محرقاً وفي الشتاء برداً شديداً، وقد يجعل الله فيها ناراً تتكون من تفاعل يريده الله وينشؤه إذا أراد بأحد شراً حسب تقديره وحكمته والله غالب على أمره.


وروى البخاري في صحيحه عن عبيد بن عمير قال: قال عمر يوماً لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: فيم هم يرون هذه الآية نزلت: ﴿ أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ ﴾ الآية قالوا: الله أعلم فغضب عمر وقال: قولوا: نعلم أو لا نعلم. فقال ابن عباس في نفسي منها شيء يا أمير المؤمنين. فقال عمر: قل يا ابن أخي ولا تحقر نفسك، قال ابن عباس: ضربت مثلاً لعمل، قال  عمر: أي عمل؟ قال ابن عباس: لعمل رجل عمل بطاعة الله، ثم بعث الله له الشيطان فعمل بالمعاصي حتى أحرق أعماله[1].


قال الشارح: وفي الحديث قوة فهم ابن عباس رضي الله عنهما وقرب منزلته من عمر وتقديمه له من صغره وتحريض العالم تلميذه على القول بحضرة من هو أسن منه إذا عرف فيه الأهلية لما فيه من تنشيطه وبسط نفسه وترغيبه في العلم.


ولابن جرير عن ابن أبي ملكية: عنى بها العمل، ابن آدم أفقر ما يكون إلى جنته إذا كبر سنه وكثر عياله، وابن آدم أفقر ما يكون إلى عمله يوم يبعث.


ومن طريق عطاء عن ابن عباس: معناه: أيود أحدكم أن يعمل عمره بعمل الخير حتى إذا كان حين فنى عمره ختم ذلك بعمل أهل الشقاء فأفسد ذلك.


وقد أخرج الله هذا المثل مخرج الاستفهام الإنكاري لأنه أبلغ من النفي والنهي وألطف موقعاً كما يقول من رأى من يفعل قبيحاً: أيفعل هذا من يخاف الله والدار الآخرة؟


وقد عبر الله بلفظ الواحد لتضمنه معنى الإنكار العام، فهو أبلغ من قوله (أيودون) وأبلغ من قوله (أيريد) لأن محبة هذه الحال المذكورة وتمنيها أقبح وأنكر من مجرد إرادتها.


وقد خص الله النخيل والأعناب لأنهما أشرف من غيرهما وأنفع، قال الحسن: هذا مثل قل والله من يعقله شيخ كبير ضعف جسمه وكثر صبيانه، فهو أفقر ما كان إلى جنته. وإن أحدكم والله أفقر ما يكون إلى عمله إذا انقطعت عنه الدنيا. فقوله تعالى: ﴿ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ ﴾ كما أخبر الله عن وصف الجنة في هذا المثل، وأن فيها النخيل والأعناب وتجري أنهارها من تحتها، وفيها من كل الثمرات، وهذه الأوصاف تجعلها في غاية العظمة، أخبرنا عن ضعف حال صاحبها وشدة احتياجه إليها في قوله تعالى: ﴿ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ ﴾، فهذا تمثيل دقيق لشدة حاجته إلى تلك الجنة وتعلق قلبه بها من عدة وجوه:

أحدها: أنه قد كبر سنه فعجز عن التجارة والتكسب بحيث أصبح ليس له دخل غير ما تغل عليه أو يأكل منها.


ثانيها: أن الآدمي عند كبر سنه يشتد حرصه لما يرى من ضعفه.


ثالثها: أن له ذرية فهو في غاية الحرص على بقاء جنته لحاجته وحاجتهم.


رابعها: أنهم ضعفاء صبية صغار فهم كَلٌّ عليه لا ينفعونه بقوتهم ولا بتصرفهم، لأنهم يعدمون ذلك.


خامسها: أن جميع نفقتهم وما ينوبهم كله عليه لضعفهم وعجزهم، ولأنهم لا كاسب لهم سواه.


فهذا التمثيل الدقيق يصور للقارئ والسامع نهاية ما يكون من تعلق القلب بهذه الجنة الموصوفة، ذلك لخطرها في نفسه وشدة حاجته وذريته إليها، فكيف تكون مصيبة هذا الرجل وحسرته إذا أصيبت جنته بإعصار محرق؟


ولهذا جاء الله بتنبيه المؤمنين على خطورة هذه الحال بهذا المثل، وحدا قلوبهم إلى التفكر فيه لشدة حاجته إليها؛ لأن كل عاقل لابد أن يهتم بمصيره فقال سبحانه: ﴿ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ﴾ [البقرة: 219] يعني أن الله يبين لكم الآيات الدالة على حقائق الأمور وغاياتها وفوائدها وغوائلها، كمثل هذا البيان البارز في أروع معارض التمثيل ﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ﴾ في العواقب، فتضعون نفقاتكم في المواضع التي يرضاها الله عن صدق وإخلاص وتثبيت نفس حتى لا يستخفها الطيش والإعجاب، فيدفعها إلى المن والأذى أو مراءاة الناس. فلو فكر العاقل في هذا المثل لكفاه وشفاه وكان رادعاً لنفسه عن كل ما تتوق إليه مما يغضب الله.


وما أجدر العاقل أن يتصور هذا المثل ويجعله نصب عينيه دائماً ليتصور سوء عاقبة المعصية وإحراقها لما قبلها من الطاعات حتى لا تسول له نفسه القيام بما يحرق أعماله الصالحة، وأن يحرص أن لا يغيب عنه هذا المثل عند القيام بفعل السيئة، لأن من غابت عنه تلك الحقيقة كان جاهلاً، ولهذا قيل: (كل من عصى الله جاهل). فليربأ المؤمن بنفسه من الانحطاط إلى الجهل.


وينبغي لنا أن نتأمل جميعاً كيف ضرب الله المثل للمنفق المرائي والمنان المؤذي ممن لم يصدر إنفاقهم عن إيمان وإخلاص ويقين. كيف عمل الله على تبصيرنا بتنويع الأمثلة، فشبه أعمال هؤلاء بالصفوان الذي عليه تراب، فإنه لم ينبت ولن ينبت شيئاً أصلاً، بل ذهب بذرهم ضائعاً لعدم إيمانهم وإخلاصهم ثم ضرب المثل لمن عمل بطاعته مخلصاً قصده لله، لكن عرض له ما أبطل ثوابه بتلك الجنة الطيبة المزهرة التي جاءها الإعصار فأهلكها، وهذه في مقابلة الجنة التي آتت أكلها ضعفين لمحافظة صاحبها على طاعة الله ومرضاته فيا لها من أمثال تحيي القلوب.


قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴾ [البقرة: 267].


لما رغب الله بالإنفاق في سبيله وبين أقسامه وما يعتريه من إخلاص ورياء ومنة وأذى، وضرب الأمثلة الرائعة لمصير كل شيء من ذلك جدد أمره للمؤمنين في هذه الآية بالإنفاق من الطيب، سواء كان طيبه لذاته أو لوصفه، فالطيب لذاته هو الجيد المستحسن المرتضي، سواء كان من النقود أو العروض أو الخارج من الأرض على اختلاف أنوعه، أما الطيب لوصفه فهو ما كان من كسب حلال وثمن حلال، خلافاً لما كان من كسب حرام أو ثمن حرام، فإنه خبيث لوصفه، وإن كان في ذاته وماهيته طيباً. ولهذا عمم الله الأمر بالإنفاق من الطيب حيث قال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ ﴾ [البقرة: 267]. ليشمل جميع أنواع الطيبات بذاتها أو لوصفها، فيقصد المنفق ما طاب من كسبه ومما أخرجه الله له من نبات الأرض بذاته أو لوصفه.


وقد فسروا الطيب بالمستطاب. وقد جاء الحديث النبوي عنه صلى الله عليه وسلم: ((إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً...))[2]. وذكرناه بطوله في موضوع الدعاء عند قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة: 186]. وقد نهانا الله سبحانه عن العدول عن الطيب إلى الخبيث بقوله: ﴿ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ ﴾. وقوله تعالى: ﴿ تَيَمَّمُوا ﴾ أصله تتيمووا. والتيمم هو القصد كما قال الشاعر:

وما أدري إذا يممت أرضاً
أريد الخير أيهما يليني
أأللخير الذي أنا أبتغيه
أم الشر الذي هو يبتغيني

 

فالمعنى: لا تقصدوا الخبيث تتخيرون الإنفاق منه، والخبيث هو الرديء المستبشع من كل نوع، سواء من النقود المغشوشة أو المخرقة أو الأوراق النقدية الممزقة التي يتكلف صاحبها بتنسيقها وترقيعها، أو الثياب والأقمشة الرديئة أو غيرها من الحبوب والتمور وسائر الخارج من الأرض، والخبيث الذي ينهى عن الإنفاق منه غير الخبيث المحرم تناوله مما هو مضر، كالدم ولحم الخنزير، وغيره. وتعبير الله بالخبيث عن الرديء للزيادة في التنفير عنه وتخصيص الله النهي عن إنفاق الخبيث بالقصد فيه ما يشبه العذر لمن أنفق من الرديء لكونه هو الحاضر عنده، ولم يتعمد قصده حينئذ، أو من كان ماله من جنسه كمن أصيب ثمره بغبار ونحوه من العيوب، فإن هذا لم يقصد الخبيث، بل قصد إخراج ما قسم الله عنده. وموضع قوله سبحانه: ﴿ مِنْهُ تُنْفِقُونَ ﴾ موقع الحال أي لا تقصدوه منفقين منه. وقد علل الله النهي بقوله: ﴿ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ ﴾ وفي هذه الجملة احتجاج على من ينفق الخبيث في سبيل الله مشعر بالتوبيخ والتقريع، يعني كيف تقصدون الخبيث لتنفقوا منه في سبيل الله وأنتم لا ترضونه لأنفسكم، لو كنتم المستحقون له وبذل لكم لم تقبلوه عن حقوقكم ﴿ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ ﴾ يعني تتساهلون وتغمضون أعينكم عن بعض حقكم. وإغماض العين إما عبارة عن عدم الاستقصاء يغمض عينيه كأنه لا يبصر، أو عبارة عن الكراهة لا يملأ عينه منه بل يغمض من بصره لكراهة رؤيته، ومنه قول الشاعر:

لم يفتنا بالوتر قوم وللضي
م رجال يرضون بالإغماض

 

وفي هذا التعبير الإلهي معنيان:

أحدهما: كيف تبذلون لله وتهدون له مالا ترضون ببذله لكم ولا يرضى أحدكم من صاحبه أن يهديه له، والله سبحانه أحق أن يبذل له ويختار له خيار الأشياء ونفائسها.


ثانيهما: كيف تجعلون له ما تكرهون لأنفسكم، وهو سبحانه طيب لا يقبل إلا طيباً؟


ثم ختم الله الآية باسمين من أسمائه الحسنى يقتضيها السياق ويناسبان له، حيث قال: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴾ يعني اعلموا أن الله غني عنكم وعن جميع المخلوقات في الأكوان العلوية والسفلية، بل أنتم وجميعها محتاجون إليه، فكل الخير منه وإليه، ثم اعلموا أن الله ﴿ حَمِيدٌ ﴾ له جميع المحامد الصادرة من جميع العوالم، بل كل حمد واقع أو مفروض وقوعه مدى الأزمان فهو أهل له جل وعلا، وما من محسن من البشر محمود على صنيع إلا وحمده ينصرف إلى الله الذي هو الواهب المتفضل، وهو المعطف لذي الإحسان على إحسانه.


فهذان الاسمان الجليلان (غناه وحمده) يأبيان قبول الرديء، وذلك لأن قابل الرديء الخبيث إما أن يقبله لحاجة إليه، وإما أن نفسه لا تأباه لعدم كمالها وشرفها، فأما الله الغني الحميد الجليل القدر الكامل الأوصاف فإنه لا يقبل الرديء، ولا يقبل أبداً إلا الطيب.


واعلم أن هذا النهي عن إنفاق الخبيث عام في الإنفاق الواجب والمستحب وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد والترمذي وصححه وابن ماجه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والحاكم في صحيحه والبيهقي في سننه عن البراء بن عازب رضي الله عنهما في قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ ﴾ قال: نزلت فينا معشر الأنصار، كنا أصحاب نخل وكان الرجل يأتي من نخله على قدر كثرته وقلته، وكان الرجل يأتي بالقنو والقنوين فيعلقه في المسجد، وكان أهل الصفة ليس لهم طعام، فكان أحدهم إذا جاع أتى القنو فضربه بعصاه، فيسقط البسر والتمر فيأكل. وكان ناس ممن لا يرغب في الخير يأتي أحدهم بالقنو فيه الشيص والحشف وبالقنو قد انكسر فيعلقه، فأنزل الله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴾[3].


قال: لو أن أحدكم أهدي إليه مثل ما أعطى لم يأخذه إلا على إغماض وحياء[4]. فهل بعد هذا الترغيب والترهيب والتعليم الكامل والتأديب إلا أن يكون المؤمن بهداية هذا الوحي المبارك من أشد الناس رغبة في الصدقة والإنفاق في سبيل الله من أطيب ما يملكه على حسب حاله، وأن يكون في بذله مخلصاً متحرياً مواقع النفع والحاجة مبتعداً عن الإتيان بما يفسد أجره منطبعاً بقوله تعالى: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ [آل عمران: 92]. وفقنا الله جميعاً للخير.



[1] أخرجه البخاري كتاب التفسير، باب قوله تعالى: ﴿ أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ ﴾ رقم [4538].

[2] سبق تخريجه.

[3] أخرجه الترمذي: [2987]، وابن ماجه: [1822]، والطبري: [3/83].

[4] أخرجه الترمذي: [2987]، وغيره.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفسير سورة البقرة .. الآيات (258 - 263)
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات (264 – 265)
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات (268 – 269)
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات (270 – 271)
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات (275 - 276)

مختارات من الشبكة

  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (135 - 152) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (102 - 134) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (65 - 101) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (1 - 40) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (40 - 64) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة تفسير بعض من سورة البقرة ثم تفسير سورة يس(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • تفسير سور المفصل 212 - سورة الأعلى ج 1 - مقدمة لتفسير السورة(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • الفتوحات الربانية في تفسير الآيات القرآنية: تفسير الآيتين (6-7) من سورة البقرة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير سور المفصَّل ( 10 ) تفسير الآيتين من سورة الفاتحة ﴿ مالك يوم الدين - إياك نعبد وإياك نستعين ﴾(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • تفسير سور المفصَّل ( 9 ) تفسير الآيتين من سورة الفاتحة ﴿ الحمد لله رب العالمين - الرحمن الرحيم ﴾(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 14/11/1446هـ - الساعة: 17:59
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب