• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / علوم قرآن
علامة باركود

تفسير سورة البقرة .. الآيات (258 - 263)

تفسير سورة البقرة .. الآيات (258 – 263)
الشيخ عبدالرحمن بن محمد الدوسري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 14/5/2014 ميلادي - 14/7/1435 هجري

الزيارات: 48798

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تفسير سورة البقرة

الآيات (258 - 263)


قال تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [البقرة: 258].


﴿ أَلَمْ تَرَ ﴾ هي كلمة استفهام يوقف بها المخاطب على تعجب منها، والمحاجة: إرادة المغالبة بالخصومة، فحججته أي غالبته فغلبته.


فقد وفق الله خليله إبراهيم عليه السلام لمقابلة الحيدة بالحيدة، فإن هذا الطاغوت طاغية الكفر سلك الحيدة للتلبيس على أتباعه من الطغاة الذين يتولونه، لأنه لما قال له إبراهيم: ﴿ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ ﴾ أراد مجاراته ومراغمته بشيء من الحيدة، فقال: ﴿ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ﴾ وهو ليس بكفء لذلك، فقال: أنا أحيي وأميت أمتنع عن قتل من أردت قتله فلا أقتله فيكون ذلك مني إحياء له، وأقتل الآخر فيكون ذلك إماتة مني له.


فوفق الله إبراهيم لحيدة أعظم من حيدته يقصم بها ظهره ويخسئه بين طغمته، فقال له: ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ ﴾ وهذه حجة دامغة أبهتت الطاغية كما قال تعالى: ﴿ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ﴾ يعني انقطع عن الخصومة وبطلت حجته، فتحير وسكت مرغماً، وزهق باطله أمام سلطان الحق، هذا مما أعطى إبراهيم من الحجة كما قال سبحانه: ﴿ وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آَتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ﴾ [الأنعام: 83].


﴿ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ الذين ظلموا بالشرود عن صراط الله ونوره، لانتقاصهم لله والاستخفاف بعزته وجنابه.


قال تعالى: ﴿ أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آَيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [البقرة: 259].


قوله سبحانه: ﴿ أَوْ كَالَّذِي ﴾ بمعنى مثل الذي وليست زائدة كما قاله بعض المفسرين الذين يخضعون كلام الله لمذاهب النحويين ومصطلحاتهم ويحاولون تطبيقه عليها، وإن أخل ببلاغته، هذه جناية وجراءة على وحي الله، و(القرية) بفتح القاف: مجموعة بيوت لفئام من الناس. و(الخاوية) هي الخالية من الناس خوى بنيانها وفسد منظرها.


وللمفسرين كلام في هذا الرجل الذي مر على تلك القرية وفي اسمه، فمنهم من قال إنه من عباد الله الصالحين، ومنهم من قال إنه نبي وإنه العزيز، ومنهم من قال إنه كافر، وجميع هذه الأقوال مستندة إلى روايات إسرائيلية لا يجوز التعويل عليها ولا تلويث التفسير بها.


وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون))[1] وأبعد ما قالوه زعمهم أن الذي مر على القرية رجل كافر مستحيل أن يؤيد الله الكافر بالمعجزات.


فالكلام الصحيح هو أن هذا الرجل من عباد الله الصالحين، سواء كان نبياً أو تقياً لا نجزم بوصفه، وأنه طاف في تلك القرية الخالية الميتة المقفرة من السكان، فقال: ﴿ قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ﴾ استبعاداً ليس شكاً في قدرة الله، ولكن الله سبحانه شاء أن يريه سرعة القدرة، بل يريه العجب العجاب في نفسه وفي قوته وحماره ﴿ فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ ﴾.


وقد أبهم الله معنى ذلك الموت: هل هو موت طبيعي تفارق به روحه جسده أو ضرب الله عليه النوم، والنوم وفاة كما قال تعالى: ﴿ اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ﴾ [الزمر: 42].


فالأقرب أن الله أماته بنوم عميق يفقده الحس والحركة، ولكن ظاهر الآية يدل على أن هذا الموت موت حقيقي، إلا أن يكون قوله تعالى: ﴿ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ ﴾ عظام الحمار، هذا تخصيص بلا مخصص، لكن يؤيده أن العظام المشار إليها ليست عظام الرجل الذي بعثه الله وأحياه بعد موته، فيكون التخصيص على هذا صحيحاً وهو الأقرب للتأويل.


وقوله سبحانه لهذا الرجل: ﴿ كَمْ لَبِثْتَ ﴾ يعني كم مكثت ميتاً؟ فأجاب الرجل بقوله: ﴿ قالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ﴾ بناء على التخمين والتقريب وهكذا شأن فاقد الإحساس بموت عميق طويل محدد، فإنه يستقصر مدة مكثه.


وقد سأله الله عن ذلك ليظهر له تمام عجزه عن الإحاطة بشئونه وأن إحياءه ليس بعد مدة قصيرة، ولهذا قال الله له: ﴿ بَلْ لَبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ ﴾ أي بعد مدة طويلة ليحسم بها مادة استبعاده بالكلية ويطلعه على أمور عظيمة هي من بدائع قدرته سبحانه وتعالى وهي إبقاء غذائه لم يتغير مع أن طبيعته سرعة الفساد، فيبقيه الله دهراً طويلاً، قرناً كاملاً على حالته كأنه في يومه، وهذا مع إحيائه بعد مائة سنة، ثم إعادة حماره على ما كان، بل يريه كيف ينشز العظام ويكسوها لحماً.


وهنا أيضاً آية أخرى وهي صيانته طيلة إماتته هذه المدة الطويلة على أي نوع كانت من الهوام والطيور وسائر خشاش الأرض حتى إذا أبعثه الله عاين من عجائب قدرته ودلائل ربوبيته أمراً بل أموراً عظيمة، لهذا قال له: ﴿ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ ﴾ يعني لم تغيره السنين التي أتت عليه، ولم يذكر الله نوع طعامه، وإنما ذكره المتكلفون من المفسرين رحمهم الله، بل أخبر أنه ﴿ لَمْ يَتَسَنَّهْ ﴾ وفيها قراءتان:

أحدها: (لم يتسن) بحذف الهاء، والقراءة الأخرى إثباتها في الوصل والوقف، وهي الصواب والقراءة المشهورة، كما صوبها ابن جرير وغيره، إذ غير جائز حذف حرف من كتاب الله لا في حال وقف ولا وصل.


وقوله تعالى: ﴿ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ ﴾ يعني انظر إليه كيف مات وتفرقت أجزاؤه، إذ لولا طول المدة لما حصل ذلك. وقوله تعالى: ﴿ وَلِنَجْعَلَكَ آَيَةً لِلنَّاسِ ﴾ العطف يدل على محذوف مطوي، يعني أننا فعلنا بك ما فعلنا من الإماتة والإحياء لك ولحمارك وإبقائنا طعامك لم يتعفن لنزيل تعجبك من القرية، ونريك آياتنا في نفسك وطعامك وحمارك ولنجعلك آية للناس فالعطف دلنا على المحذوف المطوي دلالة ظاهرة، وهذا من لطائف إيجاز القرآن.


أما كون ما رأى آية له فظاهر واضح، وأما كونه آية للناس فهو أن علمهم بحادثته من أكبر الآيات التي تكون حجة على من عرفه من ولده وقومه ممن علم موته وإحياء الله له بعد مائة سنة وعلى من بعث إليه إن كان نبياً. والله أعلم.


وقوله سبحانه: ﴿ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا ﴾ [البقرة: 259] أما العظام فالمراد بها عظام نفسه وحماره كما قال محققو المفسرين: إن الله أحيا منه عينيه أولاً لينظر بعينيه إلى تركيب عظامه وكسوتها لحماً ثم إلى حماره.


وأما قوله تعالى: ﴿ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ﴾ بالزاي. فالنشوز: الارتفاع، يعني انظر كيف نركب بعضها على بعض وننقلها إلى مواضعها من الجسم، وفيها قراءة أخرى بالراء المهملة: ﴿ كيف ننشرها ﴾ يعني كيف نحييها ثم نكسوها لحماً. فالنشر بمعنى الإحياء، كقوله تعالى: ﴿ ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ ﴾ [عبس: 22].


ولا تعارض بين القراءتين، لأنهما متقاربتان.


فالإنشاز بمعنى التركيب، والإثبات برد العظام إلى العظام، والإنشار بمعنى إعادة الحياة إلى العظام إعادة تقتضي ردها إلى مواضعها من الجسد. قال ابن جرير: ولا حجة توجب بالقضاء لإحداهما بالصواب على الأخرى.


وفي هذه الجمل من الفوائد الخالدة أن الله بعد أن أراه الآية التي تكون حجة خاصة لمن رآها نبهه وسائر العباد إلى الحجة العامة التي يحصل الاحتجاج بها على البعث في كل زمان ومكان، ففيها آيتان خاصة وعامة، هما كيفية التكوين والاستدلال على سهولة البعث على الله، كما قال سبحانه: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [الروم: 27]. وقوله: ﴿ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ ﴾ [الأعراف: 29].


وقوله عز وجل: ﴿ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ يعني لما ظهر له واتضح ما فعل الله به وبطعامه وحماره ﴿ قَالَ أَعْلَمُ ﴾ علماً يقيناً مؤيداً بهذه الآيات في نفسي وفي الآفاق أن الله على كل شيء قدير لا يعجزه من شيء في السماوات ولا في الأرض، فإنه بهذه المعجزة قد علم بالمشاهدة الحسية ما كان يعتقده بالغيب فقط. وبالله التوفيق.


قال تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [البقرة: 260].


في هذه الآية الكريمة مثال ثالث من ولاية الله للمؤمنين وإخراجه إياهم من الظلمات إلى النور حتى لا يبقى في قلوبهم شبهة، ولا يكون للمبطل عليهم سلطان، ولا يغلبهم خصمهم بالسنان أو باللسان، بل تكون لهم الغلبة في الجميع، ويكشف الله لهم الحقائق ويسدد حجتهم، ففي الآيتين السابقتين ذكر الله في إحداهما ظهور حجة إبراهيم على قومه وفي الأخرى إظهار الله المعجزات العظيمة لمن استبعد إحياء القرية الميتة لينور الله بصيرته وأتباعه ويزيح عنهم كل ظلمة.


وينبغي أن يلاحظ ما في تلك الآيتين من الفرق، حيث إن الله أتى بالأولى التي هي رقم 258 بمثال واحد في إثبات ربوبيته، ثم أتى بالأخرى بعدها في إثبات البعث وبيان سهولته فما الحكمة في ذلك؟ إن الحكمة في ذلك هو أن منكري البعث أكثر بكثير من منكري الربوبية، ولهذا نجد القرآن يسهب في ضرب الأمثلة على ذلك ويكثر من تصوير مشاهد يوم القيامة.


فقوله تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى ﴾ معطوف على ما قبله من قوله: ﴿ ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم ﴾، والتقدير: ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه. وألم تر إذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى ﴿ قَالَ ﴾ الله له وهو أعلم من إبراهيم بما سأل عنه: ﴿  أَوَلَمْ تُؤْمِنْ ﴾ يعني ألم يوح إليك بذلك وتؤمن به ﴿ قَالَ بَلَى ﴾ قد أوحيت إلي فآمنت وصدقت بالخبر ﴿ وَلَكِنْ ﴾ تاقت نفسي للوقوف على كيفية هذا السر ﴿ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ﴾ بالمعاينة بعد الخبر فيحصل مطلوبي من الطمأنينة في اعتقاد قدرتك يا ربي على هذا الإحياء. فقال الله له، وهو وليه الذي يريد تنوير قلبه وإحاطته بعلم ما طلب ﴿ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا ﴾ [البقرة: 260].


المعنى من قوله تعالى: ﴿ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ﴾ أملهن إليك وقطعهن على قول من فسر الصر بالإمالة، وهي لغة هذيل وقال ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن ومجاهد: ﴿ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ﴾ معناه قطعهن [2] يقال: صار الشيء يصوره صراً، إذا قطعه. وقوله تعالى: ﴿ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ﴾ ظاهره العموم بأن يجعل على جميع الجبال ولكنه مخصوص بالجبال التي حوله، والمعنى: جزّئهن ثم اجعل على كل جبل منهن جزءاً ﴿ ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا ﴾ يعني ادع تلك الطيور التي قتلتها وقطعتها ووزعتها على ما حولك من الجبال وهنالك يأتينك مسرعات طيراناً أو مشياً.


ثم قال سبحانه وتعالى: ﴿ وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ يعني أنه بعزته غالب على أمره وبحكمته قد جعل أمر الإعادة موافقاً لحالة التكوين، وقد هدى الله خليله إبراهيم عليه السلام بهذا الأمر إلى تعليمه علماً حسياً يشاهده عياناً وجعله على يديه لأنه لو تولاه ملك من الملائكة لما حصل مثل هذا الإيقان الذي حصل.


قال تعالى: ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 261].

لقد أجرى الله عادته في وحيه المبارك أن يسهل التكاليف على عباده بذكر عظيم المثوبة وحسن المآل الذي يكون نتيجة لها في الدنيا والآخرة، ولهذا لما أجمل الله المثوبة للمنفق وجعله مقرضاً له في الآية (245) من هذه السورة فصل ما أجمله هناك في هذه الآية التي نفسرها، ولكنه لحكمته التي ذكرنا جعل بين الآيتين عدة آيات شاهدات على قدرته بالإحياء والإماتة تقريباً لعالم الغيب بعالم الشهادة، وتوطيناً لعباده على استيقان البعث الذي يحصل بعده الجزاء الصحيح الأوفى على الأعمال، إذ لولا ذلك لما ساغ التكليف بالإنفاق الذي هو من أصعب الأمور وأشقها على النفوس، بحيث لولا وجود الإله المثيب المعاقب لما هان على النفوس الإنفاق أبداً، فلهذا يرغب الله فيه كثيراً ويصفه بأحسن الأوصاف، ويوضح جزيل المثوبة فيه.


وقد أتى بيان مضاعفة الأجور للمنفق في سبيل الله بهذه الآية بضرب مثل تقريباً للأذهان، فقال سبحانه: ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ ﴾.


والآية فيها إضمار إما أن يكون تقديره: مثل صدقات الذين ينفقون أموالهم، أو يكون تقديره: مثل الذين ينفقون أموالهم كمثل زارع حبة.


وقد أشار سبحانه بهذا المثل إلى مضاعفة الحسنة إلى سبعمائة ضعف ولم يقصرها على ذلك، بل قال: ﴿ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ ﴾. وقوله سبحانه وتعالى: ﴿ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ يعني في دينه، سواء في الجهاد أو في صالح العقيدة وما تتطلبه الدعوة وما يحتاجه المجتمع الإسلامي من رفع مستواه عن البؤس والحاجة، كل هذا في سبيل الله مع صدق النية والإخلاص.


وقد أتى الله بهذا المثل المشوق بعد تقريره ولايته العظيمة للمؤمنين، وولاية الطاغوت للكافرين تمييزاً لما ينفقه المؤمن في سبيل الله، وما ينفقه الكافر في سبيل الطاغوت، والمراد من الإنفاق في سبيل الله هو ما يوصل إلى مرضاته مما ندب إليه ورغب فيه وأعلاها الإنفاق في خدمة الدين من تركيز العقيدة ونشر الدعوة بكل طريق وبكل أسلوب يتطلبه الوقت، فالعصور تختلف.


لقد كانت العصور السالفة مساجد المسلمين ومدارسهم فيها تحقيق ذلك والآن تعطل دور المسجد وصارت الصحف والمجلات هي الوسيلة، وكذلك سبك القصص الهادفة والمناظرات المركزة والمعاهد الدينية التي ليس للأجنبي عليها سلطان، ولا يستورد لها مناهج من مناهج الماسونية التي تعمل الدول الغربية والشرقية على بثها، وكذلك تأسيس الجمعيات الدينية بأي اسم كان ما دام الهدف نصرة الدين ونشره وقمع أعدائه.


فهذه الوسائل الجديدة التي يحصل بها خدمة الدين ورفع لوائه مع حسن مقاصد القائمين عليه وقوة وعيهم ونباهتهم من دس الدخيل أو اندساسه. ثم أوضح الله عدم قصر الثواب على ما ضربه من المثل في الآية قائلاً: ﴿ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ ﴾ مضاعفة لا حصر لها حسب قوة إخلاص المنفق وطيب نفسه بما أنفق وحسب وقوع الإنفاق موقع الحاجة.


﴿ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ ليس عطاؤه محدوداً ولا فضله محصوراً، فهو واسع العطاء إلى ما لا نهاية له، وهو ﴿ عَلِيمٌ ﴾ بمن يستحق المضاعفة حسب ما ذكرنا بعض أسبابها، فهو العليم بالحال والمآل.


قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 261، 262].

في هذه الآيات الكريمات تحذير من الله لعباده عما يفسد ثواب إنفاقهم من حصول المنة أو الإيذاء، وقد سلك الله في ذلك أبلغ أساليب الإرشاد، والتوقي عن ذلك.


وقال المفسرون: نزلت هذه الآية في عثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما. أما عثمان رضي الله عنه فقد جهز جيش العسرة في غزوة تبوك بألف بعير بأقتابها وألف دينار، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه يقول: ((يا رب عثمان، رضيت عنه، فارض عنه))[3].


وأما عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه فقد تصدق بنصف ماله أربعة آلاف دينار فنزلت الآية[4].


والمن في اللغة على وجوه:

أحدها: بمعنى الإنعام، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في أبي بكر رضي الله عنه: ((ما من الناس أمن علينا في صحبته ولا ذات يده من ابن أبي قحافة))[5]. يريد أكثر إنفاقاً بماله، ولهذا يصف الله بأنه منان، أي منعم.


ثانيها: بمعنى النقص من الحق والبخس، كما قال تعالى: ﴿ وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ ﴾ [القلم: 3].


أي غير مقطوع أو ممنوع، ومنه سمي الموت (منوناً) لأنه ينقص الأعمار ويقطع الأعذار.


ومن هذا الباب المنه المذمومة لأنها تنقص النعمة وتكدرها، (فالمن) هو إظهار الاصطناع إليهم، (والأذى) شكايته منهم بسبب ما أعطاهم، وإنما كان المن مذموماً لوجوه:

أحدها: أن الفقير المبذول له الصدقة منكسر القلب لأجل حاجته إليها، فإذا أضاف المعطي إلى ذلك إظهار الإنعام عليه زاد الفقير انكساراً فيكون ذلك مضرة بعد المنفعة.


ثانيها: ابتعاد الفقراء عن صدقة المنان.


وقوله سبحانه: ﴿ قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى ﴾ [البقرة: 263].. معناه أن مقابلة المحتاج أو الساعين لأهل الحاجة بكلام طيب يسر السامع، وهيئة ترضي المشاهد، ولا ينفر منها خير من الصدقة مع الإيذاء بسوء القول أو سوء المقابلة.


(والمغفرة) هي الصفح عما يبدو من الفقير أو الساعي عند عدم الإعطاء، فإن الصفح عن مقابلته خير من إعطائه.


وقوله سبحانه: ﴿ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ ﴾ يعني أن الله سبحانه غني بذاته، كما سبق من أنه قيوم السماوات والأرض، وغني بما ملك السماوات والأرض، وإنما يريد تطهيرهم وتزكيتهم.


فهو سبحانه غني عن إنفاق المؤذي والمنان، فيرفضه ولا يقبله، لكنه ﴿ حَلِيمٌ ﴾ لا يعجل عقوبة المسيء بالمن والأذى.



[1] أخرجه البخاري في صحيحه برقم [4485، 7362، 7542] من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ونحوه.

[2] انظر تفسير القرطبي [3/301].

[3] انظر تفسير القرطبي [3/306] من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

[4] انظر تفسير الطبري [10/195].

[5] أخرجه البخاري كتاب المناقب، باب مناقب المهاجرين رقم [3654] من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفسير سورة البقرة .. الآية (255)
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات (256 - 257)
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات (264 – 265)
  • تفسير سورة البقرة .. الآيتان (266 – 267)
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات (268 – 269)
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات (275 - 276)

مختارات من الشبكة

  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (135 - 152) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (102 - 134) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (65 - 101) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (1 - 40) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (40 - 64) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الفتوحات الربانية في تفسير الآيات القرآنية: تفسير الآيتين (6-7) من سورة البقرة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة تفسير بعض من سورة البقرة ثم تفسير سورة يس(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • الفتوحات الربانية في تفسير الآيات القرآنية: سورة البقرة الآيات (1-5)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مقدمة بين يدي تفسير سورة البقرة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير سورة الفاتحة وسورة البقرة (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب