• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / فقه وأصوله
علامة باركود

جهود القضاء السعودي في إنماء الفقه البيئي

جهود القضاء السعودي في إنماء الفقه البيئي
الشيخ عبدالله بن محمد بن سعد آل خنين

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 13/4/2014 ميلادي - 12/6/1435 هجري

الزيارات: 22252

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

جهود القضاء السعودي في إنماء الفقه البيئي

دراسة تطبيقية من خلال عرض بعض القضايا البيئية[1]

 

إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهدِ اللهُ فلا مضلَّ له، ومَن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:

مدخل:

من المعلوم أن القضاء السعودي يرتكزُ على الشريعة، ويستمدُّ أحكامه منها، فهي المصدر الأصيل والوحيد للقضاء السعودي، ومن هنا فإن جميع القضايا البيئية التي تُعرَضُ على المحاكم تُعالَجُ من هذه المشكاة؛ كتاب الله وسنة نبيِّه محمد - صلى الله عليه وسلم.

 

تنطلق جهود ُالقضاء فيما يُقرِّره القاضي من أحكام قضائية على مستويين، هما:

المستوى الأول: حال النص على الحكم الفقهي الجزئي للواقعة:

ففي هذه الحال - حين النص على الحكم الفقهي الجزئي للواقعة القضائية - يقتصرُ جهد القاضي على تطبيقه في محلِّه من الواقعة التي ينظرها، مراعيًا توصيفَها، وإعمال قواعد الملاءمة والتوصيف، وتسبيبها، وهذا هو الأصل في عمل القضاء.

 

المستوى الثاني: حال خلوِّ الواقعة من حكم فقهي جزئي:

ففي هذه الحال يقع على القاضي عبئان:

أحدهما: تقرير الحكم الفقهي للواقعة.

ثانيها: تطبيقه عليها بتحقيق مناطه القضائي كالحال في المستوى الأول.

 

وفي هذه الحال - حال خلو الواقعة من حكم فقهي جزئي - يجبُ على القاضي تقريرُ الحكم الفقهي للواقعة بناءً على أصل شرعي، وهذا اجتهاد فقهيٌّ، وهو أمر معروف منذ الصدر الأول في الإسلام وحتى يومنا هذا.

 

وهو في الأصل عمل الفقهاء، إلا أن القاضي غيرُ معذورٍ بترك القضية بلا حكم - عند خلو الواقعة من اجتهاد فقهي - حتى يُقرِّر الفقيه حكمَها؛ لأنه ربما تأخَّر، ولا يمكن التأخر في القضاء إلا بقدر ما يستبين القاضي حكم المسألة، ويتحقق من ثبوتها ويفرغ من تأمُّلها؛ ولذا وجب على القاضي أن يقوم بهذه المهمة - تقرير الحكم الفقهي للواقعة - ومن هنا كان للقضاء جهودٌ في مجال النوازل الفقهية، ومنها الفقه البيئي.

 

كمال الشريعة واشتمالها على الأحكام الفقهية للبيئة:

الفقه الإسلامي فقهٌ عميق الجذور، ممتدُّ الأفق، يقول - تعالى -: ﴿ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3]، فهو يحمل مقوِّمات النَّماء والتجدُّد، وهو المرجع لأمم الإسلام، بل كان مرجعًا لغيرِها من الأمم الأخرى، فلقد حدَّث شيخ الإسلام ابن تيمية (ت: 728هـ) أن ملوك الأمم الأخرى من غير المسلمين في زمن مضى يردُّون الناس من سائر رعيَّتِهم للتحاكم في الدماء والأموال إلى حاكم الأقلية المسلمة لديهم ليحكم بينهم بشرع المسلمين؛ لما وجدوه في هذه الشريعة من العدل والإنصاف لأصحاب الحقوق؛ (الجواب الصحيح؛ لابن تيمية 2/253).

 

كما حدَّث الشيخ علي حيدر (ت: بعد عام 1327هـ) عن إجابة علماء المسلمين في عصره عن المعضلات الفقهية لدى أمم الغرب، فقال - وهو يتحدَّث عن وظائف دار الإفتاء في آخر الدولة التركية - قال: "وقد استُفتِيَت دار الاستفتاء هذه في بعضِ الأحوال من قِبَل دول أوروبا في بعض المسائل الغامضة الحقوقية"؛ (درر الحكام 4/566).

 

ولا غروَ في ذلك؛ فهي شريعة رب العالمين الذي يعلَمُ ما يُصلِحُ الناس في عاجلهم وآجلهم، يقول - تعالى -: ﴿ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [الملك: 14].

 

ولقد جاءت من أحكام الشريعة نصوصٌ جزئية على مسائلَ قارَّةٍ كما في العبادات، وكثير من قضايا الميراث والأسرة، كما جاءت كثير من أحكامها - بخاصة في المعاملات - قواعدَ كلية تعالج ما كان قائمًا من القضايا، وهي قادرة على مواجهة ما يستجدُّ من النوازل.

 

كما انطَوَت نصوصُ الشريعة على مقاصدَ عامَّةٍ تسعى الشريعةُ إلى تحقيقِها؛ من حفظ الضروريات الخمس (من الدين، والنفس، والعقل، والمال، والعِرْض)، واحترام الإنسان، وبسط العدل فيه، وقوة الأمة وسلامتها، وأن تبقى مرهوبةَ الجانب، وحفظ المجتمع وتحقيق سلامته، وتحقيق مصلحة الإنسان، وإصلاحه بجلب المنافع له ودفع المضار عنه، وكلها أصول تتَّسِعُ لملاقاة الوقائع الجديدة بالأحكام.

 

وقضايا البيئة مما تشمَلُها القواعد الكلية والمقاصدية في الشريعة الإسلامية، وهذا يُحقِّقُ لها القدرة على مواجهة تلك النوازل، ويجعلُ لها جاهزيةَ التطبيقِ في كل حين وفي كل آنٍ، وهو ما يحدُثُ عندنا في المملكة العربية السعودية؛ إذ ما يجِدُّ من أمورٍ فقهية فتُحالُ للمحاكم إلا وتجِدُ حلاًّ غير مترددٍ، وهذا ما حصل في تجريمِ قضايا غسيل الأموال، وهو ما يحصل في قضايا البيئة وغيرها.

 

ولقد عرَف الفقهُ الإسلامي أحكامَ البيئة من القواعد الكلية والمقاصد العامة في شريعة الإسلام التي تعالج هذا الجانب، من قواعد دفع الضرر وإزالته، وضمان ما يترتب عليه بعامة، أو ما يتعلق ببيئة الجوار، سواء تعلَّق ذلك بضمان الإنسان لما يُتلِفُه هو أو يُتلِفُه حيوانه الذي عليه حفظُه، وما يتلفه حائطُه الذي يوشك أن يتردَّى ولم يُزِلْه، وبذل الفقهاء جهدَهم في القضايا التي كانت تلمُّ بهم، وذلك ببيان أحكامها، وتحقيق مناطها من تلك القواعد، فقالوا: "يُمنَعُ الجارُ مما يضرُّ بجاره من تنُّور يؤذي الجارَ بدُخَانِه أو بحرارته، ومن اتخاذ داره للقصارة؛ لأنه يؤدي إلى هز حيطانِ جدار جارِه وتشقُّقها، وإلى إزعاجه وتعكير السكينة عليه، كما يُمنَعُ الجار من حفرِ (بالوعة) تُفسِدُ بئر جاره، ومدبغة تؤذي جاره بالرائحة، ومن تعلية بنائه بحيث يسدُّ الهواء عنه.

 

وفي العصر الحاضر - عصر النهضة الصناعية، التي وصلت آثارها إلى كل بلد - جدَّ من قضايا البيئة ما يمكن تخريجُه على القواعد الكلية ومقاصد الشريعة العامة، وحسبُ القاضي وهو يسعى إلى إيصال الحقوق لأصحابها وإلى الفصل بين الناس بالعدل، أن يستحضرَ تلك القواعد ويُخرِّجُ عليها ما يُعرَضُ عليه من قضايا؛ لأنها وأن اختلفت صورها، فهي ترجع إلى قواعد ضابطة، وأهدافٍ قارَّة، قرَّرتْها الشريعةُ الكاملة.

 

السوابق القضائية ومكانتها في إنماء الفقه البيئي:

المراد بالسوابق القضائية: "ما صدر من الأحكام القضائية على وقائع معيَّنة مما لم يسبق تقرير حكم كلي لها".

 

ولها مكانة كبيرة في الاستعانة بها لتقريرِ الحكم الكلي للواقعة القضائية عند خلوِّ الواقعة من قولٍ لمجتهدٍ، فالقضاء حيٌّ متحرِّك يتحرَّك مع الإنسان؛ لأنه يعيش معاناته ويعالج أقضيته، فإذا حدث للقاضي من الأقضية ما لا قولَ فيه للعلماء، ثم اجتهد في تأصيلها وتقعيدها، وحكم فيها، فيكون ذلك أصلاً يستضيء به مَن بعده؛ ولذلك كان بعض الفقهاء إذا قرَّر حكمًا أو رجحه يقول: "وعليه العمل"، فالسوابق القضائية إذا جرى تقعيدها وتأصيلها وصح مأخذُها، عُدَّت مستندًا للقاضي في حكمه القضائي في تقرير حكم الواقعة الكلي.

 

ولقد كان القضاء بما قضى به الصالحون منهجًا عند سلفنا، فهذا عبدالله بن مسعود فيما روى عنه عبدالرحمن بن يزيد يقول: "مَن عرَض له منكم قضاءٌ بعد اليوم، فليقضِ بما في كتاب الله، فإن جاء أمرٌ ليس في كتاب الله، فليقضِ بما قضى به نبيُّه، فإن جاء أمرٌ ليس في كتاب الله، ولا قضى به نبيُّه، فليقضِ بما قضى به الصالحون، فإن جاء أمر ليس في كتاب الله، ولا قضى به نبيُّه، ولا قضى به الصالحون، فليجتهِدْ رأيَه"[2].

 

ففي هذا الأثر دلالةٌ على مكانة السوابق القضائية، ورجوع القاضي لها، واستناده إليها، ما دام قد صح مأخذها، وعلم أصلها، وبان تقعيدها.

 

وقد ذكر الفقهاء أن من آداب القاضي كونَه مطلعًا على أحكام مَن قبله من القضاة، بصيرًا بها؛ كي يستضيء بها، ويستفيد منها.

 

وليحذَرِ القاضي من السوابق القضائية ما لا أصل لها، أو بان من الأدلة ما هو أقعد منها؛ ولذلك كان عمر يقول: "لا يمنعك قضاءٌ قضيتَ به اليوم فراجعت فيه رأيَك، وهُديت فيه رشدك، أن تراجع فيه الحق؛ فإن الحق قديم لا يُبطِلُه شيء، ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل"[3].

 

عرض بعض القضايا البيئية الصادرة من محاكم المملكة العربية السعودية:

قبل البَدْء في عرضِ بعض قضايا البيئة، أذكرُ بأن معالجة قضايا البيئة في المملكة يتمُّ من قِبَل جهاتٍ متعدِّدة من جهات الضبط الإداري ولوائحه، والجهات الإدارية التي تُصدِرُ الأوامر بإزالة بعض صور الضررِ، ويقوم القضاء بجهدٍ هامٍّ فيما يقعُ فيه النزاع، سواء أقام النزاع فيه ابتداءً، فنظرتْه محاكمُ القضاء العامِّ، أم كان النزاع اعتراضًا على القرار الإداري المتعلِّق بشأن من شؤون البيئة، فينظره قضاءُ المظالم حسب الاختصاص.

 

وسوف نستعرض من القضايا ما عالجه القضاءان العامُّ والمظالم، من القضايا التي نظرتها محاكم المملكة العربية السعودية، ذلك كما يلي:

القضية الأولى:

دعوى مقامةٌ من ناظرِ وقفٍ ضد الشركة السعودية للكهرباء، في مطالبتِها بتعويض الوقف مقابل إمرارها خطوط الضغط العالي على أرض الوقف السكنية، أو إزالة هذه الخطوط، والصادر فيها الحكم رقم 212/5/11 في 15/8/1420هـ من المحكمة الكبرى بمكة المكرمة، والمؤيَّد من محكمة التمييز بمكة المكرمة برقم 544/ج/1 في 2/8/1420هـ، ومن مجلس القضاء الأعلى بهيئته الدائمة برقم 715/4 في 27/12/1422هـ.

 

الوقائع:

تتلخَّص وقائع هذه الدعوى بادِّعاء المدعي بصفته ناظرًا على وقف، بأن الشركة السعودية للكهرباء قد مرَّرت على أرضينِ للوقف - وصَفَها - خطوطَ الضغط العالي للكهرباء، وأنه بعد تسوية الأرضية والشروع في بنائها، وصب سقف الدور الثاني، أوقفته شركة الكهرباء عن إتمام العمل، وأنهى المدَّعِي دعواه بمطالبة الشركة السعودية للكهرباء، بتعويض الوقف عن قيمة الأرضينِ وما أقيم عليهما من مبانٍ، وإذا امتنعت، فيطلب أن تلتزم بنقل خطوطها عن الأرضينِ المذكورتين.

 

الأسباب والحكم:

لقد فصل القاضي في القضية بحكم مبيَّن الأسباب، جاء فيها:

ولإقرار الشركة بوضعِ الضغط العالي على الأرضينِ موضع النزاع؛ ولأن قرار الخبرة من المختَّصين يُثبِتُ بأن موضعَ الدعوى لا يصلح للسكنِ إذا بقيت خطوط الضغط العالي على وضعها الحالي، كما أفادت الشركة المدَّعَى عليها بأنه وَفْقًا للأنظمة المعمولِ بها عالميًّا لا يُنصَحُ بالسكن أسفل خطوط الكهرباء، ولِما جاء في قرار الخبرة من نقصِ قيمة الأرض بسبب مرور خطوط الضغط العالي عليها، وأن أَرْش ذلك قُدِّر بمبلغ مليون وتسعمائة واثنَي عشر ألفًا وخمسمائة ريال، ولأنه لا بيِّنةَ للشركة المدعَى عليها على ما دفعت به من أن مرور خطوط الكهرباء قبل شراء المدعي للأرضينِ، فلها يمينه، ورفضت الشركة طلب اليمين؛ ولأن الأصل هو ضمان الشركة للأضرار الناشئة عن خطوط الكهرباء دون إلزامِها بتملُّك الأرضين موضعِ النزاع وما عليها، بل المتعيَّن هو الوسط في ذلك، وهو أن تدفع الشركة قيمة الضرر الحاصل من وضع خطوط الكهرباء.

 

ثم قال القاضي: لذا؛ فقد حكمت على الشركة - الشركة السعودية للكهرباء - بأن تدفع للمدعي مليونًا وتسعمائة واثنَي عشر ألفًا وخمسمائة ريال.

 

وقد أضاف مجلس القضاء الأعلى بهيئته الدائمة عند تأييد الحكم بأن شركة الكهرباء إذا لم تدفع المبلغ المحكوم به، فعليها إزالة خطوط الكهرباء عن أرض الوقف.

 

القضية الثانية:

دعوى مقامةٌ من المدعِي ضد وزارة الزراعة والمياه، بشأن مطالبتِه بإلزام وزارة الزراعة والمياه بمنحِه رخصةَ حفر آبار عميقة لمزرعته، والصادر فيها القرار رقم 11/د/و/2 لعام 1409هـ في القضية رقم 1092/ق لعام 1408هـ من ديوان المظالم بالرياض.

 

الوقائع:

تتلخَّص وقائع الدعوى في ادِّعاء المدعِي بأنه قد سبق منحُه ترخيصًا زراعيًّا لإنتاج الخضارِ بنظام البيوت المحمية، وكان المشروع يعتمدُ عند إنشائه على المياه المستخرجة من الآبار الموجودة بالمزرعة، إلا أن المياه أصبحت غيرَ صالحة للزراعة؛ لما طرأ عليها من مرورِ مياه فائض محطة التنقية؛ مما كان سببًا في تغيير الماء بالأملاح وغيرها، ولم تُجْدِ فيه المعالجة بمكائن التحلية، وقد طلب من وزارة الزراعة والمياه ترخيصًا على تعميق الآبار إلى تسعمائة وخمسين مترًا، إلا أنها رفضت، وأنهى المدعِي دعواه بمطالبته الحكم على وزارة الزراعة والمياه بالسماح له بحفر آبار عميقة في نفس موقع المزرعة للحصول على المياه الصالحة للزراعة، أو إعطائه ماءً مكررًا والذي يمر بجوار المزرعة واحتسابه بالسعر المناسب، أو تعويضه عن الخسائر التي لحقته من جرَّاء مرور فائض مياه محطة التنقية من مزرعته، أو أن تقوم وزارة الزراعة باستلام المزرعة وتعويضه عن قيمتها.

 

الأسباب والأحكام:

لقد فصلتِ الدائرةُ المختصَّة في ديوان المظالِم بالرياض في القضية بحكم مبيَّن الأسباب، جاء فيها:

بما أن دعوى المدعي تعتبر طعنًا في قرار الوزارة القاضي برفض منحه رخصة بئر بعمق 950م، ومن ثَمَّ فإن نظر هذه الدعوى منوط بديوان المظالم وفقًا لنص المادة الثامنة فقرة (ب) من نظامه الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/51 في 7/7/1402هـ.

 

ومن حيث طلب المدعي السماحَ له بحفر بئر عميقة، فإنه ولما كانت المادة الثامنة فقرة (أ) من نظام المحافظة على مصادر المياه، والصادر بالمرسوم الملكي رقم م/ 34 في 24/8/1400هـ تنصُّ على أن المحافظة على مصادر المياه، وتنظيم طرق الانتفاع بها، من اختصاص وزارة الزراعة والمياه، وعليها في سبيل ذلك وضعُ القواعد والإجراءات اللازمة للمحافظة على مصادر المياه وحمايتها من التلوُّث، وعلى ذلك فإن هذه المادة أعطت الوزارة حقَّ وضع الإجراءات والضوابط التي تراها مناسبة للمحافظة على مصادر المياه من التلوث، والتي منها منع حفر الآبار قطعيًّا أو بأعماق محدَّدة إذا رأت الوزارة أن هذا العمل قد يؤدي إلى تلوث مصادر المياه.

 

إضافة إلى أن الأوامر السامية رقم 8929 في 20/4/1391هـ، ورقم 4/4/4774 في 2/4/1399هـ، ورقم 3096/8 في 28/11/1408هـ تحظر حفر الآبار في مدينة الرياض التي تكون لغير أغراض الشرب، وعلى ذلك، فإنه لا يسوغ لأحد تجاوز هذه الأنظمة والأوامر ومخالفتها.

 

ومن حيث طلب المدعي إعطاءه من المياه المكررة، فإنه ولما كان الثابت أن هذه المياه مخصصة لأغراض الشرب، فإنه يتعذَّر تحقيق طلب المدعي، باعتبار أن مسألة توفير المياه للمزارع بصفة عامة من مسؤولية أصحابها، فيتعيَّن عليهم التأكد من وجود المياه اللازمة لمزارعهم قبل الإقدام على إنشائها.

 

وأما عن طلب المدعي تعويضَه عما نتج من صرف فائض محطة التنقية من أضرار، فإنه ولما كانت المحطة المذكورة تابعة لمصلحة المياه والصرف الصحي بمنطقة الرياض، فإن دعوى المدعي في هذا الشأن تكون مقامة على غير ذي صفة مما يتعين معه عدم قَبولِها.

 

ومن حيث إن الترخيص الذي تُصدِرُه وزارة الزراعة والمياه لإنشاء المشاريع الزراعية، لا يُلقِي على الوزارةِ عبءَ ضمان نجاحِ هذه المشاريع، أو تحقيقها لنسبة معيَّنة من الأرباح، وإنما الغاية منه تنظيمُ عملية إنشاءِ هذه المشاريع، وأما مسألة نجاحها من عدمه، فهو أمر منوط بأصحابها ولا عَلاقة للوزارة به، وعلى ذلك فإن طلب المدعِي أن تقوم الوزارة باستلام المزرعة وتعويضه عن قيمتها لا يمكن تحقيقه؛ لأنه لا يقوم على سند صحيح.

 

لذلك فقد قرَّرتِ الدائرة: رفضَ دعوى المدعِي ضد وزارة الزراعة والمياه؛ لعدم قيامه على سند صحيح.

 

القضية الثالثة:

دعوى معارضة عددٍ من أهالي بلدة... ضد بلدية بلدِهم على توزيع مخطط سكني، لتبقى مرعى لدوابِّهم ومصدرًا لمياه شربهم وسُقْيا لدوابِّهم، والصادر فيها الحكم رقم 95/11 في 24/3/1421هـ من المحكمة الكبرى بالرياض، المؤيَّد من محكمة التمييز بالرياض بالقرار رقم 604/ق/1/أ في 10/8/1421هـ، ومن مجلس القضاء الأعلى بهيئة الدائمة برقم 604/ق/1/1/في 10/8/1421هـ.

 

الوقائع:

تتلخَّص وقائع هذه الدعوى بادِّعاء عددٍ من أهالي بلدة... ضد بلدية بلدهم، بأنها اعتَدَت على موقع معيَّن من البلدة - حدوده - وتعزم على توزيعه سكنًا، وهذا يمنعهم من الاستفادة منه، يلحق بهم ضررًا في مراعيهم، ومياه شربهم وسقي مزارعِهم، وأنهوا دعواهم بمطالبتهم كفَّ البلدية عن التصرف في هذه الأراضي.

 

الأسباب والحكم:

لقد فصل القاضي في هذه الدعوى بحكم مبيَّن الأسباب، جاء فيها:

ولما تقدَّم من الدعوى والإجابة، وبتأمل ما دون فيها، ولاختصاص أهالي... بالأرض مدارِ النزاع كما يظهر من شهادة الشهود، ومن الصك الصادر عام 1368هـ، المؤيَّد من ولي الأمر، ولِما احتجَّ به المُدَّعُون من الضرر كما في شهادة الشهود، ومحضر لجنة أضرار السيول، وتقرير مديرية الزراعة، وأهل الخبرة، مما يؤيِّد دعوى المدَّعِين، بخاصة ما يتعلق بالمياه، وكون الموقع المتنازع عليه امتدادًا للوادي وأسفل السد، ولأن هذا الموقع مخصَّص من قِبَل وزارة الزراعة حسب خطابها رقم 3/2/42349 في 8/9/1421هـ ليكون حقلاً للآبار السطحية لتغذية مشاريع المياه بالبلدة وما يتبعها، ولأن توزيع المخطَّط سوف يقتصر على أناسٍ معيَّنين مهما بلغت مساحتُه، وحقُّ الانتفاع بالمياه ونحوها حقٌّ عامٌّ لجميع الأهالي، والمصلحة العامة مقدَّمة على المصلحة الخاصة، ولقوله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا ضرر ولا ضرار))، ونظرًا لأن درء المفاسد مقدَّم على جلب المصالح، لا سيما وقد جاء في قرار الخبرة وجود أماكن للسكن أفضل من المكان المتنازع عليه، علاوة أن الخدمات لم تتوفَّر فيه حتى الآن.

 

لذلك كله؛ فقد أفهمت البلدية برفع يدِها عن الموقع مدار النزاع وإبقائِه على ما كان عليه من اختصاص أهل... (البلدة) بمنافعه مرفقًا عامًّا للمرعى والاحتطاب والسقيا ونحو ذلك، وبذلك حكمت.

 

القضية الرابعة:

دعوى مقامة من بعض أعيان قبائل... ببلدة.. ضد/ المجمع القروي... حول تظلُّمهم من تخصيص مرمى النفايات في أعلى الوادي الذي يصبُّ في بئر العادية، الصادر فيها الحكم رقم 6/د/ف/35 لعام 1415هـ في القضية رقم 106/1/ق لعام 1415هـ من ديوان المظالم بالرياض.

 

الوقائع:

تتلخَّص وقائع هذه القضية في أن عددًا من الأشخاص أقاموا دعواهم نيابةً عن قبائل... سكان.. بطلبِ إلغاء قرار المجمع القروي... بتعيين مكان مرمى القمائم فوق البئر الوحيدة للشرب لسكان البلدة والمسماة "العادية"، لِما يُسبِّبُه ذلك من ضرر لهم، وقد سبق أن صدر خطاب إمارة منطقة... بتخصيص مرمى لكل قرية في الأرض المجاورة لها، إلا أن المجمع اختار هذا الموقع كمرمى عامٍّ لبلدة... مع ما يسببه هذا الاختيار من أضرار بأهالي المنطقة؛ لتعرضهم للأمراض الوبائية بسبب شرب الماء التي تلوِّثها النفايات.

 

الأسباب والحكم:

لقد فصلتِ الدائرةُ المختصة في ديوان المظالم في القضية بحكم مبيَّن الأسباب، جاء فيها:

بناءً على ما تقدَّم من الدعوى والإجابة، يتبيَّن أن المدعي يطعن في القرار المتضمن جعل مرمى قمامة ونفايات القرى التابعة للمجمع القروي... أعلى الوادي الذي يصب في البئر المسماة العادية؛ لما يسببه من أضرار.

 

وحيث تضمَّن خطاب فضيلة قاضي... رقم 1236، وتاريخ 25/5/1415هـ، المبني على استخلاف الدائرة له - حيث شخص إلى الموقع ومعه عضوَا هيئةِ النظر بالمحكمة (أهل الخبرة) ورئيسُ المجمع والمدَّعِي - أنه قد ظهر جليًّا تضرُّر البئر من وجود المرمى في رأس الوادي الذي يمر بها، والمسافة بينهما قريبة، وأن تضرر السكان المجاورين محتمل.

 

وبما أن مؤدَّى ما تقدَّم أن قرار تحديد موقع مرمى النفايات التابع للمجمع القروي... في الموقع محل النزاع، وإن كان هدفه التخلص من نفايات القرى المجاورة جميعها، حماية للصحة العامة، إلا أنه في ذات الوقت يُلحِق ضررًا جسيمًا بأعدادٍ غير محددة من الأفراد، بتسبُّبه في تلويث البئر التي تُسقَى منها عدد كبير من أصحاب سيارات نقل الماء إلى الأماكن المجاورة، وحرمانهم من مائها وإفسادها عليهم، وكذلك حرمان الأهالي من سُقْيا بهائمهم من الحوض المجاور لها، فإنه بالتالي يكون قرارًا غير سليم مستوجبَ الإلغاء؛ لأن سند مشروعية مثل هذا القرار هو استهداف المصلحة العامة، والمصلحة العامة تتأذى من تحقيق صالح البعض على حساب البعض الآخر، خاصة إذا تساوت الحقوق في أهميتها واعتبارها، إذ إن الضررَ الثابت واقع على مصدر المياه للكثير من أهالي المنطقة، والضرر يزال حسبما هو مقرر شرعًا.

 

ولا ينال من ذلك ما دفعت به المُدعَى عليها من أن اللجان انتهت إلى عدم تضرر البئر من الموقع؛ إذ إن معاينة فضيلة قاضي... ومعه أهل الخبرة أثبتَت تضرُّر البئر من المرمي، وهو ما يتعيَّن الاعتداد به؛ لصدروه من جهة قضائية محايدة، وبحضور ممثِّل عن الجهة المدعَى عليها، كما لا وجه للقول بأن أي موقع آخر سيَنشَأُ عنه ضررٌ بوجه أو بآخر؛ لأن الأضرار تتفاوت، وعلى الجهة صاحبةِ القرار مراعاةُ مهمَّتِها الأساس في المحافظة على صحة المواطنين، وتأمين حقهم في الحصول على مقومات الحياة في أمان، وتجنُّب ما يلحق الضرر بهم، تطبيقًا للقاعدة الشرعية: (لا ضرر ولا ضرار).

 

فلهذه الأسباب:

حكمتِ الدائرةُ: بإلغاء القرار المتضمِّن تحديدَ موقع مرمى نفايات... في الموقع الحالي أعلى الوادي الذي يمر بها ويصب في البئر المسماة العادية.

 

القضية الخامسة:

دعوى مقامة من عدد من سكان حي... من مدينة... ضد صاحب مشروع دواجن، الصادر فيها الحكم رقم 14 في 15/1/1418هـ من محكمة الطائف، والمؤيَّد من محكمة التمييز بمكة المكرمة برقم 1869/1/1 في 4/12/1418هـ، ومن الهيئة الدائمة بمجلس القضاء الأعلى برقم 330/3 في 24/5/1419هـ.

 

الوقائع:

تتلخَّص وقائع الدعوى بادِّعاء المدَّعِين بأن المدعَى عليه - منذ أعوامٍ - قد أقام مزرعةَ دواجن في حيِّهم الذي يسكنونه، وهي الآن منطقةٌ محاطة من الجهات الأربع بمساجد ومساكن وآهلة بالسكان، وفيها مدارس بنين وبنات، وأخذ في توسعةِ حظائر الدجاج في المزرعة المذكورة؛ مما زاد الضرر على عموم سكَّان الحي من روائح الدجاج الكريهة ومخلَّفاته، وهذا سببٌ لانتشار الحشرات والأمراض الوبائية من حساسية وغيرها؛ مما يُؤدِّي إلى ما لا تُحمَد عقباه، كما هو مُثبَت صحيًّا بسبب هذه المزرعة، والمبيدات الحشرية المستخدمة فيها، وأنهوا دعواهم بمطالبتهم الحكم على المدَّعَى عليه بإيقاف مزرعته المذكورة وإزالتها.

 

وكان مما دفع به المدعَى عليه ما حاصله: أن مشروعه سابق لإعمار الحي، وأنه ملتزم بعدم الإضرار بهم بإزالة الروائح.

 

الأسباب والحكم:

لقد فصل القاضي في القضيةِ بحكم مبيَّن الأسباب، جاء فيها:

ولقوله - عليه الصلاة والسلام -: ((لا ضرر ولا ضرار))، ولِما قرَّره الفقهاء أنه يتحمل الضرر الخاص لدفع ضرر عام، ولما قرَّره الفقهاء أيضًا أن الضرر يزال، وأن الضرر لا يكون قديمًا؛ ولأن تصرف الفرد المأذون له فيه شرعًا مما يجلب له مصلحة أو يدفع مفسدة إذا لزم عن تصرُّفِه المشروع في الأصل ضرر عامٌّ يلحَقُ بالمسلمين عامة، أو قطرٍ من أقطارهم، أو بلدة، أو جماعة عظيمة منهم، ويغلب على الظن وقوعُه، فعند ذلك يمنع الفرد من التصرُّف، وعليه أن يتحمَّل ضررَه الخاصَّ؛ دفعًا للضرر العام (الموافقات للشاطبي 2/205)؛ ولأن المدعى عليه يتصرَّف في ملكه بما يضرُّ جيرانه، إذ المزرعةُ محلُ الدعوى قد أصبحت في وسط المدينة، وأحاطت بها الأحياء السكنية من كل الجهات، ومحلُّ تربية الدواجن بهذه الكثرة الضواحي البعيدةُ عن مساكن المسلمين ومدارسِهم، رُوِي عن الإمام أحمد - رحمه الله - أنه قال: "كل ما كان على هذه الجهة، وفيه ضرر، يمنع من ذلك، فإن أجاب وإلا أجبره السلطان"؛ (جامع العلوم والحكم ص267)؛ ولأن ما ذكره المدعى عليه من نصوصٍ فقهية على أن الضرر السابق للجارِ لا تلزم إزالته؛ لأن الطارئ عليه هو الذي أدخل الضرر على نفسه، لا ينطبق على هذه الحال، وإنما هي في مسألة الجار الفرد، يؤيِّد ذلك ما ساقه من أمثلةٍ، أما إذا كان الضررُ يتعلَّق بجمعٍ كبير من المسلمين، فإن الأمر يختلف، ولما جاء في محضر لجنة وزارة الشؤون البلدية والقروية المرفق في 12/2/1413هـ، المتضمِّن أن اللجنةَ توصَّلت إلى وجود أضرار ثابتة على السكان المجاورين، وأن الأمر يستدعي إيقافَها، وحتى لا تترتَّب أضرارٌ على صاحبِ المشروع، فقد وضعتِ اللجنةُ برنامجًا زمنيًّا لإيقاف المزرعة ينتهي بنهاية عام 1417هـ؛ ولأن اللجنة الفنية توصَّلت إلى أن التقنيةِ التي ذكرها المدعى عليه لا تُزِيلُ الأضرار على السكان نهائيًّا، ولما جاء في قرار الخبرة، ولما جاء في خطاب رئيس عام مصلحة الأرصاد وحماية البيئة المؤرخ في 22/11/1416هـ، المتضمنِ أنه قد تبيَّن أن لهذه المزرعة أضرارًا على القاطنين في الحي؛ لكونها تقع وسط المنطقة، وتوصي بإزالة جميع هذه الحظائر ومخالفاتها؛ ولأن الأنظمة في التصاريح لمثل هذه المزرعة لا تزيد عن عشر سنوات، ومزرعة المدعى عليه من عام 1386هـ؛ مما يدل على عدم موافقة الجهات الرسمية لتجديد التصريح مرة أخرى؛ لوصول العمران إليها، ولما جاء في شهادة البيئة المعدَّلة التي بلغت حد التواتر من وجود ضرر من المزرعة المذكورة على السكان، ولما ثبت من مطالبة المدَّعِين بإزالة هذه المزرعة منذ مدة طويلة - جاء في شهادة بعض الشهود أنها سبعة عشر أو ستة عشر عامًا تقريبًا - ولأن رفض المدعى عليه ما عرضته عليه اللجنة الوزارية من إمكانية تعويضِه بموقع آخرَ جديد، يدل على تعسُّفه في استعمال الحق، وقد جاءت الشريعة الإسلامية بنفي ذلك.

 

لذلك كله؛ فقد حكمت على المدعَى عليه بنقل جميع حظائر الدواجن المذكورة في الدعوى من المزرعة المذكورة.

 

القضية السادسة:

دعوى مقامة من المدعي ضد وزارة الزراعة والمياه، الصادر فيها الحكم رقم 42/د/1/5، لعام 1417هـ يوم الأحد 27/12/1417هـ، من ديوان المظالم بالرياض في القضية رقم 362/1/ق لعام 1417هـ.

 

الوقائع:

تتلخَّص وقائع هذه الدعوى بادِّعاء المدعي أنه بناءً على التصريح الصادر عن وزارة الزراعة والمياه برقم 1904 في 28/8/1395هـ، فقد أنشأ مزرعة للدواجن على الأرض المملوكة له قرب بلدة... في منطقة...، والمبيَّن حدُّها ومساحتها بموجب صك التمليك الصادر عن كتابة عدل...، إلا أنه فوجئ بقرار صادر عن وزارة الزراعة والمياه، يتضمَّن الأمر بإغلاق مزرعته المشار إليها بدون مسوِّغ شرعي، وأنهى المدعي مطالبته الحكمَ بإلغاء قرار وزارة الزراعة والمياه المشار إليه.

 

الأسباب والحكم:

لقد فصلتِ الدائرةُ المختصة في القضية بحكم مبيَّن الأسباب، جاء فيها:

وبما أن الثابت من الأوراق أن اللجان المشكلة من قِبَل الجهات المختصَّة للنظر في شكاوى أهالي... قد انتهت إلى صحَّة شكوى الأهالي من الروائح التي تنتجُ من حظائر الدواجن التابعة للمدعِي، وأوصت تلك اللجان بإزالة تلك الحظائر بما يتَّفِقُ مع الفقرة الثالثة من الشروط الفنية لمشاريع الدواجن الصادرة من شعبة الإنتاج الحيواني والدواجن المبلغة بتعميم وزارة الزراعة رقم 352/3/ص في 1404هـ، والمتضمِّنة وجوبَ تقديم خطاب من إدارة تخطيطِ المدن أو البلدية، يوضح فيه بأن الموقع المقترح لإقامة المشروع خارج نطاق المدينة والتوسع المستقبلي لفترة لا تقل عن عشر سنوات.

 

كما أنه بالاطِّلاع على مخطَّط قطع الأراضي السكنية المحيط بحظائر الدواجن - محل الدعوى - يتَّضحُ منه أن أهالي المتضرِّرين قد أقاموا مساكنهم بناءً على مخطَّط سكني معتمَدٍ من قِبَل الجهات المختصة، كما أن بعض هذه الحظائر متداخلةٌ مع القطع السكنية، وبعضها لا يفصلُه عنها سوى شارعٍ عرضُه 20م.

 

وبما أن الوزارة - المدعَى عليها - قد أصدرت قرارَها محلَّ الطعنِ بناءً على ما قرَّرته اللجان المشار إليها، والتي تُثبِتُ وجودَ أضرار تلحَقُ بالسكَّان المجاورين للحظائر من جرَّاء انبعاث الروائح الكريهة من تلك الحظائر.

 

وبما أن القاعدة الفقهية تنصُّ على أن "الضرر يُزال"، كما نص الفقهاء على جواز إزالة الضرر الأشد بالضرر الأخف، وعلى لزوم دفع الضرر العامِّ بالضرر الخاص، وأن المصلحة العامَّة مقدَّمة على المصلحة الخاصة؛ ذلك لأن الضرر الخاص لا يكون في حجم الضرر العام، سواء من حيث عدد المتضررين أو في جسامة الضرر، ومن هذا الباب أيضًا القاعدة الفقهية التي تنص على أن "درء المفاسد أولى من جلب المصالح"؛ ولذا فإنها إذا تعارَض مفسدةٌ ومصلحة، قُدِّم دفعُ المفسدة غالبًا، وهذا كله يأتي انسجامًا مع مقاصد الشريعة الإسلامية التي تدور حول درء المفاسد وجلب المصالح، ولا شك في أن ما يلحَقُ الأهاليَ من ضررٍ عامٍّ يتعلَّق بالصحة العامة للمواطنين، لا يُقارَنُ بما قد يحصُلُ للمدعِي من ضرر يتمثَّل فيما يفوته من ربح، نتيجةً لإغلاق تلك الحظائر، لا سيما إذا ما أخذنا بعينِ الاعتبار أن المدعي قد استغلَّ المشروع مدَّة تزيد عن عشرين عامًا، كما أنه سوف يستفيد من ارتفاع قيمة أرض المشروع لدخولِها في النطاق العمراني، بالإضافة إلى أن الوزارة راعت حال المدعي حين قرَّرت إغلاق الحظائر؛ بحيث جعلت ذلك على مراحل زمنية متفاوتة، وليس دفعة واحدة مراعاةً لرفع الضرر عنه؛ ولذا فإن قرار الوزارة - المدعَى عليها - بإلزام المدعي بإغلاق حظائر الدواجن - محلِّ الدعوى - يكون قد صدر موافقًا للقواعد الشرعية والنظم المرعية، مما يتعيَّن معه القضاء برفض طلب المدعي إلغاءَ القرار المطعون فيه؛ لعدم قيام هذا الطلب على أساس سليم.

 

ولا ينال من ذلك ما ذكره المدعي من أنه هو الأسبق في إقامة مشروعه، وأن الأهالي هم الذين نزلوا عليه وجاوروه باختيارهم؛ لأنه كما أن المدعي قد أقام مشروعه بموجب ترخيص صادر من الجهة المختصة، فإن الأهالي كذلك أقاموا مساكنهم بموجب مخطَّط معتمَدٍ من قِبَل جهة الاختصاص، كما أن هذه التراخيص بطبيعتها لا تعطي أصحابَها الحق المطلق في الاستمرار في مزاولة نشاطهم دون قيد أو شرط، بل الاستمرار في النشاط مرتبطٌ بالظروف المحيطة، وما تؤول إليه من حيث مناسبة الاستمرار في النشاط أو عدمه لتغيُّر الظروف؛ ولذا فقد نصت الفقرة (3) من الشروط الفنية لمشاريع الدواجن - المشار إليها - على أنه يجب أن يكون موقع المشروع خارج نطاق المدينة والتوسُّع المستقبلي لفترة لا تقل عن عشر سنوات، وهذا يؤيِّد حقَّ الوزارة في إعادة النظر في التراخيص الممنوحة كلما دعت الحاجة لذلك، بسبب تغير الظروف المحيطة، أو استجدَّ في الأمر ما يستدعي العدول عن الاستمرار في منح تلك التراخيص، كما أنه لا حجَّة فيما أورده المدعِي من استشهادات فقهيةٍ في مذكِّرته؛ لأن تلك الاستشهادات قد وردت في غير موضعها ولم تصادف محلها؛ لأن ما ذكره متعلِّق في حال كون الضرر خاصًّا وليس عامًّا، وفي حال تساوي حجمِ الضرر، أما في حال كون الضرر عامًّا، أو اختلاف حكم الضرر، فقد أشارت الدائرةُ إلى حكمِه فيما تقدم.

 

لكل ما تقدم حكمتِ الدائرة... بديوان المظالم برفض دعوى المدعي المقامة ضد وزارة الزراعة والمياه.

 

القضية السابعة:

دعوى بين شخصينِ، يُطالِب فيها المدعي بإلزام المدعَى عليه بنقل (حوش) أغنامه إلى موضعٍ بعيد عن دار المراعي، والصادر فيها الحكم رقم 12/1 في 5/2/1421هـ من محكمة حوطة سدير، والمؤيَّد من محكمة التمييز بالرياض برقم 917 في 3/3/1421هـ.

 

الوقائع:

تتلخَّص وقائع الدعوى بادِّعاء المدَّعِي بأن المدعَى عليه قد اتَّخذ بجوار دارِه بما لا يزيد عن خمسة أمتار حوشًا لأغنامه، وأن هذه الأغنام سبَّبت ضررًا عليه من جهة رائحة رَوْثِها وسمادِها، وما تُطيره من الغبار في غدوِّها ورواحها، كما سببت تكاثر الحشرات من ذباب وغيره من بعضِها إلى بيت المدعي، كما كانت هذه الأغنام سببًا في إثارة حساسية الربو لبعض أفراد العائلة، وأنهى المدعي دعواه بمطالبته إبعادَ الأغنام عن داره بما يزيل ضررها.

 

الأسباب والحكم:

لقد فصل القاضي في القضية بحكم مبيَّن الأسباب، جاء فيها:

ولثبوت ضرر هذه الأغنام على المدعي حسب إفادة البلدية؛ لِما في ذلك من روائح وغبار ناتج عن هذه الأغنام، ولأن هذا الوضع مخالفٌ للأنظمة وتعليمات صحة البيئة، وأيَّد ذلك قرارُ الخبرة بمحكمة المجمعة.

 

وقرَّر القاضي حكمه بقوله: لذا فقد حكم بإلزام المدعَى عليه بإبعاد ونقل أغنامه وأحواشه إلى مكان آخر بعيد عن موقعه الحالي؛ بحيث يزول الضرر، وبهذا انتهت الدعوى.

 

القضية الثامنة:

دعوى بين شخصين يطالِبُ فيها المدعي منعَ المدعَى عليه من استعمال المبنى المجاور له مطبخًا، والصادر فيها الحكم رق 1197/4ب، في 7/8/1409هـ من محكمة المبرز، والمؤيَّد من محكمة التمييز بالرياض برقم 704/1/أ في 16/11/1409هـ.

 

الوقائع:

تتلخَّص وقائعُ الدعوى بادِّعاء المدعِي بأن المدعَى عليه قد أستأجر الدارَ المجاورة له ليتَّخِذها مطبخًا، وسوف يُسكِنُ فيها عمَّال المطبخ، ويترتب على اتخاذها مطبخًا ضرر من روائح المطبخ، وبقايا الذبائح، وضرر من سكن العمال وهم عزاب، والإزعاج المرتقَّب من الزبائن، وإمكانية حصول حريق وامتداده إلى منزل المدعي، وأنهى المدعي دعواه بمطالبته منع المدعَى عليه من إقامة المطبخ وعدم الانتفاع بالدار إلا للسكن.

 

الأسباب والحكم:

وقد فصل القاضي في القضية بحكم مبيَّن الأسباب، جاء فيها:

وبما أن أهل الخبرة قرَّروا بأنه ثَمَّ ضررٌ على المجاورين من جهةِ روائح الذبح وسكن العزَّاب، وبما أن المدعَى عليه تعهَّد بعدم الذبح في المطبخ، وأن يكون الذبح في المسلخ الخاص بالبلدية، كما تعهَّد بعدم إسكان أحدٍ من عمَّال المطبخ في المنزل موضع الدعوى، وأن يكون تصريفُ الروائح المنبعثة من المطبخ إلى الصرف الصحي، وبما أنه قد صدر الترخيص النظامي من البلدية.

 

لذا فقد أفهمت المدعِي بأنه لا سبيل له على المدعَى عليه في منعه من استخدام المحل المتنازع فيه مطبخًا، وأفهمت المدعَى عليه بأنه يلزَمُه ما التزم به من عدم إسكان عمَّال المطبخ فيه، والذبح في مسلخ البلدية، وتصريف الروائح إلى الصرف الصحي، وبذلك حكمت.

 

القضية التاسعة:

دعوى مقامة من عدد من الأشخاص ضد صاحب مشروع أبقار لإنتاج الألبان، بطلبِ منعِه من إنشاء هذا المشروع، والصادر فيها الحكم رقم 10/5/3 في 18/3/1422هـ من محكمة الدلم، والمؤيَّد من محكمة التمييز بالرياض برقم 296/ق/4/أ في 7/5/1422هـ.

 

الوقائع:

تتلخَّص وقائع هذه الدعوى بادِّعاء عددٍ من الأشخاص من سكان بلدة... ضد صاحب مشروع أبقار للألبان، بأن المذكور يعزِمُ على إنشاء المشروع المذكور قرب بلدتهم؛ إذ لا يبعُدُ المشروع عن آخر حي فيها سوى أربعة أكيال واثني عشر مترًا.

 

وهذه الحيوانات يحصل منها مخلَّفات تنبعث منها روائح كريهة، فتضر بالسكان من الناحية الصحية، ويؤثِّر ذلك على رغبة الناس في السكن بالبلد، وأنهى المُدَّعون دعواهم بمطالبتِهم الحكم بمنع المدعَى عليه من إقامة هذا المشروع.

 

الأسباب والحكم:

لقد أنهى القاضي القضية بحكم مبيَّن الأسباب، جاء فيها:

فبناءً على ما تقدَّم من الدعوى والإجابة؛ ولأن الدعوى في الضرر المحتمل وقوعُه في المستقبل دعوى مسموعةٌ، وبناءً على قرارِ الخبرة من ذوي الاختصاص المتضمِّن عدم وجود ضررٍ واضح يمنعُ إقامة المشروع من النواحي البيئية، على أن تراعَى الاشتراطات الصحية والبيئية للتخلص من المخلفات، وأنه إذا استمر المشروع في الصيانة والنظافة وبنفس المعدلات - أي: الطاقة الاستيعابية - فإنه عديم الضرر بإذن الله، وبما أن القرار الثاني تضمَّن أن الاشتراطات الصحية تتركز في التخلص من مخلفات الحيوانات أولاً بأول، وإزالة مخلفات غسيل المحلب بصورة دورية، وأن يكون ذلك بإشراف وزارة الزراعة والمياه، وبما أن المشروع أقيم بناءً على موافقة الجهات المختصة وَفْق الأنظمة المتبعة، وبما أن المدعَى عليه قد حصر المشروع في الجهة الجنوبية الشرقية من مزرعته بالأطوال المنوَّه عنها، وذلك أبعد موقع عن سكان البلدة، وبما أن أهل الخبرة قرَّروا عدم وجود ضرر ظاهر في حال إقامة المشروع، وبما أن الأصل جوازُ تصرف المرء في ماله التصرف الشرعي ما لم يُلحِقْ ضررًا بالآخرين، وبما أنه يغلب على الظن عدم حدوث ضرر للأسباب المنوَّه عنها، وبما أن في منع المدعَى عليه من إقامة المشروع ضررًا عليه وحبسه من التصرف في ماله.

 

لذلك كله؛ فقد صرفت النظر عن دعوى المدعين - أي: رد الدعوى - وأفهمت المدعَى عليه أنه في حال إقامة المشروع، فعليه التقيد بالموقع، والطاقة الاستيعابية، والتخلص من المخلفات أولاً بأول، وإزالة غسيل المحلب بصورة دورية، وتطبيق جميع الاشتراطات الصحية، تحت إشراف وزارة الزراعة والمياه، وبذلك حكمت.

 

القضية العاشرة:

دعوى جزائية، مقامة من المدعي العام ضد شخصين؛ لقيامهما بإضرام النار في حشائش وأشجار طبيعية، والصادر فيها الحكم رقم 319/2 في 23/12/1421هـ من المحكمة المستعجلة (الجزئية) بالدمام.

 

الوقائع:

تتلخَّص وقائع هذه الدعوى بادِّعاء المدعي العام ضد غلامينِ حَدَثينِ؛ لقيامهما بإضرام النار في حشائشِ وأشجار بموقع بمحافظة... وأن أحدهما وهو... قد أضرم النار، وذكر أن ذلك لأجل صنع الشاي، وأن النار انتشرت بسبب الرياح، والثاني... كان معه ولم يُخبِرا الجهات الأمنية عن الحريق، وطلب المدعي العام إثبات ما أسند إليهما، والحكم عليهما بعقوبة تزجُرُهما وتردَعُ غيرَهما.

 

الأسباب والحكم:

لقد فصل القاضي في القضية بحكم مبيَّن الأسباب، جاء فيها:

وبما أن المدعَى عليهما قد اعترفا بما جاء في دعوى المدعي العامِّ جملة وتفصيلاً، وبما أنه لم يظهر قصدهما إضرام هذا الحريق، وبما أن مَن باشر هذا الحريق... وهو صغير السن إذ عمره آنذاك حوالي عشر سنوات وستة أشهر، إلا أنه يستحق التعزير لِما بدر منه؛ نظرًا لضخامة الحريق.

 

لذا؛ فقد حكمت عليه تعزيرًا بأن يسجن سبعةَ أيام، كما حكمت على المدعَى عليه الآخر... بأن يسجن عشرة أيام، وتُحسَبُ المدَّة التي مضت في الإيقاف منها، وبعد ذلك يؤخذ عليهما التعهُّد بعدم العودة لمثل ما حصل.

 

الأحكام الفقهية المقرَّرة في القضايا سالفة الذكر:

وأسوق هنا الأحكام البيئية الكلية المقرَّرة في القضايا التي عرضتها، وهي:

1- صاحب الصفة في الدعوى البيئية:

صاحب الصفة في الدعوى البيئية إذا كانت تتعلَّق بحق خاص، فإن صاحبها هو الذي يرفعها، وإذا تعلقت بحق عام، وجب على وليِّ الأمر أو نوَّابه إقامتُها، وإذا تعذر، فإنَّ لآحاد الناس إقامتها، فقد ذكر الفقهاء بأنه: لو مال البناء إلى الطريق العام فيطالب بإزالته الإمام ومَن يقوم مقامه، وكذا لكلِ واحد من الرعية مسلمًا أو ذميًّا المطالبة بذلك، وذلك ينطبقُ على قضايا البيئة، وقد مرَّ بنا في التطبيقات القضائية السالفة، كيف أن القضاء سمِع دعوى رجال بعض قبائل... الذين خاصموا البلدية بمنعها من اتِّخاذ مرمى للقمامة بالقرب من البئر التي يشربون منها، واستمرت الدعوى حتى الحكم فيها، كما مر معنا سماع دعوى بعض أهالي إحدى البلدان لمنع البلدية من تخطيط ومنح أرض تعود للعموم بالمصلحة، يشربون منها ويرعون بهائمهم، وكذا مخاصمة عدد من أهل بلدة أخرى بالمطالبة بإزالة مشروع الدواجن، وأخرى لمشروع الأبقار، ومثل هذه الدعاوى تعرف في الشريعة الإسلامية بدعوى الحسبة، وأصلها مشروعية دفاع آحاد الناس عن حق العموم، بواسطة القضاء، وهو من قِبَل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتسمَّى مثل هذه الدعوى دعوى الحسبة.

 

2- مرور خطوط الضغط العالي للكهرباء على الأرض السكنية يوجب التعويض على واضعها لصاحب الأرض أو إزالتها؛ لأنها أصبحت لا تصلح للسكن لضررها ببدن الإنسان:

هذا الحكم البيئي مقرَّر في القضية الأولى في حكم على الشركة السعودية للكهرباء التي أمرَّتْ خطوط الضغط العالي على أرض سكنية بمكة المكرمة؛ كما في الحكم الذي مر في القضية الأولى.

 

وأصل ذلك عند الفقهاء: أن مَن أدخل النقصَ على ملك غيره لاستصلاح ملكه من غير تعدٍّ ولا تفريط من الغير، فعليه ضمان ما نقص من ملك الغير، ولو لم يحصل من الضامن تعدٍّ أو تفريط، وهذا الأصل يعود إلى قاعدة أعم منه، وهي: "الغُرْم بالغُنْم"، ومعناها: أن الخسارة التي تحصل من الشيء تكون على مَن يستفيد منه شرعًا.

 

3- وجوب الإبقاء على مخزون المياه الجوفية لأغراض الشرب وعدم استنزافه للأغراض الأخرى من زراعة ونحوها، وكذا المحافظة عليها من التلوث:

هذا الحكم البيئي مقرَّر في القضية الثانية، والتي قضى فيها ديوان المظالم بردِّ دعوى المدعي في مطالبته وزارة الزراعة والمياه بالترخيص له في حفرِ آبارٍ عميقة في مزرعته؛ لأن ذلك يضرُّ بالمخزون الجوفي للمياه، ويُعرِّضه للتلوث.

 

4- وجوب المحافظة على مواقع مياه الشرب التي تحتاجها البلدة وحماها لذلك، ومنع تخطيط ومنح الأراضي التي يضرُّ توزيعُها بمصادر المياه والمراعي:

هذا الحكم البيئي مقرَّر في القضية الثالثة في الدعوى المسموعة من عدد من أهالي إحدى البلدان ضد بلدية بلدهم، والذي انتهت فيه المحكمة برفع يدِ البلدية عن هذه الأرض، لتبقى مرفقًا لهم بالرعي والسُّقْيا، وقد بنى القاضي حكمَه على القواعد الشرعية بمنع الضرر؛ كما في حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((لا ضررَ ولا ضرار))، والقاعدة الشرعية المقررة بأن: "درء المفاسد مقدَّم على جلب المصالح"، وهي تعني تفويتَ مصلحة أناس معينين ليتحقَّق درءُ مفاسد عن العموم، وبالقاعدة الشرعية: "المصلحة العامَّة مقدَّمة على المصلحة الخاصَّة"، والتي صاغها الفقهاء بقولهم: "يُتحمَّل الضرر الخاص لدفع ضرر عام".

 

5- وجوب الامتناع عن إلقاء القمامة بالقرب من مصادر مياه الشرب؛ حتى لا تلوثها:

وهذا الحكم البيئي مقرَّر في القضية الرابعة في الدعوى المسموعة من بعض قبائل... ضد المجمع القروي، كما في القضية الرابعة، والتي انتهت بالحكم من قِبَل ديوان المظالم بإلغاء قرارِ المجمع القروي باتخاذ موقع قربِ البئر لتكون مرمى للنفاية؛ حمايةً لمياه الشرب من التلوُّث الذي يعودُ بالضرر على عموم الناس.

 

6- منع مزارع الدواجن في الأحياء السكنية، ووجوب إزالتها، ولو كانت سابقة للحي:

هذا الحكم البيئي مقرَّر في القضية الخامسة في حكم على مشروع للدواجن بمدينة... كان عند إنشائه بعيدًا عن السكن في المدينة، ثم امتدَّ عمران السكن إليه حتى صار هذا المشروع في هذا الحي الجديد، ويصدر منه ضررٌ على السكَّان، فألزمت المحكمةُ صاحبَ المشروع بنقله عن هذا الموضع الذي يضر بسكان الحي، وكان المدعَى عليه قد دفع بأنه سابقٌ للحي، وأن الطارئ على الضرر هو الذي يتحمَّل مغبَّة عمله، فردَّ القاضي على ذلك، وأسس حكمه على دعائم شرعية أصيلة سبقت مفصَّلة، وكان منها القاعدة الفقهية: "يُتحمَّل الضرر الخاص لدفع الضرر العام"، فصاحب المزرعة عليه ضررٌ خاصٌّ بنقلها إلى موضع آخر، وسكان الحي مجموعةٌ من الناس كثيرٌ عددُهم متضرِّرون من هذه المزرعة، فوجب مراعاة إزالة الضرر عنهم.

 

كما أن من دعائمِ حكم القاضي القاعدة الفقهية: "الضرر لا يكون قديمًا"، وهذه القاعدة تردُّ على ما دفع به المدعَى عليه من أنه أقدم في الحي من سكانه، فإن الإضرار بجماعة من الناس في مرافقهم العامة لا يمكن احترامه شرعًا بوجه من الوجوه ولو كان قديمًا، وحمل القاضي النصوص المقرِّرة لإهدار حق الطارئ على الضرر - على ضرر خاص يتعلق بفرد ومَن في حكمه، أما ضرر عام على عموم الناس، فلا يكون قديمًا، وعلى صاحبه إزالته.

 

ومثله الحكم الصادر من ديوان المظالم برفض طلب المدعي إلغاء القرار الإداري بإغلاق محل الدواجن؛ لأنه أصبح داخل السكن، كما في القضية السادسة.

 

7- وجود الأغنام بكثرة مجاورة لساكن ضررٌ بيئي تجب إزالته:

هذا الحكم البيئي مقرَّر في القضية السابعة في حكم على مَن جعل (حوش) أغنامه بالقرب من جاره، فحكمت المحكمةُ بإبعادِ ونقلِ الأغنام إلى مكانٍ آخر بعيدًا عن موقعه الحالي، بحيث يزول الضرر؛ لِما في ذلك من الضرر من روائح وغبار وناتج الأغنام، ومخالفته للأنظمة وصحة البيئة.

 

8- وجوب تصريف الروائح الناشئة عن المطابخ العامة لإزالة ضررها:

هذا الحكم البيئي مقرَّر في القضية الثامنة، بعدمِ تمكين المدعِي من إزالة المطبخ، ولكن على صاحب المطبخ تصريف الروائح بما يمنع ضررها؛ لأن في ذلك جمعًا بين حق الطرفين، بدفع الضرر عن المدعِي بتغيير مصدر الضرر بما يزيله، مع تمكين المدعَى عليه من الإفادة من العين المستأجرة.

 

9- إذا لم يضرَّ مشروعُ الأبقار بالمجاورين بالتزامه بالمواصفات البيئية، فلا يمنع:

هذا الحكم البيئي مقرَّر في القضية التاسعة، والتي رفعها بعض سكان بلد من البلدان ضد مشروع أبقار حول بلدهم بأربعة أكيال واثني عشر مترًا، وانتهى برد الدعوى؛ لأن المشروع لا ضرر به، وعليه الالتزام بالمواصفات والاشتراطات البيئية.

 

10- إضرام النار في الأشجار والحشائش العامة مخالفةٌ يستحقُّ فاعلُها التعزير:

التعزيرُ أصلٌ شرعي مُجمَعٌ عليه في كل جريمة لا حدَّ فيها، والأشجار والحشائش العامَّة تُعَدُّ ثروةً بيئية هامَّة تُساعِدُ على تنقيةِ الهواء وصد الغبار والأتربة، ومرعى للبهائم، ومتنَزَّهًا للناس، فإتلافُها بالإحراق جريمة؛ لأنه تفويت حق بيئي لعموم الناس، فلا يحصل منها من نفع؛ ولأن إحراقها تلويث للهواء بما ينتج عن الإحراق، وهو ضرر بيئي يجب منعه؛ ولذا كان إتلاف الأشجار والحشائش العامة جريمةً بيئية يُعاقَب عليها، وقد دعَّم القضاء السعودي هذا الاتجاه في حكم على غلامينِ قام أحدُهما بإضرام النارِ في حشائشَ وأشجارٍ عامَّة، وسكت الآخر عن الحريق، فلم يُبلِّغ بحصوله كما في القضية العاشرة.

 

11- إعمال قرار خبرة البيئة إذا لم يكن فيه طعن:

وهذه الفقرة تتعلَّق بأعمال قرار خبراءِ البيئة على اختلاف تخصصاتهم في الكهرباء، أو في مشاريع الأبقار، أو الدجاج، أو الأغنام، أو غير ذلك، وهو أمر معتدٌّ به شرعًا، وليس هذا محل بسطه.

 

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم


لتحميل المادة PDF إضغط هنا


[1] ورقة عمل لمؤتمر: "دور القضاء في تطوير القضاء البيئي في المنطقة العربية"، معهد الكويت للدراسات القضائية والقانونية، 26 - 28/10/2002م.

[2] رواه النسائي 8/230، وهو برقم 5397، 5398، والبيهقي في السنن الكبرى 10/115، قال عبدالقادر الأرناؤوط في تعليقه على جامع الأصول لابن الاثير 10/180: وإسناده حسن، مُعِين الحكَّام لابن عبدالرفيع 2/608، الروض المربع 7/524، إعلام الموقعين 1/110، القضاء في عهد عمر للطريفي 2/632، 1038.

[3] رواه الدارقطني في سننه 2/111، وهو برقم 4426، والبيهقي في السنن الكبرى 10/150، وصحَّحه الألباني في الإرواء 8/241، وهو قطعة من خطاب عمر الموجَّه إلى أبي موسى الأشعري، والذي رواه أبو المليح الهذلي؛ رواه ابن ماجه، والدارقطني، ومالك في الموطأ مرسلاً، وحسنه النووي في الأربعين، وقال: له طرق يقوي بعضها بعضًا، يقول مصطفى الزرقا في كتابة المدخل 2/990: "أما إضرار جماعة الناس وإزعاجهم في مرافقهم العامة، فإنه لا يمكن أن يستحق عليهم شرعًا بوجه من الوجوه"؛ الشرح الكبير 5/451، الإنصاف 6/233، قواعد ابن رجب (ق/78)؛ المدخل الفقهي للزرقا 2/1035.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الحاضن البيئي وانعكاسه على السلوك الثقافي للبشر
  • الإسلام وترسيخ القيم الحضارية البيئية
  • التوازن والاختلال البيئي.. مقاربة شرعية
  • المهارات الحياتية البيئية في الإسلام
  • التربية والتوعية البيئية : مطلب وطني!!

مختارات من الشبكة

  • جهود القضاء السعودي في إنماء الفقه البيئي دراسة تطبيقية من خلال عرض بعض القضايا البيئية (PDF)(كتاب - موقع الشيخ عبدالله بن محمد بن سعد آل خنين)
  • جهود الفقهاء في الإصلاح واستتباب الأمن في المجتمع(مقالة - آفاق الشريعة)
  • جهود الفقهاء في رعاية البيئة(مقالة - موقع أ. د. محمد جبر الألفي)
  • القضاء الجماعي والقضاء الفردي في النظام القضائي السعودي (PDF)(كتاب - موقع د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر)
  • جهود الدكتور عبدالملك مرتاض النقدية (1936م -2023م) (رحمه الله)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • جهود عمر بن الخطاب في الحضرة اللغوية (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الاستشراق والقرآن الكريم (تقويم جهود الترجمة)(مقالة - موقع د. علي بن إبراهيم النملة)
  • جهود أبي هريرة في خدمة القرآن الكريم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • جهود الشيخ عمر بن محمد فلاّته - رحمه الله - وآراؤه التربوية (دراسة وصفية)(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • جهود الدكتور شعبان صلاح النحوية والصرفية والعروضية(كتاب - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب