• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: عشر ذي الحجة فضائل وأعمال
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    علام يقتل أحدكم أخاه؟! خطورة العين وسبل الوقاية ...
    رمضان صالح العجرمي
  •  
    أحكام القذف - دراسة فقهية - (WORD)
    شهد بنت علي بن صالح الذييب
  •  
    إلهام الله لعباده بألفاظ الدعاء والتوبة
    خالد محمد شيت الحيالي
  •  
    الإسلام يدعو لحرية التملك
    الشيخ ندا أبو أحمد
  •  
    تفسير قوله تعالى: ﴿ قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في ...
    سعيد مصطفى دياب
  •  
    تخريج حديث: جاءني جبريل، فقال: يا محمد، إذا توضأت ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    قصة الرجل الذي أمر بنيه بإحراقه (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    الإيمان بالقدر خيره وشره
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    الأمثال الكامنة في القرآن
    قاسم عاشور
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (6)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: السميع
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    سفيه لم يجد مسافها
    محمد تبركان
  •  
    ليس من الضروري
    د. سعد الله المحمدي
  •  
    خطبة: إذا أحبك الله
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    هل الخلافة وسيلة أم غاية؟
    إبراهيم الدميجي
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / علوم قرآن
علامة باركود

التجديد عند المفسرين

د. محمد بن علي بن جميل المطري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 3/4/2014 ميلادي - 2/6/1435 هجري

الزيارات: 21131

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

التجديد عند المفسرين


الحمد لله الذي أنزل القرآن، وجعله تذكرة للمؤمنين في كل زمان ومكان، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولا تنقضي عجائبه، ولا تنتهي بركاته، ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه، أما بعدُ:

فالرحمن أنزل القرآن وعلَّمه لنتدبره ونتذكر به، ونعمل بأحكامه، ونصدِّق بأخباره؛ يقول الله سبحانه: ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [ص: 29]، وللتدبر أصول يسير عليها أهل التفسير قديمًا وحديثًا لا يجوز الخروج عنها، ومن خرج عنها فقد أخطأ؛ سواء كان من المتقدمين، أو من المتأخرين.

 

والطريقة السليمة في التفسير هي: أن يفسر القرآن بالقرآن وبالسنة الصحيحة، وبأقوال الصحابة والتابعين وباللغة العربية، بما يحتمله لفظ التنزيل، فمن فسر القرآن بأحد هذه الطرق فقد أحسن وأصاب، وإن كان من المتأخرين، وإن جاء بما لم يأت به من سبقه من المفسرين، ما دام أنه سار على ما ساروا عليه من التأمل والتدبر، والنظر والاعتبار بإحدى الطرق السليمة في التفسير، ولم يخالف النقل الصحيح ولا العقل الصريح.

 

والتفسير نوعان: تفسير بالمأثور، وتفسير بالمعقول، والأول هو الأصل وهو المعول عليه، والثاني يُقبل منه ما كان على منهج السلف مما يوافق قواعد اللغة العربية، ولا يخالف القرآن ولا السنة الصحيحة؛ ولهذا فإن تفسير القرآن بالرأي منه ما هو مقبول ومنه ما هو مردود، فما كان موافقًا لمنهج السلف فهو المقبول، وإن لم يُرو عنهم، وإن كان مخالفًا لمنهجهم، فهو مردود وإن كان مرويًّا عن بعضهم.

 

ولقد يسر الرحمن القرآن للذكر، فمن أقبل عليه فتح الله عليه، والناظر في كتب المفسرين القدامى والمتأخرين يجد ذلك جليًّا بما يبين صدق من قال: كم ترك الأول للآخر!!

 

ولا يخفى على مَن يقرأ في كتب التفسير أنه يجد المفسر يذكر أقوالًا كثيرة لم يسبقه إليها أحد، ومنهم المكثر ومنهم المقل، وكثيرًا ما يقولون عن ذلك مما ليس مأثورًا عن السلف: ويحتمل كذا، أو وتحتمل الآية كذا، ولقد بحثت في المكتبة الشاملة في جميع كتب التفسير عن كلمة: يحتمل، ويحتمل، تحتمل، وتحتمل، فوجدت النتيجة مذهلة جدًّا!

 

أكثر من خمسة عشر ألف موضع!!

ومن أول من بدأ هذا المنهج شيخ المفسرين محمد بن جرير الطبري رحمه الله، مع أن تفسيره مصنَّف من كتب التفسير بالمأثور، إلا أنه ذكر كثيرًا من الأقوال من عنده؛ إما لكونه لم يجد فيها شيئًا مأثورًا عن السلف، أو نقل عنهم بعض الأقوال في التفسير، ثم ذكر أن الآية تحتمل أن تفسر بكذا وكذا مما لم يرو عن السلف، وبعضها تكون احتمالًاً في الإعراب مما لم يتكلم فيه السلف.

 

وسأُبين هنا أشهر المفسرين الذين أكثروا من ذكر أقوال جديدة في التفسير لم يُسبقوا إليها، وعدد المواضع التي ذكروها احتمالًاً، مع أن بعض الأقوال قد يذكرونها من غير أن تسبق بقولهم: يحتمل كذا، لكني هنا جمعت فقط ما يصرحون بكونه احتمالًا، واكتفيت به؛ لأن أكثره يفي بالغرض، وهو إثبات تجديدهم في التفسير، وهذا يفتح أبوابًا كثيرة للدراسات القرآنية للنظر في تجديد أحد المفسرين، وتصنيف ما ذكره من أقوال جديدة إلى ما يُقبل وما لا يُقبل، بحسب التقيد بطرق التفسير ومنهج المفسرين، وهذا بيان بأشهر المفسرين المجددين الذين ذكروا أقوالًا لم يُسبقوا إليها:

1- تفسير ابن جرير الطبري: 200 موضع.

 

2- تفسير الماوردي: 900 موضع، وما أحسن ما قال في مقدمة تفسيره المسمى النكت والعيون (1/ 21): "ولما كان ظاهر الجلي مفهومًا بالتلاوة، وكان الغامض الخفي لا يُعلم إلا من وجهين: نقل واجتهاد؛ جعلت كتابي هذا مقصورًا على تأويل ما خفي علمه، وتفسير ما غمض تصوره وفهمه، وجعلته جامعًا بين أقاويل السلف والخلف، وموضحًا عن المؤتلف والمختلف، وذاكرًا ما سنح به الخاطر من معنى يحتمل، عبرت عنه بأنه محتمل، ليتميز ما قيل مما قلته، ويُعلم ما استُخرج مما استخرجته ".

 

3- تفسير الزمخشري: 290 موضعًا، لكن كثير منها في الحاشية.

 

4- تفسير ابن عطية: 1100 موضع.

 

5- تفسير القرطبي: 400 موضع.

 

6- تفسير ابن جزي: 470 موضعا مع كونه تفسيرًا مختصرًا في مجلدين.

 

7- البحر المحيط لأبي حيان: 1200 موضع، وبعضها في التفسير، وبعضها في الإعراب الذي يتعلق بالتفسير.

 

8- الدر المصون للسمين الحلبي: 700 موضع.

 

9- تفسير ابن كثير: 150 موضعًا.

 

10- اللباب في علوم الكتاب لابن عادل الحنبلي: 1300 موضع، لكن كثير منها نقل عن غيره من المفسرين.

 

11- تفسير النيسابوري: 600 موضع.

 

12- تفسير الثعالبي: 550 موضعًا.

 

13- حاشية الشهاب الخفاجي على تفسير البيضاوي: 800 موضع.

 

14- فتح القدير للشوكاني: 170 موضعًا.

 

15- تفسير القاسمي: 780 موضعًا.

 

16- المنار لرشيد رضا: 70 موضعًا، وهي قليلة مع شهرته بالتجديد في التفسير؛ لأن تفسيره إلى سورة يوسف فقط، وهو كثيرا ما يذكر قوله الجديد جزمًا من غير ذكر الاحتمال، مع كون بعضها مرود لمخالفته للمنهج الصحيح في طرق التفسير.

 

17- تفسير السعدي: 100 موضع.

 

18- التحرير والتنوير لابن عاشور: 500 موضع.

 

19- أضواء البيان للشنقيطي: 110 موضع.

 

20- تفسير ابن عثيمين: 120 موضعًا، مع كون تفاسيره المطبوعة هي لبعض الأجزاء، لسورة الفاتحة والبقرة، وسورة الكهف، وبعض سور المفصل من سورة الحجرات إلى سورة الحديد، وجزء عم فقط.

 

هذا وليُعلم أن هذه الإحصائية تقريبية والمقصود منها إثبات التجديد عند المفسرين المتقدمين والمتأخرين ممن صنف في التفسير، مع العلم بأن كثيرًا من العلماء بالتفسير قديمًا وحديثًا لم يصنفوا كتبًا في التفسير، ولا شك أن عندهم من المعاني ما ليس عند غيرهم.

 

وإني لأعجب أشد العجب ممن يمنع التجديد في التفسير، ولكن لا غرابة في ذلك فقد زعم قوم إغلاق باب الاجتهاد في الفقه لمن هو أهل للاجتهاد، ومنع قوم من التصحيح والتضعيف في الأحاديث، ولو كان المتكلم فيها من أهل الحديث، والغالب أن المانعين للتجديد في التفسير ليسوا من أهل التخصص في التفسير، وإلا فكيف يمنع من التجديد في التفسير من يطالع كتب التفسير وهي مليئة جدًّا بالتجديد في المعاني وفي الأسلوب، وليست مجرد نقل مَحض.

 

بل إن الممارس للتفسير قراءة وتدريسًا يجد الكثير من المعاني والفوائد والاستنباطات التي لم يجدها في كتب التفسير، وهذا من بركة القرآن ومن فضل الرحمن الذي علم القرآن ﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾.

 

قال ابن عبدالهادي عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وكتب على تفسير القرآن العظيم جملة كبيرة تشتمل على نفائس جليلة، ونكت دقيقة، ومعانٍ لطيفة، وأوضح مواضع كثيرة أشكلت على خلق من المُفسرين".

 

والقرآن المجيد أعظم من أن يحيط بجميع معانيه عالم أو علماء زمن معين، ومن عظمته أنه لا تنقضي عجائبه، نعم السلف الصالح أعلم ممن جاء بعدهم بالتفسير، لكن هذا من حيث الجملة، ولا يمنع ذلك أن يأتي أحد بعدهم بمعنى صحيح لم يُنقل عنهم، كما أنهم أفقه ممن بعدهم من حيث الجملة، ولا يمنع ذلك أن يأتي بعض الفقهاء المتأخرين، فيحرر بعض المسائل الفقهية أحسن منهم، وكذلك أهل الحديث المتقدمين أعلم من المحدثين المتأخرين، ولا يمنع ذلك أن بعض الأحاديث تكلم فيها بعض المتأخرين بما لم يتكلم فيها المتقدمون تصحيحًا أو تضعيفًا، وكل هذا مع التقيد بأصول كل علم، والأهلية لمن يتكلم في ذلك العلم.

 

هذا وليُعلم أن الصحابة الكرام رضوان الله عليهم هم أعلم الناس بالتفسير من حيث الجملة، ولكن الذين نُقل عنهم التفسير منهم قلة قليلة جدًّا؛ كالخلفاء الأربعة، وابن مسعود وابن عباس، وأُبَي بن كعب، وزيد بن ثابت وأبي موسى الأشعري، وعبدالله بن الزبير وأنس بن مالك، وأبي هريرة وعبدالله بن عمر، وعبدالله بن عمرو بن العاص، وجابر بن عبدالله وعائشة رضي الله عنهم، وأكثر الصحابة لم يُنقل عنهم التفسير مع كونهم كانوا يتدبرون القرآن ويعلمونه رضي الله عنهم.

 

ثم هؤلاء المشهورون بالتفسير من الصحابة لم يُرو عنهم جميع علمهم في الآيات، وأكثر من روي عنه منهم ابن عباس، ولم يُنقل عنه تفسير كل آية في القرآن، فما نُقل عنه أقل بكثير مما تكلم به في التفسير، وهو لم يتكلم بكل ما يعلمه، كيف والمفسر قد يفسر الآية ثم يجد لها معنى آخر؛ ولذا يروى عنه وعن غيره أكثر من قول في بعض الآيات، فالقرآن حمَّال أوجه ولا تنقضي عجائبه.

 

وهكذا المفسرون من التابعين لم يُدوَّن عنهم جميع ما تكلموا به في التفسير، ولم يُدون عن كل تابعي كل ما قاله في التفسير، بل هو لم يقل كل ما يعلمه في كل آية، وهذا أمر ظاهر لا يخفى على من تأمله.

 

فإذا أتى بعض العلماء المتأخرين بمعنى جديد في التفسير لم يُنقل عن السابقين لا يُقال: من تقدمك في هذا القول؟! وأيضًا لا يدَّعى أنهم جميعًا لم يعرفوا هذا التفسير، فمن أين لنا أن جميعهم - وكلهم كان يقرأ القرآن - لم يعرفوا هذا التفسير؟!! فهل تكلموا بكل ما يعلمونه؟! لا، وفي كثير من الروايات نجد أن المفسر لم يتكلم بتفسير الآية إلا بعد أن سئل عنها، وإن لم يسأل عنها لم يكن ليفسر الآية، فكيف يُظن أنهم نقلوا كل ما يعلمونه من التفسير؟!!

 

وهل دونت جميع أقوالهم في التفسير؟! لا، فهذا ابن عباس مثلًا سأله تلميذه مجاهد بن جبر عن القرآن آية آية كما ثبت ذلك عنه ومع هذا لا نجد لابن عباس قولًاً مرويًّا في كثير من الآيات، ولا نجد حتى لتلميذه مجاهد قولًا في بعض الآيات، وهذا ظاهر لكل من يقرأ في كتب التفسير المسندة؛ كتفسير ابن جرير الطبري، وابن أبي حاتم، وعبدالرزاق الصنعاني، وأجمعها الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي.

 

بل نجد أحيانًا تفسير المتأخرين لبعض الآيات أفضل من تفسير من نُقل عنهم من السلف تفسيرها؛ مثل: قوله تعالى: ﴿ مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ... ﴾ الآيات، فالمروي عن السلف في تفسيرها ليس كما بسطه وبينه الشنقيطي رحمه الله في أضواء البيان، فقد تكلم في تفسيرها بما لا تجده في المرويات عن السلف رحمهم الله، مع اعتماده على أقوالهم، لكنه حرر المعنى وأجاد وأفاد، وقريب منه ابن جزي رحمه الله في تفسيره لهذه الآيات، ولولا خشية الإطالة لنقلت كلامهم كله، لكن من شاء فليرجع إليه.

 

بل للإنصاف أحيانًا نجزم أو نكاد نجزم أن ما نقل عن السلف في تفسير بعض الآيات خطأ، ولا يملك أي منصف إلا أن يرجح تفسير المتأخرين، ولا يستسيغ أبدًا أن يفسر الآية بما روي عن السلف، مع التأكيد بأنهم كلهم لم يُنقل عنهم ذلك التفسير المرجوح، وإن لم نجد في كتب التفسير المسندة سوى ذلك القول المرجوح؛ لما قدمنا أن السلف ليس كلهم تكلم بما يعلم من معاني الآيات، وليس كل من تكلم في التفسير نُقل عنه ذلك، فانظروا ماذا قال مفسرو السلف في تفسير قصة داود عليه السلام مع الخصمين في سورة ص، وانظروا كيف فسرها مثلًا ابن عثيمين بما يوافق سياق الآيات وبما ينزه نبي الله داود عليه السلام مما ذكره كثير من مفسري السلف اعتمادًا على الإسرائيليات، قال ابن عثيمين كما في موقعه في الإنترنت: "قوله: (وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب إذا دخلوا على داود ففزع منهم...)، ذكر الله هذه القصة مصدرًا لها بالاستفهام الدال على التشويق (وهل أتاك نبأ الخصم إذا تسوروا المحراب)؛ أي: دخلوا من السور لا من الباب؛ لأن الباب كان مغلقًا والمحراب مكان العبادة، وليس هو الذي نعرفه الآن طاق القبلة، ولكنه مكان العبادة ولو كان حجرة مدورة أو مربعة، المهم أنهم لما تسوروا عليه الجدًّار، فدخلوا عليه فزع منهم؛ لأن ذلك على خلاف العادة، وما خرج عن العادة فطبيعة البشر تقتضي أن يفزع منه لا سيما في مثل هذه الصورة، فقالوا له: (لا تخف خصمان) يعني نحن خصمان (بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط)، ثم ذكروا القصة (إن هذا أخي له تسعٌ وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة)، والنعجة هي الواحدة من الشياه، (فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب)؛ أي: غلبني في خطابه لقوته وفصاحته وبيانه، فقال له داود: (لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه)، فحكم له داود عليه الصلاة والسلام دون أن يسمع من خصمه، وطريقة الحكم ألا يحكم الحاكم حتى ينظر ما لدى الخصم؛ قال الله تعالى: (وإن كثيرًا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعضٍ إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليلٌ منهم وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعًا وأناب)؛ أي: أيقن أننا اختبرناه بهذه الخصومة؛ وذلك أنه عليه الصلاة والسلام اشتغل بالعبادة الخاصة عن الحكم بين الناس فأغلق الباب دونهم، والحاكم ينبغي له أن يكون فاتحًا بابه لمن يأتيه من الخصوم حتى يحكم بينهم، وأيضًا حكم للخصم دون أن يسمع حجة خصمه، وأيضًا تعجل بالحكم قبل سؤال الخصم من أجل أن يرجع إلى عبادته، فعلم عليه الصلاة والسلام أن الله اختبره بهذا فخر راكعًا وأناب تائبًا إلى الله عز وجل".

 

وقال العلامة الشنقيطي في أضواء البيان: "واعلم أن ما يذكره كثير من المفسرين في تفسير هذه الآية الكريمة مما لا يليق بمنصب داود عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، كله راجع إلى الإسرائيليات، فلا ثقة به، ولا معول عليه، وما جاء منه مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم لا يصح منه شيء".

 

هذا وإن من القرآن ما استأثر الله بعلمه، قال الله سبحانه: ﴿ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ﴾، وقد يشاء الله أن يطَّلع على معنى آية المتأخرون دون المتقدمين، ولكن هذا قليل جدًّا، وكثير منه مما تحتمل الآية المعنيين ما ذكره السلف وما ذكره المتأخرون، فإن القرآن حمال أوجه، ومن ذلك الإعجاز العلمي في القرآن.

 

والناس في الإعجاز العلمي للقرآن الكريم على ثلاثة أصناف: طرفين ووسط: قوم بالغوا في إثبات الإعجاز العلمي في القرآن وتكلفوا في حمل كثير من الآيات على بعض الحقائق العلمية مع عدم احتمال اللفظ القرآني لما ذهبوا إليه، بل وفسروا بعض الآيات القرآنية وفق بعض النظريات التي لم تثبت بالأدلة القطعية، وهؤلاء أفرطوا وتكلفوا. وقوم نفوا الإعجاز العلمي في القرآن جملة وتفصيلا، وهؤلاء فرَّطوا وقصروا.

 

وقوم توسطوا، فأثبتوا منه ما احتمله لفظ القرآن بلا تكلف، بشرط أن يكون الإعجاز في حقيقة علمية لا نظرية قابلة للقبول والرد، فإن ثبت الإعجاز فسروا الآية بما فسرها السلف أولًا بالإضافة إلى المعنى الجديد، فإن القرآن الكريم حمَّال أوجه، فما احتمله لفظ القرآن موافقا لقواعد اللغة وغير مخالف لما ثبت في الكتاب والسنة؛ فإنه مقبول سواء كان هذا القول قديما أو جديدا؛ فإن القرآن العظيم لا تنقضي عجائبه، فهذا هو الموقف الصحيح من الإعجاز العلمي في القرآن الكريم بلا إفراط ولا تفريط.

 

هذا ومن ادعى أن السلف لم يخف عليهم شيء من معاني القرآن، وأنهم علموا كل آية في كتاب الله وبلَّغوها من بعدهم وحُفظت عنهم في كتب التفسير المسندة، فليأتنا بتفسير هذه الآية مشكورا: ﴿ وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ ﴾.

 

لن يجد أحسن من تفسيرها بقوله: الله أعلم بمراده منها!!

 

فكيف يدعي أحد أن السلف رضوان الله عليهم فسروا جميع آي القرآن ولم يتركوا شاذة ولا فاذة إلا بينوها!!

 

هذا ومن يطلع على تفسير الشنقيطي المسمى أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن يجده كثيرا ما يفسر الآيات بالآيات بما لم يُسبق إليه، فهل نقول: لا نقبل منه ذلك إلا إذا نقل ذلك عن بعض السلف مع أنه يسير على طريقتهم بتفسير القرآن بالقرآن؟!

 

هذا وكتاب الشنقيطي في تسعة مجلدات ومع ذلك لم يستوعب كل شيء من تفسير القرآن بالقرآن فقد فاتته بعض الآيات وهي على شرطه لم يفسرها ولها تفسير من القرآن، ويوجد مجال كبير لمن أراد أن يستدرك عليه بعض ما فاته، ولنذكر مثالا فاته من أول سورة البقرة، قال الله سبحانه: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾، ظاهر هذه الآية أن جميع الكافرين لا يؤمنون، وهذا مشكل لأن منهم من يؤمن، وقد فسرتها آية أخرى فتح الله علي بها وهي قوله عز وجل في سورة يس: ﴿ لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ * وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ * وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [يس: 7 - 10]، فالمراد بآية البقرة أكثر الكافرين وليس كلهم بدليل آية يس، فهل يُقبل تفسيري هذا أو لا بد أن ننظر من قاله من السلف قبلي مع أنه موافق لطريقتهم؟!!

 

هذا وأنا على قلة علمي وضعف إيماني وإسرافي على نفسي فتح الله علي ببعض المعاني في كتابه، أثناء قراءتي في كتب التفسير أو أثناء تدريسي للتفسير، وهذا من فضله علي، ولم أجد أحدا من مفسري السلف ذكرها، ولا يخفى على منصف أنها معان ظاهرة موافقة لمنهج السلف في التفسير وإن لم يذكروها، واعذروني على التحدث بهذا الأسلوب عن نفسي؛ لأني أريد أن أثبت وجود التجديد في التفسير، وكم من أهل العلم والفضل عندهم من التجديد في التفسير الشيء الكثير، فتأملوا هذه الأمثلة:

1- قوله تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة: 54].

 

هل قتل بنو إسرائيل بعضهم بعضًا؟!

ذكر المفسرون اعتمادًا على الإسرائيليات أنهم قتلوا بعضهم بعضًا، وذكروا أن القتلى بلغوا سبعين ألفًا، على خلاف بينهم هل قتل من لم يعبد العجل من عبده أو أُمر من عبدوا العجل أن يقتل بعضهم بعضًا؟!!

 

ولا يوجد عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث في هذا، لكن سياق الآية يدل على أنه لم يحصل قتل بعضهم لبعض، بل إن الله تاب عليهم ورفع عنهم هذا الأمر الشديد بدليل قوله: ﴿ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ﴾، ويؤيده أنه ختم الآية باسمه الرحيم، ولا يناسب هذا الاسم أنه يأمرهم أن يقتل بعضهم بعضًا!!

 

ثم سياق الآيات في ذكر نعم الله على بني إسرائيل وأنه تاب عليهم، ولم يأمرهم بقتل أنفسهم، ثم لو قُتل أولئك لكانوا شهداء صالحين، ولكن الظاهر أنهم بقوا يؤذون موسى عليه السلام ويتعنتون معه.

 

ولا يقال: الأمر بالقتل صريح؛ وذلك لأن الله قال بعده: ﴿ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ﴾، فدل على أن الأمر نُسخ رحمة بهم، مثل أمر الله للصحابة أن يُقدِّموا بين يدي نجواهم صدقة ثم تاب عليهم ونسخ ذلك كما في قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [المجادلة: 12، 13].

 

وللفائدة اليهود ينكرون النسخ ولذا أنكروا رسالة عيسى ثم رسالة محمد صلى الله عليهما وسلم، وتفسير الآية على ظاهرها رد عليهم ففيها إثبات النسخ في وقت موسى عليه السلام نفسه، فلا يستبعد أنهم أشاعوا في القصة ما هو مشهور في كتب التفسير وتلقى عنهم ذلك بعض مفسري السلف ترخصًا لحديث: (حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج)، ثم تتابع على ذلك كل من تكلم في الآية ونُقل قوله ممن جاء بعدهم، وكان ينبغي ألا يُقبل قول بني إسرائيل في تفسير هذه الآية لمخالفته لظاهر ما أنزل الله، ولأنهم ينكرون النسخ ولو أثبتوا القصة على ظاهر ما أخبر الله، لكان ذلك حجة عليهم تلزمهم بقبول النسخ والإيمان بعيسى، ثم بمحمد صلى الله عليهما وسلم، ولكنهم قوم بهت ومكر وخداع، والله أعلم.

 

هذا ما فتح الله به علي، فإن كان صوابًا فمن الله، وإن كان خطأً فمن نفسي والشيطان، ولا يقال: هذا الرأي مخالف لإجماع المفسرين، فإني لا أعلم أحدًا ادعى الإجماع على ذلك، وكيف يُدعى الاتفاق على ذلك وهو مخالف لظاهر الآية بسبب بعض الإسرائيليات التي نقلها اثنان أو ثلاثة من المتقدمين، وتبعهم عليه المتأخرون من المفسرين، وليس كل الصحابة أو التابعين ألف في التفسير حتى ندعي الإجماع على ذلك الفهم المخالف لظاهر الآية، والله أعلم.

 

2- قوله سبحانه عن عيسى عليه السلام: {ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل }.

ما هو الكتاب؟ قال المفسرون: أي يعلمه الكتابة.

والظاهر أنه القرآن الكريم؛ لأن عيسى عليه السلام سيأتي آخر الزمان فيحكم بالقرآن والسنة، فيكون الله أخبر أنه سيعلمه القرآن والسنة، وفي القرآن يأتي ذكر الكتاب والحكمة كثيرًا بمعنى الكتاب والسنة كقوله تعالى: ﴿ كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ﴾ [البقرة: 151].

 

3- قوله تعالى: ﴿ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾؛ أي: ولا يزكيهم في الدنيا بتطهير نفوسهم؛ كما قال سبحانه: ﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ ﴾.

 

4- قوله تعالى: ﴿ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ ﴾، قال المفسرون: أي وخلق لكم، ففسروا الإنزال هنا بالخلق، وعندي أنه على ظاهره، وأن المعنى أنزل لكم من بطون الأنعام، ولا شك أن أجنة الأنعام تنزل عند الولادة من بطون أمهاتها إلى الأرض، فهذا معنى ظاهر جدًّا، ولم أجد من ذكره من المفسرين، ثم وجدت شيخ الإسلام ابن تيمية ذكر ما ذكرته فقال في مجموع الفتاوى (12/ 254): "ولا حاجة إلى إخراج اللفظ عن معناه المعروف لغة؛ فإن الأنعام تنزل من بطون أمهاتها ومن أصلاب آبائها تأتي بطون أمهاتها"، وقال ابن القيم كما في مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة ص 442: "وأما قوله: ﴿ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ ﴾، فإن الأنعام تُخلق بالتوالد المستلزم إنزال الذكور الماء من أصلابها إلى أرحام الإناث، ولهذا يُقال: أنزل ولم يُنزل، ثم الأجنة تنزل من بطون الأمهات إلى وجه الأرض، ومن المعلوم أن الأنعام تعلو فحولها إناثها بالوطء، وينزل ماء الفحل من علو إلى رحم الأنثى، وتلقي ولدها عند الولادة من علو إلى أسفل" والحمد لله على توفيقه.

 

5- قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا ﴾؛ أي: ومن يتق الله بترك الكبائر يكفر الله عنه الصغائر؛ كما قال سبحانه: ﴿ إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا ﴾ [النساء: 31]، فهذا المعنى ظاهر وموافق للآية الأخرى، ومع هذا لم أجد من صرح به، ومن من فسرها بغير هذا، لم يبين ما هي السيئات التي تكفَّر، فيبقى في الآية إشكال لا يزول إلا بما فسرتها به، والله أعلم بكتابه.

 

6- ﴿ وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا ﴾؛ أي: آنية للطعام وأكواب للشراب، وفي سورة الزخرف قال: ﴿ يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ ﴾؛ أي: من ذهب، فما في سورة الإنسان بيان لجزاء الأبرار أصحاب اليمين، وما في سورة الزخرف بيان لجزاء المقربين السابقين، وفي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما، وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما»، وفي تفسير الطبري (22/ 238) عن أبي موسى في قوله: ﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾ [الرحمن: 46] قال: "جنتان من ذهب للمقربين أو قال: للسابقين، وجنتان من ورِق - أي فضة - لأصحاب اليمين"، وأيضًا ذكر الله في سورة الإنسان ﴿ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ ﴾، وفي سورة الحج ﴿ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا ﴾، فالذين يلبسون الذهب هم المقربون، والذين يلبسون الفضة هم أصحاب اليمين، قال سبحانه في سورة الواقعة: ﴿ وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً * فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ * وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ * وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ * عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ * مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ ﴾ [الواقعة: 7 - 16].

 

7- ﴿ عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ * تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ ﴾ قال المفسرون: الأرائك جمع أريكة وهي السرير الذي عليه قبة من الثياب، والمتأمل في القرآن يجد أن الله يذكر الأرائك إشارة إلى كون أهل الجنة على الأرائك مع الحور العين أو مع زوجاتهم، ويذكر الله الأسرة إشارة إلى كونهم عليها مع إخوانهم وأصحابهم كقوله تعالى: ﴿ إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ * هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ ﴾، وقوله: ﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ ﴾، وهذا يبين لنا أن معنى ﴿ عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ * تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ ﴾؛ أي: ينظرون إلى الحور العين وزوجاتهم وهن معهم على الأرائك، ويؤيده ذكر جمال الوجوه بعدها ﴿ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ ﴾.

 

8- ﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ ﴾؛ أي: عذاب جهنم في الآخرة، وعذاب الحريق في البرزخ، فإن الأصل في العطف التغاير، فيكون هذا دليلاً على إثبات عذاب القبر.

 

وأما الفوائد والاستنباطات من القرآن فما أكثرها، ولا أحد يخالف في مشروعيتها، ولشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ذلك أوفر نصيب، قال عنه تلميذه الذهبي رحمه الله في معجم شيوخه: "وبرع في التفسير والقرآن، وغاص في دقيق معانيه، بطبع سيَّال، وخاطر إلى مواقع الإشكال ميَّال، واستنبط منه أشياء لم يُسبق إليها ".

 

فالاستنباط يجوز من القرآن الحكيم بشرطين؛ هما:

الشرط الأول: أن يحتمل المعنى المستنبط ظاهر لفظ القرآن، بما يوافق قواعد اللغة العربية في الإفراد والتركيب.

 

الشرط الثاني: ألا يخالف المعنى المستنبط صريح القرآن أو السنة الصحيحة، فإن القرآن حق يصدق بعضه بعضًا، والسنة حق توافق القرآن ولا تخالفه، فمن أتى باستنباط أو معنى جديد يخالف ما قرره القرآن أو السنة الصحيحة، فإنه خطأ يقينًا لا يُقبل بحال، وأما إن أتى باستنباط أو معنى جديد يحتمله لفظ القرآن ولا يخالف ما قرره القرآن أو السنة الصحيحة، فإنه يُقبل؛ لأن من خصائص القرآن الكريم أنه حمَّال أوجه، وهذا من عظمة القرآن المجيد، فالآية الواحدة قد تُفسر بأكثر من قول إن كانت تلك الأقوال معانيها صحيحة ويحتملها اللفظ القرآني بما يوافق قواعد اللغة العربية.

 

وهذان مثالان فتح الله بهما علي استنباطا من القرآن العظيم:

1- فائدة في التفسير لم يذكرها المفسرون تتعلق ببراءة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها:

قال الله تعالى: ﴿ وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ ﴾، لماذا ذكر الله التسبيح في هذه القصة؟!

 

التسبيح هو التنزيه لله، فقذف عائشة رضي الله عنها فيه تنقيص لله حيث اختار لرسوله امرأة فاجرة والعياذ بالله، وفيه طعن للرسول صلى الله عليه وسلم حيث أمسكها زوجة ولم يفارقها حتى مات!!

 

2- دليل من القرآن على أن الإنسان مسير ومخير لم يذكره المؤلفون في العقائد:

يذكر علماء أهل السنة أن الإنسان مسير ومخير في نفس الوقت ويستدلون بقوله تعالى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}؛ حيث أثبت الله للإنسان مشيئة، لكنها تحت مشيئة الله، وقد وجدت دليلاً آخر على هذا، وهو قوله سبحانه: ﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴾؛ حيث ذكر الله أنه هو الذي ألهم النفس فجورها وتقواها، فهو الذي قدر ذلك قبل أن يخلقها، ومع هذا نسب الله الفجور والتقوى للعبد، فالإنسان هو الذي فجر أو اتقى، فالدليل على أنه مسير قوله: ﴿ فَأَلْهَمَهَا ﴾، والدليل على أنه مخير قوله: ﴿ فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴾، ففعل العبد يُنسب إلى الله خلقًا وتقديرًا، ويُنسب للعبد فعلاً واختيارًا.

 

وقد ضل من جعل العبد مسيرًا فقط كالشعرة في مهب الريح، وهم الجبرية، وضلت القدرية الذين جعلوا العبد مخيرًا فقط ونفوا تقدير الله لأفعال العباد، وهو الذي خلق كل شيء بقدر، وعلم كل ما سيكون، ولا يكون في ملكه إلا ما يشاء سبحانه وتعالى.

 

هذا ما شاء الله إيراده في هذه المسألة المهمة، وعسى أن يكون فيه كفاية لإثبات التجديد في التفسير، وأوصي نفسي وجميع المسلمين بالحرص على تدبر كتاب الله؛ فإنه يهدي للتي هي أقوم في كل زمان ومكان، وهو هدى للمتقين، ورحمة للمؤمنين، والحمد لله رب العالمين.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • التأويل النحوي عند المفسرين: "مجمع البيان" للطبرسي نموذجًا
  • أدب المفسرين
  • أقوال المفسرين في الوسيلة
  • مناهج المفسرين
  • عرض لبعض الكتب المطبوعة في ( مناهج المفسرين )
  • تعريف بكتاب مناهج المفسرين
  • مفهوم التفكير عند المفسرين المسلمين
  • فساد البر والبحر في أقوال المفسرين
  • المجددون في السنة!
  • من رسالة إلى صديق حول التجديد
  • أشهر المفسرين عبر القرون

مختارات من الشبكة

  • حول المقال الثاني للأستاذ أحمد أمين (التجديد في الأدب (2)) [3](مقالة - حضارة الكلمة)
  • عوامل تساهم في تجديد الإشراف التربوي(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • إدارة المضمون في العمل الدعوي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • التجديد في الإذاعة المدرسية(مقالة - موقع الموسوعات الثقافية المدرسية)
  • التجديد في الإذاعة المدرسية(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • التجديد اللغوي الشامل(مقالة - حضارة الكلمة)
  • محددات المعنى عند المفسرين واللغويين لسليمان يوسف محمد عبدالله(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • تعقبات الإمام الرسعني على المفسرين لفيصل عباد عبد ربه الهذلي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • معاني صيغة استفعل عند المفسرين(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • مناهج المفسرين (PDF)(كتاب - موقع أ. د. إبراهيم بن صالح بن عبدالله الحميضي)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 23/11/1446هـ - الساعة: 18:47
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب