• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / أخلاق ودعوة
علامة باركود

سنة الله تعالى في الحضارات المادية ( سورة الفجر )

سنة الله تعالى في الحضارات المادية ( سورة الفجر )
د. أحمد مصطفى نصير

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 15/1/2014 ميلادي - 13/3/1435 هجري

الزيارات: 26712

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

سنة الله تعالى في الحضارات المادية

( سورة الفجر )

 

كم عانت البشرية من ظلم النظم القمعية، والمتسلطة على العباد، والقائمة على النفعية المحضة، الأمر الذي يظهر معه التفاوت الطبقي الفاحش نتيجة استشراء الفساد، فكم من يتيم ُظلم أو مسكين في ظل تلك النظم لا لشيء إلا لأنها شرعت منهجا وضعه البشر ليضاهوا به شريعة السماء، فيستنكر الله تعالى عليهم هذا الصنيع بقوله سبحانه ﴿ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ ﴾ [الشورى: 21]، ومن ثم تفجرت سورة الفجر غضبا على هؤلاء الذي صب الله عليهم عذابه فكان لهم بالمرصاد، فما معنى أن يعيش البشر في حضارة ونظم إدارية وسياسية لتكوين دولة يرأسها قائد ورئيس ويعاونه وزراء ويخضع لإمرتهم عمال وجنود.. إلخ، فتسير تلك الدولة أو الحضارة إلى تحقيق مصلحة البعض دون الكل، أو طائفة دون أخرى أو فرقة دون سواها أو تسعى لتحقيق مصالح الخاصة دون العامة، فإذا لم يكن بمكنة أو مقدور التنظيم السياسي للدولة أن ينتبه لما عليه من مسئوليات اجتماعية وأمنية واقتصادية بما يحقق الرخاء العام لكل أفراد المجتمع أو الحد المعقول من الكرامة الإنسانية التي كفلها الله تعالى لكل إنسان بقوله ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ﴾ [الإسراء: 70]، بحيث لا يظلم فيها ضعيف، ولا يستقوي فيها القوي على الضعفاء، وإنما يسود العدل بينهم، فإذا لم يكن ذلك كذلك فلا داعي لأن تقوم الدولة لتكلف المجتمع أعباء الانصياع لقوانينها والمشاركة في أعبائها العامة والخضوع لأوامر سلطانها والدفاع عن حدودها ما لم تحترم كرامة الإنسان فيها، إلا إذا كانت الرعية مجبرة على ذلك بحكم القوة وليس بسلطان القانون والشرعية ولا بسلطان العرف والمنطق ولا بسلطان الله تعالى حيث يعطي الملك لمن يشاء من عباده، أو من باب أخف الضررين.

 

إن الدول والحضارات التي سارت على هذا النهج لم تستمر طويلًا، فمهما بلغت من القوة العسكرية كقوة الدولة الفرعونية ﴿ وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ * فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ﴾ [القصص: 39-40]، والضخامة في البنيان كقوم عاد ﴿ فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ﴾ [فصلت: 15]، والروعة في المعمار كقوم ثمود ﴿ وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ ﴾ [الشعراء: 149]، فلا بد وأن يكون مصيرها مثل مصير الأمم التي سبقتها وبلغت أكثر مما بلغت من القوة والشدة والبطش، وقد ضرب لنا التاريخ أمثلة بعاد وثمود وفرعون، ولا تزال هذه الأمم عبرة لما يليها من الأمم، تلك الدول أو الحضارات ظلمت العباد، فعشعش الظلم في جنباتها، وأضحت كالليل الطويل يملأ الكون بالظلمات، وبلغت درجة الطغيان في الفساد، لكن الله كان بها لبالمرصاد، فمهما بلغت من القوة المادية فإنها إذا لم تبلغ ذات القوة الاجتماعية بتقديم الإعانات والرعاية اللازمة للضعفاء، ولا ترأف لحال المسكين، بل على العكس من ذلك تهضم حقوق الضعفاء، لتأكل ميراث اليتامى أكلا لما، وتؤمن بفلسفة مادية تقوم على تقديس المال تقديسا جما، فملكها زائل لا محالة، ولذلك تسطر السورة في خاتمتها مشاهد من يوم القيامة يوم العرض على الجليل الكبير؛ حيث يأتي الناس إلى الله تعالى بعد أن انهارت الأرض ودكت حضاراتهم المادية دكًّا دكًّا؛ حيث لا ينفعهم من ذلك غير ما قدموا من عمل صالح تخاذلوا عن فعله في الحياة الدينا، فيكون المصير إلى جهنم، لتختتم السورة بنداء إلى النفس التي اطمأنت بذكر الله تعالى ولم تأبه إلى مفاتن هذه الدنيا، ولا إلى شواغل هذه الحضارات، ولم تئن من ظلم الظالمين ولم تشكو إلا لله رب العالمين، فاطمأنت بذكره، واستشعرت فضله، لترجع إلى ربها راضية مرضية، فقد عوضها الله تعالى بخير مما فاتها، لتدخل الجنة وتسكن دولة الرضا في دار النعيم.

 

قال تعالى ﴿ وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ * وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ * هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ ﴾ [الفجر: 1-5].

 

أقسم المولى سبحانه وتعالى بأربعة أوقات مباركات تضمنت خير ساعات النهار والليل، فبدأ ببزوغ أول خيط لضوء الشمس؛ حيث صلاة الفجر، وخير أيام السنة؛ حيث الأيام العشر من ذي الحجة أو الليالي العشر من رمضان، وخير أوقات العمر حال إتيان مناسك الحج بأيام منى والوقوف بعرفة، وخير أوقات الليل وهو آخرها في وقت السحر حالما يسر منه ليل طويل، وذلك وقت الاستغفار والتهجد، فهن من أفضل أعمال الطاعات، وهن علامات انتصار ونصر للمسلمين، وهذا القسم لأصحاب العقول الذين لا تزال عقولهم تحجر على تصرفاتهم فتمنعهم من فعل القبيح وتأمرهم بفعل الحسن، ولا ينتبه لهذا القسم من فات عقله حيث يستوي بالمجنون أو الحيوان، فلا تحركه غير شهوة، ولا تسكته غير موتة.

 

الآية (1) قوله تعالى ﴿ وَالْفَجْرِ ﴾:

هو قسم بأفضل وأبرك أوقات النهار، ويبدأ ببزوغ أول ضوء للشمس يمتد في الأفق مستطيرا على شكل خيط أبيض إيذانا بمولد يوم جديد وانقشاع ليل مظلم حتى اكتمال طلوع الشمس من حجابها على هيئة قرص مستدير، ويسمى كذلك بوقت الصبح، وفيه يتنفس الكون غاز الأوزون، [2](O3)، يقول المولى سبحانه ﴿ وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ ﴾ [التكوير: 18]، والعلم الحديث أثبت أن غاز الأوزون يحتوي على نسبة عالية من الأوكسجين يبلغ ذروة انبعاثه عند صلاة الفجر ثم يقل تدريجيا حتى طلوع الشمس. - وهو أحد نظائر الأكسجين الموجود في طبقات الجو العليا لحماية الأرض من بعض الإشعاعات الضارة - ينزل إلى الطبقات الدنيا الملامسة لسطح الأرض عند الفجر ثم يرتفع مع شروق الشمس، فهواء الفجر نقي لا يعكر نقاءه وصفاه شيء، وينعش القلب، ويقوي الرئتين وينعشهما، ويجدد الخلايا، ويمد الجسم بالأوكسجين اللازم، ويطرد ثاني أوكسيد الكربون، وينقي الدم من الفضلات، ويحسن عمل أجهزة الجسم، وهو يريح الأعصاب، ويشفي من الآلام العصبية والروماتزمية والربو، وقد دهش الاطباء لآثاره العلاجية العجيبة، فهو يشفي من كثير من الأمراض النفسية والجسدية وليس له أية آثار جانبية، ولهذا الغاز تأثير مفيد للجهاز العصبي ومنشط للعمل الفكري والعضلي بحيث يجعل ذروة نشاط الإنسان الفكرية والعضلية تكون في الصباح الباكر وقد ثبت أن حقن الأوزون يمكن أن تعطي الجسم نشاطًا هائلًا وتشعره بسعادة كبيرة[3]، ولهذا يستشعر الإنسان عندما يستنشق نسيم الفجر المسمى بريح الصبا لذة ونشوة لا شبيه لها في أي ساعة من ساعات النهار أو الليل، ويعتبر الاوزون أحد أقوى العوامل التي تتلف الجراثيم والفيروسات في الطبيعة كما انها تتلف الخمائر والروائح النتنة، كما يعتبر الأوزون أقوى مادة طبيعية للتخلص من الجراثيم والفيروسات والطفيليات فهو يستطيع أكسدة الفضلات الملوثة للجو، تنقية الهواء بإضافة الأوكسجين اليه ليصبح الهواء الذي نتنفسه نقيًّا، لقد استعمل الأوزون لفترة طويلة في تنقية هواء المستشفيات والفنادق والمطاعم والمصانع والمياه، وله فعالية كبيرة في التخلص من ملوثات الهواء كدخان المصانع ودخان السجائر والأبخرة الكيمياوية في المصانع للتخلص من الروائح الكريهة والبكتريا والفايروسات وغيرها من المواد المؤذية المنتشرة في الجو[4].

 

يقول الدكتور صلاح سلطان (اختار الله لهذه السورة اسم الفجر، وآخر آية في السورة (ادخلي جنتي)، والنتيجة الطبيعية لذلك هي أن صلاة الفجر أكبر بوابة إلى دخول الجنة، والعكس صحيح، بل إن صلاة الفجر سبب رؤية الله تعالى، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - (إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا ثم قرأ: ﴿ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ ﴾ [ق: 39] [5]

 

فوقت الفجر هو وقت بركة تقسم فيه الأرزاق، فمن غفل عنه حرم خيرا كثيرا، والمسلم لا يغفل عن هذا الوقت أبدا طالما سمع النداء ينادي (الصلاة خير من النوم)، فعن بلال أنه أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - يؤذنه بصلاة الفجر فقيل هو نائم فقال الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم فأقرت في تأذين الفجر فثبت الأمر على ذلك [6]، فهو وقت خصه الله تعالى ليستيقظ فيه المؤمنون، وينام فيه - غالبا - العصاة والمذنبون، فيستيقظ المؤمن ليحتفل مع الملائكة بذكر ربه، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - (تجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الصبح) يقول أبو هريرة اقرءوا إن شيءتم ﴿ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا ﴾[7]، وهكذا يبدأ المسلم يومه منتصرا حينما يستيقظ قبل غيره ليكسب عمرا أكثر من أعمارهم، ليتمكن من العمل أكثر مما يعملون، ويؤكد هذا المعنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم - " بورك لأمتي في بكورها " [8]، فهذا الوقت هو ذروة نشاط المسلم، ويقضيه في أفضل بقاع الأرض، فلم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد صلاة الفجر ينام أو يخرج للدنيا، وإنما كان يمكث في المسجد، فعن جابر بن سمرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا صلى الفجر جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس حسنا [9]، فهذا هو أول قسم لأول انتصار للمسلمين حين يستيقظون لصلاة الفجر، ويحيون ما بين الفجر حتى طلوع الشمس في ذكر ربهم، توطئة ليوم حافل بالعمل والنشاط.

 

الآية (2) قوله تعالى ﴿ وَلَيَالٍ عَشْرٍ ﴾:

وقد أقسم الله تعالى بآية ثانية دالة على نصر المسلمين وعزتهم، وهي الليالي العشر، قال العلامة الشيخ: محمد العثيمين (قيل المراد بـ﴿ ليال عشر ﴾ عشر ذي الحجة، وأطلق على الأيام ليالي، لأن اللغة العربية واسعة، قد تطلق الليالي ويراد بها الأيام، والأيام يراد بها الليالي، وقيل المراد بـ﴿ ليال عشر ﴾ ليال العشر الأخيرة من رمضان..، والذين قالوا: إن المراد بالليال العشر هي ليال عشر رمضان الأخيرة، قالوا: إن الأصل في الليالي أنها الليالي وليست الأيام، وقالوا: أن ليال العشر الأخيرة من رمضان فيها ليلة القدر التي قال الله عنها ﴿ خير من ألف شهر ﴾، وهذا القول أرجح من القول الأول، وإن كان القول الأول هو قول الجمهور، لكن اللفظ لا يسعف قول الجمهور، وإنما يرجح القول الثاني أنها الليالي العشر الأواخر من رمضان، وأقسم الله بها لشرفها، ولأن فيها ليلة القدر..[10].

 

وبالرغم من هذا الترجيح، إلا أنه في مقام الدلالات التربوية فإن المعنيين جائز، فقد جمع العلماء بين القولين بأن خير الليالي العشر الأواخر من رمضان، وخير الأيام العشر الأول من ذي الحجة، فبالنسبة لخير الليالي وهي العشر الأواخر من رمضان، فلأن فيها ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - (إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب وينادي مناد كل ليلة: يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة) [11]، ويسن الاعتكاف في المساجد في ليالي العشر الأواخر من رمضان، كما يسن قيام الليل والتهجد فيها جماعة وفرادى، وهي ليالي فضل ورحمة، وعن النبي - صلى الله عليه وسلم - (إن لله تعالى عند كل فطر عتقاء من النار وذلك في كل ليلة) [12]، فإذا جاء العشر اقترب الفضل وزاد الجهد، فعن عائشة رضي الله عنها قالت (إذا دخل العشر الأواخر من شهر رمضان شد المئزر وأحيا الليل وأيقظ أهله) [13]، وعنها قالت (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل العشر أحيا الليل وأيقظ أهله وجد وشد المئزر) [14]، قال العلماء (شد المئزر): كناية عن اجتناب النساء، أو عن الجد والاجتهاد في العمل [15]، وعنها رضي الله عنها كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره [16].

 

وأما خير الأيام أيام العشر الأول من ذي الحجة فلأنها فُضلت على الجهاد في سبيل الله، ولثبوت الحديث بذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال (ما العمل في أيام أفضل منها في هذه قالوا ولا الجهاد قال ولا الجهاد إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء)[17]، كما أن فيها تؤتى فريضة الحج، حتى يتم الوقوف بعرفة في التاسع والأضحية والجمرة الكبرى في العاشر، وكلاهما أيام وليالي تظهر فيها شعائر المسلمين وتظهر قوتهم ورسوخ عقيدتهم، كما ثبت التصريح بفضلها في الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام يعني العشر قالوا يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله قال ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء"[18]، والعلة في تفضيلها على سائر الأيام أن فيها تؤتى مناسك الحج، فعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت يا رسول الله نرى الجهاد أفضل العمل أفلا نجاهد قال لا لكن أفضل الجهاد حج مبرور) [19].

 

الآية (3) قوله تعالى ﴿ وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ ﴾:

كما خص المولى سبحانه وتعالى من أيام الحج يوم عرفة وأول يومين من أيام التشريق، وتلك العلامة الثالثة على نصر الله تعالى المسلمين وقد ورد في قوله تعالى ﴿ وَلَيَالٍ عَشْرٍ ﴾ [الفجر: 2] أي عشر الأضحية ﴿ والوتر ﴾ يوم عرفة و﴿ الشفع ﴾ يوم النحر [20]، وهو أقرب للسياق؛ حيث يؤدي الحاج مناسك الحج بدء من الوقوف بعرفة، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - (الحج عرفة، فمن أدرك ليلة عرفة قبل طلوع الفجر من ليلة جمع فقد تم حجه)[21]، فمن لم يقف بعرفة فلا حج له، ومن ثم كان الوقوف بعرفة وترا لا ثاني له، ومن فاته الوقوف في هذا اليوم فلا يغنيه قضاءه في يوم آخر، بخلاف أول يومين من أيام التشريق فهن شفع يقوم فيهن الحاج بسائر أعمال الحج إن كان متعجلا، ففيهن يقوم بالنحر وطواف الإفاضة والسعي بين الصفا والمروة ويرمي الجمرات، وليس ثمة جناح في إتيان شيء قبل آخر، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه شهد النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب يوم النحر فقام إليه رجل فقال كنت أحسب أن كذا قبل كذا ثم قام آخر فقال كنت أحسب أن كذا قبل كذا حلقت قبل أن أنحر نحرت قبل أن أرمي وأشباه ذلك فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - افعل ولا حرج لهن كلهن فما سئل يومئذ عن شيء إلا قال افعل ولا حرج[22]، ويجوز للحاج أن يختصر حجه بعد عرفة في يومين ولا جناح عليه، يقول المولى سبحانه ﴿ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ﴾ [البقرة: 203].

 

وبالشفع والوتر تتم النعمة ويخرج الحاج من حجه كيوم ولدته أمه، ولا شك أن أيام الحج هذه أيام انتصار للمسلمين، فالحج هو أكبر مؤتمر عالمي للمسلمين، ولا يقارنه ولا يضاهيه مؤتمر آخر في أي مجتمع من المجتمعات غير الإسلامية، ومن ثم كان من المناسب كذلك أن يقسم الله تعالى بالفجر الذي به يفلق الصبح بضوئه ظلمة الليل مهما طال، وبتلك الأيام والليالي وتلك المناسك لتظهر شعيرة الإسلام على الدين كله، ويتطهر فيها المسلم من الآثام.

 

الآية (4) قوله تعالى ﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ ﴾:

ثم إنه سبحانه وتعالى يقسم كذلك بسريان الليل مهما طالت ظلمته فإن مصيره إلى زوال، فلا يلبث حتى يسر ويذهب إلى مصيره، فإذا سرى الليل فإنه يتهيأ للرحيل، وذلك هو آخر أوقاته، ويكون ذلك وقت السحر، وهو أفضل أوقات الليل كما أن الفجر أفضل أوقات النهار، وبه تختتم أعمال اليوم، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول من يدعوني فأستجيب له ومن يسألني فأعطيه ومن يستغفرني فأغفر له [23].

 

فإذا استيقظ المسلم للتهجد والاستغفار إذا سرى الليل إلى الثلث الأخر منه، فإنه يكون بذلك قد انتصر على نفسه حيث قاوم حب الراحة والدعة والنوم، وإذا نشط وتوضأ فقد جاهد الدفء والسكون، وإذا صلى فقد أصبح نفس طيبة مؤمنة، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - (قال يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد يضرب كل عقدة عليك ليل طويل فارقد فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة فإن توضأ انحلت عقدة فإن صلى انحلت عقدة فأصبح نشيطا طيب النفس وإلا أصبح خبيث النفس كسلان)[24]، فإذا لم يستيقظ لصلاة الليل فقد هزمه الشيطان وانتصر عليه، فعن عبد الله رضي الله عنه قال ذكر عند النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل فقيل ما زال نائما حتى أصبح ما قام إلى الصلاة فقال بال الشيطان في أذنه) [25].، قال العلماء: (وظاهر كلام المصنف أنه ترك صلاة الليل) [26].

 

الآية (5) قوله تعالى ﴿ هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ ﴾:

ولا شك أن هذا التمهيد في السورة ذي الأقسام المترابطة ليؤكد حقيقة ظهور هذا الدين وزهوق الباطل أمامه، فالمقسم عليه دلالة تلك الآيات الكونية والشعائر الإسلامية على سنة الله الكونية أنه ناصر دينه لا محالة، شريطة أن ينصره المسلمون، فإذا نصروه في صلاة الفجر فكانوا فيها كما في الجمعة والجماعات، ونصروه في رمضان فأحيوه، وعمروا المساجد بالاعتكاف كما يعمرون بيوتهم في صقيع الشتاء، ووقفوا بعرفات كما يقفون على أبواب الأمراء، وأخذوا من الليل للصلاة كما يأخذون من النهار للغداء، فهنا ولا شك أننا نكون أمام مسلمين حافظوا على الصلوات الخمس في المساجد وأحيوا رمضان صيامه وقيامه وحافظوا على شعيرة الحج، فيتبقى لهم عبادة رابعة حتى يقيموا شعائر الإسلام، ألا وهي الزكاة، بيد أن هذه الفريضة تحتاج في إقامتها بما يكفلها كفالة صحيحة لدولة تقوم عليها، لتأخذ الأموال من الأغنياء وتقوم ببحث استقصائي لأحوال الفقراء لتعطي الفقير بحسب حاجته لتسد عليه فقره وخلته، ودون أن يطلب أو يسأل، ﴿ لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 273]، فإذا لم يقم ولاة الأمر بذلك سقط فرض من فرائض هذا الدين، فإذا كان المسلمون بلا دولة تقوم بهذا الواجب، فكيف إذن يكتمل إيمانهم؟ وقد انتقص فرض من فرائض الإسلام.

 

إن دولة الباطل لا بد وأن ينقضي وقتها ولا بد وأن يأتيها عذاب الله تعالى ليصيبها الهلاك والدمار، يقول المولى سبحانه وتعالى ﴿ وَإِن مَّن قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِك فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا ﴾ [الإسراء: 58]، لذا فإن أصحاب العقول الذي ينتهون عما نهى الله عنه ويقفون عند حدوده غير متجاوزين ولا معتدين، أولئك الذي منَّ الله عليه بالرشاد والرجاحة في العقل فعرفوا به الحق وفرقوا بينه وبين الباطل، الذين قال الله تعالى فيهم ﴿ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ ﴾ [الحجرات:8]، أولئك هو المؤمنون حقًّا، وهم الذين يفقهون قسم المولى سبحانه وتعالى، والمنتظرون لنصره لهم، والمؤمنون به، والواثقون في وعده لهم ووعيده للظالمين.

 

قال تعالى ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ﴾ [الفجر: 7-14]

 

تنتقل السورة بعد هذا التمهيد الرائع إلى ضرب الأمثلة من التاريخ لأشد صور التكبر والطغيان والفساد في الأرض، فيضرب المثال بثلاثة أقوام أقاموا ثلاث دول مثلت نماذج بشرية للدول الفاسدة، هم قوم عاد وثمود وفرعون؛ حيث كانوا آية من آيات الله تعالى في إهلاك الظالمين، فلم ينفع عاد شدة خلقهم وطول عمادهم، ولم ينفع ثمود قوة بنيانهم ورفاهة مساكنهم، ولم يغن فرعون كثرة جنده ولا شدة سطوته، فكلا أُخذ بذنبه لما أراد الله تعالى إهلاكهم، فاندثرت دولتهم وهدمت بيوتهم، قال تعالى ﴿ فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [العنكبوت: 40]

 

الآيات (6-8) قوله تعالى ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ ﴾:

قال ابن كثير وقال غيره وابن إسحاق في نسبهم يقال لهم: (عاد بن إرم بن عوص بن سام بن نوح) [27]واللافت للنظر أن عاد من نسل نوح عليه السلام، وأجدادهم كانوا من الطائفة المؤمنة التي نجت في سفينة نوح عليه السلام، وعاد من ذريته، وقد بارك الله في عمادهم حيث لم يخلق مثلهم في الطول فكانوا على هيئة آدم عليه السلام في الطول أو أكثر، فعن النبي - صلى الله عليه وسلم - (كان طول آدم ستين ذراعا) [28]، وكانوا من قوتهم الجسمانية الهائلة قادرين على البناء في كل ريع، فيبنون لأجل العبث واللعب لا لأجل السكنى، فكانوا يبنون مباني ضخمة آية على قوتهم وضخامتهم، قال تعالى ﴿ أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ ﴾ [الشعراء:28]، وكانوا كذلك لسهولة البناء عندهم يتخذون مصانع يجمعوا فيها المياه وتقوم على شيءونهم وكأنهم يعيشون عيشة من لا يخاف الموت، قال تعالى ﴿ وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ ﴾ [الشعراء: 29].

 

فكان المنطق يقتضي أن يشكروا نعمة الله تعالى على أن آباءهم كانوا من المؤمنين الذي نجوا في السفينة مع نوح عليه السلام، كما كان المنطق يقتضي كذلك أن يزدادوا شكرا لما أنعم الله عليهم من صحة في البدن، وطول في العماد، وشدة في القوة، لكنهم لم يقابلوا هذه النعم بواجب الشكر، وإنما قابلوها بالكفر والجحود، قال تعالى ﴿ فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ ﴾ [فصلت:15]؛ حيث استخدموا هذه القوة في البطش والتجبر على عباد الله تعالى، فضلا عن تكذيبهم للمرسلين، قال تعالى ﴿ كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [الشعراء: 123] ﴿ وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ ﴾ [الشعراء: 130]، ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ﴾، ﴿ وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُم بِمَا تَعْلَمُونَ ﴾، ﴿ أَمَدَّكُم بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ ﴾، ﴿ وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ﴾ [الشعراء: 130، 134].

 

وهو الأمر الذي يعطي دروسا هامة للشعوب الثائرة على الظلم، أنها إذا أرادت أن تبني دولة عادلة على أنقاض دولة ظالمة، فلا يسعها أن تعيد ما فعلته تلك الدولة الظالمة مرة أخرى، فليس عليها أن تعيد ما فعله قوم عاد بعد أن ثار الطوفان على أجدادهم الظالمين إلا من نجا من أجدادهم المؤمنين، فاهتموا بتعمير الدنيا ونسوا تعمير الآخرة، وإنما عليها أن تبني الشعوب ليكونوا رجالا قادرين على عبادة الله تعالى، ولا يكن همهم هو بناء دولة وحضارة مادية تقوم على مجرد تراب على تراب، دون أن يكللوا هذا الجهد بجهد أشد منه في بناء الرجال أنفسهم، ولا يتحقق لهم ذلك إلا إذا أعدوا المرأة لهذه المهمة، فالمرأة هي المصنع الذي يربي رجال المستقبل.

 

الآية (9) قوله تعالى ﴿ وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ ﴾ [29]:

وأما قوم ثمود فنسبهم (ثمود بن عابر بن إرم بن سام بن نوح)، فهم قبيلة مشهورة يقال ثمود باسم جدهم ثمود أخي جديس وهما ابنا عابر بن ارم بن سام بن نوح [30]، فهم كانوا معاصرين لقوم عاد - رغم أنهم سموا خلفاءهم لأجل أن هلاكهم كان لاحقًّا لهلاك قوم عاد - بيد أنهم نزلوا غير منزلهم وسكنوا غير ما كانوا يسكنون، فنزلوا إلى الحجر وسموا بأصحاب الحجر ﴿ وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ * وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا فَكَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ * وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ ﴾ [ الحجر: 80-82]، فسكنت بنو عاد الرمل إلى حضرموت، وسكنت ثمود الحجر بين الحجاز والشام) [31]، وقد تميزوا مثل قوم عاد بالقدرة على نقب الجبال وتشكيلها، ولا شك أنها قدرة خارقة للعادة، يقول سبحانه ﴿ وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ﴾ ﴿ وَاذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾ [الأعراف:73- 74].

 

فبماذا قابلوا هذه النعمة، فبعد أن هيأ الله لهم الجبال ليتخذوها بيوتا، وكانوا على مثل قوم عاد في القوة والبنيان، ولكنهم كذبوا بآيات الله تعالى مثلما كذبوا كذلك، فلم يغتنوا بما أغدق الله عليهم من النعم وإنما حاربوا خالقهم وعصوا أمره في شأن الناقة وكذبوا نبيهم فكان مصيرهم مثل مصير أسلافهم سواء بسواء، فتكررت سنة الله تعالى في الظالمين فأهلكهم كما أهلك من قبلهم ﴿ وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى * وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى * وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى ﴾ [النجم: 50-52]، وهكذا تتكرر سنة الله في الظالمين ولا تتبدل ولا تتغير، فمهما تغيرت الأشخاص، الأماكن التي يقطنون، فسنة الله الكونية هي وضع نهاية للظلم وتطبيق سنته بإهلاك الظالمين، فالرغم من أن هلاك قوم عاد كان قريبا منهم، إلا أنهم لم يعتبروا لما رأوا في أنفسهم من القوة والمقدرة فأغرتهم ليتجرؤوا على الله تعالى، فتنفذ فيهم سنته.

 

الآية (10) قوله تعالى ﴿ وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ ﴾:

وتلى هؤلاء وهؤلاء قوم فرعون، وقد تميز فرعون بقوة جنوده، فكانوا له بمثابة الوتد الذي يثبت له العرش، وهذا إعجاز سياسي من القرآن الكريم، فالدلالة واضحة على أن القوة التي تميز بها فرعون لم تكن نابعة منه، وإنما كان مصدر تلك القوة كامن في جنوده الذين كانوا له بمثابة الوتد ليثبتوا له ملكه في الأرض، وساعده على ذلك القوة المادية التي كان يملكها، والسطوة النفسية للسحرة من حوله، فسار المجتمع معه في غيه، وظل يستغل الخوف الكامن فيهم، ليجعلهم يعثون في الأرض فسادا، وظل يستخف بهم ويرهبهم وظلوا يطيعوه لما هم فيه من الفسق، فكان أساس الفساد في الدولة الفرعونية هو العلاقة المتبادلة بين فرعون مسيطر على شعبه بوسائل إعلامية فاسدة تتمثل في سحرته، وكنوز وأموال كثيرة يسخرها لتقوية دولة ودفع رواتب جنده، وشعب مستخَف به يرهب فرعون وسطوته ويخشى جنده، ويرزق فتات ما يلقيه لهم من فضلاته، قال تعالى ﴿ وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ * أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ * فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ * فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ * فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ * فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ ﴾ [الزخرف: 51 - 56]، لكن مشيئة الله تعالى ارتضت ألا تجعل التمكين لفرعون ولا لجنوده، فلم يثبت ملكه بهؤلاء الجند وإنما أزال الله ملكه، ومكن بدلا منه قوما آخرين، وهم المستضعفون من بني إسرائيل، قال تعالى ﴿ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ ﴾ [القصص: 6]، وليت ذلك فحسب وإنما تأتي العاقبة على هؤلاء الظالمين فرعون وجنده بالهلاك، قال سبحانه ﴿ وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ * فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ﴾ [القصص: 39-40].

 

ونلاحظ في هذا المقام أن القرآن طوى صفحات من التاريخ وقفز بنا - في هذه السورة - إلى الدولة الفرعونية وبني إسرائيل، وهم أبناء نبي الله يعقوب، وهو من نسل إسحق ولد إبراهيم عليه السلام، فبعد أن تحدث عن عاد وثمود من نسل نوح عليه السلام قفز بالتاريخ إلى الدولة الفرعونية، ولم يذكر حال نبي الله إبراهيم وولداه إسماعيل واسحق وبني إسرائيل إلا في جيل متأخر حيث الدولة الفرعونية في عهد نبي الله موسى عليه السلام.

 

ولعل ذلك لسبب وهو أن موضوع السورة يتحدث عن الدول الفاسدة والحضارات المادية البعيدة عن منهج الله تعالى، بينهما قوم لوط وإن كانوا معاصرين لنبي الله إبراهيم فإن معصيتهم كانت أخلاقية، وقد أصابهم العذاب لأجل ذلك، ومثلهم قوم شعيب حيث كانوا يبخسون الناس حقهم في التجارة والميزان، أما ما يتحدث عنه القرآن في هذا المقام فهي دولة عاد وثمود وفرعون، لأنها اهتمت بتشييد أعظم حضارات مادية في التاريخ البشري، وكانت من القوة العسكرية والجسدية ما يجعلها تبطش بمن حولها، ولكن الله تعالى بطش بها وانتقم منها، ليكونوا عبرة لغيرهم من الأقوام التي تخلفها.

 

الآيتان (11-12) قوله تعالى ﴿ الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ ﴾:

أجمل سبحانه وتعالى صور الظلم والطغيان والاستبداد التي صدرت عن هذه الدول الظالمة في أمرين أساسيين هما (الطغيان) و(الفساد)، فـأما الطغيان فهو مجاوزة الحد، من ذلك طغيان الماء عندما يفيض عن مجراه، وفي ذلك دلالة على انهيار دولة القانون أو الأخلاق، فلا يحكم هذه الدولة مبادئ متعارف عليها أو مستمدة من شرع، وإنما يحكمها شريعة الغاب، فالأقوى هو الأقدر على أن يكتسب حقًّا، ويحافظ عليه، وله أن يظلم غيره فيهضم حقوقه، ولا مكان فيها للأضعف إلا الاختفاء أو الاختباء، وفي ذلك دلالة على شدة إسرافهم في متاع الدنيا، فهم يأكلون كما تأكل السباع الضارية، ويلعبون كما تلعب القردة على الأشجار..، إلى آخر مظاهر الترف في النعيم، وليس أدل على ذلك من قوله تعالى ﴿ أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ ﴾ [الشعراء: 128]؛ حيث كانوا لشدة قوتهم يلعبون بالبنايات الضخمة، فيتلهون ببنائها، فإذا وصل الظلم إلى مرحلة الطغيان - ولا يصل إلى الطغيان إلى من أراد أن يستعبد العباد ويبطش جبارا بهم - عندئذ فلا مناص من نزول العذاب بالطغاة لتطهير الكون من طغيانهم في الدنيا، ثم ليكون مأواه الجحيم يوم القيامة، قال تعالى ﴿ فَأَمَّا مَن طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾ [النازعات: 37-39]، والدلالة المستنبطة من السياق أن عذاب الله تعالى لا يأتي الظالمين في الدنيا إلا بعد أن يصلوا إلى مرحلة الطغيان، تلك المرحلة التي يستشعر فيها الظالم أنه قهر الضعفاء من حوله، وأنه وحده الذي يسود، ولا أحد يبارزه في ملكه إلا وقد عصف به، فإذا استشعر ذلك ونسى أن الله قادر عليه، يأتيه عذابه سبحانه، بل إنه قد لا يتناسى قدرة الله تعالى، وإنما يحاربه ظنا منه أنه قادر عليه، وهذا هو ما فعله فرعون، إذ اشتد طغيانه بأن جهر بذلك، ونصب نفسه إلها من دون الله، قال تعالى ﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ ﴾ [القصص: 38].

 

وأما الفساد فهو تغيير طبائع الأشياء الحسنة إلى صورة قبيحة مستهجنة، فإذا فسد الطعام تغيرت ريحه، ولم يستساغ طعمه، وكان أقرب إلى الضرر منه إلى النفع، فهم لا يعمرون الأرض كما يزعمون أو يظنون، فبالرغم مما أعطاهم الله من قوة في البدن ورفعة في العماد وقدرة على تسخير الكون، وتطويع أقسى ما فيه لمصالحهم، وترفيه أنفسهم في المسكن وتركيز للسلطة وحشد في الجند إلا أنهم قابلوا هذه النعم بنقيض مقصودها، وهذا هو عين الفساد، أن تهتم الدولة بكفالة أسباب الترف لطبقة الأقوياء ولا تسعى إلى كفالة حقوق الضعفاء، وأول ما يبدأ الفساد يبدأ بالترف، وذلك حينما تهدر النعمة فلا توضع في موضعها، ولا يتم استغلالها الاستغلال الأمثل، وليس أحد قادر على ذلك إلا إن كان تقيا، ولذلك صدَّر نبي الله هود نصيحته لقومه بالتقوى ثم تذكيرهم بما أنعم الله عليهم من نعم، هم في شغل بها، ولا يشتغلون بشكر الله عليها، فقال الله تعالى حاكيا عن نبيه هود ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُم بِمَا تَعْلَمُونَ * أَمَدَّكُم بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ * وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ﴾ [الشعراء: 131-134]، والفساد مرض إذا أصاب بعض الجسد تعدى إلى سائره، ولذلك كان من الواجب استئصاله لحظة ظهور أول علاماته، فإذا فسد الحاكم فسدت حاشيته، وإذا فسدت الحاشية فسد الجند، وإذا فسد الجند فسد أتباعهم، وإذا فسدوا فسد المجتمع إلا الفئة المؤمنة التي لا تزال ثابتة على الحق، وقد نصح نبي الله صالح قومه أن يعزلوا أنفسهم عن الفاسدين حتى لا يكون للفساد عليهم يد عليا، فيأمرونهم ويطيعونهم، قال تعالى حاكيا عن نبيه صالح ﴿ وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ * الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ ﴾ [الشعراء: 151-152].

 

كما أن الفساد ينصب على طائفة الضعفاء، فقد تجد الدولة تسير في أرقى درجات الرقي والتحضر والاحترام مع الطبقات الغنية أو الوسطى، وتجد الصورة مقلوبة تماما مع الطبقات الأقل من متوسطة والفقيرة، فلما أن علا فرعون في الأرض استطاع تقسيم شعبه ليجعله طوائف وفرق متفرقة، قال تعالى ﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [القصص: 4]، مما أدى إلى ازدياد الفجوة بين طوائف الشعب، ليتحول إلى طبقات لا تقارب بينها، وينقسم إلى شيع، فلا يتحدوا أو يجتمعوا على شيء، في حين أنه يجمع من حوله من السحرة والجند، فأضحت كل طائفة تعادي الطائفة الأخرى، ليسود هو فلا يجرؤ أحد على معاداته، وهذا كان حال المدينة الفرعونية في ظل الحكم الفرعوني، قال سبحانه ﴿ وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ ﴾ [القصص: 15]، كما اشتد ظلمه على المستضعفين، واستمر ظلمه حتى بعدما ظهر موسى عليه السلام إليه ليرشده وينصحه، انظر إلى بني إسرائيل كيف أنهم يشتكون لموسى عليه السلام ظلم فرعون ثم هو يصبرهم ويبشرهم بنصر الله تعالى ﴿ قَالُواْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ﴾ [الأعراف: 129].

 

يقول صاحب الظلال: (حقيقة ينساها البشر حين يمكّن الله لهم في الأرض، ينسون أن هذا التمكين إنما تم بمشيئة الله ليبلوهم فيه، أيقومون عليه بعهد الله وشرطه من العبودية له وحده، والتلقي منه وحده؟ أم يجعلون من أنفسهم طواغيت تَدّعي حقوق الإلهية وخصائصها؟ إنها حقيقة ينساها البشر، فينحرفون عن عهد الله ويمضون على غير سنة الله، ولا يتبين لهم في أول الطريق عواقب هذا الانحراف، ويقع الفساد رويدًا رويدًا وهم ينزلقون ولا يشعرون حتى يستوفي الكتاب أجله ويحق وعد الله، ثم تختلف أشكال الأخذ والنهاية؛ فمرة يأخذهم بعذاب الاستئصال، بعذاب من فوقهم أو من تحت أرجلهم كما وقع لكثير من الأقوام، ومرة بالسنين ونقص الأنفس والثمرات كما حدث لأقوام آخرين، ومرة يذيق بعضهم بأس بعض، فيعذب بعضها بعضًا، ويدمر بعضهم بعضًا، ويسلط الله عليهم عبادًا له - طائعين أو عصاة - يخضدون شوكتهم، ويقتلعونهم مما مكنوا فيه؛ ثم يستخلف الله العباد الجدد ليبتليهم بما مكنهم، وهكذا تمضي دورة السنة.. السعيد من وعى أنها السنة، ومن وعى أنه الابتلاء؛ فعمل بعهد الله فيما استخلف فيه. والشقي من غفل عن هذه الحقيقة، وظن أنه أوتيها بعلمه، أو أوتيها بحيلته، أو أوتيها جزافًا بلا تدبير!) [32].

 

الآيتان (13-14) قوله تعالى ﴿ فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ﴾:

أجمل المولى سبحانه وتعالى صور العذاب لهؤلاء القوم الطغاة المفسدين، فذكر سبحانه أنه أنزل عليهم العذاب صبا، وفي ذلك دلالة على كثرته، كما ذكر سبحانه أن لهذا العذاب سوط، كناية عن شدة الألم المصاحب له، فجمع العذاب بين الكثرة والألم، فأهلك عاد بالريح السموم، ﴿ وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ * فَهَلْ تَرَى لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ ﴾ [الحاقة: 6-8]، فكانوا كأعجاز النخل من رفعة عمادهم، ولكنهم كأعجاز نخل خاوية من شد ما أصابهم من تدمير بسبب الريح، وأهلك ثمود بالصيحة ﴿ وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ * وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا فَكَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ * وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ * فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ ﴾ [الحجر: 80-83]، وقوم فرعون - كذلك - أهلكهم الله تعالى بالغرق، يقول سبحانه ﴿ فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [العنكبوت: 40]، وهذه هي سنة الله تعالى في الطغاة الظالمين المفسدين، يرصد أفعالهم ولا يتركهم هملا، وإنما يؤاخذهم بها ويحاسبهم عليها بعد أن يمهلهم، فإذا أخذهم كان أخذه أليم شديد، يقول سبحانه ﴿ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ﴾ [هود: 102].

 

وهذه هي سنة الله تعالى كانت في قوم نوح ثم في قوم عاد وثمود، قال سبحانه ﴿ وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ ﴾ [العنكبوت: 38]، فكانت في القرون السابقة، ولا نزال نرى آثارهم ظاهرة، ولا نجد أثرا لهم غير مقابرهم (كالأهرامات)، (آثار قوم عاد)، قال تعالى ﴿ أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُوْلِي النُّهَى ﴾ [طه: 128]، ولا تزال مساكنهم شاهدة عليهم، ولم يرثها أحد من قومهم، وإنما ورثها الله تعالى وهو خير الوارثين، قال سبحانه ﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ * وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ ﴾ [القصص: 58-59]، وعلى وجه العموم، فقد كتب الله تعالى على كل حضارة مادية وكل نهضة اقتصادية وكل مجتمع بشري الهلاك قبل يوم القيامة، فلا يبقى غير الله تعالى الذي لا يهلك أبدا، قال سبحانه ﴿ وَإِن مَّن قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِك فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا ﴾ [الإسراء: 58].

 

يقول صاحب الظلال (وإنه لما يخدع الناس أن يروا الفاجر الطاغي أو المستهتر الفاسد أو الملحد الكافر ممكنًا له في الأرض، غير مأخوذ من الله.. ولكن الناس إنما يستعجلون.. إنهم يرون أول الطريق أو وسطه؛ ولا يرون نهاية الطريق.. ونهاية الطريق لا ترى إلا بعد أن تجيء! لا ترى إلا في مصارع الغابرين بعد أن يصبحوا أحاديث.. والقرآن الكريم يوجه إلى هذه المصارع ليتنبه المخدوعون الذين لا يرون - في حياتهم الفردية القصيرة - نهاية الطريق؛ فيخدعهم ما يرون في حياتهم القصيرة ويحسبونه نهاية الطريق! إن هذا النص في القرآن: ﴿ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ ﴾ [الأنعام: 6].. وما يماثله، وهو يتكرر كثيرًا في القرآن الكريم.. إنما يقرر حقيقة، ويقرر سنة، ويقرر طرفًا من التفسير الإسلامي لأحداث التاريخ..) [33].

 

قال تعالى ﴿ فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ ﴾ [الفجر: 15-16].

يكشف الله تعالى الحقيقة النفسية لبعض العباد، ذلك أنهم وإن أقروا بربوبية الله تعالى سبحانه لكنهم قد يعترضون على تدبيره للأمور وقضائه وقدره، فهم يقرون لله تعالى بالفضل في الرخاء، ولا يصبرون على الشدة، فهل يقبل منهم مثل هذا الإيمان؟ بالطبع لا يكتمل إلا بعد الإقرار بالقضاء والقدر بالكلية دون أدنى اعتراض، قال تعالى ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا ﴾ [الأحزاب: 36].

 

وهنا يوضح المولى سبحانه وتعالى حقيقة اختباره لعباده بالعطاء والمنع، ويُبيِّن شاكلة أولئك الظالمين المستكبرين كيف أنهم لا يقابلون النعمة بالشكر لله تعالى صاحب الفضل والمن، يقول سبحانه جل شأنه عنهم ﴿ أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ [المؤمنون: 55، 56]، فهم يتفاخرون بما أوتوا من نعمة حتى وإن نسبوا الفضل لله تعالى، ﴿ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ ﴾ [الفجر: 15]، فهو ليس إقرار منه بهذا الفضل بقدر استشعاره في قرارة نفسه أنه مستحق لهذا الفضل، كالذي يقول إنما أوتيت هذا المال وتلك النعم بجهد وعلم - وإن لم ينكر فضل الله عليه في توفيقه لذلك - لكنه ظل ناسيا أن ذلك محض اختبار الله له، قال تعالى ﴿ ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الزمر: 49].

 

وهو سبحانه قد يجعل لهم نصيبهم في الدنيا من الخير حتى لا يكون لهم منه نصيب يوم القيامة، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مُؤْمِنًا حَسَنَةً يُعْطَى بِهَا فِي الدُّنْيَا وَيُجْزَى بِهَا فِي الْآخِرَةِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُطْعَمُ بِحَسَنَاتِ مَا عَمِلَ بِهَا لِلَّهِ فِي الدُّنْيَا حَتَّى إِذَا أَفْضَى إِلَى الْآخِرَةِ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ يُجْزَى بِهَا) [34]، فعلى الإنسان أن يحذر حينما يبسط الله له في الرزق، ومغزى هذ الابتلاء، هل لأجل زيادة الشكر، ومن ثم يريد الله تعالى أن يرى أثر نعمته على عبده بزيادة الشكر، أم أنه لأجل الاستدراج، يقول المفسر النيسابوري (البسط هو إكرام في الظاهر الغالب، والبسط لأجل الاستدراج، قليل وعلى قلته فهو خير من خسران الدنيا والآخرة جميعًا).

 

قال العلامة ابن القيم (ذكر حال الموسع عليهم في الدنيا والمقتر عليهم وأخبر أن توسعته على من وسع عليه - وإن كان إكراما له في الدنيا - فليس ذلك إكراما على الحقيقة ولا يدل على أنه كريم عنده من أهل كرامته ومحبته وأن تقتيره على من قتر عليه لا يدل على إهانته له وسقوط منزلته عنده بل يوسع ابتلاء وامتحانا ويقتر ابتلاءً وامتحانًا، فيبتلى بالنعم كما يبتلى بالمصائب، وسبحانه هو يبتلى عبده بنعمة تجلب له نقمة وبنعمة تجلب له نعمة أخرى وبنقمة تجلب له نقمة أخرى وبنقمة تجلب له نعمة فهذا شأن نعمه ونقمه) [35]

 

وفي الفرض العكسي قد يُختبر الإنسان بالمحنة والشدة لعلها تحمله إلى الرجوع إلى الله تعالى، والإقبال على التوبة، بعد أن انهمك في الخير والنعمة، فهما ابتلاءان الشدة والنعمة، وكلاهما من الله تعالى قال سبحانه ﴿ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ ﴾ [الفجر: 15]، وقال ﴿ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ ﴾، ولا بد للابتلاء أن يتضمن خيرًا وشرًّا، فلا يبتلى المرء بالخير فحسب ولا بالشر فحسب، قال تعالى ﴿ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾ [الأنبياء: 35]، فمن استرجع وصبر فقد نجا وفلح، فعن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال (إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته قبضتم ولد عبدي فيقولون نعم فيقول قبضتم ثمرة فؤاده فيقولون نعم فيقول ماذا قال عبدي فيقولون حمدك واسترجع فيقول الله ابنوا لعبدي بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد) [36]، أما من سخط على ابتلاء الشر دون الخير فقد نسي أنه في ابتلاء، ولو استرجع لتذكر ذلك، يقول سبحانه وتعالى ﴿ لَا يَسْأَمُ الْإِنسَانُ مِن دُعَاء الْخَيْرِ وَإِن مَّسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُوسٌ قَنُوطٌ ﴾ [فصلت: 49]، ولا يدري أحدهم الحكمة من ذلك، فقد ورد عن السلف قولهم: (إن من عباد الله تعالى من لا يصلح إيمانه إلا بالغنى، ولو أفقره الله تعالى لكفر، وإن من عباد الله تعالى من لا يصلح إيمانه إلا بالفقر، ولو أغناه الله تعالى لكفر، وإن من عباد الله تعالى من لا يصلح إيمانه إلا بالسقم، ولو أصحه الله تعالى لكفر، وإن من عباد الله تعالى من لا يصلح إيمانه إلا بالصحة، ولو أسقمه الله تعالى لكفر [37].

 

قال تعالى ﴿ كَلَّا بَل لَّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ، وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَّمًّا * وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا ﴾ [الفجر: 17-20].

 

اختار الله تعالى من صور الظلم التي يفعلها الطغاة والمفسدون أربعا، يفسرهن منهجهم الاقتصادي والاجتماعي والسياسي في إدارة دولتهم الظالمة، هن أسس نظام دولتهم القمعية والاستبدادية؛ حيث تقوم على أربعة مبادئ:

المبدأ الأول: عدم احترام حقوق الإنسان ما لم يكن له مكانة اجتماعية بين قومه، وذلك ثابت في قوله تعالى ﴿ كَلَّا بَل لَّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ ﴾، فهم يهضمون حقوق الضعفاء، ولا يعلمون أن هذا اليتيم المسكين له حقوقا لا تقف عند حد حقوق الإنسان فحسب، وإنما يجب أن يكفلوا له معاملة مادية ومعنوية تحقق له الكرامة والعيش في مستوى لائق مثلما يكفلون أبناءهم ويربونهم، فهم لا يعيرون اهتماما لطفل فقد أباه، إذ لا يمثل في فكرهم المادي إضافة اقتصادية للمجتمع، وإنما هو عالة عليه، فيمثل قيمة مستهلكة للاقتصاد القومي، ومن ثم لا يدخل في حساباتهم المادية، ولا يتم تخصيص أدنى رقم حسابي لكفالته في مشروع موازناتهم المستقبلة، والإسلام بخلافهم حيث يرعى اليتامى إيما رعاية - وقد فصلت سورة البلد هذا الأمر فليرجع إليها للاستزادة - لكن المعنى الذي يحتاج إلى إظهار هنا هو قسوة قلوبهم لدرجة حدت بهم إلى تجاهل أبناء هذا المجتمع، الذين فقدوا العائل لأسرتهم، لكنهم لا يزالون في رعاية رب العالمين.

 

عن أبي هريرة: أن رجلا شكا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قسوة قلبه فقال (إن أردت أن يلين قلبك فأطعم المساكين وامسح رأس اليتيم )[38]، وقد اشتهر القول عن السلف (من مسح رأس يتيم لم يمسحه إلا لله كان له بكل شعرة تمر عليها يده حسنات)[39]، يقول علماء وجه الإعجاز في الإرشاد النبوي إلى المسح على رأس اليتيم، يكمن في أمرين:

الأول: في المسح على رأس اليتيم: فمنطقة الرأس هي منطقة الاتصال المحيطي بالآخرين، ففيها الجهاز العصبي، فعندما يضع الشخص (الماسح) يده على رأس اليتيم يحدث اتصال بينهما، فهو عند المسح يقوم بإزاحة وإزالة تلك الشحنات السلبية التي يحملها ذهن اليتيم، وبتكرار تلك العملية يهدأ ذهن اليتيم ويطمئن ويرتاح جسده، والبديع في تلك العملية أنه يحدث لكلا الشخصين (الماسح واليتيم) آثارًا إيجابية في ذات الوقت.

 

الثاني: في الأثر على الماسح: في تخلصه من الأمراض القلبية مثل القسوة، فمن ابتلي بداء من الأخلاق الذميمة يكون تداركه بما يضاده من الدواء، فالتكبر يداوى بالتواضع، والبخل بالسماحة، وقسوة القلب بالتعطف والرقة، فالعلاقة هي علاقة تبادل (أخذ وعطاء) (قسوة ولين)، فكلما قسى قلب المرء عليه أن يلينه بالمسح على رأس اليتيم، وكلما أراد حاجة، عليه أن يسعى في تلبية حاجات الآخرين [40].

 

المبدأ الثاني: عدم الاهتمام بالعمل الخيري، بل وإفشاله ومحاربة القائمين عليه، وذلك بيِّن في قوله تعالى ﴿ وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ﴾ [الفجر: 18]، فدلالته الأولى خبوت نشاطهم الاجتماعي، فلا تجد لهم دور في الحياة الاجتماعية مطلقا، بالرغم من كونهم ولاة أمور أمثال فرعون وغيرهم، فأين إكرامهم لليتيم؟ وأين حضهم الناس على إطعام المساكين؟ فإذا فقد ولاة الأمور الصلة بينهم وبين الضعفاء فقدوا شرعيتهم للعمل الجماعي في إطار المصلحة العامة، إذ يتعين عليهم كفالة اليتيم بإكرام دون من ٍ أو رياء أو استغلال، ويتعين عليهم - كذلك - أن يكفلوا العمل الاجتماعي ويحثوا المؤسسات الخيرية على فعل الخير كإطعام المساكين، ولا يقفوا حائلا دون هذه المؤسسات ومباشرة دورها الاجتماعي.

 

المبدأ الثالث: البقاء للأقوى، ولا مكان للضعفاء، وذلك ظاهر في قوله تعالى ﴿ وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا ﴾ [الفجر: 19]، فتراهم أسرع الناس في أكل أموال اليتامى، كناية عن أكل حقوق الضعفاء قياسا على اليتامى، فيظلمونهم ويأكلون ميراثهم متى سنحت الفرصة لذلك، ويأكلون أموال الصدقات دون تورع أو كسوف أو خجل [41]، لأنهم لما علموا أن أهل الحق يحولون بينهم وبين سلطانهم وأموالهم التي سرقوها من حقوق الضعفاء وقفوا أمام أهل الحق موقف الصادين عن سبيل الله، وذلك من خلال سياسة تجفيف المنابع، بمعنى أن يجعلوا ثمة حائل بين وصول أهل الحق بأموالهم وجهدهم لهؤلاء الضعفاء، فيشتدون على هؤلاء الضعفاء بظلمهم من جهة، ويقطعون كل صلة بينهم وبين أهل الحق من جهة أخرى، فلا يسمحون وفقا لقوانينهم أن تشيد مؤسسات خيرية لإطعام المسكين أو فعل الخير للضعفاء، اللهم إلا وفقا لإجراءات تكفل تقويضها وقتما يشاءون لأجل المصلحة التي يريدون، وقد بين المولى سبحانه ظلمهم في أنهم يأكلون أموال الضعفاء اليتامى، وهو ما يستتبع كذلك أكل أموال الأوقاف الخيرية وما شابه ذلك من أموال مخصصة لأعمال الخير هم مستأمنون عليها، وذلك كله لإرواء غريزة حب المال، والسعي وراءه كالمسعور.

 

المبدأ الرابع: تعظيم المال، وجعله هدفا يُسعى وراءه، وتعظيم الاكتناز، بحيث يكون للمال في ذاته قيمة لا لأجل ما يمكن شراؤه به، ومن ثم الاعتماد على الربا لتحقيق ذلك؛ حيث يتم شراء المال بفائدة معلنة دونما أن تدخل سلعة وسيطا بين البائع والمشتري، ويترتب على ذلك تعظيم الاستثمار المالي على الاستثمار الحقيقي، والاهتمام بالربا على حساب الإنتاج والعمل، ويمكن الاستدلال على ذلك من قوله سبحانه ﴿ وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا ﴾ [الفجر: 20]، فحبهم للمال وحسدهم لأهل الإيمان وحقدهم على الضعفاء أعمى أبصارهم عن فعل الخيرات وإعطاء الحقوق لأصحابها، فهم قوم ماديون يعبدون المال ويحفون وراءه، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - (لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى ثالثا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب) [42]، فمهما اكتنزوا من أموال فإنه لا يزالون يعظمون المال حتى لو اكتفوا من خيرات الدنيا ما يشبع شهواتهم حتى الإرواء، لكنه لا يشبع حبهم للمال أبدا.

 

قال تعالى ﴿ كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا، وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا * وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى * يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي * فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ ﴾ [الفجر22: 26].

 

قال الشوكاني (كرّر سبحانه الردع لهم والزجر فقال: [كَلاَّ ] أي: ما هكذا ينبغي أن يكون عملكم) [43]، والظرف الذي اقترن بالآية هو وقت دك الجبال، والدلالة المستفادة من هذه الآية أن الطغيان والفساد لا يزال وأهل الحق يتصارعان حتى تأتي القيامة، ويأذن الله تعالى لهذه الدنيا أن تزول، فلا يظن أهل الحق أنهم سوف ينعمون في هذه الدنيا بالعيش في مجتمع يهنأ بمكارم الأخلاق، ويسعد بشيم العادات، وينتصر على الأعداء، إذ لو كان ذلك بحاصل لكان مجتمع النبي - صلى الله عليه وسلم - أولى به منا، وقد عانى في أحد والأحزاب وحنين وتبوك ما عانى، وفي عهده نزلت الآية ﴿ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [النور: 33]، فكان رأس النفاق عبدالله بن أبي بن سلول يكره ملك يمينه على البغاء، ولم يملك النبي - صلى الله عليه وسلم - لهن غير أن أخبرهن بأن الله غفر لهن، ولما استتب له الأمر قبيل وفاته - صلى الله عليه وسلم - عاد المسلمون ليجاهدوا جيش مسيلمة الكذاب مع أبي بكر الصديق ومانعي الزكاة، وهكذا لا يزال الصراع بين أهل الحق والباطل قائما إلى يوم القيامة، فلو نعم أهل الحق بفترة من الطمأنينة والسلم فإن الوقت يمضي سريعا ليجابهوا الباطل مرة أخرى، فإذا أهلك الله طائفة من الطغاة والمفسدين خلفهم طائفة أخرى على شاكلتهم يفسدون في الأرض ليجدوا أهل الحق فيدفعونهم، ولذلك أجمع العلماء والمفكرون على أن (الصراع والمدافعة بين الحق والباطل وُجِدا منذ أن أهبط آدم عليه الصلاة والسلام على هذه الأرض ومعه إبليس الملعون، واقتضت حكمة الله عز وجل أن يستمر هذا الصراع إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها بين حزب الله، وحزب الشيطان، وليس بالضرورة أن تكون المدافعة أو أن يكون الصراع بالقتال والسلاح، بل إنه يكون بغير ذلك، وما القتال إلا مرحلة من مراحل هذا الصراع؛ فإقامة الحجة على الباطل وأهله: مدافعة، وإزالة الشبه عن الحق وأهله: مدافعة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: مدافعة، والصبر على ابتلاء الأعداء من الكفرة والظلمة، والثبات على الدين، كل ذلك مدافعة وصراع)[44].

 

ثم يبين المولى سبحانه وتعالى أن عذابه لا يقتصر على إهلاك الطغاة في الدنيا وأخذ المفسدين أخذا شديدا، بل إن غضبه لجرمهم شديد، وغضبه لطغيانهم ليظهر على الكون كله، إذ الأرض من شدة غضبه سبحانه يوم القيامة تدك دكا شديدا، فيقول الرسل يوم القيامة (إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله) [45]، ومن مظاهر هذا الغضب أن يعرض المولى سبحانه وتعالى جهنم على الخلائق في صورة مرعبة تأتي ويجرها الملائكة: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها) [46].

 

وهنا فحسب يستشعر المقصر في حق ربه - وكلنا مقصر- مواضع هذا التقصير، وتنتاب الإنسان حسرة على كل ما قدم في هذه الدنيا من عمل قد يرديه إلى النار، فيتمنى لو كان قدم فيها غير ما عمل، ولو أحسن فيتمنى لو ازداد حسنا، ذلك أن العرض اليوم على الملك الجبار - وهو يوم يسبق الحساب - بقدر ما قدم من عمل في الدنيا، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - (تدنى الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل - [47]- فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق فمنهم من يكون إلى كعبيه ومنهم من يكون إلى ركبتيه ومنهم من يكون إلى حقويه ومنهم من يلجمه العرق إلجاما قال وأشار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده إلى فيه) [48]، فإذا انتهى العرض والحساب والميزان والصراط والقضاء جاء الجزاء بقدر العمل كذلك، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - (إن منهم من تأخذه النار إلى كعبيه ومنهم من تأخذه إلى حجزته ومنهم من تأخذه إلى عنقه) [49]، فيأتي العذاب بما لا يستطع الإنسان تحمله، مقرونا بالتوثيق والتقييد، وقد وصف ربنا هذا الوثاق في آية أخرى فقال ﴿ إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلاَلًا فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ ﴾ [يس: 8]، فهو عذاب نكاية وذل وهوان، ألا يشفق كل مستكبر على نفسه من هذا العذاب!؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة فيصبغ في النار صبغة ثم يقال يا ابن آدم هل رأيت خيرا قط؟ هل مر بك نعيم قط؟ فيقول لا والله يا رب ويؤتى بأشد الناس بؤسا في الدنيا من أهل الجنة فيصبغ صبغة في الجنة فيقال له يا ابن آدم هل رأيت بؤسا قط؟ هل مر بك شدة قط؟ فيقول لا والله يا رب ما مر بي بؤس قط ولا رأيت شدة قط) [50].

 

قال تعالى ﴿ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي ﴾ [الفجر27: 30].

 

يأتي القرآن كعادته لبيان مصير المؤمنين في الآخرة بعدما أبان مصير المستكبرين، إذ يخاطب المولى سبحانه تلك النفس التي اطمأنت بذكر الله تعالى، ﴿ الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28]، تلك النفس التي لاقت من المشقة والتعب والنصب والظلم في الدنيا وفي سبيل الله تعالى ما تحملته وصبرت عليه، ولم يفارقها الإيمان بالله تعالى والرضا عنه، فتعود إلى خالقها وبارئها، وترجع إليه بالرضا التي كانت عليه في الدنيا، وتدخل في الجسد - لحظة البعث - مرة أخرى، لتجد ما ادخره الله لها من نعيم.

 

ولكي نتحدث عن النفس المطمئنة لا بد وأن نفهم ما تطمئن به النفس، فالنفس كمخلوق فطري لها احتياجاتها، فكما أن الإنسان مسير في احتياجات جسده فيحتاج إلى الطعام والشراب، ولا يمكنه أن يدع ذلك، ويحتاج إلى النوم ولا يمكنه إنكار ذلك، كذلك فإن النفس البشرية لها احتياجاتها، فإن لم يلب الإنسان احتياجاتها لا تزال مرتابة فزعة لا تهدأ ولا تسكن إلا إذا جاءها ما تطمئن به، فإذا جاءها فلا بد وأن تأخذ منه ما يشبعها ويرويها، وإلا فاتتها الفرصة، وتظل على حالها من الفزع والخوف والترقب، ولا تهدأ النفس ولا تسكن أو تطمئن إلا بذكر الله ﴿ الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28]، فإذا اطمأن القلب اطمأنت النفس، وليس ذلك لأحد إلا من أتى الله بقلب سليم.

 

يقول العلامة ابن القيم عن القلب السليم أو الصحيح (هو الذي همه كله في الله وحبه كله له وقصده له وبدنه له وأعماله له ونومه له ويقظته له وحديثه والحديث عنه أشهى إليه من كل حديث وأفكاره تحوم على مراضيه ومحابه، والخلوة به آثر عنده من الخلطة إلا حيث تكون الخلطة أحب إليه وأرضى له قرة عينه به وطمأنينته وسكونه إليه فهو كلما وجد من نفسه التفاتا إلى غيره تلا عليها يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية، فهو يردد عليها الخطاب بذلك ليسمعه من ربه يوم لقائه فينصبغ القلب بين يدي إلهه ومعبوده الحق بصبغة العبودية فتصير العبودية صفة له وذوقا لا تكلفا فيأتي بها توددا وتحببا وتقربا كما يأتي المحب المقيم في محبة محبوبه بخدمته وقضاء أشغاله فكلما عرض له أمر من ربه أو نهي أحس من قلبه ناطقا ينطق لبيك وسعديك إني سامع مطيع ممتثل ولك علي المنة في ذلك والحمد فيه عائد إليك) [51].

 

وقال ابن القيم رحمه الله (فالنفس إذا سكنت إلى الله واطمأنت بذكره وأنابت إليه واشتاقت إلى لقائه وأنست بقربه فهي مطمئنة وهي التي يقال لها عند الوفاة يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية، وحقيقة الطمأنينة: السكون والاستقرار فهي التي قد سكنت إلى ربها وطاعته وأمره وذكره ولم تسكن إلى سواه فقد اطمأنت إلى محبته وعبوديته وذكره واطمأنت إلى أمره ونهيه) [52].

 

فإذا ما اطمأنت النفس ورجعت إلى ربها فحالها حينئذ الرضا، فترجع راضية مرضية، وذلك هو أجزل العطاء وخير الثواب حتى الرضا، فلا يؤثر فيها شيء من نغص الدنيا، ولا تتذكر شيئًا من تعب أو نَصَبٍ، ولا تحزن على شيء فاتها، ولا تعبأ لبؤس عانت منه، فحين تدخل في جسد العباد وتسترد الحياة بعد الممات فإنها تسعد بما لا يدرك بالوصف ولا الخيال، إنها الجنة التي أعدها الله للمتقين، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - (يؤتى بأشد الناس بؤسا في الدنيا من أهل الجنة فيصبغ صبغة في الجنة، فيقال له يا ابن آدم هل رأيت بؤسا قط؟ هل مر بك شدة قط؟ فيقول لا والله يا رب ما مر بي بؤس قط، ولا رأيت شدة قط) [53].

 

فاستبشروا يا أنصار الله، يا أنصار الرسل والأنبياء، يا أصحاب دعوة الحق، فنصر الله آت لا محالة، ومهما طال الليل فلا بد من طلوع الفجر، فاستمسكوا بشعائر دينكم، وادفعوا الباطل دفعا، واعلموا أن الحق في نصرة الضعفاء، والظلم في الجور عليهم، ولا يستقيم أن يجتمع حق وظلم، والله يفصل بين الأهلين يوم القيامة، فاطمئنوا بما أعده الله لكم، ولا تحفلوا بشيء من هذه الدنيا، فالنصر آت فالنصر آت فالنصر آت.



[1] ( سمي العقل حجرًا؛ لأنه يمنع الإنسان من تعاطي ما لا يليق به من الأفعال والأقوال )، ذكره ابن كثير في تفسيره.

[2] Did you know، that the highest proportion of ozone gas (O3) in the atmosphere is registered at dawn. Thereafter it starts to fade away and completely disappears by sunrise.

What does this ozone gas do to us? This gas is very important and beneficial for our nervous system as it vivifies the brain and energies the muscles such that when a person inhales the beautiful breeze at dawn، known as the SAABA wind، they will experience a pleasure that is unparalleled at any other time of day or night.

http::: nattymuslimah.blogspot.com: 2008: 11: benefit-of-ozone-gas-at-dawn-fajr.html

natheera -Registered Nurse - Perth، Western Australia، أستراليا

[3] أ د. محمد سعد عبد اللطيف: مقال بعنوان: غاز الأوزون يستخدم فى علاج العديد من الأمراض.

[4] الأوزون لا يدرس في كليات الطب. إضافة إلى وقوف المجتمع الطبي ضده ليس بالتجاهل فقط، ولكن بالتهديد أيضا بسحب ترخيص ممارسة المهنة من الأطباء الذين تسول لهم أنفسهم استخدام الأوزون في علاج المرضى، بل ومحاكمتهم وإغلاق عياداتهم، لماذا كل هذا التشدد في مواجهة هذا الغاز الطيب؟ ترى الباحثة نفسها أن الأوزون وغيره من المؤكسدات الحيوية أدوية ليس لها براءة اختراع محددة وهي قليلة التكاليف من حيث التحضير والاستعمال، فالتكلفة النهائية لجلسة العلاج بالأوزون لا تزيد على عشرة دولارات أمريكية، فإذا أضاف الطبيب أجره وتكاليف شراء الأجهزة اللازمة لتحضير وتعاطي الأوزون بل وإيجار العيادة ذاتها فإن التكاليف تصل بالكاد إلى نصف التكاليف المدفوعة في العلاج التقليدي. ومن هنا يمثل العلاج بالأوزون تهديدا حقيقيا للمؤسسات الطبية الكبرى ومن بينها شركات الأدوية العملاقة التي تحتكر العقاقير التقليدية والمستشفيات الخاصة التي اعتادت استخدام أدوية باهظة ووسائل طبية معقدة وإقامة طويلة الأمد بالمستشفيات. إذن لماذا لم تعترف منظمة الدواء والغذاء الأمريكية الشهيرة والتي تسعى لفرض هيمنتها - إن لم تكن قد هيمنت بالفعل - على كل الأدوية والأجهزة الطبية ليس داخل حدودها الأمريكية فقط، بل في العالم بأسره بهذا الأوزون اليتيم؟ ترى السيدة ناتانيل أن هذه المؤسسة الكبرى وغيرها من المؤسسات الصحية الحكومية دائما ما تخضع لنفوذ شركات الأدوية واللوبي الطبي بما يجعل إجراء الأبحاث على هذه النوعية من الأدوية وغيرها من الأدوية التي لا تهم سوى الفقراء أو ما يعرف بالأدوية اليتيمة مسألة غاية في الصعوبة. لكننا نشير هنا إلى أن المؤسسات الصحية الأمريكية والكندية قد اعترفت أخيرا بالأوزون والمؤكسدات الحيوية الأخرى كعلاج.

مجلة شهرية ثقافية مصورة تأسست عام 1958 تصدرها وزارة الإعلام بدولة الكويت للوطن العربي.

http: www.alarabimag.com: Article.asp?ART=10450&ID=142

[5] رواه البخاري ج2 ص 389 رقم 521.

[6] رواه ابن ماجة ج2 ص 415 رقم 708، وصححه الألباني: صحيح ابن ماجة ج1 ص 121 رقم 586.

[7] رواه البخاري ج 14 ص 332 رقم 4348.

[8] رواه الطبراني في المعجم الكبير ج19 ص 78 رقم 15827 - وصححه الألباني: انظر الصحيح الجامع حديث رقم 2841، والجامع الصغير و زياداته حديث رقم 5152.

[9] رواه مسلم ج3 ص 424 رقم 1075.

[10] تفسير القرآن للعثيمين ج27 رقم 3.

[11] رواه الترمذي ج3 ص 103 رقم 618 وصححه الألباني: الجامع الصغير ج1 ص 77 رقم 761.

[12] رواه ابن ماجة ج5 ص139 رقم 1633 وصححه الألباني: الجامع الصغير ج1 ص 394 رقم 3933.

[13] رواه ابن خزيمة ج3 ص 341 رقم 2214 وصححه الألباني.

[14] رواه مسلم في صحيحه ج6 ص 95 رقم 2008.

[15] جامع الأصول في أحاديث الرسول لابن الأثير ج6 ص 114 شرح حديث رقم 4215.

[16] رواه مسلم ج6 ص 96 رقم 2009.

[17] رواه البخاري ج4 ص 34 رقم 916.

[18] رواه ابن ماجة ج5 ص 260 رقم 1717 وصححه ابن ماجة ج1 ص289 رقم 1404.

[19] رواه البخاري ج5 ص 399 رقم 1423.

[20] رواه الحاكم في المستدرك و قال هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه تعليق الذهبي قي التلخيص: على شرط مسلم ج 4 ص 245 رقم 7517 - وضعفه الألباني: سلسلة الأحاديث الضعيفة ج7ص 162 رقم 3178.

[21] رواه النسائي في سننه الكبرى ج 2 ص 424 وغيره انظر صحيح ابن ماجة للألباني ج 2 ص 173 رقم 2441.

[22] رواه البخاري ج6 ص 224 رقم 1622.

[23] رواه مسلم ج 1 ص 521 رقم 758.

[24] رواه البخاري ج4 ص 310 رقم 1074.

[25] رواه البخاري ج4 ص312 رقم 1076.

[26] حاشية السيوطي والسندي على سنن النسائي ج3 ص 67 رقم 1590.

[27] البدء والتاريخ لابن المطهر ج1 ص 132 - البداية النهاية لابن كثير ج1 ص 262.

[28] رواه أحمد في مسنده ج2 ص 535 رقم 10926 وصححه الألباني: مشكاة المصابيح ج3 ص 246 رقم 5736.

[29] يقول الطبري في تفسيره (العرب تقول: جاب فلان الفلاة يجوبها جوبا: إذا دخلها وقطعها ) و المقصود أنهم قطعوا الجبال إذ لم يصعب عليهم شدتها أن قاموا بنقبها ونحتها لاتخاذها بيوتا لهم، وكأنهم يجوبون الصحراء من شدة تسخيرها لهم.

[30] البداية والنهاية لابن كثير ج1 ص 150.

[31] المختصر في أخبار البشر لأبو الفداء ج1 ص 3.

[32] في ظلال القرآن ج2 ص 470.

[33] في ظلال القرآن ج2 ص 470.

[34] رواه مسلم ج 13 ص 413 رقم 5022.

[35] التبيان في أقسام القرآن ج1 ص 21.

[36] رواه الترمذي ج4 ص 154 رقم 942 وابن حبان في صحيحه ج7 ص 210 رقم 2948 وحسنه الألباني: ج3 ص398 رقم 1408.

[37] البيهقي في الأسماء والصفات - مكتبة السوادي بتحقيق عبد الله بن محمد الحاشدي 1413هـ، عن جوامع الكلم ابن عساكر ج7 ص95 دار الفكر - معالم التنزيل ج4 ص 84، ط دار المعرفة 1407.

[38] رواه البيهقي في سننه الكبرى ج4 ص 60 رقم 6886 وصححه الألباني: الجامع الصغير ج1 ص229 رقم 2290.

[39] رواه أحمد في مسنده ج36 ص 614 رقم 22284، ولم يتم الألباني دراسته: مشكاة المصابيح ج3 ص 78 رقم 4974، وضعفه العلماء مرفوعا.

[40] د: مها الجار الله من الكويت كبير اختصاصي الدراسات الإسلامية - قسم التفسير والحديث - كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة الكويت - من أبحاث المؤتمر العالمي العاشر للإعجاز العلمي في القرآن والسنة بدولة تركيا 1432 هـ - 2011 م.

يرى جون بولي (Proximity Theory) من منظري نظرية الملامسة والاتصال أن علم التطور البيولوجي المعاصر يفرض علينا إعادة النظر بنظرية التحليل النفسي فهو يرى أن الفرد يولد بنزعة تقوم على أساس بيولوجي لطلب الاقتراب الحامي من الكبار خاصة الأم (Proximity Protective)، ثم كلا الوالدين فيما بعد وحسب هذه النظرية تعتمد شخصية الراشد فيما بعد على نوع الملامسة والاتصال التي حصل عليها في الفترات المبكرة من عمره، فهو يكون متعاوناً اجتماعياً متفاعلاً مع الآخرين إذا حصل على الملامسة في تلك الفترة، أما الذين لم يحصلوا عليها فيميلون إلى الانسحاب هذا الأساس يمكن إرجاع السلوك السايكوباتي إلى اضطراب علاقات الحب أو الارتباط الانفعالي بين الأبناء ومن يرعونهم.
وأكدت الدراسات العلمية وتطبيقاتها على الحيوان والإنسان أن الطفل الذي يلمس مقارنة بالطفل الذي لا يلمس، يزيد وزنه بمعدل 47 بالمائة، وجهازه العصبي ينضج أسرع، ويكون أكثر نشاط، ويتشافى من الأمراض والالتهابات أسرع.
وأثبت علم النفس أن للمسات أثر عميق في نفسية وسلوك الإنسان، فهي الأساس لاعتبار الناس والاعتراف بوجودهم وإعطائهم قيمتهم.

[41] وقيل معنى لما جمعا من قولهم: لممت الطعام: إذا أكلته جميعا.

[42] رواه البخاري ج 5 ص 2364 رقم 6072.

[43] فتح القدير ج7ص 493.

[44] من كتاب: "أفلا تتفكرون؟!" للشيخ: عبد العزيز بن ناصر الجليل.

[45] رواه البخاري ج 4 ص 1745 رقم 4435.

[46] رواه مسلم ج 4 ص 2184 رقم 2842.

[47] قال سليم بن عامر فوالله ما أدري ما يعني بالميل أمسافة الأرض أم الميل الذي تكتحل به العين.

[48] رواه مسلم ج14 ص 22 رقم 5108.

[49] رواه مسلم ج 4 ص 2185 رقم2845.

[50] رواه مسلم ج 4 ص 2162 رقم 2807.

[51] إغاثة اللهفان ج1 ص 73.

[52] إغاثة اللهفان ج1 ص 73.

[53] رواه مسلم ج13 ص 411 رقم 5021.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • القيامة في قصار المفصل ( سورة القارعة )
  • تفسير سورة الفجر

مختارات من الشبكة

  • حضارة العدل(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • حضارتنا تبدأ حيث تنتهي الحضارات (2)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • حضارتنا تبدأ حيث تنتهي الحضارات (1)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • المسلمون وحضارة الأنبياء قادة الحضارات(مقالة - موقع أ. د. عبدالحليم عويس)
  • الحضارات: سنن وقوانين(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • سنة الفجر أول السنن الراتبة(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن حمود الفريح)
  • من سنن الصلاة (سنن عامة في باب الصلاة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ستمائة عام من الإسلام في يوغوسلافيا(مقالة - المسلمون في العالم)
  • الأربعون النبوية في السنة النبوية: السنة في السنة (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الانبهار بالحضارة الغربية المادية (4)(مقالة - ثقافة ومعرفة)

 


تعليقات الزوار
1- عن سورة الفجر
إيمان - الجزائر 30-06-2015 06:52 PM

ما شاء الله

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب