• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / علوم قرآن
علامة باركود

تفسير سورة البقرة .. الآية (198)

تفسير سورة البقرة .. الآية (198)
الشيخ عبدالرحمن بن محمد الدوسري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 18/9/2013 ميلادي - 13/11/1434 هجري

الزيارات: 37427

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تفسير سورة البقرة

الآية (198)


قال تعالى: ﴿ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ ﴾ [198].


وقوله سبحانه وتعالى: ﴿ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ في الآية [198] هو استثناء مما سبق لئلا يتوهم متوهم من تكرار الوصية بالتقوى أن التجارة لا تباح مع الحج، وأن الحج مقصور على أعمال الخير والمبرات، فيحرم فيه ما كانت الجاهلية تفعله من المتاجرة في موسم الحج والتكسب فيه، كما يحرم الرفث والفسوق والجدال، فاستثنى الله ذلك لوجود الفارق العظيم بين مقاصد المسلمين والجاهليين، وهو أن تجارة المسلمين غالباً في الحج لا تخل بالإخلاص، لأنهم لا يقصدونها بذاتها وإنما يقصدون الحج أصلاً، والتجارة منفعة تابعة، وفضل من الله غير محظور ما دام أصل النية خالصاً للحج، وإنما الذي ينافي الإخلاص هو أن يكون أصل القصد طلب التجارة والتكسب في هذا الموسم، بحيث لو لم يتحقق الربح لما سافر إلى الحج ولا نواه، كالذي ضربنا أمثاله أول البحث، فأما مع صحة قصد الحج والإخلاص فيه فإن المتاجرة تكون داخلة في عموم المنافع التي يحصل عليها الحجاج.


وقد قيد بعض العلماء الرخصة فيما بعد انتهاء الحج ومنعها في أيامه، ولكن هذا التقييد تحكم بلا دليل، لأن آية الرخصة عامة تخللت أحكام الحج، فلا معنى لنفي الجناح في غير الحج.


وقد أخرج البخاري عن ابن عباس قال: كانت عكاظ ومجنة وذو المجاز أسواقاً في الجاهلية فتأثموا أن يتجروا في الموسم، فسألوا الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فنزلت، وقرأ ابن عباس الآية بزيادة في موسم الحج، وذلك منه تفسير لها.


ومما يدل على أن إباحة التجارة خلال الحج وقبل إتمامه قوله تعالى بعد الرخصة فيها: ﴿ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ ﴾ ففي ذلك أقوى دلالة على جواز التجارة في زمان الحج، وأما بعد الفراغ من الحج فلا شبهة في جوازها، ولكن هنا أمر ينبغي ملاحظته في الفرع كما نبهنا على ملاحظته في الأصل من قصد النية سابقاً، وهو أن الاشتغال بالتجارة إذا أحدث نقصاً في الطاعة لم يكن مباحاً، بل يكره أو يحرم على حسبما يحصل على الطاعة من الخلل، فمثلاً إذا أشغلته عن المبيت بمنى ليلة عرفة كانت مكروهة لأنها أشغلته عن فعل مندوب، وإذا هي أشغلته عن المبيت بمزدلفة كانت حراماً وأوجبت عليه دم، وإذا أشغلته عن رمي الجمار نهاراً كانت حراماً، وهكذا فينبغي ملاحظة حدود الله في مزاولة التجارة حتى خارج الحج. فمن أشغلته التجارة عن تحية المسجد أو عن فضيلة إدراك تكبيرة الإحرام في الصلاة كانت مكروهة ومن أشغلته عن صلاة الجماعة أو عن أدائها أول الوقت كانت محرمة عند ضيق الوقت، وكذلك من أشغلته التجارة عن فعل واجب ولو مع أهله كان انهماكه المشغل عن ذلك حراماً.


وقوله سبحانه وتعالى: ﴿ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ ﴾ الإفاضة معناها الاندفاع في السير بكثرة، وأما ﴿ عَرَفَاتٍ ﴾ فقد ذكروا في معانيها بضعة أقوال أشبه بالخرافات والسفاسف لم يصح فيها نقل ولا يهضمها عقل، ومن أجود ما قيل في تسميتها أن إبراهيم وإسماعيل لما دعوا الله أن يريهما مناسكهما أتاهما جبريل فعلم إبراهيم المناسك حتى أوصله إلى عرفات وقال له: أعرفت كيف تطوف؟ وفي أي موضع تقف؟ قال: نعم. فسمي هذا الموضع عرفة، والأجود منه أن الحجاج يتعارفون فيها إذا خيموا وإذا وقفوا بسبب سعة مكانها، والقول الثالث الوجيه أن اشتقاق عرفة من الاعتراف، لأن الحجاج إذا وقفوا في عرفة اعترفوا للحق سبحانه بالربوبية والجلال والصمدية والاستغناء عن كل شيء وبعظيم إنعامه عليهم، واعترفوا على أنفسهم بالفقر والذلة والمسكنة وشدة الحاجة والعبودية.


وليوم عرفة عشرة أسماء منها خمسة مشتركة بينه وبين غيره، وخمسة تخصه:

أحدها: عرفة كما ذكرناه من التعارف بين الحجاج واعترافهم لله بما سبق ذكره.

ثانيها: يوم إياس الكفار من دين الإسلام، فقد نودي فيه بأمر النبي صلى الله عليه وسلم ألا يحج بعد العام مشرك.

ثالثها: يوم إكمال الدين.

رابعها: يوم إتمام النعمة.

خامسها: يوم الرضوان.


فتسميته الثانية بيوم الإياس، لأن الله أنزل في عشيته: ﴿ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ ﴾ [المائدة: 3].


وتسميته الثالثة بإكمال الدين لقوله تعالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3].


فلم يأمرهم الله بعد ذلك بشيء. وتسميته الرابعة بإتمام النعمة، لأن أعظم النعم نعمة الدين التي ينال أهلها السعادتين في الدنيا والآخرة، وقد تمت في ذلك اليوم. وأما تسميته الخامسة يوم الرضوان، فهي لأن الله رضي لهم بدينهم الذي تمسكوا به وهو الإسلام، فهي بشارة بشرهم بها في ذلك اليوم، فلا يوم أكمل ولا أشرف من اليوم الذي بشرهم فيه بإكمال الدين، فهذا اليوم يوم صلة الواصلين: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3]. وقد قالت (يهود) لعمر بن الخطاب: لو أن هذه الآية نزلت علينا لاتخذنا ذلك اليوم عيداً، فقال عمر: نحن جعلناه عيدين: كان يوم عرفة ويوم جمعة، وقد قلت في ردي على الشاعر القروي الملحد من قصيدتي الميمية الطويلة:

وَقَوْلُكَ مِنْ غِشٍّ وَسُوءِ عَقِيدَةٍ
وَتَنْقِيصِ شَأْنِ الْعُرْبِ حِيلَةُ مُوهِمِ
(هَبُونِي بِعِيدٍ يَجْعَلُ الْعُرْبَ أُمَّةً)
وَذَا مِنْكَ يَا هَذَا إِهَانَةُ مُجْرِمِ
تَعَامَيْتَ عَنْ فَخْرِ الرِّسَالَةِ وَالْهُدَى
وَتَشْرِيفِ جَمْعِ الْعُرْبِ بَيْنَ الْأَعَاجِمِ
وَنَاشَدْتَهُمْ شَيْئًا كَمَطْلَبِ مُفْلِسٍ
بَعِيدٍ وَمَحْرُومٍ مِنَ اللَّهِ أَجْذَمِ
فَكَيْفَ تُهِينُ الْعُرْبَ فِيمَا طَلَبْتَهُ
وَتَجْعَلُهُمْ صِفْرَ الْيَدَيْنِ كَمَنْ عَمِي؟
فَلَوْ فَطِنُوا أَوْلَوْكَ قَتْلاً وَلَعْنَةً
وَلَمْ يَهَبُوكَ الْمَالَ مَعْ حُسْنِ أَوْسُمِ
وَلَكِنَّهُمْ لَمَّا نَسُوا اللَّهَ أَهْدَرُوا
كَرَامَتَهُمْ أَنْسَاهُمُ اللَّهُ مَكْرَمِي
فَأَفْقَدَهُمْ إِحْسَاسَهُمْ وَصَوَابَهُمْ
وَأَقْعَدَهُمْ عَنْ حُسْنِ حَظٍّ وَمَغْنَمِ
فَسُرُّوا كَأَتْبَاعٍ مَقُودِينَ فِي الْوَرَى
وَهُمْ قَادَةُ الدُّنْيَا بِدِينٍ مُقَوِّمِ
فَهَانُوا وَكَانُوا هَاضِمِينَ إِهَانَةً
كَمَيِّتِ جِسْمٍ لاَ يُحِسُّ بِمُؤْلِمِ
وَلَسْنَا مَفَالِيسًا مِنَ الْعِيدِ مِثْلَ مَا
تَوَهَّمْتَ أَوْ أَوْهَمْتَ أَتْبَاعَكَ الْعَمِي
فَأَعْظَمُ عِيدٍ أَنْزَلَ اللَّهُ آيَةً
بِهِ يَوْمَ (تَعْرِيفٍ) وَفِي (جُمْعَةٍ) نَمِي
بِهِ نُزِّلَنَّ (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ... دِينَكُمْ)
وَأَتْمَمْتُ نَعْمَائِي عَلَيْكُمْ بِمَكْرَمِ
(رَضِيتُ لَكُمْ دِينًا)، فَمَنْ يَكُ صَارِفًا
لَنَا عَنْهُ فَهْوَ الْمُعْتَدِي شَرَّ مُجْرِمِ
جَرِيمَتُهُ تَرْبُو عَلَى كُلِّ سَارِقٍ
لِمَالٍ وَبَاغِي الْعِرْضِ أَوْ سَافِكِ الدَّمِ
عَدُوٍّ لِرَبِّ الْعَرْشِ لَمْ يَرْضَ مَا رَضِي
لَنَا بَلْ يَرَى أَنْوَاعَ كُفْرٍ مُذَمَّمِ
فَإِنَّا لَفِي عِيدٍ سَعِيدٍ مُكَرَّرٍ
غُبِطْنَا عَلَيْهِ مِنْ يَهُودٍ بِمَرْسَمِ
وَمَا مُفْلِسٌ مِنْ عِيدِنَا غَيْرُ كَافِرٍ
كَمِثْلِكَ أَوْ جُهَّال دِينِ الْمُعَظَّمِ... إلخ

 

وقوله تعالى: ﴿ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ ﴾. فيه عدة أحكام:

أحدهما: وجوب الوقوف بعرفة وأن الحج لا يتم إلا به، لأن الأمر بذكر الله عند المشعر الحرام بعد الإفاضة من عرفات يدل على فرضية الحصول بعرفة زمناً من الوقت قليلاً كان أو كثيراً، وهذا مخالفة لما غيرته الجاهلية من ملة إبراهيم في الحج، فقد كان بعضهم لا يقف بعرفات زاعماً أنه لا يخرج من الحرم ولا يتركه في وقت الطاعة كما زين لهم الشيطان، وبعضهم يقفون لكنهم يفارقونها في النهار، وبعضهم لا يسير من مزدلفة حتى تنتشر الشمس ويختفون في غور من الأرض حتى تنتشر عليهم، وكل هذا من إغواء الشياطين ليلبسوا عليهم دينهم، فجاء القرآن الكريم ليرد الأمة إلى المناسك الإبراهيمية كما ردها إلى الملة الإبراهيمية في الأصول.


ثانيها: وجوب حصول الحاج بعد الإفاضة من عرفات بـ(المشعر الحرام) وهو (المزدلفة) سمي بهذا الاسم، لأن الناس يقربون فيه من (منى) والقرب يسمى (ازدلاف) أو لأنهم يجتمعون فيه ليلاً، والاجتماع أيضاً يسمى (ازدلاف) أو لأنهم يزدلفون إلى الله تعالى، يعني يتقربون إليه بالوقوف في عرفة، وازدلافهم منها إلى (منى) وتسمى مزدلفة (جمع) لأنه يجمع فيها بين المغرب والعشاء جمع نسك مؤكد للصلاتين، فالمبيت بمزدلفة واجب إلى ما بعد نصف الليل لمن حل فيها قبله، وقيل يكفي المرور، والأصح الاقتداء بما فعله النبي صلى الله عليه وسلم والعمل بما قاله، ووقف الترخص على ما رخص فيه لأن الحج لا يفعل في السنة إلا مرة، وقد يموت المسلم قبل أن يدركه في السنة الأخرى، فعليه بالاحتياط كما قدمنا.


ثالثها: أن الحاج مأمور بذكر الله في مزدلفة حال المبيت فيها، سواء عند الجبل أو بعيداً منه حسبما يتسنى له المنزل، فيذكر الله بالتكبير والتهليل والتلبية والتحميد والدعاء، ويكون مجتهداً في ذلك، والأولى اعتبار الأمر في هذه الآية للوجوب لفعله صلى الله عليه وسلم وقوله: ((خذوا عني مناسككم فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد عامي هذا))[1] كما في حديث جابر الذي في صحيح مسلم وغيره، والأفضل إكمال المبيت وعدم التعجل دون حاجة، لأن في تكرار الله سبحانه للتقوى خلال آيات الحج ملاحظة عظيمة يجب ألا يتساهل الحجاج فيها.. ونحوه.


وقوله سبحانه: ﴿ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ ﴾ تكرير منه سبحانه للأمر بذكره ليحصل الاهتمام الصحيح من عباده بذكره وعدم الغفلة، فإنه في أول الآية نص على ذكره دون مبرر على ذكر المبيت لأن ذكر الله عند المشعر الحرام يستلزم المبيت والوقوف، أما التنصيص على المبيت فقد يكتفى بفعله دون الذكر، فمنصوص الآية الكريمة يدل على الاهتمام بالذكر الناشئ عن حب صحيح وشكر صريح. ولذا ختم الآية بتكرار الأمر بذكره معللاً سببه بقوله تعالى: ﴿ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ ﴾ يعني اذكروه ذكراً حسناً، اذكروه ذكر المحب لحيبيه، لأنه أعلى وأغلى حبيب للمؤمنين اذكروه ذكر الشاكرين له على أعظم نعمة وأكبر منحة ومنة، ألا وهي نعمة الهداية التي طهرت قلوبكم من الشرك، وحررتها من رق الأصنام الصامتة والناطقة، ووجهتها إلى ما يسعدها، تلك الهداية التي تؤهلكم للجهاد والقيادة العالمية، تلك الهداية التي تنجيكم من السكر المعنوي والسفة المطبق والرق المعنوي المسيطر على كل من لم يحظ بهذه الهداية، ولهذا قال سبحانه: ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ ﴾ يعني: وقد كنتم من قبل هذه الهداية من الضالين، أو المعنى: وما كنتم من قبله إلا ضالين. فـ(إن) هنا تكون بمعنى ما أو بمعنى قد.


ولا شك أنهم قبل هداية هذا الوحي المبارك من الضالين، سواء في أصول الدين، كتوحيد الله والكفر والطاعات، أو في فروع الدين كأحكام الحج وغيره، فإن الضلال كان شاملاً لجميع نواحي الحياة وإنعام الله عليهم بالهداية إنعاماً شاملاً لهدايتهم في جميع شئون الحياة، ولهذا نجد الله كثيراً ما يوصينا بذكره وتكبيره في كثير من تشريعات دينه كما في الصيام وذبح الهدايا والضحايا وغير ذلك، فكأنه تعالى يقول: لقد أمرتكم بذكري لتكونوا شاكرين لهذه النعمة.


وقد تكلم العلماء على النكتة في تكرير الأمر بالذكر حيث قال أولاً: ﴿ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ ﴾ ثم قال: ﴿ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ ﴾ فقالوا أولاً إن الذكر في كلام العرب على ضربين: ذكر بالقلب عن الغفلة والنسيان، وذكر بالنطق باللسان وبهما يحصل كمال العبودية إذا اقترن ذلك بالحب والتعظيم لأنه ذكر متكامل ينهى عن الفحشاء والمنكر، كما قال سبحانه: ﴿ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَر ﴾ [العنكبوت: 45].

 

ثانياً: أن المراد مواصلة الذكر كأنه يقول لهم: اذكروا الله ذكراً بعد ذكر.


ثالثاً: أنه أمرنا بذكره عند المشعر الحرام إشارة إلى القيام بوظائف الشريعة. ثم قال بعده: ﴿ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ ﴾ يعني أن هذا الذكر الثاني يقربكم من مراتب الحقيقة لاستغراق قلوبكم في ذكره تشرق عليكم أنواره المعنوية التي تكتسبون بها زيادة بصيرة نافذة في فهم ما يلقى عليكم وتمييز الصحيح من السقيم والنصح من الغش وهكذا لأن ذكر الله يعطيك نسبة شريفة إليه ويجعلك في مقام عروج معنوي بانشغالك في ذكره.


رابعاً: أن في قوله تعالى: ﴿ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ ﴾ قد يحصل به اشتباه في أن ذكر الله مختص بالحج أو عند المشعر، فأراد العليم الحكيم سبحانه ألا يحصل هذا الاشتباه فأمر بذكره دوماًُ في جميع الأحوال والأزمنة والأمكنة شكراً له سبحانه على نعمة هدايته لنا في كل شأن من شئوننا ذكراً متواصلاً غير منقطع ولا محدد بزمان أو مكان ثم ليعلم أن ذكره سبحانه وتعالى يكون بأسمائه وصفاته التي وصف بها نفسه ووصفه بها رسوله صلى الله عليه وسلم لا الأذكار والأوراد المبتدعة فإن أسماء الله توقيفية من وحيه فقط فليرجع في ذلك إلى نصوص القرآن والسنة.


وقد قال سبحانه: ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ ﴾ [الأعراف: 180] وقد ذكرت بعضاً من أنواع الإلحاد في أسماء الله، وسأذكر باقيها في مواضعها ومناسباتها الأخرى. والمقصود أنه لما كانت نعمة الهداية الإلهية متواصلة في كل شيء وشاخصة لنا أمام كل شيء وجب أن يكون الذكر لله مستمراً غير منقطع، ولهذا قال: ﴿ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ ﴾. وقال: ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ﴾ [البقرة: 152].


ثم إن هاهنا فوائد:

أحدها: الحكمة في إجمال النهي عن هذه الخصال الثلاثة بقوله تعالى: ﴿ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ﴾: إن الإنسان فيه أربع قوى: قوة شهوانية بهيمية، وقوة غضبية سبعية، وقوة وهمية شيطانية، وقوة عقلية ملكية.


والمقصود من جميع العبادات المتنوعة هو قهر القوى الثلاثة، أعني الشهوانية والغضبية والوهمية، فنهي الله سبحانه عن الرفث لقهر الشهوانية، ونهيه عن الفسوق لقهر القوة الغضبية التي توجب التمرد والغضب، ونهيه عن الجدال لقهر لقوة الوهمية التي تحمل الإنسان على الجدال حتى فيما لا يجوز، كالمراء في الدين، والجدل في ذات الله أو صفاته أو أحكامه.


وهذه القوة الوهمية الشيطانية هي الباعثة للإنسان على منازعة الناس ومماراتهم ومخاصمتهم، وبهذا يتضح أن الشر محصور في هذه الأمور الثلاثة التي نهى الله الحاج عنها، والله عليم حكيم.


ثانيها: للرفث معنيان: لغوي وعرفي شرعي. فمعناه اللغوي: هو قول الخنا والفحش، ومعناه العرفي الشرعي: كل ما يتعلق بالجماع كما ورد في آية الصيام.


ثالثها: قصْر الله إخبارنا عن علمه بالخير دون الشر - وهو يعلم الجميع - هو من عظيم رحمته وحسن تربيته لعباده، حيث قال: ﴿ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ﴾. ففي ذلك فوائد ولطائف يستحق عليها مزيد الشكر ومداومة الذكر.


فمنها، وهو ألطفها: إعلامه لنا بستر الشر وذكر الخير، كأنه يقول: يا عبادي إذا علمت منكم الخير ذكرته وشهرته، وإذا علمت منكم الشر أخفيته وسترته رحمة بكم في الدنيا والآخرة إذا طهرتم قلوبكم من محبة غيري الموجبة للإشراك.


ومنها: أنه إشعار منه بثواب الخير وإكرام صاحبه في الدارين، فكأنه سبحانه يقول: كل ما تتحملونه يا عبادي من أنواع المشقة والطاعة في الحج قصداً لوجهي فأنا عالم به وسأثيبكم عليه. وهذا من بعض كرمه وتشجيعه لعباده.


ومنها: أن هذا الإعلام يكون فيه تحضيض وتنشيط على فعل الخير والالتذاذ به، كالخادم الذي إذا علم اطلاع سيده على جميع فعله، وأنه مكافئه على النصح، ازداد نصحه ونشاطه مع التلذذ بما يقوم به. فسبحانك اللهم من رحمن رحيم.


رابعها: قوله سبحانه: ﴿ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ﴾ فيه أمر مزدوج من الله لعباده بالتوقي مما يضرهم في الدنيا والآخرة، ذلك أن الإنسان له سفران: سفر في الدنيا، وسفر من الدنيا إلى الآخرة وكل سفر منهما له زاد ضروري، فسفر الدنيا زاده الطعام والشراب والمركب والمال الاحتياطي، والحصول عليه يخلص الإنسان من شرور قصيرة وبؤس قد يتلافاه إذا قصر فيه أو يحظى بمن يسعفه ولكن الزاد الخطير هو زاد السفر من الدنيا إلى الآخرة، وهو زاد التقوى، فهذا لا بد من تحصيله، لأن في الحصول عليه خلاصاً من عذاب أليم، وشرور دائمة متيقنة، وبؤس مطبق لا ينقطع. ومن قصر في تحصيل هذا الزاد تحقق شقاؤه لعدم قدرته على الاستدراك وعدم تحصيله لأي مسعف، كما قال تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ ﴾ [البقرة: 123] فلهذا وجه الله النداء لأولي الألباب كي يتزودوا لسفر الآخرة.



[1][صحيح] سبق تخريجه عن مسلم.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفسير سورة البقرة .. الآية (194)
  • تفسير سورة البقرة .. الآية (195)
  • تفسير سورة البقرة .. الآية (196)
  • تفسير سورة البقرة .. الآية (197)
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 199: 202 )
  • تفسير سورة البقرة .. الآية (203)
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 204 : 206 )

مختارات من الشبكة

  • الفتوحات الربانية في تفسير الآيات القرآنية: تفسير الآيتين (6-7) من سورة البقرة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (135 - 152) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (102 - 134) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (65 - 101) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (1 - 40) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (40 - 64) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • تيسير الوصول في تفسير آمن الرسول: الآية (285 - 286) من سورة البقرة (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الفتوحات الربانية في تفسير الآيات القرآنية: سورة البقرة الآيات (1-5)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير سورة البقرة .. الآية (284)(مقالة - موقع الشيخ عبدالرحمن بن محمد الدوسري)
  • تفسير سورة البقرة .. الآية (283)(مقالة - موقع الشيخ عبدالرحمن بن محمد الدوسري)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب