• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / علوم حديث
علامة باركود

عبارات توثيق الفئة الأولى من المحدثين الثقات (1/4)

حسن مظفر الرزّو

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 25/5/2009 ميلادي - 30/5/1430 هجري

الزيارات: 17103

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

عبارات توثيق الفئة الأولى من المحدثين الثقات (1/4)


قال الإمام مسلم بن الحجاج: "إنَّ أول ما يجب على مبتغي العلم وطالبِه: أن يعرف مقدار مراتب العلماء في العلم، ورجحان بعضهم على بعض؛ لأنَّ المعرفة بالخواص آصرة ونَسَب، وهي يومَ القيامة وصلةٌ إلى شفاعتهم ونسب"؛ "الإعلان بالتوبيخ: 52".


الحمد لله الذي جعل علم الجرح والتعديل فيصلاً لتمييز الرواة الثقات المتقنين، عن الضعفاء والمتروكين، والصَّلاة والسَّلام على سيِّدنا محمَّد، الذي امتدَّتْ دائرة أنواره، فأضاءت السبيل أمام أئمَّة هذه الصَّنعة، فسبروا أحوال الرجال بميزانٍ معيارُه مبين.

أمَّا بعد:
فإنَّ علم الرجال بحرٌ لا قرارَ له، وللعُلماء بالرِّجال وأحوالهم مذاهبُ متباينةٌ في الحكم، مثل ما لغيرهم من سائر أهل العلم؛ ولكي يتجاوزوا الاختلاف في نقد الرجال وبيان مراتبهم؛ عمدوا إلى صياغة مراتبَ اصطلاحيَّةٍ للرواة، حُدِّدت خلالها صلاحيَة قَبول مروياتهم، أو الإعراض عنها، وَفْقَ كل مرتبة من مراتبهم؛ بَيْدَ أن هذا الأمر لم يتمَّ دفعةً واحدة، ففي البداية كانت هُوِيَّة رجال الإسناد مدارَ البحث لدى أئمَّة الحديث وصيارفته، وكان الفيصلُ بين مَن تُقبَل روايته ومَن تُردُّ: مجانبةَ البدع، واجتنابَ الكذِب؛ لذا فلم يكن آنذاك ثمةَ لقبٌ لراوي الحديث يُعرَف به، وكان خلوُّ ساحتِه من هاتين التُّهْمتين دليلاً كافيًا يُعتمد في قبول روايته؛ قال محمد بن سيرين[1]: "لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعَتِ الفتنة، قالوا: سمُّوا لنا رجالَكم، فيُنظر إلى أهل السُّنة، فيُؤخذ حديثُهم، وينظر إلى أهل البدع، فلا يؤخذ حديثهم".

ثم تلتْ هذه المرحلةَ بدايةُ ظهور عبارات توثيق وتجريح المحدِّثين، بعد أن اختمرتْ قواعدُ تحمُّلِ الرواية، غيرَ أنها افتقرتْ في البداية إلى عرف اصطلاحي تتَّكئ عليه، فاختلفت مفرداتها عند هذا وذاك، بيدَ أنها كانت تدور حول تأسيس دائرة الرجال الثقات، وتمييزهم عن الضعفاء والمتروكين، بعدها بدأت دلالة العبارات تنضج تدريجيًّا، فأدخل صيارفة الرجال في حدودها شروطًا إضافيَّة؛ لتعريف مقومات العدالة لدى الراوي، وتمييزه عن رجال مرتبته، أو المراتب الأخرى؛ لذا فقد نجم عن هذه الشروط الجديدة أنْ ظهرتْ على ساحة نقد الرجال معاييرُ ومفرداتٌ جديدة؛ كالحفظ، والإتقان، وغيرها من المعايير.

ولقد استمرَّتْ دائرة عبارات التوثيق والتجريح في النموِّ؛ لظهور عبارات جديدة على ساحة علم الجرح والتعديل، إضافة إلى ازدياد تعقيدها؛ نتيجةً لاعتماد معاييرَ أكثر تخصيصًا، عند صياغة تعريف الثقات المتقنين، كذلك بدأتْ بِنيةُ عبارة التوثيق تمتدُّ، حتى أضحتْ تتألف من مجموعة ألفاظ، تومئ بمجموعها إلى مرتبته لدى أئمَّة الشأن، فامتلأتْ كتب الرجال وطبقاتهم بعبارات، صِيغَ بعضُها في بدايات ظهورها، وأخرى في عصور لاحقة، فتشابكتْ دلالاتها باختلاف النقاد والعصر الذي ظهرت فيه، فلكل عبارة دلالة يحدِّدها مُورِدُها، والبنيةُ اللغوية والاصطلاحيَّة التي تتألَّف منها.

ولا يخفى على القارئ الكريم أهمِّيَّةُ دلالة هذه الاصطِلاحات في نقْد طريق الحديث، والتَّرجيح بين الروايات عند تعارضها، إضافة إلى الحاجة الماسَّة لتقسيم الرواة حسب مراتبهم الاصطلاحيَّة، مع إلقاء الضوء على دلالة هذه العبارات بمعايير اللغة والاصطلاح.

لذا وجدنا من الضروري دراسة إحدى شرائح ألفاظ التوثيق، فاستأثر باهتمامنا رجالُ الفئة الأولى من المحدِّثين الثقات؛ لأنهم صفوة رجال الحديث، والمنار الذي يُستدَل به على صحَّة وسلامة مورده، فانصبَّ جهدنا لتحقيق غايتين:
الأولى: التنقيب عن رواة الحديث، الذين تشرَّفوا بدخول دائرة توثيق الفئة الأولى، على مرِّ العصور، مع إجراء مسْح للعبارات التي أُطلقتْ عليهم.

الثانية: الوقوف على المَعِين الذي استُمدَّتْ منه الحدود الاصطلاحية لهذه العبارات، ورصد الاختلاف في دلالاتها لدى أئمَّة هذه الصنعة.

ونأمل أن تُسْهم هذه المحاولة في إِلْقاء الضوء على مراتب هذه الفئة المباركة، والتي تجعل عملية الموازنة بين مراتب الحديث المصطفوية أكثر موضوعيَّة عند الترجيح، كما أنَّها ستُساهم في بيان موارد هذه العبارات ودلالاتها عبر مختلف العصور.

 

بدايات ظهور عبارات التوثيق والتجريح

تتألَّف عبارات التوثيق والتجريح من ألفاظ، يراد منها معرفة مرتبة الراوي عند صيارفة الحديث ونُقَّاده، فتُقبَل على أساسها روايتُه، أو تُرَدُّ، أو ترجَّح على عبارة غيره عند التعارض.

وقد جاءتْ ألفاظ أئمَّة هذا الشَّأن في الحكم على الرُّواة متَّفقةً حينًا، ومختلفة حينًا آخر؛ تبعًا لاختِلاف اجتِهاداتهم في الحكم عليْهم، وللعصر الذي صِيغتْ فيه[2]؛ بيْد أنَّ المتتبِّع لبدايات ظهور هذه الألفاظ على ساحة كتُب الرِّجال - يجد أنَّ إرْهاصاتِ نقد الرجال قد اختمرتْ في النصف الثاني من القرن الأول الهجري، في مدينة البصرة التي كانت تعجُّ بالتيَّارات الوافدة، على يدي جملة من صحابة رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - منهم ترجمان القرآن عبدالله بن عباس - رضي الله عنهما - فتوطَّدتْ بدايات نقد طرق الحديث النبوي الشريف، بعد أن تسرَّبَتِ الفتنة إلى القلوب، وفشا الكذِب، وبات الحديث سلعةً رائجة، يَستغلُّ بعضَ مفرداتها رؤوسُ البدع والتيَّاراتُ المتطرفة، في تأسيس مواقفهم وتأويلاتهم الفاسدة، أو يماري بها البعضُ الآخر العلماءَ؛ ليستميلوا النفوس إليهم، وإلى حلقات رواياتهم.

أخرج الإمام مسلم عن مجاهد قوله: "جاء بشير بن كعب العدوي إلى ابن عباس - رضي الله عنهما - فجعل يحدِّث ويقول: قال رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - فجعل ابن عباس لا يَأذَن لحديثه، ولا ينظر إليه، فقال: يا بن عباس، ما لي لا أراك تسمع لحديثي؟! أحدِّثك عن رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - ولا تسمع؟! فقال ابن عباس: إنَّا كنَّا مرَّةً إذا سمعْنا رجلاً يقول: قال رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - ابتدرتْه أبصارُنا، وأصغينا إليه بآذاننا، فلما ركب الناسُ الصعبَ والذلول، لم نأخذ من الناس إلا ما نعرف"[3]، وفي رواية سفيان بن عيينة، زاد: "إنا كنا نحدِّث عن رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - إذا لم يكن يُكذَب عليه، فلما ركب الناس الصعب والذلول، تركْنا الحديث عنه".

يبدو واضحًا من هذا الأثر أن الإعراض عن تلقِّي ما لا يُعرَف من حديث رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - كان نقطةَ البداية على طريق إرساء قواعد نقد الحديث النبوي الشريف.

وقد انتهج روَّاد مدرسة الحديث بالبصرة منهجًا نقديًّا مشابهًا، فظهرَتِ الحاجة للوقوف على أحوال الرجال الذين تحمَّلوا أحاديث رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - فبدأت الخطوة الأولى التي تَوجَّه فيها النقدُ إلى دائرة الرجال؛ فعن سليمان بن موسى قال: لَقِيتُ طاوسًا، فقال: حدَّثني فلان: كيت وكيت، قال: إن كان صاحبك مليًّا، فخُذْ عنه، قال الإمام النووي[4]: مليًّا؛ يعني: ثقة، ضابطًا، متقنًا، يُوثَق بدينه ومعرفته، ويُعتمَد عليه كما يعتمد على معاملة الملي بالمال؛ ثقة بذمَّته.

بيد أن هذه المرحلة قد شهدتْ بدايةَ كلام كبار التابعين في الرجل والرجلين؛ للفت نظر طلبة العلم إلى رؤوس المبتدعة، ومَن عُرِف عنه الكذب في روايته، فتكلَّم الحسن البصري وطاوس في معبد الجهني، وتكلم سعيد بن جبير في طلق بن حبيب، وتكلم إبراهيم النخعي وعامر الشعبي في الحارث الأعور.

لم ينطوِ كلام هؤلاء الأئمة على ألفاظ تُحدَّد من خلالها مرتبةُ الراوي؛ بل اقتصر على الأمر بالتوقُّف عن الرواية عن الرجل والرجلين؛ لثبوت إلصاق التهمة بهم؛ قال غيلان بن جرير[5]: سمعت الحسن البصري يقول: لا تجالسوا معبدًا؛ فإنه ضالٌّ مضل، وقال في مقام آخر: لا تسمعوا أهل الأهواء، ونقل حماد بن زيد عن أيوب السختياني قوله: رآني سعيد بن جبير مع طلق بن حبيب، فقال: ألم أرك مع طلق؟! لا تجالسه، وكان طلق رجلاً صالحًا؛ لكنه كان يُرمى بالإرجاء.

بالمقابل كان كلام الشعبي وإبراهيم النخعي عن الحارث الأعور يدور على اتِّهامه بالكذب؛ فعن المغيرة عن الشعبي قال: حدَّثني الحارث الأعور، وكان كذابًا[6].

جاء بعد هؤلاء روادُ الجرح والتعديل، فبدؤوا ينقِّبون في الأسانيد عمَّن اتُّهم ببدعة، أو خروج عن دائرة الجماعة باعتقاد فاسد، وعن الرواة المتهَمين بالكذب، كذلك عمدوا إلى تمييز مراتب المحدِّثين الثقات، وَفْق درجة ضبطهم وإتقانهم في تحمُّل الرواية، فظهرت الحاجة إلى صياغة معيار لنقد الرجال؛ لتمييز مَن تُقبَل روايتُهم عمَّن تُرَد، وكان من الفرسان الأوائل لهذا العلمِ الإمامُ محمد بن سيرين؛ فقد رُوي عنه من غير وجه أنه قال: إن هذا العلم دِين، فانظروا عمَّن تأخذون دينكم.

قال يعقوب بن سفيان الفسوي: سمعت علي بن المديني يقول: كان ابن سيرين ممن يَنظر في الحديث، ويفتش عن الإسناد، ولا نعرف أحدًا أولَ منه، ثم كان أيوب وابن عون، ثم كان شعبة بن الحجاج، ثم كان يحيى بن سعيد القطان وابن مهدي.

وذكر الأعمش عن إبراهيم قال[7]: إنَّما سُئِل عن الإسناد أيَّام المختار بن عبيد الثقفي؛ وسبب هذا أنَّه كثر الكذب على علي - رضي الله عنه - في تلك الأيام، كما روى شريك عن أبي إسحاق قال[8]: سمعت خزيمة بن نصر العبسي، أيام المختار، وهم يقولون ما يقولون من الكذب، وكان من أصحاب علي، قال: ما لهم قاتلهم الله؟! أيَّ عصابة شانوا؟! وأيَّ حديث أفسدوا؟!

إذًا؛ كانت البداية المنهجية في الكلام عن الرجال على يدي محمد بن سيرين (ت 110هـ)، الذي زكَّى ناسًا، وضعَّف آخرين؛ لاستبعاد دائرة المبتدعة والمتهمين بالكذب عن ساحة الرجال الذين تُقْبل روايتهم، مع تمييز مراتب المحدثين الثقات.

وقد زكى وجرح بهذا المعيار مِن معاصريه، بعد أن انقرض عصر الصحابة الكرام - رضي الله عنهم - كلٌّ من الشعبي (103هـ)، وأيوب السختياني (131هـ)، وعبدالله بن عون (151هـ)، الذين نُقِل عنهم تزكيةُ أناس، وتضعيف آخرين، بيد أن عدد الذين تناولوهم بالنقد كان محدودًا؛ لقلة الضعفاء في عصرهم، قال الشيخ أبو غدة[9]: إذ أكثر المتبوعين صحابة عدول، وأكثرهم من غير الصحابة - بل عامتهم - ثقات صادقون، يعون ما يَرْوُون، وهم كبار التابعين، فيوجد فيهم الواحد تلو الواحد فيه المقال؛ كالحارث بن الأعور، وعاصم بن ضمرة، ونحوهما.

غير أن الرجال الذين كان مدار حديث النقاد عليهم لم يكونوا يشكِّلون سوى شريحة محدودة بين رجال الحديث، بيدَ أن أكثر الفئات التي كانت تستأثر باهتمام رواد هذا الفن هم رؤوس أهل البدع؛ كالخوارج، والقدرية، والشيعة، فأعرض المحدِّثون عن عبدالرحمن بن ملجم، والمختار بن أبي عبيد، ومعبد الجهني.

كانت تلك الخطوة الأولى لبدايات ظهور ألفاظ الجرح والتعديل، بعد أن بدأ الكذب يفشو في الحديث، مع ظهور دعاة البدع، فبات التأكيد على الإسناد، والإلحاح في التفتيش عن أحوال رجاله، ضرورةً لا مناص منها؛ لإبعاد الشبهات عن الحديث، وضمان سلامة موارده.

ثم جاءت المائة الثانية، فظهرت جماعة ثانية من الضعفاء على ساحة الحديث، بيد أن الكلام عنهم لم يقتصر على تهمتي الكذب والبدعة؛ بل بدأ النقاد يتكلَّمون عن الحفظ والإتقان، فدخل إلى دائرة الرجال الضعفاء: عطية العوفي، وجابر الجعفي، وفرقد السبخي، وغيرهم من أوساط التابعين وصغارهم.

ولم يمرَّ النصف الأول من القرن الثاني الهجري، حتى ازداد عدد الذين يتكلَّمون في التوثيق والتضعيف، كالأعمش (147هـ)، وشعبة بن الحجاج (160هـ)، ومالك بن أنس (179هـ)، والزهري (125هـ)، وحماد بن سلمة (167هـ)، وهشام الدستوائي (154هـ)، وغيرهم كثير.

غير أن الذي يتتبع كلام هؤلاء النقَّاد، يَظهر له بوضوح أن شعبة بن الحجاج هو أول من وسع الكلام في الجرح والتعديل، فبدأ بالخطوة الأولى باتجاه صياغة حدود فيما عُرف فيما بعدُ بعلم الجرح والتعديل.

قال عبدالله بن أحمد عن أبيه: كان شعبة أمَّةً وحده في هذا الشأن - يعني: الرجال - وبصره في الحديث، وتثبُّته، وتنقيته للرجال، وقال عبدالله بن إدريس: كان شعبة قبَّان المحدِّثين.

وجاء بعده خليفتُه يحيى بن سعيد القطان (198هـ)، والقائم بعده مقامه في هذا الشأن، وعبدالرحمن بن مهدي (198هـ)، وعنهما تلقَّى علمَ الجرح والتعديل أحمدُ بن حنبل (241هـ)، وعلي المديني (234هـ)، ويحيى بن معين (233هـ)، وغيرهم، فازدحمت ساحة علم الرجال بحجم كبير من ألفاظ التعديل والتجريح، مع ازدياد عدد الرواة الذين تناولهم صيارفةُ الحديث بالنقد، غير أن معايير العدالة والتوثيق باتتْ أكثر تخصيصًا من تلك التي اعتُمدت في بدايات الكلام في تزكية الرجال وتضعيفهم في عصر ابن سيرين.

روى عبدالله بن وهب عن الإمام مالك بن أنس قوله[10] : أدركت بهذه البلدة - يقصد المدينة المنورة - أقوامًا، لو استُسقي بهم المطر، لَسُقوا، قد سمعوا العلم والحديث كثيرًا، ما حدَّثتُ عن أحد منهم شيئًا؛ لأنهم كانوا ألزموا أنفسهم خوف الله والزهد، وهذا الشأن – يعني: الحديث - يحتاج معه إلى رجل معه تقًى وورع، وصيانة وإتقان، وعلم وفَهْم، فيعلم ما يخرج من رأسه، وما يصل إليه غدًا، وأما رجل بلا إتقان ولا معرفة، فلا يُنْتفع به، ولا هو حجة، ولا يؤخذ عنه.

إذًا؛ لم يعد اصطلاح "ثقة" في عهد ابن سيرين متطابقًا في دلالاته مع ما يحمله في عصر شعبة بن الحجاج، أو تلميذه ابن القطان؛ لازدياد العقبات التي ينبغي اجتيازُها، قبل أن يُقلَّد صاحبُها لقب "ثقة"، إضافة إلى هذا، أصبحت الحاجة أكثرَ إلحاحًا لصياغة ألفاظٍ أكثرَ تحديدًا لتعريف الرواة الثقات، الذين تُقبَل روايتهم، فظهرتْ ألفاظ جديدة كُرِّرت فيها ألفاظ: ثبت، وحجة، ومتقن، ومأمون، بعبارات مستحدثة، لم تلبثْ أن تداولها صيارفةُ الرجال ونقادهم، فأودعوها في مصنفاتهم.

فظهرتْ كتب طبقات الرجال، التي عمد أصحابها إلى جمع ما قيل في الرواة من تزكية أو جرح، فظهرت كتب الطبقات؛ ككتاب محمد بن عمر الواقدي (207هـ)، والهيثم بن عدي (207هـ)، و"الطبقات الكبرى" لابن سعد (230هـ)، وآخر لعلي بن المديني (233هـ)، وتوالت كتب الطبقات في الظهور، تلاها ظهور كتب الضعفاء والثقات؛ ككتاب يحيى بن معين (233هـ) في الضعفاء، وآخر في الثقات، وثالث في الجمع بينهما، وكتاب "الثقات" للعجلي (261هـ).

وقد سأل طلبةُ الحديث غيرَ واحد من صيارفة الرجال عن أحوال الرواة، ودرجة إتقانهم، فاختلفتْ آراء نقاد الرجال وعباراتُهم باختلاف الأحوال، ولقد حفظتْ لنا هذه الأسئلةُ المدوَّنة علمًا غزيرًا، وكشفت عن أحوال الكثير من الرجال ومراتبهم ومروياتهم، فوصلت إلينا مسائل عباس الدوري في الرجال، والعلل لابن معين، وسؤالات جملة أخرى من تلاميذه؛ كأبي خالد يزيد بن الهيثم بن طمهان، وأبي إسحاق إبراهيم بن الجنيد الختلي، وعثمان بن طالوت، وإسحاق بن منصور الكوسج، وغيرهم من تلاميذه، وسؤالات عثمان بن أبي شيبة لعلي بن المديني، وسؤالات إسحاق بن منصور لأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه، وسؤالات أبي عيسى الترمذي للبخاري، ولأبي زرعة الرازي، وسؤالات أبي عبيد محمد بن علي الآجري لأبي داود، وغيرها كثير لا يتسع المقام لذِكرها.

وهكذا بدأ عدد كتب الرجال يزداد خلال هذا القرن، بيد أن المتتبع لألفاظ التوثيق والتجريح، على ساحة هذه الكتب، يجد أنها كانت في بداياتها تفتقر إلى أساس ثابت يعرف حدودها الاصطلاحية؛ لصدورها عن هذا الناقد وذاك، وَفْق ما يتراءى له من حال الراوي، وبألفاظ يختارها بعيدًا عن دائرة الآخرين.

ولعل أول محاولة لصياغة الحدود الاصطلاحية لهذه الألقاب، قد اختمرت على يد الحافظ ابن أبي حاتم الرازي (ت 327هـ)، الذي بادر بتصنيفها إلى مراتبَ للتجريح، وأخرى للتعديل، في مقدمة كتابه النفيس "الجرح والتعديل"[11].

وقد تجاوز ابن أبي حاتم طبقتي الصحابة والتابعين في تبيانه لمراتب الرواة؛ لأنهم يقعون خارج دائرة الشك، أما أتباع التابعين، فقد قسمهم إلى أربعة مراتب، وقال فيهم:
فمنهم: الثبت الحافظ، الورع المتقن، الجهبذ الناقد للحديث.
ومنهم: العدل في نفسه، الثبت في روايته، الصدوق في نقله، الورع في دينه، الحافظ لحديثه، المتقن فيه.
ومنهم: الصدوق الورع الثبت، الذي يَهِم أحيانًا، وبه تكتمل دائرة الرجال الثقات.
أما الضعيف، فهو الذي ألصق نفسه بهم، ممن ليس من أهل الصدق والأمانة.

بيد أن ما يلفت الانتباه في هذا التصنيف: هو أن أصحاب الفئة الأولى لا يقتصر الأمر على قبول حديثهم والاحتجاج به؛ بل يعتمد أيضًا على جرحهم وتعديلهم.

أما الحاكم النيسابوري، فقد أشار في كتابه "معرفة علوم الحديث"[12] إلى مقومات رجال الفئة الأولى، عند تعريفه لعدالة المحدِّث، فقال: وأصل عدالة المحدث: أن يكون مسلمًا، لا يدعو إلى بدعة، ولا يعلن من أنواع المعاصي ما تسقط به عدالتُه، فإن كان مع ذلك حافظًا لحديثه، فهي أرفع درجات المحدِّثين.

إذًا؛ بمعيار الحاكم، يكون الثقة بمنأى عن دائرة البدعة والمعصية، بينما ترتقي مرتبته إلى المرتبة الأولى إن كان حافظًا.

وجاء بعده ابن الصلاح المروزي (643هـ)، فقال في "مقدمته"[13]، في معرض بيان الألفاظ المستعملة من أهل هذا الشأن في الجرح والتعديل: وقد رتَّبها ابن أبي حاتم الرازي في كتابه "الجرح والتعديل"، فأجاد وأحسن، ونحن نرتبها كذلك، ونورد ما ذكره، ونضيف إليه ما بلغنا في ذلك من غيره.

بيدَ أن الذي يسبر الاصطلاحاتِ التي أوردها ابن الصلاح في "مقدمته"، بمعيار نقدي - يجدها قد بدأتْ تتقولب اصطلاحيًّا، مع بدء ظهور عبارات التعديل والجرح الرسمية، فلكل مرتبة ألفاظٌ تختصُّ بها، أما ما ذهب إليه ابن أبي حاتم، فهو صياغة مواصفات أصحاب كل طبقة، دون أن يعرِّج على صياغة ألفاظها الاصطلاحية بصورة توضح معالمها.

لذا؛ فإننا نلاحظ عباراتٍ تصف مراتب التوثيق والتجريح لدى ابن الصلاح مع بيان حدودها الاصطلاحية، فظهر لديه اصطلاح: ثقة، ومتقن، وثبت، وحجة، وغيرها من الألفاظ التي أضحتْ فيما بعدُ المدارَ الذي يدور حوله الحديث عن الرجال.

وهكذا استمرَّ أئمة علم الحديث ومصطلحه، في تناول اصطلاحات ابن الصلاح، فتداولوها في نقد الرجال وبيان مراتبهم، دونما تغيير في بعض الأحيان، بينما حاولوا في أحيان أخرى إعادة رسم الحدود الاصطلاحية لبعض التعاريف، بيد أن الحصيلة النهائية لكل هذه المحاولات لم ينشب عنها تغيير جذري في دلالة الاصطلاح، وبقيت جهود أئمة هذه الصنعة تدور في فلك اقتراح الطبقات، التي تتألف منها مراتب التعديل أو التجريح لدى ابن صلاح، ولم يفلحوا في إضافة شيء جديد إليها.

بيد أن ما نودُّ قوله في هذا المقام: هو أن صياغة الاصطلاح لم تُستَعَرْ دلالتُها من حدود صِيغت على يد علماء المصطلح؛ بل إنهم قد عمدوا إلى تناول الألفاظ التي اعتمدها الصيارفة السابقون في تقييم الرجال، فصنفوا رواة الحديث على المراتب التي تقتضيها تلك الألفاظ.

وعليه؛ فإن الحكم على اللفظ الفلاني، الذي يقع في المرتبة الأولى من مراتب التعديل - لا تتطابق دلالته لدى هذا الناقد وذاك في دائرة اصطلاح ابن الصلاح، أو غيره من المتأخرين.

ولعلَّ الشيخ عبدالفتاح أبو غدة قد تلمَّس هذا التباين في الدلالة، عندما تكلَّم في حاشيته النفيسة على "الرفع والتكميل" للعلامة اللكنوي، فقال[14] : وهذا التنسيق والتوحيد في المصطلحات، الذي قام به المتأخرون - رحمة الله عليهم - يُعتبر مدلوله في ألفاظ المتأخرين، ولا يمكن أن ينفي التباين أو التغاير الذي وقع في عبارات المتقدمين.

 


[1] "شرح صحيح مسلم: 1/ 15"، "الكفاية: 122".
[2] "الرفع والتكميل: 129".
[3] "شرح صحيح مسلم: 1/ 81".
[4] "شرح صحيح مسلم: 1/ 85".
[5] "شرح علل الحديث: 347".
[6] نفس المرجع، 351.
[7] نفس المرجع، 83.
[8] "شرح علل الحديث: 355".
[9] "حاشية الرفع والتكميل: 131".
[10] "ترتيب المدارك" 1/ 137.
[11] "الجرح والتعديل: 1/ 10".
[12] "معرفة علوم الحديث: 53".
[13] "مقدمة ابن الصلاح: 237".
[14] "الرفع والتكميل: 129".





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • علل الحديث للإمام الحافظ أبي محمد عبدالرحمن بن أبي حاتم الرازي (PDF)
  • عبارات توثيق الفئة الأولى من المحدثين الثقات (2/4)
  • أحكام مراتب الجرح والتعديل (1)
  • عبارات توثيق الفئة الأولى من المحدثين الثقات (3 /4)
  • عبارات توثيق الفئة الأولى من المحدثين الثقات (4 /4)
  • الداعية العدل الضابط
  • المذاكرة عند المحدثين (1 / 5)
  • مختصر المجروحين من المحدثين لشمس الدين البعلي الحنبلي

مختارات من الشبكة

  • عبارات خاطئة منتشرة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • عبارات الأفضلية في اللغة العربية (الأهمّ فالأهمّ) ونظائرها(كتاب - حضارة الكلمة)
  • بيان الفرق بين بعض العبارات الجهمية الصريحة وبين العبارات المجملة التي يقولها عامة المسلمين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • عبارات في الجرح والتعديل مشتقة من اسم الرجل المتكلم فيه جرحا أو تعديلا(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أهمية حسن اختيار عبارات الكلام..(مقالة - آفاق الشريعة)
  • عبارات بلاغية وأمثال عربية(مقالة - حضارة الكلمة)
  • ظاهرة لبس ما عليه علامات أو رموز أو عبارات غير شرعية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تنوع عبارات ابن حجر في الراوي ومرويه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • عبارات عن الكذب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • لحظات وكليمات من حياة النبوة(مقالة - ملفات خاصة)

 


تعليقات الزوار
2- tawtiq
jamal - morocco 10-05-2015 03:20 PM

سلام عليكم دكتور أريد منك اجابة على هده الاسئلة جزاك الله خيرا:
1-تعريف التوثيق مع بداية ظهوره.
2-كيف ازدهر التوثيق مع بداية الإسلام ونزول القرآن وازدهار الثقافة الإسلامية.
3-التطورات التي عرفها التوثيق في العصر الحديث ودور التكنولوجية الحديثة في هذا التطور.
المرجوا الإجابة جزاك الله خيرا.

1- اقتراح
عاشق الصحيحين 26-10-2009 02:27 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا مقال جيد وباختصار جيد ما شاء الله تبارك الله
ونتمنى أن تبينوا للناس اشهر الرجال الثقات مع بيان تاريخ وفياتهم
1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب