• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / فقه وأصوله
علامة باركود

المصادر الشرعية للدستور والقوانين في النظام السياسي الإسلامي

المصادر الشرعية للدستور والقوانين في النظام السياسي الإسلامي
أ. د. محمد أحمد علي مفتي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 7/9/2013 ميلادي - 2/11/1434 هجري

الزيارات: 57250

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

المصادر الشرعية للدستور والقوانين في النظام السياسي الإسلامي


ترجع أهمية تحديد المصادر الشرعية إلى أن الإسلام أساس الدولة الإسلامية، وأن الأمة ملزمة باعتناقها لعقيدة الإسلام والرجوع إلى مصادره، وتبين أحكامه منها، والإمام رئيس الدولة ملزم كذلك بتسيير أعماله وممارسة حكومته، ورعايته للشؤون وفق أحكام الشرع، وهذا يقتضي بالضرورة تحديد المصادر الشرعية التي يعتمد الاجتهاد عليها لاستنباط التشريعات والأحكام، وفي الاستدلال على القواعد والتنظيمات الشرعية اللازمة لتنظيم كافة شؤون الدولة والرعية.

 

كما أن تحديد المصادر الشرعية في دستور الدولة، يجعل الحكام وأفراد الرعية يدركون بوضوح الإطار الشرعي الذي ينبغي أن تتمَّ ضمن حدوده الممارسات العامة والخاصة، والذي يحقق القدر اللازم من التنسيق والتكامل بين نشاط الرعية ونشاط أجهزة الدولة وَفق الأحكام الإسلامية.

 

تحصر الشريعة الإسلامية مصادر الاجتهاد واستنباط الأحكام والقواعد الدستورية في الأدلة الشرعية، وتحرم على المسلمين الأخذ عن غيرها؛ حيث نفى تعالى الإيمان عمن لم يحتكم إلى شرعه، فقال - عز وجل -: ﴿ أَلَمْ تَرَ إلى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إلى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ ﴾[1]، وقال تعالى: ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ... ﴾[2].

 

وتقرر الشريعة الإسلامية أن الأدلة الشرعية التي تعد مصادر لإثبات القواعد والأحكام الشرعية، هي الكتاب والسنة والإجماع، كما تعتبر الشريعة القياس دليلاً لإظهار الأحكام والقواعد الشرعية، وتجعل للإمام الحق في أن يتبنى - لاستنباط الأحكام والقواعد - من أصول مذاهب فقه المجتهدين الإسلامية، ما ثبت لديه حجيته.

 

وتدخل دراسة هذه الأدلة تحت علم أصول الفقه الإسلامي، وهو علم يحصل به البيان، وهو "اسم جامع لمعاني مجتمعة الأصول متشعبة الفروع...، (به) جماع ما أبان الله لخلقه في كتابه، مما تبعدهم به لما مضى من حكمه جل ثناؤه"[3]، والذي موضوعه "القواعد والبحوث التي يتوصل بها المجتهد إلى استنباط الأحكام الشرعية العملية من أدلتها التفصيلية "[4].

 

ويقابل هذا العلم ما يسمى بعلم أصول القانون في الأنظمة الوضعية والذي موضوعه "المبادئ العامة للقوانين الوضعية المختلفة "[5]. ويبحث عادة في مصادر القانون الوضعي بمعناه الواسع كمجموعة من القواعد التي تنظم العيش في جماعة، والتي تشمل مصادر مختلفة نحو المصادر المادية، والتي هي "المصادر التي يستمد منها المشرع مادة القاعدة القانونية ومضمونها، وبعبارة أخرى: المادة الأولية المكونة لجوهر القاعدة القانونية أو القانون[6].

 

كما تشمل هذه المصادر بالنسبة للقانون الوضعي المصادر التاريخية؛ نحو قانون الكنيسة، والقانون الروماني في بلاد الغرب، بالإضافة إلى المصادر الرسمية؛ كالتشريعات والنظم التي تصدرها السلطات وتلزم بها، والمصادر التفسيرية؛ كالسوابق القضائية، واجتهادات فقهاء القانون الوضعي.

 

ويمكن القول بداهة: إن كون الشريعة الإسلامية وحيًا من الله تعالى يحتِّم أن ينفرد بتحديد مصادرها الله تعالى وحده، وأن يكون البحث في تحديد المصادر بحثًا شرعيًّا في النصوص التي وردت عن الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - خاصة أن أصول الشريعة تخالف أصول القانون اختلافًا كليًّا وجذريًّا، يؤكد عبدالقادر عودة - رحمه الله - ذلك بقوله:

ينشأ القانون الوضعي في الجماعة التي ينظمها محدود القواعد في البداية، ثم يتطور بتطور الجماعة، كلما ازدادت حاجات الجماعة وتنوَّعت... (على أن الشريعة لم تعرف ذلك)؛ فلم تكن (الشريعة) قواعد قليلة ثم كثرت، ولا مبادئ متفرقة فجمعت...، وإنما نزلت من عند الله كاملة شاملة جامعة...، ولم تأت لقوم دون قوم، أو لدولة دون دولة...؛ (ولذلك فإن) طبيعة الشريعة تختلف تمامًا عن طبيعة القانون؛ فالقانون ناقص دائمًا ما دام صانعه لا يمكن أن يوصف بالكمال، أما الشريعة، فتتمثل فيها قدرة الله (وعلمه المحيط) بما كان وما هو كائن، والقوانين قواعد مؤقتة تضعها الجماعة لتنظيم شؤونها، وسد حاجاتها، لكن الشريعة قواعدها دائمة لا تقبل التغيير والتبديل، ونصوصها جاءت عامة بحيث تتسع لحاجات الجماعة مهما طالت الأزمان وتعددت الحاجات، والجماعة مهما طالت الأزمان وتعددت الحاجات، والجماعة هي التي تصنع القانون وتلونه بعاداتها، ومن ثم كان القانون متأخرًا عن الجماعة وتابعًا لتطورها، (أما) الشريعة فليست من صنع الجماعة، (بل) الجماعة نفسها من صنع الشريعة[7].

 

ونبين قبل التفصيل في عرض الأدلة والمصادر الشرعية المعتمدة لاستنباط الأحكام والقوانين - معاني الألفاظ الواردة في علم أصول الفقه بما يتعلق بها؛ حيث يقصد بالمصادر في التعريف الإسلامي ما يعرفه علماء الأصول بالأدلة الشرعية، والتي هي ما يمكن التوصل بالنظر الصحيح فيه إلى حكم شرعي"[8]، والأحكام الشرعية هي:

الأحكام (التي مصدرها) الشرع؛ سواء أكان ذلك مباشرة - كالأحكام المستفادة من النصوص - أو كانت بواسطة - كالأحكام المستفادة عن طريق الاجتهاد - وقيدت "بالشرعية" لإخراج الأحكام العقلية؛ مثل: الكل أعظم من الجزء، (ولإخراج) الأحكام الحسية؛ كالنار محرقة، (كذلك لإخراج) الأحكام الوضعية المصطلح عليها كالفاعل والمفعول[9].

 

ويقصد القاعدة الشرعية: "القواعد (المستمدة) من استقراء الأحكام الشرعية، ومن استقراء عللها، ومن النصوص التي قررت مبادئ تشريعية عامة، وأصولاً تشريعية كلية" [10]. وتنضوي تحتها جزئيات كثيرة؛ نحو قاعدة (الحرج مرفوع)، وقاعدة (الضرر يزال شرعًا)، ونحو ذلك من قواعد، والتي يمكن استنتاج أحكام عديدة منها وتطبيقها على أحوال متعددة.

 

هذا من حيث تعريف الألفاظ؛ أما من حيث بيان المصادر الشرعية والبرهان على شرعيتها، فإن الاستدلال بالكتاب والسنة متفق عليه من جميع الأمة[11]، واتفق جمهور الفقهاء على كون الإجماع كذلك مصدرًا ثالثًا للأحكام الشرعية[12].

 

وهذه المصدر الثلاثة - من كتاب وسُنة وإجماع - هي المصادر النقلية الوحيدة للشريعة، ولا تقبل محوًا ولا إثباتا، وهي أصول الشريعة الإسلامية[13]، فلا يجوز مطلقًا إنشاء قاعدة أو ابتداع حكم، أو إصدار قانون، أو تنظيم تشريعي في الدولة - إلا إذا كان مأخوذًا أو مستنبطًا منها، أو مستندًا عليها؛ لأنه بغير ذلك يكون منشأ القاعدة أو الحكم أو القانون العقل مستقلاًّ عن الشرع؛ فيكون باطلاً لما ثبت قطعًا من دين الإسلام، من كون الشريعة جاء بها الوحي من الله تعالى، وأنه ليس للعقل أن يستقل ويستأثر بإثبات أي حكم فيها.

 

وقبل التفصيل في إقامة البراهين على أن المصادر النقلية هي الكتاب والسنة والإجماع، نذكر ما تقرر في علم الأصول، من أن إثبات شرعية المصدر ينبغي أن يكون البرهان الجازم، وبالحجة القطعية الثابتة عن الشارع، ويقرر الإمام الشاطبي ذلك؛ لكونها راجعة إلى كليات الشريعة، وما كان كذلك فهو قطعي...؛ (حيث) إنه لو جاز جعل الظني أصلاً في أصول الفقه، لجاز جعل الظني أصلاً في أصول الدين، وليس كذلك باتفاق [14]؛ أي: بمعنى آخر، لا يجوز أن يكون اعتبار المصدر شرعيًّا إلا بعد إقامة الحجة والبرهان على ذلك.

 

وعليه؛ فإن الدليل الشرعي حتى يعتبر ملزمًا، لا بد أن يقوم البرهان على كونه شرعيًّا، وما لم يقم عليه ذلك، فلا يعتبر دليلاً شرعيًّا، وبالتالي لا يجوز للدولة الرجوع إلى مصادر لم تثبت شرعيَّتها عند إصدارها لتشريعاتها أو قوانينها، كما لا يجوز لها الاستشهاد بالمصادر غير الشرعية؛ كالقوانين الجرمانية، أو الفرنسية، أو غيرها مثلاً، أو العادات والتقاليد والأعراف المخالفة للشرع، كما يلزم الدولة كذلك الإشارة إلى المصدر الشرعي عند سن القوانين أو التنظيمات؛ وذلك لأن الشرع الإسلامي ربط بين شرعية الحكم والتزام أحكام الإسلام، ورتب على ظهور قوانين الكفر فِقدان شرعية الدولة.

 

وإثبات حجية الكتاب والسنة والإجماع كمصادر للأحكام الشرعية في الدولة، قد حصل بالبرهان القاطع الذي لا يتطرق إليه شك، فأما الكتاب وهو القرآن المنزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - والمتوارث نقله عنه - عليه الصلاة والسلام - جيلاً بعد جيل، فقد قام البرهان على كونه كلام الله تعالى بما اتَّصف به من إعجاز في اللفظ والمعنى، ولعجز البشر قاطبة عن الإتيان بمثله، أو سورة من مثله، ولما حواه من نظْمٍ بديع في غاية الجزالة، مع التناسب التام بين جميع ما تضمَّنه من غير اختلاف، أو تناقضٍ أو تعارض، مع مخالفته للمعهود من أساليب العرب مع كونه لسانهم؛ مما يقطع بكونه ليس من قول البشر، ويقطع بصدق ما جاء فيه كونه وحيًا من الله تعالى.

 

يقول الإمام الشاطبي:

إن الكتاب قد تقرر أنه كلية الشريعة، وعمدة الملة وآية الرسالة، ونور الأبصار والبصائر، وأنه لا طريق إلى الله سواه ولا نجاة بغيره، ولا تمسك بشيء يخالفه، وهذا كله لا يحتاج إلى تقرير واستدلال عليه، فإنه معلوم من دين الأمة، وأيضًا فمن حيث كان القرآن معجزًا أفحم الفصحاء وأعجز البلغان أن يأتوا بمثله، فذلك لا يخرجه من كونه عربيًّا جاريًا على أساليب كلام العرب ميسرًا للفهم فيه، وهذا من جملة الوجوه الإعجازية فيه.

 

إذًا من العجب إيراد كلام من جنس كلام البشر...، مفهوم معقول ثم لا يقدر البشر على الإتيان بسورة مثلة ولو اجتمعوا وكان بعضهم لبعض ظهيرًا[15].

 

وقد اشتمل القرآن الكريم على آيات عديدة تأمر المؤمنين بالرجوع إليه؛ كقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمر مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ﴾[16].

 

فالأمر بالرد إلى الله يعني الرد إلى كتابه، وقال - عز وجل -: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ ﴾[17]، وكذلك قوله تعالى: ﴿ إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ﴾[18].

 

وكذلك قوله تعالى: ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ﴾[19].

 

وقد اشتمل القرآن - كمصدر للأحكام - على أصول جميع التشريعات التي تنظم شؤون الأفراد والأمة؛ يقول تعالى: ﴿ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ﴾[20]؛ أي: سواء في ذلك أحكام العبادات - كالصلاة والصوم أو المعاملات - التي تنظم علاقات البشر بعضهم ببعض أفرادًا وجماعات؛ كالأحكام والتصرفات، والعقود والجنايات والعقوبات، وسواء في ذلك الأحكام السياسية الدستورية - كالشورى وطاعة أُولي الأمر - أو أحكام المرافعات والقضاء، أو أحكام علاقة الدولة الإسلامية بغيرها من الدول، وما يترتب عليها من أحكام الجهاد والمعاهدات وغيرها، كما تضمن القرآن الكريم العديد من القواعد الكلية، وأشار إلى مقاصد التشريع؛ مما يمكن استنباط الأحكام والتشريعات لمعالجة القضايا المتجددة لكافة الازمنة والعصور.

 

على أن القرآن الكريم مع احتوائه على أصول كافة الأحكام، لم ينهج إلى التفصيل، ولم يتبع الجزئيات إلا في أحكام قليلة؛ كتشريعات العبادات والمواريث والأنكحة، وعقوبة بعض الجرائم[21].

 

وفيما عدا ذلك اشتمل القرآن على الأحكام الشرعية مجملة، تاركًا تفصيلها لبيان الرسول - صلى الله عليه وسلم - المتمثل في سنته - عليه السلام.

 

والسنة هي المصدر الثاني للأحكام الشرعية، وتعرف بأنها "ما روي عن النبي - عليه الصلاة والسلام - من أقوال أو أفعال أو تقريرات"[22].

 

وقد قام البرهان على حجية السنة بثبوت كون الرسول - عليه الصلاة والسلام - مبلغًا عن الله تعالى بإتيانه وبتلاوته للقرآن، وهو المعجزة الدالة على صدقه، وإخبار القرآن بكونه رسولاً من الله تعالى؛ قال - عز وجل -: ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا ﴾[23].


وأمر الله تعالى بالرجوع إلى السنة لاستنباط الأحكام؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾[24] وقال: ﴿ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ﴾[25]، وقال: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ﴾[26]؛ كما ثبت كون السنة وحيًا من الله تعالى لرسوله بقوله - عز وجل -: ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾[27].

 

والسنة ذات منزلة عظيمة في التشريع؛ لكونها تتضمَّن بيانَ وشرح ما ورد في القرآن، وتظهر المراد منه، فهي تبيِّن مجمل القرآن، وتخصص العام، وتقيد المطلق إلى غير ذلك؛ قال - عز وجل -: ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إليهمْ ﴾[28]، وقد حوت السنة العديد من الأحكام والتشريعات التي تنظِّم شؤون الدولة وعلاقتها بالرعية، فقد أقام الرسول - صلى الله عليه وسلم - دولة بعد هجرته إلى المدينة، وأظهر في سنته - عليه الصلاة والسلام - التشريعات والممارسات التي تبين علاقة الحاكم بالمحكوم وعلاقة الأمة بالدولة وعلاقة الدولة بغيرها من الدول، وسن أحكامًا عديدة تتعلق بأجهزة الدولة؛ نحو: أحكام الولاة والقضاة، وأحكام رعاية الشؤون، وقد بين علماء الأصول أن كافة ما صدر عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - في مجال التشريع ينبغي الاقتداء به والاتباع لهديه؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾[29]، وقوله - عز وجل -: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ ﴾[30]. ولم يستثن من ذلك إلا ما قامت القرينة الجازمة عليه بأنه ليس تشريعًا نحو ما كان من خصوصياته - عليه الصلاة والسلام - كمواصلة الصوم، أو كان فعلاً جِبليًّا صدر عنه بصفته البشرية؛ كاجتناب مطعون معين، أو كان أسلوبًا إجرائيًّا لأداء الحكم الشرعي، مما هو من عوائد الزمان؛ نحو استخدام السيف في القتال، أو حفر الخندق للدفاع، ونحو ذلك[31].

 

وباستثناء ذلك، فإن كافة ما حوته السنة من أحكام متعلقة بالأفراد أو بالدولة أو بالأحكام، يعد تشريعًا ملزمًا؛ لكون ذلك من سننه - عليه الصلاة والسلام - الواجبة الاتباع.

 

ويظهر مما سبق، التجاوز الذي يقع فيه بعض فقهاء الدستور الوضعي المعاصرين؛ من أمثال د. عبدالحميد متولي الذي يقول: "إن ما بعد تشريعًا وقتيًّا أو زمنيًّا، ما صدر عن الرسول - عليه الصلاة والسلام - باعتبار ما له من الإمامة والرياسة العامة لجماعة المسلمين؛ مثل: بعث الجيوش وتولية القضاة، ولا ريب أن الأحكام الدستورية تعد كذلك "[32].

 

وما يقرره بناءً على هذه القاعدة بأنه "بعيد عن الصواب ما يذكره الكثيرون... من أولئك الذين ينادون من قادة الفكر السياسي الإسلامي - بوضع دستور إسلامي من أن مصادر هذا الدستور هي أولاً القرآن والسنة "[33]، ولأن السنة في رأي متولي، "التي وردت في التفصيلات والجزئيات، أو التنظيمات أو التطبيقات لمبدأ أو لقاعدة كلية"[34].

 

تعد تشريعًا وقتيًّا غير ملزمة، ولا ينبغي الأخذ بها.

 

إن مثل هذا الاستنتاج من بعض فقهاء الدستور الوضعي مبني على عدم التفريق بين ما يعتبر أمرًا تنفيذيًّا، وأسلوبًا إجرائيًّا؛ نحو: استخدام وسيلة مادية معينة؛ كالسيف للقتال، أو الخيل للكر والفر، أو رسم خطة معركة ما، أو موضوع تأبير النخيل بهدف لقاح التمر، ونحو ذلك مما ذكر علماء الأصول عدم اعتباره تشريعًا لوجود القرينة على أنها أفعال دنيوية محضة، وأساليب ووسائل لا يقصد بها التشريع، وبين الأحكام الشرعية الجزئية والتفصيلية التي تبين الأحكام التنظيمية للدولة؛ حيث يخلط العديد من هؤلاء المعاصرين بين هذين الموضوعين نتيجة عدم معرفة حقيقة الفقه الإسلامي، وواقع التشريع الإسلامي من ناحية، ونتيجة لسيطرة أحكام الأنظمة الغربية التي تجعل من الصعوبة بمكان تصوُّر قيام حكم إسلامي مشتق من مصادره الأصلية.

 

ولقد أدى ما سبق ذكره إلى نفي ما اشتَهر بين المسلمين، وأجمع عليه السلف والخلف، وتواترت به الأخبار بوجوب الأخذ بالسنة في الأحكام الدستورية والقضائية.

 

يقول عمر بن عبدالعزيز - رحمه الله:

سنَّ رسول الله وولاة الأمر بعده سننًا الأخذ بها تصديق لكتاب الله، وليس لأحدٍ تغييرها، ولا تبديلها، ولا النظر فيمن خالفها[35].

 

كما خالف بعض المعاصرين من فقهاء الدستور الوضعي جميع علماء الأصول الذين أكدوا أن السنة ثاني الأدلة الشرعية، وتستنبط منها كافة الأحكام؛ سواء كانت دستورية، أو قضائية، أو أحكامًا للأحوال الشخصية، أو غيرها، وعد هؤلاء العلماء جميع ما ثبت عن النبي - عليه السلام - أحكامًا واجبة الاتباع ابتداءً لكل عصر، ما لم تقم القرينة الجازمة على خلاف ذلك.

 

أضف إلى ذلك أنه لا خلاف بين فقهاء المسلمين المعتبرين أن أحكام الإمامة كنظام سياسي، وأحكام الحدود والقضاء وغيرها، هي أحكام تشريعية تعالج أفعال العباد، وأنه يجب اتباع الرسول - عليه السلام - في جميعها، وأنه لا يوجد مطلقًا قرينة شرعية تدل على أن هذه الأحكام وقتية، أو خاصة بعصر وزمان معين دون غيره، أو ليس المقصود منها التشريع.

 

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية:

السنة هي ما قام الدليل الشرعي عليه بأنه طاعة لله ورسوله؛ سواء فعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو فعل على زمانه، أو لم يفعله ولم يفعل على زمانه؛ لعدم المقتضى حينئذ لفعله أو وجود المانع منه[36].

 

ويقول في موضع آخر لبيان أن الأصل اعتبار ما صدر عن النبي - عليه السلام - تشريع لازم واجب الاتباع:

كل ما قاله - عليه الصلاة والسلام - بعد النبوة وأقرَّ عليه ولم يُنسخ، فهو تشريع، والمقصود أن جميع أقواله يستفاد منها شرع، وهو - صلى الله عليه وسلم - لما رآهم يلقحون النخل، قال لهم: ما أرى هذا يعني شيئًا، ثم قال لهم: "أنتم أعلم بأمور دنياكم، فما كان من أمر دينكم فإليّ"، وهو لم يَنههم عن التلقيح، لكنهم غلطوا في ظنهم أنه نهاهم[37].

 

فالصحابة - رضي الله عنهم - عندما ذكر لهم أن التأبير للنخل لا يفيد، ظنوا أن ذلك تشريع نظرًا لما ترسخ لديهم في أن الأصل في أقواله وأفعاله عليه السلام التشريع، واستمروا على ذلك حتى بين لهم - عليه السلام - أنه لا يقصد التشريع، ولذلك فالأصل الأخذ بالسنة كتشريع دائم وليس وقتيا وأن يشمل ذلك كافة الأمور، ولا يستثنى من ذلك الا ما قام الدليل على استثنائه.

 

ولهذا يقول د. محمد فاروق النبهان أنه من الأمور المتفق عليها أن السنة... تعتبر مصدرا رئيسيا من مصادر التشريع سواء كان هذا التشريع عاديا أو دستوريا لا فرق في نظر الشريعة سواء كان هذا التشريع عاديا أو دستوريا لا فرق في نظر الشريعة بين حكم وحكم،... ولم يخالف في ذلك أحد ما عدا فئة قليلة ظهرت في القرن الثاني الهجري وشككت في إمكانية الاعتماد على السنة غير أن هذه الفئة قد اختفت فيما بعد أمام الأدلة الدامغة التي ووجهت بها[38].

 

ومما يجدر الإشارة إليه، محاولة بعض الفقهاء القانون الدستوري الوضعي، نفي الاستدلال بالسنة في الأحكام الدستورية بحجة أن معظم أحكام السنة أحكام ظنية لثبوتها بطريق الآحاد وهو الحديث "الذي يرويه الواحد أو الاثنان فصاعدا... دون المشهور أو المتواتر "[39]، وبالتالي الزعم بأن للحاكم أن "يغير بعض هذه الأحكام... كي تجيء مسايرة لمصالح الناس ومتفقة مع أمانيهم"[40]. وأنه لذلك فيما يتعلق بالقانون الدستوري يرى د. متولي أنه لا يجوز الأخذ بسنة الآحاد حين تكون مستقلة... لأهمية الأحكام الدستورية وخطورتها وأن سنة الآحاد غير يقينية[41].

 

والرد على هذه الشبهة يتلخص في أن الجهل بأحكام طرق إثبات الأحاديث حمل فقهاء الدستور المعاصرين على التوهم بأن أحاديث الآحاد ضعيفة مع أن:

أحاديث الآحاد التي يتحدث عنها علماء الأصول هي أحاديث صحيحة قد توفرت لها شروط الصحة... وأن كونها أحاديث أحاد لا يعتبر قرينة على عدم ورودها عن النبي - صلى الله عليه وسلم -... (كما توهموا) أن حديث الآحاد هو الحديث الذي يرويه راو واحد وهذا خطأ كبير عند علماء الأصول... (لأن) أحاديث الآحاد في نظر علماء الأصول تختلف كليا عن الأحاديث التي ينفرد بروايتها شخص واحد (و د. متولي) قد اختلط عليه الأمر ولم يميز بين النوعين[42].

 

أضف إلى ذلك أن العلماء لم يشرطوا القطع واليقين الا في العقائد وليس هناك دليل من الشريعة على أن الأحكام الدستورية ينبغي أن تكون يقينية قطعية... بل يكفي لإثباتها كون أحاديثها صحيحة حتى لو كانت روايتها بطريق الآحاد. حيث أن خبر الآحاد الصحيح "حجة للعمل به في الدين والدنيا "[43].

 

هذا فيما يتعلق بالسنة، أما الإجماع فهو المصدر الثالث للتشريع. ويعرف علماء الأصول بأنه "اتفاق جميع المجتهدين من الأمة في عصر من العصور بعد وفاة الرسول عليه السلام على حكم شرعي "[44].

 

والإجماع المعتبر عند جمهور الفقهاء والذي يعد مصدرا مستقلا بذاته هو إجماع الصحابة وذلك لما ثبت بالكتاب من ثناء الله تعالى عليهم قال - عز وجل - ﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ﴾[45] وقوله تعالى ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ﴾[46]، والصحابة امتازوا عن غيرهم بمشاهدة نزول التشريع وسماع الوحي والمعرفة التامة بما كان عليه الرسول عليه الصلاة والسلام من أحولا وما صدر عنه من أحكام مع ما توفر لهم من السلامة التامة في الحس اللغوي ولذا يستحيل عقلا اتفاقهم جميعا على منكر من غير أن يقوم أحد منهم بالتنبيه عليه، كما يستحيل عقلا أن يجتمعوا على حكم أو يقطعوا به على سبيل الجزم من غير أن يكون لهم مستند في ذلك من سنة الرسول عليه السلام. لذلك فإجماع الصحابة يكشف عن وجود دليل من الوحي ثبت لديهم. كما يستحيل إجماع الصحابة على خطأ شرعًا؛ إذ لو جاز الخطأ في إجماعهم، لجاز الخطأ في الدين لأنهم هم الذين نقلوا الينا الدين بإجماعهم، وعنهم أخذنا ديننا، وقام الدليل القاطع بقوله تعالى ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾[47] على حفظ الشريعة، وحفظها يستلزم بالضرورة حفظ إجماع الذين نقلوها إلى من بعدهم منزهة عن الخطأ والانحراف، ولذا فإن إجماع الصحابة دليل شرعي لا شك فيه.

 

أما إجماع غير الصحابة وعلماء العصور التالية فان الذي نختاره أنه لا يعد مستقلا بذاته بل هو تابع لمن قبلهم من جيل الصحابة، حيث أنه لم يثبت بدليل قطعي لأهل أي عصر سوى الصحابة الثناء من الله تعالى ورسوله كما لم يتحقق للعصور التالية ما تحقق لجيل الصحابة من مشاهدة التشريع فضلا عن تعذر تحقق إجماع جميع المجتهدين في العصور التالية لجيل الصحابة. وعليه فلا إجماع للمجتهدين مستقلا بذاته سوى إجماع الصحابة.

 

وقد شابه العديد من القوانين الوضعية ما تقرر في الإسلام من كون اتفاق المجتهدين على الحكم وإجماعهم يعد مصدرا تشريعيا، ومع كون هذه التشريعات الوضعية لم ترق إلى الحد الذي جاء به الإسلام بشأن الإجماع الا أنها في مجملها جعلت الاتفاق:

أساس جميع القوانين تشريعا وتطبيقا،... القوانين لا تصدر الا بموافقة أغلبية الهيئات التشريعية. وأن النظريات القانونية التي يجمع عليها معظم الفقهاء لها قوة ملزمة وان لم يصدر بها تشريع وأن القوانين الوضعية تجعل الحكم عند تعدد القضاة واختلافهم يخضع لرأي الاغلبية وعند اختلاف دوائر المحاكم العليا في تقرير المبادئ القانونية أو تفسير النصوص يكون الحكم لأغلبية قضاة الدوائر مجتمعين وهذا من غير شك لا يقارب الإجماع الأصولي ومع ذلك اعتبروه ملزما[48].

 

وقد فصل علماء الشرع في أحكام الإجماع الأصولي من حيث كونه صريحًا أو سكوتيًّا، أو ضمنيًّا؛ كإقرار الجميع وموافقتهم أحدهم على ما يظهره. والمتتبع للفقهاء في كل عصر يجد أنهم احتجوا بالقول الذي يظهر من الصحابة إذا لم يعلم مخالف له، وهو المعروف بالإجماع السكوتي، وذلك لأن "المعلوم من عادات الصحابة أنهم ما كانوا يسكتون عن قول الحق وما كانوا يخشون لومة لائم وما كانوا يخافون الجهر برأيهم "[49].

 

كما بين علماء الأصول أن إجماع الصحابة مع استناده إلى الوحي من كتاب وسنة إلا أنه مع هذا يعتبر مصدرًا مستقلاًّ بذاته؛ لأن احتياجه للمستند من كتاب وسنة إنما يكون ابتداءً لتكوين الإجماع لا غير، ثم بعد ظهور الإجماع وتحققه يمكن الاستنباط منه للمجتهد من غير احتياج، أو ملاحظة المستند.

 

وإجماع الصحابة سواء كان صريحا أو سكوتيا مصدر غزير للأحكام الدستورية الشرعية كأحكام البيعة والخلافة، ومصدر واسع للأحكام التنظيمية الشرعية في الدولة نحو صلاحيات الحكام والولاة وعلاقات الرعية بهم، حيث أن الصحابة رضي الله عنهم في عهد الخلافة الراشدة كانوا:

قلة في العدد مجتمعين في المدينة معروفين مشتهرين فكان من اليسر الوقوف على آرائهم، لا تعترض إجماعهم عقبات ولا صعوبات، خاصة أن عمر (رضي الله عنه) كان يحرم على كبار الصحابة وأهل الرأي منهم مغادرة المدينة إلى البلاد المفتوحة... (نظرا أيضا لما) اشتهر به الخلفاء الراشدون من عدم الاستبداد بالفتوى، والأخذ بالاستشارة وعرض المسائل على الناس حين لا يجدون حكما لها في الكتاب أو السنة فان استقر رأي الجماعة على حكم عملوا به...[50].

 

ومع ثبوت حجية الإجماع للأحكام الشرعية لدى كافة علماء الشريعة سلفًا وخلفًا، إلا أن بعض الكتاب المعاصرين خالف في ذلك، وادعى أن ما ثبت في جيل الصحابة من أحكام بالإجماع، أمر خاص بعصرهم، وأن الإجماع لذلك "لا يمكن أن يكون له مكان في العصر الحديث [51]"، وأن الإجماع "لا يعد في هذا العصر أداة تطور، إنما يعد أداة جمود [52]"، وأنه "لا يجوز أن يعد الإجماع تشريعًا عامًّا "[53].

 

وهذا الخطأ يعود إما إلى سوء الفهم الناجم عن الخلط بين ما يعد أسلوبًا إجرائيًّا غير ملزم، ثبت عن سنة الرسول - عليه السلام - وفي إجماع الصحابة، وبين الأحكام الصادرة عن هذين المصدرين والملزمة للامة من بعدهم كتشريع، أو لأن الكثير من المعاصرين جعلوا ما تقرره النظم الدستورية الغربية الأساس في الحكم على ما جاء به الشرع بدلاً من أن يكون الشرع حكمًا على القوانين الوضعية؛ ولذلك عندما ظهر لهم أن العديد من الأحكام القانونية والدستورية الشرعية الثابتة عن طريق السنة والإجماع تناقض النظم الغربية المعاصرة صار من غير المستساغ لديهم قبولها معا أدى إلى قولهم بإلغاء حجية الإجماع أو السنة كمصادر تشريعية للأحكام الدستورية أو القانونية للدولة وذلك هربا من الالتزام بقبول هذه الأحكام الشرعية.



[1]سورة النساء آية 60.

[2]سورة النساء آية 65.

[3] الإمام محمد بن إدريس الشافعي، الرسالة، تحقيق وشرح أحمد محمد شاكر، بيروت، المكتبة العلمية، (بدون تاريخ نشر)، ص 21.

[4] د. بدارن، مرجع سابق، ص 31.

[5] المرجع السابق، ص 42.

[6] د. عبدالحميد متولي؛ الشريعة الإسلامية كمصدر أساسي للدستور، الطبعة الثالثة الإسكندرية، منشأة المعارف، 1975، ص 19.

[7]التشريع الجنائي في الإسلام مقارنًا بالقانون الوضعي، الجزء الأول، بيروت، دار الكتاب العربي، (بدون تاريخ نشر)، ص 14 - 22.

[8]د. بدارن، مرجع سابق، ص 46.

[9] المرجع السابق، ص 28.

[10]عبدالوهاب خلاف، مرجع سابق، ص 197.

[11] ابن حزم، المحلى، الجزء الأول، مرجع سابق، ص 72.

[12] د. بدران، مرجع سابق، ص 55.

[13] الإمام جلال الدين الخبازي؛ المغني في أصول الفقه؛ تحقيق د. محمد مظهر بقا، جامعة أم القرى، مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي، 1403، ص 183.

[14]الموافقات في أصول الشريعة، الجزء الأول، مرجع سابق، ص 29 - 31.

[15]الموافقات، الجزء الثالث، مرجع سابق، ص 346.

[16]سورة النساء آية 59.

[17]سورة النساء آية 105.

[18]سورة المائدة آية 48.

[19]سورة الانعام آية 38.

[20]سورة النحل آية 89.

[21] د. بدران، مرجع سابق، ص 70.

[22] المرجع السابق، ص 76.

[23]سورة الاعراف آية 158.

[24]سورة الحشر آية 7.

[25]سورة النساء آية 80.

[26]سورة الاحزاب آية 36.

[27]سورة النجم آية 4.

[28]سورة النحل آية 44.

[29]سورة الحشر آية 7.

[30]سورة الاحزاب آية 21.

[31]د. عبدالغني عبدالخالق، حجية السنة، بيروت، دار القرآن الكريم، 1407 - 1986، ص 340.

[32]مبادئ نظام الحكم في الإسلام، مرجع سابق، ص 40 - 41.

[33]المرجع السابق، ص 43.

[34]المرجع السابق، ص 41.

[35]القاضي أبو الفضل عياض اليحصبي، الشفا تعريف حقوق المصطفى، الجزء الثاني، بيروت، دار الكتب العلمية، 1979، ص 18.

[36] مجموع فتاوى ابن تيمية، جمع وترتيب عبدالرحمن بن قاسم وابنه محمد، الجزء الحادي والعشرون، بيروت، مطابع دار العربية، 1398، ص 317 - 318.

[37]المرجع السابق، ص 12.

[38]نظام الحكم في الإسلام، الكويت، مطبوعات جامعة الكويت، 1393، ص 317.

[39]الخبازي، المغني في أصو ل الفقه، مرجع سابق، ص 194.

[40] محمد عبدالوهاب أبو زيد، سلطة الحاكم في تغيير التشريع شرعا وقانونا، القاهرة، دار النهضة العربية، 1984، ص 102 - 105.

[41] محمد فاروق النبهان، مرجع سابق، ص 318.

[42]المرجع السابق، ص 312 – 323.

[43]الخبازي، المغني في أصول الفقه، مرجع سابق، ص 194.

[44]د. بدران، مرجع سابق، ص 112.

[45]سورة التوبة آية 100.

[46]سورة الفتح آية 29.

[47]سورة الحجر آية 9.

[48]الشيخ محمد مصطفى شلبي، المدخل في التعريف بالفقه الإسلامي، القاهرة، (الناشر غير معروف)، 1959، ص 178.

[49]د. بدران، مرجع سابق، ص 122.

[50]المرجع السابق، ص 131.

[51]د. متولي، مبادئ نظام الحكم في الإسلام، مرجع سابق، ص 51.

[52]المرجع السابق، ص 59.

[53]المرجع السابق، ص 61.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الأحكام الشرعية المتعلقة برؤية الهلال
  • بحوث في السياسة الشرعية والقضايا المعاصرة
  • أفضل دستور مدني عرفه التاريخ البشري
  • الدرعية في المصادر التاريخية
  • لمحة عن النظام السياسي الإسلامي

مختارات من الشبكة

  • المصادر الشرعية للعقيدة الإسلامية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المصادر الشرعية للأنظمة العدلية (PDF)(كتاب - موقع أ. د. عبدالله بن إبراهيم بن علي الطريقي)
  • ملخص بحث: العلاقة بين النظام السياسي الإسلامي والنظام السياسي الديمقراطي دراسة تحليلية مقارنة(مقالة - الإصدارات والمسابقات)
  • فهرس بعض الكتب الواردة في كتاب "في مصادر التراث السياسي الإسلامي"(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • مصدر السلطة في النظام الأساسي للحكم من منظور السياسة الشرعية (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مكانة السنة المطهرة كمصدر ثاني من مصادر التشريع الإسلامي(مقالة - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • الاستشراق مصدرا من مصادر المعلومات عن العالم الإسلامي المعاصر (WORD)(كتاب - موقع د. علي بن إبراهيم النملة)
  • الاستشراق مصدرا من مصادر المعلومات عن العالم الإسلامي المعاصر (PDF)(كتاب - موقع د. علي بن إبراهيم النملة)
  • شبهات معاصرة حول المصادر الأساسية للتشريع الإسلامي (PDF)(كتاب - آفاق الشريعة)
  • التجريب السياسي التاريخي والتاريخ السياسي وعلاقتهما بسياسة المجتمعات(مقالة - ثقافة ومعرفة)

 


تعليقات الزوار
1- استفسار
محمود - سوريا 07-09-2013 10:53 PM

يقول الكاتب : ( حيث أنه لم يثبت بدليل قطعي لأهل أي عصر سوى الصحابة الثناء من الله تعالى ورسوله ) ...
ـ ألا يعتبر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( خير القرون قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ) ، ألا يعتبر هذا ثناء ؟ .
كذلك قوله تعالى : ( والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ) وإن كان هذا عاما في كل من جاء بعدهم وأول من يدخل فيه التابعون ـ رحمهم الله ـ .

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب